في العمق - الديمقراطية والتيارات السياسية العربية - صورة عامة
في العمق

الديمقراطية والتيارات السياسية العربية ج3

تتناول الحلقة التيارات السياسية والفكرية كفاعل رئيسي في أي نظام ديمقراطي مرتقب أو محتمل، وما جرت عليه العادة من تصنيفات كالتيار القومي، والتيار الإسلامي، والتيار اليساري.

– التيارات السياسية العربية والفعل الديمقراطي
– مدى تأثير وفاعلية التيار القومي

– التيار اليساري واحتمالية التلاشي

– الليبراليون وموقفهم من الأنظمة الاستبدادية

– التيار الإسلامي والنظام الديمقراطي

 

‪علي الظفيري‬ علي الظفيري
‪علي الظفيري‬ علي الظفيري
‪عزمي بشارة‬ عزمي بشارة
‪عزمي بشارة‬ عزمي بشارة

علي الظفيري: أيها الإخوة والأخوات أسعد الله أوقاتكم بكل خير، أحييكم في هذه الحلقة الثالثة من سلسلة الحلقات الرمضانية، إن جاز التعبير، والتي خصصناها لملف الديمقراطية مع المفكر العربي الدكتور عزمي بشارة، مرحبا بك مجددا دكتور، في  الحلقة الأولى تناولنا الديمقراطية من زاوية نظرية، في الحلقة الثانية تحدثنا عن واقع الديمقراطية في العالم العربي، اليوم نتحدث عن التيارات السياسية والفكرية كفاعل رئيسي في أي نظام ديمقراطي مرتقب أو محتمل، تقليديا جرت العادة على التصنيف التالي، التيار القومي، التيار الإسلامي، التيار اليساري على الاقل، هل هذا كافي اليوم لفهم أو لتصنيف على الأقل ما هو موجود، ما هو قائم اليوم في عالمنا العربي؟

التيارات السياسية العربية والفعل الديمقراطي

عزمي بشارة: هذا التصنيف صحيح إذا ما شملنا الأحزاب والتيارات الأيديولوجية، التي لها أيديولوجية كبرى، أو حتى سردية كبرى، بعض الفلاسفة الفرنسيين يستعملون تعبير السردية الكبرى يعني لديهم رواية لمجرى التاريخ العربي، لديهم حكاية يقصونها من وراء أيديولوجياتهم يعني، بهذا المعنى، طبعا أنا لست مع ما يسمى الما بعد حداثيين كأن هذه الأيديولوجيات انتهت، لا، موجودة، وموجودة لأن مسبباتها موجودة، يعني لا القضايا العربية انتهت وانحلت، ولا هي غير قائمة كما يدعي البعض بل بالعكس ازدادت واقعية اثناء الثورات، إنما ظهر كم هي عربية، وكم هي وطنية في الوقت ذاته هذه الثورات يعني، ومسائل اليسار متعلقة بالقضايا الاجتماعية وغيره، نتطرق إلى ذلك، والتيار الإسلامي الثلاثي غني عن القول، إنه موجود، أو الإسلام عموما، ولكن أعتقد لم يعد يكفي لأسباب عديدة، أولا لأن هذا التقسيم في يوم من الأيام لم يأخذ بعين الاعتبار ما يسمى بحزب النظام، كل نظام كان له حزبه، حزب المصالح والانتهازية، هل تعتقد أن هذا يختفي مع زوال الأنظمة؟ طبعا لا يختفي، حتى في الديمقراطيات يتجمع انتهازيون يريدون الوصول إلى السلطة، يدرسون قواعد اللعبة ويذهبون، يعني صحيح إنه لدينا يجب أن يتعاملوا بشكل مختلف في الديمقراطية ولكن دائما هنالك حيز في العمل السياسي، دائما هناك في مجال العمل السياسي لمن يعرفون من أين تؤكل الكتف، بالمعني السلبي للكلمة، يتعاقدون مع أصحاب المصالح، يغيرون أيديولوجياتهم حسب الطلب، إلى آخره، هذا سيكون موجود، في حزب النام هذا دائما كان قائم، تيار من المثقفين الدين ينظرون له، يعني صعب حصر عددهم حتى من كثرتهم، معتادين على التنظير للأنظمة، إذن هذا موجود.

علي الظفيري: ولكن حزب النظام كان ضمن فلك هذه التيارات الفكرية القائمة اليوم، إما أن يكون قوميا أو إسلاميا في بعض الأحيان.

عزمي بشارة: قلّما، في بعض الحالات كان قوميا، صحيح، في حالات البعث، بس فيما بعد عبد الناصر لم يحكم تيار قومي مصر، ولا ليبيا، وكثير من الحالات حتى في الدول التي حكمها تيار قومي كان تيار قومي معارض وموجود، وبقوة، يعني دعني أقول التيارات التقليدية القائمة في سوريا، في أجزاء أساسية من المعارضة إما منشقة عن حزب البعث، أو تيار اشتراكي قومي، أو تيار ناصري، معارضة، موجودة وكانت في السجون، إذن هو لأ ليس موجود حتى في السلطة حتى في الدول التي حكم فيها، والإسلام السياسي أين نستطيع أن نقول حكم ولم يكن لدينا، لدينا حالة في السودان.

علي الظفيري: في السودان فقط.

عزمي بشارة: ولكن كان لدينا إسلام سياسي معارض ولكن لا نستطيع أن نقول أنه ضمن ما يسمى حزب السلطة، حزب السلطة أنا في رأيي حتى حالات ما يسمى فيها تيار قومي، حزب السلطة الرئيسي يكون حزب المنتفعين والانتهازيين في الاستبداد.

علي الظفيري: حتى نخرجه   من هذه الدائرة، نخرجه من فلك التيارات القومية.

عزمي بشارة: تقاطع، طبعا كان في جزء.

علي الظفيري: تقاطعات فكرية مصلحية.

عزمي بشارة: استخدم نعم أيديولوجية تبريرية استخدمت، في بعض الحالات كانت بداياتها بالتأكيد كانت تطلع حقيقي، يعني بالتأكيد كانوا مناضلين في البدايات، وكانوا مثقفين مخلصين، ولكن فسدوا، تعسكرت السلطة، قامت حركات، متأسف قامت جماعات مصالح تخطت حتى الحزب السياسي، وأصبح الحزب السياسي مجرد غطاء لتبرير النظام، ومع ذلك لا يستثني أن يكون فيه ناس صادقين، يعني أنا أقول الأمور ليست بهذه البساطة، ومن الخطأ طرح الأمور بهذه البساطة، في الديمقراطية ما دمنا في النظرية الديمقراطية في  كل هذه الحلقات، أحد المخاطر الرئيسية للفكر الديمقراطي على الشارع هو ما يسمى ديماغوغ من أثينا، عندما كان يكون زعيم للعامة، عامة أثينا، ويبسط الأمور، يعني قضايا معقدة يبسطها، ينزع دائما نحو التطرف، إلى تخوين الطرف الآخر، إلى الدعوة دائما إلى الفعل، إنه يتكلمون، يجب أن نفعل، هو ماذا يفعل؟ هو يتكلم، دائما هنالك متكلم يتهم الآخرين بالتكلم وهو كل ما يفعله أنه يتكلم أيضا، ولكن يتكلم كلاما عنيفا، ينزع الشرعية عن الكلام، هذا منتشر الآن جدا، ومنتشر كثيرا عندما تتعمم السياسة بشكل، يخرج لديك الكثير من الناس الديماغوغيون، يعني الذين يطرحون الأمور المعقدة بتبسيط، والذين لا يريدون أن يرى تركيب القضية ويتهمون من يرى التركيب أنه يتكلم، هم يتكلمون، ولكن يتكلمون كلام سخيف يعني، الآن عموما، لذلك هذه الأمور يجب أن نراها حقيقة ولكن يجب ان نرى أيضا تغيرات، التيار الإسلامي السياسي مرّ بتغيرات كبرى منذ السبعينات، حتى منذ تنظيرات سيد قطب الذي صنع الانقلاب الأول في الإسلام السياسي مع أبو الأعلى المودودي نحو دعني أقول الفكر الأكثر ثورية، عدم الاكتراث بالإصلاح والاتجاه نحو استلام نظام الحكم كطريق لإصلاح المجتمع، في كان حركة الإخوان المسلمين عموما تاريخيا، كانت حركة إصلاحية وليست ثورية، تدعو إلى تغيير المجتمع.

