شيء من التاريخ

العدوان الثلاثي على مصر

العدوان الثلاثي على مصر من أهم أحداث القرن، فيه اصطدمت مصالح القوى العظمى في أوج الحرب الباردة.

مقدم الحلقة

أسعد طه

ضيوف الحلقة

عدة شخصيات

تاريخ الحلقة

31 /05/2001

undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined

– أسباب العدوان الثلاثي على مصر
– مؤتمر (باندونغ) وصفقة السلاح التشيكية
– رفض التمويل الأميركي لمشروع السد العالي وتأميم قناة السويس
– بداية العدوان وكيف خطط له
– ردود الفعل العالمية تجاه العدوان
– فشل العدوان وأثر ذلك على المجتمع الدولي

أسعد طه: السلام عليكم، لا غرابة إذا اعتبرت كواحدة من أهم المحطات في التاريخ العربي المعاصر، بل في التاريخ السياسي للعالم كله. حرب السويس، أو العدوان الثلاثي. شكل نقطة تحول كبرى في المشهد السياسي للعالم بعد الحرب العالمية الثانية، فقد اجتمعت أطراف عديدة في هذا الحدث، كان لكل منها وزنه وتأثيره، فهناك إنجلترا وفرنسا، وكذلك إسرائيل، وهناك –ثانياً- مصر والوطن العربي، وهناك –ثالثاً- الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفيتي الغارقتان في حرب باردة كانت –آنذاك- مستعرة، ولذلك ليس بمستغرب القول: إن حرب السويس أثرت بصورة أو بأخرى حتى على شعوب في إفريقيا وآسيا. وأنها كانت كمسمار جديد يدق في نعش الإمبراطوريتين، الفرنسية والبريطانية، وأنها أسهمت بدور رئيسي في خلق توازنات جديدة في المنطقة. ربما يكون من المفيد –بداية- أن نعود إلى ذاكرة المواطنين، ممن عاشوا الحدث، بل وشاركوا- على طريقتهم في المقاومة، التي عرفتها بور سعيد، تلك المدينة التي ارتبط اسمها بهذه المرحلة الحاسمة من تاريخ مصر الحديث.

مواطن مصري من بور سعيد (1): فوجئنا الطيارة بتضربنا الصبح.. كل أنواع الطيارات: إنجليزي وفرنساوي البحر المراكب الإنجليزي و(…) بتضربنا بالبوارج.. بالمدمرات.. الضرب نازل لنا من الساحل.. على الساحل.. نازل لنا من البحر الضرب نازل لنا من الجو، ثم أعقب ذلك الإسقاط المظليين.. ولو إحنا بصينا لبور سعيد.. بورسعيد.

مواطن 2: الحقيقة في بداية الغزو دخلت القوات البريطانية بالدبابات في شارع محمد علي، وبعدين.. أخويا استشهد تحت الدبابات لأن الدبابات.. ما كنتش بتفرق ما بين طفل، وما بين شيخ، ولا السيدة.. وكانت المجزرة في شارع محمد علي..

مواطن 3: عام 56 كنت موجود في الجميل، كنت قائد لسرية من فدائي الحرس الوطني، وكنا مكلفين بالدفاع عن مطار بور سعيد، ومنطقة الجميل، وكان يوم قتالي مرير، وبدأ بالقصف الجوي في الصباح، ثم الإنزال الأول للمظلات البريطانية. استطعنا بفضل الله –سبحانه وتعالى- القضاء على الدفعة الأولى منهم.. عادت الطائرات المعتدية تضرب منطقة الجميل بشكل رهيب جداً.. الضهر كان فيه عملية استطلاعية، قدرنا نضللها، بعد كده كان الإنزال التاني للمظلات البريطانية قضينا على أعداد كبيرة جداً منهم، لكن وصلوا للأرض بكثرة عددهم وعدتهم..

مواطن 2: وصلت لبور سعيد عربيات محملة بالسلاح لتوزيعها على الأهالي، أنا كنت من ضمن الناس اللي حصلوا على.. صندوق قنابل..و بندقية، زيي زي الناس اللي هم كانوا في البلد.

مواطن 1: الموقف صعب جداً ومن هنا بدأت فكرة تشكيل مقاومة شعبية.. وطبعاً وبتلقائية شديدة جداً.. من كان له خبرة سابقة بالتدريب العسكرية فطبعاً هو بدأ يخش فيها، من لم يكن، فقد لم تدريبه إلى آخره، وكل حسب قدرته واستطاعته فمنهم من كان يوزع السلاح، منهم من كان يوزع أكل، منهم من كان يوزع ذخيرة، منهم كان يقاتل في الشارع، منهم كان يطبع منشورات لم يتوانى فرض في بور سعيد إنه يقدم طاقته وجهده ودمه من أجل هذا البلد وأنا بأقول هذا الكلام..

مواطن 4: نتكلم على بور سعيد، كانت بتيجي الطياران ليل ونهار، شغال ليل ونهار على بور سعيد. تروح أي حتة، تيجي كده برضو.. كل شباب بور سعيد راح في عدوان 56، وكان من أغلبيتهم بيوتهم هنا، وأساميهم هنا، وأهليهم –هنا- موجودين، اللي راحوا من شارع أسوان والسماحي، كنا بننقل الميتين. الميتين بوجود محمد سرحان أبو سيد سرحان، ميتين من العربيات على الشفخانة هنا، كنا بنوديهم على عربيات كارو قتلة وجرحى، شباب زي التمر. وكان معانا من ضمنهم..

مواطن 5: المواطنين البسطاء، كل واحد بيحمل سلاحه، كل واحد بيجري تجاه البحر، عشان يقابل قوات العدو، من غير إعداد ومن غير تخطيط، إنما كانت الوطنية هي الروح اللي بتسيطر على توجيه هؤلاء الناس.

أسباب العدوان الثلاثي على مصر

أسعد طه: إذاً ليلة التاسع والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول عام ألف وتسعمائة وستة وخمسين، إسرائيل تضرب في سيناء. ويوم الخامس من نوفمبر/تشيرين الثاني تداهم القوات البريطانية بور سعيد، وفي اليوم ذاته تتعرض بور فؤاد لهجوم القوات الفرنسية. هكذا تشكل العدوان الثلاثي، وهنا يحق لنا التساؤل.

