-
نقطة ساخنة

الهندوسية

ثلاثة تحديات رئيسية افترضت الهندوسية منذ زمن أنها في مواجهة معها، الشيوعية، والنمط الاستهلاكي الغربي، والإسلام. أما الشيوعية فقد سقطت، وأما النمط الغربي الاستهلاكي فقد تبنته بالكامل النخبة الهندية، وبالتالي لم يبق إلا الإسلام هو العدو الأوحد.
مقدم الحلقة أسعد طه
ضيوف الحلقة – ،
تاريخ الحلقة 24/06/1999

undefined
undefined
undefined
undefined
undefined

أسعد طه: نحن هنا، فلما نرحل؟

ديارنا هنا، ميلادنا هنا، قبورنا هنا.

قلاعنا.. مجدنا.. المسبحة والمئذنة والخمار، العرض .. والأرض .. والسماء .. فلما نرحل؟

أيغادر الظفر اللحمة أو مقلة العين مكانها أو الشجرة منبتها؟

ليس سوى النار تأكل منبتها، يا لهول النار! ويا ليل من أوقدها!!

السلام عليكم، ثلاثة تحديات رئيسية افترضت الهندوسية منذ زمن أنها في مواجهة معها، الشيوعية، النمط الاستهلاكي الغربي، والإسلام.

أما الشيوعية فقد سقطت، وأما النمط الغربي الاستهلاكي فقد تبنته بالكامل النخبة الهندية، وبالتالي لم يبق إلا الإسلام هو العدو الأوحد! وحتى نكون أكثر تحديداً فإن هذا هو ما تتبناه الأصولية الهندوسية، والتي بلغت حداً من التطرف أثار عليها حتى الهندوس أنفسهم، ناهيك عن شرائح المجتمع الأخرى التي ترى فيها خطراً قد يجر المنطقة بأكملها إلى مصير مجهول خصوصاً وأن الذاكرة الهندية مازالت تحفظ أن الصراع الهندوسي المسلم هو الذي أدى بشبه القارة الهندية عقب استقلالها إلى الانشطار إلى دولتي الهند وباكستان، وهو الذي دفع بالهند لاحقاً إلى دعم شرق باكستان في حربها ضد غربها، ووقوع الانفصال لاحقاً وتكوين دولة (بنجلاديش) في الشرق الباكستاني.

الأصولية الهندوسية المتطرفة هي همنا الليلة إذن، ومن أجل ذلك سوف ننتقل بين عدة مدن هندية يغلب على بعضها الطابع الهندوسي، وعلى أخرى الطابع الإسلامي وسوف نرصد المعطيات القائمة التي تهيئ بيئة مناسبة للانفجار، ونستطلع آراء الناس، غير أننا سوف نتجنب الحديث إلى الرسميين والمسؤولين، مادمنا ترغب في الحصول على الأبعاد الحقيقية للصورة، والتي نأمل أن ينجح المتخصصون والخبراء في نقلها لنا كاملة.

هي الهند إذن، بلاد الأنهار المقدسة وجبال الهمالايا العملاقة، منبع الأساطير والخرافات ومسقط رأس الحكماء والقديسين، فقيرة إلى حد العدم في ما يعيش به أبناؤها، غنية إلى حد الترف في ما تتمتع به من تعددية ثقافية ودينية وعرقية وبما تملكه من تراث حضاري ومصادر للثروة.

شبه قارة وشبه جزيرة تفصلها أعظم سلسلة جبال عن القارة التي تنتمي إليها،لم تخرج أبداً عن حدودها لغزو بلاد أخرى، لكن ربما ما من بقعة على الأرض تعرضت للاجتياح أو للاحتلال كما كان مع الهند، تقول الجغرافيا إن شبه القارة الهندية يقع في جنوب آسيا لتحدها من الشمال الغربي باكستان وأفغانستان، ومن الغرب بحر العرب، ومن الشمال الصين والنيبال وبوتان، ومن الشرق بورما وبنجلاديش وخليج البنغال، ويفصلها في الجنوب عن سيرلانكا المحيط الهندي وتقع في شمال الهند جبال الهمالايا، وهي أعلى سلسلة جبلية في العالم.

وتغطي أودية التلال السفحية معظم ولايات الهند الشمالية، فيم في الجنوب تحيط الشواطئ المزينة بأشجار النخيل وجوز الهند السهول والغابات ذات الأمطار الاستوائية والصحاري الرملية، وكأن التنوع الثقافي والإنساني انعكس تنوعاً طوبوغرافياً.

خلال فترة بقائي في الهند سافرت بين العديد من المدن لساعات طويلة، وكان الملاحظ أن المساحات غير المسكونة بينها تكاد تنعدم .. تواصل سكاني غير عادي يعكس مع ازدحام المدن حقيقة أن الهند يسكنها قرابة مليار من البشر، يتكلمون 18 لغة وأكثر من 1600 لهجة، غير أن الإنجليزية هي اللغة المشتركة.

مليار من البشر إذن، بولاءات دينية متعددة، يشكل الهندوس غالبيتهم، حيث تبلغ نسبتهم حوالي 80% من السكان في مقابل 15% من المسلمين و5% للأديان الأخرى، ومنها المسيحية التي يبلغ عدد أتباعها 23 مليون مواطن، والسيخية 18 مليون مواطن، والبوذية 6.6 مليون مواطن، والياتية 4.5 مليون مواطن، والزرادشتية حوالي المليون، ويقدر عدد اليهود بعدة آلاف، وكلها تقديرات مختلف عليها، بما فيها التقديرات الرسمية، وبهذا الزخم من التنوع العقائدي تبدو الهند في نظر العالم صورة براقة لمجتمع متعدد الهوية ثابت الأركان قادر على التمتع بفضيلة التعايش المشترك وهي الحقيقة التي بدأت تهتز في الآونة الأخيرة.

حقيقة أخرى غير أنها ثابتة وهي أن الهند بلد التناقضات الصارخة، مثال على ذلك، أنها حققت اكتفاءً ذاتياً في المجال الزراعي، وأقامت قاعدة متينة للصناعات الثقيلة، وهي تنتج الأقمار الصناعية والصواريخ العابرة للقارات، وأصبحت عضواً بالنادي النووي، ورغم ذلك فهي من أفقر دول العالم، وتعاني الأمية المستفحلة والفساد السياسي والبيروقراطية التي قلما يوجد لها نظير في العالم!! وكأن ما تشهده الهند اليوم من تناقضات هو انعكاس لما عانته بالأمس من تقلبات وأحداث سياسية وتاريخية عارمة.

