ضيف وقضية

تحديات نهاية المرحلة الانتقالية لاتفاق أوسلو

ما أبرز تحديات نهاية المرحلة الانتقالية لاتفاق أوسلو؟ ما مدى جدية الحديث عن إنشاء دولة فلسطينية, وكيف ستقوم؟ ما حقيقة حجم قضايا الفساد داخل أجهزة السلطة الفلسطينية؟ في لقاء مع الكاتب الفلسطيني عدلي صادق.
مقدم الحلقة محمد كريشان
ضيوف الحلقة – عدلي صادق، كاتب ومحلل سياسي فلسطيني
تاريخ الحلقة 04/05/1999

undefined
undefined

محمد كريشان:

السيد عدلي صادق، أهلاً وسهلاً.

عدلي صادق:

أهلاً بك.

محمد كريشان:

الآن وقد انتهت المرحلة الانتقالية كما حددتها اتفاقات أوسلو، وبغض النظر عن الجدل حول قيام الدولة أو عدم قيامها، أو إعلانها أو عدم إعلانها، كيف يمكن أن نبدأ هذه الجلسة بتقييم أولي لمرحلة الخمس سنوات الماضية كمرحلة انتقالية؟

عدلي صادق:

بالفعل تجربة السنوات الخمس تحتاج إلى وقفة معمقة وموضوعية لتقييم هذه التجربة وتقييم ممارسة السلطة، والتعرف على جوانب النقص ومكامن الضعف، وحتى مكامن السوء في هذه التجربة، لأننا -حقيقة- بصرف النظر عن المواعيد المتداولة في وسائل الإعلام، نحن بصدد لحظة انبعاث وطني فلسطيني، نحن مقُبلون على تكريس الدولة الفلسطينية في الواقع وليس عبر موجات الأثير باعتبار أن الدولة التي يتم التحدث عنها في الوقت الراهن، أو الإعلان عن الدولة هذا يحدث في التاريخ الفلسطيني للمرة الثالثة وليس للمرة الثانية.

هناك تركيز على إعلان الدولة في نوفمبر 1988م في الجزائر، ولكن في الواقع إذا كنا لا نريد أن نحرق ورقة واحدة أو قصاصة من التاريخ الفلسطيني نقول إن هناك إعلان أيضاً لاستقلال فلسطين وإعلان عن قيام دولة ديمقراطية ذات سيادة في الأول من أكتوبر 1948م نتيجة تداعيات أيضاً في تلك المرحلة، ولكن الأيدي العربية الرسمية في ذلك الوقت حققت هذه الدولة في بداياتها، شُكلت طبعاً حكومة (عموم فلسطين) في 23 سبتمبر 1948م، وكل هذه الأحداث كانت تأتي كردود فعل على أحداث تجري على الأرض، كان هناك إعلان قيام دولة إسرائيل.

وكنا هناك دورة الخريف للجمعية العامة للأمم المتحدة، وكان لابد من تمثيل فلسطين، وأعلنت حكومة عموم فلسطين في سبتمبر 1948م ثم تنادى الفلسطينيون إلى مؤتمر في غزة حضرته القيادة التاريخية الفلسطينية آنذاك والفعاليات الفلسطينية، وأعلن عن قيام دولة وعن استقلال فلسطين في 1948م، لكن هناك فيما بعد ونتيجة معارضة حادة من الجوار العربي كان هناك توافق عربي رسمي على وأد هذه الدولة إلى أن جاء انبعاث قيام وطن فلسطيني في عام 1964م بعد قيام منظمة التحرير الفلسطينية، كانت تلك هي المرة الأولى، وفي كل مرة في المرة الأولى وفي المرة الثانية في نوفمبر 1988م في الجزائر، كان هناك بالنسبة للفلسطينيين أو بالنسبة للقائمين على أمر القضية الفلسطينية كان هناك جرعات زائدة من تهنئة النفس ومن التعايش مع حالة فرح ليس لها أساس في الواقع.

محمد كريشان:

وهذا يتكرر حتى بالنسبة لهذه المرة لأنه يفترض في المرحلة الانتقالية أنها عالجت العديد من الملفات ولم يبق في الحقيقة إلا ملفات أُجِّلت عن قصد، منذ البداية للمرحلة النهائية: القدس، المستوطنات، الحدود، السيادة، غير ذلك من المسائل التي اعتُبِرت حساسة أكثر من اللازم. الآن وقد انتهت المرحلة الانتقالية، وحتى القضايا الانتقالية لم تُحسَم، إذن كيف يمكن أن نواجه هذه المرحلة برأيك؟

عدلي صادق:

نحن في هذه المرحلة سواء تم الإعلان عن قيام الدولة أو بسط يد الدولة يرى تبديل المصطلحات، كان صعباً أن يقال إنه ستعلن الدولة، فقيل سيعلن قيام الدولة أو سنعلن بسط سيادة الدولة على الأرض الفلسطينية، في كل الأحوال وفي كل التوصيفات هناك معوقات موضوعية لقيام هذه الدولة، معوقات موضوعية ومعوقات ذاتية لقيام هذه الدولة، لكي لا تتحول إلى حالة شبيهه بالحالات التي مضت.