ما الذي شرَّع العدوان في نظر القوات المغيرة؟! هل هي الدولة الناشئة في مصر مع الثورة ودعمها لحركة التحرر في العالم؟ هل هو تجاوز احتكار السلاح –من قبل الغرب- بالتوجه للاتحاد السوفيتي؟! هل هو انهيار المفاوضات حول التمويل الغربي لمشروع بناء السد العالي بأسوان؟! هل هو قرار الرئيس المصري جمال عبد الناصر تأميم قناة السويس، أم هي كل هذه الأسباب مجتمعة؟!! ثم فيم تجلت مظاهر الأزمة؟ وفيم تمثل دور كل من أطرافها؟ وأخيراً.. كيف بدا المشهد السياسي عقب أزمة السويس؟! ثلة ممن كانوا في الحدث، أو عاصروه عن مقربة، يعودون بذاكرتهم إلى تلك الفترة للإجابة على هذه الأسئلة!!

جون لاكوتير (مراسل جريدة "لوموند" الفرنسية): سنة 56 كنت في إيران عندما صدر بلاغ (جون فوستر دالاس) المتضمن لرفض الولايات المتحدة الأميركية تمويل مشروع السد العالي، حجزت في أول طائرة باتجاه مصر، لأنني شعرت بأن شيئاً ما سيحدث ولا.. شك، وصلنا إلى الإسكندرية، في منتصف النهار، وكان الخطاب منتظراً على الساعة الثالثة أو الرابعة بعد الظهيرة.. وجدنا المدينة في شدة من الحماسة.. جلسنا أمام بورصة القطن، وكان يجلس إلى جانبي صديق قديم لعبد الناصر هو خالد محيي الدين الذي كان يمثل الجناح اليساري في الثورة، وقال لي: إن عبد الناصر سيقدم –ربما- على إعلان شيء هام، لكنني لست متأكد من أنه كان على اطلاع على ما سيعلنه –لاحقاً- الرئيس عبد الناصر. قدم عبد الناصر، واتخذ مكانه خلف المنبر الذي لم يكن يبعد عنا كثيراً.

بدأ الرئيس خطابه باستعراض لتاريخ مصر، والأزمات التي تعاقبت عليها، وانتابنا شيء من الضيق إلى درجة إن بعضنا تساءل عن الجدوى من استقدامنا من القاهرة إلى الإسكندرية فقط لمتابعة درس في تاريخ مصر، والمسلسل التاريخي لأحداث مصر.

إن الخطاب –وقتئذ- لم يكن قد ورد فيه ما يسترعي اهتمامنا. ثم فجأة.. تغيرت نبرة صوت عبد الناصر وهنا أصبح الحديث أكثر حيوية، بعد ذلك سمعناه يقول: "إنهم يمنعوننا عن قناة السويس، ومن بناء السد العالي!!! سأسترجع القناة!! سأسترجع القناة!!

فقد عبد الناصر هدوءه المعهود، وأصبح الرئيس الزعيم الذي يتجه إلى الشعب فتهتز الجماهير على وقع كلماته، وحينئذ، انبعثت حماسة –لا توصف- من المصريين. عندها قال لي خالد محيي الدين: إن عبد الناصر أقدم إلى خطوة جريئة، لكننا سوف نلاقي من جرائها متاعب كثيرة.

جلال عارف (كاتب صحفي): كان يظنون أنهم سيستطيعون السيطرة على بور سعيد في ساعات، ثم يجتاجوا الإسماعيلية والسويس ويعزلوا قناة السويس عن مصر!!
فما الذي حدث؟! استمر ضرب بور سعيد سبع أيام بالبوارج الحربية، وبالطائرات الإنجليزية والفرنسية، وبإحراق الأحياء كانت.. يعني.. لأول مرة الناس تشاهد هناك..عمليات الإحراق.

تنثر مواد على الأحياء، ثم تطلق القنابل فتحترق أحياء بكاملها، ومع ذلك لم تخمد الحركة واستطاعت المدينة بالناس.. وبالناس العاديين أن نقاتل. كان من الصدق أنه قبيل العدوان بساعات كان وقد وصل إلى القاهرة قطارات.. قطار مليء بالأسلحة.. البنادق العادية، هذه استولى عليها الناس، واستخدموها في المقاومة بالإضافة إلى بعض الجنود الذين كانوا في شرق القناة وانسحبوا، فعادوا بعد أيام من المشي في الصحراء، عادوا ليشاركوا مع المقاومة في.. في صد العدوان. استمرت المعركة.. سبع أيام، وانتهت ولم يتحقق الغرض الأساسي، وهو احتلال قناة السويس، وعزلها عن.. عن الوطن، الضحايا كانوا كثيرين جداً.


undefinedأسعد طه: في حرب السويس تتابعت الأحداث التاريخية هكذا.. عام 54 يتم توقيع اتفاقية جلاء بريطانيا عن مصر، ويشهد العام الذي يليه مؤتمر (باندونج) وإرساء فكرة الحياد الإيجابي، والذي أعلن عبد الناصر بعد خمسة شهور من انعقاده تسلم أسلحة تشيكية.. وفي منتصف عام 56 تعلن الولايات المتحدة الأميركية سحب عرضها بتمويل بناء السد العالي ليعلن عبد الناصر تأمم قناة السويس في نفس الشهر، وبعد ثلاثة شهور، تبدأ إسرائيل عدوانها على مصر، تتوالى الأحداث لتطلب الجمعية العمومية للأمم المتحدة من الأطراف المتنازعة التوقف عن العمل العسكري، غير أن بريطانيا وفرنسا يرسلان بقواتهما إلى القناة في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني، لكن القنوات المعتدية تجبر على الانسحاب في الشهر الأخير من عام 56.

[ضيوف البرنامج]

*محمد فائق، رجالات الثورة المصرية، مهام رئيسية من موقعة في رئاسة الجمهورية، بخصوص حركة النضال التحريري الإفريقي والعربي.

