صورة عامة - في العمق 18/10/2010
في العمق

أميركا والصين وحرب العملات

تتناول الحلقة عوامل وأبعاد أزمة الدولار والتوجهات العالمية لمواجهتها، وخيارات الصين وبدائل الدولار وملامح حرب العملات والانعكاسات السياسية والاقتصادية على الساحة الدولية.

– عوامل وأبعاد أزمة الدولار والتوجهات العالمية لمواجهتها
– خيارات الصين وبدائل الدولار وملامح حرب العملات

– خيارات أميركا والانعكاسات السياسية والاقتصادية على الساحة الدولية

– تأثر الدول العربية بأزمة الدولار وخياراتها المستقبلية

علي الظفيري
علي الظفيري
جواد العناني
جواد العناني
سونغ هونغ بينغ
سونغ هونغ بينغ

علي الظفيري: أيها السادة لطالما كان الدولار رأس الحربة في القوة الأميركية التي سيطرت على العالم منذ منتصف القرن العشرين، كان الدولار عملة التجارة العالمية وعملة احتياطاتها النقدية ووجه الرأسمالية المتنامية، لكن اليوم ثمة شيء يتغير لكن الملامح لم تتحدد بعد، حرب العملات هذا ما نبحثه في العمق الليلة فأهلا ومرحبا بكم. ومعنا للغوص في عمق هذه القضية الدكتور جواد العناني نائب رئيس الوزراء الأردني ووزير الاقتصاد والخارجية الأسبق، ومن بكين الخبير الاقتصادي الدكتور سونغ هونغ بينغ الخبير الاقتصادي وكبير المحللين الماليين في شركة هونغ يوان للأوراق المالية ومؤلف كتاب حرب العملات. وقبل بداية النقاش مشاهدينا الكرام نتابع هذا التقرير الذي يرصد مكانة الدولار في الاقتصاد العالمي وعلاقته بالعملات العالمية الأخرى وكذلك أثر الأزمة الاقتصادية العالمية على اقتصاد الولايات المتحدة الأميركية.

[تقرير مسجل]

عبد الفتاح فايد: ضغوط أميركية متواصلة على الصين لتعويم عملتها اليوان، واليابان تعمل جاهدة لكبح الين الجامح ولجمه حتى لا يضر بصادراتها وأعلنت رسميا اقتراف الكبيرة الاقتصادية بالتدخل في سوق الصرف الأجنبي لتحقيق هذا الغرض، والمارد الصيني يمد أذرعته الأخطبوطية ويشتري السندات اليابانية في هذا الوقت العصيب ويصعب المهمة، والبرازيل تستعد لتدخل مماثل لوقف صعود عملتها، واليورو يتعرض لضربات قاسية بسبب أزمة ديون اليونان حتى راجت توقعات بانهيار تلك العملة بعد عقد واحد فقط من أطلاقها، وعلى الفور اتجهت أصابع الاتهام إلى قوى خلف الأطلسي خاصة مع اتهامات رسمية لبنوك أميركية بأنها أخفت بيانات مهمة حول ميزانية اليونان تسببت في الكارثة. هل يعني هذا سوى حرب عملات عالمية يتسع أوارها يوما بعد يوم؟ مدير صندوق النقد الدولي دومينيك ستراوسكان اضطر للرد على هكذا تساؤل مستبعدا اندلاع مثل هذه الحرب حاليا لكنه أكد أيضا أن التدخل في سوق العملات ليس مفيدا خاصة إذا تم بغرض ما سماه الانتقام. هي الحرب والمكيدة إذاً، تمسكا بملك يعتريه الأفول أو طلبا لملك قادم ألا يزول فالكل يريد الانتعاش لنفسه على ما يبدو والسيادة لعملته ورمز قوته في عالم تعصف به المتغيرات من كل جانب. الباحث الأميركي من أصل صيني سنوغ هونغ بينغ استبق الأحداث بكتاب أصدره عام 2008 يحمل اسم "حرب العملات" أكد فيه أن الإدارة الأميركية ستواجه معجزة الاقتصاد الصيني بخفض سعر الدولار ورفع أسعار النفط والذهب، وفقا لنظرية المؤامرة هذه تبدو الخطة الأميركية وكأنها تسير في طريقها المرسوم لكن يبدو أيضا أن السحر قد انقلب على الساحر فقد جاءت الأزمة الاقتصادية العالمية وتوقفت المصانع وانكمشت التجارة العالمية وتعطلت المشاريع الاستثمارية واستطالت طوابير البطالة حول العالم، لكن التنين الصيني بما يملكه من أكبرا حتياطي عالمي من الذهب واستثمارات متنوعة في السندات الأميركية والدولية خرج من الأزمة بمعدل نمو هو الأعلى عالميا وتمكن في عام واحد من إزاحة اليابان عن تصنيفها كثاني أكبر اقتصاد في العالم وإزاحة ألمانيا عن عرش الصادرات العالمي وإزاحة الولايات المتحدة الأميركية عن عرشها كأكبر سوق استهلاكية في العالم وأعطى اليوان الضعيف قوة للصادرات الصينية بينما تئن الاقتصادات الكبرى الأخرى من تداعيات الأزمة الاقتصادية. وبدلا من أن تنتعش الصادرات الأميركية مستفيدة من ضعف الدولار غرقت السوق الأميركية بالبضائع الصينية وباتت قوة أية عملة في تدني سعرها وليس في ارتفاع قيمتها، وهو ما يدعو خبراء إلى القول إن أوراق النقد قد باتت فعلا سلاحا جديدا في حروب اقتصادية ربما تكون أشد فتكا من أسلحة الدمار الشامل!