نحن لدينا الفرصة، نحن أقمنا سلطة وطنية على الجزء الذي انحسر عنه الاحتلال على الأرض الفلسطينية، بدأت هذه السلطة، ونحن هنا نعود إلى سؤالكم حول تقييم هذه التجربة، أنه بدأت هذه السلطة كسلطة أمر واقع، كسلطة مجردة، كسلطة جاءت بفعل عوامل خارجية موضوعية طغت، وتم تكريس اتفاقيات أوسلو بكل مظالمها.

محمد كريشان:

لكن أيضاً جاءت نتيجة انتخابات حرة -وإلى حد كبير- ديموقراطية جرت في…

عدلي صادق [مقاطعاً]:

هذا فيما بعد منذ بدء قيام السلطة بدأت السلطة كسلطة للأمر الواقع، وكسلطة مجردة، وكسلطة ينبغي أن تتطور وتتحول إلى سلطة قانونية ذات حيثيات دستورية وذات حيثيات تشكل نُويَّات أو أساس لبناء الدولة. كان هناك فيما بعد الانتخابات التشريعية الفلسطينية في سياق بناء المؤسسات الدستورية لهذه السلطة، ومن ثم بعد ذلك لهذه الدولة. تجربة هذه السلطة خلال السنوات الخمس كان يفترض أن تنتهي في أقل التقديرات إلى تحويل هذه السلطة إلى سلطة قانونية، وإلى أن تتحول هذه السلطة إلى كيان معنوي وإطار سياسي لهذا المجتمع…

محمد كريشان [مقاطعاً]:

عفواً، ماذا تقصد بسلطة قانونية؟

عدلي صادق:

السلطة القانونية هي التي يكون فيها كل الاعتبار لقوانين تعمل على ضبط الممارسة اليومية لهذه السلطة بحيث تصبح ممارسة وطنية حقاً، وممارسة قادرة على الأخذ بيد المجتمع إلى مرحلة الدولة، أقصد أيضاً بموضوع السلطة القانونية أن تتحول هذه السلطة شيئاً فشيئاً إلى دولة، أو كيان وإطار يحمل مقومات الدولة. هذه السلطة هي التي تكرس مبدأ الفصل بين السلطات والاختصاصات، هي التي تكرس سيادة القانون، هي التي تكرس الحريات، هي التي تهيئ المناخ الوطني للحوار وللتعددية السياسية، هي التي تهيئ المجتمع لأن يتوافق على الرضا بهذه السلطة ككيان معنوي وحَكَم بين الجميع.

محمد كريشان:

لكن .. عفواً سيد عدلي، لا نريد أن نبرر ممارسات خاطئة، ولكن ما تقوله الآن لم يتوفر حتى في دول عربية مستقلة منذ قرابة نصف قرن! يعني هل نحن نطالب السلطة الوطنية الفلسطينية بأشياء فوق طاقتها؟ بأشياء غير عملية غير واقعية في هذه المرحلة؟

عدلي صادق:

نحن مقبلون على دولة فتية ودولة من شروط قيامها أن تجمع وتكون عنصر الجمع لكل إرادة ولكل طموح ولكل جهد في المجتمع الفلسطيني، ونحن لم نُقيِّم أداء السلطة قياساً على قواعد صعبة أو مستحيلة، نحن نقول إن هذه السلطة خلال تجربتها كان ينبغي أن تتحول إلى سلطة قانونية مفصول فيها بين اختصاصات المؤسسات.

هناك فيه سيادة للقانون، هناك فيه تنقية وفيه حياة اقتصادية سليمة، أن تكون هذه السلطة تعمل باسم مصالح هذا المجتمع، وأن يكون هناك فهم واضح لدى هذا المجتمع أن السلطة شيء وهي شيء سيتحول إلى دولة، وأن الممسكين في السلطة -بزمام السلطة- هم عبارة عن أشخاص عرضيين وطارئين، وأنهم مؤتمنون على مصالح الناس من خلال هذه السلطة، وأن يكون هناك رقابة على أداء السلطة وممارسات هؤلاء القائمين على أمرها. هذا هو القصد من تحويل السلطة إلى سلطة قانونية.