*عبد المجيد فريد، ضابط في إدارة العمليات، وخطط الجيش، التابعة للقوات المسلحة المصرية.

*أحمد حمروش، أحد الضباط الأحرار، كاتب وزميل لعبد الناصر.

*خالد محيي الدين، عضو اللجنة القيادية لتنظيم الضباط الأحرار، وعضو مجلس قيادة الثورة.

*أنتوني فيرارهوكلي، جنرال بريطاني، كلف بمهام عسكرية في بلدان عديدة منها فلسطين، وكذلك بمدينة بور سعيد بمصر خلال حرب السويس.

*دينيس والتر، سياسي بريطاني، كان يعد الرجل الثاني في حرب المحافظين، كما كان من المعارضين للعدوان.

*مايكل آدامس، الصحفي البريطاني الوحيد في مصر خلال العدوان، حيث كان مراسلاً لصحيفة "الجاردن" البريطانية.

كان تراجع الحضور البريطاني الاستعماري في مصر أمرً جلياً أواسط القرن العشرين، وخاصة إثر قيام ثورة الضباط الأحرار، وتولي عبد الناصر أمر قيادتها في نوفمبر/تشرين الثاني من سنة ألف وتسعمائة وأربعة وخمسين، وتوالت تنازلات بريطانيا. غير أنه لم يكن في نيتها التفريط في الشركة العالمية لقناة السوس، التي كانت تمثل إحدى أهم الطرق التجارية، وكانت هي _أي بريطانيا- على رأس مستعمليها.

محمد فائق (من رجال الثورة المصرية): بعد الثورة ما وقعت اتفاقية الجلاء مع الإنجليز وبدأ الإنجليز ينسحبوا بالفعل من قناة السويس وفي قاعدة كبيرة كانت أكبر قاعدة استعمارية في المنطقة كلها بدت المملكة المتحدة تفكر في نظام جديد للدفاع عن المنطقة وبدأ من هنا البحث عن حلفاء جدد ويعني كان فيه تركيا وفيه باكستان وبدؤوا يعتبروا بغداد هي محور الجديد الذي يمكن أن ترتكز عليه الدفاع المنطقة وعشان كدا سمي بحلف بغداد، في نفس الوقت كانت الولايات المتحدة الأميركية بتنظر أو بتأمل في أن تملأ الفراغ الذي سوف ينشأ من هذا الفراغ بعد جلاء القوات البريطانية وتقلص نفوذ الإمبراطورية البريطانية، إسرائيل كانت بتشعر بقلق شديد جداً لجلاء القوات البريطانية، ولأن الأرض أصبحت مكشوفة بينها وبين مصر ونظام عسكري جديد عنده تطلعات كبيرة فكانوا في قلق شديد جداً، بالنسبة لمصر كان الاهتمام الأساسي.. لأن كانت الثورة هي ثورة تحرر في المقام الأول، كانت قضية الاستقلال في.. هي تحكم جميع الاستراتيجيات التي.. الاستراتيجيات المصرية في جميع المجالات موضوع للتحرر وللاستقلال.. لأنها كانت ثورة في المقام الأول ثور تحرير.

دينيس والتر (سياسي بريطاني/حزب المحافظين): لم تكن لعبد الناصر شعبية تذكر في بريطانيا سنة 1956م، وكان يعتبر المسؤول الأول في الاضطرابات في المنطقة، ورغم أنه التقى السيد (إيدين) إلا أنني أعتقد أنهما أقاما علاقات غير عقلانية بالمرة، وتشوبها شكوك في نوايا عبد الناصر حيال المنطقة، وأستطيع أن أ أقول –بغض النظر عما يعرفه أكثر مني ومن المتخصصين الذين يحترمون نواياه- إن العالم كان يبدي شيئاً من التحفظ بشأن الرئيس عبد الناصر، كان هذا طبعاً قبل معركة السويس.

أحمد حمروش (من الضباط الأحرار): عبد الناصر كان كل اللي بيحرص عليه استقلال مصر وحريتها هم اللي أجبروه على هذا هو اللي اتخذ هذه المواقف هو اللي أصر على مقاومة العدوان الثلاثي ليه؟ لأنه مش.. الثورة تفقد مصداقيتها ويصبح ليس لها تأثير في الشعب المصري.

مايكل آدامس (مراسل صحيفة الجاردن البريطانية): منذ البداية كان رئيس الوزراء (إيدين) عازماً على إسقاط عبد الناصر، لقد كان يحمل فكرة مسبقة عن عبد الناصر مفادها أنه ديكتاتور تماماً مثل (هتلر) و(موسيليني) قبل الحرب لقد دعي إيدن إلى قطع الطريق أمام عبد الناصر درءاً للشر الذي سيلحق بالمنطقة وعليه كان عزم (إيدين) شديداً على إسقاط عبد الناصر وإرغامه على إعادة القناة بما أنه استولى على شيء لاحق له فيه، ومهما يكن من أمر فقد كان إيدن ماضي قدماً فيما عزم عليه، وكان عمله يتمثل في إقناع العالم أنه على حق، على أن الشعب البريطاني لم يكن مقتنعاً البتة فما كان عليه إلا أن أقام مؤتمرات أشرك فيها دولاً أخرى، غير أن هذا التحضير النفساني دام طويلاً وتدريجياً أصبح جلياً أنه لا أحد يوافق إيدن باستثناء فرنسا وطبعاً إسرائيل فيما بعد.

أسعد طه: هكذا بدا إذن أن الإمبراطوريتين الفرنسية والبريطانية كانتا تشعران بانحصار نفوذهما بفعل الثورة في مصر، ففي حين كانت الثورة تعمل على الخلاص من الحضور الاستعماري في البلاد بشتى وجوهه، كانت القوى الاستعمارية تعتقد أن لها حقاً تاريخياً في الوجود على أرض مصر، ومما أزكى الخوف لدى الإمبراطوريتين هو أن الثورة لم تكن تنمو بمعزلٍ عن باقي حركات التحرر في إفريقيا.

