ضيف وقضية - الفن وجراحة التجميل - تاريخ الحلقة: 01/01/2001
ضيف وقضية

الفن وجراحة التجميل

ما الدوافع وراء عمليات التجميل؟ وما دور الطبيب فيها؟ ما أكثر عمليات التجميل التي يقوم بها الناس؟ وكيف ساهمت مأساة العراق في فن الجراح والفنان العراقي الدكتور علاء بشير؟ وهل تتعارض جراحة التجميل مع الشريعة الإسلامية؟
مقدم الحلقة محمد كريشان
ضيف الحلقة علاء بشير
تاريخ الحلقة 01/01/2001

undefined
undefined

محمد كريشان:

معروف عن العراق كثرة إبداعاته في مجالي الرسم والنحت، ولكن قلما تجد من استطاع أن يجمع إلى جانبهما مهارة أخرى هي الطب تحديداً، وضيفنا لهذا الأسبوع الدكتور علاء بشير واحد من هؤلاء، فهو طبيب في الجراحة التجميلية ورسام ونحات، والقضية هي هذا الخيط الرفيع الذي يربط بين الطب والرسم والنحت، وهذه المفارقة التي قد تبدو ظاهرياً بين البحث عن الجمال في الجراحة التجميلية والبحث عن نقيضه في الرسم والنحت.

علاء حسين بشير من مواليد العراق عام 1939. عُرِف جراحاً بارعاً وفناناً متعدد المواهب. حاصل على شهادة الاختصاص في الجراحة التقويمية من أدنبرة في بريطانيا، ودرس لسنتين فقط في معهد الفنون الجميلة. عضو جمعيات طبية وفنية عديدة. أقام عدداً كبيراً من معارض الرسم التشكيلي والنحت في عدد من الدول العربية والأجنبية بما في ذلك الولايات المتحدة مؤخراً. حاصل على جوائز تقديرية عديدة عراقياً وعربياً ودولياً.

محمد كريشان:

دكتور علاء بشير أهلاً وسهلاً.

د. علاء بشير:

أهلاً وسهلاً بكم.

محمد كريشان:

دكتور علاء أنتم جراح، ورسام، ونحات، ولا نريد أن نغبن أي جانب من هذه الجوانب، إذا أردنا أن نبدأ بالجانب الطبي وما اشتهرتم به من الجراحة التجميلية أو الجراحة التكميلية غالباً ما يأتيك الناس بحثاً عن جمالٍ ما أو تعديلات ما، برأيك ما هو مفهومك للجمال في هذه المسألة؟

د. علاء بشير:

قبل أن أجاوب أود أن أصحح بعض المفاهيم، الجراحة التجميلية إحنا نسميها بالعراق الجراحة التقويمية، والجراحة التجميلية تكوِّن جزء صغير جداً من مفهوم الجراحة التقويمية، لأن الجراحة التقويمية تعنى بمعالجة آثار الحوادث اللي تؤدي إلى تشوهات، أو تشوهات نتيجة…

محمد كريشان[مقاطعاً]:

خلقية.

د. علاء بشير [مستأنفاً]:

تشوهات خِلْقية، وتأتي سرطانات وأشياء أخرى، والجراحة التجميلية هي جزء بسيط من الجراحة التقويمية، الجراحة التجميلية بدأت أعتقد يعني بداية هذا القرن يعني كجراحة معترف بها وبداية الثلاثينات ثم بدأت تأخذ مجال واسع جداً بسبب التقدم التقني اللي طرأ على تطوير الأجهزة والأدوات الطبية، وأعتقد من بداية السبعينات لحد الآن بدأت تتطور بسرعة كبيرة، يخضع مفهوم الجراحة التجميلية إلى شقين كبيرين، هناك شق كبير تجاري يخضع للنوايا واتجاهات الشركات المصنعة للأدوية والأجهزة الطبية، وهناك شق إنساني. والطبيب أعتقد بين ها الشقين يعاني كثيراً، قسم من الأطباء يعاني، هذا بمختصر شديد لمفهوم الجراحة التجميلية، أما الجمال مثل ما تفضلت حضرتك، يعني مفهوم الجمال التطرق لهذا الوضع صعب جداً أعتقد يعني يمتد إلى أكثر من مجال هذه الحلقة، لأنه من بداية الفلسفة من زمن أفلاطون إلى حد الآن لم يتوصل الباحثون حول هذا الموضوع إلى مفهوم خاص لأنه الجمال هو جوهر الأشياء، وصفة الجمال هي تطلق إلى ظواهر هذا الجوهر، فمن الصعب الاتفاق على..، يعني كيف تعرف الجمال كجمال، لكن من السهولة أن تعرف الأشياء اللي تطلق عليها الصفات.. ممكن.

محمد كريشان:

ولكن تعريفه هو..؟

د. علاء بشير:

التعريف جداً صعب، هذا مشكلة، المشكلة الثانية الأهم هي مختلف الناس، مختلف المجتمعات حسب تقاليدها وقيمها وأساليب حياتها الاجتماعية والثقافية أيضاً قيم الجمال أيضاً تختلف من مكان إلى آخر، فصعب حقيقة تعريف الجمال.

محمد كريشان:

نعم، إذا أخذنا بالاعتبار -مثلما ذكرتم- أن الجراحة التجميلية هي جزء من جراحة التقويم، الجراحة التقويمية، يعني مثلاً هل صادف أن أتاك مريض ما لإجراء تعديلات معينة على طول أنفه أو غيره من الأشكال وربما حاولت إقناعه بأن هذا ليس بالضرورة عمل مناسب؟ هل سعيت في هذا الاتجاه؟

د. علاء بشير:

نعم، كثير من المرضى يعني يأتون للعيادة لتغيير أشكالهم: أنف، أو الفك، أو محجر العين أو الجبهة بدوافع كثيرة، بل الطبيب يجب أن يكون حذر..