نحن بالطبع عندما نكون بصدد لحظة انبعاث ولحظة تحول وتطوير لهذه السلطة، نكون في حاجة إلى جهد كل المجتمع وإلى تعاطف كل المجتمع، وبالتالي إلى وحدة الإدارة الفلسطينية. نحن الآن لا يتوفر لدينا هذه الشروط في الواقع، وللأسف الشديد أن تجربة السنوات الخمس لم تنجح خلالها السلطة في توثيق الأواصر مع ترابط كافة طبقات الناس والمجتمع نتيجة الأخطاء التي مورست بحق المجتمع، وبحق فكرة الاستقلال نفسها، وبحق القيم الوطنية التي لم تتحول في أداء القائمين على السلطة إلى بداهة معاشة، وإلى سلوك عفوي لا يحتاج إلى مَنْ ينتقد وإلى مَنْ يصوب وإلى مَنْ يحتج.

محمد كريشان:

ولكن -سيد عدلي- يعني كيف يمكن لسلطة تواجه يومياً عديد الظروف الصعبة من مفاوضات متعثرة مع إسرائيل من حصار اقتصادي، من ممارسات قمعية لسلطات الاحتلال على الأجزاء الواسعة من الضفة الغربية وغزة وهي الأجزاء الأساسية الكبرى التي مازالت تحت الاحتلال، من ممارسات المستوطنين، يعني هذه السلطة لديها من الملفات المفتوحة العدد الكبير، هل يمكن لها في ظل هذه الظروف أن -في نفس الوقت وبالتوازي مع هذا الوضع- أن تبني لبنة لدولة مؤسسات ودولة قانون؟ هل هذا ممكن يعني؟

عدلي صادق:

هذا هو شرط للحياة نفسها، ما تفضلت به ينطبق على جوابي عندما أكون بصدد محاكمة الخطاب السياسي نفسه، الخطاب الوطني العام، لكن عندما نكون بصدد محاكمة الأداء وتفصيلات الأداء الفلسطيني على الأرض، ما الذي يمنع مثلاً كل هذا الذي ذكرت؟ كيف يمكن أن يحول دون تكريس مثلاً القانون؟ أن يلجأ مواطن فلسطيني إلى القاضي الطبيعي -قاضية الطبيعي- لا إلى المسؤول ولا إلى الضابط ولا إلى المختار ولا إلى غير ذلك.

معني أن يكون هناك قاضي طبيعي، مثلما هو متعارف عليه في لغة القانون، القاضي الطبيعي الذي يتمثل في مجموعة عناصر منها محكمة تتحدد اختصاصاتها بقانون، ومنها أن تكون لهذه المحكمة الضمانات بأن تكون أحكامها نافذة، وأن تكون حيادية ومستقلة، وأن يكون المواطنون -كل المواطنين- أمامها سواء. ما الذي يمنع أن يكون هناك تكريس للقانون، وأن يلجأ القاضي .. الإنسان المواطن الفلسطيني إلى القاضي الطبيعي؟! ما الذي يمنع أن نؤسس لاقتصاد إنتاجي وليس اقتصاد قائم على الإغاثة و على..

محمد كريشان:

المساعدات.

عدلي صادق:

الدخول في دوامة الاستدانة وعلى المساعدات؟! اقتصاد إنتاجي وليس اقتصاداً ريعياً -كما هو قائم حالياً- يقوم على خبطات الربح والفارق بين سعرين، وشبكة محتكرين للسلع الواسعة التداول و.. لماذا لا يتم مثلاً إطلاق .. ونحن لدينا مشاريع مثلاً على المستوى الاقتصادي، يعني لدينا مشاريع مثلاً في الخطة الشاملة العامة للسلطة إنه يكون عندنا 8 .. لدينا 8 مناطق صناعية، بدءوا باثنين: منطقة صناعية في غزة ومنطقة عند جنين، ومنطقة غزة نُفِّذ حوالي 20% من هذا، ولكن تتعطل عملية تحريك عجلة الإنتاج وعملية قيام اقتصاد طبيعي، تتعطل عملية تطهير الممارسات التجارية، تتعطل عملية…

محمد كريشان [مقاطعاً]:

عفواً هنا تشير خاصة إلى قضايا الفساد المالي في، ربما في…

عدلي صادق [مقاطعاً]:

الفساد هنا .. الفساد هو ظاهرة طبعاً كبيرة وموضوع يطول، في موضوع الفساد وهو حقيقة عدوى، وهي عدوى من كل المحيط خاصة دول العالم الثالث، أصبح جزء من حياتهم، ومن المشكلات الأساسية هو الفساد ولكن نحن نتأثر أكثر باعتبارنا لم ننجز استقلالنا بعد، نتأثر بموضوع الفساد كثيراً وظاهرة الفساد في أي مكان هي ظاهرة مغلقة على أوهام وعلى ضلالات وعلى أن يستأنس المفسدون في أنفسهم القدرة على حتى التجرؤ على الناس حيثما ينبغي أن يصمتون، وطبعاً هذه الظاهرة إن كانت في مجتمع فقير..