محمد فائق: المواجهة بدأت بينَّا وبين مصر أو بين الثورة المصرية وبين فرنسا لأنها كانت بتعتبر أن عبد الناصر شخصياً مسؤول عن دعم الثورة في الجزائر، وبالتالي كانت تريد القضاء على عبد الناصر بأي تمن.

خالد محيي الدين (عضو مجلس قيادة المصرية): عبد الناصر كان بيعتبر إنه الثورة.. أي ثورة في العالم العربي هي إضافة للثورة المصرية، فكان بيعتبر إن الثورة الجزائرية فيها إمكانيات هائلة، فمن هنا دعمها.

محمد فائق: الدعم كان دعم بالسلاح وبكل الوسائل، لأن هي طبعاً الثورة ثورة كانت قامت في الداخل أولاً وكان دور مصر دور مساند صحيح، ولكن مثل هذه الأعمال خصوصاً في ذلك الوقت أي ثورة تقوم بنضال مسلح كانت تحتاج إلى قاعدة ارتكاز قوية فكانت مصر أو القاهرة هي هذه القاعدة في البداية خصوصاً.

أسعد طه: لم تكن هذه التطورات بمنأى عن دائرة الصراع في إطار الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي، ففي تلك الأثناء كانت الولايات المتحدة الأميركية تلح في طلبها من مصر الانخراط في المعسكر الغربي من جهة وإقامة صلح مع الكيان الإسرائيلي من جهة أخرى، والحق أن الولايات المتحدة الأميركية كانت تفعل ذلك لقناعتها أن شأناً كبيراً سيكون للشرق الأوسط وأنه لا يجب أن تتحول أنظار الاتحاد السوفيتي إليه وفي الآن ذاته، كان الاتحاد السوفيتي يعد نفسه بمكان تحت شمس الشرق الأوسط، وهو الذي يرى أن دوره بدأ يتعاظم، خصوصاً بعد الطلب البريطاني بأن ينضم الاتحاد السوفيتي إلى الاتفاق الثلاثي: الفرنسي، البريطاني، الأميركي لعام ألف وتسعمائة وخمسين، والقاضي بالحد في تسلح طرفي النزاع في الشرق الأوسط، أي العرب وإسرائيل.

عبد المجيد فريد (ضابط سابق في القوات المسلحة المصرية): الولايات المتحدة الأميركية كانت.. في أول التعامل مع الثورة.. يعني غير.. غير تعامل بريطانيا.. في نفس الوقت وجدت الولايات المتحدة الأميركية.. طبعاً هي أبتدرك أهمية منطقة الشرق الأوسط.. لما فيه من نفط، وما فيه من مادة استراتيجية، فطبعاً كان تخطيطها البعيد، وهو أنها تكسب هذه.. دول هذه المنطقة.. بأساليب مختلفة و.. ووجدت.. فيه فرصة بالنسبة للخلاف المصري البريطاني إنها تبقى تتعاطف مع الثورة، من إنها تكسب تلك القيادة، و.. تقدر إنها.. تقنعها إنها تمشي معاها، ولذلك.. قيادة الثورة في أول الثورة، كانت ترى في الولايات المتحدة الأميركية أنها ممكن تتعاون معها.

محمد فائق: عبد الناصر عندما أمم قناة السويس لم يأخذ رأي الاتحاد السوفيتي إطلاقاً، وحتى لم يخطرهم بها قبل.. إطلاقاً، لكن هو كان يقرأ المصالح أو التوازنات الدولية قراءة جيدة جداً، وكان يعرف أن مصالح الاتحاد السوفيتي أو مصالح التوازن الدولي قد يستفيد منها وفعلاً هو استفاد منها إلى حد كبير جداً، فبطبيعية الحال كان.. خروج مصر من دائرة النفوذ الغربي هو مصلحة للاتحاد السوفيتي.

مؤتمر (باندونغ) وصفقة السلاح التشيكية

أسعد طه: في تلك الأثناء بادرت مجموعة (كولومبو) المتكونة أساساً من الهند وباكستان وإندونيسيا بعقد مؤتمر (باندونغ) فيما بين السابع عشر والرابع والعشرين من إبريل/ نيسان عام ألف وتسعمائة وخمسة وخمسين قريباً من العاصمة الإندونيسية (جاكرتا).

اجتمع ثلاثون بلداً من إفريقيا وآسيا وانتهى المؤتمر إلى التأسيس إلى أخلاقيات جديدة في العلاقات الدولية، تقوم على مبدأ الحياد والانعتاق من حلقة الصراع الكبرى، لكن قبيل المؤتمر يطلب عبد الناصر من رئيس الوزراء الصيني التوسط لدى الاتحاد السوفيتي لعقد صفقة أسلحة، وفي السابع والعشرين من سبتمبر/أيلول، عام ألف وتسعمائة وخمسة وخمسين، يعلن عبد الناصر عزمه تسلم أسلحة تشيكية!!

أحمد حمروش: اللي خلى مصر تحرص على الحصول على السلاح هو الغارة الإسرائيلية على غزة في 28 فبراير 1955م، وقتل عدد من الجنود المصريين، فده أشعر قيادة الثورة، وأشعر جمال عبد الناصر بأن دي ضربة صعبة لا تستطيع الثورة أن تتحملها، وهي قد وضعت ضمن شعارها، أو أهدافها الستة، تكوين جيش وطني.

ولذلك حرصت على محاولة الحصول على السلاح، من أميركا، لأن العلاقات ما كنتش سيئة مع أميركا، ما فيش رد، ما فيش أي استجابة بريطانية طبعاً لأ، من الاتحاد السوفيتي برضو قد حصلت بعض الاتصالات، ولكن الاتصال الذي نجح ووصل إلى صفقة الأسلحة هو الذي تم في (باندونغ) بعد لقاء (شوين لاي) مع جمال عبد الناصر وصلاح سالم، ويعني شرحهم للوضع في مصر بعد هذه الغارة الإسرائيلية، والدور اللي لعبه (شوين لاي) في إقناع الاتحاد السوفيتي بإنه يقدم صفقة أسلحة لمصر، وهي اتقدمت على أساس إنها تشيكية ليه؟ أولاً: لأن (تشيكوسلوفاكيا) سبق أ سلحت إسرائيل عند بداية إنشائها. نمرة اتنين: إنها ما تبقاش مباشرة مع الاتحاد السوفيتي.

