ضيف وقضية

الحرية الدينية في تونس

ما حقيقة الاتهامات التي توجه إلى تونس بانتهاكات حقوق الإنسان؟ وما مفهوم الاضطهاد الديني؟ هل من ضمن صلاحيات اللجنة الخاصة بحقوق الإنسان التدخل في الخلافات الطائفية في الدول؟ هل يمكن أن تصل حرية التعبير إلى حد القدح في معتقدات الآخرين؟.
مقدم الحلقة محمد كريشان
ضيوف الحلقة – عبد الفتاح عمر، أستاذ القانون الدستوري بالجامعة التونسية، ومقرر لجنة الحرية الدينية بالأمم المتحدة
تاريخ الحلقة 22/06/1999

undefined
undefined

محمد كريشان: دكتور عبد الفتاح عمر، أهلاً وسهلاً.

د. عبد الفتاح عمر: أهلاً وسهلاً.

محمد كريشان: دكتور، منذ عام 1993م تشغلون خطة مقرر بلجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة وتمسكون -تحديداً- بملف الحرية الدينية، أولاً: ما معنى خطة مقرر؟ وفي أي إطار تعملون داخل اللجنة الخاصة بحقوق الإنسان؟

د. عبد الفتاح عمر: بإيجاز، يمكن القول إن هنالك أجهزة على مستوى الأمم المتحدة تسهر على حماية حقوق الإنسان، ومن أهم هذه الأجهزة اللجنة الأممية، لجنة حقوق الإنسان، وهي لجنة تتألف من 53 دولة منتخبة، ولكن حينما تلتئم فهي تلتئم بأعضائها الـ 53، وبحضور كل الدول الأخرى بصفتها (بصفة ملاحظ) بحيث بإمكانها أن تتدخل متى تشاء، وتؤثر في النقاش، وبحضور –كذلك- عدد هام جداً من المنظمات غير الحكومية، ويتم ذلك سنوياً طيلة 6 أسابيع، عادة شهر مارس أو مارس..أبريل، بالنسبة للدورة المقبلة ستنطلق يوم 22 مارس المقبل.

كيف تعمل هذه اللجنة؟ هذه اللجنة تعمل بمساعدة أو بواسطة ما يسمى بالخبراء، وخاصة بالمقررين الخاصين، أي أن اللجنة تعين بالنسبة لعدد من المواضيع أو لعدد من الدول التي بها بعض ما استطرح بشأنها بعض المسائل، تعين مقررين، لذلك، أنت تجد بخصوص المواضيع مقرر خاص بمسألة التعذيب، مقرر خاص بالحرية الدينية، وهي الخطة التي أشغلها منذ 93، مقرر خاصة بالمسائل المتصلة بالقضاء، وإلى جانب ذلك هنالك مقررين يختصون بالنظر في مسائل حقوق الإنسان في دولة معينة مثلاً، مقرر خاص بالسودان، أو مقرر خاص بإيران، أو كذلك مقرر خاص بـ (رواندا) إذا نلاحظ أن هناك نوعين من المقررين:

مقررين حسب المواضيع، ومقررين حسب الدول، عدد هؤلاء المقررين ليس عدد هام جداً، وكل مقرر إذا كان الأمر يتعلق -مثلاً- بموضوع كما هو شائع بالنسبة للحرية الدينية يسهر على هذا الموضوع، على ممارسة الحرية الدينية في كل دول العالم عملياً..

محمد كريشان: يعني يتابع هذا الملف بشكل واضح بكل تفاصيله -يعني- في البداية ما معنى حرية دينية حتى نفهم ما الذي يقوم به المقرر في هذا المجال؟

د. عبد الفتاح عمر: الحرية الدينية حتى نُبسط الأمور -تعني- أنه لكل إنسان الحق في أن يعتنق ما يشاء من الديانات أو المعتقدات، وله الحق -كذلك- في أن يغير هذا الدين أو هذا المعتقد إن شاء، دون أن يتعرض إلى مشاكل أو إلى اضطهاد.

محمد كريشان: من الذي حدد هذا المفهوم للحرية الدينية؟

د. عبد الفتاح عمر: الحرية الدينية عندها جذور تاريخية في الديانات، ولها جذور قانونية في القوانين الداخلية، وفي القانون الدولي.

في القانون الدولي يمكن أن نشير إلى 3 محطات أساسية، المحطة الأولى: هي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي صدر 48 ويتضمن مادة..المادة 18 التي تنص على الحرية الدينية وعلى حرية ممارسة الشعائر الدينية، والتي تشير -صراحةً- أنه بإمكان كل إنسان أن يعتنق ما يشاء من الديانات أو المعتقدات، أو أن يغير دينه أو معتقده، هذه المحطة الأولى.

المحطة الثانية: وهي محطة تقوم على -معاهدة دولية- العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، اللي صدر سنة 66 في 16 ديسمبر 66، وهذا كذلك يتضمن نفس المادة، المادة 18 بحيث تحولنا من الإعلان إلى المعاهدة التي تلزم الدول.

ثم بالإضافة إلى كل ذلك سنة 1981م صدر عن الأمم المتحدة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بيان، هو البيان بشأن مقاومة كل أشكال التعصب، أو التمييز التي تقوم على الدين أو المعتقد، ولتنفيذ هذا..مقتضيات هذا البيان، وكذلك للسهر على احترام المادة 18 من العهد الدولي، المادة 18 من إعلان العالمي لحقوق الإنسان، كُلف مقرر خاص بالنظر في المسائل الدينية، وخاصة في التشاريع المتعلقة بالدين، في السياسات المتعلقة بالدين، في المشاكل التي تُطرح من جراء الممارسة الدينية، ينظر في هذه المسائل بالنسبة لكل الدول.