في كل مكان مررت به في الهند في العاصمة (دلهي) مثلاً كما في مدينة (أجرا) و(لاكنا) في الشمال، كنت أجد السائحين المبهورين بعظمة التاريخ هنا، الباحثين عن أثر لماضٍ عتيق يفتشون في الآثار الإسلامية التي تعود إلى مئات السنين، وتعكس بصروحها الحضارية سبعة قرون حكم خلالها المسلمون البلاد، كما تقول مصادرهم التاريخية هنا، تلك التي تؤكد أن نفراً من المسلمين وصل إلى جنوبي الهند خلال حياة النبي محمد -عليه الصلاة والسلام- ثم لاحقاً وصل إلى شمالها قائد عسكري في السابعة عشر من عمره، كان مكلفاً بإنقاذ مجموعة من الرهائن اختطفهم قراصنة البحر، ثم توالى وصول المسلمين دعاة مرشدين أو غزاة مجاهدين، أو علماء محققين، كما تورد ذات المصادر قبل أن يتسلط على الهند الاستعمار البريطاني، ذاك الاستعمار الذي جثم على البلاد لأكثر من قرنين.

إطلالة تاريخية

تقول ملفات التاريخ إن الوطنين شكلوا عام 1858م ما عُرف باسم (حزب المؤتمر الوطني) فيما أسس المسلمون في عام 1906م ما أطلق عليه (العصبة الإسلامية) للدفاع عن مصالحهم ضد الأكثرية الهندوسية، وفي عام 1920م استلم المهاتما غاندي قيادة المجلس الوطني وأعلن العصيان العام، فقررت الحكومة البريطانية منح الهنود سلطة سياسية أكبر عام 1935م.

ونتيجة الضغوط الهندوسية من جانب والبريطانية من جانب آخر طالبت العصبة الإسلامية عام 1940م بدولة باكستانية إسلامية منفصلة، وهو ما حدث، ففي عام 1947م حازت الهند على استقلالها، وفي اليوم التالي تشكلت دولة باكستان التي اندلعت بينها وبين الهند حربان بسبب مشكلة كشمير.. أولهما: بين عام 1947م وعام 1949م والثانية: عام 1965م.

وفي عام 1971م ساعدت الهند شرق باكستان في حرب ضد غربها وتأسست (بنجلاديش) في الشرق.

وفي عام 1969م خسر حزب المؤتمر الانتخابات بعد أن حكم الهند منذ الاستقلال وليبدأ تيار الأحزاب الهندوسية المتطرفة في الصعود، والوصول إلى السلطة، وبغض النظر عن بقاء المتطرفين الهندوس في سُدة الحكم، أو إسقاط حكوماتهم، فإن الخطر يبقى قائماً، بل في واقع الأمر وفي ظل المعطيات الاجتماعية والسياسية القائمة في الهند فإنه يتزايد، خصوصاً مع التراجع الهائل في مواقع حزب المؤتمر الذي خسر السلطة بعد أن حكم الهند قرابة خمسين عاماً، وبما يمثله هذا التراجع من إضعاف للأداة التي تشكلت من حولها الوحدة الوطنية الهندية تحت ظل العلمانية التي تبناها القادة التاريخيون للهند.

الأصولية الهندوسية المتطرفة عميقة الجذور ومن بوسعه أن ينسى أن أصحابها هم الذين قتلوا المهاتما غاندي، وهم الذين تعاطفوا مع (هتلر)، وهم الذين منحوا الحركات الفاشية الأوروبية شعارها الأشهر "الصليب المعقوف" الذي كنت أراه في كل مكان.

ربما مكانة الهند معافة من ظاهرة داء التطرف الهندوسي، لو كان أصحاب هذه الظاهرة استجابوا يوماً لنصيحة مؤسس الدولة الهندية (جواهر لال نهرو) الذي قال: على الهند أن تتخلى عن الكثير من ماضيها، وألا تسمح له بالسيطرة على حاضرها.

ظفر الإسلام خان (رئيس معهد الدراسات الإسلامية والعربية): الحقيقة كان هناك رد فعل هندوسي، وأنا أظن أنه رد فعل طبيعي لغزو المسلمين لهذه البلاد، فنجد منذ البداية أنه كان هناك تيار رافض للغزو الإسلامي،أو الفتح الإسلامي كما نقول لهذه البلاد، وظل هذا التيار موجوداً في هذا البلد، وعُرف بعض الملوك المحليين لمهرجات بدعم مثل التيارات، وبمعارضة تواجد المسلمين في مناطقهم، وما إلى ذلك كان مفهوماً يعني، ولكن هذا التيار وجد حركته، ووجد نشاطه في ظل الإنجليز، لأنه رأى أن.. أن.. أن باستطاعته استغلال الإنجليز لدحر المسلمين، ومن ثم يجوز للهندوس أن يدحروا الإنجليز، ويحكموا البلاد.

فهناك أدبيات كثيرة من هذا النوع، الروايات ومثل هذه الأشياء موجودة والأشعار الموجودة لهم في القرن السابق، يعني في القرن التاسع عشر، تقول مثل هذه الأشياء، ولكن هذه الحركة بصفتها الحالية الآن، وُجدت سنة 1924م عندما نشأت حركة R.S.S (…) التي هي أصبحت الآن حركة كبيرة جداً.. جداً في هذه البلاد، هي تقول إنها حركة ثقافية وحركة اجتماعية، وحركة، حركة إصلاح ديني، ولكن هي في الحقيقة هي حركة سياسية في المقام الأول لأنها تسعى إلى إعادة الهيمنة الهندوسية لهذه البلاد.

طبعاً نحن نعلم أن هذه البلاد ودستورها يقول بأن بلد علماني، كل المواطنين سواء، لا فرق هناك بين مسلمين وهندوسيين ومسيحيين وما إلى ذلك، ولكن هذه الحركة تقول أن أصل هذا البلد هم الهندوس، وهذه الحركة على مر الأيام أنشأت هيكلاً كبيراً، لها منظمات سياسية وتعليمية واجتماعية، هي ليست حركة واحدة الآن. في أوائل الخمسينات ظهر لهم أول حزب في هذه البلاد،ولكن هذا الحزب بقى حزباً معزولاً تقريباً إلى أن اكتشفوا قضية

المسجد البابري هذا في أوائل الثمانينيات،اكتشفوا هذه القضية بحيث أن.. جعلوها قضية شعبية وقضية عامة للهندوس،بدؤوا ينظرون إلى هذا المسجد كأنه علامة وشعار للغزو المسلم لهذه البلاد.

أسعد طه: (مسجد البابري) الواقع بمدينة (إيودهيا) في الشمال، والمنسوب إلى (بابر) أول إمبراطور مغولي حكم الهند، كانت أحداثه بالفعل بداية مرحلة تصاعدية جديدة من تطرف الهندوس وعدائهم للمسلمين، وكانت إيذاناً بحملة دعائية زعمت أن كل مساجد المسلمين العتيقة قد بنيت على أنقاض معابد الهندوس، وهي الحملة التي بررت هدم المسجد البابري في السادس من ديسمبر/ كانون أول عام 92 وما أعقبها من صدامات دامية أودت بحياة ألفي مسلم.