علي الظفيري: بالتدرج بالموضوع.

عزمي بشارة: بالعمل، والتدرج وإلى آخره، منذ ذلك الحين طبعا انشق التيار إلى تيارات جهادية، تيارات أقل، إلى آخره، مر بتحولات كبرى، ولكن التيار الرئيسي، ما ميّز التيار الرئيسي فيه رغم الانشقاقات، يعني لديك انشقاق جهادي، لديك مناح أخرى مش من الإخوان من خارجهم، تبلور تيار سلفي ناجم عن الاحتكاك مع الجزيرة العربية، وأمور أخرى كثيرة، ثم تقاطع بين الجهادية والسلفية وإلى آخره، يعني العديد من التقاطعات، لا أستطيع أن أرسم الشجرة الآن، ولكن هناك فعلا ما يشبه الشجرة في تشعباتها، ولكن دائما كان هناك تيار رئيسي يشق طريقه باستمرار، رغم كل هذه التشعبات وكذا، وهذا التيار الرئيسي باعتقادي شق طريقه باتجاه تعديل الخطاب السياسي نحو قبول الخطاب الديمقراطي، يعني التصالح هي بداية مع المجتمع الإصلاحي، ثم ليس قبول الخطاب الديمقراطي، استخدام الخطاب الديمقراطي، يعني طرح قضاياه كقضايا حقوق ديمقراطية، في النضال ضد الدولة، هذا أدى إلى تقاطع قوى ديمقراطية ونشوء تفاعلات أدت إلى تغذية فكرية، إلى تثاقف، إلى تفاعل فكري أنا باعتقادي سينجب في نهاية الأمر تغييرات لأنه يصعب في دول العالم المعاصر أن تكون الديمقراطية أداة، هذه الأداة تعود وتغير المستخدم بالتدريج، يعني لا تستطيع كل الوقت أن تطالب بديمقراطية، الجاليات الإسلامية في الغرب اللي فيه من ضمنها حركات إسلامية، بأي خطاب تستخدم عندما تطرح حقوقها؟

علي الظفيري: عبر الديمقراطية.

عزمي بشارة: تستخدم الخطاب الديمقراطي، بالتدريج، الجيل الثاني، الجيل الثالث.

علي الظفيري: تتغير هي.

عزمي بشارة: تتغير هي، ويتغير جيل، يتثقف على قضية مبادئ الديمقراطية.

علي الظفيري: طيب.

عزمي بشارة: إذن هناك تغيرات، أعتقد أنه أيضا، خلينا أولا نبدأ البداية الصحيحة، لم يكن اي من هذه التيارات ديمقراطيا، لا التيار القومي كان ديمقراطي، ولا التيار اليساري كان ديمقراطي، ولا التيار الإسلامي كان ديمقراطي.

علي الظفيري: السؤال لماذا لم يكن ديمقراطيا؟ يعني، هذه التيارات لماذا لم تكن ديمقراطية؟

عزمي بشارة: أولا لأنه عموما، لم تكن، حتى نكون منصفين مع الناس، ما نخوّنهم، في هيك استعجال لتكفير الناس، وفي غرور إنه كل واحد بده يبدأ من الصفر، بتعرف انا قلت لا نريد ان نكون أول من، دائما في أول من دعا، في تلك المرحلة في العالم الثالث لم تكن الديمقراطية مطروحة، الأمور المطروحة كانت بناء الدول، بناء المؤسسات، بناء الدولة الوطنية، استكمال مهام الثورة الوطنية التحررية، كما كان يستخدم المصطلح، التيار الإسلامي كان بعده يتكلم عن آثار تفكك الدولة العثمانية، ويتحدث عن هذا الموضوع، ومشغل هذا الموضوع بالأساس، وأسلمة المجتمع والدولة، التيار اليساري كان متأثر بحركات يسارية أخرى في العالم لم تكن ديمقراطية، يعني لم يكن أي من هذه التيارات ديمقراطية، ولكن دائما كان هنالك مثقفون ديمقراطيون في الوطن العربي، ليبراليون.

علي الظفيري: من كل التيارات؟

عزمي بشارة: من كل التيارات، في كان يساريون مثقفون اختلفوا مع أحزابهم، قوميون ديمقراطيون اختلفوا مع حركاتهم وأحزابهم، إسلاميون ديمقراطيون لديهم إنتاج فكري هام منذ فترة الإصلاح حتى الآن، فكري هام يعني، يعني ماذا أنا أعتبر كل حركة الإصلاح، من الكواكبي، وعبده.

علي الظفيري: محمد عبده.

عزمي بشارة: ماذا أعتبرهم؟ هم إسلاميون، بمعنى أرادوا أن يجعلوا الإسلام مهتما بقضايا المجتمع والدولة، يعني لم يكتفوا، لم يقبلوا بدور المؤسسة الإسلامية المنغلقة على نفسها، والمنشغلة في قضايا يعني صغائر الأمور، وإنما أرادوا أن تهتم بالمجتمع والدولة كرد على التغريب، بهذا المعنى هم إسلاميون، ولكنهم إسلاميون إصلاحيون، ديمقراطيون، في الأحزاب الإسلامية لاحقا تجد بعض بقايا هذا التيار، من طوّر فكرا وكتب كتبا، وعديد يعني، الستينات، والسبعينات، والثمانينات، في القرن الماضي تكثر مثل هذه الأدبيات من كل التيارات، إذن كان هنالك ديمقراطية، كان هنالك أيضا تيار ليبرالي يبني على تقاليد الليبرالية الوطنية في حالات معينة، مثلا في مصر، هنالك تيار ليبرالي عميق في مصر، يمتد من الأحزاب السابقة، الحزب الدستوري وغيره، وبعض عناصر الوفد في مراحل معينة، اللي يعودون لمنابع الليبرالية المصرية من ضمنها طه حسين، وإلى آخره، مع تقاطع مع الوطنية المصرية، والدولة الوطنية المصرية، ولكن كان هنالك في كافة الدول العربية ليبراليون بمعنى يدافعون عن الحريات المدنية، والحقوق المدنية، وينتقدون الاحزاب الأيديولوجية رغم صعوبة انتقادها في تلك المراحل، على قضايا الحقوق المدنية، في بعض الأحيان ليبرالية اقتصادية، بمعنى معارضة للتأميم، معارضة لكذا، وهذا موضوع آخر طبعا، لم يتمتعوا دائما هؤلاء بالدفاع عن حقوق المواطن والإنسان، إذن كان هنالك، ونحن لا نبدأ من الصفر، يعني لا أحد يستطيع أن يقول لي في العالم العربي الآن أنه سيبدأ كل شيء من جديد، ولكن بالتأكيد المسائل الخلافية التي كانت قائمة، الانقسام الأيديولوجي الذي كان قائما، الوضع العالمي الذي غذاه، الاتحاد السوفيتي، المعسكر الاشتراكي.

علي الظفيري: الثنائية القطبية.

عزمي بشارة: العالم ثلاثية التي كانت قائمة في حالة دول عدم الانحياز، كل هذا الواقع الذي كان قائما، ويغذي مل هذه الانقسامات الأيديولوجية في العالم العربي طبعا اختلف تماما يعني.

مدى تأثير وفاعلية التيار القومي

علي الظفيري: طيب، نبدأ بالتيارات الآن، التيار القومي، هو في سؤال مهم حول التيارين تحديدا، التيار القومي، واليسار، حول وجودهما اليوم، حول تأثيرهما، حول فاعليتهما، كيف تراها على الأقل في الدول التي أتاحت لهم فرصة لظهور التيارات؟ أو لفاعلية التيارات وليس ظهورها أقصد انتخابات وغيرها.

عزمي بشارة: نعم، طبعا موجودين، وفي بعض الحالات أظهرت الانتخابات تنوع أكبر ما كنت حتى نتصور.