نمرة ثلاثة: إنه الحرب الباردة في الوقت ده كانت بتشكل.. يعني قضية كبيرة جداً، فأميركا كانت بتعتبر إن دخول الاتحاد السوفيتي إلى منطقة الشرق الأوسط من أكبر الأخطار التي تهدد أمنها القوي، فعلشان كده، حاولوا إنهم يخلوها.. صفقة تشيكية ولكنها في الواقع صفقة سوفيتية.. للسلاح.

خالد محيي الدين: القيمة في العملية دي إنه قضى على احتكار الغرب للسلاح، قد يكون السلاح السوفيتي مش كتير، ومش كفء، لكن قضى على احتكار السلاح من الغرب، وإدى للبلاد العربية والبلاد العالم التالت فرصة جديدة للانطلاق لبناء الجيوش الوطنية.

محمد فائق: في مؤتمر (باندونغ) بان إيه هو عبد الناصر كان يمثل قيادة حركة التحرر العربية بكل تأكيد، والإفريقية أيضاً في نفس الوقت، في هذا التجمع كانت قضية التحالف قضية أساسية، وبالتالي بان دور عبد الناصر، وبان أهمية، وأيضاً عبد الناصر يعني في الحقيقة استفاد كتير جداً من هذا المؤتمر، لأنه حركة التحرير بدل ما كانت.. أو حدودها فقط العرب وإفريقيا امتدت إلى أن.. تصل إلى العالم التالت بصفة عامة وخاصة في آسيا.. من هنا بدأ الدور كسر احتكار السلاح، لأن الاتحاد السوفيتي تجاوب بسرعة، وبدأت الصفقة التشيكية.. مفاوضات تتم في القاهرة وفي عواصم أخرى إلى أن تمت هذه الصفقة.

رفض التمويل الأميركي لمشروع السد العالي وتأميم قناة السويس

أسعد طه: وهكذا وفي الوقت الذي لم يكن فيه الاتحاد السوفيتي على عجلة من أمره السيطرة على الشرق الأوسط كان الشرق الأوسط نفسه قد سعى إليه، وما كان هذا ليروق للولايات المتحدة الأميركية، التي راحت تبحث عن منفذ آخر إلى مصر، وكان الولايات المتحدة الأميركية على مصر تمويل مشروع بناء السد العالي في أسوان، غير أن عبد الناصر لم يتعجل في قبول الاقتراح الأميركي، ربما بسبب شروط العقد المجحفة.

وضاعف مع اتصالاته مع الاتحاد السوفيتي، الذي أشيع أنه قدم شروطاً أفضل لتمويل المشروع.. وفي اليوم التاسع عشر من يوليو/تموز عام ستة وخمسين، أعلن (جون فوستر دالاس) سحب العرض الأميركي بالمساعدة في تمويل سحب العرض الأميركي بالمساعدة في تمويل بناء السد العالي.

أحمد حمروش: السد العالي، وافقت عليه –أميركا و.. اتفقوا إنهم يدفعوا 70 مليون دولار وبريطانيا 14 مليون دولار، والبنك الدولي 200 مليون دولار، وكانت أميركا بتستهدف من ده إلى شيء مهم جداً، هو أن يوضع الاقتصاد المصري تحت الإشراف الأميركي، لأن البنك الدولي معناه إنه لا تحصل مصر على أي قروض خارجية إلا بموافقة البنك الدولي، ومصر كانت قد عقدت صفقة الأسلحة، فصفقة الأسلحة هي قرض خارجي. إذاً لا تستطيع أن أ تستمر في عقد صفقة الأسلحة إلا بموافقة البنك الدولي.. هنا أميركا لما مصر رفضت، وأصرت على إن الديون.. القروض الخارجية تبقى من حق الدولة، بادرت أميركا بالانسحاب من تقديم تمويل السد العالي، وده كان خطأ كبير جداً لأميركا، لأنها فقدت المصداقية في المنطقة، فقدت.. الرغبة في التعاون معاها من جانب الثورة اللي بدأ منذ أول يوم بلا حساسيات.. ألهبت حالة الحرب الباردة في المنطقة.

محمد فائق: كانت الولايات المتحدة تتصور أنه.. في خلال مفاوضات.. على موضوع السد العالي ممكن احتواء مصر، احتواء الثورة، واحتواء جمال عبد الناصر مباشرة، وبالتالي كانت بتحاول تطيل هذا المفاوضات.. وده وضح فعلاً عندما أرسل (أيزنهاور) صديقة.. وزير ماليته مستر (إندرسون) إلى القاهرة، وقابل جمال عبد الناصر، ووضح إنه فيه ربط بين.. عمل سلام مع إسرائيل، وبين استمرار التمويل للسد العالي، والعملية كلها كانت 400 مليون دولار مطلوبة، عملة أجنبية، وأن تقوم مصر بتمويل العملة المحلية 1.3 مليار دولار فقط ده كان كل الموضوع، وضح لعبد الناصر إن فيه ربط تماماً، حتى كان دايماً (إيزنهاور) بيقول: "شراء السلام في الشرق الأوسط بالسد العالي"، يعني كان من كلامه على التمويل وبين.. أنه يريد أن يشتري السلام بموضوع السد العالي.

طبعاً رد عبد الناصر كان بسيط جداً وقال: "إنا قضية فلسطين ما هياش أولاً للمساومة، وإن قضية فلسطين دي قضية للعرب ما هياش قضية مصرية بحيث إن أنا أقدر أتصرف فيها ولكن دية قضية.. قضية عربية، وبالتالي الـ.. الكلام فيها لا يكون بيننا وبينكم فقط، ولكن لابد أن تكون فيها..، وبالتالي ربطها بموضوع السد العالي عملية مستحيلة.