والحقيقة أن أي قراءة تقديرية لحصيلة صدامات الطرفين تصيب المرء بالصدمة، فإذا ما تجاوزنا عن أحداث انفصال الهند وباكستان التي أودت بحياة مليون مواطن فضلاً عن 17 مليون آخرين أجبروا على الهجرة،فإن الفترة بين عامي 1954م و 1963م شهدت وقوع 62 حادث مواجهة بين المسلمين والهندوس أدى إلى سقوط 39 قتيلاً، و527 جريحاً، وفي عام 1964م كانت الحصيلة 1070 حادث، و2000 قتيل، وأكثر من 2000 جريح وبين عامي 1965م و1984م وقع 310 حادث، والحصيلة 160 قتيلاً، و1685 جريحاً، وبين عامي 1985م و 1991م كانت الحصيلة 620 حادثاً، و660 قتيلاً، و6 آلاف و950 جريحاً.

يقولون: إن هناك أوجه متعددة للتشابه بين الحالة الهندية والحالة البلقانية على سبيل المثال مشاعر المرارة من الفتح الإسلامي، والقلق من النمو السكاني للمسلمين، وسياسات الفصل العرقي، واختلاط العامل الديني بالعامل القومي، وإذا كان هناك اختلاف فهو أن الهند بها إمكانات لانفجار أكبر ولخسائر إنسانية أكثر فداحة، هل في هذه المقارنة ثمة مبالغة؟ وهل هذه الصورة قراءة خاطئة للحالة الهندية؟

أعتقد أن الإجابة على هذا التساؤل هي في متناول أيادينا، إذا ما عمدنا إلى رصد هذه الظاهرة، ظاهرة الأصولية الهندوسية المتطرفة في بيئتها التي نشأت بها، وهو ما نحن بصدده الآن في الحال.

[موجز الأنباء]

أسعد طه: والحقيقة أن الحالة الهندية معقدة للغاية، بمعنى أن تشخيص ما أصابها من علة هو أمر غير هين، وحده الأدنى هو التعرف -ولو على عجالة- على خصوصية هذه الطبقة من المجتمع، والتي أفرزت ذاك الداء، وهو ما نحن بصدده الآن.

والآن نحن بولاية (أوتربرادش) وهي من الولايات الهندية الشمالية التي تكتظ بأعلى كثافة سكانية تقدر بـ 170 مليون مواطن، أي نفس عدد سكان البرازيل، وفي كل الأحوال هي من الولايات القوية على الصعيدين السياسي والحضاري، فمن هنا خرج سبعة من أصل عشرة رؤساء وزراء شهدتهم الهند، وهي تقع ضمن المنطقة الشمالية المعروفة باسم (حزام البقرة) نظراً للكثافة السكانية الهندوسية بها،وهي تضم بالتالي أغلب مؤيدي الحركة الهندوسية المتطرفة.

نحن إذن الآن في منطقة (حزام البقرة) وبالمناسبة فإن ربع مليون بقرة تعيش معززة مكرمة في أنحاء الهند، بسبب اعتبار الهندوس لها فصيلة مقدسة من الحيوانات، وتكريما لها تدفن عند موتها، على عكس الإنسان الذي يحرق لدى وفاته، ولا يجرؤ أحد على الحد من حركتها أو إزعاجها، هكذا كنت أراها في كل مكان حرة مدللة، ولا أعرف لماذا تذكرت للحظات الأبقار التي لدينا، الكادحة بطبيعة الحال؟!!

صومنات باجبي (رجل دين هندوسي): الهندوسية تتألف من عناصر أهمها هو مساعدة الآخرين، فالهندوسية هي رسالة صداقة للجميع، ولا تختص بالهندوسيين وحدهم، أنا أعني أنها كذلك في القرى والمدن في المعابد واتجاه الأرامل والحيوانات، ومن خلال ممارستنا لهذه الرسالة يكون نمط حياتنا اليومي.

أسعد طه:

وتعد الهندوسية من أقدم العقائد الموجودة، ويُعتقد أنها تعود إلى ألف عام قبل ميلاد السيد المسيح -عليه السلام-وهي تؤمن بالتقمص، والمرور بمراحل متعددة بعد الموت، ولديها عدد كبير من الكتب المقدسة، والتي تؤكد أن على المرء ليكون هندوسياً أن يُولد كذلك، وأن ليس بوسعه أن يتحول عن دينه إليها.

جانجادر درديو (رجل دين هندوسي): الهندوسية ديانة شاملة لدرجة أنها تضم معظم الديانات القائمة في العالم، إنها كبحر كبير ينضم إليه المرتادون، وكل الديانات الكبيرة والصغيرة، تعود إليه، إنها تُعنى بشخصية الإنسان، وتظهر النواحي الإيجابية لديه، ولدى المجتمع، وبها يتذوق المرء طعم السعادة.

أسعد طه: رأي المؤسسة الدينية يخالف -بلا شك- لرأي الأحزاب الهندوسية المتطرفة وعلى رأسها منظمة الخدمة الذاتية القومية المؤسسة عام 1929م، والمعروفة اختصاراً باسم R.S.S وهي آخر منظمة باقية في عالم اليوم تقريباً من المنظمات التي قامت بمحاكاة النازية، وقد خرجت منها كل المنظمات الهندوسية المتطرفة الأخرى القائمة الآن.

وقد كان (حزب الجانسان) المسؤول عن اغتيال غاندي أول واجهة سياسية لها،والذي تحول أخيراً إلى حزب الشعب الهندوسي المعروف باسم E.J.B والذي دفعت به الانتخابات النيابية في أوائل مايو/ آيار عام 1996م إلى طريق السلطة، وبغض النظر عن موقعه المتأرجح منها فإنه يبقى أكبر أحزاب الهند في برلمانها عدداً، وهو يصف نفسه بأنه حزب قومي.

كاين باناكين (أستاذ التاريخ في جامعة نيودلهي): الكلمة الشائعة هي الأحزاب القومية الهندوسية أما الوصف الدقيق فإنها الأحزاب الطائفية الهندوسية لأن طريقة أداء الحزب الهندوسي الديني في الهند ليست قومية، بمعنى أن الأيديولوجية الخاصة بها ليست قومية بالمعنى المعروف عن الهند كمجتمع متعدد الحضارات يمتلك جدول أعمال متكاملاً ووعياً سياسياً كافياً.

كمال شتوي (مساعد أستاذ العلوم السياسية): لا أوافق على عبارة الهندوسي القومي لأنه حزب متشدد، أشبه بحزب الليكود اليهودي وللقومية تعريفها الواضح في حين أنهم يريدون الاستحواذ على الآخرين عبر مفاهيمهم الخاصة لديانتهم الهندوسية، ومشروعهم السياسي الوحيد هو أن يصبح للهند هويتها الهندوسية المتشددة، إن رؤية أحد مؤسسي الحزب بأن الهندوسية هي عرق سامي شبيهة برؤية هتلر بالنسبة إلى شعبه، وهو يدعي أن "الآريين" هم من أصل هندي، ولم يأتوا من آسيا الوسطى، وقالوا إن الشعب الصيني ينحدر من أصل هندي، وأن علوم الرياضيات لم تنطلق من العالم العربي، ولكن من الهند والحقيقة أن هذا النوع من الرؤية هي رؤية فاشية، ولذلك نفهم لماذا قاموا بالتجارب النووية، إنهم يقصدون إرهاب العالم الخارجي رغم سذاجتهم الشديدة فيها يتعلق بالسياسات الدولية.