محمد كريشان: عفواً، هل ينظر فيها بتكليف خاص..بلفت نظر معين من قبل بعض الدول تجاه دول أخرى أم بمبادرة خاصة به؟

د. عبد الفتاح عمر: أي سيادتك تطرح مسألة إجراءات وطريقة العمل عملياً؟

محمد كريشان: نعم.

د. عبد الفتاح عمر: كل دولة لها ملف في المكاتب التابعة للمقرر الخاص، وهذا الملف إن شئتم يغذى بمعلومات، من أين تأتي المعلومات؟ المعلومات تأتي من الأفراد الذين يدعون أنهم ضحية لانتهاك حقهم في الحرية المدنية، المعلومات تأتي –كذلك- من المنظمات غير الحكومية، ودورها في ذلك المجال هام جداً، المعلومات تأتي –كذلك- من الدول ذاتها سواء كانت معلومات إيجابية أو سلبية، ثم المعلومات تأتي كذلك من البحوث التي يقوم بها مساعدو المقرر الخاص، بحيث كلما اجتمعت معلومات لها حد أدنى من المصداقية، وتصدر عن أكثر من مصدر، إلا ويتناولها المقرر الخاص بالنظر، ويراسل المقرر الخاص بشأنها الدول..الدولة المعينة أم الدول المعنية، ويطلب من الدول المعنية أن تجيبه في ظرف شهرين.

والدول تتعامل -بصورة عامة- بصورة إيجابية مع المقرر الخاص بالحرية الدينية، وانطلاقاً من هذه المعلومات.. انطلاقاً من المعلومات التي توفرها الدولة يحاول المقرر الخاص أن يتبين الأمر، فيقوم بتحاليل، وهذه التحاليل التي تتعلق -في غالب الأحيان- بما يقارب 70 دولة سنوياً، بأنه ليس في الإمكان أن ننظر في كل الحالات نظراً لحدود الإمكانيات المادية، هذه المعلومات تكون محل تحليل في إطار تقرير يقدم سنوياً للجنة حقوق الإنسان من جهة، والجمعية العامة للأمم المتحدة من جهة أخرى.

محمد كريشان: دكتور، أشرتم إلى حرية الدين والمعتقد -يعني- وضحتم المرجعية القانونية لمثل هذا الموضوع، ولكن هل من التوضيح لمفهوم الدين، عندما نتحدث عن الحرية الدينية؟ هل نقصد الأديان السماوية –المتعارف عليها- الكبرى؟ هل نقصد كل المعتقدات بما فيها المعتقدات التي قد تبدو غريبة بالنسبة للبعض؟

د. عبد الفتاح عمر: سؤال أساسي، لإنه إذا قلنا حرية دينية، أي الحرية التي تنطبق متى يكون هنالك دين، ولكن الإشكال، كل الإشكال يتمثل في تحديد دقيق قانوني عملي للدين، وفي هذا المجال النقاش هام ومتواصل..بدون شك الديانات هي ديانات سماوية، ولكن الحرية الدينية تتجاوز الديانات السماوية، وهي تتعلق بكل ما هو -حقيقة أو افتراضاً- دين.

أعطيك أمثلة، أمثلة، بدون شك هنالك ديانات غير سماوية، ولا تقوم على الكتاب في (آسيا) وفي غير (آسيا) هنالك -كذلك- طوائف دينية قديمة أو حديثة في الإسلام وفي غير الإسلام، وهنالك في الوقت الحاضر ومنذ عشريتين تقريباً ظاهرة هامة جداً، تتمثل في الظهور الهام لعدد هام من الطوائف التي تدعي أنها دينية، أو التي دينية فعلاً، هنالك ما يسمى بظاهرة الديانات الجديدة، وهذه الظاهرة قد تتصل بدين سماوي معين، وقد تكون في انفصال عنه تماماً..

محمد كريشان [مقاطعاً]: هذا لا يهمكم كمحتوى يعني؟

د. عبد الفتاح عمر [مستأنفاً]: لا يهمني كمحتوى، ولكن يهمني بشيء من جهة أخرى.

محمد كريشان: نعم.

د. عبد الفتاح عمر: وهذه الظواهر خاصة ما يخص ما نسميه بالطوائف (السليسكت).. السليسكت هذه طوائف بها الغث والثمين، هنالك مجموعات دينية لا لبس فيها، وهنالك مجموعات قد تكون فلسفية أكثر منها دينية، وهنالك مجموعات -كذلك- تستعمل الدين غطاء لمآرب أخرى، وربما عامة الناس يسمعون -من حين لآخر- إلى بعض الأخبار بخصوص بعض الطوائف التي تقوم ببعض العمليات كما كان الشأن مثلاً في الولايات المتحدة الأمريكية.. بخصوص ما يسمى (…)..

محمد كريشان] مقاطعاً[: الانتحار الجماعي؟!

د. عبد الفتاح عمر] مستأنفاً[: الانتحار الجماعي، كذلك الانتحار الجماعي بتاع (اللوتياس) في سويسرا، وفي كندا، وفي فرنسا، ولكن هنالك مجموعات أخرى مثل مجموعة (…) وهي مجموعة ظهرت منذ أواخر الستينات تدعي أنها مجموعة دينية، في حين أنه هنالك نقاشات بشأنها..

محمد كريشان [مقاطعاً]: في الولايات المتحدة؟

د. عبد الفتاح عمر] مستأنفاً[: في ألمانيا وغير ألمانيا، هنالك مجموعة (سمبولوجيا) الكنيسة (السمبولوجية) وهي كنيسة أظن ما يقارب ستة ملايين من الأفراد موزعين في العالم كله، وهذه المجموعة لا يعتبرها البعض مجموعة دينية، بل يعتبرها مجموعة تجارية، اقتصادية بالإضافة إلى..

