ضيف وقضية

عولمة الثقافة وثقافة العولمة

هل للعولمة تأثيرات على الثقافة العربية؟ وهل يمكن أن يكون للثقافة والهوية العربية حصانة تجاه العولمة؟ هل العولمة ظاهرة تاريخية مثل كل الظواهر؟ في لقاء مع د. طاهر لبيب الأمين العام للمجلس العربي للعلوم الاجتماعية.
مقدم الحلقة محمد كريشان
ضيوف الحلقة – د. الطاهر لبيب، الأمين العام للمجلس العربي للعلوم الاجتماعية
تاريخ الحلقة 20/04/1999

undefined
undefined

محمد كريشان: الدكتور طاهر لبيب، أهلاً وسهلاً.

د. طاهر لبيب: أهلاً بك.

محمد كريشان: كثيراً ما نحكي عن العولمة ونرددها باستمرار، أحياناً في محلها وأحياناً في غير محلها، ولكن غالباً ما نتحدث عن تداعياتها الاقتصادية والتجارية، وفي العلاقة بين الدول والتكتلات، ولكن ربما ليس كثيراً ما نتحدث عنها ثقافياً، إذا أردنا أن تكون لقضيتنا العولمة والثقافة العربية، هل يمكن أن نتحدث عن تأثيرات معينة للعولمة على الثقافة العربية؟

طاهر لبيب: طبعاً، هو مثل ما ذكرت، بدأ الحديث عن العولمة في المستوى الاقتصادي وهذا لسبب بسيط، وهو أن العولمة اعتُبِرت، وهي -كذلك في الواقع- درجة متقدمة من تداخل الأنظمة والأنساق الاقتصادية، والاندراج في العولمة على مستوى العالم -بشكل عام- بدأ اقتصادياً، ولذلك كان الاهتمام به في البداية من الاقتصادية، ولكنه سرعة ما لامس قضية كبيرة، هي قضية الهوية الثقافية التي وجدت نفسها، أو وجد أصحابها أنها مهددة وفي خطر.

لذلك وقع الحديث عن تهديد العولمة للخصوصيات الثقافية والهوية الوطنية وللسيادة الوطنية إلى غير ذلك باعتبار أن العولمة -حتى كاقتصاد- هي فعلاً تدخل في الأسواق الوطنية إلى حد أن السلطة الوطنية تتقلص قدرتها أو سلطتها على مراقبة السوق الوطنية، فلذلك اعتبر من هذه الناحية أن العولمة هي مهددِّة لهذه الهويات، وأنت تعلم أن المرحلة .. هناك تطابق غريب بين العولمة ونقيضها الذي هو صدور يعني ظهور الخصوصيات والوطنيات سواءً كان في أوروبا الشرقية أو في الوطن العربي أو في بلدان أخرى يعني.

فلذلك البداية هي بداية مقاربة اقتصادية على حساب (فعلنا) الثقافي، ولكن سرعان ما تنبه إلى هذا الجانب اللي هو الجانب الثقافي. الخطاب العربي -بشكل عام- اليوم تناول هذه القضية بنوع من الارتباك أقصد البعد الثقافي للـ.. الارتباك ناجح لأسباب مختلفة، السبب الأول: هو أن تناوله جاء في سياق ظهور بعض ردود الفعل -خلينا نقول- التراجعية.

مثلاً ظهور مد الحركة الإسلامية، هذا أعطاها نكهة، أعطى هذه المقاربة نكهة تراجعية، هذا الشيء الأول. الشيء الثاني: هو ظهور بعض البؤر الاحتجاجية في الوطن العربي التي جعلت أيضاً أن هذه المقاربة الهوياتية أو الخصوصية الثقافية يُنظَر إليها على أنها محافظة أو سلفية، أو -خلينا نقول بشكل عام- يمينية، إضافة إلى أنه على الصعيد العالمي مثلما هو في فرنسا مثلاً أن هذا الموقف الثقافاتي من العولمة، هو موقف يميني بالدرجة الأولى، يعني هو أيضاً يدافع على خصوصية فرنسا على غير ذلك، حركات يمينية تعرفوها.

لذلك هذا أعطى نوع من الحذر في المقاربة الثقافية لمسألة العولمة. هذا بشكل عام، أما بشكل خاص فإن الملفت للانتباه، أو أهم شيء في رأيي، أهم قضية تثيرها العولمة هي ما تفرزه من نقائض، بمعنى أنها العولمة التي تدَّعي أنها تنتشر، وفعلاً هي كذلك كظاهرة تاريخية تفرز نقيض. النقيض هذا هو أن أول شيء هو الثقافة المعولمة ليست ثقافة عالمية، هي ليست ثقافة كونية حتى وإن ادعت.

لذلك يعني أعطيك مثالاً. عندما نقول تعميم الجينز، تعميم الجينز ما عنده حتى طابع كوني، هو مرتبط بمحلية أميركية هو سروال رعاة البقر، مش سروال رعاة الغنم، يعني بقينا سروال رعاة الغنم غير قابل للعولمة، وسروال رعاة البقر قابل للعولمة. فلذلك رغم هذا الطابع الشمولي العام، الثقافة تحافظ على خصوصياتها، ولكن السوق وآليات السوق تسمح لها بأن تعولم.