ف. ت. راجشيكار (رئيس تحرير صحيفة صوت المنبوذين): أنت تستخدم الكلمة الخاطئة التي يروج لها الهندوس، إنه ليس قومياً هندوسياً، إنه حزب هندوسي نازي، هذا الحزب يسعى لسيطرة الطبقة العليا من المجتمع الهندوسي على كل المجتمع الهندي، المشروع المدرج على جدول أعمالهم هو أنه يحق للجميع في الهند من مسلمين ومسيحيين وسيخ وآخرين العيش في الهند، على أن يعترف الجميع لهم بالسيادة في هذا المجتمع، إنهم في هذه الحالة سوف يسمحون لنا بأن نفعل أي شيء مادمنا نعترف بتفوقهم، الحزب الشعبي الهندوسي -هنا في الحقيقة- هو الحزب النازي الهندوسي.

أسعد طه: ها هي (فرانازي) واحدة من أربع مدن هندوسية مقدسة في هذه الولاية، بكثافة سكانية عالية يمثل الهندوس نصفها، ونصفها الآخر من المسلمين، وفي الشوارع يختلط البشر بالحيوانات، وتتنوع طرق الانتقال، حتى يخيل لك أن ما من وسيلة للمواصلات اخترعها الإنسان إلا وتجدها هنا.

(فرانازي) المطلة على نهر (الجانج المقدس) تزدحم بالمعابد، كما تزدحم بالآلهة التي يعبدها الهندوس، يقولون أنها 330 من الآلهة التي حاولت تيارات هندوسية متعددة توحيدها دون جدوى.

أدبيات الأصولية الهندوسية المتطرفة تعتبر أن الهندي هو الهندوسي حصراً وحكماً، وأن الأمة الهندية هي أرض ودين وسلالة في آن واحد، وأن الدولة التي نشأت قبل نصف قرن ملوثة باختلاط، ينبغي تطهير أمنا الهند منه، ومن ثم فقد حدد منظر هذه الحركة أهدافها كالآتي: الوحدة الهندسية، الحكم الهندوسي أي إقامة الدولة الهندوسية، تطهير المسلمين بمعنى إعادتهم إلى الهندوسية، وفتح أفغانستان وتطهيرها باعتبار أنها كانت مصدر كل الحملات التي وصلت إلى الهند.

كاين باناكين: المشكلة الأساسية لدينا هي الطائفية الهندوسية، وهي تشكل تهديداً أساسياً لأن الهند بين عامي 1947م و 1950م قبلت بالسياسة المدنية بعد أن ناقشنا طيلة هذه السنوات الثلاث طبيعة السياسة التي يجب أن تعتمد، وكان القرار النهائي هو العلمانية، وهذا يعكس ميراثنا التاريخي، فنحن نعيش في بلد يضم مختلف الديانات.

أسعد طه: والحقيقة أن هناك من يعتقد أن المواجهة الحقيقية في الهند ليست بين الهندوس المتطرفين وبين المسلمين المفترضين كعدو أول، ولكن المواجهة الحقيقية هي بين الهندوس العلمانيين وأولئك المعادين للعلمانية، ولذلك فإنه يعتقد أن عاملين هامين ساعدا على صعود التيار المتطرف، أولهما: انهيار سلطة وشرعية الأنظمة القومية العلمانية، أي حزب المؤتمر، وثانيهما: تزايد التوتر الاجتماعي في أنحاء البلاد، وفي كل الأحوال فإن حركة التطرف الهندوسي اكتسبت شرعيتها بفعل نتائج الانتخابات النيابية المتتالية، والتي لم يكن أمام الديمقراطية الهندية العريقة غير الاعتراف بها.

ظفر الإسلام خان: نعم أنا أدرك هذا، ولكن أن أظن أن إذا كان المسلمون في بلد معينة، 50 أو 90% أو 95%، فيحق لهم من الناحية الديمقراطية أن يختاروا النظام الذي يريدونه والذي ننكره جيداً ننكره كثيراً هو أن قوى غربية معينة ترفض أن تعطي هدفها للمسلمين فمثًلاً في الجزائر هم ألغوا الانتخابات!وهذا لا يجوز. حصل هذا في الهند الحركة الهندوسية المتطرفة حصلت على أكثرية في الانتخابات فأُعطي لهم الحكم وتنحت باقي الأحزاب.

أسعد طه: غير أن هناك من يعتقد أن العلمانية في الهند غير مهددة، مراهناً على حياد الجيش، وعلى نزاهته على عكس جهاز الشرطة المصابة بالفساد، المنحازة في أغلب الأحيان إلى موجات التطرف الهندوسية.

آي. ك. غوجرال (رئيس وزراء الهند السابق): لا أعتقد أن العلمانية مهددة في الهند لأننا التزمنا بها، وأعتقد أن سبب صمود الديمقراطية الهندية هو التزامنا بالعلمانية، ولا يعني ذلك أن هذه الجماعات ترغب بها، لكن صالح بلادنا فيها، فالهند بلد كبير للغاية، لديه ديانات متعددة، ومذاهب متعددة، ولغات متعددة، ولذلك فنحن مجتمع ديمقراطي، ولا أعتقد أن هذا المجتمع مهدد، صحيح أنه من وقت لآخر نسمع عن وقوع صدامات بين هذا الفريق وذاك، لكنه ليس دليلاً على أن النظام مهدد، والدليل أنه خلال العشر سنوات الأخيرة تم تشكيل خمس أو ست حكومات عبر عملية ديمقراطية، وهنا تكمن قوتنا، خصوصاً وأن الجيش موجود في ثكناته، لا يغادرها وما من حزب سياسي يمكنه توظيفه سياسياً، والتغييرات التي تطرأ على النظام هي بسبب تحولنا من نظام الحزب الواحد إلى نظام الائتلاف.

أسعد طه: يقولون إن الموت في (فارانازس) المقدسة مستحب، غير أنه لم يكن لي كذلك، ولم يكن مستحباً لي أيضاً الاستيقاظ قبل شروق الشمس لقطع مسافة طويلة للوصول إلى أطراف المدينة، حيث نهر الجانج المقدس لرصد طقوس أساسية يؤديها الهندوس الذين يعتقدون أن الاغتسال في النهر يغسل خطاياهم. إنه النهر المقدس فيه يغتسلون، وعلى جانبيه يحرقون جثث موتاهم، وفيه ينثرون رمادهم، ومنه يشربون!

