ضيف وقضية

أثر الحصار على الأدب العراقي

بالرغم من أن الحصار المفروض على العراق أضر بكل مناحي الحياة، لكنه كان مفيدا فيما يتعلق بالإبداع الروائي والأدبي بشكل عام، فقد كانت المعاناة معينا لا ينضب بالنسبة إلى الكثير من الكتاب.

مقدم الحلقة

محمد كريشان

ضيف الحلقة

– لطفية الدليمي، الروائية العراقية

تاريخ الحلقة

02/10/2000

undefined
undefined

محمد كريشان:

بديهي أن الحصار المفروض على العراق قد أضر بكل مناحي الحياة، غير أن هذا الحصار ربما كان (مفيداً) ومفيداً هنا بين قوسين، فيما يتعلق بالإبداع الروائي والأدبي بشكل عام، فقد كانت المعاناة معيناً لا ينضب بالنسبة إلى الكثير من الكتاب، وهو ما تحدثنا عنه ضيفتنا لهذا الأسبوع، الروائية العراقية (لطفية الدليمي) دون أن تغفل ذكر أضرار أخرى تعرض لها زملاؤها في البلاد.

لطفية الدليمي، من مواليد محافظة ديالي (العراقية) أصدرت أول مجموعة قصصية لها عام 1969م، ثم توالت كتبها من قصص، ومسرحيات، وتراجم من اليابانية والهندية.

-عملت محررة في عدد من المجلات الثقافية الصادرة عن وزارة الإعلام العراقية. -أسست في بداية التسعينيات مع عدد من الكاتبات والصحفيات منتدى الثقافة في بغداد، وانتخبت رئيسة له في البداية.

-حافظت على مساهمات أدبية في بعض الصحف العربية، ولا سيما في الأردن.

محمد كريشان:

السيدة/ لطفية الدليمي، أهلاً وسهلاً.

لطفية الدليمي:

شكراً، أهلاً بك.

محمد كريشان:

السيدة لطفية، عندما نتحدث عن الحصار –ربما- الجوانب الاقتصادية والتجارية هي التي تطفو على السطح أكثر من غيرها، بالنسبة للعقوبات المفروضة على العراق، عندما نتحدث عن الحصار ثقافياً ماذا يعني بالنسبة إليك؟

لطفية الدليمي:

هناك مستويين للحصار الثقافي:

أولاً: انقطعنا عن الاتصال مع مجريات الثقافة العالمية، هذا مسألة أولى.

وعدم وصول المطبوعات، والكتب الصادرة حديثاً، سواء بالعربية، أو باللغات الأخرى للعراق، وغير ذلك وسائل الاتصال معدومة مع المثقفين في الخارج.

في الداخل هناك حركة لمقاومة هذه الحالة تتم عبر عمليات استنساخ أي كتاب جديد يرد إلينا، ونتبادله بين بغداد والمحافظات، نطلع على أحداث الكتب، حتى في أحيان كثيرة هناك كتب نحدث بأمرها أصدقاءنا في الخارج لم يكونوا قد اطعلوا عليها، إنما تصلنا ونستنسخها ونطلع عليها، أيضاً هنا حركة استنساخ الكتب في الداخل، هناك إمكانات طباعية الآن محدودة، المطابع أصبحت قديمة، الورق محدود الوجود، فبعض الكتاب بدءوا يطبعون كتبهم عن طريق تنضيد الكتروني، ثم تستنسخ الكتب، وتطبع بكميات محدودة، توزع على المعنيين بالثقافة.

غير الحصار الاقتصادي، هناك حصار ثقافي عربي لنا نحن أدباء العراق، هناك محاولات لعزل وتهميش الثقافة العراقية لمسناها في مواقف كثيرة من إخواننا المثقفين العرب، ما عدا بعض المواقف المضيئة المعدودة لبعض المثقفين ودور النشر العربية في خارج العراق.

محمد كريشان:

نعم.. إذا أردنا أن نفكك هذه القضايا –وهي هامة بالتأكيد- إذا أردنا أن نبدأ بحركة النشر في العراق، العراق كانت من أكثر الدول العربية نشراً للكتب ونشراً للمجلات الأدبية والثقافية، الآن أشرت إلى المطابع القديمة، وإلى شحة وجود الورق، ولكن وجود الأردن بالقرب منكم كمنفذ اقتصادي، ألم يلعب أي دور في محاولة –على الأقل- تخفيف هذه الأعباء عبر طباعة كتب في الأردن، أو عبر غيرها من المسائل الأخرى؟

لطفية الدليمي:

نعم.. هناك دور نشر في الأردن أسهمت وبمواقف مشرفة، يعني طبعت كتب لعراقيين، وأدباء عراقيين، ومثقفين عراقيين، ولكن –أيضاً- إمكانات دور النشر الأردنية محدودة، ليست بحجم دور النشر اللبنانية والمصرية –تعرف هذا حضرتك- هناك دار نشر (أزمنة) طبعت كثير من الكتب للمثقفين العراقيين أيضاً هناك مجلات وصحف أردنية تسهم وبمواقف جميلة بنشر النتاج العراقي،مجلات شهرية مثل مجلة (عمان) وصحف يومية، ومجلات أخرى تنشر النتاج العراقي باستمرار، بينما هناك صحف عربية في بلدان عربية أخرى تتردد في نشر النتاج العراقي، أو تنشر النتاج العراقي مع محاولات لتهميشه، ويظهر ذلك في مواقف كثيرة لمسناها حاضراً، وفي مواقف سابقة أيضاً.

محمد كريشان:

لماذا تتردد برأيك؟

لطفية الدليمي:

أولاً..

محمد كريشان:(مستأنفاً)

مع أن النتاج الأدبي العراقي قد يكون مطلوب لعدد كبير من القراء.

لطفية الدليمي:

وأيضاً مميز، والعراق –معروف، تدري حضرتك- في ريادته بالأدب والإبداع العراقي، وعندنا مواقف، والإبداع العراقي اشتهر بتحديث الأدب العربي من حركة (السياب) و(نازك الملائكة) إلى القصة والرواية، مثلاً الآن: تدور في الأوساط العربية، وأوساط اتحادات الأدباء العربية، مسألة اختيار مائة رواية لترجمتها، مائة أفضل رواية عربية لترجمتها للغات الحية، وتقديمها لجمهور عالمي.

