ضيف وقضية

التعليم في دول الخليج

تقصير دول الخليج في الاستثمار بالجانب التعليمي، مواطن الخلل في النظام التعليمي الخليجي، أسباب عدم استغلال الموارد المالية المتدفقة في عملية التعليم بمنطقة الخليج، تأثير استيراد الخبرات التعليمية على أزمة التعليم في دول الخليج.

مقدم الحلقة:

محمد كريشان

ضيف الحلقة:

د. عبد العزيز الحر: أستاذ المناهج بجامعة قطر

تاريخ الحلقة:

09/03/1999

– تقصير دول الخليج في الاستثمار في الجانب التعليمي
– مواطن الخلل في النظام التعليمي الخليجي

– أسباب عدم استغلال الموارد المالية المتدفقة في عملية التعليم بمنطقة الخليج

– تأثير استيراد الخبرات التعليمية على أزمة التعليم في دول الخليج

– إشكالية تمويل التعليم في دول الخليج

– تجربة الكويت والبحرين والسعودية في تحسين التعليم

undefined
undefined

محمد كريشان: دكتور عبد العزيز الحر أهلاً وسهلاً.

د.عبد العزيز الحر: حياكم الله، أهلاً وسهلاً فيك.


تقصير دول الخليج في الاستثمار في الجانب التعليمي

محمد كريشان: يعني دكتور يعني هناك رأي إلى حد ما.. يسود بعض المتابعين، ولا أدري إن كان مصيباً أم لا، يعني يُقال إن دول الخليج العربي ولاسيما سنوات الطفرة النفطية استثمرت في كل شيء، في البنية التحتية في البنوك، في المشاريع النفطية، لكنها لم تستثمر في الإنسان أو بالأحرى لم تستثمر في الجانب التعليمي تحديداً باعتبار قضيتنا قضية التعليم، هل هذا الرأي إلى حد ما مصيب

د.عبد العزيز الحر: بسم الله الرحمن الرحيم، حقيقة خلينا نتكلم في إطار أوسع شوية قضية التعليم وأزمة التعليم والاستثمار في قضية التعليم هي ليست قضية خليجية ولا قضية عربية، الآن عادت قضية إنسانية.. قضية عالمية، كل الدول.. حتى الدول المتقدمة، هذه الدول اللي تعتبر من الدول الصناعية السبع الكبرى لديها مشكلة ومعضلة اسمها معضلة التعليم وأزمة التعليم، ولكن بمستويات تختلف بمستويات مختلفة، يعني كلنا يعرف ماذا صنعت أميركا عندما أطلق السوفييت سنة 1957 قمرهم (Spotenic) صاح الرئيس الأميركي وقال إن الخلل في التعليم، أصلحوا نظام التعليم وسوف نطلق قمرنا وبالفعل، بعد سنوات قليلة استطاع الأميركان أن يطلقوا قمرهم، في سنة 1983 عندما ظهر التقرير الخطير اللي سُمي (Nation at risk) أمة في خطر، هذا اللي أحدث.. أحدث منعطف في تاريخ التعليم الأميركي وشكلت لجنة رئاسية كبرى لمراجعة التعليم في أميركا وبعد ذلك بدأ يعتدل ويصطلح هذا النظام التعليمي، في بريطانيا حدثت أيضاً ثورة تعليمية، الدول الآسيوية من أكثر الدول اللي كانت تشعر بقضية الأزمة في التعليم، إذن النقطة اللي أريد أن أقولها أن قضية التعليم وأزمة التعليم والمورد البشري..

محمد كريشان [مقاطعا]: قضية عالمية

د.عبد العزيز الحر: هي قضية عالمية، لو جينا لدول الخليج، في الحقيقة يعني دول الخليج أسميها دول.. دول بكر، دول التنمية بدأت فيها.. في معظم هذه الدول بدأت في السبعينات، فأنت جالس تتكلم عن عمر يقارب 28 إلى 30 سنة، من 28 أو 30 سنة عمر غير كافي لتحقيق قفزات فنية ونوعية في نفس الوقت، بالفعل جتنا سنوات أسرع، لكن ما كانت في الوقت المناسب، جت سنوات الطفرة في.. لمجتمعات سووها جالسة تتحرك، سووها جالسة تنهض، هذه الثروات اللي هبطت فجأة لم يكن هناك وعي حقيقي في كيفية استغلال مثل هذه الثروات، ومنذ..

محمد كريشان: حالة ارتباك يعني.

د.عبد العزيز الحر: أيوه، حالة ارتباك وحدث خلل وخلخلة في نفس الوقت، هذه الخلخلة والخلل لم يدع مجال حقيقي للحكومات هذه اللي كانت موجودة وبعضها لازال موجود، إن بالفعل تستثمر بشكل متوازن في البنية التحتية، وقد يكون الإنسان أكثر جهة تبادرت بهذا الأمر، لأن التنمية عند كثير من الناس مرتبط بالبني التحتية المادية المشهودة، بينما العنصر البشري وهو عنصر على أهميته القصوى، لكن فيه بعض الدول حطته على جنب وبدأت تستثمر في البني التحتية المادية، هذا أثرها واضح الآن، يعني بعد مرور سنوات الطفرة، الآن واضح قضية الخلخلة، كثير من دول الخليج تشتكي من ندرة الكفاءات البشرية، تشتكي من قلة الكوادر الوطنية، تشتكي في.. في مجالات..

محمد كريشان: يعني برأيك هذا –دكتور- الاشتكاة هذا الدائم يعني نتيجة طبيعية لعدم وجود خطة تعليمية منذ البداية؟

د.عبد العزيز الحر: ما فيه شك، عدم وجود استراتيجية حقيقية في قضية التعليم، قاعدين نعاني منها الآن، والآن أنا أدعي إنه لا توجد هناك استراتيجية تعليمية حقيقية في قضية خطيرة الآن نعاني منها، عندنا في بعض التخصصات وفي بعض المجالات تضخم في أعداد الخريجين وفي مجالات لا نكاد نجد من هو متخصص في هذا المجال.