كاين باناكين: نتيجة هذه الطائفية أن قواها نجحت في السيطرة على الحكومة، وقد تظهر هذه المخاطر في التعليم والقطاعات الأخرى، أما مظاهرها فإننا نراها من خلال أعمال العنف التي يشهدها المجتمع الهندي بين حين لآخر، وخلال الأشهر العشرة الأخيرة عاصرنا صعود موجة العنف في بلادنا.

أسعد طه: تداعيات هذا الخطر يمتد فيما يبدو إلى السياسات الخارجية للحركة الهندوسية المتطرفة التي عبرت عن رغبتها في إسدال الستار على سياسة عدم الانحياز، آمله في تحويل الهند إلى دولة توسعية، مرتبطة بالسياسات الغربية، ولها حدودها الاستراتيجية البعيدة جداً عن حدودها الجيوبو لتيكية الراهنة.

كمال شتوي: نعم، ومثال ذلك التجارب النووية التي تُجرى، إنهم يطمحون لأن يصبحون القوة العظمى في جنوب آسيا، ولهذا السبب يظهرون إعجاباً كبيراً بإسرائيل لأنهم أيضاً مناهضون للإسلام، ويقال: إنه حين اجتمع رئيس الوزراء السابق شيمون بيريز خلال زيارته للهند بقادة الحزب الشعبي الهندوسي اقترح بأن ما يجري مع الفلسطينيين أي ذاك الشكل من التطهير العرقي يمكن أن يجري هنا أيضاً مع الأغلبية المسلمة، ورغم أن شيمون بيريز وقادة الأحزاب نفوا ذلك إلا أن الصحف اليومية لدينا أكدت هذا النبأ.

أسعد طه: ولذلك فإن أتباع حركة التطرف الهندوسي هم من أشد المنادين بتوطيد العلاقات مع الكيان الصهيوني، وينظرون إليه نظرة إعجاب لقدرته على التغلب على القوة العربية البشرية والعسكرية الهائلة، غير أن هناك من يستبعد لجوء المتطرفين الهندوس إلى تصعيد العنف ضد الآخرين.

أي. ك. غوجرال: ليس هناك ما يسمى بالعنف الطائفي المتوقع قيامه من وقت لآخر في بلد واسع كالهند، تحدث بعض الصدامات وذلك بسبب التخطيط من بعض الجماعات أو الأحزاب السياسية، لكن ما نواجهه في الحقيقة هو مشاكل تتعلق بقضية الطبقات، ومشاكل الطبقات هذه بسبب غياب الإصلاح الزراعي، الأشخاص الذين يملكون الأرض ينتمون إلى طبقة، والآخرون إلى طبقة أخرى، وهكذا تحدث المواجهات التي تكون أحياناً بين مجموعتين دينيتين مختلفتين في ذات الوقت.

ف. ت. راجشيكار: لا، ليست هناك أية فرصة لذلك، لن يحدث أن تنفجر أعمال العنف لأن الهندوسية ليست عدواً صريحاً كما كان مثلاً في جنوب إفريقيا، لكن في هذا المجتمع وضعت الهندوسية سُمها في مجتمعنا، لقد اختلقوا آلاف الآلهة، ولدي كتاب هنا يدعي أحقية إلهين اخترعوهما ليخدعونا، إن تأثير الهندوسية هو كتأثير الأفيون علينا، نحن لا نستطيع أن نشير إلى العدو، ونقول ها هو الذي يقمعنا، في الحقيقة إنها باتت مشكلة داخلية.

أسعد طه: ثلاثة طقوس أساسية للعقيدة الهندوسية: العبادة، وحكم نظام الطبقات، وحرق الميت، هذه الأخيرة حضرت مراسيمها، وشاهدت طقوسها، ولمست كم يبدي الهندوسي أهمية كبيرة لها.


undefinedالمسلمون في الهند هم أول من سيدفع ثمن صعود هذا التيار المتطرف، وذلك لاعتبارين، أولهما: أن الأصولية الهندوسية افترضت أن الإسلام -كما ذكرنا- هو عدوها الأول. ثانيهما: أن المسلمين في الهند أقلية، والحقيقة أن هناك من يتحفظ على وصفهم بالأقلية، فعددهم يزيد عن 120 مليون مواطن، أي ضعف سكان مصر، ومجموع سكان بريطانيا وفرنسا مجتمعين. ثمة خصوصية غريبة يكتشفها المرء لدى أي مجتمع مسلم، وهو غياب القيادات الواعية القادرة على توحيد الصفوف وإدارة الأزمة بنجاح، وهو ما يُزيد من حجم الضرر الواقع على المسلمين كما سنرى الآن.

نبقى في هذه الولاية الشمالية ولاية (أوتربرادش) لكننا هذه المرة نتوجه إلى مدينة (أجرا) إلى عاصمة الهند في عصر المغول، أولئك الذين عرفتهم الهند لأول مرة عام 1527م حين انطلق السلطان المغولي (ظهير الدين محمد بابر) من قاعدته في (كابول) ليغزو الهند، ويهزم سلطان (دلهي) ويؤسس الدولة المغولية العظمى.

المسلمون هنا يعتبرون الفترة الأخيرة من عصر المغول والتي سبقت الاحتلال البريطاني فترة شؤم وبلاءٍ عليهم، لأسباب يطول شرحها، لكن تلك الصروح المعمارية مازالت شاهدة على ما بلغه هذا العصر على هذا الصعيد.

(تاج محل) قصر بناه القائد المغولي (جاهنجير) وفاءً لزوجته المتوفية، لكن ابنه (جهجهان) انقلب عليه وسجنه في (القلعة الحمراء) ها هي حيث يمكنه أن ينظر إلى النهر وإلى قبر زوجته.

القائد المغولي (بابر) كتب يصف الحالة التي وجد الهند عليها وصفاً يظهر الفارق بين الحضارتين حينذاك، فقال: "لا وجود للخيل العتاق، ولا يوجد من الفواكه الثمار الطيبة، الثلج مفقود، والماء البارد قليل نادر، والحمام غير موجود، والمدارس لا يعرفها أهل الهند، والمشكاة والشمع لا وجود لهما، وكذلك الفوانيس، أما الحدائق والأبنية فلا توجد فيها عيون متدفقة، ولا مياه جارية، ولا تتمتع هذه الأبنية بالنظافة والهواء والتناسب، وأكثر أفراد الشعب يمشون حفاة ويكتسون بخرقةً.

المدهش أن هذا الوصف لحال الهند حين دخلها المغول قبل قرابة خمسة قرون يكاد يكون هو حال المسلمين في الهند اليوم، مسلمو الهند هم أكبر أقلية إسلامية في العالم، وهم ثاني أكبر تجمع إسلامي على وجه الأرض وقد كانوا يمثلون ربع السكان في شبه القارة الهندية قبل الاستقلال، وتقسيمها إلى دولتي الهند وباكستان، وهو التقسيم الذي يعتبره المسلمون هنا تقسيماً للطائفة الإسلامية الهندية، وطبقاً لإحصاء الحكومة الهندية عام 1991م فإن عدد المسلمين يبلغ 96.65 مليون نسمة.