محمد كريشان:

من يشرف على هذا الاختيار؟

لطفية الدليمي:

إحنا لم نعرف بالخبر إلا حين نشر بالعراق، أشرف على هذه العملية اتحاد الأدباء العرب، المفروض اتحاد أدباء العراق، وإحنا كمثقفين عراقيين أعضاء في هذا الاتحاد، ولكن خول ثلاثة من الكتاب، إخواننا الكتاب المصريين –وهم غير متخصصين بالرواية أصلاً –أحدهم كاتب أطفال وآخر كاتب دراما معروف كبير، وواحد منهم فقط روائي وليس متخصصاً بنقد الرواية، اختاروا روايات مائة رواية عربية من ضمنها، ما بينها أربعة وخمسين رواية مصرية، واستبعد الأدباء العراقيون، فيما عدا ثلاث روايات لروائيين عراقيين أحدهم أديب راحل هو (غائب طعمه فرمان) واثنين من الروائيين الذين يعيشون خارج العراق. واستبعد تمامًا أي روائي من داخل العراق، مع أننا هنا روائي كبير اسمه (عبد الخالق الركابي) له سبعة روايات مهمة، من أهم رواياته سبع أيام الخلق يعاد طبعها الآن في بيروت كطبعة ثانية، وهناك روائيون مثل (مهدي عيسى الصقر) أيضاً له ورايات مهمة (الشاهدة والزنجي) روية (رياح شرقية ورياح غربية) وطبعت في مصر –أيضاً- وغيرهم روائيون كثيرون يعيشون الآن في العراق ويكابدون حالة الحصار، ويستنزفون كل وقتهم وحياتهم من أجل ترسيخ وتثبيت موقف إبداعي جديد، ومميز للعراق داخل حالة الحصار ها اللي نكابدها يومياً.

محمد كريشان:

السيدة لطفية –برأيك- هل هذا يعود إلى جهل بالإبداع الروائي العراقي، أم إلى تجاهل؟

لطفية الدليمي:

الجهل لا يعفي، والتجاهل عار، أعتبره عار، يعني هذا موقف يبلغ مرتبة العار إذا تجاهلونا، إذا تجاهلوا العراق، وثقافة العراق، لأن العراق له ثقافة مؤسسة تأسيسية في الثقافة العربية سواء كان بالراوية، أو بالشعر، أو بالقصة،والتجارب الإبداعية الجديدة في العراق –مع الأسف- هي تجارب مجددة جداً ومنبثقة من مكابداتنا ومن تجاربنا الحقيقية والحية، إزاء حالة فريدة وفذة لم يكابدها أي شعب عربي وربما أي شعب بالعالم، حالة الحصار التي دامت عشر سنوات، والقصف المستمر طيلة هذه السنوات علينا، وإحنا مقاومين هذه الحالة ومع عوز، عوز للاقتصاد، مع عوز وسائل الاتصال، ولكن صدرت كتب وظهر كتابات مجددة وحديثة تتفوق على كثير من الإنجازات الثقافية العربية، بدلالة ما ينشر الآن داخل العراق، بس المثقفين العرب لا يعنيهم هذا، يعني أعتقد أن المثقف يجب أن يكون له موقف، الثقافة هي موقف، هناك تعريف يقول به (جوليان بوندا) أن المثقفين هم الفئة اللي تملك مقومات فذة وتمثل ضمير البشرية.

فهل المثقف العربي الآن يمثل ضمير العرب؟ لا.. لا أعتقد هذا، لأن هناك مواقف مخجلة بالنسبة للمثقفين العرب، لم يحدث أي تجمع، أو أي صوت من المثقفين العرب، ويرفعون صوتهم لرفض الواقع، واقع الحصار اللى بنعيشه وواقع العذاب اللي بنعيشه إنما هناك أصوات فردية، مثلاً: اتحاد الكتاب العرب في سوريا، بعث مجموعات كبيرة من الكتب تبرعاً لأدباء العراق، هناك الروائي (إلياس فرقوح) صاحب دار أزمنة في عمان –أيضاً- تبرع بمجموعات كبيرة من الكتب للكتاب العراقيين ووزعناها على زملائنا من الكتاب العراقيين من مطبوعات دار أزمنة، أيضاً هناك بعض المجلات العربية لها مواقف مشرفة، ولكن عموماً بشكل عام المثقفين العرب بلغ موقفهم الآن موقف عار بحجم سحابة الموت اللي قتلت ملجأ العمرية عندما قصف، سحابة كبيرة، سحابة من العار أعتبرها.

محمد كريشان:

سيدة لطفية، يعني مرارة واضحة تعبيرين عنها فيما يتعلق بالمثقفين العرب.

لطفية الدليمي:

نعم.

محمد كريشان:

ولكن عملياً، ما المطلوب منهم؟ أشرت إلى إرسال كتب، عملياً هل المطلوب إرسال كتب، القيام بزيارات إلى العراق؟ المثقف العربي –أيضاً- يعيش هو بدوره مأسأته في كل قطر عربي لأوضاع مختلفة، ماذا تطلبين من المثقف العربي، أو من المبدعين الروائيين، والشعراء، وغيرهم؟

لطفية الدليمي:

أعتقد أن المثقف لا يحتاج إلى دليل ليقوم بأي عمل، يعني عمل على المستوى الثقافي، على المستوى الإنساني، على المستوى الموقف القومي –أيضاً- فما يحتاج أنا أقترح له ما يقوم به، هناك مئات المواقف ممكن يقوم بها ممكن أن تؤدي إلى التخفيف من قضية الحصار الثقافي علينا، حصار الورق، وأقلام الكتابة، ومواد الطباعة والمطابع، أجهزة المطابع وغيرها، هناك دور نشر عربية، تدعي أنها دور نشر قومية وتدعو للفكر القومي، لم تفعل شيئاً، لم تفعل شيئاً أبداً.

محمد كريشان:

على ذكر دور النشر، طبعت كتاب في تونس؟

لطفية الدليمي:

نعم.

محمد كريشان:

هل تلاحظين بأن بعض دور النشر في البلاد العربية، يسعون لكسب بعض الكتاب والروائيين العراقيين، على أساس أن الرواية العراقية قد يكون بها شغف الآن، لأنها إلى حد ما غير معروفة التطورات الأخيرة التي حصلت لها؟

لطفية الدليمي:

دور النشر العربية –طبعاً- يغازلوننا قومياً ويحذفوننا من لعبة السوق تطبيقياً، هذا حصل مع كثير مع دور النشر.

محمد كريشان:

كيف؟

لطفية الدليمي:

يعني يتحدثون أنهم دور نشر قومية، وممكن يطبعون كتب عراقية وكذا، حتى عقود يعملون مع بعض الكتاب العراقيين، ولكن التنفيذ يتخلون عن بعض الالتزامات، بسبب أنهم لا يستطيعون الآن تصدير كتبهم للعراق، والعراق هو سوق كبيرة للكتاب العربي، دور النشر الآن لا تطبع للعراقي، لأن المردود كان سابقاً يأتيها من بيع الكتاب داخل العراق، الآن بسبب العملة، وبسبب ظروف الاقتصاد العراقية لا نستطيع استيراد الكتب، لا يمكن تصدير الكتاب عبر معارض الكتب العربية داخل العراق.