فلذلك ثمة فرق -مثلاً- بين أن نقول ثقافة معولمة، وبين أن نقول هذه الثقافة هي فعلاً دولية، خاصة وهذا أمر -أيضاً- مفارقة غريبة أنه في هذه اللحظة التاريخية حتى القيم الكبرى اللي قامت عليها الحداثة في أوروبا كالتقدم، كالعقل، كحقوق الإنسان، الأشياء الكبرى هذه أصبحت محل لإعادة النظر في هذا الموضوع، هذا أيضاً .. هذه التناقضات تجعل الاحترازات من العولمة يعني واردة في هذا الموضوع.

محمد كريشان: هذه الاحترازات -برأيك يا دكتور- هل ممكن أن تؤدي في النهاية إلى مزيد من التمترس للخصوصية العربية سواء عبر بوابات معينة، كالحركات الإسلامية -مثلما أشرت- أو حتى عبر الخصوصيات الثقافية الأخرى -يعني- حتى في الحياة اليومية، أم ربما ستؤدي إلى تلاشي هذه؟ برأيك هل يمكن أن تكون للثقافة العربية وللهوية العربية حصانة معينة؟ وإلى أي مدى يمكن أن تصل يعني؟

د. طاهر لبيب: من الصعب جداً أن الواحد يحكم على المسألة الآن، ثمة من يتسرع في الحكم في هذه المسألة لكنه صعب. ما نلاحظه هو أن الاندماج الاقتصادي والاندماج الثقافي غير متوازنين حالياً، يعني ليس لها نفس الإيقاع بقدر ما هناك اندراج في النظام العالمي ما يسمي بالنظام العالمي الجديد -وهو قديم على فكرة- لكن ما يسمي بالعولمة اليوم، لأن النظام الاقتصادي الاجتماعي السياسي الذي وقع اختياره عالمياً -بشكل عام- في هذه اللحظة هو اختيار ليبرالي.

فلذلك شيء طبيعي أن يقع هناك اندراج اقتصادي، لكن الثقافة لها إيقاع مختلف مثل إيقاع هذه الخصوصيات، فإن ما نلاحظه الآن هو أن هناك جيوب مقاومة -إن صح التعبير- وجيوب المقاومة ليست في الوطن العربي فقط، بل في أميركا اللاتينية، في أوروبا نفسها بدأت هناك ردود فعل، يعني جريدة (le monde diplomatique) بالنسبة لمن يقرأها،يشعر بأن هذه .. ما معنى هذه جيوب المقاومة التي بدأت كاحتجاجات، كردود فعل عن هذه العولمة الشرسة -إلى حد ما- التي لم تعد تراعي بعض العلاقات بين الفئات إلى غير ذلك، وأوضاع الـ.. لأن هناك عملية احتجاجية، هناك جيوب مقاومة.

العولمة هي أساساً ثقافية، لكن هل المشكل المطروح الآن .. المشكل المطروح الآن هو أن هذه الحركات الهوياتية -بشكل عام- مرتبطة بنزعة -خلينا نقول- تراجعية، أو -على الأقل- محافظة لم تتحملها فكرية أو اجتماعية أو سياسية -خلينا نقول بشكل عام- تقدمية، تشتغل مع الزمن في اتجاه التاريخ، هذا هو الحرج الأول الذي يجعل الإنسان ما يعرف كيف يحكم على هذا الوضع الحالي.

محمد كريشان: وبرأيك يعني هذه الجيوب، هل هي قادرة على تطوير نفسها بشكل أن تكون دفاعية، ولكن في نفس الوقت أن تكون مقنعة، يعني هل هذه الإمكانية واردة؟

د. طاهر لبيب: الإمكانية واردة، هناك خطابان بشكل عام الآن، مش فقط في العالم الثالث، وإنما أيضاً في أوروبا، حتى داخل أميركا نفسها. هناك نمطان من الخطاب، هناك خطاب يعتبر أن العولمة غير قابلة للارتداد، وأنه مثل ما هو وارد في عند (فوكوياما) -مثلاً- في نهاية التاريخ، أن كل من لا يندرج في هذا النظام الليبرالي الديمقراطي الغربي، وخاصة على النمط الأميركي، كل من لا يدخل فيه من المجتمعات والشعوب تبقى خارج التاريخ.

هذه مقولة أساسية، وهذه المقولة يُعاد إنتاجها في الخطاب العربي -وفي رأيي- بشكل رديء على أساس أنه يعرف ليس لكم من حل إلا أن تندرجوا في هذا الموضوع. هذا نوع من الخطاب، وهذا الخطاب يركز على فرضية أن القرن الحادي والعشرين هو قرن التوفيقية، لابد أن توفق بين مصالح كذا ومصالح كذا، بين متطلبات العولمة وبعض مصالح الثقافة أو المجتمع الذي تنتمي إليه، ولكن بدون تنبه إلى أن الميكانيزم الذي يشتغل في العالم، لا يترك لك إمكانية أن تحترم أو أن تحافظ على هذه الخصوصية التي تحترمها، هذا الخطاب الأول.

