المرأة العراقية في مواجهة الحصار
مقدم الحلقة | محمد كريشان |
ضيف الحلقة | ناصرة السعدون، مدير عام في وزارة الثقافة والإعلام العراقية |
تاريخ الحلقة | 25/12/2000 |
محمد
محمد كريشان: عطاء المرأة العراقية عطاء لا يتوقف كنهر دجلة المتدفق رغم شح المياه، ربما تكون المرأة العراقية تحملت من أعباء الحصار المفروض على بلادها ما لم يتحمله أحد، تحملته طفلة، وأماً، وزوجة، وأرملة وأختاً، والقضية ليست في كل ما سبق، وأنما كذلك في أن هذه المرأة تحملت من الغمز واللمز ما زاد الجرح ألماً وعمقاً، قضية نطرحها مع ضيفتنا لهذا الأسبوع، الإعلامية العراقية ناصرة السعدون.
* * *
ناصرة السعدون من مواليد محافظة واسط في العراق عام 1946م، بكالوريوس اقتصاد وعلوم سياسية من جامعة بغداد عام 1966م، ودبلوم عالي في الاقتصاد من جامعة (بواتييه) في فرنسا.
تشغل حالياً منصب (مدير عام في وزارة الثقافة والإعلام) وتترأس تحرير جريدة (بغداد أوبزرفر).
كاتبة وروائية ومترجمة، صدر لها عدد من الكتب كما ترجمت عدداً آخر.
أرملة المرحوم مصطفى توفيق المختار (عضو المجمع العلمي في العراق).
* * *
محمد كريشان: السيدة ناصرة السعدون، أهلاً وسهلاً.
ناصرة السعدون: أهلاً وسهلاً بيكم.
محمد كريشان: قبل أن نخوض في تفاصيل قضيتنا لهذا الأسبوع والمتعلقة بالحصار في العراق، وانعكاساته على المرأة تحديداً في المجتمع، ما هي المكانة الاجتماعية وحتى القانونية التي كانت للمرأة العراقية في العصر الحديث؟
ناصرة السعدون: إذا أخذنا العصر الحديث على أنه يبدأ مع بداية القرن العشرين، فخلال العشرينات والثلاثينات مع استقلال العراق، أول ما بدأ كان تعليم المرأة والرجل في آن واحد، حين كانت تفتح المدارس كانت تفتح للمرأة والرجل يعني للفتيان والفتيات، فبدأت أول موجات التعليم بالعراق، وبالتالي بدأ تعليم المرأة مع استقلال العراق، وكلما زاد.. اتسع تعليم المرأة أخذت مكانتها.
في الدستور العراقي مع استقلال العراق ضمن للمرأة الحق المتساوي مع الرجل في الأجر وفي فرص العمل، إذا تذكرنا أنه في خلال الأربعينات حين بدأت حركة الشعر الحر في العراق، كان رواد الشعر الحر هم (نازك الملائكة) ثم (بدر شاكر السياب) وانتشرت فيما بعد إلى الوطن العربي.
خلال الأربعينات والخمسينات كان هناك العديد من النساء طبيبات، مهندسات، أستاذات، مدرسات، وفي جميع مرافق العمل، وهكذا وبالتدريج أخذت المرأة دورها في مجال العمل، وفي مجال الدراسة، الجانب الإيجابي إلى حد كبير، هو أن المرأة المتعلمة بالذات حين تتزوج وترزق بأطفال، كانت تحرص على الاستمرار بالعمل، وتستمر في قوة العمل ما دامت قادرة عليه وفي عمر الـ..
بعد ثورة تموز 68، اتسع الاهتمام بالتعليم بشكل عام، وبتعليم المرأة بشكل خاص، في عام 86 مثلاً كانت قد أنجزت حملة لمدة خمس سنوات للقضاء على الأمية في العراق، وأخذ العراق في 86 جائزة اليونسكو للقضاء على الأمية، إذن حين تقضي على الأمية، وتمنح المرأة فرص العمل تجد أن المرأة تعمل في كل المجالات تقريباً، وأينما رغبت -لنقل- وأينما كانت مؤهلة للعمل، هذا أعطى المرأة ثقة بنفسها، وقدرة على الإبداع والعطاء.
محمد كريشان: نعم، على صعيد الأحوال الشخصية، القوانين المتعلقة بالأسرة والعائلة، كيف كان الوضع بالنسبة للمرأة العراقية؟
ناصرة السعدون: لا أستطيع الحديث عن الجانب القانوني، فلست متخصصة بذلك، لكن في العراق، ومنذ يعني أزمنة طويلة في العصر الحديث، لم يكن تعدد الزوجات من الممارسات الشائعة، خصوصاً في المدن، في الأرياف نعم كان هناك إلى حد ما، بس بنسب أقل بكثير من كثير من الأقطار العربية، وكلما زاد تعليم الفئة الاجتماعية التي يعني التي يخلقها التعليم في الأسرة العراقية، كلما قلت نسبة تعدد الزوجات.
المرأة العراقية لها حق طلب الطلاق في حالة اقتناع القاضي بالأسباب الموجبة لذلك، لها حق حضانة الأطفال بعد الطلاق في حالة الانفصال، إذا اقتنع القاضي بأهليتها، لذلك كانت الأحوال الشخصية، رغم أني لست متخصصة -مرة ثانية أقول- لست متخصصة بالقانون، لكن المرأة العراقية حافظت، استطاعت المحافظة على وضعها الأسري والاجتماعي، برغم التغيرات اللي طلعت أو إلى آخره.
