
أزمة التوريث في العالم العربي
– عوامل وأسباب ظاهرة التوريث في الجمهوريات العربية
– تأثير العامل الخارجي في تكريس الظاهرة
– نتائج التوريث على المجتمعات العربية وآفاق التغيير
![]() |
![]() |
![]() |
علي الظفيري: أهلا بكم. إنه عهد ما بعد الجمهورية العربية أيها السادة، كارتيلات الحكم العربي تأبى أن تكتفي بثلاثين أو أربعين عاما من السلطة والمال والنفوذ، والتركة الكبيرة التي تأسست طوال هذه العقود المظلمة -حسب البعض- لا بد لها أن تورث، وإليكم السناريوهات المحتملة في أكثر من بلد عربي، جمال مبارك رئيسا للجمهورية في مصر خلفا لأبيه، سيف الإسلام القذافي زعيما لليبيا خلفا لأبيه، أحمد علي عبد الله صالح رئيسا لليمن خلفا لأبيه، أما في تونس فالعائلة على خط الانتظار الزوجة وزوج الابنة وغيرهما، وفي الجزائر أخ متحفز ومتوثب للسلطة يملك كثيرا من أدواتها، أما في لبنان الديمقراطي التعددي لا يرث الرجل أو المرأة منصب أبيه فحسب بل الطائفة ومن عليها، كل شيء في هذا البلد الجميل قابل للتوريث، رئاسة التحرير، زعامة الحزب، علاقات المورث الخارجية، رؤيته التي لا تموت، إنه مستنقع التوريث الطائفي بحلة دستورية. هل تذكرون تهمة الرجعية في حقبة الستينات الميلادية للدول الملكية؟ أحدهم يقول إننا اليوم ندخل عهد ما بعد الرجعية العربية.
[شريط مسجل]
بشار الأسد/ الرئيس السوري: أقسم بالله العظيم أن أحافظ مخلصا على النظام الجمهوري الديمقراطي الشعبي..
حسني مبارك/ الرئيس المصري: هذا البرنامج يشمل إصلاح مصر.. أشياء كثيرة جدا.
[نهاية الشريط المسجل]
عوامل وأسباب ظاهرة التوريث في الجمهوريات العربية
علي الظفيري: معنا للغوص في عمق هذه القضية هنا في الأستوديو الدكتور مصطفى حمارنة ناشر مجلة السجل الأردنية الباحث والمؤرخ الأردني الرئيس الأسبق لمركز الدراسات الإستراتيجية ورئيس مجلس الأمناء لمؤسسة ترجمان، الأستاذ فهمي هويدي الكاتب والمفكر المصري المعروف، ومن القاهرة أيضا الدكتور يحيى الجمل القانوني البارز وأحد أبرز خبراء الفقه الدستوري في العالم العربي، مرحبا بكم ضيوفنا جميعا. أبدأ معك أستاذ فهمي هويدي، ما الذي أوصلنا إلى حافة التوريث في الجمهوريات العربية برأيك؟
فهمي هويدي: هذه قصة طويلة بأعتقد أن هناك حنينا إلى مرحلة ما قبل.. حنين إلى مرحلة الرجعية إذا جاز التعبير، هناك قوى دولية حريصة على تثبيت الأوضاع الراهنة، هناك قلق من البدائل، أن البعض يلوح ببدائل تخيف القوى الخارجية والتي هي مسيطرة سيطرة كاملة ومريحة في العالم العربي، هناك أخيرا الهشاشة الشديدة والضعف البالغ للمجتمعات العربية، هناك أخيرا القوة المفرطة للدولة الحديثة التي أصبحت قادرة على التكبيل والقمع وكبت الحريات بشكل غير مسبوق.
علي الظفيري: دكتور مصطفى جملة عوامل ذكرها أستاذ فهمي هويدي، برأيك ما العامل الأبرز في الدفع باتجاه التوريث في الجمهوريات العربية؟
مصطفى حمارنة: أنا أعتقد هو فشل العرب في قيام الدولة العربية الحديثة سواء كان على الصعيد القطري أو على الصعيد القومي، نحن قرأنا في التاريخ أسباب فشل تجربة محمد علي وكل تجربة عصر النهضة في القرن التاسع عشر، نحن الآن نعيش حياة فشل ذريع أمام أعيننا وهو الذي سببه الأساسي عجز الأنظمة والنخب العربية عن تأسيس دولة عربية معاصرة يسود فيها حكم القانون وتسود فيها سلطة الدولة وقوتها وليس شراستها بمعنى قوتها..
علي الظفيري (مقاطعا): والمسؤولية هنا مشتركة على الجميع، ليس فقط على السلطة السياسية؟
مصطفى حمارنة: أنا أعتقد السلطة لعبت دورا أساسيا في تفتيت المجتمعات العربية وتقسيمها ومن ثم إفراغ المجال العام من العمل السياسي فغابت البرامج تحولت المجتمعات العربية إلى كتل بشرية تتحرك على أساس الهوية، النموذج اللبناني كما تحدثت عنه نموذج ساطع جدا، وليبيا على الرغم من ثورة الفاتح عام 1968 ليبيا الآن الناس تتحرك وجاهيا وعلى أساس الهوية في كثير من الحالات، والذي نراه أمام أعيننا في مصر فعليا هو بدونة مصر..
علي الظفيري: وهي لم تكن أصلا..
مصطفى حمارنة: وهي الكارثة أن مصر لأنه عامة عندما تدخل العشيرة تاريخيا إلى المدينة يصبح الحكم وراثيا، ما يجري الآن في مصر وفعليا بدونة هذا النموذج الذي كان متقدما وقائدا في العالم العربي.