محمد كريشان[مقاطعاً]:

مثلاً ما هي الدوافع يعني التي يعبر عنها المرضى يعني؟ بحثاً عن شكل أجمل دائماً يعني؟

د. علاء بشير:

هذا أكيد، يعني هو من حق المريض أن يبحث عن شكل أجمل، والطبيب يجب أن يكون مستعد أن يساعد المريض، لكن هناك الدوافع النفسية قوية جداً، أحياناً دوافع نفسية مرضية، يجب أن يشخص هذا المريض بدقة حتى يتجنب الطبيب مشاكل مستقبلية مع المريض، لأنه قسم من المرضى اللي يأتون بدوافع كهذه الدوافع اللي ذكرتها يكون صعب جداً إقناعهم أن يتقبلوا الشكل الجديد.

محمد كريشان:

يعني الجانب النفسي أنه لا يكون مسرور بشكله يعني يكون غير راضي عن شكله أو..

د. علاء بشير:

يعني الشكل، المظهر الخارجي هو الحقيقة يعني سبب يعني عذر يتخذه المريض للتغيير، وليس هو الهدف الحقيقي، يبقى دائماً أكو [يوجد] هدف آخر يعني، حتى لو أنت تعمل له أفضل عملية، دائماً المريض ينظر إلى شيء آخر، لأنه هو المشكلة مالته هي.. خارج يعني تتعدى الشكل الخارجي، فيجب أن يبحث الطبيب بدقة الأسباب وراء هذا الطلب.

محمد كريشان:

ولكن دكتور هل هذه مهمة جراح التجميل؟ أم مهمة –ربما- الطبيب النفساني؟ يعني هل تسعى إلى الغوص في هذه الأسباب أم تعتبرها مسألة لا تعنيكم؟

د. علاء بشير:

نعم، هو صحيح الذي تفضلت به صحيح جداً، إحنا ربما نقدر نُشَخِّص هذا المريض، ونقدر نساعده إنه نبعثه إلى طبيب اختصاص أمراض نفسية، وهو اللي يمكن يقدر يساعده أكثر من عندنا، لكن هو يجب أن نكون إحنا حذرين بهاى المشكلة، يعني ما مشكلة حقيقية يعني.

محمد كريشان:

ولكن هل من السهل دكتور أن يتقبل المريض أن تحيله إلى طبيب نفسي؟ لأنه أصلاً هو جاء لحل مشكل معين فإذا بكم ربما تزيدون في تعقيده، ربما كأنك تعقد المسألة بالنسبة إليه.

د. علاء بشير:

ده صحيح، صح لأنه تَقَبُل فكرة ذهاب المريض إلى طبيب نفسي يعني الكثير للمرضى خاصة في مجتمعات كمجتمعاتنا، بينما..

محمد كريشان[مقاطعاً]:

للتداخل بين…

د. علاء بشير [مستأنفاً]:

يعني هم يتصورون إنه هذا الشخص عنده مشكلة أكبر من كونه مريض نفسي، يعني حتى أصدقاؤه.. أقرباؤه لأنه المجتمع ينظر.. هاي الحقيقة أنت أثرت موضوع جداً مهم..، جداً جداً مهم، وإحنا في بعض المجتمعات وإحنا واحدة من إحدى هذه المجتمعات ينظرون للأمراض النفسية نظره دونية.

محمد كريشان [مقاطعاً]:

صحيح.

د. علاء بشير [مستأنفاً]:

نظرة غير اعتيادية، بينما الحقيقة هي مشكلة كبيرة جداً، ومشكلة الأمراض النفسية أكثر بكثير تعقيداً من مشكلة الأمراض العضوية.

محمد كريشان:

أغلب هؤلاء الذين تتم إحالتهم للطبيب النفسي، هل يعودون فيما بعد؟ هل يعودون إليك مقتنعين أكثر بالعملية أم ربما بعضهم لا يعود أصلاً؟

د. علاء بشير:

بعضهم لا يعود، يرفضون رفض تام، يعني قليل جداً، يعني أنا أعتقد أنا أمارس الطب من سنة 1963م، 1964م إلى حد الآن. أعتقد يمكن مريضين فقط قبلوا هذه الفكرة.

محمد كريشان:

يعني لا يذهب للطبيب النفسي أصلاً؟

د. علاء بشير:

أبداً، ما أعرف، ما أعرف.

محمد كريشان:

أو يذهبوا وربما يعدل عن فكرة إجراء العملية.

د. علاء بشير:

ويروح ما يرجع مرة تانية.

محمد كريشان:

هذا النفور هل جعلك مثلاً تحاول ألا تطرح هذا الموضوع على..؟

د. علاء بشير[مقاطعاً]:

لا.. لا، بالعكس يعني جعلني أكثر تصميم على الاستمرار بهذا النهج لأنه…

محمد كريشان:

يعني كأنك تطفش الزبائن.

د. علاء بشير:

لأ. أتجنب المشاكل، يعني أنت حضرتك لو عوزت تتتبع القضايا الطبية اللي تحدث مثلاً في بلد يمارس عمليات التجميل بكثرة وهو المجتمع الأمريكي، لو تتتبع الحوادث تشوف كثير من الحوادث المؤسفة يعني تحدث للجراحين والأطباء بسبب إهمالهم لهذا.. يعني حتى توصل إلى مرحلة القتل.