محمد كريشان: السيدة ناصرة، طالما أشرت إلى موضوع القضاء على الأمية، وجائزة اليونسكو عام 86، وتعليم المرأة بشكل خاص، هل كان التعليم من أوائل الميادين الذي دفعت المرأة فيه فاتورة آثار الحصار؟ هل انحسرت نسبة تعليم المرأة تحديداً، والبنات الصغيرات كانعكاس أولي للحصار؟
ناصرة السعدون: لا أستطيع القول إن المرأة بشكل خاص أو الفتيات، تعليم الفتيات، الحصار أثر على وضع التعليم بشكل عام، الآن حسب إحصائيات اليونسكو مثلاً أن 30% من الأطفال في عمر الدراسة، قد تسربوا من الدراسة، الفتيان والفتيات تركوا الدراسة لأسباب عديدة، مثلاً إذا كان الفتيان يتركون الدراسة، لممارسة بعض الأعمال الصغيرة، لإسناد ميزانية العائلة، فالفتيات أيضاً كانوا..
محمد كريشان[مقاطعاً]: يعني لم تكن.. لم تكن البنت أكثر تضرراً من الولد في هذا الأمر؟
ناصرة السعدون: لا أستطيع القول بذلك، لكن هذه يتطلب إجراء إحصائيات عن هذا الموضوع.
شخصياً لا أملك هذه الاحصائيات، لكن ما أشاهده في المدارس إن التسرب، يعني بعد المرحلة الابتدائية.. يعني بعد عفواً، بعد الدخول إلى المدرسة في سن السادسة، في السابعة، الثامنة، التاسعة يبدأ التسرب من المدرسة، هذا يعني إن التسرب هو للعمل، لإسناد ميزانية العائلة، فيه كثير من الأحيان التسرب يكون لعدم قدرة العائلة على تغطية النفقات البسيطة، يعني –مثلا- قبل الحصار، كانت الدولة تسلم للطلاب الكتب، القرطاسية، الدفاتر والأقلام، والمماحي، وإلى آخره، مع وجبة طعام للمدارس الابتدائية، وجبة طعام خلال.. بعد الساعة العاشرة، بسكويت (biscuits) وحليب، هذه ألغيت بعد الحصار بسبب الظروف الموجودة، لكي يذهب الطفل فتى أو فتاة إلى المدرسة، لابد له من ملابس لائقة، وهذا الحد الأدنى، هذه غير موجودة.
أسعار الدفاتر والأقلام والقرطاسية أصبحت عالية جداً، الحكومة توزع نعم، لكن ليس بالكميات التي كانت توزعها قبل الحصار، بالتالي لشراء هذه المواد تكلف ميزانية العائلة، هذا إذا كان طفل واحد، أما إذا كان هناك أربع، خمس، ست أطفال، فهذه مكلفة ومرهقة لميزانية العائلة.
محمد كريشان: ومن الصعب أن يقسم المرء أي مجتمع إلى رجال ونساء، ولكن إذا أردنا أن نحاول التركيز على وضع المرأة في العراق، هل كانت المرأة أكثر تضرراً من الأعباء الاجتماعية للحصار؟ يعني المرأة أقصد هنا- الأم، الزوجة، البنت الصغيرة، إذا بدأنا مثلاً بالأم هل تعتقدي بأن هذا العضو في الأسرة العراقية كان أكثر حملاً للأعباء؟
ناصرة السعدون: أكيد، المرأة الأم، ربة البيت، والموظفة أو العاملة تحمل عدة أعباء في آن واحد، وعدة مسؤوليات في آن واحد، فهي إن كانت تعمل في خارج البيت فهي مسؤولة عن ترتيب البيت، وعن وضع الطعام على مائدة الأسرة، بالتالي اضطرت الكثير من النساء، وأعداد هائلة إلى العمل أكثر من وجبة عمل، ولكي تغطي ميزانية العائلة، ظروف الحصار –أيضاً- رفعت من نسبة الطلاق، ولكون المرأة هي التي تحتفظ بالأطفال، هذا أضاف عليها عبء أنها ستكون مسؤولة يعني أم وأب في آن واحدة
محمد كريشان: لماذا ارتفعت نسبة الطلاق برأيك؟
ناصرة السعدون: الظروف الاجتماعية، الظروف الاقتصادية، الوضع الاقتصادي الصعب في العراق، لمدة عشر سنوات جعل من هذه ظاهرة مؤسفة، لكنها موجودة.
محمد كريشان: يعني الطلاق كان نتيجة يعني توتر داخل العائلة أم أصبح الرجل يشعر بأن أي عائلة هي عبء عليه، وبالتالي يريد التخلص منها؟
ناصرة السعدون: الاثنين في آن واحد، الاثنين في آن واحد، عدم قدرته على الكسب، بما يكفي لتغطية احتياجات الأسرة يجعله يشعر بالذنب، وبالتالي تتكون العقد النفسية والاجتماعية، وهذه ظاهرة مؤسفة وسببها الأساسي هو الحصار.
المرأة حين تفقد طفل، وأذكركم أن حسب إحصائيات اليونسكو، مليون طفل ماتوا في العراق بسبب الحصار، حين تفقد المرأة طفل أو طفلين أو ثلاث أطفال، هاي مأساة تجعلها تهرب قبل وقتها، تجعلها تشعر بثقل الحياة وتكره الحياة، حين يمرض طفل ولا تجد له دواء في أي مكان، وإن وجد في السوق السوداء فهو بأسعار خيالية فهذا عبء على المرأة، عبء نفسي وعبء اجتماعي، وعبء صحي، كلنا.. كل النساء في العراق فقدنا أحباء علينا، فقدنا أطفال، فقدنا أزواجنا، فقدنا إخواتنا، فقدنا آباءنا، وبكل أعمارنا، فقدنا أخواتنا، مأساة لمدة عشر سنوات مستمرة، نعم جعلت العبء ثقيل جداً على المرأة.
