من واشنطن - صورة عامة - 10/07/2012
من واشنطن

الدستور الأميركي

تسلط الحلقة الضوء على معارك الدستور في الولايات المتحدة، فبعد مرور أكثر من قرنين على صياغة الدستور الأميركي تطالب أقلية من الأميركيين بتغييره بينما تتشبث به الأغلبية كوثيقة شبه مقدسة. فما مواقع القوة والضعف فيه؟
‪عبد الرحيم فقرا‬ عبد الرحيم فقرا
‪عبد الرحيم فقرا‬ عبد الرحيم فقرا
‪جون ماكين‬ جون ماكين
‪جون ماكين‬ جون ماكين
نيثان براون
نيثان براون

عبد الرحيم فقرا: مشاهدينا في كل مكان أهلا بكم جميعا في حلقة جديدة من برنامج من واشنطن. 

[شريط مسجل] 

محمد أنور عصمت السادات/ مؤسس حزب الإصلاح والتنمية المصري: مصر تاريخيا عندها ميراث كبير جدا من الدساتير يعني إحنا أول دستور في 1800 يمكن حاجه وثمانين. 

 عباس مخيمر/ حزب الحرية والعدالة المصري: حرية حقيقية، ديمقراطية حقيقية هو دا الضمانة لأي نظام قادم هو الشعب اللي قام، والشعب اللي عمل التضحيات اللي عملها دية للحياة الكريمة، للعدالة الاجتماعية، لحياة ديمقراطية سليمة، هي دي الضمانة الأساسية أن الشعب هيحافظ على مكتسبات الثورة، وهيحافظ على حريته، وهيحافظ على حقوق الإنسان، وهيحافظ على الديمقراطية، الشعب هو الضمانة الأولى والأخيرة علشان يبقى في دستور يعبر عنه، ودستور هيحافظ عليه ويقدم كل غالي ورخيص في سبيل تحقيقه. 

عبد الرحيم فقرا: حتى قبل الإعلان رسميا عن فوز محمد مرسي في الانتخابات الرئاسية المصرية في نهاية شهر يونيو حزيران خاضت حملة كل من المرشحين آنذاك مرسي وأحمد شفيق حربا كلامية زعمت من خلالها كل حملة فوز مرشحها وقد أعادت هذه الحرب إلى الأذهان الحرب التي خاضها كل من جورج بوش وأليغور في انتخابات عام 2000 في فلوريدا عندما تنازعا الفوز لعدة أسابيع قبل أن تحسم المحكمة العليا الأميركية النزاع لصالح جورج بوش فكيف ينظر خبراء الدستور الأميركيون إلى ذلك بعد مضي 12 عاما على وقوعه. 

[شريط مسجل] 

واتر ديلينفر/ محامي وخبير دستوري: في قضية بوش واليغور اعتقدت في حينه وما زلت أنه عملا بالدستور والقوانين فإن فرز أصوات المجمع الانتخابي هو من عمل الكونغرس أو أن يبت في أي نزاع حول إعطاء أصوات أعضاء المجمع الانتخابي في ولاية ما، ورأيت أن الأمر لا يجب أن يصل إلى المحكمة العليا بل أن تترك ولاية فلوريدا كي تصل إلى استنتاجاتها وأن يقوم الكونغرس بحل المشكل، وكان لذلك أثر كبير في بلادنا حيث قام خمس قضاة في المحكمة العليا من مجموع تسعة بإقرار موضوع الانتخابات وكان ذلك أمرا مثيرا. 

عبد الرحيم فقرا: سنحاول في هذه الحلقة إلقاء الضوء على معارك الدستور في الولايات المتحدة في ظل معارك مشابهة في المنطقة العربية منذ حوالي عامين، وإذ ليس هناك إجماع أن الولايات المتحدة في حاجة إلى ثورة دستورية تعيد صياغة دستور عمره أكثر من مئتي عام، هناك إجماع على أن نظام الحزبين في البلاد يعيش أزمة تشل التفاهم بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري من أجل الصالح العام بما يهدد مصداقية المشرعين الأميركيين داخل الولايات المتحدة، وربما يقوض القوة الأميركية خارجها. السيناتور الجمهوري جون ماكين ابن النظام السياسي الأميركي لكنه أيضا من أقوى الأصوات المطالبة بإصلاحه. سيناتور ماكين  شكرا على انضمامك إلينا أولا نسمعك أحيانا تتحدث عن الشلل في النظام السياسي الأميركي بسبب تضارب مصالح الحزبين لكن أليست التضارب هو عصب الديمقراطية؟ 

جون ماكين: أعتقد أنه من المفترض أن تكون الديمقراطية حول الحلول الوسطى وأن تستجيب لإرادة الشعب، إن إرادة الغالبية العظمى هي أن نقوم بحل خلافاتنا، لقد وصلت إلى منصبي هذا في الكونغرس قبل سنوات عديدة وكانت هناك أزمة بشأن الضمان الاجتماعي كان رونالد ريغان رئيسا وكان جيف أونيل رئيسا لمجلس النواب وكان ليبراليا ديمقراطيا، وجدنا حلا وكان حلا وسطا لكننا لا نرى ذلك يحدث هذه الأيام في واشنطن. 

صعوبات في مواجهة نظام الحزبين بأميركا 

عبد الرحيم فقرا: ماذا تقرأ في ذلك بالنسبة لطبيعة النظام السياسي في هذه البلاد؟ 

جون ماكين: إن هذا يشير إلى أننا لا نهتم بمصالح الشعب والدليل على ذلك هو تدني نسبة الراضين عن عملنا وأعتقد أن ذلك سيؤدي إلى ظهور حزب ثالث، إن تسجيل الناخبين المستقلين اليوم هو أكثر انتشارا من تسجيل الناخبين الجمهوريين أو الديمقراطيين. 