محمد كريشان:

دكتور هذا الجانب الذي تسعى لتنوير المريض هل يعود إلى –يعني- مبادرة شخصية منك، أم تعتقد أن على كل طبيب جراح أن ينبه المريض؟

د. علاء بشير:

لا لا، أنا أقول هذا الكلام نتيجة تجربة الآخرين، الآخرين يعني في كل مكان بالعالم: في أمريكا، في إنجلترا، في فرنسا، بألمانيا، بأي مكان بالعالم، يعني وجزء كبير من لو تطل على الكتب الجراحات التقويمية والتجميل شوف يعني فصول كثيرة مكرسة لهذا الموضوع، يعني موضوع الأمراض النفسية وعلاقتها بالدوافع اللي بتدفع المرضى إلى.. بمراجعة أطباء التجميل.

محمد كريشان:

أشرت قبل قليل إلى النواحي التجارية في التجميل، يعني إذا أخذ الطبيب هذا الموضوع بزاوية تجارية يقوم بالعملية بغض النظر عن أي اعتبار آخر برأيك؟

د. علاء بشير:

لا أنا أشرت إلى الدوافع نجاح التجميل، لأنه ممارسة الطب على العموم وجراحة التجميل جزء من هذا، الآن تقع يعني تحت تأثير كبير للشركات المصنعة للأجهزة الطبية والأدوية، وعدد كبير، عدد لا بأس به من الأطباء يروجون لهذا يعني بتوجيه من شركات الأجهزة الطبية والأدوية.

محمد كريشان:

يعين يسقطون هذا الجانب النفسي أو لا يحاولون إعطاءه.

د. علاء بشير:

لا، لا. كشيء عام، كممارسة عامة جراحة التجميل خاصة جراحة التجميل لأنها تستقطب عدد كبير من النساء والفتيات، فهي الجراحة كلها كممارسة تقع دائماً في فخ الشركات المصنعة للأجهزة الطبية والأدوية.

محمد كريشان:

نعم، من خلال تجربتك ما هي عمليات التجميل التي يحرص عليها الشخص أكثر من غيرها؟ الآنف، الفك، الفم؟

د. علاء بشير:

كل أعضاء الجسم أعتقد متساوية، لكن الأنف يمكن بالمقدمة.

محمد كريشان:

الأنف.. لأنه الأنف العراقي مشهور.

د. علاء بشير:

الأنف العراقي لا بالنسبة للعراق هو في كل العالم يعني الحقيقة.

محمد كريشان:

نعم، ليست ظاهرة، نعم.

د. علاء بشير:

نعم، ليس ظاهرة بالعراق، في كل مكان بالعالم، أولاً بالصدارة الأشياء اللي ممكن رؤيتها بسهولة وهي أعضاء الوجه، أجزاء الوجه يعني بالصدارة، والمرحلة الثانية الأجزاء المهمة لشكل جسم المرأة، يعني مثلاً ترهل البطن، الثدي، الورك الأشياء هذه.

محمد كريشان:

دكتور يعني طالما أنتم تمارسون منذ سنوات عديدة –ما شاء الله- هل خفَّت هذه العمليات الآن في العراق بظروفه الحالية باعتبار أن هذا النوع من العمليات أصبح نوع من الترف ربما الظروف لا تسمح به لأي شخص.

د. علاء بشير:

أكيد قَلَّت يعني بالتأكيد يعني كأي نشاط آخر تأثر تحت تأثير الحصار، لكن أنا أود أن أعقب على كلامك، أنت قلت ترف هو إحنا تكلمنا قبل قليل وقلنا الدوافع النفسية، الدوافع النفسية هي ليست ترف وواحدة من أهم مشاكلنا الاجتماعية وهي جزء من التخلف الاجتماعي اللي تغوص به هاي المنطقة –الحقيقة- من العالم، وهو ننظر إلى الأمراض الـ.. لا أقول الأمراض النفسية إنما الحالات..

محمد كريشان:

الحالات.

د. علاء بشير:

الدوافع النفسية. يعني يجب أن نفرق بين الأمراض النفسية وبين الحالات النفسية. فننظر لها نظرة غير صحيحة. أي شخص أكان امرأة أو رجل إذا كان شيء ظاهر في شكله ويؤدي إلى مشكلة، مشكلة نفسية، مشكلة وظيفية، مشكلة اجتماعية يجب أن تعالج وتقوم. هذه ليست بترف، ليست ترف، لأنه أنا أضرب لك مثل بسيط جداً: أنت هل في يوم شاهدت أو سمعت شخص انكسرت رجله مثلاً أو أصيب بمصران أعور، التهاب المصران الأعور، هل بسبب هذا قَتَل إنساناً آخر؟ أما..أما الشخص المصاب بحالات نفسية بسبب أي (عوق) ممكن أن يؤدي إلى القتل. فهي مشكلة يجب أن لا يستهان بها.

محمد كريشان:

يعني ليست قضية فقط إنه شخص يبحث عن شكل أجمل؟

د. علاء بشير:

أنا أعتقد جداً يعني الكلام خاطيء.

محمد كريشان[مقاطعاً]:

تبسيطي يعني.

علاء بشير [مستأنفاً]:

خاطيء وبسيط وساذج أيضاً إذا كنا نعتبر الدوافع لعمليات التجميل هي بطر، يعني أعتقد يجب أن يعاد النظر لهذا المفهوم.

محمد كريشان:

ولكن دكتور، أشرت إلى أن العملية قد تكون علاج لحالة نفسية معينة، ولكن هل يمكن أن تكون هذه العملية أيضاً تخلق حالة نفسية فيما بعد؟

د. علاء بشير[مقاطعاً]:

ممكن. أكيد.

محمد كريشان [مستأنفاً]:

قد لا تكون أقل سوء من التي كانت من قبل يعني.

د. علاء بشير:

أكيد.. أكيد صحيح.

محمد كريشان:

يعني مثلاً..