محمد كريشان: يعني طالما ظاهرة الطلاق موجودة، هل معنى ذلك أنه في النهاية أصبح الإقدام على الزواج أيضاً عملية يجب أن يقرأ لها ألف حساب؟ هل أصبحت مثلاً أعمار البنات العراقيات اللوائي يفترض أن يتزوجن، أصبح السن مرتفع؟ هل هناك مشكل في الزواج؟
ناصرة السعدون: نعم هناك، هناك أعمار الفتيات يعني سابقاً -مثلاً- كانت الفتيات بعد إكمال تعليمهم في سن الواحد وعشرين سنة، بعدها سنة سنتين، ثلاث سنوات، تجد الفتاة قد تزوجت وهي تعمل وتصبح أم، الآن هذه أصبحت أقل بنسب كبيرة جداً، بسبب يصعب فتح بيت الآن، يعني ما كان سابقاً زوج وزوجة يتخرجون، ويعملون ويفتحون بيت، أصبح الآن هذا يعني صعب جداً.
محمد كريشان: هل أصبح أيضاً يدفع بأعداد أكبر من النساء إلى سوق العمل؟ أشرتي في البداية إلى أن إقدام المرأة على سوق العمل تقليد قديم، هل ازدادت يعني الحاجة إليه بشكل مكثف الآن؟
ناصرة السعدون: نعم.
محمد كريشان: أصبح ليس.. أصبح ضرورة، يعني ليس
ناصرة السعدون:
هو ضرورة، هو ضرورة، عمل المرأة ليس فقط جانب اقتصادي.
محمد كريشان: صحيح.
ناصرة السعدون: عمل المرأة هو تحقيق ذاتها، هو تحقيق شخصيتها، هو تحقيق طموحاتها، وليس فقط الكسب المادي، الآن ظروف الحصار، رغم إن الكسب المادي أي الأجور اللي الأجور الثابتة اللي يتسلمها الشخص العامل، قياساً لما كان سابقاً.. يعني القوة الشرائية للدينار العراقي انخفضت بنسبة كبيرة، وبالتالي كمردود اقتصادي، ما أصبح الأجر الثابت مجزي، لكن مع ذلك، تجد أن المرأة تدخل في سوق العمل، لأنه سوق العمل يحقق ذاتها.
في الظاهرة التي توسعت في ظروف الحصار هي خروج المرأة مو فقط للعمل الحكومي، وإنما business نجد كثيراً من السيدات والفتيات فتحوا مكاتب، فتحوا شغلات حرة، يقوموا بكثير من الأعمال في البيت ويخرجون بها إلى سوق العمل..
محمد كريشان[مقاطعاً]: مثلاً يعني..
ناصرة السعدون: الأشغال اليدوية كثيرة، الخياطة، الحياكة، التطريز، الرسم، السيراميك، الطبخات الجاهزة، فكثير منهم يا إما يعملون full time job ويسوقوها إلى محلات التسويق، أو إضافة إلى عملهم في خارج البيت.
[فاصل إعلاني]
محمد كريشان: بالإشارة إلى العمل الإضافي، الرجال هنا أغلبهم لديهم هذا العمل الإضافي، نفس الوضع بالنسبة للمرأة؟
ناصرة السعدون: وللنساء أيضاً، نعم
محمد كريشان: ولكن إذا كانت تعمل في الخارج، ثم تعود إلى البيت، ولديها واجبات منزلية، ونعرف طبيعة العقلية العربية، التي تجعل المرأة هي المسؤولة أكثر على بيتها، كيف يمكن أن توفق بين الواجب في البيت، وعملها في الخارج، وهذا العمل الإضافي، لمساعدة ميزانية البيت؟
ناصرة السعدون: هذه اللي أسميها المعجزة، قناعة الإنسان العراقي، أن هذا الظرف مفروض عليه من الخارج وإنه استمراره في الحياة بشكل قدر الإمكان طبيعي، يجعله يبذل من الجهد.. يعني يمكن قبل الحصار لو أحد قال لنا: إن كل واحد منا سوف يتحمل مثل هذه الأعباء، لما صدقنا، لكن مع ذلك تجد المرأة، نعم، تخرج للعمل في وظيفتها ترجع للبيت تقوم بواجبات العمل المنزلي، بالتعاون مع جميع أفراد الأسرة، وهذه أيضاً ظاهرة إيجابية إن كان للحصار من شيء إيجابي فهذه ظاهرة إيجابية، وثم مثلاً. أعرف كثير من السيدات يملكون computers -مثلاً- في بيتهم صاروا يشتغلون في أعمال الطباعية، طباعة الكمبيوتر، وأطروحات الماجستير والدكتوراه، ويبقون إلى ساعات متأخرة من الليل، رغم أنهم يشتغلون الصبح ويشتغلون في الأعمال المنزلية، ثم يبدأون بهذه الأعمال مرة ثانية، فهذه نعم عبء ثقيل جداً، لكن هذا يجعلنا نثق أنه إحنا عندنا قدرة بعد للمطاولة.
محمد كريشان: هل أصبحت المرأة العاملة ذات مكانة اجتماعية أكثر قوة؟ بمعنى يعني، هل أصبحت مرغوب فيها أكثر –مثلاً- إذا افترضنا هناك مشروع للزواج، أي شاب من مصلحته أن يتزوج امرأة تعمل، حتى تساعده، خاصة، وأننا أشرنا إلى أن أصلاً فتح بيت أصبح الآن عملية صعبة، يعني هل تطورت المكانة الاجتماعية للمرأة من هذه الزاوية تحديداً، أصبحت ذات وزن أثقل؟
ناصرة السعدون: لا. هو هذا وزنها، وزنها هو هذا، نعم ظروف الحصار أضافت عليها أعباء ومسؤوليات أكثر، نعم هذا صحيح، أما لماذا يختار الشباب.. الشاب الفتاة؟ هذه مسألة شخصية جداً، وتختلف من منطقة إلى أخرى، وتختلف من الريف إلى المدينة، وتختلف من طبقة إلى أخرى، لا أستطيع الجزم بهذا الاتجاه.
لكن المرأة في ظروف الحصار أخذت مواقع قيادية في كثير من المجالات، هذه كانت موجودة، لكن الآن يمكن لأن.. يمكن لأن الظرف يتطلب البحث عن إمكانيات أكبر، عن قدرات أكبر، المرأة أخذت مكانتها، وتبوأت مواقع قيادية.