محمد كريشان: مثلاً دكتور؟

د.عبد العزيز الحر: يعني أنت عندك في المجالات العلمية، والمجالات الحيوية التكنولوجية ومجالات الاتصال، عندنا هناك حاجة كبيرة والعصر هو عصر المعلومات وعصر الاتصالات وعصر التكنولوجي، تعالى عد لي المتخصصين في هذا المجال تجدهم على مستوى دول الخليج مجتمعه ينعدون على الأصابع، قضية مجالات الاقتصاد الاقتصاد يعتبر من أخطر وأهم المجالات تعال عد متخصصين في مجالات الاقتصاد مع مستوى دول الخليج، بحيث أن يكونوا مش فقط شهادات، أنا ما أتكلم عن تأثير علمي، إنه كم واحد حاصل على شهادة دكتوراة أو تخصص ماجستير في هذا المجال لكن كم اقتصادي يكتب في الاقتصاد على مستوى عالمي؟ يحلل على مستوى عالمي، بالفعل يستطيع أن يستشرف المستقبل في مجال الاقتصاد

محمد كريشان: يكون مرجع في هذا..

د.عبد العزيز الحر: ويكون مرجعية بالفعل تستطيع أنها الدول تعتمد عليها، لازالت دولنا خبراءهم مستشاريهم الاقتصاديين وأحياناً السياسيين وتصل أحياناً إلى درجة إنها بعض المجالات الاجتماعية، نعتمد على خبرات خارجية، طب كيف هذه السنوات كلها –عفواً- ما أفرزت لنا كادر حقيقي في مثل هذه المجالات؟ صحيح إحنا نقول ثلاثين سنة يمكن تكون قليلة، ولكن أيضاً كانت الثلاثين سنة يمكن أن تستثمر خصوصاً إن الامكانات كانت موجودة.. كانت موجودة بشكل كبير جداً، ولكن كيف صرفت هذه الإمكانات وكيف صرفت هذه المقدرات، وكيف وُزعت على البنية التحتية هنا اللي جالسين اليوم نحن نتكلم عنها اللي هو حصيلة تراكم التصرفات والاستراتيجيات الضعيفة أو الاستراتيجيات غير المكتملة اللي كانت في السنوات الماضية.


مواطن الخلل في النظام التعليمي الخليجي

محمد كريشان: يعني دكتور إذا أردنا أن.. أن نضع أصبعنا بشكل واضح على مواطن الخلل في النظام التعليمي الخليجي والذي أفرز هذا الواقع المرير الذي تشيرون إليه، يعني بجردة مختصرة، أين كان الخلل؟

د.عبد العزيز الحر: أنا حقيقة أقول إن الخلل موجود في أربع مناطق أساسية، أنا أسميها اللاءات الأربعة، إحنا عندنا اللاهوية نشتكي من، ما نعرف ما هي هويتنا التي نريدها بالضبط، إحنا سبق أن كان لنا هوية، هوية واضحة، هوية تراثية، قادت هذه الأمة ليس في منطقة الخليج فقط، قادت الأمة العربية والإسلامية إلى صنع حضارة استمرت على مر سنوات طويلة، مش سنوات طويلة.. قرون من الزمن، وصلت إلى أنها تمد الحضارات الأخرى بالعلم والمعرفة والثقافة ولكن حدث هناك مسخ لهذه الهوية، حدث هناك ضبابية إلى أن وصلنا إلى مرحلة لا نعرف ما هي هويتنا بالضبط؟ كذلك أحياناً نستورد من الغرب، أحياناً نستورد من الدول الآسيوية، أحياناً نخلق حاجات من عند أنفسنا من غير ما تتضح لنا هويتنا بالضبط العنصر الآخر: اللا رؤية لا نعرف أين.. أين نريد أن نذهب؟ لا نعرف ما هو نهاية المطاف، يعني الثورة الإنجليزية أو بريطانيا عندما أحدثت ثورة في قضية التعليم وكونت لجنة عليا أول سؤال سألته اللجنة العليا لنفسها. ماذا نريد؟ أنا أقول أن منطقة الخليج لازالت لا تعرف ماذا تريد، لا تعرف ماذا تريد في ضمن نظامها التعليمي لأن التعليم أستاذ محمد في الأخير أداة، أداة لتحقيق شيء معين، ما هذا هو الشيء، ما هو هذا الشيء؟ فإذا كنت لا تعرف أين أنت ذاهب وماذا تريد، إذن أداتك اللي في إيدك ما تستطيع إنك تستخدمها الاستخدام الجيد، أنت يعني على نفس.. نفسنا كمثل السفينة اللي في البحر، السفينة الموجودة كأداة موجودة، الركاب موجودين، التغذية موجودة على هذه السفينة لكن تتقاذفها الأمواج، يوم يمنى ويوم يسرى، لأننا لا نعرف ماذا نريد والقبطان ما عنده البوصلة الموجهة اتجاه معين على أساس يصل لها.

محمد كريشان: وهذه عفواً.. يعني هذه مسؤولية من؟ مسؤولية صاحب القرار السياسي مسؤولية النخبة؟ مسؤولية الكادر التدريسي؟ مسؤولية من بالتحديد يعني؟

د.عبد العزيز الحر: هذه المسؤولية في تصوري هي مسؤولية مجتمعية، وهذه نقطة يعني أنا أشكرك على هذا السؤال، هذه نقطة في غاية الأهمية، يعني البعض خصوصاً يعني في قطاعات كبيرة من المجتمع يعتقد أن قضية التعليم واستراتيجيات التعليم هي من مسؤولية وزراء التربية والتعليم أو من مسؤولية مدراء الجامعات، أبداً قضية التعليم هي قضية قومية، لذلك أحد الرؤساء الأميركان يقول: كما أن قرار الحرب لا يصنعه العسكريون وحدهم فإن قرار التعليم لا يصنعه التربوييون وحدهم. إذن هناك جزء خاص بالإرادة السياسية، والقرار السياسي قرار في غاية الأهمية في هذا المجال واللي يرصد التجارب الآسيوية بالذات والتجارب العالمية الناجحة، خصوصاً التجربة الأميركية والتجربة الإنجليزية –يجد أن المشاريع التربية هي مشاريع قومية، يعني يقول الواحد من الرؤساء الأميركان.. يقول نحن نعتبر التعليم.. اسمح لي استخدم هذا المصطلح الأجنبي (National dofemdp) قضية دفاع قومي، كما أن الحرب والسلاح هذه قضية قومية، أيضاً قضية التعليم قضية قومية، إذن واحدة من العناصر اللي مسؤولة عن قضية التعليم القرار السياسي، بعد ذلك القطاعين.. القطاع الحكومي بجميع أشكاله وأنماطه والقطاع الخاص أيضاً مسؤول عن قضية التعليم، جمعية رجال الأعمال الأميركية رفضت 200 مليون دولار فقط لمجال البحث العلمي في تطوير المدارس الأميركية، 200 مليون دولار يأتي من رجال الأعمال لبثها ولضخها في قضية إصلاح التعليم