علي الظفيري: دكتور يحيى الجمل أرحب بك مرة أخرى في القاهرة وسؤالنا هل عمليات التوريث المرتقبة نتيجة طبيعية لاستبداد السلطة لبقائها طوال هذه العقود الماضية أم هو مفترق طرق تحول خطير ربما في النظام السياسي العربي؟
يحيى الجمل: والله أنا بأميل إلى أن أنظر للمسألة من منظور آخر، يبدو أن النظام الجمهوري نظام غريب على التربة العربية، التربة العربية عاشت قرونا طويلة في ظل استبداد في ظل عائلات مالكة في ظل خلافة في ظل.. المهم أن فكرة تأبيد السلطة ميراث عربي له مدد طويلة وقد يكون أيضا في بعض البلاد ميراث قبل الميراث العربي زي مصر، ففكرة تأبيد السلطة وأن السلطة لا تنتقل لأحد، من يستحوذ على السلطة يتمسك بها إلى آخر نفس في حياته يبدو أن هذا ميراث قديم لأنه يعني زي حضرتك ما ضربت المثل كل البلاد العربية كل الجمهوريات العربية، أيضا أنا لاحظت أن أول صورة جاءت صورة لبشار الأسد يعني في العرض اللي أنتم بتعرضوه في الأول خالص والبداية كانت هناك يعني البداية في سوريا حتى يعني لما جاؤوا يعدلوا الدستور في أظن عدلوه في نصف ساعة وقالوا أن يكون سنه 34 سنة، طيب قل سن ثلاثين يعني لازم يكون 34 لأن هو سنه 34 سنة! يعني حتى ما فيش ذكاء في التعديل ولا ذكاء في الإعداد ولا ذكاء في طبخ العملية إنما الموضوع كله على بعضه لما تأخذه بهذا الشكل، الله طيب إشمعنى هذه المنطقة من العالم اللي بهذا الشكل؟! العالم فيه مناطق كثير متخلفة لكن ما فيهاش هذه الظاهرة، وجود هذه الظاهرة وعموم هذه الظاهرة بيخليني أبحث لها عن أساس مشترك، أنا بأتصور أن الأساس المشترك أن الميراث الموجود في هذه المنطقة هو ميراث تأبيد السلطة وأن فكرة الجمهورية.. أصل الجمهورية مش اسم وبس الجمهورية معنى..
علي الظفيري (مقاطعا): ولكن دكتور يحيى الميراث..
يحيى الجمل (متابعا): هذا المعنى غريب جدا عن فكرنا.
علي الظفيري: الميراث اللي أشرت له دكتور هو موجود في أكثر من مكان ليس فقط في المنطقة العربية واستطاعت أقاليم تكتلات كثيرة دول كثيرة أن تتخلص من هذا الميراث والتحول..
يحيى الجمل (مقاطعا): لا، لا، يعني هذا الميراث موجود زي ما حضرتك بتقول في بلاد كثيرة لكن التحول بدأ من بدري يعني مثلا إنجلترا من 1215 الملكية تفقد كل شيء لغاية ما وصلنا لغاية 1911 كانت تقريبا الملكية رمزا، بعد الحرب العالمية الثانية والآن هل تدري أن الملكة لا تستطيع أن تقول لأحد صباح الخير إلا بموافقة مسبقة من مجلس الوزراء؟ الملكة عندما تنتقل إلى بلد يرسم لها ما ستقوله وأغلب الظن ما ستسمعه، حتسمعي كذا تردي تقولي كذا، لا تملك من أمرها شيئا حتى الأوضة بتاعة الوصيفة بتاعتها، فدي بلاد خرجت من هذه المرحلة من زمان..
علي الظفيري (مقاطعا): طيب دكتور يحيى..
يحيى الجمل (متابعا): إنما أنت عايش والتقاليد الجمهورية بعيدة عنك خالص..
علي الظفيري: لأنه في تفاصيل كثيرة في قضية التوريث والإخوان في الأستوديو لديهم تعليق ربما على ما ذكرت لكن دعنا نبدأ بالسيناريو الأكثر بروزا اليوم في مصر، كيف يبدو المشهد في مصر؟ هو يبدو على النحو التالي الرئيس مبارك تولى الرئاسة عام 1981 بعد اغتيال السادات، رفض تعيين نائب له رغم أن الدستور ينص على وجوب تعيين نائب رئيس، تعرض لمحاولة اغتيال في إثيوبيا عام 1995، تعرض لأزمة صحية أثناء إلقائه خطابا أمام مجلسي الشعب والشورى في 2003 ومنذ ذلك الوقت كثر الحديث عن وراثة الحكم في مصر، فاز بفترة رئاسية جديدة في عام 2005. جمال مبارك الأمين العام المساعد وأمين السياسات للحزب الوطني، بدأ عمله السياسي عام 1998 عبر تأسيس جمعية جيل المستقبل، يحمل الجنسية البريطانية حيث عمل ببنك Of America بلندن وأسس شركة في بريطانيا وله استثمارات في داخل مصر وخارجها، اشتهر بأنه المستشار الاقتصادي لوالده وله تأثير في السياسة الاقتصادية لمصر، يحظى بدعم العديد من رجال الأعمال في مصر بسبب أفكاره بشأن تحرير الاقتصاد المصري، زار الولايات المتحدة الأميركية عدة مرات حيث عمل على نقل رسائل من والده إلى الإدارة الأميركية وكانت بعض تلك الزيارات سرية، قدرت مجلة بيزنيس ويك الأميركية ثروة جمال مبارك بنحو 650 مليون دولار. أستاذ فهمي هويدي النموذج المصري هو النموذج الأكثر أهمية في الساحة العربية لتأثيره على المحيط ربما بشكل كبير، قيل إن الزيارة الأخيرة لمبارك في واشنطن كان معظم الحديث فيها عن الوريث المقبل.
فهمي هويدي: يعني في شق معلوماتي أنا لست على إحاطة به فيما يتعلق بالزيارة أو ما دار في الاجتماعات ولكن هذه ظاهرة تستطيع أن تقول إنها تنطبق على مصر بدرجة أو أخرى. ولكن أنا عندي تعليق على كلام الدكتور يحيى الجمل، فكرة الربط بين العملية والتقاليد العربية يعني أنا أظن أنها.. يعني في كوبا نفس الشيء في كوريا الشمالية نفس الشيء..
علي الظفيري: حدثت عملية توريث.
فهمي هويدي: في أذربيجان في هاييتي يعني هي مرتبطة بالنظم التسلطية بأكثر من ارتباطها بالحالة العربية أو بالتقاليد العربية وإحنا أحيانا يعني بنقيم حينما نرى رأس سلطة.. الدكتور يحيى تكلم عن إنجلترا لكن ما حالة قوة المجتمع؟ فالمسألة لها علاقة باستبداد السلطة وقوة أو ضعف المجتمع وليس بالهوية العربية.
علي الظفيري: دكتور مصطفى لك تعليق أيضا على حديث الإرث السياسي والثقافي.