فطالما خسروا السوق العراقية –وهي سوق كبيرة وشاسعة- والقارئ العراقي لا يزال يبيع أثاث بيته ويشتري كتاب، الكتاب العراقيين، يبيع تليفزيون حتى يشتري مجموعة كتب، يبيع جهاز فيديو حتى يشتري مجموعة كتب يقرأ منها.

محمد كريشان:

الآن للأسف –ربما- أصبح يبيع كتبه حتى يستطيع..

لطفية الدليمي:

حتى يستطيع أن يجد لقمة العيش.

محمد كريشان:

نعم.. السوق العربية لم تستطيع أن تستوعب هذا الغياب للسوق العراقية، السوق المصرية، السوق المغربية، اللبنانية، كنهم للمطالعة لمعرفة الإنتاج العراقي؟

لطفية الدليمي:

لم نجد هذا، لأنه لمسنا فيه رغبة بتهميش الثقافة العراقية، وأعتقد هذا ضمن ها الحركة العالمية العامة، لتغليب ثقافة العولمة على البلاد العربية، الثقافة العراقية لا تزال تحتفظ بهويتها، بشخصيتها المميزة، بتجاربها الفذة والفريدة، بمواجهة حالة العذاب والمكابدة اللي نعيشها يومياً، هذه الحالة تمنح النص العراقي سمات خاصة ومميزة، وروح مقاومة موجودة به، إضافة إلى احتفائها بالجمال وبالحياة، النصوص الآن العراقية غير مرغوبة، لأنها تنحو منحى يجعلها في منأى عن التطبيل لمسألة العولمة، مسألة الثقافة العولمية، والهذه الخارجية.

محمد كريشان:

في بعض كتاباتك أشرت بأن الأدب العراقي الحالي هو أكثر حرارة، يعني مثلاً تشيرين أن الأدب العراقي يمتاز بمعايشة المكابدات اليومية تحت طائلة التهديد بالقصف والموت، وأنه ينتج نصوصاً ساخنة، وجارحة، ومتألقة بحداثتها الخاصة ولغتها الطازجة وفرادة موضوعاتها، هل –فعلاً- الأدب العراقي استطاع أن يستفيد –بين قوسين- من هذا الوضع الصعب الذي يمر به العراق، لإنتاج أدب أكثر إنسانية، وأكثر معايشة للمعاناة؟

لطفية الدليمي:

نعم.. مؤكد هذا، لأن أنا أعيش الحالة، ومن عشر سنوات لم أغادر العراق إلا لمدة أسبوع أو أسبوعين في زيارات لبعض المتلقيات أو المؤتمرات العربية، الكتاب العراقيين اللي لا يزالون يقاومون، ويعيشون متمسكين بالبقاء بالوطن، أنجزوا منجزات روائية، وشعرية، وقصصية مهمة جداً، تفوقت في كثير من الأحيان على منجزهم في السنوات التي سبقت مرحلة الحصار، في الثمانينات، أو السبعينات.. أو غيرها، أيضاً إذا ممكن نقارن أنه الكتاب العراقيين اللي يعيشون الآن بالخارج لأسباب أو لأخرى، منجزهم الأدبي أو الإبداعي يفتقد إلى هذه نبرة الصدق الحار الموجودة بالإبداع العراقي الموجود بالداخل، وقد عاب علينا أحد الشعراء العراقيين الكبار الذين يعيشون في الخارج، أن الأدب أو الإبداع العراقي الآن فيه نوع من التوتر، أو نوع من الدفق المتوتر، أو الـ.. ما فيها حالة التأمل التي..

محمد كريشان:

قلق.

لطفية الدليمي:

القلق، ما فيه حالة التأمل التي يفترض أن تكون موجودة في النص المستقر، طبعاً ردي عليه كان: لأننا نعيش في حالة توتر دائم، فيه ترقب صاروخ، فيه ترقب موت، فيه ترقب إصابة أحد اللي يحطيون بنا بالسرطان أو بغيره، من تلوث الجو من آلاف الأطنان من المتفجرات اللي ألقيت علينا، فإحنا نعيش في حالة ترقب للموت، ولكننا تجاوزنا الموت، خليناه ورانا الموت، نكتب الآن في حالة ما بعد الموت، يعني الآن إحنا في حالة حياة مضافة، النص الجديد العراقي الآن أضاف لنا حياة مضافة، كأننا بعثنا من جديد في حالة المقاومة اليومية، مرحلة أنه نعيش يومياً نبدأ من جديد، ونتناسى الألم اللي مر بنا أمس.

محمد كريشان:

ربما بعض العراقيين لا يفضلون الحديث كثيراً عن أدب الداخل وأدب الخارج بالنسبة لموضوع العراق، ولكن طالما أثرنا في موضوع وجود بعض الروائيين والأدباء خارج العراق، هل تعتقدين بأنه رغم عدم اكتوائهم اليومي بهذه المعاناة في العراق –ربما- يتميزون عنكم بهامش الحرية الموجود في الخارج، وبالتالي هم –ربما- أكثر أريحية في الكتابة وأكثر راحة، وقد يعبرون عن أشياء قد لا يجد العراقي في الداخل مجالاً للتعبير عنها لأسباب مختلفة؟

لطفية الدليمي:

هي الكارثة واحدة، وواضحة معالمها، ومؤثراتها واضحة، أنا لحد الآن لم يمنع لي أي نص، أنشر نصوصي داخل العراق وخارج العراق، وكتبي تنشر داخل العراق وخارج العراق، وأكتب بحرية مطلقة في أي موضوع أشاء، موضوعات الحصار اشتغلت عنها روايات، عندي مجموعات قصصية –أيضاً- وكثيرين من زملائي المقيمين في العراق، حالة النص العراقي المكتوب في الداخل –مثلما أشرت- يمتلك صدقه ومراقبته للتفاصيل الدقيقة التي نعيشها بشكل يومي الأديب العراقي في الخارج يعتمد على الذاكرة، وعلى الشائعة، وعلى ما يسمعه على مكابداتنا إحنا في الداخل، موبس [ليس فقط] الأدباء، الناس العاديين مكابداتهم اليومية، هو لا يدري ما يحدث لنا بشكل يومي، يكتب عن طريق استحضار الأمكنة عبر الذاكرة وعبر تصورات معينة عن طريق الأخبار، عن طريق الصور اللي يشوفها في التليفزيون، أما نحن فنحن وسط الحلبة، وسط المعركة، وسط المجمرة، فنصنا أكيد يتميز بصدقه، وأصالته، وجدة التعامل، حتى اللغة مختلفة، لغة طازجة واشتقاقات جديدة باللغة تجد، استخدامات أسلوبية متفردة الآن عندنا داخل العراق.