محمد كريشان: يعني هم في النهاية هم المستفيدون في النهاية، ربما هذا غير موجود حتى في ذهنية رجل الأعمال العربي أو الخليجي بشكل..

د.عبد العزيز الحر: وهذه إشكالية حقيقية لأن رجل الأعمال الأميركي يعرف إن مخرجات التعليم الأميركي في الأخير ستصب في شركاته وفي مؤسساته وفي المجتمع، فهناك وعي، 200 مليون دولار فقط للبحث العلمي ناهيك عن الجوانب الأخرى قضية المجتمع نفسه أفراد المجتمع، هناك المجتمع الأميركي والعائلة والأسرة الأميركية والمجتمع الجمعيات الخيرية والنفسية وجمعيات النفع العام لها يعني اتصال وثيق جداً بقضايا التعليم، لما دُرست في دراسة مشهورة جداً على أفضل المدارس العالمية، على مستوى العالم فحبوا يشوفون أيش العناصر المشتركة بين هذه المدارس، فوجدوا أن هناك ثمان عناصر أساسية أو أسميها قواسم مشتركة بين هذه المدارس، اثنين من هذه العوامل كان مشاركة الأسرة أو أولياء الأمور في النظام المدرسي اليومي وأيضاً مشاركة البيئة المحيطة بالمدرسة في فاعليات المدرسة، إذن عنصرين من أهم ثمان عناصر اللي تعتبر قواسم مشتركة في إنجاح المدارس كانت عناصر خارجية وليست عناصر داخلية من داخل إطار المدرسة.

محمد كريشان: نعم. عفواً، دكتور كنت قد قاطعتكم، تحدثتم عن اللاهوية واللارؤية بقي عاملان آخران من اللاءات الأربعة

د.عبد العزيز الحر: نعم، حقيقة إذن في قضية اللارؤية غياب الرؤية بالتأكيد يؤدي إلى عدم وضوح المكان، العنصر الثالث اللااستراتيجية، لا توجد لدينا في كثير من دول الخليج، إن لم يكن في جميع دول الخليج استراتيجية تعليمية حقيقية للنهوض بهذا التعليم، هناك ما تسمى بالاستراتيجيات القطاعية، يفترض الاستراتيجي أو التخطيط الاستراتيجي يكون مرتبط ارتباط وثيق بالمشاريع التنموية لهذه البلدان، أي بعد أن تضع الدولة مشروعها التنموي الشامل أو خطتها الاستراتيجية التنموية النهضوية الشاملة، تبدأ القطاعات.. قطاع الاقتصاد، قطاع التعليم، قطاع الصحة، يضع على ضوء هذه الاستراتيجية استراتيجيته القطاعية، بينما إحنا في دول الخليج نجد إن العملية عكسية، هناك بعض الاستراتيجيات القطاعية على مستوى التعليم والصحة والاقتصاد ولكن في ظل غياب الصورة الكلية وهذا أيضاً إشكالية، ما تستطيع من الأجزاء غير المتجانسة إنك أنت تكون صورة كلية بينما تستطيع من الصورة الكلية أنك تجزأها إلى أجزاء متجانسة، فغياب هذه الاستراتيجيات المرتبطة بالاستراتيجيات الكلية، هذه قضية أيضاً أساسية، القضية الأخيرة هي قضية اللاتحدي، وهذه صفة عامة موجودة في منطقة الخليج نجدهم يعني من خلال تدريسي في جامعتين –على الأقل- من خلال زياراتي، من خلال المؤتمرات، خلال الاحتكاك بأوساط كثيرة خصوصاً في مجال التدريب وغيرها، أجد هناك استرخاء ما فيه هناك تحدي، الدول هذه ما جالسة تعيش تحدي حقيقي، وإذا كانت هي شاعرة بنوع من التحديات ما جالسة تترجم هذه التحديات وتغذيها للشعوب والأفراد والطلاب والطالبات في المدارس، لذلك طلابنا وطالبات.. أو طالباتنا عايشين مرحلة استرخاء غريبة جداً، أنا عملت تجربة فقط لا تحقق من هذا الأمر، في مدرسة من المدارس الثانوية الثانوية العامة جابوا لي أفضل أربعين طالب في هذه المدرسة، وقبل أن أبدأ محاضرتي مع الطلاب هادول طلبت منهم إخراج ورقة وقلم وطلبت من كل طالب أن يكتب ما هو هدفه في الحياة، ما هو التحدي اللي يريد أن يحققه في حياته، من واقع أربعين طالب ثلاث طلاب فقط استطاعوا إنهم يحددون هدفهم في الحياة، التحدي اللي عايشين لأجل تحقيقه في الحياة.

محمد كريشان: البقية لم يكتبوا شيئاً.