علي الظفيري: وين مثلا؟ 

عزمي بشارة: في مصر، حتى في تونس، في تنوع أكثر مما كنا نتصور، بمعنى دعني أشرح لك ما أقصد، في فترة معينة ناتجة عن اشتباك بصري، وأيضا تضليل من قبل الأنظمة، ولكن أيضا واقع حقيقي قائم على الأرض، في فترة الاستبداد تنشأ ثنائية الاستبداد ودعني أسميها المسجد، يعني المكان الذي يمكن أن يجتمع فيه الناس، ويعبروا وكذا إلى آخره، شبكة كاملة من المؤسسات الدينية والخيرية التي كان بإمكان الإسلام السياسي أن يستخدمها، التيار الإسلامي أو الحركات الإسلامية، هذه الثنائية، اعتقد البعض إنه هكذا المجتمع مبني.

علي الظفيري: الاستبداد أو الإسلاميين.

عزمي بشارة: وهذا ضلل الناس الذين تضامنوا مع الاستبداد خوفا من الإسلاميين، معتقدين أن البديل الوحيد للاستبداد كان الإسلاميين، لم يروا أمرين، أولا عندما ينفك الاستبداد ويتفكك، ينشأ التنوع الاجتماعي اللي كان قائم مع هذا الاستبداد، وثانيا، الإسلاميين أنفسهم يتغيرون، مش جوهر ثابت للأبد، هذه أحزاب سياسية في النهاية، لا أتحدث عن الإسلام، أتحدث عن الأحزاب السياسية الإسلامية، هذه أحزاب سياسية، تتغير تتبدل، بشر، تجتهد إلى آخره، تتغير حسب الظروف، تستفيد، تخطئ تصحح خطأها، إلى آخره، هذا ما لم يره الناس، الآن أنظر إلى تونس، تونس تيار الإسلام السياسي أولا تغير كثيرا، ولم يتغير فقط بالمنفى، أنا أعرف من المناضلين الذين كانوا في السجون أكثر من خمسة عشر عام، يمثلون اليوم الأكثر ديمقراطية في التيار، الأكثر انفتاحا نحو الآخرين، ولذلك أيضا تيار كامل، شيخ راشد بلوره بهذا الاتجاه، ثم لديك منصف المرزوقي، كيف تصنفه؟ هذا حزب، تيار موجود، تقاطع بين إسلام وعروبي، هو شخص عروبي، هو يتحدث بالوحدة العربية ولكن بالسبل الديمقراطية، وفي نفس الوقت هو يساري في تطلعاته المساواة الاجتماعية وحقوق الإنسان، وإلى آخره، مصطفى بن جعفر لديه نزعات يسارية.

علي الظفيري: بس حدثت تغييرات جذرية في التيار القومي التقليدي، بمعنى هو عروبي ديمقراطي، ينحو منحى العدالة الاجتماعية في طرحه.

عزمي بشارة: التيار الديمقراطي، التيار القومي، فيما عدا الشباب فيه، ومؤخرا فقط بعد جهد جهيد، واجه صعوبة في تكييف نفسه لقضية الديمقراطية، وفي حالات معينة وضعت منتديات كبيرة قام بها التيار القومي مثل مركز دراسات الوحدة العربية الأخيرة، حول الديمقراطية مبكرا، من ثمانينات القرن الماضي، وأثاروا قضية الديمقراطية في الوطن العربي إلى آخره، يمكن التيارات السياسية، لا أتحدث عن المثقفين، التيارات السياسية الحزبية القومية، لا أعتقد أنها كانت، تكيفت بموجب، سواء في سياستها الحزبية الداخلية أو في نظرتها للدول، بقيت دائما تتصرف بأن القضية القومية هي فوق كل شيء دون الأخذ بعين الاعتبار، يعني تغلب دائما هذه القضية على قضية الديمقراطية في كل دولة، لو بقيت أسيرة فيها الحقيقة جميعا، يعني الحزب السياسي القومي بقي أسيرا لفكرة أن القضية القومية هي الأساس وهذا أدى إلى تقاطعات كثيرة مع الدول والأحزاب، والأنطمة وتصالحات، ومساومات، ولكن الحديث هو في غالبية الأمر، في أغلب الحالات عن ناس معارضين ومناضلين، عانوا من الاستبداد، ودخلوا السجون نتيجة الاستبداد، ولكن الآن ليس باستطاعتهم أن يشكلوا حالة ثقافية، سياسية  متعلقة بالهوية العربية وضرورة الحفاظ عليها، بالتأكيد على التعاون بين الدول العربية، هذا ما يميزهم، بالتأكيد على فكرة ضرورة التكامل والتضامن العربي، بالتأكيد على قضية الهوية العربية للدول العربية، أو اللي هي الأغلبيات في الدول التي توجد فيها أقليات، ضد التفتيت الطائفي والقومي، هذه قضية بسيطة، هذه قضية جوهرية، سيكون لهم مكان كبير إذا ما كيفوا أنفسهم لقضية الديمقراطية، واستوعبوها ليس أداتيا، تشربوها تماما يعني.

علي الظفيري: أنت انتقدتهم بشكل مبكر دكتور، هذه المسألة، وتحديدا إعلاء هذا الفكر القومي وتجاهل تماما مسألة إدارة الدول وفق النظام الديمقراطي، الآن، كيف ضر هذا الأمر لدى القوميين فكرة القومية، فكرة الاتحاد العربي، فكرة التعاون العربي، فكرة الاندماج العربي بأي شكل من الأشكال؟ 

عزمي بشارة: كنا نخشى أخ علي أن هذا يؤدي لنفور الشباب، ونفور الناس من، تذكر هذا النقاش كان يدور كثيرا في الفترة الأخيرة، من القضية القومية، والعرب والعروبة والكفر بها، ثبت أن هي ليست عقيدة ليكفر بها أصلا، وإنه الناس عرب، يعني لا يستطيعون أن يخرجوا من جلدهم في هتافاتهم في أقوالهم، في تفاعلهم مع الوطن العربي، وما يجري الآن عربيا، يعني من اللي يجلس على التلفزيونات في الوطن العربي يراقب سوريا؟ من اللي يجلس أوزباكستان؟ كازاخستان؟ اللي جالس الآن مهموم سوريا من المحيط للخليج هم العرب يعني، هلأ يقول شيء عن هوية سوريا، ويقول شيء عن هويتهم يعني، إنه بدون هذه الأيديولوجيات، في شيء سميته انا في بداية الثورات، في شيء وجداني، له علاقة بالانتماء، وهي بالنهاية هذه هي، ليست أكثر من هذا، ولكن هذا مهم لماذا؟ لأنه يجعل اللغة، الثقافة هي الأساس، وليس الجماعات الصغيرة والطوائف وكذا وإلى آخره، ويطرح أفق واسع للعمل السياسي، طبيعي لأنه يرتكز إلى تاريخ، إلى تطلعات مشتركة، إلى منطقة كبرى.

علي الظفيري: دكتور، ما حد اختلف مع هذا الأمر، يعني الإسلاميون أيضا هم عروبيين، اليسار، لكن التركيز الشديد على هذه المسألة فقط ربما أثر سلبا.

عزمي بشارة: ليس على هذه المسألة، لا، على مسائل أخرى، على انتظار الزعيم البطل، على الوحدة العربية المفروضة من دولة واحدة، النظريات، إقليم القاعدة، أستطيع أن، لا، يا ريت الانشغال بهذا، أنا أقول الانشغال بهذا زائد التكيف للنظرية الديمقراطية، يعني للواقع الديمقراطي، وأنهم حركة من باقي الحركات، وحزب من باقي الأحزاب، وإلى آخره، أو الاعتقاد إنه ما في حاجة، العمل في كل الحركات على هويتها العربية، إذا لم يكن لديك شيء تطرحه، إذا لم يكن لديك شيء متميز تطرحه، على مستوى الحقوق، على مستوى المواطنة، على مستوى علاقات الدول بين بعضها، عندك برنامج خاص تطرحه، الاكتفاء بالتأكيد على عروبة باقي الأحزاب، وأن تدخل فيها جميعا يعني، لأنه لا تستطيع الفكرة القومية أن تكون هي بذاتها حزبا، وإلا هذا سيكون شيء أول شيء فقير جدا من حيث البرامج، وثانيا ممكن أن يتحول في نفس الوقت إلى فكر متعصب، ولذلك يجب أن يغنى بماذا؟ بقضايا الناس، يعني أنت تطرح كتيار سياسي في إطار كيان سياسي، اسمه مواطنين ودولة، هذا الكيان السياسي، أنت تطرح في إطاره فكرتك العربية، لا تطرح الآن قبل استقلال الدول تريد أن توحد، وكذا وفقط، يجب أن تتعامل مع قضايا الناس وتتفاعل معها مرتكزا على عنصر قوة هائل عندك إذا عرفت كيف تستخدمه، وهون هؤلاء عرب، وإنه هذه لغتهم، وطبيعي إنه لا ينفروا من ذلك، وأنه من ينفر من ذلك مغرض، إما ايدولوجيا لأن الاستعمار أكثر ما يكرهه هذه المنطقة ووحدتها والتعاون العربي، أو إسرائيل اللي ترى فينا طوائف وعشائر، او بعض العرب المتضررين من فكرة التعاون العربي، والذين يولون وجوههم تجاه أوروبا، يعني عشقوا أن يكون مستعمرا، لا يريد أن يكون كيان ذا سيادة، هذا أنا أعتقد الأمر الرئيسي، المهمة الرئيسية الملقاة على عاتقهم الآن هي هذه، وأنا بعتقد إنه فقط جيل الشباب يعني في جيل ثاني، وثالث.