عبد الرحيم فقرا: عندما تتحدث عن حزب ثالث هل يمثل ذلك أملا بالنسبة لك أم مخاوف؟ 

جون ماكين: كبديل أعتقد أن الناس ستأخذ في اعتبارها عدم الرضا عن كلا الحزبين الديمقراطي أو الجمهوري. 

عبد الرحيم فقرا: إنما هل يعني ذلك أنك تعتقد أن نظام الحزبين لم يعد قابلا للحياة؟ 

جون ماكين: أعتقد أننا في واشنطن لا نقوم بما علينا، أعتقد أن طريقة نظام الحزبين ما زالت تعمل لكن هنا في واشنطن كما تعلم أننا نواجه منحدرا ماليا صاعقا نحن على وشك صعوده، إلا إذا قمنا بشيء ما، ولا يبدو أن هناك عاملا مساعدا يدفعنا إلى القعود والتوقف، يجب أن نرفع من الحد الأعلى، إن تخفيض الضرائب الذي وضعه الرئيس بوش الابن على وشك الانتهاء، وسيكون هناك حجوزات ومصادرة وتصدي وسيحدث كل هذا وأمور أخرى كثيرة ممكنة الحدوث إلا إذا تحركنا، إننا جميعا نرى المنحدر لكننا لم نستخدم الكوابح. 

عبد الرحيم فقرا: مرة أخرى أسألك هل تعتقد إذا أن إنشاء حزب ثالث قد يكون بمثابة المنقذ لفاعلية النظام السياسي الأميركي؟ 

جون ماكين: ليس في الوقت الحاضر وذلك نظرا لما هو عليه الوضع اليوم لكن على سبيل المثال هناك في كاليفورنيا مرشح لا ينتمي لأي من الحزبين وأن أصوات كثيرة تذهب إلى أمثال هؤلاء المرشحين، لم يتم انتخاب أحد بعد لكننا نري ذلك الآن، وفي ولايات أخرى يبدو أن كلا الحزبين لم يحصل على مزيد من الأصوات. 

عبد الرحيم فقرا: في هذا الوقت من تاريخ منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هل تعتقد سيناتور ماكين أن هناك أي جوانب في النظام السياسي الأميركي تعتقد أنت أنه يتعين على المنطقة أن تستفيد منها أو أن تتجنبها في المستقبل؟ 

جون ماكين: ليس كثيرا لكننا على أية حال في أزمة، وكما قال ونستون تشرشل إنها أفضل أسلوب حكم ولم يأت أحد بما هو أفضل منها، لست مستعدا للتخلي عن الديمقراطية وإتباع أسلوب آخر في الحكم، وأعتقد أننا شهدنا  فترات في تاريخنا حدثت أمور كهذه وقمنا بحلها، وما زلت أعتقد أن بمقدورنا العمل معا وقد يحتاج هذا إلى عوامل مساعدة كطرد البعض من مناصبهم. 

عبد الرحيم فقرا: أعتقد أنك تقصد الرئيس باراك أوباما برغم أن العديد من الأميركيين قد يختلفون معك في ذلك، إنما بالنسبة لهذا الشلل الذي تتحدث عنه في النظام السياسي الأميركي ما تأثيره على موقع أميركا وعلى القوة الأميركية في العالم؟ 

جون ماكين: أعتقد أننا ما زلنا نلهم الكثير من شعوب العالم في تونس وليبيا وسوريا ومصر. إن أولئك الذين صنعوا الربيع العربي يشتركون معنا في مبادئنا وقيمنا ومعتقداتنا لكنني أرى أيضا أن علينا  تنظيم أمورنا المالية وهذا ما يركز عليه الناخبون الآن أكثر من أي موضوع آخر، علينا أن نعمل على حل هذه المشاكل وإلا سنصبح أمة مفلسة، إننا لسنا كاليونان لكن أمامنا جميع دلائل النمو التي لا يمكن الاستمرار فيها وتحمل أعبائها، نراها في مديونيتنا وفي حجم جهاز حكومتنا وأعتقد أننا قادرون على الحل، إن هذه أزمة مختلفة جدا، لقد واجهنا في تاريخنا أزمات كهذه وحتى الحرب الأهلية كما تعلم، وعلى العموم فإني متفائل بأن الشعب الأميركي قادر على التكيف مع الواقع الجديد. 

عبد الرحيم فقرا: سيد ماكين شكرا على انضمامك إلينا من الكونغرس، السيناتور الجمهوري جون ماكين ولمزيد من النقاش عن الوضع السياسي والدستوري في الولايات المتحدة في الوقت الذي تشهد فيه المنطقة العربية تحولات سياسية ودستورية يتابعها الأميركيون باهتمام أرحب بضيفي البروفيسور نيتان براون من جامعة جورج واشنطن. بروفسور نيتان براون كتبت كثيرا في موضوع الدساتير بما فيها الدستور الأميركي والدستور المصري، إنما بداية كيف تنظر إلى العلاقة بين المؤسسة الدستورية في الولايات المتحدة والمؤسسة السياسية خاصة في تجسيدها المتعلق بالكونغرس والحزبين؟ 

نيثان براون: هناك الكثير من الأمور في السياسة الأميركية المعاصرة لم يتوقعها الدستور الأميركي نفسه، وحتى نظام الحزبين لم يتوقعه الدستور، وإذا عدت وقرأت ما كتبه واضعو الدستور ستجد أنهم كانوا متخوفين من الأحزاب السياسية، كانوا يظنون أن الأحزاب السياسية هي محاولات لتحقيق مصالح جزء من المجتمع بدلا من المجتمع كله، وهكذا كان الدستور الأميركي يعمل اليوم بطريقة لم يتوقعها واضعوه، وقد كانوا ضد ذلك بطريقة أو بأخرى، ولو قيد لهم أن ينظروا إلى الكونغرس اليوم هو مشلول ومنقسم بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري فسيقولون أن هذا النظام هو الذي كنا نريد تجنبه تحديدا. 