نحن في المجتمع الفلسطيني مجتمع فقير في الداخل، ومجتمع مأزوم في الخارج. لدينا حوالي 30 ألف شاب وفتاة يدخلون إلى سوق العمل سنوياً، هذا في الداخل فقط، وقد يكون مثلهم في الخارج يهيمون على وجوههم بحثاً عن الدراسة وعن فرص العمل وعن شؤون الإقامة وغيرها. طالما أننا بصدد أزمة كهذه .. بصدد أزمة، لابد من أن -على مستوى الإدارة- أن نؤسس مؤسسات تدير أزمة، لا مؤسسات باذخة لا تكترث بأوضاع المجتمع وطبقاته الشعبية.

يعني هذا شيء ضروري ومهم وليس له علاقة بموضوع بانشغال السلطة بملفات كبرى وملفات صغرى، وما تفضلت به حول الملفات كان مشكلتنا في الثورة قبل الدولة وقبل السلطة خلال 30 عام من عمر الثورة، كنا في كل مرة نريد أن نتوقف أمام ظواهر فساد خانقة تسببت لنا في إحراجات وخلافات وحروب، ولفظتنا ساحات وشهر بنا بسبب دائماً نحن .. الكثرة تتضرر وتتأذى بجريرة القلة.

كنا عندما نحاول أو نطرح، فوراً تقال لك اللازمة التالية: "نحن .. القضية الفلسطينية تمر بعنف خطير والمستفيد الوحيد هو العدو". أولاً: المنعطف الخطير هو الذي يتوجب معه أن نقف لنراجع صفوفنا هل نستطيع أن نجتاز المنعطف أم لا؟ هل نستطيع أن نعبر هذه المرحلة الصعبة أم لا؟ المنعطف الخطير هو الذي يبرر أن تتوقف وأن نناقش أوضاعنا الداخلية، ويقال لك: إن المستفيد الوحيد هو العدو، عمره ما كان مستفيد العدو من المكاشفة والشفافية وتصحيح الأوضاع وتطهير الصفوف.

محمد كريشان:

خاصة إذا كان هو نفسه يعتمد إلى حد كبير مثل هذه السياسة داخلياً يعني.

عدلي صادق:

نعم هو أصلاً -وكل الناس- مَنْ من رؤساء ومن مسؤولي العالم والعالم من حولنا والدول العربية مَنْ لا يتحدث عن المشاكل الداخلية في بلده وكذا؟ نحن لسنا في فرقة للكشافة، الاتحاد والنظام والعمل في المخيم الكشفي، نحن في مجتمع، في ثورة، في منظمة تبعاً للمراحل، يعني لذلك إحنا مطالبين الحقيقة بأن نتوقف طويلاً وعسيراً أمام ظواهر باتت الحقيقة مؤرقة جداً. يعني أنا كنت في غزة منذ ثلاثة أشهر للمرة الأولى.

محمد كريشان:

بعد ثلاثين عاماً.

عدلي صادق:

بعد ثلاثين عاماً، وحزنت فعلاً عندما سمعت أحد القضاة المخضرمين يقول: إننا نصدر أحكاماً بالحبس فلا يحبس المتهم، ونصدر أحكام بالإفراج فلا يفرج عن المتهم، وكنا وجدنا المناخ مهيأ لنعرات، وصار .. للمرة الأولى أصبح الشارع الذي كان ساحة الشعار العام الفلسطيني الوطني العام، أصبح ساحة لإظهار الغضب أو السرور تعبيراً عن مشاعر شريحة أو قرية أو عشيرة أو فئة أو كذا، وأصبح الناس يمرون بحالة عدم اكتراث إزاء التطورات الوطنية بسبب ممارسات قلة من الناس، مع أن الوطنيين والمناضلين والشرفاء أكثر بكثير -بما لا يقاس- من القلة المفسدة.

محمد كريشان:

أين دورهم إذن؟ هل انكفؤوا؟ هل صمتوا يعني برأيك؟

عدلي صادق:

المشكلة أنه لم يكن هناك نسق لتفعيل .. لأنه ليس هناك عمل سياسي، فهناك حديث في السياسة وليس هناك ممارسة سياسية، هذه الممارسة السياسة التي كفلتها بعض الدول الاستعمارية لأبناء مستعمراتها أصلاً التمرن على السياسة وعلى ممارسة العمل السياسي في حواشي وفي .. على جنبات السلطة المستعمرة نفسها.