محمد كريشان:

يعني هذا هو سؤالي: هل فقط الميزة هو هذا الصدق، والدفء، والحرارة في التعبير عن الواقع، أم –أيضاً- كمستوى أدبي..

لطفية الدليمي:

مستوى فني.

محمد كريشان:

وفني.

لطفية الدليمي:

المستوى الفني أنا أستطيع أن أجزم أن فرادة النص العراقي الآن تفوق على المستوى الفني، يفوق كثير من النصوص العراقية المنشورة في الخارج، بدلالة روح المقاومة الموجودة عندنا، أنه إحنا الآن ما نريد نكتب نص يعبر أو يصف الحالة، وإنما نص متفوق على نفسه فنياً وإجرائياً،يعني النص ليس فقط تعبير، وإنما هو نص عمل فني متكامل، المستوى الفني متطابق مع حرارة النص، فإذن النص متفوق أنا أعتبره، النص الموجود داخل العراق، ومع هذا إحنا نرفض، يعني لا أحبذ فكرة أدب الداخل وأدب الخارج، لأنه هو مشهد ثقافي عراقي واحد والعراقي اللي يكتب في الخارج –أيضاً- هو نفسه زميله هو العراقي الذي يكتب في الخارج [الداخل] وهذه مسألة تجرنا إلى الحديث عن موضوع الفلسطيني بالداخل والخارج، وجعل العراقي يعيش حالة إحساس بحالة الشتات، ما أحبذ فكرة الحديث عن أدب خارج وأدب داخل، هو أدب عراقي واحد.

محمد كريشان:

سيدة لطفية لو طلبت منك أن تحددي أبرز المحاور، أو أبرز المجالات التي اتجه إليها الإبداع الروائي في ظل الحصار، هل تغيرت بعض الألوان؟ هل وجدت ألوان أخرى لم تكن موجودة قبل الحصار في الكتابة؟

لطفية الدليمي:

أكيد، هناك الموضوعات تغيرت أيضاً، حتى سياقات السرد تغيرت عندنا، هناك ابتكارات جديدة بالسرد، بطرق السرد، أساليب السرد، أيضاً الشعر، ولو أنا مو شاعرة، ولكن متابعة لحركة الشعر في العراق، هناك أسماء جديدة و مجددة بالشعر العراقي بعد مرحلة الستينيين وما يسموا بالأجيال السابقة، هناك نسق جديد بالرؤية، رؤية الحياة، ورؤية النفس، ورؤية العالم، اختلفت زوايا النظر لكل هذه الأشياء للنفس والعالم وللمكان أيضاً كل هذه المؤثرات انعكست في داخل النص بناء، وسرداً، ورؤية أيضاً.

محمد كريشان:

هل أصبح الأدب العراقي أكثر قتامة وتشاؤماً؟ هل هذه المسحة هي المسيطرة على كل الإنتاج الروائي، أم هناك توجهات متنوعة بشكل أو بآخر؟

لطفية الدليمي:

هو لا يمكن أن ننكر وجود مسحة من القتامة في الإبداع العراقي الراهن، ولكن –أيضاً- هناك نفس جميل يتخلل النص العراقي، هو الاحتفاء بالحياة وجمالياتها –أيضًا- رغم هذه القتامة، ورغم هاى المكابدات كلها، هناك احتفاء بالحياة وبالجمال، وبالمستقبل، وبما سيأتي.

محمد كريشان:

هل أفرزت هذه المرحلة أدباء جدد، وروائيين جدد يمكن تسميتهم بأدباء الحصار؟هل قضت على أدباء كان لهم شأن قبل الحصار ثم تلاشوا؟كيف تغيرت المعطيات؟

لطفية الدليمي:

برزت أسماء في القصة، وفي الشعر، وفي الرواية –أيضاً- وفي النصوص المفتوحة أسماء جديدة، أسماء شباب كابدوا الحربين، حربنا مع إيران، وهذه الحرب المستمرة، حرب الإبادة اللي يسموها الحصار، شباب عانوا، عاشوا الخنادق وعاشوا الحصار، ثم مؤكد أن لإبداعاتهم مذاق، وطعم خاص، وموقف خاص من رؤيتهم للحياة، رؤيتهم لنفسهم –أيضاً- رؤيتهم للواقع نفسه، رؤيتهم للعالم لموقفهم مما يحيطهم، فأكيد إبداعهم مميز، هناك بعض الكتاب انسحبوا من الساحة وانسحبوا.. وبدت تظهر لهم كتابات معتادة لم يستطيعوا مواجهة الحالة الراهنة، أو لم يستطيعوا تحمل انعكاساتها على حياتهم، قليل من المبدعين الكبار العراقيين المقيمين الآن بالعراق هم اللي استمروا بالكتابة، ومواصلة مكابدة الحياة بيومياتها، وتفاصيلها، وعذاباتها، ومكابدة عملية الإبداع، اللي هي علمية حارقة وموجعة –أيضاً- في نفس الوقت.

محمد كريشان:

هل تشكل ما يعرف بأدب الحرب، أو أدب الحروب –ربما- في حديث سابق مع السيد عبد الرحمن مجيد الربيعي، في (تونس) تحدث عن إنتاج لبعض الشباب حتى داخل الجندية وداخل الجيش يكتبون، هل –فعلاً- هناك ما يمكن أن يسمى بأدب الحرب، أو أدب الحروب؟

لطفية الدليمي:

أكيد فيه الآن أدب ما يسميه أدب الحرب، أو أدب الحصار، لأن عشرين سنة من المواجهات، والحروب، والحصارات، وهذه أكيد تنتج إفراز اجتماعي واقتصادي وثقافي، فالإفراز الثقافي هو هذا النص الجديد، النص اللي عايش الإنسان داخل الخندق، وداخل البيت، وتحت القصف، وفي مواجهة العوز، عوز الطعام، والشراب، والملابس.. وغيرها، وغيرها، فأكيد النص، هذا النص اللي يعيش ضمن هذه المناخات الصعبة والعسيرة والتي لا يمكن تصور غرائبيتها، أكيد هناك نص يمكن أن نسميه.. أنا أسميه نص المواجهة، أو نص المقاومة، أو نص التمسك، أو التشبث بالحياة، لأن إحنا في لحظات القصف، أو لحظات العدوان المستمر علينا، معرضين للموت في كل لحظة.