تعديلات واجهت الدستور الأميركي 

عبد الرحيم فقرا:  إنما عندما تقول إن هناك العديد من أوجه الحياة السياسية الحالية في الولايات المتحدة التي لم ينص عليها الدستور، هل معنى ذلك أن الدستور الأميركي علما بأنه قد خضع لعدة تعديلات، هل معنى ذلك أنه دستور حي يتلاءم وباستمرار؟ أم أنك تعتقد أن الحياة السياسية في الولايات المتحدة قد خرجت عن السكة الأصلية وخالفت السكة الأصلية للدستور الأميركي؟ 

نيثان براون: لا أعتقد أن النظام السياسي الأميركي القائم يخرق الدستور ولكنني أعتقد أن التعابير المستخدمة كما قلت أنت اعتبار الدستور وثيقة حية هي تعابير مألوفة لدى العديد من الأميركيين ولكنها تطورت عبر السنين لتعني شيئا مختلفا تماما. هناك مواد هامة في النظام الدستوري الأميركي يعتبرها الأميركيون بديهية ولا يجدونها بالضرورة في النص الأصلي وإذا وجدت فقد كان لها معنى مختلفا، لقد تطور ذلك مع تطور المجتمع وأحيانا ما كانت تخدم المجتمع واحتياجاته، ولكن وفي أحيان أخرى، وهنا أجدني متفقا مع سيناتور ماكين، أحيانا ما تجدها تشكل عائقا. 

عبد الرحيم فقرا: طيب نحن طبعا نتحدث في وقت لم تصدر فيه المحكمة العليا الأميركية قرارها المتعلق بالدعوة أو الاستئناف الذي رفع ضد سياسة أوباما لجعل التأمين الصحي سياسة إجبارية لكل الأميركيين، متى تتوقف العملية الدستورية كعملية دستورية في رأيك وتصبح تدخلا في الشأن السياسي؟ 

نيثان براون: إن هذا موضوع معقد في النظام السياسي الأميركي، ولا شك بأن الدستور الأميركي وبالطريقة التي وضع فيها لم يستبق موضوعا كالرعاية الصحية الشاملة على طريقة أوباما، ومن ناحية أخرى فإن ما يريده أوباما يتفق مع فهم الدستور الذي تطور على مدى العقدين الماضيين، إن ما نشهده الآن هو أن الخلاف لم يتم حله بالعملية الديمقراطية بل عن طريق المحكمة العليا والتي أصبحت بالمعنى السياسي فاعلا سياسيا وعندما تصبح المحكمة العليا عاملا سياسيا فعالا إلى هذا الحد عندما تقرر في أمر جوهري سياسي وقد تقوم بذلك بطريقة متوقعة وعلى الأقل حسب الفهم الذي تم التوصل إليه مؤخرا حول الدستور، عند ذلك ستجد التركيبة الدستورية الأميركية تعاني توترا حقيقيا وأعتقد ذلك ما يحدث الآن. 

عبد الرحيم فقرا: عندما تقول أنك تعتقد أن المحكمة العليا في الولايات المتحدة قد أصبحت أداة سياسية يعني عندما تنظر إلى فعل سن الدستور في الأصل قبل مئتي عام طبعا مواد دستورية لكن قرار سن الدستور وطبيعة الأشخاص الذين كتبوا الدستور كان العديد منهم ساسة ومجالهم الأساسي هو السياسة وبالتالي يمكن القول إن الدستور الأميركي منذ البدء عملية سياسية ليس فقط عملية دستورية. 

نيثان براون: حقا أعتقد أن جميع المسائل الدستورية هي مسائل سياسية، إن ما قام به مهندسو الدستور الأميركي هو وضع نظام سياسي تنتصر فيه مصالح المجتمع ككل على مصالح الأحزاب السياسية ولم تكن المحكمة العليا بالضرورة جزءا من تلك التركيبة الأصلية، وليس هناك في الدستور الأميركي ما ينص صراحة على أن تقرر المحكمة العليا أمورا دستورية. إن أمورا كهذه تأتي بالممارسة السياسية وتعمل بنجاعة ما دامت المحكمة العليا تعمل بالإجماع السياسي، أعتقد أن ما حدث في العقود القليلة الماضية هو أن المحكمة العليا قد تم إدخالها في النزاعات السياسية بطريقة تضر بشرعية المحكمة على المدى الطويل، ولم تعد قادرة على القيام بالدور نفسه الذي وضع لها وهو أن تكون فوق السياسة، وهو ما كان عليه الأمر قبل جيل واحد. 

عبد الرحيم فقرا: في مطلع البرنامج أشرنا إلى مسألة ما حصل من مشادات وتنازعات في مصر بالنسبة لمن فاز بالانتخابات قبل أن تحسم المحكمة الدستورية هناك المسألة ويفوز محمد مرسي بالانتخابات، وقلنا إن ذلك ذكر بما حصل عام ألفين في الولايات المتحدة، هل تعتقد في ظل ما قلته قبل قليل أن قرار اللجوء إلى المحكمة العليا لتحديد نتيجة الانتخابات عام 2000 هو دليل على أن الدستور الأميركي جرى تسويفه أكثر من اللازم وأن ذلك ألحق الضرر ليس فقط بالعملية الدستورية في الولايات المتحدة بل كذلك بالعملية السياسية؟ 