يعني في الثمانينات -مثلاً- كان هناك معمل السجاد الصوفي مثلاً، هذا مثال أنا شخصياً يعني أحب أذكره الآن، معمل السجاد الصوفي، المدير كانت امرأة، جميع العاملين من مهندسين إلى العمال اليدويين كانوا من النساء، باستثناء حارس، قوة العمل الذكورية الوحيدة كانت الحارس، كادر حوالي ثمانين إلى مائة شخص كلهم كانوا من النساء، وهذه ظاهرة موجودة، كانت في الثمانينات، الآن موجودة أيضاً هذه الظاهرة.
محمد كريشان: هل أعباء الحياة جعلت دور المرأة في المجالات الاجتماعية والسياسية العامة يتقلص لمصلحة المرأة في دورها التقليدي المساعد لرب الأسرة لتوفير الحاجيات الأساسية للبيت؟
ناصرة السعدون: أنا أعتبر أن دور المرأة ليس مساعد، دور المرأة أساسي.
محمد كريشان: أساسي.
ناصرة السعدون: فكما يعمل الرجل، ويأتي بدخله.. ويقم بدوره الاجتماعي، فالمرأة كذلك نفس الدور، لهذا السبب أرى أن المرأة في العراق دائماً تمشي مرفوعة الرأس، لأن تشعر أن دورها موازي لدور الرجل، نعم هي امرأة وهو رجل، مع كل الاحترام للجنسين، لكن الاثنين يعملون، الاثنين لهم دخل، الاثنين يجيئون بمردود، ويتعاونون في تربية الأطفال، أشعر أنه حتى ظروف الحصار كمان أثقلت المرأة بمسئوليات، لكن رفعت من حالتها المعنوية.
محمد كريشان: عند متابعة الشؤون العراقية دائماً في نشرات الأخبار وفي التغطيات الإعلامية اليومية لكثير من المشاكل العراقية، نجد أن المرأة حاضرة باستمرار، هي حاضرة وهي تأخذ طفلها إلى المستشفى، حاضرة من المآتم، حاضرة في كل عمليات القصف، هل تعتقدين بأن ربما المرأة تحملت على مستوى الأعباء العاطفية، والمشاعرية أكثر من الرجل في العراق.
ناصرة السعدون: أكيد، يعني حين تضع الأمم المتحدة المعايير الـ criteria يسموها الأكثر تضرراً أو الأكثر هشاشة -إذا جاز لي استخدام هذا التعبير- نعم المرأة بكونها عاطفية، يعني أكيد لما تفقد زوج، لما تفقد طفل، لما تفقد أخ، لما تفقد.. أكيد يعني لأنه بتكوينها الفيزيائي مشاعرها أكثر تفجراً من مشاعر الرجل، نعم المرأة حين يقصف بيت -وهذا شاهدناه- يفقد طفل، فالطفل هو طفل الأم، الرجل نعم هناك مجالات أخرى يقدر يعبر بها عن مشاعره، المرأة تبكي وتصرخ ثم تخرج للعمل في اليوم التالي.
محمد كريشان: إذا أردنا أن نقوم بنوع من الجرد الأولي قبل الخوض في التفاصيل في الآثار السلبية على المرأة تحديداً، طالما قضيتنا قضية المرأة العراقية، الآثار السلبية على المرأة العراقية من جراء الحصار، ماذا يمكن أن يقال؟
ناصرة السعدون: أولاً: الأمراض وهذا كإنسان.
محمد كريشان: صحيح.
ناصرة السعدون: انتشار الأمراض.
اثنين: تقدمها بالعمر قبل وقتها، الآن حين تسير في الشارع، تجد أنه يعني الشعر الأبيض في المرأة أصبحت نسبته عالية جداً، حالتها النفسية، يعني ليس من السهل على أي إنسان أن يقصف بيته أو بيت جيرانه شعورها بعدم الأمان، ماذا سأفعل غداً؟ كيف سأملأ مائدة الطعام؟ من أين آتي بالأدوية؟ إذا مرض طفل، ودرجة حرارته ارتفعت درجة واحدة من أين تأتي له بالأسبرين؟
من أين تأتي له بالأدوية إن لم تتوفر؟ المرأة – نعم .. نعم – المرأة أثقل عليها الحصار كثيراً مثلما أثقل على المجتمع ككل، لكن المرأة –بشكل خاص- لشعورها العالي بالمسؤولية، ولمشاعرها المتدفقة، فيكون عبء الحصار مضاعف عليها.
محمد كريشان: أيضاً وجود بيوت عديدة رجالها استشهدوا أو هم أسرى أو غيره، سواءً في الحرب العراقية- الإيرانية، أو في حرب الخليج الثانية كما توصف، هل هناك في المجتمع العراقي توجه لـ.. لمساعدة هذه الفئة المعينة من النساء؟
ناصرة السعدون: هذا أكيد، إذا أخذنا الجانب الرسمي، الحكومي، فهناك الرواتب والأجور لجميع المفقودين، سواء ثبت كونهم أسرى حرب أو شهداء، يعني إلى أن يثبت كونه شهيد، فيأخذ أجر الشهيد إلى عائلته يصرف، وإن كان أسير حرب أيضاً يصرف أجوره إلى عائلته، بين هذه الفترة إلى حين ثبوت كون هذا الشخص أسير حرب أو شهيد، هو يستلم راتب المفقود، أي مثل ما كان يستلم، يعني العائلة يستمر دخلها كما كان في السابق، وهذا –أيضاً- من حرب إيران يعني وليس جديد، هذا بالجانب الرسمي.
أما بالجانب الشخصي، أو العائلي، أو الأسري، أو العشائري.. المجتمع العراقي ككل المجتمعات التقليدية، وبشكل خاص بالعراق، هناك نوع من التساند، هناك نوع من التعاون حتى في حالة الضنك الجماعي، يعني عشر سنوات الحصار هناك كثير من العوائل اللي لا تملك دخل ثابت، فتجد العم، والخال، والأخ.. إلى آخره كل واحد يساهم بشيء.