د.عبد العزيز الحر: لا.. لا يعرف ماذا يكتب؟ لم يسأله أحد قط ما هو هدفك في الحياة؟ ما هو التحدي اللي أنت.. حتى الأولاد اللي كتبوا، كتبوا حاجات أهداف شخصية مثل أريد أن أكون طبيب مثلاً، أو مهندس. هذا لا يمكن أن يكون هدف في الحياة، لأن هذا هدف آني شخصي، أنت ستحققه مهندس بعد خمس سنوات ستصبح مهندس هل سينتهي.. ينتهي هدفك في الحياة؟ ما يمكن، يجب أن يرتبط الهدف الشخصي بالهدف المجتمعي بالهدف العربي بالهدف الإسلامي القومي في الأخير، لذلك لابد يكون هناك توعية حقيقية بقضية التحدي، إذا كانت هذه الدول تشعر بالتحدي يجب أن يكون من أعلى قيادة سياسية إلى أقل إنسان في هذا البلد يعيش هذا التحدي، وهذا اللي جعل الدول الآسيوية بالذات تنهض هذا النهوض وتقفز هذه القفزات، في دراسة مشهورة جداً لواحد اسمه (منستجلر) قارن بين المدرسة الأميركية والمدرسة الألمانية والمدرسة اليابانية يبغي يشوف وين نقاط الإلتقاء ونقاط الفرق ويبغي يفسر قضية التحصيل العلمي الجبار للآسيويين أو لليابانيين بشكل خاص، وجد حاجة غريبة جداً، وجد إن على مستوى استخدام التكنولوجيا أضعف دولة في هذه الدول اليابان، استخدام التكنولوجيا في أميركا يصل في المدارس الأميركية إلى تقريباً 50% وفي المدارس الألمانية يصل إلى نسبة قليلة تصل لـ36%، بينما في اليابان 6%.

محمد كريشان: على عكس المعروف عموماً..

د.عبد العزيز الحر: على العكس اللي إحنا كنا نظنه أن المدارس اليابانية، هذه المدارس مليئة بالتكنولوجيا ومليئة بالكمبيوترات ومليئة بوسائل الاتصال الحديثة، أبداً الشيء الأساسي اللي يستخدمه المعلم هي السبورة والطباشيرة، نقطة أخرى وجدوا.. يبغوا يشوفون عنصر المشاركة الصفية، هل هناك تفاعل بين المعلم والطلاب؟ هل هناك احتكاك يعني؟ وجدوا إن في المدرسة اليابانية مشاركة الطالب مع المعلم صفر، صفر ما فيه أي مشاركة تُذكر، بينما في المدرسة الأميركية تصل إلى نسبة 30% والمدرسة الألمانية أيضاً نسبتها مرتفعة، وجدوا أن هل هناك مقاطعات للمعلم أثناء الشرح؟ في المدرسة اليابانية المقاطعات صفر، في المدرسة الأميركية مرتفعة نسبياً وفي المدرسة الألمانية

محمد كريشان: قضية ثقافة يعني؟

د.عبد العزيز الحر: أيوه، الناظر لهذه المعطيات إذا كان الطالب لا يشارك في الفصل وعنصر آخر الكثافة الصفية، الكثافة الصفية في المدرسة الأميركية 28 طالب للمعلم الواحد أو للصف الواحد في المدرسة اليابانية يصل العدد إلى 50 طالب في الصف الواحد، 50 طالب.

محمد كريشان: مثل بعض الدول النامية.

د.عبد العزيز الحر: النامية. فهذه المعطيات لا تنم عن تعليم نوعي، اذا جيت تحسبها كمعطيات لا تنم عن تعليم نوعي، فهذا الرجل أحب يعرف ما سر هذا الإنجاز وهذا التحضير الحقيقة؟

في الأخير وصل الى قناعة أساسية إن ثقافة هذا الطفل الأشياء اللي ولِّدت عنده

الدفع الحقيقي لاعتبار العلم كعبادة،يعني احنا عندنا الإنسان لما يدخل المسجد لا يتكلم، لا يزعج، يصلي بكل هدوء، يخشع، علاقته ربانية، الطفل الياباني عندما يدخل المدرسة أو يدخل هذا الصف يتعامل مع الصف معاملة فيها نوع من القداسة، الشيء الآخر إن اليابانيين عندهم عقيدة إن الأرض اليابانية هذه أرض مقدسة، وإنهم هم من نسل الألهة وإن إمبراطورهم هو ابن للألهة، بغض النظر عن هذا القصة الأسطورية، لكن هذه جزء في عقيدتهم، لذلك كانت تسمى الجزر اليابانية بالجزر العذراء وما كانوا ليسمحون لأي أحد أن يقترب من هذه الجزر، ثمة عقود من الزمن جزر مغلقة يحاربون حرب شعواء لعدم اقتراب أي أجنبي من هذه لأنها جزر مقدسة، لأنهم من نسل الألهة، لأن هذه أرض ما يمكن أن يلوثها أي عنصر أجنبي خارجي، هذه العقيدة جعلت من هؤلاء الناس اللي في 3000 جزيرة متناثرة ما يربط بينهم إلا الماء يكونون معجزة في مثل هذا الوقت، إذا جئت معطيات صفرية، إذا ما كانت معطيات صفرية فهي معطيات شبه صفرية، لكن شوف القفزة اللي استطاعوا إنهم يحققونها قفزة كبيرة ولا شك.


أسباب عدم استغلال الموارد المالية المتدفقة في عملية التعليم بمنطقة الخليج

محمد كريشان: نعم، لأنه ربما كان وجود الرؤية والاستراتيجية والتحدي، يعني دكتور يعني موضوع غياب التحدي، غياب التصور الواضح، المثال المعبر جداً الأربعين طالب الذين سألتهم عن ما يريدونه لأنفسهم في المستقبل، يعني هل يمكن أن نعيد هذا.. لا أقول التسيب أشرت إلى نوع من التراخي، يعني هل وفرة.. الوفرة المالية التي تمتعت بها دول الخليج في السنوات الماضية مع الطفرة النفطية تتحمل جزء كبير من هذا الواقع؟