نيثان براون: هناك مشكلة في الحكم الذي أصدرته المحكمة عام 2000 وتشابه ذلك مع الحالة المصرية في الانتخابات الأخيرة، إن ما حدث في مصر هو أن الانتخابات الرئاسية قد إداراتها لجنة انتخابات رئاسية يرئسها رئيس المحكمة الدستورية العليا وهي محكمة لها سمعتها واحترامها في المجتمع المصري، إن رئيس المحكمة الحالي وهو على وشك التقاعد يعتبر من المقربين من النظام، ونتيجة لذلك لم تحظ لجنة الانتخابات الرئاسية بثقة كاملة من الأحزاب السياسية، وقد تم اعتبار قرارها قرارا سياسيا، وهنا في الولايات المتحدة الأميركية في العام ألفين صدر حكم المحكمة بأغلبية خمسة قضاة مقابل أربعة، وكان القضاة الخمسة الذين حكموا لصالح جورج بوش قد رشحهم للمنصب رؤساء جمهوريون، أما الأربعة الآخرون الذين أيدوا الموقف المؤيد للمرشح الديمقراطي أليغور فقد رشحهم للمنصب رؤساء ديمقراطيون، وأعتقد أن المحكمة العليا ما زالت حتى اليوم تدفع ثمنا باهظا لقرارها ذلك، كانت هناك طرق أخرى لحل ذلك النزاع وكان من الأهمية بمكان أن يصدر قرار ما وأعتقد أن المحكمة العليا قد حسمت الأمر لهذا السبب، وأعتقد أن الضرر الذي وقع على شرعية المؤسسات الدستورية الأميركية ضرر حقيقي. 

عبد الرحيم فقرا: عندما تقول أنه كانت هناك خيارات أخرى لحسم النزاع بين غور وبوش أعطينا مثالا على تلك الخيارات، عدا اللجوء إلى المحكمة العليا. 

نيثان براون: حقا كان هناك بعض قسائم الاقتراع في بعض مقاطعات ولاية فلوريدا غير واضحة المعالم، وكانت القضية في معيار إعادة  فرز تلك الأصوات ومن كان المسؤول عن ذلك وإلى ما هنالك من قضايا، كان يمكن لحكومة ولاية فلوريدا وأجهزتها أن تقضي في الأمر، كان هناك خلاف بين أجهزة الولاية نفسها وما دام نظام البلاد فيدراليا، كان يمكن ترك الأمر لمسؤولي حكومة الولاية ولمحاكمها، ولدينا في النظام الدستوري الأميركي المجمع الانتخابي، وهو الذي يقوم بانتخاب الرئيس، والخلافات في المجمع الانتخابي يمكن أن يحلها المجمع نفسه، أو أن يحلها الكونغرس بطريقة أو بأخرى، أو إدخال مؤسسات سياسية أخرى في الأمر، وأعتقد أن المحكمة العليا شعرت أنه إذا جاء الحل عن طريق تلك المؤسسات فقد يستغرق وقتا طويلا، وقد تحدث خلافات بينها جميعا، وربما كان قرار الكونغرس يختلف عن قرار محاكم فلوريدا وسيكون هناك شكوك حول الأمر، وهكذا دخلت المحكمة العليا بحزم لحل النزاع وحسمت الأمر وقبل اليغور النتيجة، ولكن وكما قلت لقد كان للمحكمة العليا رأس مال سياسي خسرت منه الكثير بقيامها بتلك الخطوة. 

عبد الرحيم فقرا: القاضية سوتا مايور معروف أنها من أصول من أميركا اللاتينية عندما أثيرت زوبعة قرار المحكمة العليا بالنسبة للهجرة غير الشرعية في أريزونا طبعا المحكمة العليا دعمت سياسة أوباما في هذا الباب، وأوباما يحاول أن يعزز موقفه الانتخابي مع شريحة اللاتينو وسوتا مايور منهم إذن أين الاستقلالية بين ما هو سياسي وما هو دستوري في هذه الحالة؟

نيثان براون: إنك تأتي على مواضيع وقضايا هامة جدا، في الفصل بين السلطات عندما نتحدث عن الخلافات وعن المقارنة بين مصر والولايات المتحدة إن الخبراء الدستوريين الأميركيين لا يتحدثون كثيرا عن فصل السلطات ويتحدثون عن التوازنات والكوابح وهم من أصحاب فكرة أن السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية تتدخل في أمور بعضها البعض ويريدون أن يكون ذلك التدخل متوازنا وان تقيم السلطات بعضها البعض بمقاييس القانونية الحقة، إن قضاة المحكمة العليا في الولايات المتحدة يرشحهم الرئيس ويقوم مجلس الشيوخ بالموافقة على التعيين وفي هذا نوع من الإجماع السياسي ويستمر قضاة المحكمة العليا في مناصبهم مدى الحياة، ولذا فلا تتغير المحكمة العليا بسرعة بل تتغير ببطء شديد وتعكس الفهم المتطور والمستمر للنظام السياسي الأميركي، وهذا ما تقوم به عندما تعمل بنجاح، أما في مصر فإن رئيس المحكمة الدستورية العليا الذي سيخلف فاروق سلطان في مطلع  تموز كان قد تم تعيينه من قبل قضاة المحكمة أنفسهم، إن لديهم صلاحيات اختيار أحد الثلاثة الأقدم بينهم ليكون رئيسا للمحكمة، وهذا ما يجعل المحكمة وكأنها تقوم بإنتاج نفسها دوما، وهي بذلك بعيدة عن القوى السياسية وهذا فرق حقيقي بين السلطات، والنظام القديم الذي كان معمولا به في حكم مبارك وسنوات حكم السادات أيضا كان رئيس الجمهورية هو الذي يعين رئيس المحكمة الدستورية العليا، كان رئيس الجمهورية يقوم بتعيين رئيس المحكمة أما الآن فهناك نظام جديد تتمتع فيه المحكمة باستقلال تام، إن شعوري هو أنه إذا ترسخت الديمقراطية في مصر فبدلا من أن تكون المحكمة بعيدة عن العملية الديمقراطية سيكون تعبير عن مختلف القوى السياسية في البلاد كي تتمكن من التوصل إلى إجماع حول عمل المحكمة ليس في أغلبية ولا في خمسة عشر بالمئة ولكن سيكون لديك الإسلاميون والعلمانيون والمسيحيون ودعاة المساواة بين الجنسين إلى آخره في محكمة تمثل جميع التيارات في الحياة السياسية المصرية. 