خالد محيي الدين: فبدأت العملية تاخد شروط مجحفة يصعب قبولها، ذي مثلاً رهن القطن المصري كام سنة يعني.. كما سمعت في ذلك الوقت، لأن الشروط التعجيزية ما شرحتش، إحنا سمعنا فجأة إن أميركا سحبت تمويل السد العالي بعد ما كان الكلام على القبول، ومن هنا كان هذا الموضوع لابد له من رد سياسي.


undefinedأسعد طه: وبالفعل كان الرد سياسياً، بل وأسرع ما توقعه الجميع، ففي السادس والعشرين من يوليو/تموز عام ألف وتسعمائة وستة وخمسين وبمناسبة الاحتفال المقام في الإسكندرية، في العيد الرابع للثورة، يعلن جمال عبد الناصر تأميم الشركة العالمية لقناة السويس، ويلغي بذلك ما يربو على القرن من الزمان من الهيمنة البريطانية الفرنسية على الشركة منذ صدور فرمان الامتياز الأول الذي منح للفرنسي (ديلسيبس) حق إنشاء شرك لشق قناة السويس في الثلاثين من نوفمبر/تشرين الثاني عام 1854م.

مايكل آدامس: أتى قرار التأميم في إثر ساعة ونصف الساعة أو ساعتين من الخطاب الذي كان يبدو كغيره من الخطب وكان من المفاجأ أن يكون ثمة شيء بهذه الأهمية في نهايته.

خالد محيي الدين: فالرد السياسي كان تأميم قناة السويس وأخذ الإيراد بتاعها اللي هي 75 مليون حوالي إسترليني أو مش متذكر في ذلك الوقت، الإيراد كان كبير يمول مشروع السد العالي دا كان الرد السياسي، مش.. مش.. مش رد اقتصادي، رد سياسي.

أنتوني فيرار هوكلي (جنرال بريطاني): من المؤكد أن الإحساس الذي كان سائداً في صفوف الجيش وكذا لدى العموم هو أن الرئيس عبد الناصر قد خرق الاتفاق المبرم مع بريطانيا عندما انسحبت من منطقة القناة بعد فترة طويلة من تواجدها العسكري، لقد كان الاتفاق أن قناة السويس ليست ولن تكون سوى طريق بحري دولي تمر عبر مصر، وبالتالي لم يكن لهذه الأخيرة أن تتصرف في حق المرور والعبور وكان الإحساس السائد وقتئذ أنه من غير المعقول و لا المسموح به أن تطلب بريطانيا إذناً بالعبور، ولذا كان الشعور بأن على مصر أن تراجع نفسها وتُصلح ما أفسدته.

أسعد طه: قرار التأميم كان مهماً لبريطانيا وفرنسا وبدأ يلوح في الأفق تراجع سيطرتهم على حركة السفن العاملة في القناة وتنامى دور السوفييت والمصريين وفي الحال اجتمع وزراء خارجية فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأميركية في لندن وأصدروا بياناً مفاده أن قرار التأميم يهدد حرية الملاحة في القناة ويخالف كل الاتفاقيات ودعوا إلى مؤتمر أقيم في (لندن) فيما بين السادس عشر والثالث والعشرين من آب/أغسطس عام 1956م وجمع مستعملي القناة، تم في إثر هذا المؤتمر إرسال رئيس الوزراء الأسترالي على رأس لجنة خماسية للقاء عبد الناصر لإقناعه بقبول المشروع الأميركي الذي طرح في المؤتمر والداعي إلى إنشاء مؤسسة دولية تقوم على نمط الوكالات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة لتشرف على إدارة القناة، وكان اللقاء، وبدا عبد الناصر أشد حرصاً من ذي قبل على تطبيق ضمانات عدة فيما يرتبط بحرية استخدام القناة وتوسيعها وأمام عزم عبد الناصر تضاعفت مخاوف بريطانيا في حين كانت فرنسا ترد قوة جبهة التحرير في الجزائر إلى المساعدات المصرية، أما إسرائيل فقد أصابها في الصميم انسحاب بريطانيا من منطقة القناة وأمست تخشى الأسلحة التشيكية وتفكر برد الفعل قبل أن تتمكن مصر من السلاح الجديد وتستعمله، والحق أن رئيس وزراء الكيان الصهيوني (ديفيد بن غوريون) قرر إثر صفقة السلاح أن تكون المواجهة مع مصر في ظرف يقل عن السنة وشاطرته بريطانيا وفرنسا هذا الطرح وكانت اتفاقية (سفر) السرية في السادس عشر من أكتوبر/تشرين الأول عام 1956م في باريس والتي جمعت ثلاثتهم في العدوان على مصر، وفي اليوم التاسع والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول من السنة نفسها بدأ الهجوم الإسرائيلي على سيناء أعقبه إنزال قوات المظلات الإنجليزية على مطار الجميل في بورسعيد بالاشتراك مع القوات الفرنسية التي نزلت جنوبي المدنية.

بداية العدوان وكيف تم التخطيط له

أنتوني فيرار هوكلي: أظن أن عدداً من رجال الجيش كان يعتقد ويرى أن الأمر سوف يقف عند حد معين دون اندلاع معارك، ولقد تلقينا أوامر بأن نكون على أهبة الاستعداد للتحرك وقد أعددنا مخططاتنا وكنا ننسق مع قوات النقل الجوي وتم أيضاً التنسيق حتى مع الوحدة الثالثة للكوماندوز، ومع بدأ العمليات تم فجاءً اختطاف بعض الضباط، عندها تلقينا أمراً بالتوقف عن إنزال المظليين والعمليات العسكرية وطلب منا أن نعود إلى قواعدنا وأدركنا فيما بعد أن الأمر كان على غاية من الجدية.