مصطفى حمارنة: نعم أنا أتفق أنها ليست حالة عربية فريدة ولا علاقة لها بجوهر العرب والمسلمين وهي ظاهرة ظهرت في الدول التي كان فيها حكم فاشي يميني مثل هاييتي، بابادوك ورث ابنه وفي الأنظمة الشمولية كوريا الشمالية وكوبا الآن أخو فيديل كاسترو، أنا أعتقد ظاهرة مبارك بحاجة إلى دراسة أعمق من الظاهرة الليبية والظاهرة اليمنية.
علي الظفيري: طيب نبقى في الظاهرة المصرية ونسأل الدكتور يحيى الجمل بحكم وجوده في القاهرة، حسم خيار التوريث -دكتور- بالنسبة لابن الرئيس مبارك جمال مبارك أم تعتقد أنه ما زال هذا الموضوع يحتاج إلى كثير من التدقيق والبحث؟
يحيى الجمل: يعني أنا تقديري، تقديري وقد يكون مخطئا، أن الرئيس حسني مبارك سيرشح نفسه في الانتخابات القادمة ودليلي على هذا حركته في الفترة الأخيرة يريد أن يقول للناس أنا قوي أنا مستجمع نشاطي أنا بكامل صحتي، سافر للخارج كذا سفرية، في الداخل انتقل إلى كذا مكان، يعني الذي يراجع حركات الرئيس في الشهرين الثلاثة الأخرانيين أنا بأعتقد أنه يقول أن الرئيس يقول للناس أنا بكامل لياقتي وأنا حأرشح نفسي، ده أحد الأسباب اللي بتخليني أقول إنه هو حيرشح نفسه وبعدين هو كان وعد الشعب المصري بأنه سيظل لحد آخر نفس في حياته يخدم الشعب المصري وهو حريص على خدمة الشعب المصري وخائف عليه، الحاجة الثانية بقى أنا كأب بأفكر في الرئيس حسني مبارك كأب، يقينا الرئيس حسني مبارك يعرف الورطة اللي فيها مصر يعرف أن مصر مشاكلها رهيبة، هل في في الدنيا أب يحط ابنه في نار جهنم؟ دي نار.. دي حالة رهيبة يعني ما نحن فيه من أزمات بدءا من الزبالة والأرصفة والمرور والبتاعة السوداء والتلوث، إحنا في وضع أنا ما أتصورش أنه يعني حد يضحي بابنه مثل هذه التضحية. في كلام يقال..
علي الظفيري (مقاطعا): طيب دكتور يحيى..
يحيى الجمل: لا، إذا سمحت لي يا أخ علي.
علي الظفيري: تفضل، تفضل، آسف.
يحيى الجمل: أكمل بس، في كلام يقال إن التغطية على بعض ما كان في الفترة اللي فاتت يعني من فساد ومن كذا ومن كذا يقال إنه حتى نغطي على هذا نجيب جمال مبارك، أنا بأعتقد أن ده يعني ده مش الموضوع الحاكم إنما إيه الموضوع الحاكم؟ أنه أنا بأقول الرئيس مبارك يريد أن يبقى ويريد أن يبقى في السلطة حتى آخر نفس في حياته كما وعد ولعل هذا يكون خيرا لأن تعريض جمال مبارك لهذه الأزمات الطاحنة من ناحية، ومن ناحية ثانية الناس جميعا تعلم كيف يتم صندوق الانتخاب في مصر، صندوق الانتخاب في مصر على رأي واحد ما قال لي مرة في تعليق على مقال، إحنا بنعرف نتيجته قبلها بشهر. لو أنه في انتخابات حقيقية، انتخابات حقيقية بمعنى..
تأثير العامل الخارجي في تكريس الظاهرة
علي الظفيري (مقاطعا): دكتور أقدر والله، أقدر يا دكتور يحيى يعني قيمة وأهمية التفاصيل في الموضوع المصري وهي مهمة جدا ولها تأثير على المحيط لكن لدينا ملفات أخرى فيما يتعلق بليبيا واليمن سنأتي لها. أستاذ فهمي هويدي ما علاقة الخارج بقضية التوريث؟ ثمة من..
يحيى الجمل (مقاطعا): ما هو هذه الملفات اللي بتخليني أقول لك..
علي الظفيري: سأعود لك دكتور يحيى. أستاذ فهمي؟
فهمي هويدي: أنا أعتقد أن الخارج دوره لا يقل أهمية -إن لم يزد- على رغبات الداخل، بمعنى أن الخارج الآن أولا من الناحية الإستراتيجية الوضع العربي على عمومه مريح جدا للخارج وأنا أقصد بالخارج تحديدا الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، هذا موقف إستراتيجيا مريح للغاية وبالتالي هناك حرص خارجي على تثبيت الأوضاع خصوصا في ظل ما يلوح به أحيانا عن مغامرة البدائل التي قد تكون حركة وطنية حركة إسلامية وإلى آخره وبالتالي فتثبيت الأوضاع سواء بانتخاب الرئيس أو تأبيد السلطة أو توريثها فهذا مطلب خارجي مهم وطبعا إضافة إلى هوى الداخل وحرص النخب المهيمنة على السلطة والثروة.
علي الظفيري: دكتور مصطفى ما علاقة الخارج بما يحدث في ليبيا وبسلوك أيضا سيف الإسلام القذافي تجاه الغرب وفك أزمات البلاد؟
مصطفى حمارنة: طبعا، أنا أعتقد أن ما يعطي المجتمع شكله النهائي هو تفاعل مجموعة العوامل الخارجية مع العوامل الداخلية ما في شك في ذلك لكن أنا بأعتقد أن العوامل الداخلية تلعب دورا أساسيا وحاسما في النهاية، الغرب وإسرائيل يريدون الاستقرار السياسي وهي ليست حالة فريدة عند العرب، الاستقرار السياسي..
علي الظفيري (مقاطعا): استقرار السلطة.
مصطفى حمارنة: بالضبط، كما يرونه هم كما يخدم مصالحهم وكان هذا مطلبا أساسيا في أميركا اللاتينية طول قرن كامل هو القرن العشرين والتدخلات الأميركية المستمرة في القارة كانت بهدف توطيد الاستقرار السياسي. ما في شك أنه في ليبيا وفي حينها رشحت معلومات في الصحافة تقول إنهم استفادوا من درس العراق كعائلة وأرادوا أن يرتبوا أوضاعهم مع الغرب، تسليم البرنامج النووي الليبي بالكامل إلى الغرب، تسليم كل التقدم الليبي في مجال التكنولوجيا والأسلحة إلى الغرب بالكامل، صفقة لوكربي كل هذا كان تمهيدا لإعادة ترتيب الأوضاع مع الشمال اللي هو أوروبا والولايات المتحدة الأميركية ودفعت ليبيا ثمنا باهظا في هذا الاتجاه حتى تستطيع أن تؤسس للمرحلة القادمة اللي هي مرحلة الانتقال في وجود الأب مع ابنه في السلطة، فما في شك ترتيب الأوضاع الخارجية ساعد ليبيا على أن تقوم بمجموعة من الخطوات لتثبيت ما يريد تثبيته القذافي.