الخطاب الثاني -وهو يجيب أكثر على السؤال- هو خطاب ما يمكن أن يسمى بالخطاب البدائلي، هذا الخطاب يقول: إن العولمة هي ظاهرة تاريخية مثل كل الظواهر، وبما أنها ظاهرة تاريخية بمعنى أنها هي مرحلة من مراحل النظام الرأسمالي المتقدمة، فإنها قابلة للانتكاس، قابلة للارتداد، قابلة للمقاومة، وكمثال على ذلك.

الآن هناك محاولة من بعض مفكري العالم الثالث لتكوين هذه الجيوب -جيوب المقاومة- وبدأ التفكير فيما سمي بـ (later darorce) يعني (darorce) النقيض أو، وهو كان رد فعل -كما تعلم- darorce اللي هو يتبنى أساساً مقولة البلدان الغنية، وهناك إذن محاولات، وهناك قناعات ولكنها قائمة فلسفياً وفكرياً على مبدأ أساسي وهو أن الظواهر التاريخية قابلة للتعديل بفعل الإنسان، وقابلة للارتداد.

إذن ها دول المقولتين، فكل واحد حسب التوجه الذي يتخذه يكون مؤمناً أو غير مؤمن بإمكانية -يعني- التصدي، ما فيش كلمة -على فكرة- يمكن نستعملها اليوم في مواجهة .. في العلاقة بالعولمة مواجهة تصدي، كلها كلام، وبالمناسبة أقول لك شيئاً ملفتاً للانتباه، النقاشات السائدة اليوم في الخطاب العربي تأخذ الأسماء التي تعرفها يعني تكون كتبت.

هناك كتابات جيدة عن العولمة في العالم العربي، النقاشات الدائرة حولها اليوم كلها تتحدث عن الموت، الفناء، الانتحار الحتمي، القدر المحتوم، يعني هناك نوع من الكوارثية ينظر إلى العولمة على أساس أنها شيء كوارثي، وأنه ما أنا عارف كيف نتصدى له؟ ولذلك استعمال كلمة مواجهة أو تصدي أو تلائم أو .. ما نعرف بالضبط أي كلمة يمكن الإنسان يستعملها، ولكن حسب الاتجاه الذي…

محمد كريشان [مقاطعاً]: ولكن في الاقتصاد عندما نتحدث عن العولمة نتحدث -مثلاً- عن الشركات الكبرى التي تخترق القارات والمعاملات التجارية الواسعة وسقوط الحدود وسقوط التعريفات الجمركية وسقوط غير ذلك من الإجراءات الاقتصادية الرقابية إلى غير ذلك، يعني على مستوى الثقافة إذا أردنا أن نعرِّف عولمة الثقافة أو ثقافة العولمة -مثلما أشرت- كيف يمكن أن نحددها عملياً؟ ما هي؟ هل هي مجموعة قيم تدَّعي أنها عالمية، وتريد أن تفرض نفسها على الكل؟ هل هي أنماط سلوكية؟ ما هي بالضبط؟!

د. طاهر لبيب: لا، هي عولمة الثقافة هي -خلينا نقول- هي مجموعة من الرؤى أولاً .. مجموعة من الرؤى والقيم وحتى في السلوكيات بمعناها الثقافي، إضافة إلى المعلومات. الناس تتحدث فقط عن المعلوماتية، إضافة إلى المعلومات والمعطيات، هذه المجموعة التي هي -بلا شك حسب الممارسات التاريخية للأشياء- بلا شك مرتبطة بالنظام الرأسمالي، النظام الليبرالي الذي له قوة الانتشار والعمل على توزيعها في مختلف أنحاء العالم.

وهذه القيم التي تنتشر -مثلما قلت قبل حين- ليست .. ليس هناك خلاف في أنها فعلاً تنتشر، هي فعلاً تنتشر ولكن الاختلاف في كونيتها، هل هي فعلاً لها بُعد كوني؟ هل هي فعلاً لها يُعد إنساني؟ هل هي فعلاً لها بُعد تحرري؟ هذا غير أكيد، أما كونها تنتشر فهذا مفروغ منه، لأنك أنت الآن…

محمد كريشان [مقاطعاً]: تحصيل حاصل.

د. طاهر لبيب: تحصيل حاصل لأنه واحد موجود في قرية صغيرة في (كينيا) والآخر موجود في (كييف) وفي (اليابان) وفي مناطق مختلفة من العالم، قرى وأرياف، كلها تشاهد وتستهلك نفس الشيء في لحظته من اللحظات. ما معنى أنك تشاهد .. العالم كله يشاهد في التلفزة مباشرة مباراة كرة في العالم؟ معنى ذلك أنه حتى مفهوم الزمن اختلف، يعني الآن الناس ما عادوا يتحدوا عن السفر، أنت تنقلت، يعني ما معنى المسافة اليوم؟ ما عادش عندها حتى معنى!