د.عبد العزيز الحر: هي المسألة لها شقين الوفرة جانب، لكن الوفرة في كثير من الدول استغلت استغلال جيد، فإحنا لو كان عندنا وفرة وعندنا وعي كان حققنا حاجة كبيرة جداً، لكن إشكالية إنها توافرت الوفرة في ظل غياب الوعي الحقيقي وتقصير أنظمتنا التعليمية في بث روح التحدي والدافعية في هذا الأمر، أنا كنت مرة في مقابلة مع خبير ماليزي جاء للمنطقة ليقيم بعض الأنظمة التعليمية فقال أنا أستغرب في نهاية المطاف سألت.. أيش انطباعك اللي خرجت فيه للتقييم في أحد دول الخليج؟ فقال أنا أستغرب من هذه الدول كيف لم تصبح دول امتياز في المجال التعليمي، قلت له ليش هذا الاستغراب؟ يقول كل المعطيات المادية موجودة. طيب سألته وين الخلل، فأشار إلى رأسه وقال الخلل يقع في قضية التخطيط الاستراتيجي لاستغلال هذه الموارد وهذه الإمكانات لتحقيق هذه القفزات النوعية، علشان ما أرسم الصورة السوداء طبعاً هذه الدول حققت قفزات كمية يعني خلال الثلاثين سنة حققت كثير من القفزات الكمية، في أعداد الطلاب في أعداد المدارس في أعداد الجامعات اللي وصلت إلى 15 جامعة على مستوى دول الخليج لكن إحنا نريد أن نلمس الجروح، يعني الجسم فيه بعض المناطق السليمة لكن نريد أن نلمس الجروح، خلينا نتكلم بشكل، هذه الأربع لاءات اللي هي اللاءات اللي مرتبطة بالتشخيص أنا أسميه التشخيص الكيفي في قضية التعليم لكن خلينا نروح إلى الجانب الكمي إذا أحببت، في الجانب الكمي نتكلم على قضية في.. في منتهى الخطورة، قضية الأمية الآن معروف على مستوى العالم خُمس العالم أمي لا يقرأ ولا يكتب، المآساة مش هنا، المآساة أن 90% من هذا الخمس في دول العالم الثالث والمشكلة الأكبر أن 75% من هذا الجزء متركز في عشرة دول، من بين هذه الدول إيران ومصر والهند وباكستان والبرازيل ونيجيريا وبعض الدول الأخرى، خلينا نعمل إسقاط على دول الخليج دول الخليج اللي حققت طفرة في مجموعة من السنوات وعملت قفزات كمية هذه القفزات الكمية لم تؤهلها إنها تخرج من قضية هذه الأمية، تصل نسبة الأمية في بعض دول الخليج إلى 50% وفي أقل دولة تصل من 17 إلى 20%، الدول العربية.. الدول العربية 45% من العالم العربي لا يقرأ ولا يكتب، أمية ليست الأمية اللي يتكلم عنها الدول.. تتكلم عنها الدول المتقدمة اللي هي أمية.. الأمية التكنولوجية الآن يسمونها، لا أمية الحرب، فأمة تريد أن تنهض و50% من شعبها لا يقرأ ولا يكتب، قضية تحتاج إلى توقف، 45% أو 50% تمثل 70 مليون أمي في العالم العربي معظمهم من النساء وهذه مشكلة أكبر ليش؟ لأن إذا كانت المرأة في العالم العربي مرأة جاهلة وهي اللي تربي الأجيال في البيت قبل أنهم يصلون إلى سن المدرسة، ماذا تتوقع؟ صحيح هناك بعض الأمهات على أميتهم لكن عندهم حرص على التعليم كبير، ولكن الكثرة تغلب الشجاعة، إذا أردنا –أستاذ محمد- اليوم إحنا نبدأ في خطة استراتيجية لمحو أمية المرأة في العالم العربي، سننتهي من هذا الأمر سنة 2040، إذا بدأنا اليوم في محو أمية الرجل في العالم العربي سننتهي من هذا الأمر سنة 2025، أنا أحذر هنا أي تأخير في مشروع محو الأمية في العالم العربي أو دول الخليج سيؤخرنا للوراء سنوات كبيرة.


تأثير استيراد الخبرات التعليمية على أزمة التعليم في دول الخليج

محمد كريشان: نعم، دكتور أيضاً من بين الأشياء التي تميز دول الخليج تقريباً سيطرة نمط الاستيراد في كل شيء، هي ظاهرة ظهرت في دول العالم الثالث بشكل عام، التي ربما الوفرة المالية في الخليج أظهرت الظاهرة بشكل أوضح، استيراد السيارة استيراد التجهيزات المنزلية، استيراد الرفاهة وغيرها من الأدوات، أيضاً في موضوع التعليم دول الخليج لم تستطع أن توفر الكادر التعليمي الخاص بها، أغلب دول الخليج مدرسيها إما من مصر، إما من الفلسطينيين إما من.. السنوات الماضية من دول المغرب العربي، تونس والمغرب وغيرها، يعني هل هذا التعدد في الاستعانة بخبرات وكوادر تعليمية عربية من دول مختلفة، هل كان له دور ما في أزمة التعليم في دول الخليج؟