علي الظفيري: اللافت أنه يمكن للمرة الأولى -ضيوفنا الكرام ومشاهدينا أيضا- أن السياسة الخارجية لدولة تقودها مؤسسة خيرية هي المؤسسة التي يرأسها سيف الإسلام القذافي.
مصطفى حمارنة: تماما.
علي الظفيري: دعونا نقترب من ليبيا حيث يظهر موضوع التوريث أقرب للتحقق من غيرها من البلدان، معمر القذافي أطول الزعماء العرب حكما حيث تولى السلطة في عام 1969، قصفت الطائرات الأميركية مقره صيف 1986 لكنه نجا من الهجوم، وافق على تفكيك البرنامج النووي الليبي وتسليم معداته للولايات المتحدة في 2003 كما ذكر الدكتور حمارنة، امتاز العقيد القذافي بأفكاره المثيرة وقد ضمن معظم أفكاره في "الكتاب الأخضر". سيف الإسلام اختارته اللجان الشعبية الليبية منسقا عاما للقيادات الاجتماعية الشعبية هناك، ترأس مؤسسة القذافي الخيرية للتنمية حيث يستخدمها كواجهة لنشاطه السياسي والإعلامي، ساهم في تسوية ملف لوكربي حيث دفعت ليبيا بموجب هذه التسوية مبلغ 2,7 مليار دولار لضحايا تلك الطائرة، كان له الدور الأبرز في تفكيك البرنامج النووي الليبي حيث نسق ذلك الأمر مع المخابرات المركزية الأميركية وجهاز المخابرات البريطاني، ساهم عبر مؤسسته في عقد مصالحات بين الجماعات الإسلامية ومعارضين ليبيين، لعب دورا كبيرا في تحسين علاقات ليبيا مع أميركا والاتحاد الأوروبي وهو محاط بعدد من الشخصيات الاقتصادية الليبية، يمتلك شركة الغد للخدمات الإعلامية. هذا ما يتعلق بتفاصيل ليبيا. ذكرنا قبل قليل في (الآستوم) ناشر مجلة السجن -ربما خوفا مما هو قادم!- طبعا نعتذر وهي مجلة السجل. أعود للدكتور يحيى الجمل في القاهرة، دكتور السؤال دائما يطرح أن هناك خوفا من البديل، خوف من البديل القادم، المعارضة الإسلامية تحديدا، وبالتالي تسعى الولايات المتحدة الأميركية والغرب إلى تكريس هذه الأنظمة القائمة بتوريث أبناء الرؤساء واستمرار المؤسسة الحاكمة كما هي، ما دور عامل الخوف من البديل في قضية التوريث في الجمهوريات العربية؟
يحيى الجمل: يعني هذا وارد، هذا وارد، لكن برضه أنا أرجو أنك تأذن لي أتكلم في أصول المشكلة، الدول العربية كلها يمكن عدا لبنان جزئيا، دول يعني وصفها بالدولة خطأ علميا، الدولة تنظيم قانوني يقوم على فكرة المؤسسات ولا يقوم على الفرد الشخص الفرد، لما لويس الرابع عشر كان يقول (كلمات أجنبية) "أنا الدولة" كانت الدولة ترتبط برأس الدولة ارتباط، كانت ميزانيته هي ميزانيتها هو القاضي الأول وهو السجان الأول وهو المعلم الأول وهو كل شيء، حتى يوم الناس هذا في بلادنا رئيس الجمهورية أو الملك هو المعلم الأول وهو السجان الأول وهو أستاذ الكيمياء وأستاذ القانون الدستوري وأستاذ الجغرافيا ويعرف كل شيء هو يعلم كل شيء وهو إرادته هي الإرادة الفاعلة ولا توجد إرادة أخرى جانبه. هذه ليست الدولة الحديثة، الدولة الحديثة دولة مؤسسات وعلشان كده أنا بأقول إنه نحن لم نصل إلى الدولة الحديثة، إحنا بدأناها في أيام محمد علي في مصر بداية صغيرة ثم انتكست بعد إسماعيل ثم بدأناها بعد دستور 1923 ثم انتكست بعد ذلك وما زالت منتكسة حتى يومنا هذا وهذا تستطيع أن تعممه، يعني مثلا العراق، العراق حصل فيها ثورات وحصل فيها مشروع دولة ثم حصل انتكاس ثاني ورجعنا إلى دولة لا مؤسسات فيها وليس فيها إلا إرادة فرد، دي مش الدولة الحديثة..
علي الظفيري (مقاطعا): إشكالية الفرد أمام المؤسسة..
يحيى الجمل (متابعا): دي سابقة على الدولة الحديثة بسنين بقرون.
علي الظفيري (متابعا): الاستبداد الفردي يا دكتور يعني والقائم أيضا على النظام العالي. ضيوفي لهم تعليق على ما تفضلت به يا دكتور يحيى، أبدأ بالأستاذ فهمي هويدي.
فهمي هويدي: يعني هو طبعا ما تفضل به الدكتور يحيى هو بيتكلم على جذور بعيدة وقال لك أنا الحقيقة لست متفقا تماما مع أن الدولة لم تكن موجودة، وجهاز الري في مصر مؤسسة الري شيء عريق في التاريخ المصري يا أخي وضارب في القدم يعني لا نستطيع أن نقول إن الرئيس أو الملك أو الخديوي هو الذي كان يقرر في هذه الأشياء، كانت هناك بيروقراطية كان في جهاز ومع هذا أنا ذكرت قبل قليل أن الدولة الحديثة دولة جبارة تملك إمكانيات هائلة وتستطيع أن تقمع وتكبل لكن أنا لي ملاحظة إضافية، أريد أن أقول إن نحن التوريث ليس شيئا مفترضا لكنه حاصل، تم التوريث بمعنى يعني هناك أناس تولوا وأناس لم يتولوا يعني جمال مبارك في مصر هو الرئيس الفعلي، سيف الإسلام القذافي..