فالممارسة السياسية .. نحن حقيقية فيه عوامل موضوعية أنه أصبح فيه هناك استقطاب في الشارع ما بين تيار واقعي ويريد أن يتعامل مع عملية التسوية، وتيار يرفض هذه العملية وتداعياتها ويريد أن يواصل ويستأنف الكفاح، وهذا التيار الأخير -حقيقية- أسهم من حيث لا يدري في تعطيل آليات العمل السياسي وقيام العمل السياسي أو قيام طبقة سياسية تحاول أن تقود المجتمع باتجاه أفضل مما هو عملية الآن، أو إلى مواقع وخطوات أفضل مما هي الآن.

محمد كريشان:

يعني وظفوا أحياناً كذريعة.

عدلي صادق:

نعم.

محمد كريشان:

يعني هل هذا يعود -في جزء كبير منه- إلى أن عيوب منظمة التحرير لسنوات هذه العيوب سواء التي ظهرت في لبنان أو التي ظهرت في الأردن أو التي ظهرت في تونس انتقلت كأداة سياسية هنا -أتحدث- إلى مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية يعني -إن صح التعبير- دخلت السلطة ومعها مرض أصلاً متأتي من ممارسة سابقة لمنظمة التحرير.

وهنا أريد أن يجرني هذا إلى سؤال آخر، يعني في فترة من الفترات يعني كانت هناك قيادات فلسطينية كبيرة وبارزة، جزء كبير منها استشهد، يعني أنا من خلال زيارتين على الأقل لمناطق السلطة الوطنية الفلسطينية لاحظت أن النواة التي تُسوَّق الآن على أنها تقريباً هي القيادة يعني تكاد تكون من النكرات في السنوات القليلة الماضية،وبعضها يعني لم يعرف اسمه إطلاقاً، أو كان يعرف وكأنه أحد مرافقي الرئيس ياسر عرفات أصبح الآن وكأنه معناها من القيادات التي لها وجاهتها ولها بلاطها، يعني هل هناك أزمة قيادة في السلطة الفلسطينية؟ أزمة قيادات وليس حتى قيادة؟

عدلي صادق:

أنا بالنسبة لي من منظوري -كأحد أبناء فتح- أعتبر أن قيام وتأسيس حياة سياسية متطورة وفاعلة يبدأ بإعادة الاعتبار وإعادة إنتاج الريادة التي تبوأتها حركة فتح في العمل الوطني الفلسطيني. حركة فتح الآن مطالبة -حقيقة- بأن تؤسسه للحياة السياسية، وأن تبدأ بالفرز لكي لا نجبر نحن .. يأتي بعد ذلك مراسل صحفي من الدرجة الخامسة مثلاً أن يتحدث عن شخصٍ ثان وعن شخصٍ ثالث وعن شخصٍ رابع.

نحن نريد أن نحسم خياراتنا بأنفسنا قياساً على اعتبارات لها علاقة بالسلوك، ولها علاقة بالسيرة الذاتية لكل مناضل، ولها علاقة بالقدرة ولها علاقة بالكفاءة. المشكلة كانت أصلاً خلال خمس سنوات في السلطة غلبت غريزة السلطة، شهوة السلطة نفسها على غريزة الكفاءة والاقتدار، والدمج بين شخص السلطة نفسه كشخص اعتباري وهو السلطة التي ليس لها علاقة بالبشر أصلاً هي حَكَم بين الناس، وهي تقود وهي إطارهم السياسي وبين الممارسين للسلطة.

نحن في حركة فتح لدينا الإمكانية باعتبارنا حركة منتشرة وتنظيم منتشر أن نستخلص كل جوانب أو عناصر القوة في هذا المجتمع، وأن نؤهلها لخدمة الهدف الوطني الذي ينتهي بتحقيق الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس.

محمد كريشان:

ولكن هل فتح قادرة على لعب هذا الدور أو هل يسمح لها بأن تلعب هذا الدور لأن في هذه الحالة قد تصبح نوعاً من سلطة معارضة أو حزب معارض، بينما هو مطلوب منها أصلاً في هذه المرحلة أن تكون حزب السلطة؟

علي صادق:

ليس من أحد يستطيع وقف سلطة حركة فتح، ولا ليس لأحد مصلحة في ذلك، ولن يعارض .. ما هي فتح إن لم تكن هي مشروع يتوخى المصلحة العامة للجميع؟! وأصلاً فتح هي التي يمكن أن تؤسس لحياة سياسية ويشارك فيها كل القوى السياسية، وفتح هي التي .. هي أخطأت عندما في الانتخابات التشريعية السابقة هي دخلت الانتخابات التشريعية السابقة دخل أعضاؤها تلك الانتخابات مستندين إلى الإرث الماضي أو إلى الوراء، وليس إلى برامج للإدارة، إدارة المجتمع في المستقبل.