[نهاية التقرير المسجل]

عوامل وأبعاد أزمة الدولار والتوجهات العالمية لمواجهتها


علي الظفيري: أبدأ معك دكتور جواد، هذا النقاش الآن الذي يحيط بالدولار وبما يتعرض له الدولار كعملة عالمية كعملة تجارة عالمية عملة احتياط عالمية، نقاش جدي حقيقي مقلق طبعا لمن يقفون في صف هذا الدولار أم أن الأمر هي يعني فقط عارض سريع ويزول قريبا؟


جواد العناني: تعرض الدولار في السابق لأزمات مشابهة من هذا النوع مثلما حصل في أوائل السبعينيات من القرن الماضي ولكنه استطاع أن ينفد منها لكنني أعتقد هذه المرة أن القضية ربما لن تكون من السهل على الولايات المتحدة أن تستعيد مكانة الدولار إلى ما كانت عليه في العشرين سنة الأخيرة التي سبقت الأزمة الحالية التي نمر بها في الاقتصاد العالمي وهناك اقتصاديون كثيرون قالوا ونادوا بضرورة أن يكون هنالك عملات دولية أخرى مشاركة للدولار ولا يجوز للدولار أن يبقى العملة الدولية الوحيدة المسيطرة على المعاملات الدولية.


علي الظفيري: دكتور قبل ذلك ما هو الفارق في الأثر السلبي الذي تعرض له الدولار سابقا كما ذكرت وما يتعرض له اليوم؟


جواد العناني: الواقع أن زميلي في الحلقة أيضا الدكتور سونغ كتب كثيرا في هذا الموضوع في كتابه "حرب العملات" أعتقد أنه غطى هذا الموضوع جيدا، ولكن هذه المرة الأزمة كبيرة جدا جدا جدا وأننا لم نخرج منها وحتى الآن بشكل مقنع وهنالك توقعات فصدر يوم أمس مثلا في جريدة الهيرالد تريبيون مقال يبين بأن حتى خبراء في شركات مالية كبرى مثل غولدمان أند ساكس يتوقعون بأن النصف الثاني من هذا العام سيكون أسوأ من النصف الأول في الولايات المتحدة الأميركية وأن حجم المديونية الأميركية التورط الأميركي في المشكلات الاقتصادية من حيث تضافر ما يسمى التراجع في الأسعار وتضافر التراجع في العمالة هذان الأمران إذا استجمعا يعني مع بعضهما البعض فستكون هنالك كارثة اقتصادية كبيرة جدا في الولايات المتحدة وهذه بالطبع لن تعطي الدولار فرصة ثانية، لم يكن في السبعينات منافسون للولايات المتحدة بالمعنى الصحيح، لم تكن لا الدول الأوروبية قد توحدت ولا كانت الصين قد برزت إلى المسرح العالمي، الآن هنالك منافسان أساسيان خطيران وإن كانت أوروبا في الوقت الحاضر تبدو واهنة لكنها لا يستهان بها كقوة اقتصادية كبيرة متجمعة.


علي الظفيري: وبالتالي حجم الضغط الذي تعرض له الدولار أكبر مما كان عليه في السابق.


جواد العناني: أكبر بكثير مما كان عليه في السابق وبمراحل.


علي الظفيري: دكتور سونغ في بكين مؤلف "حرب العملات" نرحب بك مجددا في العمق. نتساءل، أنت كما ذكر الدكتور وكما نعرف فصلت كثيرا في هذه المسألة، كيف أثرت الأزمة المالية الحالية على الدول كعملة تجارة عالمية وكعملة احتياط نقدية عالمية أيضا؟


سونغ هونغ بينغ: في واقع الأمر بالنسبة لأزمة الدولار الأميركي أعتقد أن الوقت هذه المرة مختلف عما كان عليه في السبعينات وأعتقد أن ما يهم في هذه المرحلة هو موضوع مستويات المديونية في مقابل الناتج المحلي الخام، إذا قارنا الاتحاد الأوروبي في الثلاثينات والأربعينات والكساد الذي عاشه في أميركا نشهد أن ما حدث هناك أي منذ ثمانين سنة فإن مجمال المديونية الأميركية في مقابل الناتج المحلي كان أعلى مستوى للناتج المحلي في وقتها كان يقرب 3% والآن بعد سنتين فإنه في 2008 مستوى المديونية وصل إلى 375% وهو أعلى مستوى بعد الحرب العالمية الثانية، إذاً في هذه المرة فإن مستوى المديونية عال للغاية وهو أعلى بكثير مما كان عليه في السبعينات وقتها كان مستوى المديونية قرابة مائة ويزيد، ما الفرق بين المرحلتين؟ هذه المرحلة إن مديونية الأميركية أعلى مما كانت عليه في السبعينات لذلك أعتقد أن السيد كريسبان وغيره من الاقتصاديين يقولون بأن هذه المرحلة حاليا الأزمة خطيرة جدا وكبيرة جدا ولا يمكن مقارنتها بالماضي وأنا أتفق تماما مع هذا الطرح. إذاً كيف نخرج من هذه الأزمة ونحل المشكلة؟ أعتقد أن نظام الدولار الأميركي غير مستقر فهناك مشكلة في تصميمه ولديه مشاكل جذرية ومؤسسية، دولة كبيرة مثل الولايات المتحدة عليها أن تقوم بتصدير دولارها إلى العالم وحسب الاتفاقيات الدولية وإذا كان الأمر كذلك فإن هذا البلد أي أميركا ومهما كانت احتياطاتها النقدية فعليه أن يحظى بتوازن تجاري، عندما يكون هذا الميزان التجاري كبيرا فعليك أن تصدر المال وتحصل على السلع وقتها يكون لديك عجز تجاري. كما تعلمون الأمران يحدثان في نفس الوقت إذاً ليس هناك أي طريقة لتغيير ومواجهة هذه المشكلة إذاً أميركا تصدر أكثر من الأموال التي تتدفق عليها وليست هناك عملة تجارية للدول الأخرى، إذاً هذا النظام ليس مستقرا في أساساته لذلك فإن المزيد من الناس يدعون إلى إيجاد طرق بديلة لتعويض نظام الدولار الأميركي.