ولكن الزمن تكشف بشكل أنه أصبح المبدأ الذي يقوم عليه، كيف تنجز أكثر شيء ممكن في أقل شيء .. في أقل وقت ممكن، ولكن تشريك البشر كلهم بهذه الآليات الجهنمية اليوم، تشريكهم في لحظة زمنية معينة، معنى ذلك أن الزمن الاجتماعي اللي كنا عشنا عليه انتفي أيضاً، لأنك لما كل الناس .. فئات مختلفة وشرائح وثقافات وشعوب تنظر أو تعيش بين ظفرين نفس اللحظة الزمنية في التلفزة، معنى ذلك أنها تخلت عن زمنها الاجتماعي، يعني اللي هو مرتبط بمضمون اجتماعي وبظروف عيش وأنماط عيش تخلت عنه، وجاءت تستمع إليك مع كل الناس رغم كل اختلاف الانتماءات.

فإذن ثمة عملية .. فعلاً عملية إعادة بناء كبيرة للقيم وللسلوكات وللمفاهيم السائدة. لكن دائماً الاحتراز الأساسي هو أن هذه القيم هي ليست -بالضرورة- قيم ذات طابع إنساني أو طابع كوني أو كذا، يعني هذا هو الاختلاف. ولذلك أقول: أنا أنه أخطر من عولمة الثقافة ثقافة العولمة، يعني هذه الثقافة لتصبح بسرعة أيديولوجية .. هناك أناس يتحدثون عن العولمة بشكل أيديولوجي وكأنها شيء حتمي و..

محمد كريشان [مقاطعاً]: وجاهز و..

د. طاهر لبيب [مستأنفاً]: وجاهز وانتهى الأمر، ويستسلم له الجميع. وأقول بالمناسبة -وهذا رأي لاحظته أيضاً- أن خطاب الغالب للمثقفين في الوطن العربي تختلف بالنسبة لبعض الخطب السياسية، لأن الخطب السياسية -على الأقل- تتحدث عن السيادة الوطنية، أنها تقول -طبعاً- هناك عولمة، لكن نحن نندرج في هذه العولمة شريطة أن لا تمس هويتنا الوطنية أو سيادتنا الوطنية.

محمد كريشان: لهم خط دفاعي معين.

د. طاهر لبيب: على الأقل هناك خط ومفهوم السيادة الوطنية أنا من الذين يرشحونه لأن يكون -فعلاً- محل الاهتمام وتنظر من طرف المثقفين، لكن للأسف المثقفين ما تناولوا هذا المفهوم اللي هو ممكن أن يكون مفهوم إنقاذي في نهاية الأمر، وينظِّرون له، ويكسبوه البعد الفكري أو الفلسفي العميق، وينظِّرون له باختصار، لكنه موجود الآن في الخطب الرسمية العربية -على الأقل- هذا المفهوم، مفهوم السيادة الوطنية، المثقفين لا…

محمد كريشان [مقاطعاً]: ولكن على الصعيد العملي .. يعني مثلاً السيادة الوطنية نجدها على الصعيد العربي في ظل الأوضاع السياسية والدولية المعروفة في الشرق الأوسط، أو العراق أو غيره، تكاد يكون هذا المفهوم قد تلاشى، يعني عندما يصبح القرار السياسي مرهون بيد أطراف أخرى غير عربية .. يعني ما الذي يمكن أن يقوم به المثقف -يعني- حتى لو سعى إلى التنظير لمفهوم السيادة الوطنية، ما الذي يمكن أن يصاغ كحد أدني، وما قيمته العملية في الحياة اليومية؟

د. طاهر لبيب: لا، هو المهم تعرف مثل ما .. المثقف دائماً في منعطفات تاريخية تبنَّى بعض أو بنى بعض المقولات أو بعض الشعارات الكبرى ونظَّر لها، بعضها أفاد وبعضها لم يفد، يعني مفهوم التحرر .. مفهوم التحرر كان مهم جداً، المفهوم في الستينات التخلص من التبعية وغيرها، كان مهم على الأقل في أميركا اللاتينية أو في بعض المناطق من العالم، فلذلك المردود المباشر قد لا يبدو لنا.

ولكن مجرد كون ثقافة مجتمع تتبنى مفهوماً أساسياً مثل مفهوم السيادة الوطنية كمفهوم مشترك، أنا لا أطلب أن يتبنى مفهوم جيوب المقاومة اللي يتبنُّوها كثير من المثقفين الآن في العالم، أما مفهوم السيادة الوطنية مفهوم يمكن أن يكون مفهوم مشترك بين كل فئات المجتمع، كلهم بما فيه التاجر يستطيع لأنه فيه فكرة الوطنية، وبالمناسبة مفهوم الوطن -مثلما لاحظ إسماعيل صبري عبد الله في مقال- إن مفهوم الوطن الذي كان دائماً يتحدثوا عنه ما عاد…

محمد كريشان [مقاطعاً]: حاضر.

د. طاهر لبيب: ما عاد حاضر يشكل .. فلذلك مفهوم السيادة الوطنية أمام أو في علاقة بالعولمة، يمكن أن .. يعني كيف نقول .. معناها يمكن أن يستعيد بعض القيم .. بعض القيم التي تحرك الناس يعني في التعامل، في التعامل مع هذه الظاهرة اللي هي ظاهرة العولمة، لكن المثقف مرة الثانية -في رأيي أنا- المثقف الكبير هو مثقف يبني حلم، المثقف الكبير هو من أكثر الناس خطأً في التنبؤ بالمستقبل. عمر ولا كان مفكر كبير قال لهم .. قال: ماذا سيحدث بعد بكره أو العام القادم يبني لك حلم، يبني لك طموح قد يتحقق وقد لا يتحقق بشرط أن تستفيق لتحقيق الحلم، لو بقيت نائم -طبعاً- يبقى الحلم لا يتحقق.