محمد كريشان] مقاطعاً[: لوبي.. لوبي ربما؟

د. عبد الفتاح عمر] مستأنفاً[: لا مش لوبي.

محمد كريشان: شبكة؟!

د. عبد الفتاح عمر: اللي هي شبكة.. شبكة تقوم على فلسفة معينة، تعتبر نفسها ديناً، ويعتبرها العديد ديناً، والولايات المتحدة تعتبر (السمبولوجيا) دين، في حين في ألمانيا لا تعتبر ألمانيا أن السمبولوجيا هي دين، وبدن شك يمكن هذا يؤكد أنه بالإمكان أن نكون فعلاً أمام مشكلة متعلقة بالحرية الدينية، ويمكن أن تكون الحرية الدينية مجرد تعلة، وبدون شك إذا اقترن كل ذلك بعض الاضطهادات، فبدون شك تطرح عديد المشاكل، وليس من الهين شأنها، على كل أضيف أن..

محمد كريشان: نعم.

د. عبد الفتاح عمر: أنه بخصوص التعريف القانوني بالدين للدين، فقه القضاء في عديد الدول، في الولايات المتحدة الأمريكية، في ألمانيا، في فرنسا، في بعض الدول لم يتفق حول تعريف دقيق موحد وعملي للدين، هذه من جهة.

من جهة أخرى الإشكال هو أنه ليس لي كشخص، وليس لك، أن تقر بأن هذا دين، أو أن هذا غير دين، وليس -خاصة- للدولة أن تصف ظاهرة ما بأنها -فعلاً- دينية أو غير دينية، إذا لم يكن لذلك تبعات خاصة جبائية، لذلك لو قبلنا بأن الدولة هي التي تعرف الدين من سواها، فإن باب الاجتهاد قد يفتح، أو على الأقل باب الحد من الحرية الدينية قد يفتح.

محمد كريشان: نعم.. ولكن دكتور -يعني- أنت أستاذ في القانون الدستوري وتعلم أن -أحياناً- بعض دساتير الدول تنص على دين الدولة أو دين الشعب، أو هل يحق للجنة حقوق الإنسان أو للمقرر المتعلق بالحرية الدينية أن يتدخل في دولة مثلاً تعتبر أن الدولة الفلانية دينها الإسلام، أو دينها المسيحية، أو دينها البوذية، أو غير هذا؟

د. عبد الفتاح عمر: لكل دولة أن تحدد نظامها السياسي، الاقتصادي، الاجتماعي، الثقافي، ولا وصاية، ولا وصاية لدولة على أخرى، أو لمجموعة دولية في هذا المجال على الدول، وبإمكان الدول أن تقيم دين دولة أو دين الدولة، وهي حرة في ذلك، وهنالك عدد من الدول المسيحية (كاثوليكية) تعترف بالديانة المسيحية (الكاثوليكية) كدين للدولة، هنالك عديد من الدول في العالم الإسلامي تقيم الإسلام كدين دولة أو كدين للدولة.

محمد كر يشان: نعم.

د. عبد الفتاح عمر: ليس في ذلك إشكال ما دام الأمر لا يؤول إلى اضطهاد الديانات الأخرى، وطبيعي في بعض الحالات أن يكون القانون والدستور تعبيراً عن الأوضاع الخاصة بالمجتمع، فيعترف بمكانة معينة لدين، أو لدين الأغلبية، ولكن المهم هو ألا يسمح ذلك بالاعتداء على حقوق الآخرين، بعبارة أوضح دين دولة أو دين الدولة -في حد ذاته- لا يطرح إشكالاً من زاوية الحرية الدينية، ولا يكون الإشكال إلا إذا كان ذلك مصدر لاضطهاد الغير وخاصة الأقليات .

محمد كريشان: نعم..ولكن هل من تعريف واضح لمعنى الاضطهاد الديني؟

د. عبد الفتاح عمر: الاضطهاد الديني يمكن أن يتضح من خلال التشاريع، يمكن أن يتضح من خلال الممارسة، من خلال التشاريع، أن تقيم التشاريع تميزاً بين المواطنين أو بين الناس على أساس الدين، فتعتبر أن ذلك أفضل من هذا نظراً لكونه يعتنق ديانة دون ديانة أخرى، بدون شك هذا تمييز قائم على أساس الدين، لا يمكن أن يقبل على مستوى..مستوى القانون الدولي، كما أنه لا يمكن أن يُقبل حتى على المستوى الداخلي، ونعلم أنه هنالك عديد النصوص، بما فيها نصوص صدرت في العالم الإسلامي أقرت –منذ القرن التاسع عشر- بأنه ليس بالإمكان التمييز على أساس الدين، وأن المسلم يتساوى في الحقوق وغير المسلم، ما دام ينتسبون، أو ما دام ينتسبان إلى نفس الدولة، ذلك كان الشأن مثلاً في تونس، وعلى مستوى الإمبراطورية العثمانية كلها.

محمد كريشان: لكن بعض الدول -مثلاً- لنقل -على سبيل المثال- لبنان -مثلاً- هناك نوع من العرف أو من التوازنات الداخلية التي تجعل -مثلاً- رئيس الدولة مسيحي ماروني، رئيس الوزراء مسلم سني، رئيس مجلس النواب مسلم شيعي، في دولة مثل إسرائيل، الإسرائيلي العربي أو الفلسطيني الذي يحمل هويه إسرائيلية لا يعمل في الجندية -يعني- هل تتدخلون في مسائل هذه، حتى وإن كانت كما تبدو على الأقل ترتيب داخلي يهم تلك الدولة فقط؟

د. عبد الفتاح عمر: كما قلت يجب أن ننظر للأوضاع حالة بحالة.