علي الظفيري: وين أصحاب الاتجاهات القومية اليوم دكتور؟ يعني في تونس أشرت طبعا الرئيس مثلا، وهو شخصية معروفة.

عزمي بشارة: ليس فقط الرئيس في تيارات أساسية.

علي الظفيري: تيارات موجودة، لكن في مصر.

عزمي بشارة: المثقفين، موجودين.

علي الظفيري: أقصد تيارات سياسية، كتيار سياسي قومي.

عزمي بشارة: في تشكلات الآن، تحديدا بعد الانتخابات بدأت التشكلات، ولكن ليس هذا ما يهمني، هذا تيار، خط ثقافي موجود، يعني يغني الحياة الثقافية العربية، يجب أن لا نستخف بأهمية مثقفيه وأقلامه وكتابه، وضرورتهم، ووجودهم للتذكير دائما بهذا الجانب المتعلق بالتكامل العربي، بالوجود العربي، باللغة، بالهوية، بالتأكيد على هذه العناصر المتعلقة بالتاريخ المشترك، بتصور تاريخ المستقبل الأمة العربية، الإعداء للاستعمار، والتفكير بالإعداء للاستعمار، هذا مش قضية سهلة، يعني هذا أمر مهم للغاية.

علي الظفيري: طيب.

عزمي بشارة: أنا أعتقد أن هذا موجود، ولكن لن يستطيعوا أن يشاركوا في الحياة السياسية كحزب سياسي إذا لم يتبنوا الديمقراطية، فكرا وممارسة، وليس فقط هيك حلول وسط، ما هو لازم يا جماعة نتغير، الدني تغيرت، هذا ما بجيب شيء.

علي الظفيري: اشتراطها، اشتراط الديمقراطية.

عزمي بشارة: هذا مش ممكن إلا إذا أعطيت مجال للقواعد الشابة تتطور.

التيار اليساري واحتمالية التلاشي

علي الظفيري: اليسار كتيار سياسي، أنا لا أتحدث هنا عن الحالة الثقافية، لكن كتيار سياسي تعتقد اليوم انه تلاشى تماما ولم يبق منه شيء؟

عزمي بشارة: تاريخيا، ما عدا في حالات السودان، والعراق، تاريخيا كأحزاب يسارية النموذج الذي قدم كان الأحزاب الشيوعية، والأحزاب الشيوعية فهمت انها تابعة للاتحاد السوفيتي، نجحت في تقديم نماذج وطنية إلى حد ما، في العراق، وفي السودان، ولكن حلول وسط مع الاستبداد، ثم الدخول في صراع مع الاستبداد تبعا لموقف هذا البلد من الاتحاد السوفيتي، مرة أخرى، إخضاع قضايا المجتمع للقضايا الكبرى الأيديولوجية، السرديات الكبرى، أدى للإطاحة بهم، يعني مرة حزب البعث حزب تقدمي، والتحالف على انه حزب جبهة تقدمية وإلى آخره تبعا لسياسات السوفييت، تبعا للأيديولوجية، ثم عندما يلاحق يصبح حزب فاشي، وبرجوازية صغيرة وكل هذه التحليلات، جعلت حتى في هذه البلدان الكبيرة حيث يوجد تاريخ نضالي عريق أن تهمش هذه الحركات، لم ينشأ سوى بالهوامش في حول الثورة الفلسطينية، نتيجة لتقليد حركات تحرر أخرى، بما في ذلك فيتنام والصين، وأميركا اللاتينية، نشأت تيارات يسارية حول الثورة الفلسطينية، في فترة معينة، وفي بعض الدول في شمال إفريقيا تحديدا، في المغرب تونس، نشأت حركات يسارية غير بالأحزاب الشيوعية، ما زالت قائمة على فكرة.

علي الظفيري: ما زالت موجودة.

عزمي بشارة: ما زالت موجودة، ليست لها قواعد كبرى واسعة، الذي نجح فيهم بالارتباط بالقضية الوطنية والعربية ولم يعاديها لأن الاتحاد السوفيتي بقول إنه ما في أمة عربية، وإنما دخل فيها، تفاعل مع قضايا العرب، تفاعل مع القضية الوطنية، نجح بتحقيق مكانه، ولكن الأهم من التيار اليساري أخي علي، هو ما يبقى منه لناحية خطاب المساواة والقضايا الاجتماعية.

علي الظفيري: هذا أريد التفصيل فيه.

عزمي بشارة: هذا مهم، مهم لباقي الأحزاب.

علي الظفيري: بالضبط، إنه ما يمكن أن يغذي الأحزاب الأخرى، التيارات الأخرى من الأفكار، من الإرث الثقافي لليسار، قد يفيد الإسلاميين وغير الإسلاميين والليبراليين، وما إلى ذلك، لكن بعد فاصل قصير، تفضلوا بالبقاء معنا.

[فاصل إعلاني]

علي الظفيري: أهلا بكم من جديد مشاهدينا من جديد في هذه الحلقة الثالثة من حلقاتنا حول الديمقراطية مع الدكتور عزمي بشارة لنتناول في هذه الحلقة واقع التيارات الفكرية والسياسية في العالم العربي، دكتور، في موضوع اليسار، أطرح عليك فرضية لا أعرف إذا كانت، كيف ممكن نناقش مثل هذا، بمعنى أنه اليسار اليوم كإطار سياسي من الواضح أن فرصه باتت ضعيفة أو غير موجودة بشكل كبير، لكنه يمكن أن يستخدم كمزود لأفكار أساسية للتيارات الأساسية والكبرى الأخرى.

عزمي بشارة: في فترة التسعينات عندما دار النقاش حول اليسار، ماذا تبقى من اليسار؟ صدر كتاب ما زلت أذكره لأن عنوانه كان لطيف، أعتقد لنتورت بيبيو، منظر إيطالي، What Is Left  يعني ماذا تبقى وما معنى اليسار، ما هي left نفس، العنوان جميل، ماذا تبقى وما اليسار؟ what is left?  أنا أعتقد أنه إذا أردنا، لتسهيل المقارنة على الناس، إذا أردت أن أضع الليبرالية واليسار، هذا تكيّف للديمقراطية، وهذا تكيّف للديمقراطية، هذا كان نخبوي متمسك بالحريات، تكيّف مع الديمقراطية، هذا كان متمسك بالمساواة، تكيّف مع الحرية، تكيّف مع الديمقراطية، في لدي تيار يساري  مثلا يقبل بالديمقراطية، وتيار ليبرالي الآن يقبل بالديمقراطية، في تيار يساري ديمقراطي، الاشتراكية الديمقراطية، وتيار ليبرالي ديمقراطي، ما الذي يميز اليسار؟ فكرة المساواة، يعني عنده إذا رجّحت المساواة والحرية تجد إنه المساواة تعلو، ماذا، أي مساواة؟ المساواة الاجتماعية، قضية الفوارق الطبقية، الاستغلال الاجتماعي، هذا ما يميز اليسار، طبعا مجموعة من القيم الاجتماعية التي دخلت التاريخ تحت اسم خطأ، ولكن هذا تسمى القيم التقدمية، يعني الإيمان بالتقدم في التاريخ، هذا يعود، القرن الثامن عشر اللي تبناها فيما بعد اليسار، جاي من الفكر التنويري الفرنسي، من بعض مفكري التنوير الفرنسي مش كلهم على فكرة، إنه في عملية تقدم في التاريخ، وأنه فيه قيم تقدمية وقيم رجعية، في شيء أفضل من شيء، ترجيح القيم التقدمية على الرجعية، ترجيح المنفتح التحرري على المحافظ الرجعي المتمسك بالتقاليد، هذا ما يميز اليسار، في إله مكان؟ طبعا إله مكان، في مجتمعات في العالم الثالث يوجد مكان لهذا، سؤالك هل ينجحوا بتشكل حزب سياسي؟ ليس لدي جواب، هذا دائما مرتبط.