تركيز مصري مفرط للسلطة في يد السلطة التنفيذية 

عبد الرحيم فقرا: هل تقول أنت هذا الكلام بناءا على ما تراه إيجابيا في الدستور الأميركي من حيث الروح ليس من الحديث الحرفي، من حيث الروح وبالتالي يمكن نقله إلى الواقع المصري أم أنك تقول هذا الكلام عن مصر بناءا على ما عاينته في الواقع المصري من خلال زياراتك لمصر في الآونة الأخيرة؟ 

نيثان براون: أحسنت، أعتقد أن في ذلك بعضا من روح الدستور الأميركي التي وصلت بقاعا أخرى في العالم، لا أعتقد أن النص كاملا يمكن نقله من بلد إلى آخر وإن في مصر تقاليد دستورية ولغة دستورية ومؤسسات، إن نقل تركيبة دستورية أميركية إلى مصر سيكون كارثة، ولا أعتقد أن هناك في مصر من يريد ذلك بالضرورة، أعتقد أن هناك بعض الأفكار الأميركية التي يمكن للمصريين أن يأخذوا منها شيئا بحذر ودقة أيضا.. 

عبد الرحيم فقرا: مثلا . 

نيثان براون: إن إحدى هذه يمكن أن تكون الرقابة والتوازنات والابتعاد عن الفصل الحاد بين السلطات، لقد كانت مشكلة مصر في الماضي في نظامها الدستوري هي التركيز المفرط للسلطة في أيادي الجهاز التنفيذي وليس لمصر خبرة في برلمان قوي إن بها جهازا قضائيا يعلم كيف يواجه السلطة التنفيذية أو أن يكون تابعا لها وليس بالضرورة أن يعمل معها. 

عبد الرحيم فقرا: إنما حتى هنا في الولايات المتحدة مثلا خلال رئاسة الرئيس جورج بوش قبل أربع سنوات كان جورج بوش قد أتهم بأنه استولى على أو تجاوز صلاحياته كرئيس، وصفت رئاسته بالرئاسة الإمبراطورية يعني حتى في النظام الأميركي هذا الخطر قائم ليس فقط في النظام المصري. 

نيثان براون: إن هذا صحيح وفي الأزمات وقد كان لدينا أزمة هنا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، شعور بأننا كنا في حالة طوارئ، كان الرئيس قادرا على تجاوز حدود تفاهمات تقاليد دستورية، أما المشكلة في العالم العربي هي أن هناك حالة طوارئ شبه مستمرة في مصر مثلا منذ الحرب العالمية الثانية، وكذلك في بلاد عربية أخرى، وتقوم السلطات التنفيذية باستخدام حالة الطوارئ كي تتمكن من تجاوز صلاحياتها الدستورية، إن ما شهدناه بدرجة أقل بعد أحداث سبتمبر كان مشكلة العديد من الأنظمة الدستورية العربية على مدى نصف قرن أو أكثر. 

عبد الرحيم فقرا: لو سمحت لي أريد أن آخذ استراحة قصيرة بعد الاستراحة نواصل الحديث في هذا الباب استراحة قصيرة إذن. 

[فاصل إعلاني] 

عبد الرحيم فقرا: أهلا بكم إلى الجزء الثاني من هذا البرنامج، حلقتنا لهذا الأسبوع نخصصها لملف الدساتير في الولايات المتحدة والمنطقة العربية، وأذكر بضيفي البروفيسور نيثان براون من جامعة جورج واشنطن، أريد أن أعود نيثان إلى إحدى النقاط التي أثرتها في نهاية الجزء الأول، القاضية روث بادر جينسبرغ لها خبرة طويلة في المحكمة الدستورية تحظى باحترام كبير هنا في الولايات المتحدة، عندما زارت مصر قبل بضعة أشهر قالت إنها، نفس ما قلته أنت، إنها لا تعتقد أن على المصريين أن يهتموا كثيرا بما يمكن أن ينقلوه من الدستور الأميركي وأن من الأجدى بهم أن يركزوا على دساتير دول أخرى ككندا أو بعض الدساتير الأوروبية أو دستور جنوب إفريقيا، لماذا بتصورك؟

نيثان براون: أعتقد أن هذا كان تصريحا حكيما، وأحيانا ما يقوم بعض القضاة الأميركيون في زيارتهم لبلدان أخرى بالمبالغة في الترويج  للنموذج الأميركي وهناك أمران حول الخبرة الدستورية في مصر، فهناك أمران حول الخبرة الدستورية في مصر: فإذا قرأت النص الدستوري المصري والدستور الأميركي فستجد وثيقتين مختلفتين، أما إذا قارنت الدستور المصري بالدستور الفرنسي أو الألماني فستجد تشابهاً، إن التقاليد الدستورية المصرية أقرب إلى التقاليد الأوروبية وأقرب إلى جنوب أفريقيا أيضاً منها إلى الولايات المتحدة أو كندا.

عبد الرحيم فقرا: من أي ناحية؟ 

نيثان بروان: اللغة والتعبيرات والمطلوبات وتركيبة الوثيقة نفسها، لقد كان الدستور الأميركي أول دستور مكتوب لدولة ذات سيادة، وقد ترعرع في مستوى أميركي بحت. وعندما بدأت بلدان أخرى تضع دساتير مكتوبة كانت تتخذ مساراً آخر، وقد تبعت مصر تلك المسارات ولم تتبع المسار الأميركي ولذا فإن الوثيقتين مختلفتان. 