إضافة لذلك هناك أجور من وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، مساعدة وليست أجور، مساعدة تدفع إلى العوائل المتعففة، التي لا تملك رب أسرة ينفق عليها، فهذه موجودة.. ولولا ذلك لما استطعنا البقاء عشر سنوات بدون.. بظرف الاقتصادي صعب، المفقودين كثير في.. بعد العدوان الأمريكي في عام 1991م، هناك عدد كبير حوالي 1500 شخص مفقودين لحد الآن لم يعرفوا، الشهداء كثيرين من المدنيين والعسكريين، المدنيين أكثر من العسكريين، وبالتالي لولا هذا التعاون، ولولا المساعدة.. ولولا البطاقة التموينية التي تعطى لكل مواطن عراقي أو ساكن في العراق من جنسيات أخرى، لكان هناك ومآسي كبيرة.
محمد كريشان: هل يمكن الحديث عن ظاهرة.. تفاقم ظاهرة المرأة الأرملة في العراق؟
ناصرة السعدون: الأرامل كثيرات.
محمد كريشان: نسبة كبيرة.
ناصرة السعدون: نسبة كبيرة، خصوصاً بعد بعد العدوان الأمريكي في 1991م، زادت نسبة الأمراض، وبالتالي يعني تجد أن أمراض غريبة عجيبة أسبابها -أيضاً- عديدة، منها التوتر العصبي، منها الذخائر، الـ.. اليورانيوم المنضب التي استخدمت ضد العراق، والتي سببت ارتفاع نسبة السرطان عشر مرات عما كان عليه سابقاً قبل العدوان، أمراض القلب، أمراض الرئتين، أمراض الكلى، أمراض كثيرة تؤدي إلى وفاة، لهذا هناك هناك أرامل كثيرة.
محمد كريشان: طالما أشرنا إلى موضوع الأسرى.. هناك مآسي عائلية، وعاطفية، حقيقية من جراء بعض الحالات لنساء اعتقدن -لفترة طويلة- بأن أزواجهن هم في عداد المفقودين، واتضح فيما بعد أنهم أحياء يرزقون، في حين أن المرأة تزوجت وأنجبت، هل من فكرة عن هذه الظاهرة؟ وإلى أي مدى تمثل شريحة واسعة في المجتمع العراقي؟
ناصرة السعدون: الشريعة والقانون يعطي المرأة يعني سبعة سنوات إذا هجرت المرأة، أو لم يكن يعرف عن زوجها أي خبر، تعتبر في حل من عقد الزواج، بعد العدوان الإيراني، يعني خلال فترة الثمانينات كان هناك الكثير من الأسرى الذين لم تعلن إيران عن وجودهم، بالتالي مرت السبع سنوات، ومرت ثمان سنوات، كثير من النساء تزوجن ثانية، وفي بعض الحالات تزوجوا –مثلاً- شقيق المفقود، لرعاية أبناء اخوته، أبناء أخوه تزوج الأرملة، وربى الأولاد، وصار له أولا أيضاً، ثم بعد 15 سنة أو بعد 20 سنة اكتشفت العائلة إن ابنها لم يكن ميتا، لم يكن.. وإنما كان أسيراً فعاد فاكتشف أن زوجته قد تزوجت وتتضاعف المأساة إن كان الزوج هو الأخ، هنا تدخل الظروف العائلية ويعني والاتفاق من يكون لمن، لكن هي مآساة.
محمد كريشان: وهؤلاء يعني.. الحالات هذه موجودة بكثرة في المجتمع؟
ناصرة السعدون: موجودة. موجودة
محمد كريشان: سيدة ناصرة.. هناك قضية أشرتي إلى الحرية التي كانت تتمتع بها المرأة العراقية، ومن بين هذه الحرية -بالطبع- حرية التنقل والسفر، وما إلى ذلك، في الفترة الأخيرة أصبحت هناك ظاهرة، لم تكن موجودة في المجتمع العراقي، وهي ضرورة أن أي امرأة تريد مغادرة العراق، عليها أن تكون مصحوبة بمحرم، هذا القانون لم يكن موجود من قبل، وعندما استفسرت عن أسباب سنه قيل بأن بعض التجاوزات الأخلاقية حصلت، مما استدعى سن هذا القانون، لردع بعض هذه التجاوزات، أولاً: ما هي هذه التجاوزات؟ وهل يمكن لهذا القانون أن يردعها فعلاً؟
ناصرة السعدون: كان بودي لو تسأل نفس الشخص اللي أجابك عن هذه الإجابة، بس العراق يعيش في ظروف حرب، حرب مستمرة، الحرب لم تنتهي في عام 1991م الحرب مستمرة لحد الآن، الحصار مايزال موجود، والحصار قتل الكثير من الجوانب المشرقة في المجتمع العراقي، نعم هناك تجاوزات حصلت.
لكن في كل.. أي بلد تشن عليه حرب من الكون كله، من دول العالم كلها، بضمنهم إخوانه العرب، ولمدة عشر سنوات، يضع قوانين استثنائية تسمى حالة طوارئ، يعني أحياناً تظهر تطلع مظاهرة في عاصمة من العواصم تفرض حالة الطوارئ، العراق صار له عشر سنوات في حالة طوارئ.
هناك بعض القوانين نعم، المعالجة حالات معينة ، يعرفها المشرع ولا أستطيع القول، المرأة إن كانت تريد الخروج من العراق، بسبب عقد عمل، أو للعلاج، أو إيفاد لأداء عمل يعني، إذا كانت مدعوة من جهة.. إذا كانت فنانة تشكيلية -مثلاً- تريد الخروج لعمل معرض فهي لا تطالب بالمحرم، يعني إن كان هناك سبب..
محمد كريشان[مقاطعاً]: وجيه..