محمد كريشان: نعم.

د. عبد الفتاح عمر: بالنسبة مثلاً الأوضاع في لبنان، ففي لبنان كان هنالك توافق بين المجموعات التي تعيش في لبنان، ورجع هذا التوافق إثر بيان الطائف، وهو نظام توازن لا يخل بحقوق الطرف لفائدة الآخر، أو ضد الآخر، وليس هنالك -في هذا المجال- مسائل أو مشاكل مبدئية تطرح، أن تطرح حالات -من حين لآخر- ذاتية، فذلك وارد، بالنسبة لإسرائيل، إسرائيل -في الوقت الحاضر- هي -تقريباً- الدولة الوحيدة مع بعض الدول الإسلامية كإيران، والمملكة العربية السعودية التي تقوم على المعطى الديني، وهي تذهب أكثر من ذلك ، إذا أنها تُعرف الجنسية، وتعرف اليهودي، وتعرف المواطن الإسرائيلي -أساساً- اعتباراً للمعطى الديني، وبدون شك هذا يؤثر على بقية المتساكنين سواء كانوا مواطنين لإسرائيل أو غير مواطنين لإسرائيل، وهذا يصبح شائكاً جداً حينما تتعهد بالمسائل الدينية أو ببعض جوانب من المسائل الدينية بعض المجموعات المتطرفة كما نجدها في إسرائيل وفي غير إسرائيل.

محمد كريشان: نعم.. أشرتم -منذ قليل- إلى أن للمقرر فريق عمل يعمل معه، ويعد التقارير، وربما يدقق في المعلومات وفي المعطيات التي تصل إليه سواء من منظمات غير حكومية أو من الدول، إلى جانب ذلك قمتم وتقومون بزيارات ميدانية للاطلاع على بعض الحالات -يعني- مثلاً من بين الدول التي زرتموها واستطعتم أن تجدوا حد أدنى من التجاوب مثلاً؟

د. عبد الفتاح عمر: في الواقع –كما قلت في بداية الأمر- المقرر الخاص يعمل على أساس ملفات، وله فريق يساعده في ذلك، ولكنه يعمل –كذلك- على أساس زيارات، من حق المقرر الخاص زيارة الدول التي يراها مناسبة، والجمعية العامة وكذلك لجنة حقوق الإنسان توصي الدول بأن تدعو المقرر الخاص، وتتم الدعوة إما بمبادرة من المقرر الخاص ذاته أم بمبادرة من الدولة المعنية، وفي إطار هذه الزيارات التي هي مفيدة جداً -كطريقة عمل- زرت عدد من الدول منها خاصة الصين، إيران، باكستان، السودان، ألمانيا، الولايات المتحدة، استراليا إلى غير ذلك، عدد من الدول.

والمهم هو أنه -بصورة عامة- هذه الزيارات سمحت بالاطلاع على الواقع كما هو، بالاتصال بكل الأطراف المعنية، سواء كانت سلطات رسمية في مستويات مختلفة، أو جمعيات أو منظمات غير حكومية تعنى بحقوق الإنسان، أو مجموعات دينية كنائس وغيرها، أو كذلك أفراد يتقدمون بشهادات، أو يتذمرون من بعض الحالات.

وبدون شك أحاول أن أتثبت من كل ذلك، وأن أنظر -بدون شك- في التشاريع، وكذلك في الأوضاع -كما هي فعلاً- أنظر في وضعية كل دين على حدة، أو كل مجموعة على حدة، وأقدم بشأن ذلك تقرير للجنة حقوق الإنسان، وكذلك للجمعية العامة، والتقرير -بدون شك- يناقش، ويكون مصدر لعمليات أخرى، عمليات أخرى هي -بالأساس- تتمثل في المتابعة.. الزيارة، ثم ماذا؟ التقرير، ثم ماذا؟ في هذا المجال يجب أن نشير أنه -بصورة عامة- سواء كان الأمر يتعلق بالزيارات، بالتقارير الأخرى، هنالك تعاون إيجابي مع الأغلبية الساحقة للدول بما فيها الدول التي تعتبر أو تعتبر تطرح مشاكل هامة -أحياناً- بخصوص الحرية الدينية، فيتقدم المقرر الخاص بعدد من التوصيات، بعدد من الاستنتاجات، وهو يطلب من الدول أن تتفضل بتنفيذها ولو بمراحل..

محمد كريشان [مقاطعاً]: هل تُعتبر ملزمة أم لا؟

د. عبد الفتاح عمر [مستأنفاً]: لأ.

محمد كريشان: ليست ملزمة؟!

د. عبد الفتاح عمر: من الناحية القانونية ليست ملزمة، ولكن من الناحية العملية ملزمة، لماذا؟ لأن دوري يتمثل في أن أعلم لجنة حقوق الإنسان والجمعية العامة بكل ما أقوم به، وبدون شك حينما أقول أن دولة ما لم تستجب إلى كذا إلى مسألة معينة، أو تُخل بقوانينها بالحرية الدينية، وهي لم تغير هذا الدين، فحينما يقال ذلك علنياً أمام الجمعية العامة، أو أمام لجنة حقوق الإنسان التي تضم ما يقارب 500 شخص تقريباً من منظمات غير حكومية ودول إلى غير ذلك.

فبدون شك الدولة ليست من مصلحتها أن يقع تشهير بها، ويمكن تتغير، ليس بالتشهير، بل الإعلام، هذا هو دوري، المهم هو أن يُلاحظ أنه الدول بصورة عامة تستجيب وتتعاون مهما كانت، مع الصين الشعبية في وقت من الأوقات كان البعض يظن أن يجب أن يكون هناك قطيعة مع الصين الشعبية، أو يجب أن يكون هنالك حوار نقدي، كنت أنادي رغم المشاكل التي تطرح في التبت، أو بالنسبة للعديد من المجموعات الدينية، كنت أعتبر أن الحوار مع الدول واحترام الدول واحترام كل الأطراف الأخرى من شأنه أن يؤول لنتائج.