د. علاء بشير:

لو العمليات.. عمليات الجراحة التجميلية عمليات دقيقة جداً، وتحتاج إلى مهارة غير اعتيادية، يعني غير ممارسة الجراحة بسهولة، لأنه جميع الأجزاء اللي الجراح يعمل بها هي ظاهرة وهي سبب المشكلة، فإذا كان الإجراء غير دقيق، تنفيذ العملية غير دقيق، ولم يكن مرسوم بدقة يؤدي إلى مشكلة أكبر طبعاً بالتأكيد. كلامك صحيح.

محمد كريشان:

هل إمكانية الإصلاح والتلافي ممكنة أم ربما كلما زادت العمليات لتقويم خطأ سابق إلا وازدادت الحالية النفسية تعقيداً؟

د. علاء بشير:

صحيح، يجب أن يكون الجراح ملم بمضاعفات كل عملية، مثل ما تفضلت يعني إعادة العملية وتكرار العمليات يؤدي إلى كارثة.. كارثة ومشكلة كبيرة الحقيقة، يجب أن يكون الجراح دقيق جداً بعمله، وعمله يعني تنفيذ العملية يجب أن يكون دقيق بها ويعرف حدود إمكانياته وإلا تصير مشكلة.

محمد كريشان:

أغلب الإحساس السائد لدى المريض بعد العملية هل هو في الغالب شعور بالارتياح، يعني أصبح شكله بالشكل الذي كان يتوقعه أم عموماً هناك نوع من خيبة الأمل؟ ما هي الأحاسيس الغالبة عند المريض؟

د. علاء بشير:

الأحاسيس الغالبة هو إيجابية، الأكثرية يعني يفرحون بالنتائج، والقسم الآخر.. لأن شكله يصير شكل آخر، يعني الإنسان مثلاً متعلم [متعود] على شكله لسنوات طويلة جداً ورأسه خلال دقائق يشوف شكلها شكل آخر ربما ما يتقبلها بسهولة لكن يعني خلال فترة جداً وجيزة أيضاً يتقبل هذا الشكل ويرتاح له.

محمد كريشان:

نعم.. أشرت قبل قليل إلى ضرورة وجود المهارة لدى الجراح، خلفيتكم أيضاً كفنان.. رسام.. ونحات هل يؤثر في أدائك الطبي؟

د. علاء بشير:

أعتقد التصور الفني يساعد على تفهم تنفيذ العملية بسهولة، يعني يختصر.. يختصر الزمن، وبالفترة الأخيرة قبل خمس سنوات أدخل في بريطانيا المناهج التدريبية إلى جراحة التجميل الجراحة التقويمية أيضاً فصل بالنحت.

محمد كريشان[مقاطعاً]:

بالنحت؟

د. علاء بشير [مستأنفاً]:

والفن، نعم خاطر يعلم الجراح الشعور بالحس.. بالبعد الثالث للعمل، وهذا مهم جدا بالعمل الجراحي لعلميات التجميل.

محمد كريشان:

هل صادف مثلاً أن أقنعت مريض بالعدول عن عملية تجميل واستطاع أن يشعر بنفس شعور الارتياح مع أن شكله بقى على حاله؟

د. علاء بشير:

أعتقد نجحت في كثير من الأحيان أن أثني بعض المرضى أن يجرون عمليات ويتقبلوها، أما يتقبلوها مجاملة؟ ما أعرف، بس يتقبلوها ويروحون ما يرجعون مرة ثانية.

محمد كريشان:

هناك إمكانية للذهاب إلى غيرك مثلاً؟

د. علاء بشير:

يجوز ربما يذهبوا إلى شخص آخر، بس ها دولا قليلين، يعني قسم أيضاً راحوا إلى جراحين آخرين، وأجروا العملية وصار عندهم مشكلة ويرجعون مرة ثانية، هذا عدد قليل.

محمد كريشان:

المعروف أن عمليات التجميل أحياناً ما تخلق جدل أخلاقي وأحياناً حتى ديني، كيف تنظر إلى هذا الموضوع؟

د. علاء بشير:

إحنا قلنا قبل قليل إحنا عندنا مشاكل وقيم اجتماعية جزء منها صحيح وجزء منها خطأ، فيجب أن يعاد النظر بكثير من هذه القيم الحقيقة، قسم من القيم الاجتماعية لا تمت إلى الأخلاق.. الأخلاق العربية ولا إلى الدين الإسلامي تماماً، فيجب أن يعاد النظر بهذه المفاهيم والقيم، أنا أعتقد يعني الدين، الدين الإسلامي أكبر بكثير من ما يتطرق إلى قضايا بسيطة..

محمد كريشان[مقاطعاً]:

يعني الحديث عن أن تغيير الشكل حرام وكذا برأيك؟

د. علاء بشير:

ما العلاقة؟ يعني هو الله –سبحانه وتعالى- يقول: (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا) يعني إذا شخص، الشخص اللي يدعو إلى عدم إجراء عمليات تجميل لو انكسرت رجله أو انكسرت رجل انبه يذهب للطبيب أم لا؟ يعني هذا أيضاً قدر، لماذا يذهب إلى الطبيب لمعالجته؟ إذا أصيب هو هذا الشخص بسرطان لماذا يذهب إلى الطبيب وهذا قضاء وقدر؟

محمد كريشان:

لكن دكتور هذا شيء اضطراري بينما تقويم الأنف أو تقويم..؟

د. علاء بشير:

هذا لا.. ليس اضطراري، إذا هو كان مؤمن بأنه هاي إرادة الله –سبحانه وتعالى- أن يصاب بسرطان يجب أن يصاب بالسرطان، وعمليات التجميل للتشويه إنه إذا شخص أنفه كبير، الأنف الكبير واللي يشوه شكل الإنسان هي حالة غير طبيعية، يعني كيف.. كيف تستطيع أن أنت تمد خط بين التشوهات الخلقية التي يجب أن تعالج وبين التشوهات الخلقية التي يجب أن لا تعالج؟ كيف تمد هذا الخط؟

محمد كريشان:

صعب.