علي الظفيري: دكتور سونغ يعني هذه النقطة الرئيسية الآن التي سنحاول أن نركز عليها بشكل كبير في هذه الحلقة. دكتور جواد العناني هنا في الأستوديو، هل الأمور تتجه في طريق إعادة ترميم الدولار ومن ثم إعادة ترميم الاقتصاد الأميركي وحالة المديونية وما إلى ذلك أم يبدو أن الأمور تتجه إلى منحى آخر الابتعاد عن الدولار وعن مركزية الدولار في الاقتصاد والتجارة العالمية؟


جواد العناني: في الواقع أن تقريري الأمم المتحدة اللذين صدرا في الفترة الأخيرة واحد في العام الماضي واحد هذه السنة يؤكدان أن الأمم المتحدة قد وصلت على الأقل بعض هيئاتها إلى القرار بأنه لا بد لنا أن نصل إلى أمر وهو أن الدولار يجب ألا يستمر عملة دولية كعملة احتياط وعملة تبادل تجاري دولي وحيدة في العالم، بل لا بد أن نستبدل هذا النظام بنظام أكثر استقرارا وأكثر ضمانا لمصالح الدول والشعوب، ولذلك صار السؤال هو كيف نفعل ذلك؟ خاصة وأن كثيرا من الدول لديها احتياطات من الدولار كبيرة جدا وتخشى إذا تراجع الدولار كثيرا بأنها هي تفقد وتخسر، الصين واحدة منها لأن احتياطيات الصين في الوقت الحاضر في آخر تقرير قرأته تصل إلى 2,4 ترليون دولار وهذا مبلغ لا يستهان به..


علي الظفيري  (مقاطعا): كم نسبة الدولار من هذه الاحتياطيات؟


جواد العناني: نسبته قد تصل إلى أكثر من مائة ترليون ونصف على الأقل.


علي الظفيري: وبالتالي الضرر ليس واقعا فقط على الولايات المتحدة الأميركية.


جواد العناني: لا، ولكن الولايات المتحدة كانت دائما تعمل حسابها لأن الدولار إذا طلع هي الكاسبة وإذا نزل الدولار فهي كاسبة على الحالتين.


علي الظفيري: هذا المقامر الرابح دائما.


جواد العناني: هذا المقامر الرابح دائما. الآن السؤال هو بدأت روسيا مثلا بدأت دول مثل روسيا والصين بالذات تثير السؤال لماذا نحن ندفع دائما فاتورة هذا التقلب في سعر صرف الدولار وفي الوضع الدولي الحالي الذي يعطي أميركا الحق في أن تطبع عملات وتصدر عملات مقابل العجز في ميزانها التجاري والعجز في موازنتها؟ فلذلك كان على الأمم المتحدة أن تتحرك ونظمت الأونكتاد في جنيف وهي منظمة ترعى مصالح الدول النامية في الدرجة الأساسية هي التي أثارت السؤال وقالت لا، علينا أن نتوقف وأن الدولار هذا يجب ألا يكون هو العملة الوحيدة عملة احتياط ولا حتى عملة قياس للعملات الأخرى يعني العملة المرجعية، فلذلك ثارت الولايات المتحدة واعتبرت هذا أمرا خطيرا ويمس بالمصالح الإستراتيجية العليا لأميركا، لكن في السنة اللي بعدها أخذت الأمم المتحدة والمستشار الاقتصادي لسكرتير عام الأمم المتحدة رأيا أكثر إنصافا يعني وأكثر أخذا بالاعتبار لمصالح أميركا فقدم هو ومساعده رأيين أو أمرين جديدين في المعادلة، الأمر الأول أن أميركا لا.. يعني تدفع كثيرا أنها مشان تظل تصدر دولارات حتى العالم يبقى فيه دولارات كافية..


علي الظفيري: يعني تتحمل مسؤولية أكبر.


جواد العناني: تتحمل مسؤولية أكبر، هو وضعها بهذا الشكل..


علي الظفيري: مراعاة..


جواد العناني: مراعاة لها على..


علي الظفيري: الحساسية الأميركية.


جواد العناني: آه الحساسية الأميركية. والنقطة الثانية هي أنه نحن لا نريد أن نغير بين عشية وضحاها، لا بد أن نتبنى نظاما تدريجيا ولذلك اقترحوا هم أن نعود إلى عملة دولية ذكرها صندوق النقد الدولي وسموها وحدات السحب الخاص..


علي الظفيري: وحدات السحب الخاص كبديل للدولار.


جواد العناني: كبديل للدولار وهذه أصلا موجودة وطبقت في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي ولكن عاودت طويت صفحتها بعد ذلك لما عاد الدولار واستعاد ألقه بعد التراجع الذي أصابه في سبعينيات القرن الماضي.

خيارات الصين وبدائل الدولار وملامح حرب العملات


علي الظفيري: سأفصل معك دكتور جواد في هذه البدائل، لكن أريد أن أسأل دكتور سونغ في بكين، ما هي خيارات الصين في هذه المسألة، الاتجاه نحو نظام بديل والصين تتأثر أيضا سلبا بما يتعرض له الدولار نظير احتياطاتها العالية من الدولار؟


سونغ هونغ بينغ: أعتقد أن الصين في هذه المرحلة لديها الكثير من الأصول من العملة الأميركية وكما ذكرتم فإنها تصل إلى 2,4 ترليون وهي كمية كبيرة وأعتقد أن الشعب الصيني مثله مثل غيره من شعوب العالم بدؤوا الآن يشعرون بالقلق بشأن سلامة هذه الأصول وأعتقد أن المزيد من الناس يقترحون وجود بدائل ونظام بديل لتعويض العملة الأميركية بصفتها عملة الاحتياط الوحيدة في العالم، أعتقد أن هناك أربع مقترحات حاليا أعتقد أن أولها يتمثل في صندوق النقد الدولي وهو حقوق الخاصة لهذا الصندوق وهو مفهوم قديم جدا، مقترح آخر يتمثل في سلة عملات لدول كثيرة مثل اليورو والدولار وكذلك اليوان الياباني وكذلك العملة الصينية وغيرها من العملات وأعتقد أن الخيار الثالث يعود إلى نظام الذهب حيث أن الذهب هو عملة قياس وربما المقترح الأخير ربما يكون الأكثر إمكانية في التحقيق هو أنه بعد انهيار نظام الدولار فعليك أن تعود إلى ثقة الناس والتي تقوم أساسا على الذهب. لكن هناك مكون أساسي لهذه الثقة ويتمثل في ثاني أكسيد الكربون وهو الكربون، ثاني أكسيد الكربون الذي أسميه عملة الكربون، إذا جمعنا عملة الكربون والذهب فهذا يمكن أن يكون خيارا جيدا..