علي الظفيري: الرئيس الفعلي.
فهمي هويدي: رئيس فعلي فإحنا بنحكي على أشياء تنتظر إخراجا حقيقيا يعني في الآخر..
علي الظفيري: فقط عمليات الإخراج.
فهمي هويدي: يعني إخراج، أما الواقع كون هذا يستمر أو لا يستمر هذا موضوع آخر لكن في حقيقة الأمر هؤلاء تحولوا إلى قوى حقيقية ونافذة وأصحاب قرار في مصائر الشعوب.
علي الظفيري: طيب لو ربطنا الأمرين، الدكتور يحيى كان يقول أيضا ضعف المؤسسة أو إضعاف المؤسسة في المجتمع العربي. دكتور مصطفى أريد أن أنتقل لليمن كنموذج، لديك تعليق.
مصطفى حمارنة: بس تسمح لي أنا أتفق مع اللي تفضل فيه الدكتور يحيى في المرحلة المعاصرة لكن مصر تاريخيا كان هنالك سلطة مركزية منذ زمن الفراعنة وامتدت آلاف السنين وكانت مصر تؤخذ كنموذج هي والصين وتسمى بالدولة الهيروغليفية الـ hydraulic society وكنا نحن في بلاد الشام عندما نتحدث عن الفروقات ما بين مركزية الدولة وفاعليتها في مصر وبلاد الشام كنا نقول في مصر مياههم من السلطان إحنا مياهنا من الله بمعنى أنه كانت الدولة المركزية تستطيع أن تحجب مياه الري عن أي مزرعة تريد أن تحجب عنها في مصر وكانت تستطيع الدولة أن تصل إلى أي بقعة بسبب وجود النيل فالتخريب حصل على عهد هؤلاء اللي درسوا في أرقى المعاهد وتخرجوا من أرقى..
فهمي هويدي: الدولة الحديثة.
مصطفى حمارنة: نعم.
علي الظفيري: الدولة الحديثة مجازا. إلى اليمن مشاهدينا الكرام وتزامن التوريث هناك مع الصراعات الكبرى التي يشهدها البلد. علي عبد الله صالح شارك في الإطاحة بنظام الإمامة في اليمن عام 1962، تولى الرئاسة عام 1978 وهو ثاني أطول الزعماء العرب في الحكم بعد القذافي، تحققت الوحدة بين شطري اليمن عام 1990 في عهده، خاض حربا في عام 1994 للحفاظ عليها، ينتمي للطائفة الزيدية وهو منحدر من عشيرة سنحان إحدى فروع قبيلة حاشد الكبيرة في اليمن. أحمد علي عبد الله صالح يرأس الحرس الجمهوري والقوات الخاصة اليمنية، بزغ نجمه السياسي عام 1997 عندما ترشح لانتخابات مجلس النواب اليمني وفاز بها، ورد اسمه في قضية فساد في الولايات المتحدة بعد دفع شركة اتصالات أميركية إلا أن المحكمة قالت إنه لا يوجد أي دليل على تورطه، ذكر بيان لتنظيم القاعدة أنه حاول اغتياله عندما كان في محافظة مأرب قبل ثلاثة أشهر، توجد خلافات بينه وبين الأخ غير الشقيق لوالده عمه علي محسن الأحمر على خلافة والده. دكتور يحيى الجمل أنت معني يعني بشكل كبير ربما بالشأن المصري ولكنك مطلع على الشأن العربي، برأيك ما هو الارتباط بين ما يجري في اليمن، حرب صعدة، الخلاف، المشاكل في الجنوب، يقال إن المفتاح، الكلمة المفتاحية في هذه القصة اليمنية المعقدة هي كلمة التوريث.
يحيى الجمل: يعني أنا مع.. يعني إذا أذنت لي أقول لما بتتكلم على كل هذه الظواهر لا بد تفسرها تفسيرا عاما وأنا حاولت أقول التفسير العام اللي قلته والدولة الحديثة مش الدولة القائمة، الدولة القائمة تملك وسائل ضغط ووسائل قوة وحتى في أستاذ علوم سياسية إنجليزي كبير اسمه هارولد لاسكي قال إن الثورات زمان كان بيبقى معها حجارة والدولة تملك بارود، النهارده الدولة تملك قنابل ذرية والشعب ما يملكش إلا حجارة أو بارود صغير، فالنهارده فكرة الثورة بقيت تقريبا تقريبا توشك أن تكون مستحيلة لكن الغضب الشعبي ممكن يحطم أي شيء. إنما أرجع لليمن، المشكلة الموجودة في اليمن أنا أعتقد أن مشكلة الحوثيين مشكلة مذهبية دينية يعني نتاج من نتائج التخلف اللي عايشاه الأمة العربية كلها، إحنا العقل العربي للأسف الشديد في الفترة الأخيرة بيغيب يوما بعد يوم وبيجي العقل المحجب العقل المقنع العقل المنقب وأصبحنا النهارده يعني ما يجب أن نضعه في أرجلنا بنضعه في رأسنا وما يجب أن نحطه في رأسنا حاطينه في رجلينا، لم نعد نفكر. فاللي حاصل في اليمن من الصراع اللي حاصل.. يعني أنا يمكن صحيح اهتمامي العربي قوي من زمان وأنا حياتي كلها قضيتها يعني في العمل العربي إنما أنا ما أقدرش أقول إنني ملم بأحداث اليمن إلماما كاملا لكن أنا أتصور أن الوضع بتاع الحوثيين مش متصل اتصالا مباشرا بالتوريث لكن التوريث في اليمن يعد له إعدادا قويا لأن الدولة مرتبطة بشخص، لأنه ما فيش تقاليد جمهورية، لأن الميراث القديم بيقول كده.
علي الظفيري: أستاذ فهمي هويدي علاقة التوريث بالقضايا التي تشتعل الآن في اليمن برأيك؟
فهمي هويدي: هو يعني اليمن موضوعه.. أنا أولا فكرة أن يوضع تفسير واحد لكل ملابسات التوريث في العالم العربي هذا موضوع صعب..
مصطفى حمارنة: صحيح.
علي الظفيري: كل حالة..
فهمي هويدي: كل بلد له ظروفه الخاصة هذه واحدة، الأمر الثاني الحاصل في اليمن هو ليس موضوعا مذهبيا لأن العقيد عبد الله صالح زيدي والحوثيين زيديون يعني ليسوا شوافعة..
