هل تقوى أميركا على محاكمة السعودية؟
مثل إبطال الكونغرس الأميركي "فيتو" الرئيس باراك أوباما بشأن مشروع القانون المسمى "العدالة ضد رعاة الإرهاب"، دليلا على تأزم العلاقات الأميركية-السعودية، حيث يسمح للناجين وعائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 بمقاضاة دول أجنبية في قضايا الإرهاب.
حلقة (2016/10/3) من برنامج "في العمق" تناولت أجواء العداء للسعودية في الإعلام والكونغرس الأميركي، التي تبلورت مؤخرا بقانون "غاستا" الذي يتيح لمواطنين أميركيين مقاضاة أي دولة يزعمون أنها تدعم الإرهاب.
ورغم ما جرى في مجلس النواب الأميركي، فإن الأستاذ في مركز النزاعات الدولية بمعهد الدوحة إبراهيم فريحات استبعد تطبيق هذا القانون بشكله الحالي، وأعرب عن قناعته بأن القانون سيمر بالكثير والكثير من التعديلات قبل أن يدخل حيز التطبيق.
ومن وجهة نظر فريحات فإنه إذا طبق هذا القانون بشكله الحالي فإنه سيقلب أسس العلاقات الدولية ويحدث ثورة في عالم العلاقات الدولية، ولا توجد دولة جاهزة لهذا الأمر بما فيها الولايات المتحدة.
وأوضح أن المشكلة ليست في القانون وإنما في النموذج الديمقراطي الأميركي الذي يقوم على إدارة السياسة الخارجية بأجندات داخلية (انتخابية محضة) لأعضاء الكونغرس، والمثال الصارخ في هذا المجال هو الانحياز السافر والتاريخي إلى الاحتلال الإسرائيلي، مع العلم بأن هذا يضر بسمعة الولايات المتحدة ومصداقيتها ومصالحها في الشرق الأوسط.
وبحسب فريحات فإن أخطر ما في القانون هو أنه يمنع احتكار الحكومة الأميركية لتعريف الدول الداعمة للإرهاب، بحيث يصبح بإمكان أي محكمة أميركية أن تعرّف هذه الدول. كما أن القانون يسمح بمبدأ المعاملة بالمثل، والسياسة الخارجية الأميركية مثقلة بانتهاكات حقوق الإنسان في كثير من دول العالم.
وحول تراجع العلاقات السعودية-الأميركية مؤخرا، أوضح أن هناك أفكارا أميركية بالتوجه إلى آسيا بدلا من الشرق الأوسط، لكن تخلي واشنطن عن منطقة مهمة كالشرق الأوسط يعني تراجع دورها العالمي، لذلك فهو يرى أن الولايات المتحدة لن تستمر في سياسات أوباما بعد رحيله.
أسباب الأزمة
بدوره أكد المسؤول السابق في وزارة الدفاع الأميركية ماثيو ماكينيس أن هناك الكثير من العوامل التي جعلت هذا القانون يمر وبدعم كبير داخل الكونغرس. أولها المعلومات المتعلقة بدور بعض المواطنين السعوديين في أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، بالإضافة إلى أن هناك إحباطا داخل الكونغرس من الحرب في اليمن.
وأضاف ماكينيس أن "هناك تعاملا عاطفيا مع أهالي ضحايا 11 سبتمبر في محاولة لتحقيق نوع من العدالة لهم"، ورأى أن الكونغرس أراد دعم هذا التوجه في عام انتخابي، كما أنه لم يهتم بتداعيات هذا القانون الذي يهدم مبدأ الحصانة الدبلوماسية للدول، التي يتمتع بها الجميع وفقا للنظام العالمي، مشيرا إلى أن تطبيق القانون يمكن أن يساهم في محاسبة عسكريين أميركيين في الخارج.
وتابع أن السعودية ما زالت حليفا قويا للولايات المتحدة رغم تضاؤل الدعم لها، وليس هناك تغير مباشر في العلاقات الأميركية بالمنطقة العربية، رغم أن فترة أوباما شهدت تحولات دراماتيكية في العلاقات مع السعودية مقابل تطور في العلاقات مع إيران.
وحول أسباب تراجع الدعم الأميركي للسعودية، رأى ماكينيس أن من بينها زيادة نمو أنشطة المتطرفين السُّنة، كما أن الكثيرين في الغرب ينظرون إلى تنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية على أنهما فروع للوهابية السعودية، ويرون أن على الرياض أن تعيد النظر في مناهجها التعليمية لتتوقف عن تصدير الأفكار "الإرهابية".
عواقب وخيمة
أما الكاتب والإعلامي السعودي جمال خاشقجي فأكد أن مجلس الوزراء السعودي حذر في بيان رسمي من عواقب وخيمة -لم يسمها- لهذا القانون.
وأوضح خاشقجي أن السعودية تركز جهدها على التهدئة لأن الأميركيين في حالة اكتشاف لأخطاء هذا القانون، وأضاف "صحيح نحن في مرحلة انتخابات ومن الصعب سحب القانون أو إعادة التصويت عليه، لكن ربما يحدث شيء في المستقبل يدفع أعضاء الكونغرس لإسقاط القانون".
وشدد على أن هذه معركة دبلوماسية وعلى المملكة أن تضغط وتجمع حلفاء معها، مشيرا إلى أن هذه المسألة كانت حاضرة في اجتماع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن نايف آل سعود مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
ولم ينكر خاشقجي أن العلاقات السعودية-الأميركية تمر بأكبر شرخ في تاريخها، مشيرا إلى أن مرد ذلك إلى اختلاف وجهات النظر بشأن أزمات سوريا والعراق. وأضاف "يبدو أن السعودية لا تزال تدفع ثمن أحداث 11 سبتمبر، كما أن ظهور تنظيم الدولة أشعر أميركا مجددا بخطر الإسلام السني".