علي الظفيري (مقاطعا): دكتور سونغ إذا سمحت لي يعني عذرا على المقاطعة، أريد أن أسألك فيما يتعلق بالصين، هل تملك الصين حرية كاملة مرونة في اختيار موقفها تجاه ما يتعرض له الدولار قياسا على أمرين مهمين الأول الحجم الكبير من احتياطاتها من الدولار وبالتالي هي تخسر إن تعرض الدولار أيضا لضرر كبير، الأمر الثاني مسؤوليتها الاقتصادية والضغط الأميركي الذي تتعرض له فيما يتعلق برفع عملتها والتعامل مع الدولار كعملة رئيسية، وفق هذين الأمرين هل تملك الصين خياراتها بشكل كامل للتعامل مع قضية الدولار ومركزية الدولار؟


سونغ هونغ بينغ: أعتقد أن الصين حاليا تعتمد بشكل كبير على الدولار الأميركي وتلك حقيقة لا مراء فيها، أعتقد أن الصين ليس لديها خيار كبير باتجاه الدولار، يمكنها أن تتوجه إلى اليورو أو اليونان لكن كثيرا من أصولها الآن موجودة بالدولار الأميركي لكن على المدى الطويل أعتقد أن هذه الأصول يمكنها أن تخسر الكثير من قيمتها في نهاية المطاف، إذاً مهما كانت ستقوم به الصين فعليها أن تبدأ بتنويع احتياطاتها من الأصول الأجنبية، إذاً الأمر يعتمد على مدى سرعة التحرك الصيني وكذلك على حجم هذا التحرك، أعتقد أن الذهب خيار جيد للصين لتقوم بتنويع احتياطاتها من العملة الأجنبية.


علي الظفيري: نعم، الخيارات الأربعة -دكتور جواد- التي ذكرها الدكتور سونغ، وذكرت الأول طبعا، هي حقوق خاصة أو وحدات سحب..


جواد العناني: وحدات السحب الخاصة.


علي الظفيري: وحدات السحب الخاصة كما أشرت لها، سلة عملات لأكثر من دولة، الذهب مرة أخرى والخيار الأخير ما يتعلق بالكربون.


جواد العناني: في الحقيقة هي كلها تنوعات لنفس الاقتراح يعني حتى الذهب هو يمثل الرصيد الذي تعودنا تاريخيا على قبوله بأنه دائما هو المرجع عندما يفشل نظام الأوراق العملات الورقية نعود لنتحدث عن قاعدة الذهب وعن العودة إلى قاعدة الذهب لأنها أكثر استقرارا وأكثر أمانا وطمأنة للناس من غيرها. سلة العملات على فكرة هي برضه نفس الشيء هي يعني فكرة حقوق السحب الخاص وسلة العملات نفس الفكرة هي وحدة مكونة من سلة عملات..


علي الظفيري (مقاطعا): طيب أين نتجه بين هذه الخيارات؟


جواد العناني: أنا أعتقد بأن بعض الاقتصاديين العالميين يعني نحن أمام خيارين فقط الحقيقة أنا في رأيي إما الذهب وإما مجموعة عملات تسود في العالم مش عملة واحدة، يعني مثلا فيما يتعلق ببعض المحللين الاقتصاديين المشاهير اللي فازوا بجائزة نوبل في الاقتصاد وأحدهم كان مستشارا للصين وهو روبرت مانديل اللي فاز بجائزة نوبل سنة 1999 يقول دائما بأن العالم يجب أن يكون فيه ثلاث مناطق عملات مثلى هذه هي منطقة الدولار ومنطقة اليورو ومنطقة لعملة ثالثة في المحيط الباسيفيكي، هو يقول ويعتقد أنها الصين خاصة في حوالي 2020، هنالك اقتصادي آخر كان يعاند في هذه القضية وكان الاثنان يعني صديقين لدودين في هذا الموضوع، اللي هو اسمه ريتشارد كوبر الآن أستاذ في جامعة هارفرد، كوبر بيقول لك أبدا الصين ليست مستعدة لهذا الأمر، الدولة التي كانت مستعدة هي اليابان. أعتقد بأن ريتشارد كوبر الآن غير رأيه، ولذلك في كلام كان أنه لربما تنشأ عملة موحدة بين اليوان والين يعني في الباسيفيكي لتشكل عملة ثالثة، هذه العملات الثلاث هي العملات الدولية الرئيسية القابلة للتحويل لأنها تسندها اقتصادات كبيرة، هذه ممكن أن..


علي الظفيري: هذه جذور سلة العملات المقصودة.


جواد العناني: هذه هي جذور السلة هذه هي المكونات الأساسية لسلة العملات التي نتحدث عنها سواء هي اللي بتعتمد على حقوق السحب الخاص إذا لجأنا لها أو إلى قاعدة الذهب حتى لأنه بدك تقارن أنت هذه أسعار العملات بالذهب، في نهاية الأمر الناس ما رح تتعامل بالذهب رح تتعامل بالعملات ولذلك أعتقد بأن الصين الآن تحسن في تنويع موجوداتها إذا توجهت إلى الدولار لأننا نعتقد بأن العالم -أنا في رأيي- مقبل ربما على حرب عملات، حرب تخفيض وهذه لها موضوع آخر..