د.عبد العزيز الحر: والله أنا خليني أتكلم على الاستيراد على مستويين، هناك استيراد نماذج كاملة، يعني سواء نماذج غربية أو نماذج آسيوية وهناك يعني ما أسميه استيراد بالنسبة للدول العربية، أنا أسميه استعانة، فخليني أتكلم على الاستيراد، ما النماذج اللي إحنا نستوردها من بعض الدول ونزرعها زرع بأشكالها ومضامينها، كل التجارب العالمية اللي قرأتها والنهضات الآسيوية والأوروبية والعالمية، مرت بمرحلة الاستيراد، النهضة الأوروبية أول حاجة أو من أكثر الأشياء اللي عملتها إنها استوردت من بعض الحضارات ومنها الحضارة الإسلامية، الحضارة الإسلامية نفسها استوردت من الحضارة الغربية ومن.. ومن أهل فارس وترجمت كثير من الكتب من اللهجة الفارسية واليونانية، أيضاً الآسيويين واليابان استفادوا من أميركا والحضارة الغربية بشكل كبير، ولكن خليني أضع هذا في إطار، إن هذه الدول قبل أنها تستورد مرت بمجموعة من المراحل، أول حاجة ما يسمونه بفرز السرعة، اليابانيين قبل إنهم يستوردون عملوا ما يسمى بخلخلة التراث، حددوا ما هي الثوابت وعقائد ومضاجع اليابانيين التي لا تقبل المساومة ولا تقبل التخلي عنها، الأوروبيين عملوا نفس الحاجة، عندما مروا على التاريخ اليوناني، ثم المسيحي ثم عصر النهضة استجمعوا الموروثات الإيجابية، وحددوا مبادئهم الأساسية، بعد ذلك نظروا إلى التجارب المحيطة والتجارب العالمية استفادوا منها بطريقة انتقائية، نحط ثلاث أربع خطوط تحت كلمة الانتقائية لأنها بشرط ألا تمس العقائد أو الثوابت، تعال نشوف إسقاط هذا الأمر الآن علينا، هل ثوابتنا بالفعل واضحة بحيث عندما نستورد.. نستورد أشكال وليست مضامين يا اللي إحنا ما عندنا مشكلة إن إحنا نستورد بعض الأفكار الجميلة في قضية المناهج وقضية أساليب التدريس واستخدام التكنولوجيا والأشكال المدرسية أو على مستوى التعليم العالي ولكن عندنا إشكالية في استيراد المضامين الكلية لأن مضامين التعليم في هذه الدول مرتبطة بأيش؟ مرتبطة بفلسفات.. بفلسفة المجتمع وبأهداف المجتمع ومرتبطة بعقائد المجتمع، لذلك فهي تتبنى مجموعة من القيم التي تناسب ذاك المجتمع وليس مجتمعاً، فأنت عندما تستورد الشكل والمضمون، فأنت تزرع مجموعة من القيم لا تمت بصلة إلى مجتمعك، لا تمت بصلة إلى قيمك فخريجي هذه المدارس بعد ذلك فيه عندهم منظومة قيمية مختلفة عن الخريجين اللي دخلوا مدارس الأخرى ودرسوا فيها بناء على معتقداتك ومبادئك وقيمك، فأنت تخلق شريحتين في المجتمع يستصحبون معاهم قيم مختلفة أحياناً تكون متناقضة فهذا يخلق عدم تجانس في المجتمع بشكل كبير، الآن نأتي للأمر الآخر اللي هو أيضاً محصلة لبعض الأخطاء اللي صارت في المرحلة الماضية، قضية الاستعانة بالخبرات الخارجية سواء أجنبية أو عربية، هذه قضية ما فيها إشكالية كبيرة، ولكن النمط اللي اتبعناه في قضية الاستعانة بهذه الخبرات خصوصاً من الدول العربية حدث فيها خلل حقيقي، الخلل هذا إن إحنا جبنا هذه الخبرات ومن الطائرة إلى المدرسة بمعنى إن لم يعاد تأثير هذا الإنسان سواء من مصر أو من تونس أو من الجزائر أو من أي دولة من الدول، إن أول حاجة يعرف بالمجتمعات الخليجية، يعرف بطبيعة المجتمع يعرف بالجانب الاجتماعي، الجانب الثقافي والجانب السياسي والجانب النفسي

محمد كريشان: عموماً كأي فني أو مهندس

د.عبد العزيز الحر: بالضبط.. بالضبط لذلك المهندس قبل ما يصمم منزل أو عمارة لصاحب الشأن، أول شيء يسأله ماذا تريد، إذن القضية الأساسية نرجع مرة ثانية ونقول ماذا نريد تحديد هذا الإرادة سيتحدد عليها أمور كثيرة جداً.


إشكالية تمويل التعليم في دول الخليج

محمد كريشان: نعم، دكتور لو سمحت ننتقل إلى موضوع تمويل التعليم، دول الخليج الآن تعيش لنقل بصراحة.. أزمة مالية في ظل انخفاض أسعار النفط، يعني بعض الدول تجد صعوبة حتى في دفع الرواتب والمستحقات المالية اليومية، يعني كيف يمكن –في ظل هذه الأوضاع- أن ينتبه صاحب القرار لإصلاح التعليم وتسييره وتوفير الأموال اللازمة؟

د.عبد العزيز الحر: طيب أنا أبدأ من نهاية السؤال: كيف ينتبه صاحب القرار لقضية التعليم، هذه ليست قضية خيارية، أنا أعتقد هذه قضية استراتيجية محسومة، إن هذه الدول إذا أرادت أن تعيش وتنهض يجب أن تنتبه على قضية المورد البشري وتنمية المورد البشري وقضية التعليم، أما قضية تمويل التعليم فهي قضية ذات.. حقيقية يعني لو عرفنا أن سنة 2025 سيكون عندنا عشر ملايين طالب كلفتهم ستكون خمسين مليار دولار إذا اعتبرنا أسعار سنة 1993، أن الأمور تستمر على الأسعار من ثلاث سنوات مضت سيكلفنا التعليم النوعي خمسين مليار دولار وهذا يمثل 76% من إجمالي دخل دول الخليج في 1993.

محمد كريشان: يعني استحالة تقريباً.

د.عبد العزيز الحر: استحالة.. استحالة بالنمط التقليدي، إذا استمر تفكيرنا في قضية التعليم في تلك الأطر والمدارس المكسورة والصفوف التي لا تسع إلا لثلاثين أو أربعين طالب سيكون هناك استحالة وستزيد نسبة الأمية في دول الخليج، يجب أن نعيد التفكير في قضية تعليمنا وأشكال التعليم بطريقة نستفيد منها من التكنولوجيا المعاصرة من الأساليب الحديثة في التعليم، ما أصبح المعلم يدرس عشرين أو خمسة وعشرين طالب، لن تستطيع دول الخليج أن تستمر على هذا الأمر يجب أن نفكر كيف أن المدرس المتميز يدرس ألف وألفين طالب في نفس الوقت، بل خمسة آلاف طالب في نفس الوقت بدل ما تجيب مائة مدرس برواتب هينة برواتب ضعيفة ما يأتي إلينا إلا يعني أصحاب الكفاءات الضعيفة المحدودة نفكر في مدرس واحد نعطيه عشر أضعاف الراتب، ولكن يدرس هنا ألف وألفين وثلاث آلاف طالب في نفس الوقت باستخدام التكنولوجيا الحديثة، مدرس في مكان ما ينقل إلى عبر القنوات الفضائية أو عبر وسائل الاتصال الحديثة إلى المدارس المختلفة من خلال مدرس من أفضل الكفاءات ومن أفضل المدرسين، لها شكل تكنولوجي يمكن إن إحنا نفكر فيه ونتبناه بشكل أو بآخر استمرار الشكل التقليدي سيرهق دول الخليج في المستقبل وسيجعل من التعليم عبء ثقيل عليها وعلى ميزانيتها، خصوصاً أن يعني في ظاهرة غريبة يعني موجودة أن عندما يصبح هناك تقشف أو أزمة اقتصادية قطاع التعليم والصحة وبعض الخدمات البنية التحتية هي أول القطاعات التي يمسها مثل هذا التقشف بينما الدول العالمية اللي مرت بأزمات اقتصادية ابتعدوا عن التعليم وعن الصحة، لم تمسها قضية التقشفات، لأن أي مسار سلبي في مجال الصحة والتعليم تأثيره البعيد الأمد جداً يكون كبير وكلفة إصلاحها في المستقبل يكون كلفة جداً عالية، إذن قضية التمويل قضية حقيقية، لكن يجب أن نعيد التفكير فيها، القطاع الخاص.. القطاع الخاص يجب أن يساهم في هذه القضية