د. علاء بشير:

كيف (تخطه)، هذا يعني الدين الإسلامي أكبر من أن يخوض بهذه المشاكل، هذا رأيي، أنا إنسان مسلم ومؤمن بإرادة الله وعندي إيمان عميق بالإسلام، لكن أنا أشوف إنه هذا أشياء يعني بعيدة جداً عن جوهر الإسلام، بعيدة جداً حقيقة.

محمد كريشان:

دكتور علاء عرف بجراحة التجميل على مستوى عربي وعالمي، أين تضع جراحة التجميل في العراق مقارنة بغيرها في البلاد العربية؟ هل تعتبرها متقدمة، أم في خطواتها الأولى؟ كيف تُقَيَّمها؟

د. علاء بشير:

الحكم على بهذا الشيء صعب جداً الحقيقة وغير منصف لأني أنا لم أطلع على ما يُجرى بالدول العربية الأخرى أو الدول المحيطة بنا، لكن أيضاً أقول وأجزم وأؤكد إن معظم العمليات التي تقام بالعالم تقام في العراق وبسهولة، لأن الجراح العراقي له إمكانية كبيرة جداً، إحنا في العراق في سنة 1982م أجرينا أول عملية في منطقة الشرق الأوسط إعادة بتر كف مقطوع، ونمارس جراحة، الجراحة مجهريَّا من سنة 1981م، وأجرينا عمليات نقل أنسجة، عضلات وأنسجة من مكان إلى آخر تقريباً صار 20 سنة، والفروع الأخرى لعمليات التجميل أو الجراحة التقويمية نقوم به، لكنه الحصار المفروض على العراق أكيد أَثَّر تأثير كبير على -لا أقول التقنيات- لكن سهولة إجراء العمليات، لأنه تعرف يعني أجهزة حديثة تقنيات طبية حديثة تساعد كثير على إجراء العمليات.

محمد كريشان:

دكتور يعني نادراً ما يكون الطبيب في البلاد العربية عنده ميولات أخرى خاصة فيما يتعلق بالرسم وبالنحت، كيف دخلت هذا الميدان؟ هل دخلته بعد دخولك باب الطب؟ أم قبله؟

د. علاء بشير:

لا، أنا كنت أمارس هواية الرسم منذ الطفولة وصارت ممارسة جدية في مرحلة الثانوية أو المتوسطة.. قبل أن أذهب إلى كلية الطب.

محمد كريشان:

يعني ربما دخلت جراحة التجميل من بوابة الفن والرسم، هل يمكن اعتبار هذا؟ كان بإمكانك أن تتوجه إلى جراحات أخرى أو طب القلب، أو غيره من الاختصاصات الأخرى، هل له تأثير؟

د. علاء بشير:

لا، ربما يجوز باللاشعور، لكنه أنا شخص أكره الرتابة، أنا أحب الأعمال المتغيرة، جراحة التجميل هي الجراحة الوحيدة اللي توفر للجراح فرصة الإبداع الشخصي.

محمد كريشان:

المفارقة يا دكتور إنه البعض، أو لنقل الكل يأتي إلى الطبيب الجراح جراحة تجميلية بحثاً عن الجمال، ولو أن الجمال -كما ذكرنا- مفهوم يخضع لكثير من النقاش، المفارقة أن علاء بشير في رسومه وفي نحته لا يحرص على هذا الجمال بمعناه التقليدي، يعني هناك من يصف رسوم علاء بشير ونحوته بأنها تكتنز كثير من أجواء كابوسية وأجواء مخيفة، يعني كيف تفسر ما يبدو مفارقة يعني؟

د. علاء بشير:

مثل ما تفضلت بالعمل الطبي ميدان الجراحة الطبيب محدد بشكل الإنسان المعروف اللي الله –سبحانه وتعالى- سواه، والطبيب كل ما يكون ماهر أكثر كل ما يملك القدرة على إرجاع هذا العضو أو هذا الجزء من الجسم إلى حالته الأصلية، وليس هناك إبداع بالعمل الطبي، هناك إبداع بالتقنيات ربما، بالمهارة الجراحية، لكنه بالنتائج ليس هناك إبداع، لأنه الله –سبحانه وتعالى- يعني خلق الإنسان بأحسن ما يكون، والطبيب.. أمهر طبيب هو يرجع الحالة إلى..

محمد كريشان[مقاطعاً]:

إلى ما كانت عليه.

د. علاء بشير [مستأنفاً]:

إيه.. ولكن بالفن، بالرسم اللي أقصده أو النحت هناك فرصة للبحث خارج أو أبعد من الشكل الظاهري للإنسان، لأنه الشكل الخارجي للإنسان هو ليس بالضرورة هو الوجود الكامل لأنه دائماً إحنا نظرتنا قاصرة، أنت لسه حضرتك لما قاعد تنظر إلىَّ أنت تشوف شكلي فقط، تشوف الجلد، يعني الجلد مغطي جسمي لكن أنا عندي قلب، وعندي رئة قاعدة تتحرك، وقلب يتحرك أنت ما..، يعني لو ما أذكرك بهذه الحقيقة ما تتذكرها، وعندي أيضاً دماغ قاعد أفكر، هناك تفكير، وأنت تلمس ظواهر أو نتائج التفكير لكن عملية التفكير أنت غير قادر على إدراكها. الإنسان إذاً فيه من خلال حاسة البصر ينظر للأشياء الظاهرية السطحية، أما إذا أراد أن يتجاوز السطح ويذهب إلى أبعد من السطح فيجب أن يستعمل بصيرته، فالفن وسيلة للتعبير ممكن أن يعبر الإنسان عنها، عن ما يراه من خلال حاسة البصر وهي أشياء ظاهرية، يعني معالجة ظاهرية للأشياء كما تبدو، وهذا بالفن التزييني أو الفن الاعتيادي يعني مهارة طبيعية أو فن تجريدي أو تزييني أو أي شيء آخر. أما الفن الآخر وهو الذي يذهب خارج أو أبعد مما تراه العين، ففن يحتاج إلى وسائل تعبير أخرى وأسلوب آخر للتعبير، ربما يحتاج إلى فهمه، يحتاج إلى حاسة البصر زائداً بصيرة تساعد المتلقي إلى أن يفهم هذا العمل. فلذلك يمكن بعض الأعمال اللي أعملها ربما –مثل ما تفضلت- تدخل في إطار نوع من الـكابوسية لأنه أعمال غير اعتيادية..

محمد كريشان[مقاطعاً]:

هي خاصة..

د. علاء بشير [مستأنفاً]:

لا يراها الإنسان يومياً.

محمد كريشان:

هي غير اعتيادية خاصة في الجوانب، النحت، يعني عندما نرى أشكال الوجوه وهي أشكال في غالبها مخيف –وحتى- مرعب، يعني ربما المريض الذي يرى علاء بشير في معرضه، ويرى الأشكال، الوجوه التي ربما لا يسارع إلى الذهاب إليه كطبيب وجراح تجميل.

د. علاء بشير:

لا، هو.. أنا.. خليني أجاوب بطريقة أخرى، أنا يعني بعملية ممارستي للفن الحقيقة أنني أبحث ربما بحث غير مجدي، بس هو بحث في جوهر الأشياء.. جوهر الوجود، لأن هو عملي الأساسي هو الإنسان، وجسم الإنسان من الناحية التشريحية.. التكوين الفيزيائي للإنسان، وهذا يدعوني للتأمل في جسم الإنسان وعملية الخلق للخالق العظيم. فهذا يدعوني دائماً إلى إيجاد سبب لهذا الخلق، لأنه الإنسان مخلوق بشكل معجز الحقيقة.

فهذا الشكل المعجزة لا يمكن أن يُخلق لمجرد أن يأكل وينام ويذهب للتواليت ويتناسل وهذا هو. لا أكو فالدور أكبر من هذا بكثير يجب أن نبحث عن هذا المضمون، وأعمال مالتي نخوض بهذا المعنى، فربما تصعب لأن هي أعمال ليست تزيينية، هي أعمال ربما ممكن تدخل في إطار أعمال بحثية أو دلالية أو رمزية وهكذا.

محمد كريشان:

ولكن دكتور، يعني إبراز وجه الإنسان دائماً بهذا الشكل، يعني ما هي الرسالة التي تريد إبلاغها؟ يعني حتى على افتراض الوصول إلى الجوهر هناك نواحي ربما درامية في وجه الإنسان، وهناك نواحي أحياناً مريحة. لماذا هذا التوجه الـ..؟

علاء بشير:

لأ، يجب أن لا ننظر إلى الأشياء من ناحية الـ.. عناوين الكلمات.. مريحة وغير مريحة، والأمل أو اليأس، هذا الحقيقة افتراضات إحنا افترضناها بسبب تجربتنا بالحياة، لكن هي الحقيقة ليس لها وجود. هي الحقيقة هي وحدة لا تتجزأ، لكن الإنسان ربما يرتاح ينظر إلى الأشياء من جهة واحدة، من جهة اللي هو يرتاح لها، لكن هذا هي ليست كل الحقيقة، لإدراك الحقيقة يجب أن ينظر الإنسان إلى كل موضوع من جميع جوانبه إذا أراد أن يدرك الحقيقة.

محمد كريشان:

هل أوضاع العراق في السنوات الماضية زادت في إضفاء ما يراه البعض –ربما- قتامة في أعمالك.. سواء رسماً أو نحتاً؟

د. علاء بشير:

لا.. أنا الأوضاع اللي يمر بها العراق هو –الحقيقة- عززت الرؤية مالتي السابقة، أنا لم أفاجأ بالأشياء اللي حدثت، لأنه من زمان، من زمن قديم طويل جداً أنا شخَّصت إنه قوى الشر في داخل الإنسان قوية جداً.. جداً قوية، وكبح هذه القوى أيضاً تحتاج إلى قوة مقابلة أيضاً قوية جداً، وهذا ليس عمل سهل، يعني لو تنظر إلى تاريخ الإنسانية منذ الخليقة إلى الآن ترى هذا الصراع صراع مرير بين قوى الشر وقوى الخير، وربما الله سبحانه وتعالى هو صمم الحياة بهذا الشكل لأنه بالقرآن يقول: (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً) يعني الحياة والموت هي ما مشكلة هي امتحان كبير، فكيف تمتحن الإنسان تريحه تمتحنه أو تزجه في مسائل صعبة خطرة يجتازها؟

محمد كريشان:

إذن دورك –برأيك- هو إبراز معاناة الإنسان في الحياة يعني؟

د. علاء بشير:

لا،لا، ليست إبرازها، أنا أحاول إبراز جوهر الأشياء، يعني السبب.. السبب، ولا أخوض بالمظاهر.

محمد كريشان[مقاطعاً]:

يعني هذا الجوهر.. هذا الجوهر تحديداً..نعم.

د. علاء بشير:

الصراع.

محمد كريشان:

الصراع؟

د. علاء بشير:

الصراع. يعني أنا أحاول أن.