لذلك عندما نجحوا في الانتخابات -مع من نجح في الانتخابات التشريعية في الضفة وغزة- لم يكن هناك برنامج، لذلك أصبح -فعلاً- على الذين وصلوا إلى السلطة من حركة فتح أن يجتهدوا وأن -ربما- ينساقوا مع تيار مناخ عام في داخل .. في كواليس السلطة، ولكن عندما تأتي فتح وهناك حقيقة وبهذه المناسبة الأخ أبو ماهر محمد غنيم مفوض التعبئة بفتح، وهو رجل يعني..

محمد كريشان:

مازال مقيماً في تونس.

عدلي صادق:

مازال مقيماً في تونس، وهو رجل من المشهود لهم بطهارة اليد وطهارة السلوك ورجل قائد في حركة فتح، يعني ممكن أن يلعب دوراً في إعادة الحيوية لهذه الحركة لكي تمارس عملها وتقود هذا المجتمع باتجاه أهدافه التي توافقنا عليها منذ انطلاقة الثورة في 1965م.

طبعاً عندما نتحدث عن الفساد، نحن هناك لا نمارس نميمة ولا ترف اتهام الآخرين ولا شيء، نحن نرى أن هناك مضمون سياسي خطير في موضوع الفساد، أنا أخشى أن يصل الفساد إلى تبغيض بعض الناس -وخاصة من السذج- بفكرة الاستقلال الوطني نفسه، خاصة وأن هناك قوة متحفزة إلى امتصاص الخصوصية الفلسطينية وتذويبها، قوة تعمل على الأرض.

محمد كريشان:

قد تجير في النهاية الأمور لمصلحة طرف معين.

عدلي صادق:

ثم أن الفساد في مجتمع فقير يعطي انعكاسات خطيرة جداً، وفي حالة ظرف كهذا .. ظرف خطير، ظرف حساس وظرف وطني حساس، ممكن إن الأطراف الأخرى، خصومنا، الدولة العبرية تخترقنا من خلال المقارنة بين مثال ومثال وبين منظومة إدارية ومنظومة إدارية، وشاهد وشاهد. ثم أن وضعية الفساد تخصم من ثروة المجتمع، تحتجز التطور، تعطل النمو، تعطل عملية قيام منظومة اقتصادية إنتاجية يستفيد منها الناس، حتى وضعية الفساد وصلت إلى مشروعات الدول المانحة التي تحاول أن تخفف الفقر.

كما تعلمون عندنا فقر بنسبة تحت خط الفقر 36% في قطاع غزة، وحوالي 13% في الضفة، أحياناً في بعض المؤسسات أعلنت أنه لكي يتم توصيل دولار واحد للطبقات الفقيرة يصرف عليه دولارين في الإدارة، في إدارة المؤسسة يعني.

محمد كريشان:

يدفع ثلاثة لكي يتمتع المواطن بواحد في النهاية.

عدلي صادق:

نعم، ثم إن الفساد -بكافة أوجه الفساد- الفساد حسب يتصل باختصاص المفسد، طبيعة اختصاص المفسد تفرض طبيعة فساده أيضاً، وتعرف كما يقال رأسمال استثماري، كيف يمكن أن يأتي الفلسطيني ليتكيف مع مخاطر الاستثمار في الوقت الذي لا يكون هناك تكريس لهذا القانون، ولا تكون .. حتى القروض الآن قروض يقال في نشرات البنوك وفي هذا، أن منطقة وسط الضفة لأنها منطقة آمنة وغير مسيطر عليها تماماً من جانبنا!

هناك القروض تتم أسهل لأنه لضمانات السداد وكفالة القانون والأوضاع القانونية على الأرض للسداد، في مناطق شمال وجنوب الضفة وقطاع غزة يتم الإقراض على أرضية الامتيازات الشخصية أو المعرفة أو كذا، وعلى رأي يعني خلافاً للقاعدة حتى القرآنية، القرآن الكريم (لكي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم) يعني هناك تعطيل حتى لعمليات استثماره للبنوك بسبب وضعية غير صحيحة.