محمد كريشان: ويبدو منصرف تماماً عن..

د.عبد العزيز الحر: ويبدو منصرف في هذه القضية لأن عوائد المساهمة في تنمية المورد البشري أو قضية التعليم ما تبدو سريعة الأجل أو ما تبدو ثمارها بشكل سريع، لذلك كثير من الناس يتراجعون عن هذا الأمر، الشيء الآخر هناك قناعة من يعني القطاع الخاص أن قضية التعليم هي مسؤولية الدول أو مسؤولية الدولة، وهذه مشكلة أخرى أنا ما أعفي الدولة من المسؤولية الدولة مسؤولة عن التعليم، وكثير من الدول المتقدمة تصر أنها تكون مسؤولة عن التعليم مثل اليابان، التعليم الخاص باليابان تعليم محدود جداً، لا يكاد يذكر حتى في أدبيات التعليم الياباني والدولة هي مستلمة قضية التعليم، ولكن حصلت على مستوى معين في قضية التعليم.


تجربة الكويت والبحرين والسعودية في تحسين التعليم

محمد كريشان: نعم، يعني رسمنا صورة إلى حد ما قاتمة لوضع التعليم، يعني هل هذا ينطبق بالنسبة لكل دول الخليج، يعني مثلاً المعروف تقليدياً أن ربما الكويت إحدى الدول التي استطاعت أن توظف إمكانياتها في مجال التعليم بشكل أفضل من بقية الدول، يعني لو أردنا أن نوضح الصورة بالنسبة للدول يعني أي الدول الخليجية تعتبر أفضل من غيرها نسبياً في مجال التعليم وآفاقة؟

د.عبد العزيز الحر: طيب إحنا حالياً بعد ما رسمنا هذه الصورة التي قد تكون داكنة في بعض جوانبها، لكن حقيقة أنا أجد من الضروري جداً وضع الأيادي على الجرح لأنك لما تضع أيدك على الجرح تشعر بالألم، وإذا شعرت بالألم تبحث عن العلاج لكن يعني دول الخليج من الدول اللي استشعرت مثل هذه الإشكاليات، لذا تكون ما يسمى بمكتب التربية العربي.

مكتب التربية العربي هو عبارة عن مكتب لصياغة المشاريع التعليمية الكلية على مستوى دول الخليج، ودول الخليج كلها تساهم فيها، فعندهم واحد من مشاريعهم الأساسية المناهج الموحدة والتفعيل والاستفادة من جميع خبراء المناهج في هذه الدول المتفرقة لإخراج منهج يفترض أنه يكون منهج نموذجي، طبعاً فيه بعض الإشكالات، لكن هذه واحدة من المحاولات بالإضافة إلى المشاريع الأخرى اللي يتبناها مثل هذا المكتب لتوحيد الموارد وعدم تكرار الأعمال وتكرار المشاريع، فهذه واحدة من الإيجابيات الكبيرة اللي لو خطط له بشكل سليم هذا المكتب سيؤدي بالفعل إلى ما يفيد هذه الدول بشكل كبير، وبالفعل جالسين نستفيد من هذا المكتب في بعض الجوانب بشكل كبير، هناك بعض الدول بالفعل استطاعت إنها تحقق قفزات في بعض جوانب التعليم بشكل جيد، يعني البحرين عندها تجربة رائدة في قضية التعليم التقني والفني، 70% من طلاب التعليم في البحرين على مستوى المرحلة الثانوية في التعليم الفني، و30% فقط للتعليم العام، لذلك مخرجات التعليم الفني تصب في قضية التنمية المجتمعية بشكل مباشر، لأنه ما أن يتخرج من التعليم الفني إلا على طول يستطيع ينخرط في المجتمع وفي مصانعه وفي مؤسساته ويبدأ الإنتاج.. الإنتاج الفعلي الحقيقي، ومن لا يريد أن ينتج بعد المرحلة الثانوية مباشرة مفتوح له مجموعة من الكليات أو التعليم التقني العالي اللي يستطيع أن يحصل من خلاله على دبلوم عالي في المجال الفني التقني، هذا نجاح مش بسيط إنك تقنع 70% من أبناء المجتمع اللجوء إلى التعليم الفني في دول نسميها دول وفرة ودول نفطية، في السعودية عندهم مشروع جيد في قضية معالجة عزوف الشباب السعودي عن قضية التعليم والتدريس، لأن المجتمعات الخليجية نتيجة الوفرة هذه بدأت تنظر إلى بعض المهن نظرة دونية.

محمد كريشان: غير مغرية يعني.

د.عبد العزيز الحر: أيوه، غير مغرية ومن هذه المهن مهنة التدريس، وأصبح المعلم ومهنة المدرس مش المهنة اللي الجاذبة، أصبحت مهنة طاردة.. لذلك في كل السعودية عملت خطوة نحو تحسين النوعي والكمي الاجتماعي لوضع المعلم في السعودية لذلك الآن كليات التربية تعتبر من أكبر الكليات اللي عليها إقبال في الجامعات السعودية، هذا سيوفر للمملكة..