مايكل آدمس: لقد استهدف القصف مطار القاهرة فقط حيث تدمير وتفجير ونسف كل الطائرات الحربية المصرية التي كانت متواجدة وجاثمة ومرابضة في ذلك المطار، كما أنه جرت أيضاً محاولة لتفجير إذاعة صوت العرب، وضرب أحد السجون، أعتقد أنه سجن (طرة)، لقد اصطحبنا المصريون في اليوم التالي لمعاينة ومشاهدة الخسائر التي خلفتها تلك الغارات وكنا عُصبة من المراسلين البريطانيين لقد كان المشهد حقاً مرعباً ومؤثراً، ولكن لم يتم ضرب المدنيين في أثناء تلك الغارات على أن الخوف انتابهم ودب في نفوسهم نوع من الهلع لمجرد رؤيتهم الطائرات الحربية وهي تحلق فوق الأحياء المدنية.

عبد المجيد فريد: لما حصل النزول في بورسعيد تبين إنه العدو حدد ليس هذه المنطقة كمكان الهجوم الرئيسي وإنما هي منطقة القناة وبور سعيد بوجه التحديد.

أنتوني فيرار هوكلي: أول المناطق التي كانت فيها المواجهة على الجبهة الغربية من القناة كانت على مستوى بورسعيد حيث واجهنا نوعاً من المقاومة وتم الاشتباك على مدى 3 أو 4 ساعات وكانت الانتصار للفيلق الثالث من القوات النضالية وهكذا كان بإمكانهم فتح الطريق من خلال مدينة بورسعيد، في الوقت ذاته كان الفرنسيون يقومون بالشيء نفسه في ميناء فؤاد.

ردود الفعل العالمية تجاه العدوان

أسعد طه: الولايات المتحدة الأميركية وقفت موقف الرافض للعدوان في الأمم المتحدة اعتقاداً منها أن في ذلك رد فعل طبيعي إزاء فرنسا وبريطانيا اللتان اتخذتا قرار العدوان دون استشارة واشنطن ودعت رعاياها إلى مغادرة مصر سريعاً، وأصدر الرئيس الأميركي (أيزنهاور) بياناً يقول فيه: "إن بلاده لا تقر العدوان بل وتراه خطأً فادحاً".

دينيس والتر: أعتقد أن الرئيس أيزنهاور كان يرى –صادقاً- أن ما حصل كان خطأً ولم يكن من مصلحة الغرب أن يكون متورطاً وضالعاً في حرب نصفها غايته الاحتلال، كما أن تدخل إسرائيل كان هجومياً وعليه كان علينا الانسحاب، وبالطبع انسحبنا، وكذا فعلت إسرائيل.

مايكل آدمس: أعتقد أن الرئيس (أيزنهاور) كان غاضباً لأن أمله خاب بسبب تصرف صديقه (إيدين) الذي كان يحبه ويحترمه وكان أيزنهاور غاضباً لهذا السبب ولأن العملية لم تكن أخلاقيةً وكانت مخالفةً لكل التزامتنا مع الأمم المتحدة ولا أعتقد أنه كان بحاجة إلى سبب آخر حتى يفرض على (إيدين) التوقف عما كان يفعله.


undefinedأحمد حمروش: أميركا تربصت.. تربصت بإنجلترا وفرنسا وهم بيعدوا خطة العدوان، وكان ممكن إنها تنصحهم إن هم ما يعملوش العدوان أو كان ممكن تقف معاهم بوضوح وتخش معاهم في المعركة، فهي تربصت بهم إلى أن أخطؤوا ودخلوا في المعركة مع إسرائيل، وجنت هي ثمرة هذا العدوان الثلاثي والواقع إنه أميركا لعبت دور في عدوان 56 من ناحية إجبار القوات المعتدية على الجلاء لأنه هي..، خصوصاً بالنسبة لإسرائيل فأميركا كانت فعلاً بترسم خطتها على أن ترث النفوذ الاستعماري البريطاني الفرنسي في المنطقة.

أسعد طه: أما الاتحاد السوفيتي فقد وجَّه مساء الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني إنذاراً بضرب باريس ولندن بالصواريخ النووية أو ضرب قوات العدوان في بورسعيد وما حولها من منطقة القناة، ورغم الشك الذي انتاب الرئيس الأميركي (أيزنهاور) ورؤساء وزراء بريطانيا وفرنسا والكيان الصهيوني بخصوص جدية التهديد الروسي إلا أن هؤلاء جميعاً كانوا يحسبون ألف حساب للاتحاد السوفيتي وهو الذي اتبع إنذاره بخطوات عملية، إذ دفع بقوات برية وجوية نحو الشرق الأوسط منذ السابع من نوفمبر/تشرين الثاني.

أنتوني فيرار هوكلي: حقاً لا أعتقد أن (كوريتشيف) كان سيستعمل السلاح النووي في تلك المرحلة على الرغم من عديد الأصوات التي بدرت من السوفييت تقول إن ذلك حاصل.

خالد محي الدين: السوفييت في ذلك الوقت ما كانوش عايزين الموقف يصل إلى حد حافة الهاوية لأنه هم ما كانوش مستعدين للحرب وجيوشهم مش جاهزة وما كانتش لسه الصواريخ بتاعتهم عابرة القارات بانت، وما كانش عندهم إلا لغاية ضرب بريطانيا، ومن هنا ما كانش لهم مصلحة في.. في تصعيد الموقف.

دينيس والتر: بين الخمسينات والثمانينات كان ثمة شك كبير فيما كان بإمكان روسيا أن تفعله، لا أعتقد أنه كان ثمة اتجاه جدي لدى السوفيت للقيام بأي تدخل نووي، لا أعتقد ذلك، لكن لم يكن هناك شك لدى الكثير بشأن وجود تهديد فعلي من هذا القبيل.

أسعد طه: لم تكن الظروف مواتية للأمم المتحدة للقيام بدور هام ومؤثر من قبل كما كانت عليه حينذاك، إذ أن القوتين الأكبر عارضتا العدوان وصدر قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة الذي هو في واقع الأمر اقتراح أميركي يوم الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني يطلب فيه من الأطراف المتنازعة التوقف عن العمل العسكري.