محمد كريشان: ولكن ربما المشكلة هنا -يا دكتور- أن جزء كبير من المثقفين الآن ربما في طور إعادة صياغة الرؤى والأطروحات يعني بعد كل الهزات العربية والدولية .. يعني مثلاً كان في فترة من الفترات جزء كبير .. شريحة كبيرة من المثقفين ذوي ميولات قومية عربية، الآن -ربما في حالة الحصار- جاءت فترة هناك مد إسلامي، ربما الآن مازال بوتيرة مختلفة من بلد إلى آخر، وهناك شرائح أخرى من المثقفين تجد في الغرب نموذج لها ونموذج جدير بأن يُحتذَى. يعني هل التطورات الحالية تفرض نوع جديد من المثقف العربي، أم ليس بالضرورة؟

د. طاهر لبيب: هناك فكرة أساسية ما أنا ذكرتها وأريد أن أعطي رأيي فيها. تعرف أن الفكر السائد الآن .. الخطاب السائد، وحتى في سلوك المواطن العربي اليوم في أغلب البلاد العربية هو نوع من الإحباط، هو نوع من -بالنسبة للمثقفين- استقلالية عامة منتشرة…

محمد كريشان [مقاطعاً]: استقالة عامة.

د. طاهر لبيب: عفواً .. استقلالية .. طبعاً هذا قديم، ولكن .. أقصد استقالة عامة، ولكن وبالإضافة إلى تحول بعض الرموز الثقافية إلى غير ثقافية .. إلى رموز غير ثقافية يعني هناك تراجع، هناك إحباط، وهذا عام، يعني أنت لما تتحدث مع مثقفين في عمان أو في مصر، أو في أينما ذهبت، دائماً نفس الفكرة، هذا الإحباط العام أو هذا الجو العام قائم على فكرة أنه ما عاد فيه إمكانية أنه يتدخل المثقف، وأن المثقف المسكين عاش فترة كبيرة على أساس أن له دورة في التنمية، وأنه هذا الدور إما يسنده إلى نفسه أو يسندونه إليه.

وجاءت فترة لم يعد له فيها هذا الدور بقي يحن إلى هذا الدور، ولكن .. عملياً ما عاد عنده هذا الدور لأسباب كثيرة، أهمها أن الليبرالية -بشكل عام- المفاجئة لا المبنية -مثل ما هي في .. أوروبا- على تفكير لمدة قرنين، ثم تنظير للموضوع وكذا، هذا جاء مشروع جديد، هذا مشروع لم يجد فيه الصنف القديم اللي لعب دور تاريخي في النخبة الفكرية والسياسية العربية لم يجد .. وجد نفسه خارج.. معناه بره اللعبة.

اللي نحب نقوله: رغم كل هذا أنا أعتقد أن المرحلة الحالية اللي سماها سمير أمين إمبراطورية الفوضى، أعتقد أنها فرصة تاريخية نادرة وغير مسبوقة للفكر العربي، كيف ذلك؟ أعتقد أن المسائل المطروحة فيها مسائل جديدة تماماً مثل المجتمع المدني، مثل الديمقراطية، مثل العولمة، قضايا من هذا النوع. ولكن -في نفس الوقت- هناك تخلص من عدة مرجعيات تآكلت، يعني -من ناحية- عندك موضوع جديد مطروح عليك كمفكر وكباحث، ومن ناحية أخرى اتخلصت بعد من مرجعيات كانت تحول دونك ودون فهم الواقع وتحليل الواقع كما ينبغي.

إذن هذه فرصة لإعادة بناء الفكر في ميدان .. ميدان بكر إن صح والتعبير. ولذلك أنا أعتبر فعلاً إذا كان المثقفين العرب والباحثين العرب، يعني كيف نقول: اقتنعوا بهذه الفكرة؟ فهذا سيكون محفِّز على إعادة بناء الفكر على الصعيد العربي، وفي مجالات مختلفة. نحن نعيش مثلاً في العلوم الاجتماعية هذا الوضع، اليوم -مثلاً- اليوم .. اليوم شيء يبعث على الابتسام والاستغراب أن باحث في العلوم الاجتماعية يعود إلى قاموس في الخمسينيات .. ظهر في الخمسينات، بل حتى في الستينات وبل في السبعينات.

يعني القاموس اليوم شو هذه .. شو ما هذه، مفاهيم الأساسية اللي كانت رائدة، وكنا نعتبرها تغيرت بشكل غريب! إذن هل أنك تنتظر -كباحث عربي أو كمفكر عربي- أن تبني -من جديد- قاموس بمعنى جهاز مفاهيمي في الغرب، ثم تأتي وتتبنها وتثير السؤال الأزلي، هذه المفاهيم مستوردة، وكيف أوطنها، وكيف .. وتعاني من نفس المشكلة القديمة…

محمد كريشان [مقاطعاً]: الاستيراد.