ناصرة السعدون [مستأنفة]: واضح ووجيه، لخروجها فلا داعي للمحرم، أنا سافرت كذا مرة، تلبية لدعوات، لإلقاء محاضرات في مؤسسة عبد الحميد شومان، في الباكستان لمشاركة في مؤتمر، الهند لتقديم محاضرات في جامعة دلهي وإلى آخره، لم أقل.. ليس لدي محرم..
محمد كريشان: ولكن سيدة ناصرة من سألته أجابني في الحقيقة على أساس أن هناك بعض التجاوزات الأخلاقية من قبل بعض النساء العراقيات، عندما سافرن، ولكن أي تجاوز أخلاقي يمكن أن في المطلق تتورط فيه امرأة ورجل يعني، لماذا هذه الإشارة وكأن الإمرأة هي الوحيدة التي قد تتجرأ على أشياء غير أخلاقية في الخارج، في حين أن الرجل -أيضاً- العراقي أو غيرالعراقي إذا ما سافر بإمكانه أن يأتي..
ناصرة السعدون[مقاطعة]: يتجاوز
محمد كريشان: أن يتجاوز
ناصرة السعدون: كان بودي أن تسأل الشخص الذي سألته أن يجيبك على هذا، لأني شخصياً أنا..
محمد كريشان[مقاطعاً]: الآن أسألك أنت.. الآن أسألك أنت.
ناصرة السعدون: لأ، اسمح لي، أنا شخصياً أعرف أن من يثبت أو يقدم إلى دائرة الجوازات سبباً وجيهاً أو دعوة من جهة للسفر، لأداء هذا العمل بعقد عمل في مكان ما، لا يحتاج إلى محرم، لكن السفر لأغراض السياحة أعتقد أن ترف غير مبرر، شخصياً، أعتقد في ظروف الحصار أعتقد أنه ترف غير مبرر.
محمد كريشان: ومثلاً في بعض دول الخليج العربية، تقليد السفر مع محرم يعني سائر ومعمول به، وفي كل دول الخليج، أنا أسأل لأنه غير معمول به في العراق.
ناصرة السعدون: غير موجود في العراق إذن هو الظرف الاستثنائي، اللي هو ظرف الحصار، وظرف الحرب المستمرة من عام 91 لحد الآن.
محمد كريشان: سيدة ناصرة.. هناك قضية يعني إلى حد ما – تعتبر محرجة في الحديث، وهي ما قيل عن، لنقل بصراحة، انتشار الدعارة في أوساط بعض النساء العراقيات، بسبب ما كنا ما أتينا على ذكره من صعوبة الحياة، وفي كل مجتمع تصبح فيه القضية المعيشية قضية مطروحة بإلحاح إلا وتوجد هذه الظاهرة، ما هي أهميتها، وما حجمها في العراق؟
ناصرة السعدون: قبل أن نيجي إلى حجم هذه الظاهرة، هل هناك مجتمع يخلو منها؟! هي تسمى أقدم مهنة في التاريخ، وذكرت في الملاحم والأساطير في لدي كل الشعوب، وفي كل مكان في العالم، وهي موجودة الآن وفي كل أنحاء العالم من شرقه إلى غربه، بالتأكيد الظرف الاقتصادي يوسع من هذه الظاهرة، هل هي أكبر من غيرها في الأقطار العربية؟ أنا أقول لا، برغم ظروف الحصار، هناك أقطار عربية مثلاً -عربية ولا أقول عالمية- فيها هذه الظاهرة أكثر بكثير من العراق يخيل لي إن الحصار مرض، أحد أسباب إدامة الحصار على العراق، هو لخلق حالة من التفكك الأسري، ولإبراز هذه الظواهر الموجودة، تدمير المجتمع العراقي هي واحد من أهداف العدوان الأمريكي على العراق، وواحد من أهداف استمرار الحصار على العراق، هذه الظاهرة موجودة؟ نعم موجودة، إحصائيات؟ لا أملك إحصائيات أوسع مما كانت عليه قبل الحصار؟ بالتأكيد نعم، أما مدى سعتها لا أستطيع أن أقول، استخدمت هذه الظاهرة.. يعني هذا السؤال أصبح يطرح في كل المقابلات أينما ذكر اسم المرأة في العراق، يذكر هذا الموضوع، وأنا ها المسألة استغربها، أستغربها فعلاً، يعني المرأة العراقية التي عملت على مدى 80 سنة، 90 سنة في مختلف مجالات الحياة، الآن تذهب إلى المستشفى تجد الطبيبة، والممرضة، والعاملة، تذهب إلى المعمل تجد المهندسة والعاملة، تذهب إلى دوائر الدولة، تجد المدير العام، وتجد مدير المصرف الصناعي، وإلى آخره، ليس في المرأة العراقية إلا المرأة اللي من هذا النوع؟! لماذا التركيز على ذلك؟! يخيل لي أن وراء ذلك أسباب سياسية، لا أحب الدخول فيها، نعم الظاهرة موجودة..
محمد كريشان[مقاطعاً]: يمكن الدخول فيها.
ناصرة السعدون: لا. لا لا داعي لذلك، الموضوع.. نحن أكبر من هذا، المرأة العراقية أثبتت كونها إنسانة كبيرة بجهدها، وعملها، وإخلاصها ودفاعها عن بيتها، وعن أسرتها، نعم هناك انحرافات، لا مجال لإنكار ذلك ولا داعي لإنكار ذلك، هذه حالة موجودة، ولا نخجل أن نقول إنها موجودة، لكن لا نحب أن تستخدم لأغراض سياسية.