ولهذا النص لما نكتب نصوصنا نكتب ونحن تحت طائلة التهديد بالموت اللحظي في كل لحظة، هذا النص، نص من هذا القبيل، إما أن يكون نص مهزوم، وكئيب ومنسحب، وإما أن يكون نص مقاوم، وقوي، ومتشبث بالحياة، وأعتقد أن المبدع العراقي اللي يعيش هذه الحالة، متمسك بالحياة أكثر مما هو مستسلم لحالة الموت، أو الخراب، أو الإبادة اللي يريدونها لنا.

محمد كريشان:

كان هذا نفساً عاماً لدى أغلب الكتابات؟

لطفية الدليمي:

أعتقد هذا، النفس العام اللي بيسود الإبداع العراقي، هناك استثناءات، هناك كتابات استهلاكية، ويومية، وعادية، وهناك نص مجيد، ونص عميق وإلى مستويات بالبناء الفني وكذا، وهناك نصوص في كل الحالات –طبعاً- هناك استثناءات، سواء الأدب بالخارج، أو بالداخل، هناك استثناءات.

محمد كريشان:

ما هي الأسماء التي –ربما- أفرزتها هذه المرحلة، وقد لا تكون معروفة للمتابعين للشأن الثقافي، والروائي، والإبداعي العربي؟ هل هناك أسماء فعلاً هم أبناء هذه المرحلة؟

لطفية الدليمي:

والله هي أسماء كثيرة لا أستطيع أن أحصرها، هناك على مستوى الشعر، وعلى مستوى القصة، على مستوى الرواية، القصور اللي يحيط بهذه الأسماء إنه ما فيه وسائل إعلام توصلها إلى المستوى العربي، بدلالة ما تحدثنا عنه عن اختيار المائة رواية عربية في القاهرة، من قبل ثلاثة من الأدباء الإخوة المصريين، إحنا لا ننكر أن الرواية المصرية لها مركزيتها، الإبداع المصري له مركزيته، ولكن هذا لا يعني أن نوضع نحن في الهامش، لأن الأدب العراقي، الإبداع العراقي، أدب أساسي في المنطقة العربية، ومؤسس لحداثة عربية معروفة في الشعر، وفي الراوية، وفي القصة ما حدث في هذه الحالة أنه إما هناك تجاهل مقصود –وهذا يدخل ضمن نظرية المؤامرة التي لا يؤمن بها الكثيرون- وهناك جهل، والجهل هذا –أيضاً- لا يعفيهم، أنه إذا كانت المسألة نقابية خليهم يوزعون الحصص على الاتحادات العربية، وإذا كانت المسألة مسألة إبداع حقيقي فهناك خلل، لا يمكن أن نختار ثلاثة من أدباء مصر لجميع كتاب الرواية العرب، كان ممكن يختاروا ممثلين للنقد العربي من كل البلدان العربية، ويجتمعوا، ويختاروا، ويرشحون روايات من بلدانهم، ويصير الاختيار على هذا الأساس.

محمد كريشان:

يعني ما هي الأسماء التي قد تكون غبنت؟ يعني دعنا من لطفية الدليمي، ما هي الأسماء التي غبنت؟

لطفية الدليمي:

فيه اسم روائي مهم كبير عندنا في العراق، اسمه عبد (الخالق الركابي) له سبعة روايات، من أهم رواياته (سبع أيام الخلق) وفيه روائي (مهدي عيسى الصقر) –أيضاً- من أهم الروائيين، بس أهم روائي عندنا وأعتز بتجربته، وتجربته فريدة وجميلة جداً، هو عبد الخالق الركابي روائي مهم.

محمد كريشان:

ومَنْ من الأصوات الشابة الواعدة التي تتوقعين أن يكون لها شأن في المستقبل؟

لطفية الدليمي:

في الرواية؟

محمد كريشان:

في الرواية، أو في الشعر، أو في الأسماء المتداولة حالياً في الساحة العراقية.

لطفية الدليمي:

لم تظهر، في الرواية لم تظهر لحد الآن، هناك شابات يكتبون الراوية وهناك شباب، ولكن لم تتبلور، بس أنا أتحدث عن الأسماء الراسخة والرصينة مقابل ما حدث في الاختيارات هذه.

محمد كريشان:

نعم.. أشرت أكثر من مرة إلى طابع الحداثة والتحديثي في الرواية العراقية، كما عرفت بها.

لطفية الدليمي:

نعم.

محمد كريشان:

هل استمر هذا التوجه حتى في ظل الأوضاع الحالية، أم –ربما- انتكس هذا التوجه التحديثي؟

لطفية الدليمي:

بالعكس صارت يعني إحنا فيه مجموعة من الكتاب، والشعراء، والأدباء الموجودين حالياً احنا نسعى بدون اتفاق، وبدون بيانات، وبدون شيء أن نؤسس أو نرسخ نوع من حداثة عراقية، لأن الحداثة ليست جديدة على الأدب العربي، أنا أعتقد أنه منذ (أبو حيان التوحيدي) بدأت الحداثة، (أبو حيان) و(الجاحظ) ويعني كثيرين هم اللي أسسوا لحداثة عربية، الحداثة لم تأت مستوردة من الخارج، أبو حيان التوحيدي عندما تجاوز كل المحددات التقليدية في النص العربي في زمنه –وأيضاً- عندما أشير إلى أنه نصوصه كانت متجاوزة للعصر وحورب بوقته، تعرف الحادث أنه أحرق كتبه في ساحة عامة، هذا عمل حداثي، يعني هو أعماله كانت متجاوزة عصرها، وغير مقبولة من الناس التقليديين والاتباعيين الموجودين في الساحة العربية، كذلك الحداثة العراقية الآن نحن نؤسس لحداثة.. أو رسخنا نوع من حداثة تخص تجربتنا ضمن هذه الحالة الخاصة جداً والفريدة والتي لم يعايشها أي مبدع عربي مثلنا، الحداثة على مستوى النص كشكل، على مستوى المفهومات، على مستوى النص المواقف، على مستوى التعامل مع التفاصيل اليومية، والتفاصيل العادية، وتفاصيل العلاقة اللى هيا علاقة بالمطلق والآفاق الأوسع من التفاصيل اليومية.

محمد كريشان:

نعم.. السلطة في العراق في السبعينات وفي الثمانينات لعبت دوراً كبيراً في طبع ونشر العديد من الإبداعات العراقية، كانت حركة نشر قوية خاصة.

لطفية الدليمي[مقاطعةً]:

والعربية أيضاً.