علي الظفيري: ما المشكلة إذاً؟
فهمي هويدي: يعني في موضوع الحوثيين هو موضوع تخلف وخلاف سياسي واقتصادي بالدرجة الأولى يعني الحوثيون كانوا تحت رعاية الدولة..
علي الظفيري: ارتباط التوريث..
فهمي هويدي: هذا موضوع، أريد أن أقول المشكلة ليست في شمال اليمن ولا في جنوب اليمن المشكلة في صنعاء.
علي الظفيري: في قلب النظام.
فهمي هويدي: في قلب النظام، وهذه الأعراض الموجودة في اليمن، الأسرة الآن تقبض ليس فقط على السلطة، وبالمناسبة أنتم تحدثتم عن الابن الذي يرأس الحرس الجمهوري أما بقية أفراد الأسرة..
علي الظفيري: الأخ.
فهمي هويدي: والأصهار و إلى آخره المسؤولين عن الأمن ويعني هنا الأسرة تعود مرة أخرى، حميد الدين يعني بشكل آخر ولهذا الأسرة تقبض على مصير اليمن ولا تريد شراكة من أي نوع، حتى بالنسبة للجنوب الاتفاق وهذا.. قبضة الأسرة على اليمن هي سبب المشكلة الراهنة.
علي الظفيري: تشخيصك لواقع اليمن لقضية التوريث في اليمن دكتور مصطفى قبل الفاصل.
مصطفى حمارنة: أنا أتفق مع الأستاذ فهمي هويدي أن المشكلة في صنعاء والمشكلة في النخب اليمنية الحاكمة التي لا تريد التخلي عن السلطة بأي شكل من الأشكال بسبب إغراءاتها السلطوية والمالية.
علي الظفيري: بعد الفاصل مشاهدينا الكرام سنتابع أو نستمع إلى أصوات أبناء تلك الدول التي كانت تحكم في ليبيا واليمن وكانت تتهم بالرجعية بسبب توريث الحكم فيها، تعليقاتهم على ما يحدث اليوم من توريث في هذه البلدان، وقفة قصيرة في العمق فتفضلوا بالبقاء معنا.
[فاصل إعلاني]
نتائج التوريث على المجتمعات العربية وآفاق التغيير
علي الظفيري: أهلا بكم من جديد مشاهدينا الكرام في هذه الحلقة من في العمق نناقش قضية التوريث في الجمهوريات العربية. دعونا نستمع إلى رأي علي بن إبراهيم بن حميد الدين وتعليقه على ما يجري اليوم وهو حفيد -طبعا- الإمام اليمني الأسبق، تعليقه على قضية التوريث في اليمن.
[شريط مسجل]
علي بن إبراهيم بن حميد الدين/ حفيد إمام اليمن الأسبق: رفض توارث الحكم بنظرية النظام الجمهوري الذي يشيع هذا المركز وهذا الموقع الهام لأي بلد بين جميع الكفاءات اليمنية فكثير من اليمنيين من رموزهم ومثقفيهم والنخبة هذه تمثل الشعوب دائما ترفض مثل هذا الأمر ويعتبرون أنه انتكاسة لنظرية الثورة بحد ذاتها فهذا تحد كبير لعبد الله صالح إذا أصر على مثل هذا الأمر ويمكن أن يدخل اليمن في متاهات هو في غنى عنها.
[نهاية الشريط المسجل]
علي الظفيري: إذاً هذا تعليق أحد أحفاد دولة الإمامية في اليمن وهو طبعا يراقب الحال بعدما سقطت تلك الدولة التي كانت قائمة على توريث الحكم توريثا مقننا وقانونيا يعني كما يحدث في الدول الملكية المعروفة في كل مكان. دعونا نأخذ تعليق حفيد الملك الليبي الأسبق محمد الحسن الرضا السنوسي.
[شريط مسجل]
محمد الحسن الرضا السنوسي/ حفيد ملك ليبيا الأسبق: هو فعلا أنا أستطيع أن أقول إنه توريث لسلطة مغتصبة، السلطة التي اغتصبت عام 1969 خلال انقلاب حدث في ليبيا والانقلابيون لم يزيحوا ملكا بل أزاحوا أمة بأكملها أمة التي كانت مصدر السلطات، ما يحدث الآن في ليبيا نعتبره توريثا لسلطة مغتصبة هذا ما يحدث في ليبيا. إحنا نقول بالليبي مثل "ما ينفع في البيت ترقيع"، المنصب الذي استحدث الآن وهو منصب القيادة أو منسق القيادة الشعبية هو جسم جديد، وفي نفس الوقت أنا أسأل عن أي تنسيق يريد أن يكون المنسق؟ وخاصة أن ما يمسى اللجان الشعبية والمؤتمرات الشعبية ومؤتمر الشعب العام يتبعون لهذا المنصب.
[نهاية الشريط المسجل]
علي الظفيري: إذاً مشاهدينا الكرام نرحب بكم مجددا ونستأنف النقاش. دكتور مصطفى حمارنة الآن ماذا لو حكم أبناء الرؤساء؟ في مصر في ليبيا في اليمن وفي تونس وغير ذلك ما الذي سيحدث؟ شاهدنا النموذج السوري، لم تتغير الأمور يعني.
مصطفى حمارنة: هو تعميق لحالة التخلف ما في شك في ذلك وأيضا تعميق للسياق اللي ماشيين فيه واللي هو نقيض الدولة المعاصرة والدولة الحديثة دولة القانون والكفاءات..
علي الظفيري (مقاطعا): وكأنه يا دكتور أنها كانت هي كانت دولة القانون والكفاءة، هي لم تكن كذلك.
مصطفى حمارنة: لا، هو كانت يعني في بعض على سبيل المثال مصر بالثلاثينات بالأربعينات كان فيها صعود وكان فيها نهوض وكانت تتجه..
علي الظفيري (مقاطعا): لا، لا. أقصد الآن الفرق بين هذا الحكم الذي يتولى الآن والورثاء.