أظن أنني توصلت إلى بعض النتائج مع الصين، توصلت إلى تعاون -كذلك- مع السلطات الإيرانية، وقد استجابت لعدد من الطلبات والاستنتاجات، نتعاون -كذلك- مع السودان، مع ألمانيا، مع كل الدول التي زرتها، مع كل الدول التي أعمل بشأنها.

محمد كريشان: هل الدول التي أشرتم إليها، هل معنى ذلك أن من أكثر الدول التي تُطرح فيها -بإلحاح- قضية الحرية الدينية -يعني- ليست صدفة أن يقع زيارة الصين وإيران والسودان، أفغانستان -يعني- هل هناك بعض الدول التي تثير انشغال اللجنة ومقرر الحرية الدينية بشكل أكبر من بقية الدول؟

د. عبد الفتاح عمر: لا، لا، هنالك -بدون شك- دول تُطرح فيها بعض المشاكل متعلقة بالحرية الدينية، طبيعي أن أهتم بهذه الحالات، ولكن هنالك دول -كذلك- لها تجارب أحياناً تكون رائدة، تكون رائدة..

محمد كريشان] مقاطعاً[: مثلاً؟

د. عبد الفتاح عمر] مستأنفاً[: في مجال الحرية الدينية، بالنسبة للتجربة الأسترالية -مثلاً- زرت استراليا، وهي تجربة ككل التجارب لها سلبيات وإيجابيات، ولكنها تجربة سمحت بالتسامح بين مجموعات عديدة ومختلفة، ثم حتى بالنسبة للشعوب الأولى (لازبوريجان) عندهم بعض مشاكل، ولكن طريقة التعامل مع الروحانيات، لأن الديانات والروحانيات، الروحانيات تعتبر -كذلك- من الديانات، طريقة التعامل مع الروحانيات لهذه الشعوب في أستراليا طريقة طريفة جداً، وهي تسمح بحوار، وأعتقد -شخصياً- أنه كلما توفر الحوار..كلما كان الحوار قيمة من القيم إلا وأمكن التوصل إلى نتائج.

بدون شك هنالك دول بها حالات تختلف، الولايات المتحدة الأمريكية بها حرية دينية واضحة، ولكن بها عدد من المشاكل تتعلق بالهنود، وتتعلق بغير الهنود، ولذلك لا يمكن أن نقول إنه كلما كانت هنالك زيارة إلا وكانت هناك مشكلة، فالزيارات الغاية منها تتمثل في دراسة أوضاع بإيجابياتها وسلبياتها، وأعتبر أن التجربة الأسترالية تستحق أن يعرف بها حتى ربما يستلهم منها البعض بعض الحلول، ولا أعتقد أن هنالك دول تعطي دروس للأخرى، ولكن هنالك تجارب تتميز بالتسامح، وأخرى تتميز ببعض المشاكل، وأخرى تتميز -صراحة- بعدم التسامح، بالتعصب، بالتطرف.

محمد كريشان: المعروف -دكتور- أن أغلب الدول والحكومات تجد بعض الحرج والضيق في استقبال مقررين أمميين للتثبت في قضايا حقوق الإنسان، سواء تعلقت بالتعذيب، أو بالحرية الدينية، أو بحرية التعبير، أو الصحافة، إلى ما هنالك -يعني- وعندما يصبح الأمر يتعلق بالدين، وما للدين من حساسية ومن قدسية -يعني- مثلاً دول مثل إيران أو السودان، هل وجدتم نوع من الحساسية في معالجة هذا الملف، أن تأتي لدولة مثل إيران وتحدثها عن اضطهاد ديني أو عن ضرورة توفير حرية دينية، أو بالنسبة السودان أو غيره، كيف تعاملتم مع هذا الموضوع؟!

د. عبد الفتاح عمر: أولاً: ليس للمقرر الخاص أن يزور دولة دون دعوة رسمية منها، وهي زيارة رسمية في إطار للأمم المتحدة، بضمانات الأمم المتحدة، بحرية الأمم المتحدة.

محمد كريشان: وهذا في حد ذاته مؤشر جيد منذ البداية.

د. عبد الفتاح عمر: ثمة دول تستجيب مباشرة، ثمة دول تبادر بالدعوة، ثمة دول لا تستجيب، إسرائيل وجهت لها طلب لزيارتها، فإلى حد الآن لم تراه،لم تأخذ على عاتقها أن تتفضل بدعوتي كما دعت، كما قامت به عديد الدول الأخرى.

بالنسبة لتركيا صدرت عن تركيا دعوة، ولكنها صدرت بعد 3 سنوات، المهم هو أن أقول إنه بطبيعة الحال في هذا المجال يجب أن يكون الحوار هو الركيزة الأولى للتعامل مع الدول، ولا يمكن أن يكون هنالك حوار إذا لم يكن هنالك احترام لكل الأطراف المعنية، أي للدولة ومقتضيات الدولة، للمجموعة الدينية، للجمعيات والمنظمات غير الحكومية العاملة في إطار حقوق الإنسان.

الاحترام لا يعني قبول ما من شأنه أن يخل بحقوق الإنسان، ولكن هنالك –في الواقع- موقفين إما موقف المجابهة التي لا تخدم حقوق الإنسان، أو موقف الحوار، أن تحاج الدولة بما قبلت به، وتحاج المجموعة الدينية بمقتضيات الحرية الدينية حتى لا يقع تغطية الحرية الدينية باعتبارات أخرى، أو تسخر الحرية الدينية لغايات سياسية، أو لغايات مالية، أو لغايات أحياناً حتى جنسية.