علي الظفيري (مقاطعا): حرب العملات نسأل الدكتور سونغ عنها، دكتور سونغ في بكين ألفت كتابا اسمه "حرب العملات" ماذا تقصد؟ ما هي هذه الحرب؟ ما طبيعتها؟ بين من ومن؟ من يقودها وضد من؟


سونغ هونغ بينغ: في واقع الأمر كتابي الذي هو بعنوان "حرب العملات" يتناول موضوعا أعتقد أنه يتعرض إلى أن عملية العملة هي أهم شيء في التاريخ ذلك أن هذا يمكن أن يؤدي إلى توزيع الثروة إذاً من يمكنه أن يتحكم في العملة في نهاية المطاف يتحكم في العالم، ذلك هو جوهر الكتاب. وفي ثلاثمئة سنة الماضية درست باهتمام القوى التي تتحكم في العملات وتتحكم فيها من وراء الستار وتتحكم في نظام العملات، أعتقد أنها المصارف المركزية الموجودة الآن في العالم هي من تتحكم في قضايا العملات وهذه المصارف المركزية هي مستقلة تماما ولا تقوم برفع تقارير إلى الكونغرس والرئيس وليست مسؤولة أمام الشعب وما من جهة يمكنها أن تراقبها وترصدها وهي مسؤولة عن نفسها، إذاً اعتقد أن ذلك وضع غريب. إذاً في كتابي وحسب وجهة نظري فإنه في المستقبل ستكون هناك ثلاث عملات أساسية أولها الولايات المتحدة التي تستخدم الدولار وبعد ذلك الدول الأوروبية التي ستستخدم اليورو بصفته العملة الرئيسية وكذلك في الدول الآسيوية التي سيكون فيها بنهاية المطاف نظام عملة موحد لا نعرف اسمه واسم العملة هناك لكن بالتأكيد في نهاية المطاف سيكون هناك عملة موحدة في آسيا، ربما خلال العشرين سنة القادمة وأكثر من ذلك هذه العملات الثلاث الأساسية ستكون العوامل الثلاثة المتنافسة في الأسواق المالية العالمية.


علي الظفيري: دكتور سونغ، قبل الفاصل بشكل مختصر إن تكرمت، ما موقع المؤسسات المالية الدولية صندوق النقد، البنك الدولي، كل هذه المؤسسات الكبرى العالمية ما موقعها في حرب العملات الدائرة؟


سونغ هونغ بينغ: أعتقد أن صندوق النقد الدولي يستعد ليصبح مصرف العالم المركزي الأول فإذا كانت هذه خطته فلا أعتقد أنها خطة واقعية، ربما في المستقبل يمكن أن يحاجج بذلك الشأن.


علي الظفيري: إذاً مشاهدينا الكرام فاصل قصير، حلقة في العمق الليلة تبحث حرب العملات، بعد الفاصل سنشير إلى التأثير الذي يمكن أن تتعرض له الولايات المتحدة الأميركية كقوة سياسية وعسكرية نتيجة ما يتعرض له الدولار، أين تتجه الأمور، كيف أدارت أميركا أزمتها المالية وأيضا العرب لماذا هذا الحلف والرابط المقدس العربي والخليجي تحديدا مع الدولار، فتفضلوا بالبقاء معنا.

[فاصل إعلاني]

خيارات أميركا والانعكاسات السياسية والاقتصادية على الساحة الدولية


علي الظفيري: أهلا بكم من جديد مشاهدينا الكرام في حلقة في العمق الليلة وتبحث حرب العملات بين الدولار الذي يتهاوى والعملات أيضا الناشئة مع الدكتور جواد العناني والدكتور سونغ هونغ بينغ مؤلف "حرب العملات" من بكين. دكتور الولايات المتحدة الأميركية في أزمة الدول الآسيوية في عام 1997 كانت تطالب طبعا يعني كانت تطالب الدول الآسيوية بتصرف ما لأنه اشترطت لمساعدتها وقف الإنفاق العام إبقاء أسعار الفائدة مرتفعة، منع إنقاذ الشركات المتضررة وهو تحديدا ما لم تفعله أميركا في أزمتها المالية، ما أثر ذلك على هذه الصورة الاقتصادية التي ترعاها الولايات المتحدة الأميركية؟


جواد العناني: هو تناقض المواقف أو ما يسمى أحيانا، ليس محصورا على الأمور السياسية يعني بنشوف سلوك أميركي أحيانا في منطقة شيء ومنطقة أخرى شيء آخر ولكن الفرق الأساسي هو أن الولايات المتحدة الآن تدافع عن مصالحها، في السابق كانت تطلب من الآخرين أن يدافعوا عن مصالحها هي لديهم فلذلك كان مطلوبا منهم كدائنين أو مدانين للولايات المتحدة وغيرها من الدول أن يشدوا الأحزمة ويمتنعوا عن الإنفاق ويتقشفوا حتى يستطيعوا أن يخلقوا الوفر الكافي الذي يمكنهم من سداد دينوهم.


علي الظفيري: وما يتدخلوا لمساعدة أي شركة تنهار بعكس ما تفعل أميركا اليوم.


جواد العناني: بالضبط، أميركا اليوم تعالج مشكلتها الأساسية في برنامج التصحيح الاقتصادي الذي بات يشك في نتجاعته كلية بعد كل هذه المبادئ التي رصدت له وصلت أكثر من ثمانمئة مليار دولار، الآن أميركا الحقيقة تواجه مشكلة حقيقية في العالم وهي وضعت نفس الحلول اللي خلقت الأزمة أصلا، يعني ما الذي خلق الأزمة؟ التوسع في الإنفاق غير المنفلت، المديونية، تشجيع الاستهلاك غير المنضبط، طيب إحنا الآن ما نزال نتحدث عن دورة اقتصادية يقودها الاستهلاك وليس الاستثمار ونتحدث أيضا عن ضرورة عودة إلى شراء البيوت، طيب ما هو شراء البيوت والعقار هي التي أدت إلى الأزمة..


علي الظفيري: والقروض وشراء القروض.


جواد العناني: وشراء القروض.


علي الظفيري: الاقتصاد الورقي.