مصطفى حمارنة: هو تعميق يعني مصر تعميق لما هو موجود حاليا من سياق، ليبيا ما في شك أن النظام الملكي على أكثر من صعيد كان أكثر تقدمية مما هو موجود حاليا واليمن هي يعني مزيد من بدونة لليمن مزيد من تفتيت المجتمع في اليمن مزيد من تقسيمه مزيد من إخراج السياسة من المجال العام والحيز العام فتتحول هذه المجتمعات إلى عشائر إلى قبائل إلى حارات إلى حلل ومجتمعات غير موحدة ولا يمكن أن تخرج من حالة التخلف التي هي موجودة فيه بسبب هذه الظروف التي تفرض الآن عليهم من فوق بغض النظر عن الموقف الخارجي، الموقف الخارجي رأيناه في ليبيا ونراه الآن في مصر بوضوح لكن اليمن ما في أي مبرر لأنه نحن نلقي اللوم على العامل الخارجي بل هي عوامل داخلية محضة، قد ترتب الأوضاع من أجل تسويقها والحصول على الدعم الخارجي.
علي الظفيري: أستاذ فهمي هويدي ماذا سيحصل لو حكم الورثة في الجمهوريات العربية؟
فهمي هويدي: يعني أظن نحن ننتقل من الملكية إلى الجمهورية إلى صيغة ثالثة ربما نسميها الجملوكية..
علي الظفيري: الجملوكية آه، مصطلح مصري جميل، يشتهر المصريون بالمصطلحات الجميلة.
فهمي هويدي: هذه الجملوكية هي فيها تراجع كثير، مسألة البدونة التي يحكيها الدكتور مصطفى مهمة، تراجع لصيغة الدولة والعودة إلى صيغة القبيلة وهذا يهدد بتفتت هذه المجتمعات. وحكيت عن سوريا، سوريا موضوع مختلف، موضوع مختلف، البلد حجم محدود يعني لا تستطيع أن تقارن، سوريا أظن 20، 25 مليونا سوريا الآن يا دكتور؟ مصر كذا وثمانين مليونا، بتختلف، التحدي الإسرائيلي مختلف، هيمنة الحزب مختلفة يعني في شيء مختلف في سوريا ولهذا أنا لست مع تعميم الأسباب لأن كل بلد كأنه مستنسخ من بلد آخر، لا، كل بلد له ظروفه. لكن أستطيع أن أقول أمرين، أولا أنه مزيد من تفتيت المجتمعات وصعود طبقات جديدة منتفعة ومزيد من الاستسلام للقوى الغربية التي ترى لا بد أن ترحب بتثبيت أوضاعها، تثبيت الأوضاع لأن تثبيت الأوضاع معناه خدمة مصالح وتثبيت مصالح وبالتالي هذا يؤدي إلى تدهور العلاقات الخارجية إضافة إلى التفسخ الموجود في الداخل وهذا مستقبل لا أظن أنه يبشر بخير كثير.
علي الظفيري: دكتور يحيى الجمل في القاهرة يعني هؤلاء الورثة موجودون الآن في السلطة ويتحكمون في كثير من مفاصلها، ما الكارثة التي تنتظرنا إن حكم هؤلاء؟ ما المشكلة في حكمهم؟
يحيى الجمل: سيدي أريد ان أوصّف الوضع، هو الأخ فهمي وصفه توصيفا، أنا بأوصفه توصيفا آخر يعني النظام العربي أبدع شيئا جديدا في النظام السياسي العالمي -ويمكن يكون الإبداع الوحيد للنظام العربي في أي شيء هو هذا الإبداع- أننا عملنا حاجة اسمها الجمهوريات الملكية، نحن الآن نعيش في ظل الجمهوريات الملكية يعني العالم كان يعرف جمهوريات والجمهورية كلمة جمهورية دي مجموعة من المعاني مش مجرد منصب رئيس جمهورية لا، الجمهوريات ديمقراطيات تداول سلطة سيادة قانون حاجات عديدة، وفي النظام الملكي والنظام الملكي ليس كله شكلا واحدا لكن الذي حدث أن النظام العربي أفرز ما نستطيع أن نسميه أو أبدع ما نستطيع أن نسميه الجمهوريات الملكية، جمهورية في الاسم وملكية في الواقع وفي التأسيس. أنا متفق مع الأخ فهمي في أني ما أقدرش أعمم لكن في أسس عامة، أنا ما أقدرش أعمم، قطعا ظروف مصر وتاريخ مصر غير تاريخ اليمن وغير تاريخ ليبيا إنما في ظواهر عامة، رفض فكرة الجمهورية رفض فكرة تداول السلطة، فكرة التأبيد السلطة وهي موجودة من قرون طويلة هذا الميراث موجود فآه كل دولة لها خصوصيتها لكن أيضا هناك سمات عامة..
علي الظفيري (مقاطعا): طيب دكتور فقط لو سمحت لي دكتور يحيى يعني أود أن نتجاوز هذه النقطة ربما أخذت حقها من النقاش. أتوجه إلى تونس، تبدو الصورة هناك أعقد من كل ما مضى، تولى الرئاسة في تونس زين العابدين بن علي وهو ثاني رئيس للبلاد منذ استقلالها، عمل وزيرا للداخلية قبل توليه منصب رئاسة الوزراء في العام 1987، في بداية عهده شهدت الحياة السياسية بعض الانفراج قبل أن يتراجع عن ذلك النهج بعد عامين فقط، يتهمه خصومه السياسيون بمحاربة التدين وحظر مظاهره. كمال مرجان تربطه صلة نسب بالرئيس ومن نفس عشيرته وتعتبر ثقة زين العابدين بن علي فيه مطلقة، تولى منصب وزير الدفاع عام 2005 بعد استدعائه من جنيف حيث كان يعمل في مفوضية الأمم المتحدة للاجئين، عضويته في الحزب الحاكم في تونس لم تكن بارزة رغم شهرته لتوليه وظائف خارجية، وبعد أن باشر كمال مرجان أعماله كوزير ابتدأ حملة دبلوماسية متسارعة كان من ضمنها عقد اتفاقيات مهمة مع أميركا، تقلد العديد من المناصب الدولية في مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة وكان الرجل الثاني فيها. محمد صخر الماطري رجل أعمال عضو بالحزب الحاكم صهر الرئيس زين الدين بن علي، انضم لعضوية اللجنة المركزية للحزب التونسي الحاكم قبل عام، له العديد من المشاريع الاستثمارية والتجارية في تونس، له نسبة كبيرة من أسهم مجموعة دار الصباح الإعلامية. إذاً استمرار للعائلة، لعائلة السلطة ربما في العالم العربي. أريد ان نختم نقاشنا وإن كان يحتاج كل ملف منه إلى تفصيل كثير ولكن هي نظرة عامة وشاملة للجميع، ما هو المخرج الآن أمام هذه الحالة ربما السلبية جدا في صورة السلطة السياسية العربية من توريث سياسي في جمهوريات يفترض بها ألا تورث، ما هو المخرج؟
فهمي هويدي: هو الموضوع ليس بسيطا وأيضا التعميم فيه صعب ولكن ليس أمامنا سوى احتشاد شعبي وجماهيري وضغوط وإلحاح وتمسك بحق الشعوب في أن تكون شريكة وأن تتداول السلطة مع الحكام وأن تمارس حقها في المساءلة يعني ليس أمامنا إذا أردنا حلولا سلمية إلا أن نطرح بدائل في الحل السلمي ولكن الإشكال أن الأنظمة بقوة القهر التي تملكها تصادر حتى محاولات الحل السلمي ولهذا أنا لا أستبعد إذا لم تكن هناك أبواب مفتوحة للتغيير السلمي أن تندلع مظاهر الفوضى والتطرف والإرهاب لأنه إذا كان التغيير السلمي غير متاح فعلى الأنظمة أن تتحمل مسؤولية ما تمارسه من قمع.