محمد كريشان: نعم.

د. عبد الفتاح عمر: لذلك أنا أقول -بدون شك- المسألة حساسة جداً، وأعتقد يجب أن يكون هناك صبر وطول بال، واحترام، وتمسك بالثوابت، لا بثوابت شخصية، الثوابت هي ما جاء به القانون الدولي في هذا المجال، وما قبلت به الدول، إيران مثًلا قبلت وصادقت على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، قبلت والتزمت بعديد المعاهدات الأخرى، وربما أشير هنا إنه مثلاً في إيران هناك تطور هام بدأ يتأكد شيئاً فشيء، وأفتح قوس لأشير أنه ليس من باب الصدفة أن تبنت إيران في شهر نوفمبر الفائت شهر نوفمبر 98 مشروع قرار للجمعية العامة للأمم المتحدة يطالب بالحوار بين الحضارات والثقافات، ويجعل سنة 2001م السنة العالمية للحوار بين الحضارات والثقافات.

وفي ذلك ردة فعل على أولئك الذين ينادون بالصدام بين الحوارات والتصادم فيما بينها، أقول: إنه منطق الحوار يتطلب الصبر الطويل، صبر كبير، ولكن ليس هنالك طريقة إيجابية أخرى للعمل، وبدون شك الأمور لا يمكن في هذا المجال أن تتغير بين عشية وضحاها، أنا أعتقد أن هنالك قوة للرأي، للرأي الصحيح التي تسمح له رويداً رويداً بأن يؤثر، وهذا رأي -مهما كان رأيي شخصي- فهو رأي يعبر عنه القانون الدولي في مجال حقوق الإنسان، وفيما يخصني في مجال الحرية الدينية.

محمد كريشان: دكتور أشرتم -منذ قليل- إلى موضوع الطوائف -يعني- مثلاً هل من مشمولاتكم في خلال بعض الزيارات ومن باب الاهتمام -أيضاً- بالحرية الدينية أن تقحموا عمل اللجنة في -مثلاً- في الاختلافات الطائفية سنة.. شيعة في باكستان، في إيران في.. يعني هل هذا يدخل -أيضاً- من ضمن صلاحيتكم؟

د. عبد الفتاح عمر: هذا يدخل -بدون شك- ضمن صلاحيتي ما دام يتعلق بالحرية الدينية، أو بممارسة الشعائر الدينية، الخلافات بين المجموعات سواءً كانت مجموعات دينية كبرى أو مجموعات تعبر عن وجود أقليات، بدون شك تطرح عديد المسائل، وعديد المشاكل، سواء تعلق الأمر بعلاقة -مثلاً- المسلمين في بعض الدول بالبهائية، أوفي العلاقة بين الشيعة والسنة، كما يطرح -أحياناً- في إيران، أو كذلك في باكستان، أو كذلك في العراق، أو أحياناً في البحرين، هذه العلاقات بين المجموعات -بدون شك- تطرح مع الإشارة، إلا أنه حينما نتكلم عن الإخلال بالحرية الدينية، الإخلال بالحرية الدينية ليس ضرورة من صنيع الدول، فهو في عدد هام من الحالات من صنيع المجموعات ذاتها وفيما بينها، وأحياناً التوترات الدينية توجد بالمجتمع ولكنها لا توجد على مستوى السلطة، فالسلطة تكون متقدمة عن المجتمع، ترى مجتمعاً غير متسامح أحياناً، وتجد سلطة..

محمد كرشان] مقاطعاً[: مثًلا؟!

د. عبد الفتاح عمر] مستأنفاً[: مثًلا في باكستان هذا لاحظته من خلال متابعتي المستمرة لوضعية باكستان، من خلال زيارتي -كذلك- لباكستان، الواضح أن النخبة السياسية والنخبة -بصورة عامة- هي نخبة متسامحة متفتحة، لا تطرح مشاكل أساسية، ولكن المجتمع ليس في هذا المستوى، ولم يتطور بعد، وهناك شيء من التشنج، التشنج الديني على المستوى المجتمعي العام، وهنالك حتى تطرف ديني، وعدم تسامح واضح.

في نفس الشيء بالنسبة لبنجلاديش كذلك، النخبة السياسية لا أقول قطيعة مع المجتمع، ولكنها متقدمة جداً على المجتمع، مجتمع كلما طرحت مسألة إلا وثارت ثائرة المجتمع، امرأة كنصرين…

محمد كريشان [مقاطعاً]: تسليمة نصرين..

د. عبد الفتاح عمر] مستأنفاً[: كتسليمة نصرين، امرأة مهما كان موقفها هي حرة في اتخاذ ما تشاء من المواقف ما دامت لم تخل بالأمن العام، مادامت لم تخل بحقوق الآخرين، فترى المجتمع كله يقوم ضد امرأة لأنها تجرأت وكتبت كتابات لم تعجب البعض منهم، دون أن يكون هنالك مساس لا بالأشخاص، ولا

بالمجموعات، ولكن تعبير عن رأي.