علي الظفيري: بالتجربة.

عزمي بشارة: بالتجربة وبالأفراد، أنت، يعني أستطيع أن أقول احتمال نظري، إما أن يبقى هذا الفكر لمفكرين يكتبون وينشرون ويساهمون في الثقافة، وهذا في مجال إله، يعني في ضرورة إله، من دون التعصب الآن، ولكن في ضرورة لقضية إثارة القضايا الاجتماعية، إثارة قضية المساواة.

علي الظفيري: إلزام الآخرين بها، أو إلزام التيارات السياسية بها، الإسلامية والليبرالية. 

عزمي بشارة: طبعا، إذا، أخ علي، متى ينجح اليسار أعلى نسب نجاح وعلى فكرة هو دائما لما يحقق هذه النجاحات بسير يتراجع تنظيميا، عندما تبنت الدولة، مثل كل تنظيم ثاني جزء من قيمه، مش الحكومة، الدولة، بمعنى يدخل في منظومة القوانين، حقوق اجتماعية، يعني اليسار الأوروبي، بقلك نجح أم فشل؟ نجح، كيف يعني؟ نجح أو فشل؟ لم يستلم الحكم كحزب شمولي مثل أوروبا الشرقية، ولكن نجح بأنه الدولة تغيرت هويتها، الديمقراطية اختلفت نتيجة لمظلات النقابات واليسار، إنه أصبح في حقوق اجتماعية، نبدأ بماذا؟ من تحديد ساعات العمل، لحق العطلة، لعطلة الإنجاب للمرأة، لعدم إمكانية طرد العامل بدون إبداء الأسباب، إلى آخره، هنالك حجم هائل من الحقوق الاجتماعية اللي تم تحقيقها نتيجة لنضالات، هلأ هذا طبعا يكون قمة النجاح، إذن هناك منتظر نضال من هذا النوع، أحزاب أخرى عندما ترى أن هذا الخطاب مهم، تتبناه وتنافس اليسار به، ممكن فجأة تيار إسلامي يتبناه، ولكن على فكرة التيار الإسلامي مش عامل هيك، التيار الإسلامي بدل أن يذهب باتجاه المساواة الاجتماعية، والحلول للقضايا الاجتماعية الكبرى، يعتمد على اقتصاد السوق والليبرالية المنفتحة إلى آخره، مع بعض التفكير الخيري الإحساني، فكر الإحسان، مش فكر السياسات الاقتصادية الكبرى، المنطلقة، نعم من فكرة، المساواة المطلقة لا يمكن تحقيقها على فكرة، ولا الآن بفكر اليسار الحديث.

علي الظفيري: تقلل على الأقل مسألة الفجوات.

عزمي بشارة: طبعا، تقليل الفجوات الطبقية، مثلا ماذا يتميز اليسار الأوروبي؟ أنا بعتقد سنحتاجه، لأنه هذا الموضوع من أهم مواضيع الإصلاح في الوطن العربي، في الأنظمة الديمقراطية، سياسة الضرائب، ما في إمكانية أصلا تبني نظام ديمقراطي من دون ضرائب يا أخ علي، ضرائب ماذا؟ تصاعدية، اللي فيها تكون الضريبة حسب الدخل، ومساهمة الإنسان في رفاه المجتمع حسب دخله، يعني هو يدفع من دخله للمساهمة في رفاه المجتمع، وللتعويض عن هذه الفجوة الطبقية التي ينتجها دخله، بتقديم خدمات طب وتعليم، ورعاية اجتماعية، وكذا من أموال الضرائب، أموال الضرائب من ناحية أخرى تجعل الفكرة الديمقراطية لها رجلين تقف عليها لأن من يدفع الضرائب يريد أن يكون له قول.

علي الظفيري: يمثّل.

عزمي بشارة: يريد أن يمثّل، ولذلك أيضا مثلا حكينا عن الدول اللي ما فيها دفع ضرائب، في دول ريعية، اللي فيها خيرات كبيرة.

علي الظفيري: مثل دول الخليج على سبيل المثال.

عزمي بشارة: دول الخليج وفي دول أخرى، التي تعيش على المعونات على فكرة، المعونات ريع، دول الخليج نعم، اللي فيها، الأردن فيها ضرائب، في حالات كثيرة، فيها ضرائب ولكن، الدولة تظهر بمظهر من يعيل أجزاء من المجتمع وليس العكس، يعني مثلا عشائر وقبائل، مجمل مطالبها من الدولة، أنها تريد من الدولة حصتها، هذه علاقة ريعية، يعني هذا على فكرة ينتج ثقافة ريعية، ولكنه لا ينتج فكرة التمثيل الديمقراطي، التمثيل الديمقراطي يقوم على فكرة مواطن يساهم، يدفع ضرائب، يخدم في الجيش، يعني يساهم في بناء الدولة.

علي الظفيري: وله حصة.

عزمي بشارة: وله حصة منها، هذا على فكرة مهمة للديمقراطية، ومهمة لفكرة العدالة الاجتماعية، هذا موضوع لا يطرح بالشكل الجدي والصحيح في الوطن العربي، لأنه مسألة الدفع للدولة والضرائب في ظل الفساد، الفساد كقاعدة وليس استثناء، طبعا غير موجودة كقاعدة.

علي الظفيري: من هو الليبرالي دكتور؟ من هو الليبرالي الجديد اليوم في عالمنا العربي؟ ما هو الفرق بين الليبرالي والليبرالي الجديد إذا جاز التعبير؟

عزمي بشارة: يجوز، إحنا استخدمنا بكل أريحية، يعني بكل صراحة مصطلح Neo liberal الليبرالي الجديد الذي لا يؤمن بقيم الليبرالية، يأخذ منها فقط مسألة اقتصاد السوق المنفلت، بناءا على إجماع واشنطن، مبادئ إجماع واشنطن، صندوق النقد، والبنك الدولي، وكذا، وكل ما جاؤوا به، طبعا هم الآن صلّحوا مبادئهم نتيجة لفشلها، وأدخلوا تعديلات كثيرة.

علي الظفيري: لأ، أبغى عربيا دكتور.

عزمي بشارة: ولكن في البداية أنشئوا مجموعة من المثقفين والفئات السياسية العربية، التي لا تأخذ من الليبرالية سوى اقتصاد السوق من دون كسر الاحتكار الناجم عن الفساد، ومن دون حساسية لقضايا حقوق المواطن والإنسان، وانتشروا انتشار، وغالبا تميزوا بالتخلي عن السيادة في العلاقة مع الغرب، يعني قبول فكرة التبعية كأنها هيك جزء من العولمة، يعني إخفاء طبيعة العولمة الحقيقية عالميا، يعني اللي هي ثورة في عالم الاتصالات، وانتقال رؤوس الأموال من بلد إلى بلد، مع تمسك الدول بهوياتها، يعني إسرائيل جزء من العولمة، ولكنها تزداد قومية، وفرنسا جزء من العولمة، ولكنها تزداد قومية، على أساس التمسك بالسيادة الوطنية للبلدان، عنّا طرحت وكأنه هذا موضة قديمة، السيادة الوطنية هذه موضة قديمة.

علي الظفيري: كل شيء يجب أن يستلب يعني.

عزمي بشارة: لازم السوق العالمي، وهكذا، وهذه طبعا جاءت بفترة بوش بشكل خاص، طبعا بعد تاتشر بقليل، ولكن بفترة بوش مع بدء التدخلات العسكرية المباشرة في المنطقة اللي أنشأت جيل من هذا النوع في المنطقة، ليس لديه أي التزام تجاه القوى الديمقراطية، والمهم فيه أنه مستعد في كل يوم أن يكون حليف.