محمد كريشان:

لكن يعني -سيد عدلي- يعني أنت كاتب فلسطيني ودبلوماسي -أيضاً- فلسطيني يعني بنسبة أو بأخرى -شئت أم أبيت- تعتبر جزء من المشهد السياسي الفلسطيني هذا المنطق الجريء في نقد الذات وفي الرغبة في الإصلاح، ما هي نسبته في السلطة الوطنية؟ يعني هل .. هل يمكن لهذا التيار داخل السلطة أن يصحح الأخطاء، ويهمش هؤلاء الذي قد يسعون لضرب المشروع الوطني الفلسطيني في مرحلة بناء المؤسسات وبناء الدولة؟

عدلي صادق:

أنا متأكد تماماً .. أولاً: أسجل لصالح السلطة أنها حقيقة يعني بصرف النظر عما يقال من مواقع أخرى، لأنه هنا نحن نتحدث من مواقع الآخرين، نتحدث من نفس موقعنا، أنها من حيث النقد هناك هامش واسع من النقد، بل أن هناك رأيت وقرأت صحفاً تصدر في غزة وفي الضفة تقدم نقداً مريراً وليس فقط النقد، تعطي رأيها في طبيعة المرحلة ككل وبمنهج مغاير، وتنشر هذه الصحف وتوزع هذا التيار هو التيار الأعظم في داخل المجتمع، حتى في داخل القوى الحية والقوى السياسية.

التيار هو هذا التيار هو الأعظم، وأنا متأكد بأن نجم المفسدين آفل، لابد أن يأفل، وأنا متأكد أن خيارنا الوحيد هو التقدم نحو أهدافنا بخلق وطني وخلق شخصي نبيل لكل مناضل في الحياة السياسية والنضالية، ومتأكد تماماً أنه ستنصر وجهة النظر الأشرف، والأكثر حرصاً على مصالح الناس، والأكثر التصاقاً بهم. نتحدث هنا عن .. هنا بمفردات، عن تفصيلات، نحن نطالب ونتحدث عن وضع اقتصادي صعب وخانق، ولدينا القدرة إحنا في بداية السلطة تكلموا عن غزة سنغافورة وكذا، إحنا مش ممكن نكون سنغافورة ولا .. ولكن لدينا مهارات وقدرة على الصناعة، الصناعات الصغيرة والصناعات المتوسطة، ولدينا أسواق ينبغي أن تفتح وأصدقاء أكثر من أصدقاء الدولة العبرية في العالم، بل أن الدولة العبرية بالنسبة لنا معزولة، ونستطيع أن نمد جسورنا إلى..

وفي هذه المناسبة لابد من إصلاح أيضاً جهازنا الدبلوماسي نفسه، نستطيع أن نوفر مناخ الاستثمار في داخل الأراضي الفلسطينية، نستطيع أن نخفف من حدة الفقر ونستطيع أن ننعش فكرة الوطن المستقل أكثر مما هي عليه الآن، لأنه صعب حقيقة أن يترك يعني حتى في القانون لابد أن يكون هناك من يحاسب (مونتسكيو) هذا الذي تحدث عن .. و(جان لوك) وكل الذين تكلموا عن الفصل بين السلطات، أحدهم مونتسكيو، قال: إن التجربة الأبدية تعلمنا أنه ما من أحد يملك سلطة إلا ويميل إلى إساءة استخدامها ما لم يجد حدوداً، حدوداً يتوقف عندها. ما هي هذه الحدود؟ هي القانون، سلطة القانون، لذلك يقال أن السلطة هي التي توقف السلطة، هذا من ناحية.

من ناحية ثانية لا يمكن أن نطلق الأمور للنوايا وأن نقول ببساطة إن الأعمال بالنيات! (إنما الأعمال بالنيات) يعني المتنبي المبدع الشاعر في القرن العاشر كان يسمع ويقرأ ويعرف أن هناك (إنما الأعمال بالنيات) صحيح، ولكنه عرَّكته الدروب وكذا أرسل قولاً مقلوباً في هذا الشأن وقال: "إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه" يعني قلب هذا. لذلك القانون نفسه بيحب الأخلاق، ولكنه لا يربط بينه وبين الأخلاق.

لذلك نحن ينبغي أن نكرس سلطة القانون لكي ننحاز إلى مجتمعنا، إلى أهدافنا، ليس من أجل أن يُثرِي هذا أو ذاك من الطفيليين والطارئين والذين لا يعرف أحد من أين جاءوا لكي نقوم بتخريب بيوتنا بأيدينا، ولكي نقوم بتخريب بيوتنا بأيدينا ولكي نصمت لكي لا يقال إننا تحدثنا عن السلطة، ويكون الذي أفلت قد أفلت والذي باع قد باع والذي اشترى قد اشترى.

كمان أيضاً على الموضوع السياسي لابد من تأسيس حياة سياسية، طبقة سياسية، تيارات سياسية تمارس السياسة، ولا نتحدث في السياسة فقط، لأننا لنا ألف قول على طريقة المفاوضات نفسها، توسيع دائرة المشاركة في المفاوضات ووصلها بالإطار السياسي للمجتمع، يكفينا يعني مر الكثير من السنوات وبعض الأمور والقضايا مع هذه الدولة أو ذاك تؤخذ بطريقة المتعهدين، متعهد يأخذ هذا الموضع ويخلصه يعني، وواحد متعهد لأوسلو وواحد متعهد لكذا. نحن نريد إطار سياسي في داخل المجتمع، إطار للحياة السياسية، طريقة للعمل السياسي تقودها حركة فتح لكي نستطيع أن نحسم خياراتنا بما يتوافق مع المصلحة العليا لشعبنا.