غير أن تقديرات مسلمي الهند لأنفسهم تتراوح بين 150 و200 مليون نسمة، أكثر من نصفهم يعيش في ثلاثة ولايات شمالية هي (أوتربرادش) التي نحن بها الآن،وولاية (بهار) وولاية (البنجال) الغربية، وطبقاً لذات الإحصاء فإنهم يمثلون الأغلبية في 15 مديرية، والغالبية في منطقتي (جامو) ، (كشمير).

كمال شتوي: الديانات في الهند تتميز بأنها مصبوغة بالحقائق الدينية، على سبيل المثال لا يوجد في الديانة الإسلامية عبر العالم ما يسمى بالطبقة العليا، بينما في الإسلام الهندي يوجد نظام الطوائف الاجتماعية، فهناك مسلمون يعتقدون أنهم من هذه الطبقة،وبالتالي لا يتزوجون من غير طبقتهم، ولا يخلطون مع من هم أقل مستوى منهم.

أسعد طه: وللأسف فإن هذا هو الواقع، فتقسيم المجتمع إلى طبقات هو -كما سيأتي لاحقاً- ركيزة أساسية في العقيدة الهندوسية، وبما أن غالبية مسلمي الهند هم من الهندوس الذين أعتنق أجدادهم الإسلام، فإن التقسيم الطبقي الهندوسي، ظل مؤثراً وقائماً بينهم إلى حد ما، ولذلك فإن الشائع هنا هو تقسيم المجتمع المسلم إلى طبقتي (الأشراف) و (الأجلاف).

أما الأشراف فهم من المسلمين الوافدين إلى الهند، والذين يدعون الانحدار من أسر نبوية شريفة، وأما طبقة الأحلاف فهم من الهندوس الذين أسلم أجدادهم، وهي تقسيمات ما أنزل الله بها من سلطان.

ف. ت. راجشيكار: مشكلة المسلمين في الهند متميزة، وهي غير موجودة في أي بقعة أخرى من العالم، فـ 5% من المسلمين هم من الأثرياء للغاية الذين لهم بشرة فاتحة، وهم من أصل عربي أو إيراني أو مغولي، ويشكلون النخبة المسلمة من القيادات ورجال الأعمال، فيما 95% من المسلمين هم من الفقراء، وقد كنت آمل أن ينهض مسلمو الهند ويقاوموا الهندوسية النازية، ولكنهم فشلوا لأن تلك الطبقة الثرية منهم قامت بتسوية مع الطبقة الحاكمة.

أسعد طه: والحقيقة أن هناك ألف سبب يدعو المسلمين إلى النهوض!! فواقع الحال منذ الاستقلال يشير إلى أنهم تعرضوا إلى سلسلة من أعمال القمع، خصوصاً في الستينات ومنها فترة الطوارئ التي أعلنتها أنديرا غاندي بين عام 1975م وعام 1977م والتي كانوا خلالها ضحية التعقيم الإجباري والطرد الوظيفي، وهدم أحيائهم بحجة تجميل المدن إلى غيره من مظاهر الاضطهاد التي تزيد أو تنقص بحسب الواقع السياسي في الهند.

ف. ت. راجشيكار: إذا توجهت إلى المناطق المسلمة في المدن الكبرى سوف تدرك كيف هو حالهم، فالمسلمون في (دلهي) يعيشون في أطراف المدينة في أحياء فقيرة وقذرة، لا يوجد مياه، ولا شبكات لتصريف المجاري وسائل الاتصال مقطوعة، الذباب والبعوض في كل مكان، ورائحة قذرة تنتشر في هذه الأحياء، وينعت المسلم بأنه المناهض للوطنية، وبالإرهاب، وبالإجرام، وهناك الآن الآلاف من المسلمين في السجون حيث يلقى القبض على الضحية، ثم يقال: إنه تم العثور على متفجرات لديه!!

أسعد طه: والواقع يشير إلى أن غالبية المسلمين في الهند هم عمال فقراء، أو صغار الفلاحين، أو حرفيون، وهم لا يتجهون إلى التجارة والصناعة نتيجة عدم حصولهم على قروض من البنوك، وهيئات التمويل الرسمية، ومنع السلطات قيام مؤسسات مالية غير ربوية.

كامار أغا (صحفي مسلم): الأكثرية الساحقة من المسلمين هم من الفقراء، ولكن هناك فئة محدودة من المسلمين المثقفين التي ظهرت خلال الأربعين سنة الأخيرة، وبعد أن هاجرت النخبة المسلمة المثقفة من البلاد إلى باكستان عقب التقسيم.

أسعد طه: وفضلاً عن الشقاقات الداخلية العدو الأول للمسلمين دوماً، فإن مفاهيم سلبية تُعتقد من قبلهم تزيد الأمر سوءاً.

كامار أغا: المسلمون لا ينفتحون على النظام الجديد، ولا يقبلون بأي جديد، خصوصاً إذا كان الغرب مصدره، والثقافة الغربية ليست شائعة بينهم، والمؤسسات الثقافية التي يديرها المسلمون هي بحالة مزرية، ولذلك فإن الطبقة المتوسطة التي ظهرت بين المسلمين لجأت إلى المؤسسات الهندوسية الدينية، وحيث يمكن أن يجدوا مطلبهم من الثقافة الحديثة، والعلوم، والتكنولوجيا، والهندسة.

ظفر الإسلام خان: القضية الرئيسية بالنسبة للمسلمين هي فقدان القيادة، ليست لهم قيادة واحدة وموحدة، هذه أكبر قضية منذ بداية عهد الاستقلال لأن قبل الاستقلال كانت لهم منظمات وأحزاب وحركات وشخصيات، ولكن بعد التقسيم بسبب ظهور باكستان، وهجرة النخبة من هنا إلى باكستان خلت هذه البلاد، ثم لسبب أو لآخر قرر بعض الوجهاء المسلمين هنا حل التنظيمات السياسية.

أسعد طه: مهما كان الأمر فإن العوامل الداخلية والخارجية جعلتهم في حال دفاع مستمر عن أنفسهم ليظلوا دوماً طائفة فقيرة وأمية ومجهدة لا تقوى على الإبداع فضلاً عن تغيير واقعها، وبحسب بعض التقارير الرسمية فإن الأرقام تشير إلى أن تمثيل المسلمين في الوظائف الرسمية يتضاءل باستمرار، على سبيل المثال: فإن نسبة المسلمين السكانية الرسمية حوالي 15% في حين أن نسبتهم في وظائف الخدمة الإدارية -حسب إحصاء عام 1981م -كان 3% وفي الشرطة 2.9%، وأن نسبتهم في وظائف حكومات الولايات والحكومة المركزية يتراوح 4.4% و6%، أما ولاية (أوتربرادش) التي نحن بها الآن فإن نسبتهم في شرطة الولاية كان 40% عام 1947م أي قبيل الاستقلال. أما الآن -وحسب إحصاء 1996م- فإنها 2%، ننتقل إلى مدينة (لاتناو) عاصمة الولاية، ومركز الإسلام الشيعي، ومقر دار الندوة إحدى أعمدة الإسلام السني، والمدينة تشهد من حين لآخر خلافات بين الطرفين، ربما يشغلان بها نفسيهما عن ذاك الغياب من الساحة السياسية، فالمسلمون الذين يمثلون رسمياً 12.5% من الناخبين لا يمثلهم في البرلمان سوى 25 نائباً من أصل 540 هم مجموع نواب البرلمان، حتى أنه بوسعنا أن نقول: إنه ما من مجموعة بشرية في الهند فاقدة لثقلها السياسي كما هو الحال مع المسلمين.