د. طاهر لبيب [مستأنفاً]: أو أنك تساهم منذ البداية. الآن في هذا الفراغ الموجود ومش فراغ في الواقع، في هذا تعيد -إن صح التعبير- بناء نظام اللانظام، يعني هذه الفوضى .. كيف تساهم أنت -كمفكر عربي أو من العالم الثالث- تساهم في بناء مفاهيم جديدة ومطروحات جديدة ومقولات جديدة؟ أنا حبيت نقولك أن الفرصة هذه -وجهة نظري- فرصة مناسبة جداً إن اغتنمت، أما إذا فاتت هذه الفرصة وغلقت دوائر حول الأفكار الأساسية أو ما يسموه في علم الاجتماع بارادايم [paradigm] إذا غلقت الدوائر حول الأشياء، فإن الحقائق معلومة لا تبقى خارج الدوائر، ويبقى العربي من جديد مسكين مسجون -من جديد- في الإشكاليات الثنائية القديمة، المعاصرة والحداثة.

آخذ أولاً .. آخذ .. آخذ وأوطن وكذا .. فلذلك أنا هذا رأيي أعتبرها أنها فرصة نادرة دخول القرن 21 بمساهمة عربية في هذه المشكلة.

محمد كريشان: دكتور طاهر، أين تضع المثقف العربي الذي -الآن- في عصر العولمة أصبح يلح أكثر على ضرورة تجذير الديمقراطية، تعميق الحرية، ضرورة إرساء دولة المؤسسات والقانون وإرساء قواعد المجتمع المدني، يعني هل تضعه في المثقف البدائلي، في المثقف المقاول؟ لا أعتقد، بس هل هو ضمن هذه التصفيات؟

د. طاهر لبيب: أنت لاحظ أنك حبيت إنك تسنده إلى المقاول، وقلت: المقاول لا، وهذا .. هذا التردد مهم لماذا؟ لأنه المفروض أن هذه المطالب الكبرى؟ وهي مطالب بدائلية، لكن في الواقع العربي المثقف المقاول هو الذي تبنَّاها وهو الذي يروج لها في الواقع العربي، فهي مطالب -نستطيع أن نقول- مشتركة بين مثقفين مختلفين بما أننا نتحدث فقط عن المثقف .. مشتركة بين المثقفين.

لكن مشكلتها الأساسية فين الاحتراز؟ يعني فيه ممكن تصنيف الاختلاف، اختلاف المثقفين حول هذه القضية بالذات، حقوق الإنسان، الديمقراطية، المجتمع المدني إلى غير ذلك. هو أن هذه المقولات الكبرى ظهرت في سياق عرب -يعني- حديث نسبياً في السنوات الأخيرة، ولم يكن المجتمع العربي قد أفرزها، ولذلك قد ظهرت وكأنها مشاريع آتية من بعيد.

ليست هي نتيجة ميكانيزمات اجتماعية، بمعنى حركات اجتماعية مطلبية إلى غير ذلك، مثلما حدثت في المجتمعات الغربية، وإنما هي جاءت في سياق معروف يعني في السبعينات .. أواسط السبعينات فيما بعد، اللي هو مرتبط بعلاقات دولية وأحياناً بنوع من -كيف نقول- نوع من .. نوع من المساومات.

محمد كريشان: المساومات.

د. طاهر لبيب: نوع من المساومات تعمل كذا وإلا ما أعطيكش زيت أو ما أعطيكش قمح. ثَمْ إذن سياق عالمي ظهرت فيه هذه المقولات الكبرى، هذا ما جعل المثقفين يختلفون في تناول هذه المسألة، ثَمَّة من أخذها على أساس أنها داخلة في المشروع ونفذت بهذه الطريقة، ثَمَّة من يعتبرها بأنها ليست بالضرورة .. كيف نقول .. ليست بالضرورة مناسبة في السياق الحالي لهذه الطريقة، وثَمَّة من رأى ما وراءها من إشكالات تطرحها، هذا يقطع النظر عن نظر إليها على أنها يجب رفضها، على أساس أنها قيم غربية، وطبعاً هذا موقف سلبي وغير منطقي وغير مقبول.

ولذلك هناك .. من الصعب أن أقول لك -تلخيصاً للإجابة- من الصعب أن أقول لك أين .. مَنْ هو بالضبط، فهي قيم أو هي مسائل تخترق -تقريباً- كل المفكرين، لكن موقف المثقفين يختلف منها.