علي الظفيري: للاستبداد.

عزمي بشارة: للاستبداد، بحجج مختلفة، منها إنه الشعب ما عنده ثقافة ديمقراطية كافية.

الليبراليون وموقفهم من الأنظمة الاستبدادية

علي الظفيري: حتى بعد الثورات دكتور، لاحظنا أن الليبراليين أكبر المدافعين عن إرث الاستبداد، او عن أجهزة الاستبداد، أو عن مؤسساته.

عزمي بشارة: مش ممكن يكون ليبرالي حقيقي، هذا نسميه Neo liberalism، اللي ماخد من الليبرالية قضية واحدة، مثلا هي فصل الدين عن الدولة، وهذا ليس مبدأ مهم، وعدم استخدام الدولة في إملاء، يعني نبدأ من جون لوكوميل، عدم استخدام الدولة في إملاء مذهب ديني، وليس من حقها لأن القرار الإيماني قرار حر، ولأن ذلك يؤدي إلى النفاق، وهذا ليس من حق أحد على أحد أن يقول له لماذا يؤمن أو لا، ولأنه لا أحد يستطيع أن يسيطر على ضمير أحد، يستطيع أن يسيطر على مظهره الخارجي، وهذا يؤدي إلى، أولا قمع، مش مفروض أنت تجبرني شو أعمل، وثانيا، يؤدي إلى نفاق، وهذا ضد الدين، النفاق من أهم أعداء الدين، أسوأ مكان في الجحيم عند دانتي للمنافقين وليس للكفّار. 

علي الظفيري: صحيح، حتى في الإسلام، التحذير من المنافقين كان أكبر.

عزمي بشارة: نعم، ولذلك تخيل أنت تيجي تنشئ منافقين، تخلق منافقين، كيف هذا؟ هذا هو الأصل في الموضوع، أما إنك تعمل قضية الخوف من الدين، الخوف من سيطرة المتدينين، تعملوا، هذا الهم الأساسي لليبرالية، وتبدأ بالتحالف مع الاستبداد، بحجة الخوف من هؤلاء.

علي الظفيري: كل شيء بالاستبداد من فساد وغيره.

عزمي بشارة: آه، لا تبقي شيء من الليبرالية، لا تبقي، الحقيقة سوى الاسم، ولذلك أنا استغرب تسميتهم ليبراليين، يعني كثير مرات.

علي الظفيري: هذا الرائج على الأقل.

عزمي بشارة: هذا الرائج باعتقادي تشويه الصورة، الديمقراطية الليبرالية، أو كذا يعني، أو لأن هؤلاء يحبون أن يسموا أنفسهم هذا، ليس مفروضا أن نقبل على الإطلاق أن يسمي أي أحد ليبرالي نفسه ليبرالي، وهو لا يدافع عن حقوق المعتقلين من التعذيب، ولا يدافع عن حرية التعبير، ولا يدافع عن استقلالية الإعلام، كيف، كيف ليبرالي بإيش؟ ما هي الأسس، ولا يدافع عن التسامح الديني بما فيها التسامح مع المتدين، ولذلك أنا برأيي إنه لا يبق شيء من الليبرالية، ولذلك أسميناهم Neo liberalism، الليبراليين الجدد اللي ماخدين فقط مبادئ الإملاءات الاقتصادية الدولية على الاقتصاد المحلي، وما يترتب عنها.

علي الظفيري: كيف يتأثر هذا التيار بعد الثورات العربية؟ برأيك سيضمحل، خاصة إنه، خلينا نقول أنظمة الاستبداد الرئيسية سقطت، وبالتالي لا شرعية لوجود مثل هذه الانتهازية، التي تسمى مجازا، وتسمى عرفا بأنها ليبرالية؟

عزمي بشارة: لا، ليس بالضرورة أن يتضاءل، إطلاقا ما في أخي علي حكم بدون فساد، هي التحدي في مراقبة الحكم بحيث يحاسب الفساد أو يمنع نتيجة للرقابة بين السلطات، توازن السلطات ومراقبة أحدها، يعني checks and balances  أحد السلطات يراقب السلطة الأخرى.

علي الظفيري: يخلق التوازن.

عزمي بشارة: وثم انتشار بالتدريج للثقافة الديمقراطية، التي لا تقبل بالفساد اللي هو شطارة أو فهلوة، في بعض الدول العربية المش فاسد يعتبر أهبل، مراقبة هذا الموضوع، ووجود ثقافة  يحتاج إلى وقت، حيث سيكون هنالك سلطة، سيكون هنالك انتهازيون، وطالما في علاقة مع الغرب فيها معونات اقتصادية، ومالية، ومشاريع، سيكون هناك Neo liberalism يتبنون هذه الوجهة، وسيكون هناك من يعيشون كالطفيليات على هذه العلاقة، طبعا سيكونون دائما هناك، ولكن أنا الحقيقة في حالة الديمقراطية لا أخشى، إذا بتطبّق نظام ديمقراطي، لأنه سيكون هناك من يناقش، ومن يراقب، ومن يتحدى، ومن يصوّت، ولذلك المهم إنه المراحل الخطرة اللي بعده اللي لم يثبت فيها، لم يستقر فيها النظام الديمقراطي بعد، هذه هي المراحل الخطيرة والتي سيكون من الأهمية بمكان فيها الاستمرار بالتنبيه والمناقشة، يعني عدم الاعتقاد إنه هذا أمر انتهى إلى آخره، مثلا الاعتقاد بأنه بما انه الولايات المتحدة كيّفت نفسها للثورات الديمقراطية، أنا لا أقبل بفكرة المؤامرة، وأنها كانت وراءها وإلى آخره، خاصة أنها كانت أنظمة موالية للولايات المتحدة غالبا، ولكن كيّفت نفسها، واستدركت نفسها كما لم تفعل أيام الثورة الإيرانية، لكي لا ينشأ ديمقراطيات معادية لها، هذا لا يعني أن الولايات المتحدة الآن بريئة من الحرب في العراق، وأصبحت بريئة بقضية فلسطين، وأصبحت بريئة من كل مجازرها في الدنيا، الثورات الديمقراطية ليست بدايات من الصفر، في أمور عديدة كنا منتبهين منها، وسنستمر منتبهين منها، يعني، أنا لا يسرقني تصريح لباراك أوباما.

علي الظفيري: أو هي أحد أسباب الثورات حتى.

عزمي بشارة: أحد أسباب الثورات، طبعا، ولدينا مهمة، الآن في عصر الثورات، المثقف الديمقراطي لديه مهمة مضاعفة، ليس فقط معارضة النظام، ولكن لديه مهمة تثقيفية متعلقة بالناس لأن الرأي العام مهم، والرأي العام له قول، الرأي العام يقترع، يصوّت، يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي، ولذلك الآن في مهمة تثقيفية من الدرجة الأولى، توعوية من الدرجة الأولى.

علي الظفيري: دكتور حتى لا.

عزمي بشارة: يجب أن تمارس، وأن ننتبه لهذا الدور، حتى لا ننساها كأنها قضايا.

التيار الإسلامي والنظام الديمقراطي

علي الظفيري: حتى لا نتأخر عن التيار الأكبر، والأهم، والأكثر تأثيرا، والأكثر فاعلية، والأكثر إقلاقا، لخصومه وللآخرين، التيار الإسلامي، لدينا جماعة الإخوان المسلمين بحركاتها السياسية، بأحزابها المتوزعة في أكثر من بلد، في مصر، في تونس، في ليبيا، في المغرب، في سوريا منتظرة، في اليمن، في أكثر من بلد، ولدينا طبعا التيار السلفي، خلينا نتكلم عن جماعة الإخوان المسلمين، بشكل رئيس كجماعة رئيسية اليوم، وهي الحاضر الأكبر في المشهد السياسي، كيف تقيّم التحولات التي مرت بها هذه الجماعة؟ وواقعها اليوم على صعيد إيمانها بالنظام الديمقراطي، بالمدنية، فكرة المجتمع المدني، بكل شيء؟

عزمي بشارة: مبكّر الحكم، أنا تابعت بعناية يعني العشرين عام الماضي التطور، بما فيها البيانات التي صدرت تحت عنوان مسمى بيان للناس، وتطور الفكر السياسي، خاصة في مصر، مرحلة المرشد العام السابق، ونشوء، تشعب حزب الوسط في مرحلة من المراحل في مصر، ما يمكن تسميته ما بعد إخواني، بوست إخواني، ما بعد إخواني في حالات مثل النهضة وغيرها يتجاوزوا قضية الفكر الإخواني ويتجهون تيار إسلامي بدون العبء الأيديولوجي، والتاريخ الطويل للإخوان المسلمين، في الثقافة الإسلامية والحضارة الإسلامية، والهوية الإسلامية، نعم، ولديهم فكرة معينة كيف يجب أن يبدو المجتمع الإسلامي، وهذا شرعي، أن يكون لديهم مثل هذا التفكير، وأن يعملوا عليه، ولكن متصالحين مع الفكرة الديمقراطية، هذا التطور تابعته، لا أستطيع الآن الحسم مئة بالمئة يعني، مثلا تشكيل حزب سياسي كان خطوة هامة، تشكيل حزب سياسي.