 الدستور الأميركي 

عبد الرحيم فقرا: هناك الإجماع على الأقل في أوساط الباحثين والخبراء الدستوريين بأن معظم الدساتير الحية يجب أن تتغير كل عشرين سنة أو ما شابه تلك الفترة، لماذا تعتقد أن الدستور الأميركي خضع بطبيعة الحال لإضافات وتعديلات لكنه في مجمله لا يزال نفس النص معمولا به منذ مائتي عام؟ 

نيثان بروان: أرجو أن لا ينتقص البعض من وطنيتي إذا قلت أن ذلك جاء نتيجة الحظ وليس نتيجة عبقرية الناس، أعتقد أن الدستور الأميركي قد فشل فشلاً ذريعاً إذا أخذت في اعتبارك العام 1860 عندما بدأت الحرب الأهلية الدامية، لم يحل الدستور دون حدوث الحرب الأهلية لا بل عمل على المساعدة في الإسهام فيها، ولكن ما حدث على مر السنين هو أن الدستور الأميركي وبعد بعض التعديلات رغم أنه وثيقة من الصعب إجراء تعديل عليها ولكنه على مر السنين استطاع أن يتكيف تدريجياً مع المحتوى السياسي المتغير، ويبدو أيضاً أن معناه يتغير من جيل إلى آخر، وهو أيضاً وثيقةً يضع الأميركيون ثقة وإيماناً كبيرين فيها، وعندما قالت قاضية المحكمة العليا الأميركية روث جينسبرغ ما قالته في مصر أثارت بعض الجدل هنا، لأنه بدا وكأن خبيرة دستورية أميركية لا تؤيد دستور بلادها بما فيه الكفاية. ويمثل ذلك درجة تعلق الأميركيين بدستورهم، أعتقد أن هذا الارتباط والقدرة على التطور هو ما جعل الدستور الأميركي فعالاً ولكن ليس من السهل أن تقبل به مجتمعات أخرى. 

عبد الرحيم فقرا: إنما في السياق الأميركي بطبيعة الحال كما تعرف هناك العديد من الأميركيين الذين يعتقدون ليس فقط أن الدستور الأميركي وثيقة هامة وحيوية، يعتقدون أن هذه وثيقة مقدسة في أعينهم، هل بتصورك بصرف النظر عن التوصيف مقدسة وحيوية وغير ذلك، هل قوة الدستور الأميركي تتمثل كما يقول هؤلاء في أن بنود هذا الدستور في الغالبية العظمى من الحالات تجد طريقها إلى حيز التنفيذ تحترم ويحترم تنفيذها في الواقع، بينما هناك العديد من البلدان التي تنص دساتيرها على مبادئ نبيلة لكنها في نهاية المطاف لا تجد طريقها إلى أرض الواقع، ليست هناك ثقافة التزام ببنود الدساتير. 

نيثان بروان: أعتقد أننا نواجه مشكلتين عندما نقارن الخبرة الأميركية مع خبرات أخرى، ولماذا يحترم الأميركيون دستورهم ويمجدونه، إن إحدى هذه المشاكل هي ما ذكرته أنت، ورغم أن الأميركيين لا يحفظون الدستور عن ظهر قلب ولكن هناك شعور بأنه على علاقة وثيقة بالحياة السياسية، وأنه يمثل غالبية الشعب الأميركي. في الوقت الذي نجد فيه دساتير بلدان أخرى لا يبدو أنها نابعة من المجتمع ككل، ولكن من القابضين على السلطة السياسية، وهذا هو وضع العالم العربي أكيد، حيث أن أغلب الدساتير المعمول بها قد تم وضعها من قبل الأنظمة لخدمة أهدافها بما فيها كل تلك الوعود الرائعة، وعندما تنظر إلى التفاصيل فستجد أنها تتيح للسلطات السياسية تعريف تلك الوعود بالطريقة التي تريدها وأن تتجنبها حيث تريد.

عبد الرحيم فقرا: هل تعتقد بأي شكل من الأشكال أن المجتمع الأميركي كما يقول بعض المنتقدين للثقافة السياسية والدستورية في الولايات المتحدة وهو مجتمع نخبوي، هناك نخبة تهتم بالدستور والسياسة تعرف ما ينص عليه الدستور، لكن عامة الشعب لا تعرف فقط تسمع أن هناك دستورا من محاسنه كذا وكذا؟ 

نيثان بروان: إن ما أقوله هو أن الدستور الأميركي عند مقارنته بدساتير أخرى أجده وجيهاً، وفيه الكثير من الثغرات، وقد استغلت إدارة بوش تلك الثغرات. ويمكنني القول بأنها قد خرقت الدستور لكنها أوجدت الفراغ القانوني الذي هو غوانتانامو، الذي أتاح بدوره تجنب الدستور عندما تريد ذلك، وليس هناك في الثقافة الدستورية الأميركية ولا  في النصوص الدستورية ما يحول دون ذلك. 

عبد الرحيم فقرا: الآن عندما تتحدث عن المطبات، في السياق الأميركي تتحدث عن المطبات، في السياق الدستوري المصري كما في العديد من مقالاتك تتحدث خاصة فيما حصل خلال العامين حوالي العامين الماضيين منذ سقوط مبارك تتحدث عن ألغام دستورية زرعت في الحقل السياسي المصري، ماذا تقصد أولاً بالألغام وكيف زرعت؟ وفي أي ظروف تعتقد أنها زرعت؟ 

نيثان بروان: إن عملية دستورية صحيحة في مصر وتونس وفي بلدان أخرى أيضاً بحاجة إلى مجموعة تمثيلية واسعة النطاق، لديها متسعاً كاف من الوقت وتأخذ قراراتها بالإجماع حول القواعد التي تريد لحياتها السياسية أن تقتنى بموجبها. ولم يكن الأمر كذلك في الوضع المصري لقد تم ذلك سريعاً وكان هنالك نوع من السيطرة.. 