أما من الجانب العربي فقد شكلت أزمة قناة السويس إحدى أهم لحظات التوحد العربي وحجة ذلك أنه تم نسف خط أنابيب البترول عبر سوريا وتوقف تدفق النفط إلى البحر الأبيض المتوسط من سوريا ولبنان، وكان لباقي الدول العربية دورٌ رئيسي تجلى أساساً في اجتماع رؤسائها وملوكها في بيروت فيما بين الثالث عشر والخامس عشر من نوفمبر/تشرين الثاني وطلبها من القوات المعتدية سحب قواتها دون قيد أو شرط وأيدها في ذلك الوقت الدول الإسلامية المشتركة في حلف بغداد ومنها العراق وإيران وتركيا، ومن جهتها أبدت شعوب الوطن العربي تعاطفاً كبيراً مع الشعب المصري بل إن البعض يرى أن نجاح عبد الناصر في تجاوز الأزمة إنما يعود إلى عوامل عدة: لعل أهمها هذا التعاطف العربي.

محمد فائق: العامل الرئيسي أولاً أنه كان يتحرك ليس بقوة مصر وحدها ولكن بقوة الشعب المصري والشعوب العربية في نفس الوقت يعني لما حصل العدوان، ضُربت إذاعة القاهرة، خرجت الإذاعات من عواصم عربية أخرى زي عَمّان، زي دمشق تقول هنا القاهرة ودي كانت نقطة بالغة الأهمية.

خالد محيي الدين: في هذه المرحلة كانت العلاقات المصرية السعودية كانت قوية، وأصل فيه الاتجاه السياسة المصرية الخارجية العربية، فيه اتجاه قوي جداً.. إذا اتفقت السعودية ومصر فالموقف يكون لصالح مصر، إذا.. اتفقت السعودية و..، فمصر كانت حريصة إن علاقتها بالسعودية تبقى قوية وإن السعودية تبقى في صفها في المعركة ضد بريطانيا وفرنسا دا يعني بيدي قوة للموقف المصري.

فشل العدوان وأثر ذلك على المجتمع الدولي

أسعد طه: المقاومة المصرية ومن ورائها التأييد العربي والإنذار الروسي بالتدخل والمعارضة الأميركية للعدوان وقرار الأمم المتحدة تلك هي أسباب الحسم في معركة السويس.

وتم الانسحاب الفرنسي البريطاني يوم الثاني والعشرين من ديسمبر/كانون الأول عام 1956م واستقرت قوة دولية على طول خط الهدنة من المتوسط إلى البحر الأحمر، أما الكيان الإسرائيلي فقد سحبت قواته من سيناء في الرابع عشر من مارس/آذار عام 1957م.

كانت التبعات مهينة بالنسبة للقوى الأوروبية، ولم تعد القناة صالحة للاستعمال بسبب السفن الغارقة فيها والتلوث الذي أصابها ودام ذلك شهوراً وأمسى تزويد أوروبا بالبترول أمراً في غاية الصعوبة، وقطعت الدول العربية المستقلة باستثناء لبنان علاقاتها مع فرنسا وأصبح لأميركا وللاتحاد السوفيتي دوراً جديداً في منطقة الشرق الأوسط بعد إقصاء الإمبراطوريتين وأدركت بريطانيا فيما بعد أنها ارتكبت هفوةً تاريخيةً لا تغتفر مما حدا بـ (أنتوني إيدين) رئيس وزراء بريطانيا إلى الاستقالة.

أنتوني فيرار هوكلي: الذي جرى ما كان يجب أن يحدث في السويس وبما أننا أردنا الضغط على عبد الناصر لكي يلتزم مجدداً بالاتفاق فإنه كان علينا أن نقوم بذلك بطرق دبلوماسية وبعملية مطولة عبر دول العالم لكسب الرأي العام العالمي لأن دولاً وشعوباً كثيرةً كانت تستعمل هذه القناة.

دينيس والتر: أظن لا محالة أن الإمبراطورية وحالها تلك كانت تتجه إلى الاضمحلال بشكل أو بآخر، أعتقد أن استقلال الهند سنة 1947م كان العامل الأكبر في ذلك، ولكن حرب السويس لا شك هي التي سرعت وعجلت بذلك.

محمد فائق: دا فتح أبواب كبيرة جداً لإفريقيا يعني إحنا كنا مثلاً عشان نتصل بنحاول نسعى للاتصال لحركات التحرير وبتاع، بعد 56 جميع.. كل من يفكر في حركة تحرر كان هو اللي بيجي بنفسه يعني الحقيقة لأن.. لأن.. الثورة المصرية فتحت آفاق كبيرة جداً من ناحيتين: الناحية الأولى حق الشعوب في امتلاك ثرواتها ودا كان موضوع بالنسبة لتأميم قناة السويس والنجاح اللي عملته كان أول مرة يحدث مثل هذا التأميم وينجح لأنه صحيح حصل قبل كدا في إيران.. (مصدق) ولكن لم ينجح، وكانت أمثولة لكل من يفكر في موضوع التأميم بالنسبة لتأميم قناة السويس ترسخ هذا الحق، حق الشعوب في امتلاك ثرواتها وبعد كده حتى في قرارات الأمم المتحدة وهي.. كان أصبح حق من حقوق الشعوب أنها تمتلك ثرواتها، ومن أجل ذلك أصبح البترول العربي للعرب يعني دا أيضاً من أحد الأسباب ونفس الشيء أيضاً في أفريقيا اللي هي تم.. تم.. يعني مواردها عندها موارد كثيرة من خامات مناجم النحاس والبترول أيضاً وكان.. كان أصبح من حق هذه الشعوب أن تمتلك ثرواتها.

أسعد طه: لم يكن الاختلاف حول مشروعية قرار عبد ا لناصر تأميم شركة قناة السويس ليطال مبدأ انتماء الشركة إلى مصر حتى في رأي أشد الدول معارضة للتأميم، كما أن نجاح مصر في إدارة عمل القناة رغم انسحاب المهندسين الغربيين أثبت للعالم أجمعه أنها قادرة على تحمل أعباء شركة قناة السويس.

لم تكن حرب السويس نهاية الصراع والتوتر في منطقة الشرق الأوسط، بل فاتحة عهد جديد في تشابك مصالح الدول الكبرى، بل وبؤرة جديدة من بؤر التوتر في العالم، السلام عليكم.