محمد كريشان: ولكن هل ممكن أن تصل حرية التعبير إلى حد -مثًلا- القدح في معتقدات الآخرين؟ هذا –أيضاً- يدخل في باب الحرية الدينية، ليس من باب الحرية الدينية القدح في معتقدات الآخرين؟

د. عبد الفتاح عمر: ليس لأحد أن يقدح، أن يتطاول، أو أن يثرب دينه أو دين غيره، دينه أو دين غيره، وكل الدول تتخذ الإجراءات، هذه مسألة معاملات اجتماعية، القانونية اللازمة لحماية الشعائر الدينية، لحماية الحرية الدينية، لمقاومة كل ما هو سلب، أو تطاول في غير محله علي دين ما -مهما كان هذا الدين- هذه المسألة واضحة، ولكن هذا لا يعني أن ينتصب المجتمع كمجتمع، أو السلطة السياسية كسلطة سياسية للمطالبة بالتشفي من شخص لأنه عبر عن موقف معاد أو سلب أو تطاول مثلاً على الإسلام، إذا كان الأمر كذلك، وهو كذلك بالنسبة لحالة تعرفونها جميعاً، فهناك القضاء، هنالك قضاء، وهناك إجراءات قضائية يمكن أن تتبع داخلياً وخارجياً، كذلك فإذا تحول.. انقلب الأمر إلى مناسبة للتطرف والمزايدة والمغالاة ليس في ذلك مسألة حرية دينية، بل هنالك مسألة أمن عام، وعلى الدولة أن تحمي مواطنيها، أن تحمي الأديان بها، وأن تحمي -كذلك- الأشخاص مهما كانت جنسيتهم مادام الأمر يتعلق بالحرية، فإذا وقع ارتكاب جريمة أو جنحة هنالك قضاء في الدولة وخارج الدولة يمكن الالتجاء إليه.

محمد كريشان: أشرتم إلى أن -أحياناً- يكون التشنج داخل المجتمع وليس داخل النخبة السياسية، يعني هذا نتيجة تراكمات تربية معينة، وبرامج تعليم معينة، ونمط معين من القيم سادت في المجتمع، هل من صلاحيتكم التدخل -مثلاً- في بعض هذه المسائل؟ هل تقع الإشارة مثًلا إلى برامج التعليم، إلى نوعية الإعلام السائد -يعني- ربما تدخلون في متاهات لا أول لها ولا آخر يعني؟

د. عبد الفتاح عمر: ليست هذه متاهات، بل هي المسألة الأساسية، المسألة الأساسية تتعلق بالتربية، أوضح هنا أن هنالك مقاومة، عدم التسامح والتطرف والتعصب، وهنالك الوقاية من التطرف والتعصب والتميز، والوقاية لا تتم إلا اعتباراً لنوع معين من التربية يقوم على تكوين الشخصية، الشخصية المتوازنة، الشخصية التي بإمكانها أن تعبر، ويكون لها رأي، وأن تعبر عن رأي، ليس هذا خارج عن الموضوع، لأنه اعتبار لأن نوع التربية هو الذي يؤدى إلى نوع معين من الأشخاص.

طلبت من لجنة حقوق الإنسان أن تسمح لي بأن أقوم بدراسة وياستبيان على مستوى الدول كلها بخصوص مكانة الدين في البرامج التعليمية، خاصة الابتدائية، والثانوية، واستجابت عديد الدول لهذا الطلب، وما يقع تدريسه في بعض المدارس في عديد الدول هو -وأزن كلامي- فظيع جداً، لا يليق بالإنسان في أواخر هذا القرن، هنالك كتب مدرسية تشكل نوعاً من التغني بالتطرف، بالعصبية، بنوع من التحدي البدائي لكرامة الإنسان، فترى بعض الكتب -مثلاً- تحقر كل الديانات الأخرى، وكل المجتمعات الأخرى، وتركز على الشخص في دولة معينة، وفي دين معين، وأحياناً في اتجاه ديني معين.

هذا نجده في دول إسلامية، بعض الدول الإسلامية، ونجده كذلك في عدد من الدول المسيحية سواء كانت (أرثوذكسية) أو (كاثوليكية) أو غيرها، والمهم هو التكوين أو المساعدة على تكوين مواطن متسامح، متوازن له ما يكفي من الاعتدال لإبداء الرأي، والدفاع عن رأيه، واحترام الرأي المخالف والرأي المقابل، في هذا الإطار قمت بهذه العملية بالاتصال بـ (اليونسكو) والنتائج لم تصدر ستصدر عن قريب، ولكن أضيف أننا حين ما نتكلم عن التربية، فإننا لا نقصد التعليم فحسب، التربية هي تربية عائلية قبل كل شيء، وهي تربية مدرسية، وهي تربية دينية، وهي كذلك تربية اجتماعية وسياسية، وعلى كل هذه المستويات قد نجد عدداً من الإخلالات.

التربية العائلية إذا كانت تقوم على دور يسمح بأن يتقيد الطفل بما يؤمر به دون نقاش، وأن يُعنف الطفل حتى يستجيب لما يُؤمر به كيف لك أن تتحصل فيما بعد على مجتمع متوازن؟! فهذا المجتمع يكون مجتمع الاضطهاد، وردة الفعل على هذا الاضطهاد عادةً ما تكون الفوضى.

التربية الدينية حينما نرى ما يقال في الكنائس، أو في أماكن التعبد بالنسبة لليهود في بعض الأماكن، أو في المساجد هذا –أحياناً- شيء لا يساعد على احترام الغير، على احترام الحرية الدينية، وشيء -في غالب الأحيان- يساعد على التطرف، وعلى عدم الاتزان، قلما تجد مسؤولين دينيين يركزون على دينهم مع احترام الآخرين، أو محاولة التعرف على الآخرين، كل يعيش في نوع من الحلقة التي لا يمكن أن يخرج منها بحيث أن الأمور تتم كما لو كان هذا الشخص في مجموعة دينية معينة، في مسجد معين، أو في كنيسة معينة، هو منطلق الأمور وهو نهايتها، والإنسان كرمه الإنسان، وهو أكثر من ذلك، والحمد الله.