محمد كريشان: نعم، كثيراً ما يشار إلى -مثلاً- المجتمعات الآسيوية على أنها ربما من أكثر المجتمعات تمسكاً بنمط ثقافي خاص بها، ورغم تقدمها العلمي والتكنولوجي ظلت محافظة على مجموعة قيم خاصة بها، وغالباً ما يضرب مثل اليابان، يعني عندما نجد دول قادرة على الصمود الثقافي والتراثي وغيره على عكس دول أخرى، هل هذا يعود إلى دور أهم يلعبه المثقف في ذلك المجتمع، أم ترجعه إلى عوامل تاريخية ثقافية قديمة؟ يعني هل المثقف مثلاً في اليابان أو في الصين قدرته على الصمود في مناخ العولمة أكثر منه بالنسبة للمثقف العربي مثلاً أو غيره؟

د. طاهر لبيب: لا أعتقد أن المسألة تتصل بالمثقف، وإنما تتصل بسياق تاريخي. صحيح أن العرب كثيراً ما يعودون إلى المثال الياباني، ولكنها عودة خاطئة -في رأيي- لماذا؟ لأن اليابان تطور، تقدم مع المحافظة على تقاليده بين ظفرين، ليس ندري اليوم إلى أي حد، لكن -خلينا نقول- حل مشكلة الثنائية هذه أو الازدواجية، لسبب بسيط هو أنه قام بهذا المشروع قبل انتشار الإمبريالية، يعني هو قام في مرحلة سابقة لهذا الانتشار.

المجتمع العربي عندما حاول هذا كان قد استُعمِر بعده، والنهضة العربية كلها هي ردة فعل على الاستعمار، ولذلك كل ما أنجزه .. أنت تلاحظ مثلاً -وهذا أمر غريب- تلاحظ في بعض المجتمعات، يعني المجتمع التونسي مثلاً، المجتمع التونسي لا يقارن بمجتمعات أخرى من حيث تجربته في المجتمع المدني، كمثال المجتمع التونسي له تقاليد طويلة بتاع قرن ونصف من الزمان، في مفهوم المجتمع المدني، حتى لو كان يسمى مجتمع مدني، لكن هو مجتمع مدني اجتهادي، فيه خير الدين ولكن فيه طه حداد، وفيه حتى في التفسير .. مجموعة كبيرة من الاجتهادات الموجودة، لكن هذا الاجتهاد وقع في السياق الاستعماري هذا اللي حبيت أقول لك، ولذلك الثنائية دائماً موجودة، بقيت موجودة لهذا السبب.

اليابان والآسيويون يعني مختلفين تاريخياً، مش لأن مثقفينهم هم أكثر -مثلاً-اجتهاداً أو أكثر حضوراً، بالعكس المجتمع العربي من المجتمعات الذين أعطوا للمثقف -تاريخياً- دور كبير جداً، يعني أنت لما تلاحظ -مثلاً- حركات التحرر الوطني في المجتمعات العربية كلها تقريباً بدون استثناء، ما قامت بها البرجوازيات الصناعية والبرجوازيات المالية أو البنكية، أو قامت بها العمال أو الفلاحين أو .. أعني ساهمت فيه صحيح، لكن النخب السياسية الفكرية دي دايماً كانت من الطبقة الوسطي، سواء كان هذا في تونس أو في مصر أو في المغرب أو في .. تلاحظ هذا.

لذلك المثقف دايماً كان حاضراً، دايماً كان حاضر ولعب دور كبير، والنخب التحررية من التحرر الوطني كانت سياسية فكرية في نفس الوقت. إذن حضور المثقف موجود يعني مهم، لكن بدأ يريد أن يلعب دور ولكن في سياق صعب، سياق صعب لأنه لا سياق اليابان أو سياق الصين.

محمد كريشان: إذا أردنا أن نلقي نظرة على مدى قدرة بعض البلاد العربية على الصمود بين قوسين، أو على الانخراط بين قوسين -أيضاً- في العولمة، يعني هل يمكن -مثلاً-إن المشرق العربي أكثر استعداداً أو أقل استعداداً من المغرب العربي، أم القضية ربما لا تطرح بهذا الشكل؟ ربما قرب المغرب العربي -مثلاً- من أوروبا، انخراط المثقفين المغاربة في مواكبة أكثر للحياة الفكرية في أوروبا وغيرها، يعني هل هذا يلعب دور معينا فيما يتعلق بالعلاقة بالعولمة؟

د. طاهر لبيب: سؤال صعب الإجابة عنه، لكن طبعاً هناك آليات في مستوى آليات العولمة .. يعني الآليات الاقتصادية السياسية، هذه آليات أظن مشتركة مع اختلاف وتنوع وخصوصية كل بلد، لكن هي القاعدة .. المبادئ العامة التي تندرج بها المجتمعات في العولمة، هذه آليات مشتركة، ولا أظن أنه يتميز العربي على الإفريقي، أو اللاتين أميركي أو الآسيوي في هذا الموضوع.

لكن في مستوى الثقافات رأيك صحيح، يعني سؤالك مهم في مستوى الثقافات، لأن مشكلة الثقافة العربية،هي أنها أقرب ثقافة للغرب ومخالفة له، وهذه مشكلتها هي. علماء الأنثروبولوجيا يسمونها هذه المسافة المناسبة (La bonne distance) لأن القبائل قبل كانت دائماً تشتغل بطريقة أنها لا تقترب أكثر مما يجب حتى لا تتصارع، ولا تتباعد حتى لا يضيع أي إمكانية للتعاون.