محمد كريشان[مستأنفاً]:

والعربية أيضاً، هل هذا الدور انكفأ وتراجع، أم مازالت السلطة تسعى رغم الإمكانيات المحدودة، ورغم الحصار إلى طبع بعض المؤلفات، والسعي إلى مساعدة المبدعين؟

لطفية الدليمي:

المؤسسات الثقافية العراقية تبنت كثير من النتاج الثقافي العراقي والعربي، وأدباء من المغرب، إلى مصر، إلى تونس، إلى الجزائر، إلى سوريا، إلى الخليج، إلى كل البلدان العربية نشرت كتبهم في دار الشؤون الثقافية، وهناك كان مشروع لتبادل النشر بين العراق وبين بعض البلدان العربية، طبعاً نشرت كتب كثيرة، أعداد كبيرة من الكتب ضمن مشاريع مختلفة التسميات، هناك مشروع المائة كتاب هناك مشروع تبادل النشر بين بلدان عربية، الآن توقفت تقريباً حركة النشر إلا في سلاسل صغيرة، سلسلة ضد الحصار تطبع منشورات للشباب، وإبداعات الشباب الجدد –أيضاً- لأن المطابع في حالة يرثى لها، يعني أجهزة الطباعة تعبانة جداً، ولا يمكن مضاهاتها مع ما يصدر في البلاد العربية، وكل ما يستورد الآن من أجهزة هو أجهزة فقط لإدامة الحياة فقط، وليس للطباعة أو غيرها.

محمد كريشان:

علاقة الصحافة بالإنتاج الأدبي علاقة حميمة، هل وجد الروائي العربي في العراق متنفس في بعض الصحف التي تصدر في الخارج، ليس فقط في الأردن الجارة وإنما أقصد –أيضاً- الصحف العربية التي تصدر في لندن، أو التي تصدر في باريس؟ هل هذا –على الأقل- سهل عليكم كسر الحصار لمعرفة..

لطفية الدليمي:

نعم.. هناك نصوص تنشر في صحف مثل القدس العربي في لندن، وصحف أخرى في الأردن –كما ذكرت- أحياناً في تونس فيه بعض الصحف في (المساء) في الحياة الثقافية تنشر نصوص عراقية، ما عدا ذلك تحدث أحياناً أشياء غريبة مثلاً: ترسل نصوص مع إخوان عرب مثقفين جايين العراق في أحد المهرجانات تنشر في صحف عربية، أحياناً تنشر في صحف إحنا لا نعرفها، ولا تصلنا أصلاً المنشور لا يصلنا، عندما تنشر نصوصنا لا تصلنا حتى قصاصة، لا نعرف نشرت أو لم تنشر، فيحدث أحياناً أن يعاد نشر النص مرتين في بعض الصحف العربية لهذه الإشكالات، لأنه ما عندنا وسائل اتصال إحنا، ثم بعض المراسلين يأخذون نصوصنا ويرسلوها ضمن رسالة ثقافية لبعض الصحف، فيستلمون عليها مردود مادي، يحرمون المثقف العراقي من هذا المردود، وبكل الأحوال هو المثقف العراقي محروم من المردودات المادية إللي تنشر، لأن إحنا ما نعرف أي نصوص نشرت؟ ومن يرسل لنا المردود؟

محمد كريشان:

سيدة لطفية، ذات مرة أحد من المتابعين للشأن العرقي الأدبي والثقافي قال: كل شيء تراجع في العراق على صعيد الإبداع الفني بشكل عام، إلا الرسوم التشكيلية –الرسم التشكيلي- والشعر، هل تضيفين شيء آخر؟

لطفية الدليمي:

نعم.. والقصة والرواية أيضاً.

محمد كريشان:

والقصة، ما تفسيرك لانحدار أشياء أخرى مثلاً: المسرح، أو الغناء، أو غيره، وبقاء هذه الأنواع؟

لطفية الدليمي:

الأنواع الإبداعية إللي ذكرتها أنواع فردية تقوم على جهد فردي، المسرح والسينما يقوم على جهود جماعية –تعرف هذا- فالفنون إللي تعتمد على مجاميع أو على جهود كبيرة متنوعة يصير بها خلل في هذه الحالات، أنا أكتب القصة والرواية في بيتي وممكن أنشر في أي مكان، أيضًا الرسام التشكيلي يرسم في مرسمه، الإبداع الآن جهد أصبح يعتمد على جهد الفرد فقط، يعني المؤسسات صارت تعبانة، المؤسسات ما تقدر تقدم تلك المنجزات إللي ظهرت في الثمانينات أو السبعينيات بالنسبة للمسرح أو السينما.

محمد كريشان:

الأوضاع المادية الصعبة للشعب العراقي -عموماً بطبيعة الحال- لم تستثن لا الروائيين ولا الشعراء، فهم جزء من أبناء..

لطفية الدليمي:

لم تستثن أحداً.

محمد كريشان:

لم تستثن أحداً، كيف انعكس ذلك على نوعية كتاباتهم، أو على مدى انخراطهم في هذا الإبداع؟ ربما بعضهم أصبح يفكر في أن يشغل أشياء أخرى حتى يوفر لقمة العيش، أفضل له من أن يكتب رواية، أو يكتب قصيدة، أو يكتب..

لطفية الدليمي:

ما أدري.. إللي عنده هاجس الإبداع هاجس حياتي ومصيري ما يقدر يتخلى عن هاجس الإبداع، ولذلك مع أبسط مستلزمات الحياة واصلنا الكتابة، أبسط ما يصلنا من غيث لإدامة الحياة، ومع هذا واصلنا الكتابة، أما الناس إللي هم كتاب قصة، أو كتاب رواية، أو كتاب شعر، وليسوا مبدعين مهمومين بحرقة الإبداع يمكن يتخلفون عن ها الحالة وينصرفون إلى الانشغال بالحياة اليومية بتوفير وسيلة العيش، بالنسبة لكثيرين من المبدعين وأنا واحدة منهم لم نتوقف يوماً عن الكتابة.

محمد كريشان:

ما هو دور اتحاد الكتاب والأدباء في العراق؟ هل مازال نشطاً كالعادة؟ إلى أي مدى استطاع أن يتأقلم مع الأوضاع الحالية؟

لطفية الدليمي:

ككل المؤسسات، أو النقابات، أو الهيئات إللي واخدة طابع تنظيمي الآن نشاطاتها محدودة، ولم يقدم الكثير للأدباء، وللروائيين، للقصاصين، لم تطبع إلا قليل من الكتب عبر الاتحاد، وسائل الطباعة –أيضاً- محدودة فمجلة الاتحاد تصدر مرة بالعام بينما هي فصلية، المفروض تصدر كل ثلاثة أشهر، للظروف نفسها المحيطة بالوضع العام.