جواد العناني: الاقتصاد الورقي، فإذا كان إحنا نريد أن نعالج المشكلة بنفس الداء الذي يعني وأخف من بعض الدواء الداء في بعض الأحيان، لذلك في كثيرين من الاقتصاديين يشككون في أن الولايات المتحدة خاصة في ظل الحروب المستعرة حاليا يذكرنا بأوضاعها في السبعينيات لما اضطرت أن تخفض الدولار مرتين، الآن إذا كانت المشكلة الاقتصادية في الولايات المتحدة هي مشكلة سكون بمعنى أن الأسعار عم تنزل في quieting يعني حالة هدوء وأسعار الفوائد أصلا متدنية تكاد تقول للناس خذوا الفلوس مجانا وانفقوها، وإذا وصلت الأمور إلى أن البطالة رغم كل هذا لا تتحسن فمعناه تضافر الاتجاه الواحد بين معدلات البطالة ومعدلات انخفاض الأسعار يشكل تحديا اقتصاديا كبيرا قد يجعل ويعمق الأزمة الاقتصادية.


علي الظفيري: وتخوض أكبر حربين في مطلع القرن الحادي والعشرين.


جواد العناني: نعم.


علي الظفيري: تزامنا مع كل هذا.


جواد العناني: تزامنا مع كل هذا.


علي الظفيري: وفي العراق وأفغانستان.


جواد العناني: نعم. فإذاً إحنا السؤال هو ماذا، هل ستعود الولايات المتحدة إلى السلام وتخفيف الإنفاق الخارجي العسكري وتخفيف كل هذ النفقات أم أنها ستسعى إلى إعادة تشعيل الاقتصاد الأميركي بمعنى أنها تخفض الدولار أكثر حتى تجعل في نوع من ارتفاع الأسعار داخل الولايات المتحدة؟ فلذلك ارتفاع الأسعار مثلما في عندك زيادة في البطالة مع انخفاض الأسعار هم يتوقعون أن يكون هنالك زيادة في الوظائف مع زيادة في ارتفاع الأسعار، فإذاً الدولار مقبل على ماذا؟ يعني ما في حل إلا الدولار أنه يتذبذب إلى الأسفل لمدة طويلة.


علي الظفيري: دكتور سونغ في بكين برأيك كاقتصادي كيف ستخرج الولايات المتحدة الأميركية من أزمتها الاقتصادية هل هي تسير في هذا الطريق الآن وهل يترتب على ذلك عودة الدولار كعملة أساسية؟


سونغ هونغ بينغ: في واقع الأمر هناك توجهان أساسيان في هذا الصدد، هناك البعض ممن يقولون بأن أميركا والعالم بأسره يعيشان في مناخ يتميز بالتضخم على الأمد الطويل وهناك مجموعات من الناس يعتقدون بأنه على المدى الطويل سنتوصل إلى ركود كما كان عليه اليابانيون في التسعينيات حيث كان هناك مناخ يتميز بالتضخم، أعتقد أن المشكلة الحالية التي تواجهها أميركا هي المديونية العالية ليس فقط في القطاع العام ولكن أيضا في القطاع الخاص مثل المديونية في مجال الشرائ ومديونية الاستهلاك بالأخص في المستقبل فإن قطاع الصحة سيعاني هو الآخر نتيجة للمديونية التي تصل لأكثر من ترليون، هذه العوامل مجتمعة توحي بأنه ما من بديل أمام الحكومة الأميركية عدا تخفيض قيمة الدولار وهذا يعني أن الدولار على المدى الطويل سيخسر الكثير من قيمته ومن قدرته الشرائية وبشكل متسارع، إذاً هذا يخلق حالة من عدم الاستقرار للاقتصاد العالمي بشكل عام ومنظومته. بالنسبة لكافة الدول الأخرى مثل الصين والشرق الأوسط هذه الدول عليها أن تنظر في آليات لتحمي نفسها من قبيل أن الدول في الشرق الأوسط تستخدم الدولار بصفته منظومة عملات قائمة على ثروة مسعرة بالنفط كذلك فإن الصين عليها أن تقوم بمراقبة الصادرات والواردات وميزانها، إذاً كافة الأطراف عليها أن تفكر فيما سيحدث في المستقبل إذا ظل الدولار ينخفض على الأمد الطويل وأعتقد أن هذه هي المشكلة الأكبر التي تواجه النظام الاقتصادي الحالي وهي أن قاعدة العملة ليست مستقرة وتزداد سوءا بعد سوء. إذاً نحن نشعر بالقلق بشأن السنة القادمة، نشعر بالقلق بأن الاقتصاد الأميركي قد يشهد المزيد من الركود.


علي الظفيري: دكتور جواد في الوقت الذي يتعرض له الدولار والولايات المتحدة واقتصاديها لكل هذه الأزمة لا يبدو أن الصين جاهزة لتحتل موقعا يلائم قيمتها الحقيقية كقوة اقتصادية كبيرة، هي في موقع حمائي دفاعي، ما الذي يجعل الصين تتردد تجاه مزيد من الحضور في الساحة الاقتصادية العالمية؟


جواد العناني: أعتقد أن طبع الصين هو الحذر في أخذ القرارات وهذه السياسة فعلت فعلها في الصين ونجحت، الصين لا تريد أن تبالغ في تقييم حجمها قبل الأوان حتى لا يطالب منها أكثر مما تستطيع أن تحتمل وخاصة أن الولايات المتحدة في الفترة الأخيرة بدأت تمارس ضغوطا كبيرة على الصين، يعني تمارس ما يسمى موقفها التفاوضي الجيد حيال الصين في أنها تفرض على الصين أن ترفع سعر اليوان..


علي الظفيري (مقاطعا): لماذا تريد رفع سعر اليوان؟


جواد العناني: حتى تستطيع الولايات المتحدة أن تجعل صادرات الصين إلى الولايات المتحدة أغلى كلفة فتقل هذه الصادرات..


علي الظفيري: وتقل تنافسيتها يمكن.


جواد العناني: وتقل تنافسيتها نعم، وتستطيع الولايات المتحدة أن تزيد من صادراتها إلى الصين في نفس الوقت.


علي الظفيري: هذا واحد من عوامل الضغط.