عبد الرحيم فقرا: بعد سقوط مبارك تقصد.. 

نيثان بروان: نعم، إن ما لدينا الآن هو عملية مضي على الجمعية الدستورية فيها 6 أشهر، وإذا تم حل تلك الجمعية الدستورية وقد يكون ذلك بحكم صادر عن المحكمة فسيكون للجمعية الجديدة فترة ثلاثة أشهر فقط وهذا قليل جداً. إضافة إلى أن قواعد اللعبة ليست واضحة جداً ولم يكن واضحاً أيضاً من هم اللاعبون السياسيون، كانت عملية تسيطر عليها القوات المسلحة. 

عبد الرحيم فقرا: ما هو بتصورك أول لغم كما تصفه زرع في الساحة السياسية والدستورية المصرية بعد سقوط مبارك؟ 

نيثان بروان: أعتقد أن اللغم الأول كان قرار المجلس العسكري ممارسة السلطات الرئاسية والتشريعية. وإذا نظرت إلى المثال التونسي حيث هناك نوع من المجلس الانتقالي كما اقترح البعض في مصر مجلسا رئاسيا يمكن أن يتيح للناخب بأن هناك عملية إجماع واسع بدلاً من عملية يتم فرضها بالأمر العسكري.

نظام مبارك وخيار إعادة إنتاج نفسه 

عبد الرحيم فقرا: إنما في الحالة المصرية طبعاً حسني مبارك خُلع على أساس أن الشعب والجيش يد واحدة تماماً كما كان يقول المتظاهرون في ميدان التحرير، وبالتالي يبدو كأن الشعب المصري فوض للمجلس العسكري بأن يصوغ العديد من جوانب الدستور المؤقت أو الإعلان الدستوري المؤقت إلى غير ذلك وبالتالي أنت تصف ذلك بأنه يحتوي على ألغام، إذا كان الشعب هو الذي فوض لماذا تعتبر ذلك لغما؟ 

نيثان بروان: سأحدثك عن مشاعري الشخصية عندما شهدت الرئيس مبارك أو إعلان أنه قد قدم استقالته،  لقد شعرت بفرح غامر على المستوى الشخصي لأني أرى مجتمعاً كاملاً يأخذ مصيره بيده، وبعد ذلك شعرت بالخوف لأنني فكرت بأنهم قد اتخذوا الخطوة التي وصفتها أنت حال أن اتخذوا مصيرهم بأيديهم، ثم قاموا بتسليمه إلى القوات المسلحة، ولا أعتقد أن مقاصد القوات المسلحة كانت بالضرورة سيئة، ولكن القوات المسلحة مؤسسة تقوم على الأوامر والتراتبية وليس على التفاوض والسياسات الديمقراطية. ومهما كانت مقاصد ونوايا القوات المسلحة لم يكن ذلك تراتبياً ملائماً، ما أقوله أن ما حدث كان مختلفاً عما لو كان الشعب المصري هو الذي منح ذلك للقوات المسلحة، لقد تقدمت القوات المسلحة وقالت: إننا المؤسسة الأخيرة القائمة، وإن علينا إنقاذ الدولة المصرية ورقابة العملية برمتها، ولم يعارض أحد وأعتقد أن ذلك كان خطأ، وعندما وعت القوى الثورية ما حدث كان قد مضى شهر وكان الوقت متأخراً. 

عبد الرحيم فقرا: أريد أن أعود إلى السياق الدستوري في الولايات المتحدة لكن قبل ذلك عطفاً على هذا الجانب من الجوانب السياق في مصر، هل مشكلة مصر ما بعد الثورة أن النظام القديم كان يحاول أن يعيد إنتاج نفسه؟ أم أن المشكلة هي أن الطريق الدستورية زرعت فيها ألغام ولا أحد حتى الآن حسم ما إذا كانت هذه الألغام قد زرعت عمداً أم أنها نتيجة عدم فهم لتعقيدات الدستور خاصة من جانب المجلس العسكري؟ 

نيثان بروان: أمور كثيرة، أعتقد أن النظام القديم سيعيد إنتاج نفسه ليعود إلى العمل وتحدث أمور كثيرة بطريقة غير صحيحة، وذلك نتيجة أخطاء حدثت في البداية، ولا أعتقد أن ذلك كان جزءاً من محاولة زرع فوضى دستورية، إن ما نراه الآن هو تنافس بين القوى السياسية المختلفة في مصر: الإسلاميون، العلمانيون، العسكر وآخرون، كل ذلك صحيح وهناك أمر آخر أيضاً وهو التنافس بين جهاز الدولة والقوات المسلحة والتي تعتبر نفسها فوق السيادة، والسلطة القضائية التي ترى نفسها أيضاً فوق السياسة والإعلام الذي تملكه الدولة والذي يرى نفسه جزءا ًمن جهاز الدولة،  والأزهر الذي يعتبر نفسه من يُعرِّف بالإسلام ويعلمه للمصريين. إن كل هذا ليس تركيبة ديمقراطية، هؤلاء في جانب وفي جانب آخر هناك ديمقراطية الإخوان المسلمين التي تصبح ديمقراطية عندما ترى ما يمكن أن تحصل عليه من أصوات ولديك برلمان تم انتخابه أيضاً. إن لديك تنافساً بين قوى الأغلبية وقوى السيادة الشعبية من ناحية، والقوى المهنية وقوى جهاز الدولة المصرية مقابلها، وهذا هو التنافس الذي أراه يدور في مصر الآن. 