محمد كريشان:

بعض الفنانين العراقيين، وعلى سبيل المثال: النحاتين، أو الرسامين التشكيليين استطاعوا إلى حد ما أن يكسروا هذه الحصار من خلال المشاركة في تظاهرات أجنبية في أوروبا، وحتى في الولايات المتحدة.

لطفية الدليمي:

نعم.

محمد كريشان:

بالنسبة للروائيين والأدباء، ما هي الطريقة لكسر هذا الحصار؟ كيف يمكن لهم أن يتألقوا في الخارج رغم كل الظروف؟

لطفية الدليمي:

بالنسبة للفن التشكيلي المسألة مختلفة تماماً، ممكن يقيم معرض بتتبناه مؤسسات بالخارج، بس الكتاب كيف؟ يعني دور النشر لها علاقة بالسوق، سوق تسويق الكتاب على المستوى العربي أو العالمي، موضوعات المبدع الكاتب لا يستطيع أن يقدم نفسه، أو يقدم إبداع بلده إلا عبر ملتقيات، أو يعني مؤتمرات، أو مهرجانات إبداعية، فقط هذا إللي يحدث الآن، أما عن طريق آخر مسدودة كل السبل يعني أمامنا.

محمد كريشان:

شاركت أيضاً أكثر من مرة في ملتقيات خاصة بالأدب النسائي في تونس مثلاً.

لطفية الدليمي:

في تونس وفي الأردن أيضاً.

محمد كريشان:

هذه الملتقيات في تونس وغير تونس إلى أي مدى أيضاً قد تساهم في كسر الحصار، إن لم يكن على صعيد التعريف بالإبداع على الأقل من حيث التواصل الشخصي مع بقية الأدباء والمبدعين العرب؟

لطفية الدليمي:

أكيد لها دور في التواصل، وأكيد لها دور في التعريف بالأدب العراقي، عندما قدمت شهادة عن الإبداع العراقي لم أتحدث عن نفسي وإنما قدمت صورة بانورامية عن المبدعين، وعن حالة المبدع العراقي والكتابة العراقية الآن، ووصلت إلى الجمهور إللي حضر في المهرجان، مهرجان سوسة، ملتقى المبدعات العربيات وكان لها أثر كبير، ونشرت الشهادة في نحو سبع أو ثماني صحف عربية في وقتها هذا دليل على أن الملتقيات، والمهرجانات، والمؤتمرات ممكن أن توصل صوت المبدع العراقي المحاصر، ولكن ما يحدث الآن في بعض البلدان العربية أنه يدعون المثقفين العراقيين المقيمين في الخارج –فقط- ويحاولون تهميش العراقي المثقف المقيم في العراق، المتمسك بالبقاء في الوطن، حدث هذا في كثير من المهرجانات والمؤتمرات الموجودة في بلاد عربية كثيرة يعني.

محمد كريشان:

برأيك هذا يعني ليس صدفة يعني؟

لطفية الدليمي:

لا أعتقد بوجود مصادفات الآن في هذا العالم، لا أعتقد ببراءة أي شيء في هذا العالم الآن.

محمد كريشان:

حتى على سبيل التحجج بأن الاتصالات أسهل، والقدوم بالطائرة أسهل، هذا لا يعفيهم من..

لطفية الدليمي:

هذا لا يعفي أبداً من المسؤولية، هذا بالعكس يضيف عاراً كبيراً، ممكن يتخطون هذه الصعوبات بأي طريقة من الطرق، ويوصلون الدعوة لمثقف عراقي مقيم في العراق.

محمد كريشان:

أشرت أيضاً قبل قليل إلى حقوق التأليف التي تضيع أحياناً في هذه الظروف، هل تشعرين بأن المبدع العراقي نظراً لهذه الظروف، ظروف الحصار، أصبح مظلوماً كثيراً على هذا المستوى؟ وبأن ربما هناك نوع من استغلال هذا الوضع لسلب هذا الإبداع، دون أن يلقى المبدع في المقابل أي مردود مالي؟

لطفية الدليمي:

مو بس ليس المبدع العراقي وحده، وإنما كل المبدعين العرب، يعني الآن كثير من الكتاب العرب يدفعون لدور النشر حتى تطبع كتبهم، على عكس ما يحدث في العالم، أنه كتاب العالم يعيش من كتاب أو كتابين، مردود كتاب أو كتابين المبدع العربي يصرف على كتبه حتى تطبعها بعض المؤسسات، والمبدع العراقي لا يستثنى من هذا، بالعكس هو مضاعفة لا يستثنى من هذا، بالعكس هو مضاعفة عليه حالة الحيف، أصابه حيف كبير، كتبه لا تطبع، المردود إللي يجيه نصف ما يستحقه، أو أقل من نصف ما يستحقه، واعتذار كثير من دور النشر عن النشر -كما أشرت سابقاً- عن نشر الكتب العراقية، لعدم قدرتها على تسويق الكتاب العراقي داخل العراق، بسبب الظروف الاقتصادية.

محمد كريشان:

العراق أيضاً كان في السنوات الماضية من أكثر الدول العربية نشاطاً على مستوى الملتقيات، والندوات، والمؤتمرات الأدبية والفكرية و الثقافية بشكل عام، الآن هناك نوع من عودة الحياة تدريجياً إلى العراق على مستوى فعاليات سياسية ومؤتمرات سياسية، وهناك وفود تأتي ووفود تعود، على صعيد الأدباء والمبدعين، هل تشعرين ببداية تحرك على هذا المستوى، لكسر الحصار بمجيء أدباء من البلاد العربية أو غيرها في ملتقيات، أو في ندوات، هل هناك مثل هذا التحرك؟

لطفية الدليمي:

قليل، أقل من الشؤون الأخرى يعني، الشأن الثقافي أقل، يعني محاولات المثقفين العرب، لكسر الحصار الثقافي أقل فاعلية من محاولات، أو إجراءات المفكرين، أو السياسيين، أو ذوي المواقف السياسية، أو القومية من إخواننا العرب.

محمد كريشان:

يفترض أنها أسهل.

لطفية الدليمي:

يفترض أنها أسهل، ويفترض أن المثقف موقفه يكون أكثر جرأة، وأكثر اقتحامية ولكن يبدو أنه مثل ما قلنا أن المثقف العربي يحتاج إلى تعريف آخر إلى الآن.

محمد كريشان:

هذه المرارة من بعض المواقف العربية، انعكست على الصعيد السياسي العراقي هل انعكست على الصعيد الأدبي؟ يعني هل هناك بعض المبدعين والروائيين الذين تناولوا هذا الشأن، الموقف العربي من الحصار، أو موقف العرب بشكل عام من التطورات الأخيرة، هل انعكس ذلك على مستوى إبداعاتهم الأدبية؟

لطفية الدليمي:

كان الرد الإجادة ويعني جعل النص أكثر حساسية، وأكثر جمالاً، وأكثر فنية رد على محاولات التهميش، أو الإهمال إللي نلاقيه من المحافل الثقافية العربية.