واضح رشيد الندوي (صحفي مسلم): المشكلة أن الدائرة.. الدائرة، الدوائر الانتخابية في الهند، في كل دائرة عدد كبير من المسلمين، لكن هذا التخطيط، وهذه الدوائر تمضي بطريق لا يستطيع إنه المسلمون أن يفرضوا ضغوطهم، أو أن يظهروا تمثيلهم في هذه الدوائر لأن هذه الدوائر، مثلاً عدد السكان وُزع بطريق لا يستطيع المسلمون أن يثبتوا وجودهم مستقل في هذه الدوائر.

أسعد طه: السؤال الآن، إذا كانت هذه هي المظالم التي تعرض لها المسلمون هنا من قبل، وإذا كان هذا هو واقع الحال المتعسف الذي يعانون منه الآن، فماذا يمكن أن يكون مستقبلهم في ظل تنامي التيار الهندوسي المتطرف؟ هذا التيار المتبني أيدلوجية العداء للإسلام كمصدر مزعوم للإرهاب المعتقد في خطر القوس الإسلامي الذي يقولون إنه يمتد من تركيا إلى إندونيسيا وتقع الهند ضمنه.

هذه الحركة المتطرفة التي ذهب وفد منها إلى إسبانيا لدراسة كيف تم استئصال المسلمين من ديار الأندلس؟ تقوم أدبياتها على اعتبار أن المسلمين في الهند هم المسؤولون عن كل مشاكلها، وأن عليهم الرحيل عن البلاد، وأن للمسلم فقط مكانين باكستان أو القبر، ولتواصل حملتها المتشددة تجاه الآخرين، وخصوصاً المسلمين، استطاعت هذه الحركة أن تستجلب الدعم المادي من الجاليات الهندية في الخارج، وحتى في دول الخليج العربي.

ظفر الإسلام خان (رئيس معهد الدراسات الإسلامية والعربية): نعم هي لها علاقات جيدة بالأقليات الهندوسية في كل البلاد، هي تحرص على أن تقيم علاقة خاصة مع كل أقلية هندوسية، مثلاً الأقلية في جزر الهند الغربية، في تريندا، في بريطانيا، في أميركا، في الخليج العربي وما إلى ذلك كل هذه الأقليات لهم تواجد هناك.

أسعد طه: وفي قراءة للمحاور الرئيسية لبرامج المرشحين من الحركة الهندوسية المتطرفة، وفي خطبهم الحماسية خلال الانتخابات البرلمانية، نجد أن مطالبهم الرئيسية هي:

إعادة النظر في حقوق الأقليات للحد منها.

إلغاء قوانين الأحوال الشخصية للمسلمين، واستبداله بقانون مدني.

إلغاء الوضع الخاص لكشمير المتمثل في حكم ذاتي.

هدم العديد من المساجد العتيقة بزعم أنها بُنيت على أنقاض معابدهم.

ضرورة شن حرب تأديبية ضد باكستان لمواقفها تجاه الهند.

وفي ظل واقع المسلمين، من فقر وأمية وبطالة وغيرها، وفي ظل هذه الموجة من التطرف الهندوسي يكون من المُجدي التساؤل: هل باتت الظروف بذلك مهيأة لرد فعل مسلم متطرف؟!

ظفر الإسلام خان: لا، المسلمون –في الحقيقة- في أفضل الأحوال يعاملون هؤلاء بالتجاهل، لا يريدون أن يحتكوا بهم، لا يريدون أن يثيروهم، لا يريدون أن يعطوهم فرصة للقيام باضطرابات طائفية، طبعاً هؤلاء الناس منذ البداية كانوا في طليعة مثيري الشغب في هذه البلاد، وهذا معروف جداً أن عناصرهم كانت تثير الاضطرابات الطائفية، وكانت تذهب تنهب وتسرق وتحرق البيوت والمتاجر، وما إلى ذلك.

أي. ك. غوجرال: هناك متطرفون لدى كل الجماعات في الهند، متطرفون هندوس، ومتطرفون سيخ، ومتطرفون مسلمون، وهم يعبرون من وقت لآخر عن وجهات نظرهم، لكنهم يشكلون أقليات حتى داخل الجماعات التي ينتمون إليها.

أسعد طه: من المهم الإشارة إلى أن هذا التيار الهندوسي المتطرف مرفوض من شريحة هامة في المجتمع الهندوسي تتبنى العلمانية كضرورة تمليها طبيعة مجتمع متعدد الثقافات والأديان وهي -أي العلمانية- مطلب المسلمين أيضاً.

واضح رشيد الندوي: لأن العلمانية هي الحل الوحيد، فليس المسلون يحتاجون العلمانية، فالهندوس.. هذا، هناك عقائد متعددة، وعقائد منافية، مثلاً الهندوس في شمال الهند يختلفون عن الهندوس في جنوب الهند، فهم يعبدون مثلاً (راون) هناك، وهم لا يعبدون (راون) ، (راون) الذي يقال إنه اختطف (سيتا) ومثل هذه العقائد المتعارضة عند الهندوس لن توجد، فكذلك هناك طبقات عليا، وطبقات متخلفة عند الهندوس، فالعلمانية تحل للهندوس هذا، ولا تستطيع الهند أن تجتمع موحدة إلا بالعلمانية.

أسعد طه: غالبية المجتمع الهندي يعاني من الفقر، والأمية، والظلم الاجتماعي، وهي قضايا غائبة كلها عن برامج وطموحات وأهداف ومشاريع الحركة الهندوسية المتطرفة، المشكلة لا تقف عند حد تهميش هذه الأمراض الاجتماعية الخطيرة، بل إن ضحاياها يتم استثارتهم لصالح قضايا أخرى سطحية وعاطفية، يتبناها هذا التيار المتطرف مما يشكل في النهاية بيئة مناسبة لانفجار داخلي من الصعب أن نتصور أبعاده.

هذه البيئة التي ستهيئ ذاك الانفجار لا تنحصر في المجتمع المسلم الذي افترضه التطرف الهندوسي كعدو أول، بل تمتد لتشمل كل الأقليات التي تعيش في الهند، ولفظ الأقليات يستدعي التوقف لاختلاف معطياته هنا عما هو معروف في أنحاء العالم المختلفة.