محمد كريشان: عندما تقولين.. ترفضين استخدامها لأغراض سياسية، هل تقصدين –مثلاً- ما أشير أحياناً في بعض الصحف حتى الخليجية تحديداً وأحياناً بنوع من التهكم على لفظة الماجدات العراقيات، البعض أشار إليها باستخفاف مع الإشارة إلى هذه النقطة، هل تقصدين هذا التوظيف السياسي بالتحديد؟
ناصرة السعدون: أقصد هذا وغيره، هناك ما هو أكبر من ذلك، لفظة الماجدة، وتسمية الماجدة أنا –شخصيا- فخورة بها، فخورة بها، لأن المرأة العراقية، على مدى العقدين الأخيرين الثمانينات والتسعينات، أثبتت جدارتها، وأثبتت قيمها العالية، أتمنى لمن يتهم المرأة العراقية بأخلاقها أن يكون لديه هذه الأخلاق، التي تتمتع بها المرأة العراقية، المرأة العراقية إنسانة مثقفة، مخلصة في عملها، مخلصة لوطنها، وإن كان هذا ما يعيبها لدى البعض فهذا يعيبهم.
محمد كريشان: عندما تشيرين إلى التوظيف السياسي، ولكن على الصعيد الاجتماعي الداخلي البحت في العراق، ذكرني أنك لا تملكين أرقام، وأن الظاهرة بالتأكيد أصبحت أكبر من قبل، ولكن هل يمكن الحديث عن أنها أصبحت ظاهرة مستفحلة، هل يمكن الحديث بأن هذه الظاهرة أصبحت محل حديث الناس بشكل عام في العراق؟
ناصرة السعدون: لا أعتقد إنها محل حديث الناس بشكل عام، لأن الناس همومهم أكبر من هذه القضية، هذه قضية هامشية وجانبية، وممكن معالجتها كأي معالجة اجتماعية تمت قبل فرض الحصار، هناك الكثير من الأولويات قبل أن نصل إلى هذه المسألة، يعني في اليوم الذي يرفع به الحصار، يعاد به بناء المعامل، ويعاد به بناء المدارس، ويعاد به تجهيز المستشفيات، أعتقد أن هذه الظاهرة ستزول لوحدها.
الفتاة الآن، اللي عمرها 11، 12، 13 سنة في الشوارع أما تتسول، تركت المدرسة وتتسول، أو تبع أشياء صعيرة، كلينكس أو سجائر أو إلى آخره، ماذا تتوقع أنه سيكون مستقبلها؟ تربت بسبب الحصار ترتب في الشارع ولم تتربى في المدرسة، هذه من إفرازات الحصار، وأنا أعتقد إن رفع الحصار كفيل بحل هذه المشكلة، مع حل المشاكل الأخرى في المجتمع العراقي.
محمد كريشان: يعني هل تعتقدين بأن البنات الموجودات في الشوارع مؤهلات لدخول هذا الآثم؟
ناصرة السعدون: لا، لا أستغفر الله، هذا اتهام هذا اتهام استغفر الله منه، أنا لا أقول ذلك، أنا أقول إن التربية الصحيحة بين البيت والمدرسة بسبب الحصار – أصبحت الآن أقل، التسرب من المدرسة جعل الكثير من العوائل المحتاجة تضطر لإرسال بناتها إلى العمل في أعمال صغيرة هنا وهناك، هذا يعرضهم لخطر لخطر ولا أتهمهم، استغفر الله
محمد كريشان: نعم. اسمحي لي.. هل هناك بعض التفهم، ولنجعل التفهم بين قوسين، لوجود ظاهرة الدعارة في المجتمع بسبب هذه الظروف؟ يعني أقصد هل هناك تسامح، أو ظروف تخفيف في الحكم الاجتماعي على هؤلاء النسوة يعني الحكم قاسي في كل البلاد العربية على هذه الفئة..
ناصرة السعدون [مقاطعة]: وهو قاسي فعلاً.
محمد كريشان [مستأنفاً]: هل هناك نوع من التخفيف، عندما يقع الحديث عن هذا النوع من النساء في المجتمع العراقي؟
ناصرة السعدون: لا.. الحكم قاسي، وكلنا.. أنا شخصياً يعني لا أقبل بوجود هذه الظاهرة في العراق، فكيف تريدني أن أخفف الحكم؟! الظرف الاقتصادي صعب نعم، لكن هناك أعمال كثيرة أخرى، بدل الإنسان يبيع جسده يبيع قدرة العمل، وفي هذه الأعمار التي يمارسن هذه المهنة هم في عمر العمل، يستطيعون العمل، قد يكونوا يستسهلون، لهذا هناك قبول اجتماعي ليس هناك تساهل اجتماعي، لكن هناك اعتراف بوجود هذه الظاهرة، وهناك فرق كبير.
محمد كريشان: وتعتقدي بأن في حد ذاته الجرأة في الاعتراف بالظاهرة في حد ذاته موقف صحي بالنسبة للعراق؟
ناصرة السعدون: لابد أن تعترف، لماذا تكذب؟ أنت لست مضطر تكذب، نعم حصلت هذه الظاهرة اتسعت هذه الظاهرة في العراق بسبب الحصار، العيب ليس على العراق وإنما على من فرض الحصار، العيب ليس على العراق وإنما على من أدام الحصار، من يرفض هذه الظاهرة يجب عليه أن يبدأ بالسبب، وليس النتيجة، هذه نتيجة وليست سبب، لماذا نخفيها؟ هي موجودة، وإن أردنا معالجتها، علينا أن نعترف بها، لهذا نحن نتمتع بالجرأة الكافية أن نقول نعم هناك ظاهرة الدعارة موجودة في المجتمع الآن أوسع -بكثير- مما كانت عليه، الآن لا تستطيع، يعني يصعب معالجتها.
محمد كريشان: في نفس الوقت – سيدة ناصرة- هناك ظاهرة نوع من العودة إلى التدين في المجتمع العراقي يعني كيف يمكن أن نفسر هذين المسلكين المتناقضين فيما يتعلق بالمجتمع عموماً، وفيما يتعلق بالمرأة –مثلاً- ظاهرة الحجاب لم تكن منتشرة كثيراً في أوساط المرأة العراقية، الآن أصبحت إلى حد ما تعتبر نسبياً ظاهرة، إذن هناك نوع من المفارقة التي قد تبدو..