جواد العناني: هذا واحد من عوامل الضغط الأساسية، الأمر الثاني هو أن للولايات المتحدة استثمارات كبيرة جدا داخل الصين وأن الصين يعني في ثورتها الاقتصادية الأخيرة اعتمدت كثيرا على الأسواق الأميركية وعلى التكنولوجيا، التعاون التكنولوجي الأميركي ومن هنا فإن الصين الحقيقة تدرس خياراتها بشكل دقيق جدا وبشكل حذر. هي الآن كما ذكر السيد سونغ هي الآن في الحقيقة واقعة بين فكي الكماشة يعني بمعنى أن الولايات المتحدة تفرض عليها قيودا وفي نفس الوقت هي تريد أن تبني لنفسها اقتصادا مستقلا مع الوقت، أعتقد بأن الصين على المدى الطويل تفكر أن يكون لها عملتها القوية، تفكر أن تكون عملتها مستقرة حيال الدولار المتقلب، ومن هنا فأعتقد أن هذه السياسة حكيمة جدا لا تريد أن تتهور بسرعة بأخذ قرارات قد تجعلها تخسر أكثر مما نرى، ونرى مواقفها السياسية أيضا..


علي الظفيري (مقاطعا): نعم، والحكمة الصينية دكتور دائما مميزة.


جواد العناني: نعم.


علي الظفيري: دكتور سونغ، ما يتعرض له الدولار الآن، الدولار الأميركي وهو رأس حربة في هذه الصورة الأميركية التي سيطرت على العالم، كيف يؤثر برأيك على صورة الولايات المتحدة الأميركية السياسية كقائدة لهذا العالم، العالم الجديد كما تسميه، كقوة عسكرية كبيرة جدا واستحقاقاتها والتزاماتها العسكرية وكذلك كقوة اقتصادية تشكل أو تحتل المساحة الأكبر -دعنا نقل- في العالم؟


سونغ هونغ بينغ: أعتقد أنه إذا واصل الدولار في خسارة قدرته الشرائية فإن أميركا في نهاية المطاف ستخسر نفوذها السياسي وقوتها العسكرية تماما مثل الإمبراطوريات الماضية في التاريخ فإذا كانت لديك مديونية كبيرة وظللت وبقيت مديونيتك ترتفع فإنك ستخسر ثقة الناس في منظومة العملات لديك، وإذا حدث ذلك فمهما كانت قوتك السياسية الحالية ومها كانت قوتك العسكرية فإنك إذا خسرت نظامك المالي وخسرت ثقة الناس في تلك المنظومة فوقتها فإن قدراتك وقواتك الأخرى ستخسر، وأعتقد أنه بالنسبة لأميركا في الفترة الراهنة عليها أن تكون لديها خطة مسؤولة لاستعادة ثقة الناس في الدولار الأميركي وذلك من خلال تخفيض الإنفاق وتخفيض المديونية وكذلك القيام بإجراءات كثيرة لرفع الضرائب، ليس تقليص الضرائب وإنما بالأحرى زيادة الضرائب للحصول على موازنة الميزانية، وأعتقد أنه على الأمد القصير سيكون الأمر مؤلما للنظام المالي والاقتصادي في أميركا لكن على الأمد الطويل أعتقد أن ذلك سيمثل حلا صحيا للخروج من الأزمة وإلا فإنه إذا حاول القادة السياسيون أن يتجنبوا مثل هذا الضغط أو الألم الناجم عن مثل هذه الظروف على الأمد القصير فإنه في الأمد الطويل عليهم أن يدفعوا المزيد لإعادة الثقة في نظام العملة أي الدولار، وأعتقد أن ذلك هو الخيار الماثل أمام القادة الأميركيين والشعب الأميركي.


علي الظفيري: دكتور سونغ ألا يمثل هذا الوضع فرصة مثالية لانقضاض الصين على الساحة الاقتصادية ومن ثم السياسية العالمية؟


سونغ هونغ بينغ: لا أعتقد أن الصين مستعدة لذلك بالرغم من أن تراجع نظام الدولار الأميركي ربما يمثل فرصة جيدة أمام الصين ولكنه بالنسبة للصين الأمر ليس جيدا والأهم بالنسبة لها أن تتبع اليورو لأنه أكثر استقرارا ولديه فرصة أفضل لأن يعوض الدولار وليس العملة الصينية، لم يحن الوقت في الوقت الراهن، ربما بعد عشرين سنة أو ثلاثين سنة فإن الفرصة قد تكون وقتها وليس الآن.

تأثر الدول العربية بأزمة الدولار وخياراتها المستقبلية


علي الظفيري: تاريخ 2020 دكتور يبدو تاريخا مهما جدا في قضية التحول بين القوى، كل الخبراء السياسيين الاقتصاديين يشيرون إلى هذا التاريخ أو إلى هذه الفترة مضي عشرين سنة من القرن الحالي فترة مهمة جدا، الدكتور جواد العناني الدول العربية بشكل عام، الدول الخليجية بشكل خاص مرتبطة كثيرا بالدولار، الدول النفطية تحديدا كيف تتأثر هذه الدول بما يتعرض له الدولار اليوم؟


جواد العناني: طبعا واضح العلاقة بين دول الخليج والدولار، ليس فقط دول الخليج وإنما كل الوطن العربي إلى حد ما مرتبط بالدولار..


علي الظفيري (مقاطعا): ولكن فوائض الخليج كبيرة جدا وضخمة.


جواد العناني: كبيرة جدا وضخمة وموجودة على شكل أرصدة وأوراق مالية معظمها بالدولار.


علي الظفيري: سندات وما إلى ذلك.


جواد العناني: سندات وقبولات حكومية وسندات خاصة مصدرة لصالح دولة معينة..


علي الظفيري: لا نود نسألك يعني أنت لست معنيا بشكل رئيسي أنه هل لهم الحق بتغيير هذه الأشياء أم لا؟ ولكن هذا افتراض يعني بعيدا..


جواد العناني: لا، هو يبقى دائما أمام الدول يعني فرص طبعا الواقع أن أميركا لن تسكن حيال من سيقوم باتخاذ قرارات قد تؤثر على مصالحها الإستراتيجية.