محمد كريشان:

يعني مثلاً: أجرينا لقاء مع مؤيد نعمة رسام.

لطفية الدليمي:

نعم.. رسام الكاريكاتير، نعم.

محمد كريشان:

الكاريكاتير، جزء كبير من هذه المرارة عبر عنها في رسومه من خلال.

لطفية الدليمي:

الكاريكاتير.

محمد كريشان:

بالكاريكاتير من خلال استنكاره لما يعتبره تخاذلاً عربياً، تجاه نجدة العراق، يعني لا وجود لمثل هذا الانعكاس في..

لطفية الدليمي:

موجود في بعض النصوص، موجودة هذه، موجود هذه المرارة،مرارة من الموقف العربي بشكل عام موجودة في ضمن نسيج بعض النصوص العراقية موجودة.

محمد كريشان:

ولكن لم تتحول إلى تيار ربما معادي لـ..

لطفية الدليمي:

لا.. لا.. لا تتحول إلى تيار، هي نوع من مرارة العتب، العتب على الأهل يعني، وليست موقف هي، لأن إحنا نبقى في النهاية.

إحنا شعب واحد يعني نبقى شعب واحد، فالمرارة هي أنك لا تعتب على إنسان غريب، تعتب على من هو أقرب إليك يعني.

محمد كريشان:

العراق تضرر كثيراً على مستوى البنية الاقتصادية، والمرافق الأساسية للبلاد، إذا أردنا كحصيلة عامة أن نرى الانعكاس على المستوى الإبداعي، ليس على حركة النشر، أو على المساهمة في الملتقيات، أو الكتب أو الصحف، على مستوى الإبداع، هل هذه المأساة جعلت الإبداع العراقي الروائي والأدبي أكثر تألقاً؟

لطفية الدليمي:

أستطيع الجزم بهذا لأن الإبداع الروائي، والقصصي، والشعري، أيضاً للجيل إللي ظهروا في التسعينات والثمانينات بدأ أكثر تألقاً مع المعاناة اللحظية لكل حالة من حالات شحة الماء، وشحة الدواء، وشحة مستلزمات الحياة البسيطة اليومية التي يعتبرها الآخرون بالخارج أنها هي تحصيل حاصل، إحنا الآن يعني نتوق إلى أشياء كثيرة توقفت عندنا، يعني الحصول عليها، ولكن هذا انعكس أيضًا داخل نصوصنا نوع من التجديد، وتغريب وغرائبية وعجائبية، صارت في النصوص العراقية، وبها فانتازيا عالية، يعني أصبحت النصوص ضمن مواجهة هذه الحالات الغربية.

محمد كريشان:

وهل أصبحت هذه النصوص أكثر توجه للحالة الاجتماعية العراقية، ربما الاهتمام بالشأن العراقي الداخلي والاجتماعي لم يكن طاغياً.

لطفية الدليمي:

في السابق.

محمد كريشان:

في السابق..

أصبح الآن في كل لحظة هناك رواية، في كل لحظة هناك مأساة، هل هذا معين لا ينضب أيضاً بالنسبة للمبدع؟

لطفية الدليمي:

صحيح، بالضبط هناك موضوعات لا تحصى للكتابة عنها الآن، وأنا يعني أستغرب أنه بعض الكتاب، قلة من الكتاب لا يزالون يهيمون في مستويات هلامية، أو..

محمد كريشان:

فوق السحاب.

لطفية الدليمي:

أو رؤى مستوردة، تقليد لكتاب آخرين، الأرض هذه الآن تنجب في كل لحظة مليون موضوع للكتابة عنه، ومن وجهات نظر مختلفة ممكن تنظر لهذا الموضوع ممكن موضوع واحد يكتبه عشرات الكتاب، بل كل واحد يكتبه بطريقته وبأسلوبه شعراً كان، أو سرداً روائياً، أو بناء قصصي، موضوعات لا تحصى ولذلك أنا يعني أحسب نفسي محظوظة، لأني رغم هذه العذابات إللي نعيشها أنه أملك الآن ذخيرة حارة ساخنة حيوية متجددة من النصوص التي لا تتوقف في يوم من الأيام.

محمد كريشان:

هذا على مستوى الإبداع، ماذا على مستوى النقد، هل استطاعت العراق أيضًا أن تفرز نقاد جيدين لهذه المرحلة للأدب؟

لطفية الدليمي:

مع الأسف، مع الأسف هذه المرحلة تفتقد إلى حركة نقدية حقيقية، لأن معظم النقاد العراقيين هاجروا إلى الخارج، وانشغلوا بمتابعة نصوص الأدباء والمثقفين العرب، النقاد قليلين الباقين، ولم يواكبوا التطور السريع المتدفق إللي حصل مع النص العراقي، قسم منهم مدرسيين نقاد انطباعيين، نقاد كلاسيكيين لم يستطيعوا أن يتابعوا، أو يواكبوا حركة التصاعد الموجودة ضمن النص الشعري، أو القصصي، أو الراوئي العراقي الراهن.

محمد كريشان:

هل لديك بعض العتب على بعض الزملاء لك من الكتاب والأدباء الذين خيروا أن يكونوا في المهجر على أن يظلوا في العراق؟

لطفية الدليمي:

هي تبقى المسألة شخصية، ومسألة خيار البقاء في الوطن هو خيار شخصي جداً وفردي ونوع من التمسك بالـ.. مسألة وجودية أصلاً هي، الوطن هو مو المكان، ولا الماء، ولا البيت، ولا كذا، هو مجموعة محصلة قيم، وسمات وعلامات ومؤشرات هي تصنع شخصية الإنسان، فبالنسبة لي شخصياً أنا بقائي في الوطن هو نوع من موقف أنا مختارته، ومختارته برضا رغم كل التفاصيل إللي أعانيها يومياً، الآخرين إللي اختاروا الهجرة هذا شأنهم، ولكن النص الحقيقي –أنا برأيي- أنه هو إللي يعيش في حاضنته الحقيقية وفي مكانه الحقيقي، ويتوجه لقرائه الحقيقيين، النص الآن أنا أوجهه لقرائي، أولاً: بالعراق، ثم أوجهه لقراء آخرين.

محمد كريشان:

سيدة لطفية الدليمي، شكراً جزيلاً.

لطفية الدليمي:

شكراً لكم، شكراً للجزيرة.