محمد كريشان[مقاطعاً]:

الصراع مع الذات ومع الآخرين.

علاء بشير [مستأنفاً]:

أشير.. أشير في أعمالي إلى وجود صراع، الإنسان يجب أن يدرك أن هناك صراع، ويجب أن يحاول أن يجتاز هذا الامتحان.

محمد كريشان:

الصراع مع من؟

د. علاء بشير:

مثلاً.. بتصميم الإنسان الله -سبحانه وتعالى- خلق الغريزة وخلق العقل.. الحكمة، وهناك صراع مستمر بين الاثنين. وفي إحدى الأعمال مالتي المعروضة حالياً هنا في بغداد أيضاً لوحة تشير إلى هذا الصراع، يعني لأنه الإنسان من خلال عقله يرتفع إلى مصاف الحكماء والأنبياء، من خلال غريزته يهبط إلى عالم الحيوان و..، وهذا الصراع ليس بصراع سهل.

محمد كريشان:

على ذكر الحيوان أيضاً إلى جانب الإنسان مادة دسمة لأغلب أعمالك خاصة النحتية سواء شخصية الثور أو حتى الطير الموجود الآن إلى جانبك. ما الذي تهدف إليه أيضاً عندما تتطرق إلى الحيوان؟

د. علاء بشير:

لأ، الحيوان أنا لا أتطرق إلى الحيوان كحيوان شكلاً يعني، إنما أشير بالحيوان إلى الدلالة.. دلالة الأشياء، يعني الله –سبحانه وتعالى- أشار بالقرآن لما أبناء آدم هابيل وقابيل، واحد قتل الآخر، فاحتار يعني كيف يعمل بجثة أخوه، فالله سبحانه وتعالى يقول: وأرسلنا غرابين فاقتتلا، [فبعث الله غراباً يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوءة أخيه] إلى آخر الآية، فالغراب أنا توقفت يعني ما هو السبب الله –سبحانه وتعالى- يقول أرسلنا غرابين؟ لماذا مثلاً لم يقل أرسلنا طائرين؟ لأنه هذا لا يغير مضمون النص. إذن للغراب هناك دور، بالاسم يعني تشخيص، فالغراب هو أول شاهد لأول جريمة للإنسان، وهو الشاهد الوحيد، وأيضاً أول معلم للإنسان، لأنه هو علمه كيف يدفن أخوه، وهذا دور ليس بالسهل، يعني الله –سبحانه وتعالى- لما اختار الغراب لكي يكون الشاهد الوحيد وأول معلم للإنسان، فهذا دور كبير للغراب. وأيضاً في نصوص أخرى أيضاً لما نوح أخذ السفينة ووقفت السفينة أول مرة أرسل غراب.. لم يرجع الغراب، فأرسل حمامة، فهذا الغراب هو شاهد على أحداث مهمة جداً في تاريخ الإنسان، فأنا آخذه كرمز..كرمز إلى.. كرمز وشاهد على أعمال الإنسان الخيرة والشريرة.

محمد كريشان:

أين تجد نفسك بشكل مريح أكثر في.. عندما تدخل إلى غرفة العمليات أم إلى ورشة النحت والرسم؟ أم تعتقد بأن العملية متكاملة؟

د. علاء بشير:

هو في العملين: الطبي ولفني هو الإنسان هو القاسم المشترك، لكنه في العمل الطبي أنا أعالج سطح الأشياء، المشاكل البسيطة للإنسان يعني..

محمد كريشان[مقاطعاً]:

الواجهة.

د. علاء بشير [مستأنفاً]:

الواجهة، الأمراض العضوية أو التجميل، أشياء –الحقيقة- يعني مؤقتة وبسيطة وسطحية، أما بالفن فأنا أعتقد معالجة أبعد من هذا.. أكبر من هذا، بالأسلوب بأسلوب العمل الفني مالتي.

محمد كريشان:

هل هذه المعالجة الأعمق دكتور ربما تخفي أيضاً أنك ربما قد لا تكون راضي تماماً عن الجانب الطبي، ربما تكون تفضل الذهاب إلى اختصاصات نفسية ربما أو اختصاصات أخرى تتجه إلى عمق الإنسان أكثر؟ هل هو تعويض عن جانب السطح إن أردنا في الزاوية الطبية من شخصيتك؟

د. علاء بشير:

لأ، ما أعتقد هذا، لأنه في عملي الطبي أنا حققت معظم الإنجازات الكبيرة في حقل اختصاصي، يعني شيء.. وأنجزت عمليات –أيضاً- معتمدة وفيه العالم وفيه كتب لي تدرس في اختصاص مالي في كل مكان بالعالم.

محمد كريشان:

عندما يقدم علاء بشير، هل تفضل أن يقع التعريف به كجراح تجميل ماهر أم كرسام ونحات ماهر؟

د. علاء بشير:

علاء بشير أفضل.

محمد كريشان:

علاء بشير فقط؟ لأ، يعني مثلاً عند المعارض، عندما تقيم معارض، وأقمت معارض في عدد من العواصم، هل تعتقد بأن استعراض جانب الطبيب الجراح يضيف إلى فهم شخصية الفنان، أم تريد أن يتعامل معك الجمهور والنقاد على أنك رسام ونحات فقط (نقطة إلى السطر)؟

د. علاء بشير:

لا.. غير مهم ذكر الطبيب أو غير طيب، لأن هذا عمل ليس له علاقة بالطب نهائياً.

محمد كريشان:

دكتور ربما أنت تعتقد أن لا علاقة له، لكن ربما..

د. علاء بشير[مقاطعاً]:

يجوز. نعم.

محمد كريشان [مستأنفاً]:

ربما يجوز أن المجال.. كل مجال يتداخل مع الآخر يعني.