عبد الرحيم فقرا: في الولايات المتحدة طبعاً لا أحد يقول إن الديمقراطية والديكتاتورية ليس هناك فرق بينهما، إنما عطفاً على موضوع المؤسسة العسكرية هنا في الولايات المتحدة، الدستور طبعاً يحظى بالقداسة عند العديد من الأميركيين، المؤسسة العسكرية هنا في الولايات المتحدة تحظى بالاحترام من مختلف قطاعات الشعب الأميركي، وبرغم أن الكونغرس يمارس الرقابة على ميزانية المؤسسة العسكرية هناك خطوط حمر لا يستطيع الكونغرس أن يتجاوزها مع المؤسسة العسكرية، سواء في ميزانيتها أو في أمور أخرى لأنها تحظى باحترام كبير لدى الأميركيين، ما الفرق بين العلاقة الدستورية في الولايات المتحدة بين الكونغرس والمؤسسة العسكرية والعلاقة الدستورية بين مؤسسات الدولة في مصر والمؤسسة العسكرية هناك بتصورك؟ 

نيثان بروان: أعتقد أن هذه هي المشكلة الكبرى في مصر اليوم تماماً كما وصفتها، أما في الولايات المتحدة العملية الدستورية واضحة كما قلت، إن الكونغرس يتحكم في ميزانيته ووزير الدفاع المسؤول عن القوات المسلحة هو مدني، إنه مسؤول عن عملية سياسية، يختاره الرئيس ويثبته في منصبه مجلس الشيوخ وكلاهما منتخبان، إلا أن هناك تقارير راسخة حول مهنية القوات المسلحة أين تبدأ وأين تنتهي، وتقاليد أخرى راسخة حول الرقابة المدنية على القوات المسلحة ومتى تتدخل المؤسسات السياسية في الأمور العسكرية ومتى تبتعد عن ذلك كله. وليس لديك في مصر أي من هذه التقاليد، لديك نظام سياسي أو أن المصريين يحاولون إقامة نظام سياسي دون أن يكون لديهم تقاليد أساسية ثابتة، إن القوات المسلحة تخشى قيام نظام سياسي مدني يتخذ قرارات سياسية سيئة وغبية، قرارات تصب في صالح حزب سياسي واحد بدلاً من أن تكون لصالح الأمة ككل.

عبد الرحيم فقرا: ومع ذلك يمكن أن يجادل ونسمع العديد من المصريين يجادلون ذلك أن إحدى نقاط الالتقاء أو الشبه بين المؤسسة العسكرية في الولايات المتحدة والمؤسسة العسكرية في مصر في جانبها الدستوري هو أن المؤسسة العسكرية في مصر كما هي في الولايات المتحدة لها شرعية تاريخية في الولايات المتحدة منذ حرب الاستقلال من التاج البريطاني، في المجتمع المصري سمعنا حتى خلال الهتافات هتافات المتظاهرين أثناء إسقاط نظام مبارك: "الشعب يحترم الجيش" وبالتالي المؤسسة مؤسسة الدولة البرلمان وغيره قد تحاول فرض الرقابة لكن هذه المؤسسة تحظى بدعم لدى الشعب المصري بشكل عام على الأقل قطاعات واسعة منه. 

نيثان بروان: هذا صحيح إذا نظرت إلى المؤسسات التي ما زالت تحظى باحترام في الحياة السياسية المصرية: القوات المسلحة والقضاء أعتقد أن جزءاً من المشكلة في الأزمة الحالية هي أنهم يتدخلون كثيراً في السياسة وأن بعضهم يبالغ في ردود أفعاله. 

عبد الرحيم فقرا: تتحدث أنت الآن عن المجلس العسكري وليس عن المؤسسة العسكرية، المصريون يفرقون بين المجلس العسكري وبين الجيش. 

نيثان بروان: أعتقد أن هذا صحيح إلى حد ما، ولكن ما تقوم به القوات المسلحة للقيام بهذا الدور الفعال لحماية نفسها وبإصدار تلك الإعلانات الدستورية، إنها تخرج نفسها من السياسة إلى درجة غير صحيحة، وأعتقد أنها تضع سيادة القوات المسلحة السياسي موضع شك، وقد تكون واقعة في نفس الخطأ الذي وقعت فيه المحكمة العليا عام 2000 عندما أصبحت عاملاً سياسياً فاعلاً وتدفع ثمن ذلك على المدى الطويل. 

عبد الرحيم فقرا: نهايةً وبإيجاز لو سمحت نيثان كما أشرنا في بداية البرنامج هناك من الأميركيين من يعتقد أن الدستور الأميركي لا يزال صالحا وسيظل صالحا وسيظل دستورا حيا، هناك أصوات أخرى سمعناها خلال مثلاً احتجاجات "احتلوا وول ستريت" تقول إن على الولايات المتحدة أن تعيد صياغة دستور جديد بما يسمح بتغيير النظام السياسي سواء في ظل بروز حزب ثالث أو شكل آخر من أشكال التغيير، كيف تنظر أنت إلى المسألة؟ 

نيثان بروان: لا مانع لدي في إعادة فتح الملف الدستوري الأميركي كمواطن أميركي، إلا أنني أعتقد أن ذلك بعيد الحدوث ويبدو أن طريقة الحياة الأميركية تعمل على تغيير الدستور تدريجياً مع الزمن بإعادة تفسير النص، وقد تدخل عليه تعديلات بسيطة، وأعتقد أن المشكلة الآن هي في النظام السياسي ومأزق التحزب لدرجة أن إعادة النظر لبعض الممارسات الدستورية أمر مطلوب ولكنني لا أتوقع حدوث ذلك. 

عبد الرحيم فقرا: شكراً لنيثان براون البروفيسور من جامعة جورج واشنطن، في نهاية هذه الحلقة من برنامج من واشنطن يمكنكم التواصل معنا كالمعتاد عبر بريدنا الإلكتروني وفيس بوك وتويتر إلى اللقاء.