محمد كريشان:

يعني إمكانية التدارك ممكنة خاصة مع أجواء بداية المرحلة النهائية، أشرت منذ قليل إلى العمل الدبلوماسي الفلسطيني، الدائرة السياسية لمنظمة التحرير -وهي تقوم مقام وزارة الخارجية ظلت في الخارج- ظلت في تونس، وربما الآن الأطراف والشخصيات الفلسطينية التي احتفظت بمواقعها في الخارج ربما الآن دورها أن تلعب دور أكثر فاعلية في المرحلة المقبلة. كيف ترى المشهد السياسي بالنسبة للمستقبل مع بدايات المرحلة النهائية، ومع ربما الاستنجاد بالأطراف التي ظلت في الخارج ومنها الدائرة السياسية؟

عدلي صادق:

رغم أنه يعني أنا شخصياً أشعر في داخل نفسي بالاستغراب من نغمة هذه الأسئلة لماذا؟ لأن نغمة هذه الأسئلة وكأننا قطعنا شوطاً طويلاً ولم يتبقَ إلا القليل مع أننا لم نقطع شيئاً، وربما قطعنا القليل جداً وتبقى لدينا مشوار نضالي طويل. ليس أيضاً آخر مَنْ يؤثم أو يلام في هذه القضية الأخوة الإعلاميين، ولكن أيضاً في السلطة نفسها هناك من يتصرف وكأننا قد وصلنا إلى خاتمة المطاف، إلى لحظة القطاف والحصاد، مع أننا في الواقع أمامنا مصاعب ودرب طويل جداً حتى نبلغ هدف الدولة المستقلة في الضفة وغزة وعاصمتها القدس، بلا مستوطنات، بالقدس عاصمة لدولة فلسطين، وهذه أمنية متواضعة عاودتنا في العشرين سنة الأخيرة، أمنية متواضعة، أن نبلغ هذه الأمنية المتواضعة أمامنا درب طويل.

ما تزال إسرائيل تسيطر على .. سيطرة كاملة على أكثر من 50% من مساحة الضفة، مازلنا الاستيطان يزحف، مازالت العقلية الإسرائيلية متعنتة، مازال ليس هناك توافق عربي على صياغة العلاقة مع الولايات المتحدة الداعمة الأساسية لإسرائيل، مازلنا.

بالتالي نحن مطلوب منا الكثير، مطلوب منا إصلاح ديمقراطي في إن كانت ظلت المنظمة من المنظمة إذا أعلنت الدولة لن تكون هناك منظمة في اليوم التالي لإعلان الدولة تتحول بقايا أجهزة المنظمة التي ظلت في الخارج -حُكماً منطقياً بالتصريح- تتحول إلى أجهزة من أجهزة الدولة، إصلاح ديمقراطي لوضع الدولة، حوار وطني مسؤول وجاد ومعمق لتجميع القوى الفلسطينية كلها وبالحوار، وحتى القوى الإسلامية بالحوار أنه تعالوا نتفحص أمورنا، هل يجوز نفعل كذا من هذه النقطة أو لا نفعل كذا من هذه النقطة؟

إصلاح، تفكيك كل بلوكات الاقتصاد الريعي وتطهير الممارسات التجارية، تحسين أداء شبكة المصارف والبنوك، وتخفيف الفقر وتحريك عجلة الإنتاج، ربط المنتج بالأسواق ربط الكذا .. كل هذا لا يمنع أن نفعله مع ما يفعله المختصون بالشأن السياسي العام وبالقضية، الذين يتفاوضون والذين يذهبون إلى هنا وهناك من أجل الموضوع العام في ذروة تعبيراته.

هذا لا يتنافى أبداً أن تنخرط كل القوى الحية في التجربة وعلى رأسها حركة فتح، لكن لابد أن يعاد الاعتبار لدورها وأن تعود إلى الريادة أو إلى حتى التواجد الفاعل وإلى السباق النزيه في المجتمع بينها وبين القوى الأخرى.

محمد كريشان:

شكراً لضيفنا عدلي صادق الكاتب والدبلوماسي الفلسطيني، والذي تحدثنا معه عن قضية الواقع الفلسطيني الآن في تاريخ الرابع من مايو مع انتهاء المرحلة الانتقالية واستشراف بقية المراحل في المشوار السياسي الفلسطيني، شكراً جزيلاً.

عدلي صادق:

شكراً يا أخ محمد.