علي الظفيري: ثمة فرصة لمثل هذا التحرك الذي أشار له السيد هويدي؟
مصطفى حمارنة: أنا لست متفائلا إطلاقا وأنا أتفق مع صديقي الأستاذ فهمي بأن المخرج يكون في أن يضغط الشارع، أبسط تعريف للثورات عندما كنا طلابا بالجامعة أن الذي فوق لم يعد يستطيع أن يحكم والذي تحت لم يعد يستطيع أن يقبل، هنا تبدأ الناس بالتحرك لكن هذه الناس بحاجة إلى أطر بحاجة إلى قادة بحاجة إلى موارد حتى تجتمع كلها جميعا من أجل التحرك الجماهيري، وهذه لحظات تاريخية شفناها في إيران وشفناها في مناطق أخرى بالعالم كوبا، روسيا بداية القرن الماضي. أنا لست متفائلا إطلاقا بالعالم العربي، الذي حدث أنه استطاعت الأنظمة بذكاء أو بسبب غباء الآخرين أو عدم وجود فرص بتفتيت المجتمعات وهذا بحد ذاته يشكل أحد الأوقات الموضوعية من أجل أن تتكاتف الناس تتوحد المجتمعات وتتصرف على أساس البرامج.
علي الظفيري: دكتور يحيى الجمل إذاً لا فرصة لحراك شعبي كما يقول الإخوان هنا في الأستوديو أو كما يقول الدكتور تحديدا غير متفائل في قضية إيجاد حراك شعبي يمنع مثل هذا الانتقال غير الجيد للسلطة الآن على الأقل.
يحيى الجمل: أنا أكاد أتفق مع الأخ فهمي هويدي في تشخيصه وأضيف إليه أن النخب المعارضة في الوطن العربي المشرذمة عليها أن تلتقي عليها أن تتفق على الحدود الدنيا المستقرة عليها وتضغط وتضغط وتضغط، والرأي العام العربي والرأي العام في مصر بالذات بيتصاعد فيه تيار رافض لكل الأوضاع السيئة الموجودة، هذا الرفض سيتصاعد. أمام النظام أحد حلين إما أن يستجيب لهذا الرفض بتعديلات دستورية حقيقية تفتح الباب لتداول السلطة ولانتخابات حقيقية ولأحزاب حقيقية وإما -لا قدر الله ولا كان- لا سبيل إلا أن يحدث هذا التوتر لا بد وأن يولد انفجارا، أرجو الله أن لا يكون.
علي الظفيري: أستاذ فهمي تعتقد أن التوريث في مصر محوري بمعنى أنه إن تم هناك بصورة يسيرة سيؤثر على الحالات الأخرى في ليبيا واليمن وتونس وغيرها؟
فهمي هويدي: بالتأكيد إذا صح هذا إذا نجحت العملية هناك مثل يقول إنه تنجح العملية ويموت المريض، فإذا نجحت العملية ومات الشعب في هذه الجولة أظن أن هذا سيكون سيشكل مناخا مواتيا لتشجيع النماذج الأخرى التي تحدثت عنها.
علي الظفيري: العبء الآن على المعارضة، دكتور مصطفى كيف يمكن إحياء هذا الموت الذي تعيشه أو تشهده المعارضة منذ عقود؟
مصطفى حمارنة: هذا يتطلب جهدا غير عادي، بالأساس على بعض النخب التي تم احتواءها من قبل الأنظمة أو دخلت طوعا من أجل مكاسب أن تعيد النظر إن شاءت أن تكون في الموقف الآخر وأن تدفع ثمنا. ما نلاحظه الآن إحنا في مجتمعاتنا العربية أن النخب حتى المعارضة لا تريد أن تدفع ثمن المعارضة وهو ثمن أحيانا قد يكون نسبيا مرتفعا لكنه ليس بالأثمان التي دفعها الجيل اللي كان قبلنا بالأربعينات بالخمسينات وبالستينات، فالنموذج المصري قد يساعد في مزيد من تزييف الوعي في المناطق الأخرى لكن رد فعل الشارع المصري قد يساعد إلى حد كبير أيضا بالمساهمة في عدم دفع الأمور في المجتمعات العربية الأخرى بنفس الاتجاه المصري.
علي الظفيري: الدكتور مصطفى حمارنة ناشر مجلة السجل -وليس السجن- الباحث والمؤرخ الأردني المعروف شكرا جزيلا لك، أستاذ فهمي هويدي الكاتب والمفكر المصري المعروف شكرا جزيلا لك، الدكتور يحيى الجمل أستاذ الفقه الدستوري الخبير الدستوري والقانوني المعروف شكرا لك من القاهرة. في ختام هذه الحلقة مشاهدينا الكرام من برنامج في العمق نشكر ضيوفنا الكرام ونشكركم أنتم على طيب المتابعة، نذكركم بالبريد الخاص بالبرنامج alomck@aljazeera.net
وهناك أيضا صفحة خاصة على موقع الـ face book للبرنامج تحمل هذا الاسم "في العمق" يمكنكم المشاركة فيها مباشرة. أعد لكم هذه الحلقة داود سليمان، يوسف الشروف، أخرجها رمزان النعيمي، هذا علي الظفيري يتمنى لكم أطيب الأوقات، في الأسبوع المقبل لنا موعد جديد، في أمان الله.