ناصرة السعدون: نعم، المجتمع العراقي هو مجتمع مؤمن من البداية، عمل المرأة لا يلغي.. أو عدم تحجب المرأة لا يلغي إيمانها، لكن الظرف الصعب اللي صار لنا عشر سنوات من العمر، يعني من ولد، من كان عمره عشر سنوات في عام 91 أصبح الآن عمره 21 سنة، هذا عمر، it’s a life time مثلما يقولوا الأمريكان it’s a life time عشر سنوات يجب ألا ننسى هاي المسألة، في حصار لم يعرف له التاريخ مثيلاً.
أنا أتحدى أي مجتمع في العالم أن يعيش في عزلة كاملة وحصار مفروض عليه لمدة عشر سنوات، لنقل مجتمع أمريكي، مجتمع أوروبي، لا أقول مجتمع عربي، أقول مجتمع غربي متكامل، متطور، أتحدى أي مجتمع يقول: نحن قادرون على الاستمرار في حصار لمدة عشر سنوات.
الحصار فرض من الإخوة العرب، فرض من الدول الإسلامية الشقيقة والصديقة، فرض من الأعداء، لكنه فرض من الأصدقاء قبل الأعداء، من يحمينا؟ رب العالمين وحده، رب العالمين وحده، لهذا حتى من كان لا يلتفت لهذه المسألة، لكن في لاوعيه هو مؤمن، ظهر هذا الإيمان على السطخ، حتى غير المحجبات، حتى غير الملتحين الآن الإيمان، وفي كل الديانات الموجودة في العراق والعراق ليس فقط مسلمين، الآن تذهب إلى الكنيسة تجد جميع الطوائف المسيحية بأقسامها، وتقسيماتها، تجدهم يملئون الكنائس في أيام الأحد، كذلك في الجوامع، في كل الديانات في العراق، نعم، لأن نشعر إن هذا الحصار لضخامة الضغط الموجود علينا، ليس هناك إلا الله وحده –سبحانه وتعالى- هو القادر على أن يفك الحصار.
محمد كريشان: أشرتي أكثر من مرة بأن رفع الحصار كفيل بإصلاح الكثير من الانحرافات الاجتماعية التي حصلت، برأيك.. كم يمكن أن يأخذ ذلك من الوقت فيما يتعلق –مثلاً- بالمرأة، يعني أن تستعيد المرأة مكانتها الرائدة اجتماعيا وسياسياً –كما ذكريتها- في بداية اللقاء؟
ناصرة السعدون: لا، هي لم تقصد المكانة الرائدة، المرأة لم تفقد مكانتها.
محمد كريشان: يعني انغمست أكثر في أعباء الحياة..
ناصرة السعدون: وإنما لحل المشاكل والانحرافات.. نعم حل المشاكل والانحرافات نعم.
محمد كريشان: يعني يعني ما الذي.. هل تعتقدين بأن هذه المهمة ليست سهلة وتستغرق وقت طويل؟
ناصرة السعدون: ليس هناك مهمة سهلة، القصف في عام 1991 اللي استمر 42 يوم هذا القصف دمر كل الـ infrastructure كل البنى الارتكازية في العراق، الماء الكهرباء، المجاري، المستشفيات، المعامل، الطرق، المواصلات، الهواتف، فلأكمل يعني.. (مارتي ارتساري) الأمين العام المساعد للأمم المتحدة زار العراق بعدها بشهرين – تقريباً وقال إن الوضع (أبوكاليبتيك) يوم القيامة، ليس هناك شىء، لا ماء، ولا كهرباء ولا وقود ولا كذا وكذا وقدروا أنه بمساعدات غربية شبيهة بخطة مارشال لإعادة إعمار أوروبا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية بوجود هذه المساعدات يحتاج العراق إلى فترة لا تقل عن 5 سنوات، لإعادة البنى الأساسية في العراق، ماذا حصل في الواقع؟ حصل في الواقع أن العراقيين، مع استمرار الحصار ليس مشروع مارشال – وإنما استمر الحصار، أعاده البناء، وأنجز الكهرباء والماء والهواتف، والطرق، والجسور، وسكك الحديد والمعامل، والمستشفيات، من تجول في بغداد بعدها بسنتين قال: أين هي الحرب، بسنة ونصف، 18 شهر، استطاع العراق.. استطاع العراقيون المجاهدين، وهم فعلاً مجاهدين في هذا العمل، إعادة بناء كل ما دمرته 28 جيش، بضمنها جيوش الدول الكبرى والعظمى، إذن في حالة رفع الحصار كم سيستغرق؟ لا أستطيع أن أعطي رقم، لكن أقول: من أعاد البناء في سنة ونصف باستمرار الحصار، برفع الحصار يستطيع أن يحل مشاكله.
محمد كريشان: كل هذه الملابسات هل أبعدت المرأة العراقية عن السياسية؟ هل أكرهتها في السياسة؟
ناصرة السعدون: بالعكس.. الآن لا أقل المرأة، لماذا تقل المرأة؟ المرأة إنسان واعي ويقرأ الجرايد، ويسمع الصحف، أنت اسأل أي طفل عراقي في أي مدرسة عراقية من دمر هذا؟ يقول لك: بوش، من فرض الحصار؟ يقول لك: الأمم المتحدة، مَنْ مِنْ الأطفال في العالم يعرف ما هي الأمم المتحدة ومَنْ هي مجلس الأمن ويحدثك عن رؤساء أمريكا، وكلينتون، وتوني بلير؟ زاد من وعينا، أصبحت السياسة عالمنا، لا يستطيع أي إنسان الآن بالعراق أن ينام الليل قبل أن يسمع الأخبار، مستحيل يعني هاي جزء من حياتنا، تريد أن نتوقع ماذا سيحصل غداً.
محمد كريشان: سيدة ناصرة سعدون.. شكراً جزيلاً.