بالنسبة للتربية الاجتماعية والسياسية وغيرها حينما نرى -مثلاً- ما تقوم به الصحافة في بعض الدول غربية وشرقية، هذا لا يساعد على التسامح، أفتح قوس مثلاً هناك في عديد الدول الغربية -كذلك- في أستراليا، وكذلك في الولايات المتحدة. الدور الذي تقوم به الصحافة في المجال الديني -خاصة- منها الصحافة الشعبية الواسعة الانتشار، دور سلبي تماماً، فترى -مثلاً- بالنسبة للمسلمين أنهم يعتبرون كلهم متطرفين، بالنسبة للعرب كلهم صدام إلى غير ذلك، هذا له تأثير على مستوى السلوك في المجتمع، فترى عدد هام من المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية، في فرنسا، في ألمانيا، في أستراليا وغيرها، الأغلبية الساحقة أناس مسالمين معتدلين يتعرضون إلى هذا النوع من الاعتداء بصورة يومية.

التربية السياسية -كذلك- دور الأحزاب السياسية، دور السلطة السياسية أساسي في هذا المجال، والسلطة السياسية لا تقوم -دائماً- بهذا الدور، لأن وفي آخر الأمر ما أريد أن أقوله هو أن التربية هي عملية شاملة، والتربية -دون سواها- هي التي تسمح بتكوين مواطنين، أما التربية إذا كانت تقوم على التعسف، على عدم التسامح، وعلى عدم الاعتدال، فهي تؤول إلى تكوين رعية، إلى تكوين رعايا، ونعلم أن هذا المنطق..منطق الرعية موجود في عديد الدول بما فيها عدد هام من الدول العربية والإسلامية.

محمد كريشان: دكتور، طالما لمسنا قليلاً موضوع السياسة، يعني هل يعتبر -مثلاً- من منظور الحرية الدينية في عملكم داخل لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة؟ يعني مثلاً بعض الدول، هناك صراع مرير من السلطات والحركات الإسلامية فيها، سواء حركات إسلامية مسلحة أو غير مسلحة، ما توصف بالمعتدلة أو ما توصف بالمتطرفة، هل لديكم دخل في مثل هذه القضايا، أم ترى ما اصطبغت بالسياسة بالمفهوم الواضح لا دخل لكم؟

د. عبد الفتاح عمر: مسألة صعبة جداً، الواضح هو أن الدين يرتبط بالسياسة في عدد من المناطق، وفي عدد من الديانات، ولكن الواضح –كذلك- هو أن الدين يمكن أن يسخر لأغراض سياسية سلمية أو غير سلمية، ويمكن أن يصبح مجرد تعلة صراع سياسي بين البشر على الأرض، ننزل من السماء منطق، لتبرير صراع سياسي لفائدة مجموعة دون أخرى، نأخذ مثال، حتى نتكلم بصراحة، بالنسبة مثلاً للإسلام، هل أتى الإسلام بنوع أو بشكل معين من الدول؟ هل أتى الإسلام بشكل أو بنوع معين من الأنظمة السياسية؟ هل أتى الإسلام بسياسة معينة في ميدان أو آخر؟

ما نجده بالإسلام ما نجده بالقرآن، مبادئ عامة جداً صالحة لكل مكان وزمان، يجتهد بشأنها المسلمون، ويتصارعون ويختلفون، وتاريخ الإسلام يؤكد ذلك، أن ينتصب –اليوم- أحدهم، أو تنتصب مجموعة لتكون هي اتجاهاً إسلامياً، أو هي الناطقة بالإسلام، وأن تريد فرض تصورها الحزبي الضيق باسم الدين على مجموعات أخرى أو على المجتمع برمته، هذا أرى –شخصياً- أن الدين منه براء، لذلك فإنه كلما وقع توظيف الحرية الدينية لغايات سياسية –أقول- يجب أن نذكر أن الحرية الدينية تنتهى حينما يدخل الصراع السياسي اليومي الحزبي.

محمد كريشان: لكن هذا ليس خاص بالحركات، يعني هناك حركات مسيحية متطرفة، أيضاً هناك حركات يهودية متطرفة، يعني القضية ليست مطروحة بالنسبة للإسلام فقط الآن؟!

د. عبد الفتاح عمر: هذا واضح، وحتى..

محمد كريشان] مقاطعاً[: حتى هندوسية في الهند، أو غيرها؟!

د. عبد الفتاح عمر] مستأنفاً[: حتى لا يقع التباس في هذا المجال، أقول: إن التعصب أو التطرف ليس حكراً على دولة ما، أو على دين ما، أو على مجتمع ما، هي ظاهرة نجدها -تقريباً- في كل الدول، نجدها في كل الديانات -سماوية وغير سماوية- ونجدها -كذلك- في كل المجتمعات، ما أردت أن أقوله شيئين:

الشيء الأول: أن تسخير الحرية الدينية لغايات ليست متصلة بها -خاصة الغايات الحزبية- هذا لا يمكن أن يقبل، هذا يخل بلب الحرية الدينية.

اثنين: الحرية الدينية لا تقبل بالتطرف ولا بالتعصب، لا تقبل بالمغالاة، وكلما كانت هناك مغالاة لو اعتبر بعضهم أن له دين الحق، كل حد يقول لك أنا الدين الحق، ووجب مقاومة الآخرين، وعند الاقتضاء قتله، هذا المنطق، هذا التطرف الديني، هذا التعصب الديني الذي نجده في كل الدول لا تقبل به الحرية الدينية، لذلك كل سنة التعرض لمسألة التطرف أمام الجمعية العامة وأمام لجنة حقوق الإنسان، وهنالك كل سنة موقف للجنة، والجمعية العامة لمسألة التطرف الديني.

محمد كريشان: دكتور عبد الفتاح عمر، شكراً جزيلاً.

د. عبد الفتاح عمر: شكراً.