علي الظفيري: بس الجماعة الباقية.

عزمي بشارة: الجماعة باقية، نعم، سوف نرى كيف تتطور الأمور، ولكن الآن تشكل حزب سياسي، باعتقادي عاجلا أم آجلا سينشأ صراع بين فكرة الحزب، وفكرة الجماعة، ليس غدا، وليس سنة مقبلة ربما.

علي الظفيري: غالبا تكون لصالح الحزب طبعا.

عزمي بشارة: بالتأكيد ستكون لصالح الحزب في الحياة الديمقراطية، وأصلا لا يكون هناك مبرر سوى المبرر التاريخي العصموي، وتتفهم.

علي الظفيري: في النظام الديمقراطي، هل يبدو أمرا منطقيا سليما مثل وجود جماعة وحزب، وهذه التداخلات وهذه العلاقة غير المفهومة؟

عزمي بشارة: أستطيع أن أجد أمثلة على ذلك، ربما في حالة الأحزاب الشيوعية، عندما كانت هناك تنظيمات اسمها الأممية الأولى، والأممية الثانية فوق الحزب، ويخضع الحزب لها، ولكن كانت تنظيمات فوق وطنية شاملة، وهناك تقاطعات بين نشوء حركة الإخوان المسلمين في العشرينات والأحزاب السياسية من ناحية البنية التنظيمية والأجواء التي قامت فيها الاحزاب الشيوعية الأيديولوجية، والأحزاب عموما الأيديولوجية في تلك الفترة، من بداية القرن العشرين، الإخوان المسلمين عمّروا نتيجة لكونهم موطّنين في الأرض، وفي الثقافة والتراث، ولكن هذا النمط من التنظيم الأيديولوجي شبه العسكري اللي في عضو، وعضو مناصر، وحركة شباب وكذا وكذا، هذا التنظيم موجود في أحزاب نعرفها، هي فترة العشرينات من القرن العشرين، فترة شهدت نشوء الكثير من التيارات الأيديولوجية من هذا النوع، هي في النهاية أعتقد الديمقراطية ستعدل الأمور، باتجاه حزب يقبل مبادئ الديمقراطية، مثل ما حزب العدالة والتنمية، في حالة المغرب حالة متقدمة جدا، أتكلم كتنظيم حزبي، سياسي يقبل بمبادئ الديمقراطية وله طابع، وله فكر إسلامي، لم يحصل هذا التطور، بعد في حركة الإخوان المسلمين، ترى منهم جماعات تحمل هذا الفكر، لم تجد لها جماعة الإخوان هذا امتحان، إذا كنت تحمل مثل هذا الفكر، وتضطر للانشقاق، هذا امتحان.

علي الظفيري: هذا حصل في مصر.

عزمي بشارة: هذا حصل في مصر، أعتقد بدأ ناس يظهرون يحملون نفس الفكر، ولا ينشقون داخل الجماعة، أراهم يتكلمون بكلام لا يختلف، بفكرهم، بسياستهم عمّن كانوا يحملون هذا الفكر، ولم يستطيعوا أن يعبروا عن طموحاتهم في الإخوان.

علي الظفيري: يعني في المرحلة الأولى انشقاق، المرحلة الثانية.

عزمي بشارة: استيعاب.

علي الظفيري: استيعاب وتغيير.

عزمي بشارة: استيعاب وتغيير.

علي الظفيري: أنا دكتور بس.

عزمي بشارة: هذه الأحزاب بدل ما ينشق الإنسان منها، يبقى، ثمن إبقاؤه هو التغير، شوف اللي يحتوي بتغير وهو يحتوي، حتى يحتوي مضطر يتغير، هذه عملية تدريجية.

علي الظفيري: لازم تنازل طبعا.

عزمي بشارة: طبعا، تأخذ وقت، شو التنازلات هو ما فيش حدا.

علي الظفيري: التغير الرئيسي.

عزمي بشارة: صاحب بيت يتنازل لحدا، هي في الآخر عملية ديمقراطية.

علي الظفيري: ترى الأهم يكون في الجماعة الرئيسية، مثلا في جماعة الإخوان المسلمين في مصر، لأنه التقين بالكثير من شباب الإخوان المسلمين، في الكويت، وفي مصر، وفي أكثر من بلد عربي، واضح إنه في Gap في مسافة بين تفكير الجيل الشاب.

عزمي بشارة: طبعا، هذا على فكرة، أنت ذكرت الآن أهم مؤشر، هذا رأيناه في الثورة المصرية عند الشباب اللي شكلوا فيما بعد التيار المصري، ورأيناه الآن عند شباب الإخوان في كل مكان، واضح أنهم الآن يتجهون توجه مختلف يعني.

علي الظفيري: بس مش مستوعب كما ينظر له إنه مش مستوعب من القيادات التقليدية.

عزمي بشارة: لأ، طبعا لأ، وهذا برأيي، أنت تحتاج في بعض الحالات أن يتغير جيل، يعني هذا يحصل، عدم الاستعجال، يعني مرات يحصل أمور.

علي الظفيري: بسنة سنتين، بعدين نفس الشيء بعشرين ثلاثين سنة.

عزمي بشارة: وهي قضية، بالضبط، ومرات يحصل ذلك، ولكن في سلوك، إذا الناس تتغير تضطر لتغيير سلوكها، حتى تقبل أن تحكم دولة مثل مصر يحصل تغيير في الممارسة.

علي الظفيري: على صعيد المواءمة مع النظام الديمقراطي، كيف تغيرت الأحزاب؟

عزمي بشارة: في تجربة لجنة الدستور كانت مؤشرات سلبية، يعني الإقصاء، الرغبة في الاستحواذ، مع إنه القوة يجب أن تدفع للتواضع من ناحية، والشعور بالقوة بوسّع صدرك، يعني القوي بفتح صدره، وبوسّع.

علي الظفيري: صحيح.

عزمي بشارة: مش بضيّق وبدي أغلبية، وبصير يناقش على الواحد.

علي الظفيري: يعني لو أخذ ممثل واحد في اللجنة.

عزمي بشارة: هذه تذكر بالحركات الطلابية، بالحركات الطلابية، بدي أعمل هيك، والأغلبية بتسعى، أنت حركة قوية، لو عندك سبعة من سبعين، السبعة هدول زي الخمسين، ما أنت إخوان، يعني مش رح يمر شيء بدونك يعني، ولذلك ما في حاجة لهذا السلوك، هذا سلوك المعارض، مش سلوك الحاكم، مش سلوك القومي، سلوك أيام الكولسات بين الأحزاب السياسية، والنقاشات بين، في الحركات الطلابية والنقابات، مقعد أكثر ولا مقعد أقل.

علي الظفيري: يعني شغل صغار خلينا نقول.

عزمي بشارة: إيه، أو مين بده يستغل الاجتماع هذا لأنه بالصدفة في أغلبية، هذا ليس العمل المطلوب، وأنا أعتقد أنهم يتعلمون من ذلك، ولهذا التغيير جار.

علي الظفيري: على صعيد الاهتمام بالمواطنة، وحقوق المواطنة الكاملة، والمتساوية للجميع.

عزمي بشارة: في تطور.

علي الظفيري: على صعيد تحييد دور الدولة في قضية الدين.