آي. ك. غوجرال: الأقليات في الهند هذا تعريف معهم، فكل أقلية في الهند هي أكثرية بصورة أو بأخرى، فالمسيحيون مثلاً هم أكثرية في الولايات الشمالية الشرقية، والمسلمون أكثرية في كشمير والسيخ، أكثرية في البنجال، وهكذا المجتمع الهندي مجتمع مركب ولفظ الأقلية أو الأكثرية يستخدم من وقت لآخر لأهداف سياسية لهذا الحزب أو ذاك.

طاهر محمود (أستاذ القانون رئيس اللجنة الوطنية للأقليات): دستور الهند لا يحدد معنى كلمة الأقليات، واللجنة التي أترأسها والتي تأسست عام 92 هي المعنية الآن بذلك، والحقيقة أننا لا نعرف من أي منظور يمكن أن نرى الأقليات، هنا فنحن بلد شاسع وفيدرالي، فهناك المسلمون الذين يبلغ عددهم 126 مليون نسمة، ثم المسيحيون وهم الأقلية الثانية بعددهم 19 مليون و800 ألف نسمة، وقد تعرضوا بدورهم لأعمال العنف لا مثيل لها، وأخيراً الزرادشتيون ويبلغ عددهم 76 ألف مواطن، ورغم هذا التفاوت الشديد في الأرقام إلا أنهم جميعاً في عداد الأقليات، والفكرة الأهم -في هذا الصدد- هي أن يتمتع الجميع بنفس الحقوق على أساس المواطنة وبغض النظر عن الانتماء الديني.

أسعد طه: وفي ظل مطالب متطرفي الهندوس بإعادة النظر في الحقوق الممنوحة للأقليات يمكننا أن نتصوره الاضطراب الذي سيصيب المجتمع من جراء ذلك، والتي بدأت بوادره بما يعرف باسم (الجريمة الطائفية).

طاهر محمود: هناك مجرمون يؤمنون بدون سبب واضح أنهم إذا ارتكبوا الجريمة ضد الأقليات فيمكنهم أن يبقوا أحراراً، وأن ينجو من العقاب، على عكس ما إذا ارتكبوها في حق مواطن من الأغلبية الهندوسية، ففي هذه الحالة ستتم معاقبة الجاني وفقاً لقانون الجنايات في الهند، وللأسف فقد وقعت حالات كثيرة في هذا الشأن، ولم تعالج الأمور.

أسعد طه: المشكلة لم تقف عند حدود الأقليات، ولكنها سوف تتجاوز هؤلاء المواطنين من غير الهندوس إلى الهندوس أنفسهم، من غير تلك الطبقة التي تدير الأزمة الآن، فالعقيدة الهندوسية تقوم على ثلاثة طقوس أساسية: حكم نظام الطبقات واحدة منهم.. الهندوسية تقسم مجتمعها إلى خمس طبقات، طبقة الكهنة وهي لا تزيد عن 6% من الهندوس، ثم طبقة الحكام والجنود وهي أعلى طبقة اجتماعية بعد الكهنة، ونسبتها لا تزيد عن 14%، ثم طبقة الفلاحين والتجار، ثم طبقة عمال المناجم والحرفيين، ثم أشدهم قهراً وهي طبقة المبنوذين.

ف. ت. راجشيكار: لقد ألغى الدستور الهندي الطبقة الدنيا، لكن ذلك ظل نصاً دستورياً وحسب لأن الأشخاص المكلفين بتطبيق الدستور هم من الطبقة العليا الذين يملكون ويحكمون، ويقومون بتعذيبنا.

المنبوذون هم الذين يقومون بكل الأعمال، من الوضيعة إلى اليدوية، ونحن نتعرض دوماً للاضطهاد، والقتل، والاغتصاب، وإلى حرق ممتلكاتنا، ولا يحق لشعبنا أن يمشي في الطرقات العامة، ولا أن يرتدوا ملابس تحت الركبة، وفي المطاعم يقدم لهم الطعام في أوان منفصلة وإلى ما هنالك من صور التمييز العنصري الأخرى الذي شهده جنوب إفريقيا.

أسعد طه: تدهور الأوضاع الاقتصادية يزيد من حدة الأزمة، ويضيف لها من التوتر ما هو كافٍ لزلزلة المجتمع.

س. ب. شاندرشيكا (أستاذ الاقتصاد في جامعة نيودلهي): هناك عاملان كانت الليبرالية في الهند تطمح إلى تحقيقهما، وهما تطوير الصناعة، وتوسيع نطاق التصدير، وللأسف لم يتحقق أي منهما، بل منذ سبتمبر/ أيلول عام 1995م ونحن نعاني تراجعاً مستمراً في القطاعين، مما يجعل الأمر يبدو وكأن الليبرالية قد فشلت في الهند، في الوقت الذي نشهد فيه ازدياداً في حجم الاستيراد، فيما حكومة حزب الشعب الهندوسي التي ترأست الحكم وادعت أنها ستحدث تغييراً بالابتعاد عن رؤوس الأموال الأجنبية، لجأت إلى هذه الهستيريا النووية بسبب حاجتها إلى هذا النوع من الغلو في الوطنية، والمشكلة أن الهند في نهاية الأمر اضطرت لتقديم تنازلات كبيرة لهذه الدول الأجنبية، وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية واليابان.

كمال شتوي: لدينا أكثر من 40% من الناس من المعدومين الذين يعيشون تحت خط الفقر ونسبة البطالة بمن فيهم المتعلمون تزداد، وهؤلاء هم الذين يتورطون في أعمال العنف لأننا لم ننجح في التوصل إلى المساواة على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي، ومعظم المراقبين السياسيين هنا يوافقون على أن المؤسسات الهندية الديمقراطية مهددة، وأنها تضعف.

أسعد طه: هكذا تبدو الصورة قاتمة في بلد يبلغ معدل دخل الفرد فيه 340 دولاراً سنوياً، وتبلغ الأمية 50%، ولا يتعدى الإنفاق على صحة الفرد 21 دولاراً سنوياً. قضايا الفقر، والمنبوذية، والفساد المستشري في الوسطين السياسي والبيروقراطي غير مدرجة على برامج الأصولية الهندوسية المهمومة بإقصاء الآخرين.

هذه هي محنة الهند اليوم، يؤمل أن تتعداها، فهذا أمر مهم، والأهم ربما أن يمتنع الناصحون لدينا عن إبداء نُصحهم، ذلك أن إلغاء نتائج الانتخابات وتزوير صناديق الاقتراع والقمع والقهر وسائل مكروهة في بلاد على كل مساوئها الاجتماعية تتمتع بقدرٍ من الديمقراطية التي تجرم ذلك، الحكمة لا القوة هي ما يفتقدها المتطرفون دوماً، القوة لا الحكمة هي ما يُلجأ إليها لمواجهتهم دوماً، إقصاء الآخر مرفوض، وتطرفه جهل، والجهل لا تغلبه القوة، الجهل تغلبه أدوات الوعي والتنوير، وسوى ذلك ينتصر المتطرفون. السلام عليكم.