علي الظفيري: كيف تتأثر هذه الدول الخليجية؟


جواد العناني: لكن تتأثر الدول الخليجية طبعا إذا هبط سعر الدولار فمعناها موجوداتها ستقل قيمتها بالعملات الأخرى، هل المفروض أنه إحنا نبقى ننظر إلى هذا الأمر وخاصة أن قدرة أميركا على أنك تستبدل أرصدتها بسلع أو بخدمات ربما تقل، يعني أميركا لن تكون جاهزة أنها تستبدل كل هالمديونية الخارجية العالمية اللي عليها واللي ممكن تصل لعشرة ترليون دولار يعني تستبدلها بأرصدة وبسلع وخدمات..


علي الظفيري: مع أيضا هبوط العملية الإنتاجي في الولايات المتحدة الأميركية.


جواد العناني: ولكن أميركا إذا هبط سعر الدولار مديونيتها الخارجية رح تنزل قيمتها كثيرا، هبوط القيمة المديونية الخارجية على الولايات المتحدة في الخارج يعني أن الأرصدة الموجودة في الدول الأخرى أيضا رح تهبط.


علي الظفيري: يعني في مصلحة.


جواد العناني: في مصلحة للولايات المتحدة من زاوية أخرى.


علي الظفيري: ما الهامش المتاح للدول العربية ولدول النفط الخليجية؟


جواد العناني: أعتقد أن الاستثمارات المباشرة يعني هنالك أمران أولا لا أحد يستطيع أن يلومك إذا أنت نوعت اقتصادياتك بسرعة ووضعت خططا طموحة قليلا لتنمية اقتصادية لدول الخليج وهذا أمر ماشي وأنا أعتقد يجب أن يعزز بسرعة، النقطة الثانية هي قضية تنويع -أنا برأيي- الاستثمارات في الوطن العربي، الآن الوطن العربي ما عاد زي أول وما عادت الاستثمارات تأتي فقط من الدول الغنية للدول الفقيرة، لأن كثيرا من الدول زي الأردن لها استثمارات كبيرة جدا في دول الخليج لذلك لم يعد الاستثمار يسير باتجاه واحد، الناس اللي عندهم رؤوس أموال فائضة يمكن يكونوا جايين من دول أقل حظا ومن دول أكثر حظا فلذلك ما عادش الاستثمار يسير باتجاه واحد، الأمر الثالث والمهم جدا ولربما يكون هنا مطلوب من دول الخليج أن تسعى لخلق ما يسمى نظام استثماري عربي واحد وفيه ضمانات كافية ملزمة، الأمر الثالث أنا في رأيي أنه يصير في استثمارات في الدول الأخرى خارج الولايات المتحدة.


علي الظفيري: أوربا مثلا الصين وآسيا.


جواد العناني: في أوروبا وآسيا، يعني إحنا اليوم، امبارحة كان في تقرير مكتوب عن استثمارات دولة قطر في فرنسا يبدو أنها مجدية، فإذا كان الأمر كذلك فمعناه يجب أن يكون في هناك..


علي الظفيري (مقاطعا): في أكثر من بلد، الدول الخليجية استثمرت في بريطانيا في فرنسا في الدول الأوروبية، وهناك شيء، شيء يعني فتات على الأقل في بعض الدول العربية.


جواد العناني: في، لا والله، في استثمارات لا بأس بها في الدول العربية يعني مثلا عندك السعودية استثمرت في الأردن حوالي عشرة مليار.


علي الظفيري: لكن ماذا عن التوجه للصين وآسيا؟


جواد العناني: أعتقد أن هذا هو الشيء الإستراتيجي مهم جدا وأعتقد أن الصين والهند بالذات يشكلان الركن الأساسي الذي يجب أن يقال.


علي الظفيري: دكتور سونغ في نهاية الحلقة هل يمكن القول إن هذه الخلاصة التي نفصل فيها الآن هي الخلاصة الدقيقة، أن الدولار يتعرض لأزمة حقيقية وأنه لن يكون على حاله اليوم في سنوات قادمة ولكن أيضا خلاصة أخرى أن العالم ليس جاهزا بعد لسقوط الدولار عن موقع العملة الأساسية في التجارة العالمية وكعملة احتياط نقدية عالمية أيضا، هل هذا التوصيف دقيق لنقاشنا الليلة؟


سونغ هونغ بينغ: أعتقد أن هذا هو جوهر الموضوع، فالدولار أولا شاهد أزمة كبيرة ولكن على المدى الطويل فإنه سيشاهد أزمة أكبر، هذا أولا. ثانيا فإن العالم بأسره ليس مستعدا لهذا الأمر حتى الساعة، كافة الأطراف تأمل أن نظام الدولار الأميركي يمكنه أن يبقى لأكثر فترة ممكنة حتى يكون الجميع مستعدين للتخلص منه، وأعتقد أن الناس فقط يأملون بأن يكون هناك نظام نقدي بديل لتعويض الدولار بشكل متدرج وبأحسن الطرق.


علي الظفيري: نعم الدكتور سونغ هونغ بينغ الخبير الاقتصادي وكبير المحللين الماليين في شركة هونغ وانغ للأوراق المالية ومؤلف كتاب "حرب العملات" ضيفنا من بكين شكرا جزيلا لك، وقناعتنا في العالم العربي دكتور تزداد هذه الأيام بمزيد من الخبراء والمثقفين والأكاديميين والاقتصاديين الصينيين، ربما يكون للصين حضور كبير في المنطقة، الشكر أيضا موصول للدكتور جواد العناني نائب رئيس الوزراء الأردني للشؤون الاقتصادية ووزير الخارجية الأسبق الخبير الاقتصادي المعروف، شكرا لك دكتور. مشاهدينا الكرام شكرا لكم على طيب المتابعة، بريد البرنامج، alomp@aljazeera.net

وأعتذر في بعض الأحيان عن عدم الرد على كثير من الإيميلات لأنه ترد أعداد كبيرة جدا ليس كلها دقيق ومتعلق بالحلقة ولكن نحاول الرد قدر الإمكان على ما يردنا. تحيات داود سليمان منتج في العمق وراشد جديع مخرج هذا البرنامج وإلى اللقاء.