د. علاء بشير:

أكيد، أكيد صح، يجوز، لكن أنا بالنسبة إليَّ شخصياً هذا غير مهم بالنسبة لي.

محمد كريشان:

أيضاً من الأشياء المعروفة عن الدكتور علاء بشير أنه في الغالب لا ينظم المعارض التي ينظمها تحقيقاً لكسب مادي أو ربح بعرض اللوحات والأعمال. هل هذا اختيار مرتبط بما كنا نتحدث عنه بأنك تسعى إلى جوهر الإنسان وإلى عملية الصراع، وكأنك لا تريد أن تعرض هذه الأحاسيس الداخلية وكأنها معروضة للبيع؟

د. علاء بشير:

لا..لا أعرف التفسير، لكن أعمالي بعد أن تنجز أحس هي كأصدقائي، كأصدقائي، والأصدقاء هو مشروع ليس سهل للبيع، هذا الشعور.

محمد كريشان:

غير معروضة للبيع، ولكن هل تقوم –مثلاً- بإهدائها لمن..؟

د. علاء بشير[مقاطعاً]:

هي ربما.. ربما، لكنه إلى الآن لم أعمل في حياتي وأنا في عملية تنفيذ العمل أفكر كيف يباع، وأين، أو كم سعره، لم يحدث لي ذلك.

محمد كريشان:

قضية غير مطروحة؟

د. علاء بشير:

أبداً. أبداً.

محمد كريشان:

وأعمال النحت في غالبها أعمال صغيرة أم تسعى تدريجياً إلى القيام بأعمال ربما ضخمة؟

د. علاء بشير:

أعمال.. أعمال صغيرة، لكن قسم منها.. معظمها ممكن أن تكون إنجازات كبيرة.

محمد كريشان:

هي نفسها؟

د. علاء بشير:

نعم.

محمد كريشان:

هل تعتقد بأن مثل ما هو مطروح على شخصية الطبيب أن تتطور مع التقنيات المعاصرة وتعديل طرق العمليات الجراحية تشعر في نفس الوقت بأن الفنان أيضاً عليه أن يتطور، وأن شخصية علاء بشير (القاتمة) بين قوسين في رسومه وفي النحت قد تتطور لاحقاً بشكل آخر؟ أم هذا توجه نهائي؟

د. علاء بشير:

تتطور يعني تقصد بأي اتجاه؟

محمد كريشان:

يعني تتعدل أو تتغير أكثر، يعني هل يمكن أن نشهد لوحات أو أعمال نحت أكثر إشراقاً، يعني على الأقل بالمفهوم الظاهري للإشراق يعني؟

د. علاء بشير:

لأ، أنا أسألك..

محمد كريشان[مقاطعاً]:

هذا اختيار يعني.

علاء بشير [مستأنفاً]:

أنا أسألك سؤال.. لا، لا.. أنا أسألك سؤال: لو أنت حضرتك وأنت أكيد إنك تتجول في الوطن العربي، وترى بأم عينيك الأطفال كم هم مهملين.. مهملين تماماً، هل يدعوك هذا إلى أن تكون.. أن تنجز أعمال تدعو إلى الفرح أو الزينة؟ لأنه مستقبل.. مستقبل الوطن العربي هم في الأطفال، هم المستقبل. الأطفال يعانون من التشرد، يعانون من أمراض، يعانون من اضطهاد، يعانون من تخلف اجتماعي كبير. فكيف إحنا ندخل القرن الجديد ومسلحين بهذا التخلف؟!! يعني ألا يدعوك هذا إلى أن تقوم بعمل على الأقل يشير إلى هذا الشيء؟

محمد كريشان:

صحيح.

د. علاء بشير:

أن تنجز لوحة بها ألوان يطلق عليها –مثل ما تفضلت- مفرحة، تتعلق على جدار، تثير فرح مؤقت عند بعض الناس اللي يقتنون (إشي أعمال) الأعمال. يعني أنت لو خيرت بين هذا العمل وهذا العمل أيهما تختار؟

محمد كريشان:

صحيح.

د. علاء بشير:

هذا جوابي.

محمد كريشان:

أيضاً الأعمال الإبداعية لعلاء بشير وفكرة الصراع المحورية فيه إلى حد ما هي صراع شخصي للإنسان، ولو أن هي للإنسان ككل ولكن للفرد تبدو وكأنها للفرد.. معاناة العراقيين في السنوات الماضية هل جعلتك تُعَدِّل لإبراز معاناة –لنقل- عامة أو معاناة يصبح فيها الحديث ليس فقط عن إنسان واحد، وإنما عن أكثر من إنسان؟

د. علاء بشير:

لا لا، هو المشكلة اللي يمر بها الشعب العراقي هي مشكلة إنسانية وليست فقط مشكلة عراقية، هي مشكلة إنسانية. هناك قوى شريرة وهناك قوى خير، يعني هو صراع يعني هذا اللي أشوفه، بغض النظر أنه كون هذا عراقي أو غير عراقي، بس هناك إنسان ضحية قوى غير منصفة.

محمد كريشان:

وهذا التوجه ازداد حدة لديك.. بعد المعاناة الأخيرة يعني؟ هذا..

د. علاء بشير:

هذا دفعني أن أنظر إلى الأشياء بعمق أكثر، يعني دعاني أن أنظر إلى الأشياء بوسائل أخرى، بكشف جديد عن تكوين الإنسان.. عن تكوين هذا الإنسان.

محمد كريشان:

دكتور علاء بشير، شكراً جزيلاً.

د. علاء بشير:

شكراً أستاذ محمد، وأشكر قناة الجزيرة على هذا اللقاء. شكراً.

محمد كريشان:

شكراً.