محمد كريشان [مقاطعاً]: يعني ماذا.. ماذا صنعت السعودية؟ يعني هذه..

د.عبد العزيز الحر: حسَّنت من رواتب المعلمين، حسنت من وضعهم الاجتماعي حسنت من معايير القبول، حسنت من مجموعة من الأمور، لذلك صار فيه إقبال على مثل هذه الكليات والآن بعد فترة من الزمن ستتغير أيضاً نظرة المجتمع لأن معظم أبناءهم أو كثير من أبناءهم في هذا القطاع، في دولة قطر هناك الآن ما يسمى بأسلوب الإدارة بالمشاريع وزارة التربية والتعليم تبنت 21 مشروع لتنمية أو تطوير التعليم جاء بعد لجنة أميرية كونت لقياس أو تقييم النظام التعليمي، وهذه اللجنة أيضاً من الحكمة أنها كانت من خارج وزارة التربية والتعليم كانت من أفراد خارج وزارة التربية لتقييم المدخلات والعمليات وبعدين خرجت بتصور، هناك الآن أكثر من 21 مشروع يمشون بخطوط متوازية إن لم تجد هذه المشاريع الدعم الحقيقي ستتعثر، التمويل الحقيقي ستتعثر، هذه المشاريع تحتاج إلى مورد بشري، تحتاج إلى مورد مالي، تحتاج إلى تتابع أداء الأجيال وهذه نقطة خطيرة، عندنا مشكلة في قضية تتابع أداء الأجيال أن إذا أتى مسؤول أو وزير ينسف أو يميل إلى.. إلى تجاهل العصر الماضي والمشاريع السابقة ويبدأ بإدارة العجلة من أول وجديد.

محمد كريشان: يبدو أن هذه قضية عربية أساساً يعني، خاصة في مجال التعليم كل وزير يأتي يعتبر أن كل من أتى قبله لم يفعل شيء وأن الفرج سيأتي على يديه.

د.عبد العزيز الحر: هذه.. هذه قضية أيضاً خطيرة، لذلك يعني نحتاج إن إحنا نؤمن بقضية تتابع أداء الأجيال، الجيل اللي يأتي يكمل على الجيل اللي بعده و.. إذن هذه عملية في غاية الأهمية، هناك يعني في.. في عمان وفي الإمارات، الإمارات الآن نشروا استراتيجية التعليم لسنة 2020 ورصدوا لها مبالغ طائلة حقيقة إذا بالفعل هذه الاستراتيجية رأت النور ورأت التطبيق الحقيقي سيكون لها في المستقبل مردود طيب، عمان قبل شهر واحد فقط أعلنت عن استراتيجيتها ورصدت تقريباً 5 مليار لمشروع تطوير التعليم في عمان، فدول الخليج..

محمد كريشان: إذن من إحدى اللاءات اللا استراتيجية بدأت..

د.عبد العزيز الحر: نعم، بس أنا خايف إنها تكون استراتيجيات قطاعية، هذه.. هذه المآساة اللي أنا أحذر منها، أتمنى من هذه الدول، من هذه الوزرات أنها تربط بمشاريع تطوير التعليم عندها بمشاريع البلد نفسها، بمشروع التنمية الشاملة، وأتمنى على هذه البلدان كقيادات إنها بالفعل تنشر مشاريعها التنموية وتقول هذا مشروعنا للعشرين سنة القادمة، هذا مشروعنا للـ15 سنة القادمة، ماليزيا عندما أرادات أن تتقدم وتفكر قالت إن أنا سنة 2015 يجب أن تكون ماليزيا من الدول الصناعية الكبرى على أثر ذلك تغيرت البنية التحتية كلها بما فيها التعليم وأصبح الاتجاه إلى التقنية وإلى الصناعة وإلى التعليم الفني والتعليم الصناعي ودراسة التكنولوجيا من المرحلة الابتدائية، لأنها عارفة.. عفواً وين متجهة بالضبط. من ضمن الأشياء اللي موجودة الآن في ماليزيا سنة 2005 تقريباً سيكون عند كل طفل جهاز كمبيوتر محمول يغنيه عن الكتب المدرسية التقليدية اللي أثقلت أظهر أبنائها، ابننا أصبح في المرحلة الابتدائية يشيل عشرة كيلو من الكتب المدرسية، ناهيك عن الدفاتر، ناهيك عن الأشياء التانية على ظهره يومياً، بينما وسائل الاتصال الحديثة الآن تغنيك عن مثل هذه الأمور وتحقق لك حاجات كتيرة، إذن ملخص الحديث في هذا الأمر هناك محاولات وأخر حاجة في شهر أربعة ستقر استراتيجية إشراف.. استشراف التعليم أو مستقبل التعليم في منطقة الخليج، هذا مشروع بدأ من سنتين أو سنتين ونصف، حُشدت له مجموعة من الخبرات الكبيرة العريقة سواء العربية أو الأجنبية لتصميم مشروع مستقبلي تعليمي لمنطقة الخليج كلها تحمل المباديء والقيم وكثير من الأمور، لكن أنا أتمنى بعد إقرار مثل هذه الخطة الاستشرافية الطموحة اللي صار لي الشرف إني أشارك في مناقشة بعض جوانبها إنها ما تموت كما ماتت.. كما مات المشروع العربي في.. في نهاية السبعينات لقضية استشراف التعليم للأمة العربية، ومع ذلك نفتح هذا المشروع ومرة ثانية بدأ أو مات هذا المشروع، والآن هناك مشروع جديد.. لا نريد مشاريع ولكن نريد تنفيذ للمشاريع، يجب أن ننتقل من مستوى الأفكار إلى مستوى تنفيذ هذه الأفكار، فمع هذه الصورة الضبابية، الآن هناك صورة –إن شاء الله- مشرقة في المستقبل القريب.

محمد كريشان: دكتور عبد العزيز الحر شكراً جزيلاً.

د.عبد العزيز الحر: شكراً.