فمشكلة المسافة المناسبة هي مشكلة حقيقية بالنسبة لـ.. ربما الآسيويون لهم مسافة مناسبة أكثر، أما نحن الثقافة العربية هي ثقافة قريبة جداً ومختلفة جداً، ولذلك دائماً تلاحظ أنت مثلا (هنتنجتون) في (صدام الحضارات) كيف يركز على الثقافة العربية الإسلامية على أساس أنها هي من الثقافات التي ستبقى تناور وتواجه العولمة، أو تقود الصراع بين -ما يسميه هو- الغرب والشرق إلى غير ذلك.

إذن ثمة .. ولكن داخل هذه الثقافة -مثل ما ألمحت إليك- هناك ثقافة -خلينا نقول- مش ثقافة، أسلوب ثقافي شرقي وأسلوب ثقافي مغاربي، الثقافي المغاربي مرجعيته مختلفة أساساً والتعامل مع فرنسا لأسباب تاريخية، وأخرى أنجلوسكونية أيضاً مختلفة نسبياً، ثم إن المغرب العربي قريب إلى أوروبا، وربما هذا ما يفسر أنه مفهوم الشراكة -مثلاً- بدأ يتطور أساساً في المغرب العربي، فربما ولكنه افتراض، ربما أنه هذا الاتصال بأوروبا ييسر ثقافياً التعامل، يعني ييسر عملية الاندراج في العولمة.

يعني هو مازال تيسير لسبب هو -ربما أولي- هو أنه (الكودا) مفهومة، يعني اللغة المفهومة اللغة يفهمها المغاربي ربما، ولكنه افتراض .. افتراض لست متأكداً مما أقول، لكن .. ثم احتمال التمييز بين الأشياء، ودعني كتأكيد لهذه الفكرة أو توضيح لهذه الفكرة. لما تأخذ بعض-مثلاً- المفكرين الكبار، تأخذ الذين اخترقوا الخطاب العربي، تأخذ مثلاً (ماركس) أو (جرامش) الذي نتحدث عنه، أو آخرين يعني أي واحد، فستلاحظ أن التعامل الفكري المغاربي والتعامل الفكري المشارقي تعاملان مختلفان، توظيفان مختلفان.

مثلاً جرامش في الخطاب المغاربي هو أساساً مثقف، ولذلك الاهتمام بالمثقف العضوي، ولكن البعد الأبستمولوجي اللي هو المعرفي كذا، في المشرق ولأسباب تاريخية معروفة، جرامش المناضل، جرامش الحزبي، هو الذي ظهر في الخطاب المشرقي كمثال. إذن التعامل مع الثقافة الغربية هو تعامل يمكن أن يتنوع شرقاً ومغرباً، ولكن بدون ما يعني هذا أبداً أن هذا أفضل من هذا أو .. مش هذه القضية خلاص، ولكن أقصد أنه هناك نوع من التنوع، فربما أيضاً تجاه العولمة يمكن أن يكون نفس الشكل.

محمد كريشان: إذا كان .. في نهاية هذه الحلقة إذا كان السياسيون والاقتصاديون يؤكدون أن ركوب قطار العولمة خيار لا مفر منه، وأن علينا أن نتعاطى بشكل إيجابي مع هذا الموضوع، هل المعادلة تُطرَح بنفس المدة فيما يتعلق بالمثقف العربي؟

د. طاهر لبيب: لا، أنا من الذين يرون أنه -هذا رأيي الشخصي- لا خوف على الثقافة العربية من هذه العولمة. أنا شخصياً محترز جداً من احتراز المثقفين .. بعض المثقفين العرب تجاه هذا الاكتساح…

محمد كريشان [مقاطعاً]: هل يوجد دليل؟

د. طاهر لبيب ِ[مستأنفاً]: لأسباب مختلفة، أولها: أن الثقافة العربية ثقافة كبيرة، الثقافة العربية من الثقافات الكبرى في تاريخ البشرية. الشيء الثاني: هو أن عولمة الثقافة هذه فرصة جديدة لكي يساهم العربي في بلورة مقولات، في بلورة فكر عالمي إنساني جديد، يعني أنت لما تأخذ الثقافة العربية لما كانت في عزها، وفي مجدها لم تكن عندها هذه القشعريرة وهذا الخوف وكذا، وذهبت إلى الهند والسند واكتشفت الآخرين، وكان الآخر متعدد ومتنوع، ونتعامل معه بدون أي مشكل، وكانت تعترف بالثقافات الأخرى، وكانت ثقافة الأمم كانت عندها منظومة، أو ماتريس [matrix] كبيرة.

كان .. لما ترجع إلى الجاحظ وأبو التوحيدى، ستجد كيف يتحدث عن الأمم الكبرى -الروم والصين- بشكل غريب يعني يلفت انتباهك، لأنه كان مستقراً في ثقافته غير مهزوز. بعدين لما ظروف الاستعمار وإلى غير ذلك خلقت ردة الفعل هذه الخائفة الوجلة الحذرة من كل محافظة أو رجعية أو سلفية في هذا الموضوع، ولذلك أصبحت أصبح شعاراً ظاهره الرحمة وباطنه العذاب.

محمد كريشان: دكتور طاهر لبيب، شكراً جزيلاً.

د. طاهر لبيب: شكراً لك أيضاً.