عزمي بشارة: في تطور، يعني مثلا خطابات الرئيس مرسي فيها تطور كبير، واضح، واضح تماما، في خطابات واضحة، لكن ما هي الممارسة؟ يعني قبل مرسي، أنا كنت أراقب خطابات جيل محمد البلتاجي، من الميدان ولاحقا، اللي هو هذا الجيل يتكلم خطاب بهذا الاتجاه، بهذا الاتجاه قبل الآن الرئيس مرسي يقوله، الممارسة، كيف سيمارس، هل سيتم الدفاع عن حقوق هؤلاء؟ هل سيتم الدفاع عن حقوق المرأة؟ هل سيتم رفض التعرض لها كونها امرأة بالطريقة التي كان يتم في مصر؟ في ظل نظام لم يكن إسلامي، هذا ما كان يجري، أنا اللي رأيته من ناحية تحرر المرأة، من ناحية شعورها بكيانها وموقفها، لم أره في مصر منذ الستينات، أكثر ما رأيته في ميدان التحرير، يعني الثورة أطلقت الكثير من الأمور في الشارع المصري، وليس فقط التيار الإسلامي، وأنا بعتقد التيار الإسلامي سيضطر لرؤية هذا التنوع ويحترمه.

علي الظفيري: عندي ثلاثة قضايا سريعة، والوقت أقل من خمس دقائق دكتور، هل ممكن أن نرى تيارات عربية عابرة، بمعنى موجودة في مصر، موجودة نفسها بنفس البرنامج، بنفس العناوين الرئيسية في تونس، في أكثر من بلد؟

عزمي بشارة: وسوف ترى، نعم بالتأكيد، لأن الثورات أنشأت تواصل بين جيل كامل، جيل الشباب مهتم بما يجري في تونس، والمغرب، ومصر، واليمن، شباب اليمن اللي كانوا، مين كان على اتصال بشباب اليمن؟ الآن لديهم أصدقاءهم، ولديهم تشعباتهم، ولديهم ناس مهتمين في قضاياهم، الوجدان العربي أصبح فاعل جدا، قضية فلسطين ما زالت مركزية، قضية الهم الديمقراطي للجميع، يعني الجميع مهتم بنجاح الديمقراطية في مصر، مش تدخل، هيك حرص، اهتمام، لأنه في شعور إنه يجب أن تنجح بعض النماذج لتقنع النماذج الأخرى، تخيل إنه الشاب الديمقراطي في سوريا، القلق من احتمالات الاشتباك الأهلي والهويات، وانحلال عقد الدولة وإلى آخره، لا يهمه نجاح النموذج الفرنسي، ما هو شغّال، يهمه نجاح النموذج المصري حتى يكون في نموذج ينظر له السوري، ما بعد الاستبداد إنه بالإمكان إقامة نظام ديمقراطي في مصر وتونس، هذا، يعني جاذبية النموذج ومركزيته، وأهميته، أنه عربي، عند آخرين عرب، يدلك كم هذا القاسم المشترك الأعظم مهم لجيل بأكمله، باعتقادي سينجب أشكال من التنظيم، إذا في جامعة عربية بين الدول سينشئ أشكال من التنسيق. 

علي الظفيري: طيب، دكتور أنت تركت العمل السياسي، وبالتالي من الشرعي أن أسألك اليوم كمثقف ومفكر عن مواصفات التيار المثالي الجديد اليوم في عالمنا العربي؟

عزمي بشارة: لأ طبعا، ما في تيار مثالي، ولا أسعى لإنشاء تيار أنت تعرف، الآن ما تبقى من العمر إذا قضيناه في الإنتاج الفكري بكون عظيم، ممتاز، وما كنت أصلا لأدخل في  مثل هذا النقاش لولا اهتمامي بقضية كما قلت لك، القضية التثقيفية في مسألة الديمقراطية، أصبحت مهمة معالجتها، ووسائل الاتصال، ما في أهم من وسائل الاتصال الحالية، وأنا أرى انتقاصا من مركزة المفكر أو المثقف، أو الناشط الفكري، أو السياسي أن يستخدم وسائل الإعلام الجماهيرية، لا أرى بهذا انتقاص، بالعكس أنا أعتقد إنه هذا الآن المتاح للوصول إلى.

علي الظفيري: هذا شيء طبيعي.

عزمي بشارة: شيء طبيعي، لأ في البعض بقلك إنه يعني، أنا بعتقد المثقف لما كان الكلمة المطبوعة، كان يستخدم الكلمة المطبوعة، الآن أصبح الكلمة المسموعة، المطبوعة، والمسموعة، وإلقاء محاضرة في هذه الإمكانية، دائما يتطور مع وسائل الاتصال القائمة، ما في موقف من وسيلة اتصال بحد ذاتها، ولذلك نستخدمها، ولكن هذا لا يعني التوجه نحو توجه يعني إنشاء حزب او حركة ما، ما أقوله هو أنه التيار المركزي في الثورات العربية، اللي قادر على أن يأخذ مكانة مركزية، للتحول الديمقراطي، إما أن يجمع هذه التيارات التي تحدثنا عنها، أو أن يكون هو نفسه تيار جامع لأفكارها، يعني، أستطيع أن أتخيل الوضع فيه التيار الإسلامي الذي مر بعمليات دمقرطة إن شئنا، والتيار اليساري، والتيار القومي، وتيارات وطنية أخرى غير مؤطرة، تنشأ حديثا، هي تيارات وطنية ليبرالية تنشا حديثا، والآن تخرج كثير تيارات، وفي إمكانيات أن تبدع تيارات جديدة، وأن يشكلوا حكومات، أو حالات وحدة وطنية، في عندك حالات تشكيل دساتير، عندك الاتفاق على قواعد لعبة، أن ينشأ هذا الجيل المؤسس، من تيارات مختلفة، تتعامل مع بعضها بمسؤولية، إنه إحنا عايشين في بيت واحد، يعني هذا البيت يجب أن ننجحه لكي نختلف في داخله، هذا، يعني كلنا على نفس السفينة، بنختلف عليها بس ما بدنا اياها تغرق يعني، بدنا نتفق على قواعد الملاحة بها، هذا وارد، ووارد أيضا إذا لم تتفق، لا شك لدي، إنه ستكون من الماضي، تخيل أنت حزب إسلامي يتمسك بأيديولوجيات الماضي، سيكون من الماضي، حزب قومي، هذا الماضي اللي خلفته الشعوب العربية وراءها، يريد أن ينتمي له، برأيي، سينشأ تيارات أو تيار يجمع الانتماء للحضارة العربية الإسلامية، والتأكيد على الهوية العربية لأننا عرب، ولأنه انقسامنا إلى طوائف وعشائر لا يقسمنا إلى أحزاب، يفتت الدول، والتمسك بالفكرة الديمقراطية، وبالعدالة الاجتماعية اللي هي من إرث اليسار، ما الذي يمنع، من قال أن الأيديولوجيات النقية والظاهرة هذه التي قادت إلى أنظمة شمولية هي الأساس، يجب ان يكون بالإمكان جمع كل هذه الأمور، لماذا؟ لأنها التحديات التي تهم المجتمع العربي والمواطن العربي في هذه الأيام.

علي الظفيري: شكرا لك دكتور عزمي.

عزمي بشارة: شكرا جزيلا.

علي الظفيري: الشكر الموصول لكم مشاهدينا الكرام، أنهينا حلقتنا الثالثة في ملف الديمقراطية، موضوع الديمقراطية، واقع الديمقراطية في العالم العربي، وكذلك واقع التيارات السياسية والفكرية، موضوع حلقة اليوم، الحلقة القادمة الاثنين القادم إن شاء الله، وهي الحلقة الأخيرة من هذه السلسلة الرمضانية، ستكون عبارة عن نقاش مفتوح مع الدكتور عزمي حول القضايا التي طرحت، نريد أن نستمع إلى آرائكم وإلى تعليقاتكم وأسئلتكم أيضا عبر عناوين البرنامج التي تظهر الآن تباعا على الشاشة، بريد البرنامج، alomq@aljazeera.net ستكون حلقة كاملة مخصصة للنقاش مع كل ما تدلون به من آراء وتعليقات وأسئلة، شكرا جزيلا لكم، نلقاكم إن شاء الله في الأسبوع المقبل، في أمان الله.