صورة عامة - من واشنطن - كتاب قواعد واشنطن - 21/9/2010
من واشنطن

المصالح الشخصية على حساب الأمن القومي الأميركي

يتهم العقيد الأميركي أندرو بيسفتش نخب بلاده بتحقيق مصالحها الشخصية على حساب الأمن القومي، فكيف وصل إلى تلك الخلاصة؟ وكيف يرى تداعياتها على مستقبل القوة العسكرية الأميركية؟

– التاريخ التحرري ومناهضة الفكر الإمبراطوري وبدايات التحول
– عوامل ونتائج التوجه الأميركي للحروب

– حول دور الشعب والنظام السياسي في الولايات المتحدة

عبد الرحيم فقرا
عبد الرحيم فقرا
أندرو بيسفتش
أندرو بيسفتش

عبد الرحيم فقرا: مشاهدينا في كل مكان أهلا بكم إلى حلقة جديدة من برنامج من واشنطن تأتيكم هذا الأسبوع من مدينة بوسطن على الساحل الشرقي للولايات المتحدة. في 13 ديسمبر عام 1773 أحرقت المقاومة الأميركية ثلاث سفن محملة بالشاي احتجاجا على الضرائب التي كانت تفرض على استهلاك تلك المادة في المستعمرات البريطانية آنذاك ليس من قبل المؤسسات التمثيلية هنا بل من قبل برلمان الإمبراطورية في لندن، الحدث الذي وقع في ميدان بوسطن كان حاسما في إنجاح الثورة الأميركية ضد البريطانيين، هنا تتجلى المكانة التي تحتلها المدينة منذئذ في تاريخ الولايات المتحدة وفي تاريخ دستورها وفي تاريخ نموها إلى أن أصبحت قوة عظمى تمارس نفوذها الاقتصادي والسياسي والعسكري في أصقاع الدنيا، هذا الدور هو ما سنحاول استكشافه مع العقيد أندرو بيسفتش أستاذ العلاقات الدولية في جامعة بوسطن وصاحب عدة مؤلفات عن القوة الأميركية آخر هذه المؤلفات كتابه تحت عنوان "قواعد واشنطن طريق أميركا إلى الحرب الدائمة".

[تقرير مسجل]

المعلق: تنفرد مدينة بوسطن الأميركية بكونها برجا عاليا يطل على مستقبل الأميركيين وعلى ماضيهم أيضا، فبينما تشتهر بأدمغتها التي لا تتوقف عن الابتكار التكنولوجي تزهو أيضا بتاريخها كمدينة أشعلت شرارة استقلالها عن الإمبراطورية البريطانية التي سلمت شمس سمائها لاحقا إلى الولايات المتحدة الأميركية. ربما أكبر قوة عسكرية عرفها التاريخ البشري حتى الآن، برغم أن بيسفتش نتاج مدينة شيكاغو التي أنتجت مشاهير قوم ليس أقلهم الرئيسان السابق أبراهام لينكولن والحالي باراك أوباما إلا أنه وجد ضالته في بوسطن، فمن برجها الأكاديمي يطل بمنظار نقدي على ماضي القوة العسكرية الأميركية ومستقبلها كما هو الشأن في أحدث كتبه "قواعد واشنطن طريق أميركا نحو الحرب الدائمة". تحذير لمن قد يسارع إلى وصف برج بيسفتش بالعاجي، صحيح أن الرجل يستخدم برجه ليسهم في النقاشات الأميركية حول الأمن القومي الأميركي ولكن مساهمته معززة أيضا بأدوات عملية اكتسبها عبر عقود في الخدمة العسكرية، بالإضافة إلى تخرجه من ويست بوينت إحدى أشهر الكليات الحربية في العالم شارك بيسفتش في عدة حروب أميركية من بينها حرب فييتنام وحرب تحرير الكويت قبل أن يتقاعد من الجيش برتبة عقيد. أما عصارة فكره في كتابه البوسطني فيمكن تلخيصها في أن الحروب التي تخوضها الولايات المتحدة تحقق مصالح النخب الأميركية أكثر مما تحقق المصالح القومية للأميركيين قاطبة، وفي أن دور القوات الأميركية يتمثل أساسا في حماية الأراضي الأميركية وليس في تغيير أنظمة الدول أو شن حروب إستباقية، بعبارة أخرى لا يدعو بيسفتش إلى الانعزالية ولكنه يريد من قوة بلاده العسكرية أن تعود إلى روح التركة التي خلفها ثوار بوسطن عندما رفضوا الفكر الإمبراطوري في القرن الثامن عشر.

إعلان

[نهاية التقرير المسجل]

التاريخ التحرري ومناهضة الفكر الإمبراطوري وبدايات التحول


عبد الرحيم فقرا: السيد بيسفتش مرحبا بك في البرنامج أولا. هذا النبض المناهض للفكر الإمبراطوري الذي يظهر في تاريخ بوسطن في الانتفاضة ضد بريطانيا، هل كان لذلك النبض أي تأثير على كتابك؟


أندرو بيسفتش: أنا ولدت ونشأت في منطقة الوسط الغربي، وإذا اعتبرنا أن نظرتي وآرائي تأثرت بالمكان أكثر مما تأثرت بالتجارب فإن الأقرب إلى الظن أن آرائي تأثرت بمكان نشأتي في الوسط الغربي، الناس في الوسط الغربي -وهذا تعميم واسع بالطبع- يميلون إلى الارتياب من المدن الكبرى والارتياب من النخب ويحترزون من السماح للأقلية بالانفراد في السلطة ويشكون في الشركات الكبرى وعالم وول ستريت. ولكن دعني أضفي بعض التعقيد على قصة دور بوسطن في التاريخ الأميركي، من جهة أولى هذا مهد الثورة التي كانت حربا ضد الإمبراطورية، من جهة ثانية كانت بوسطن أيضا في وقت من الأوقات أحد أهم المراكز التجارية في العالم، فمن بوسطن وفي وقت مبكر جدا من تاريخ أميركا أبحر التجار وهم مصممون على فتح موانئ في الشرق الأقصى مثلا وهذا الاندفاع التوسعي وهذا الميل إلى التواصل مع العالم بغرض تحقيق الثروة وبسط الهيمنة هذا أيضا جزء من تاريخ بوسطن لا يقل أهمية عن قصة لاكسينتون وكونكورد وربما يسعنا أن نقول أيضا إنه عندما انطلقت أميركا في تأسيس الإمبراطورية الرسمية سنة 1898 إبان ما يعرف عند الأميركيين بالحرب الأميركية الإسبانية والتي كانت حربا إلى حد ما حول كوبا ولكنها حرب أسفرت عن ضم الولايات المتحدة لجزيرة هاواي وجزر الفليبين في غرب المحيط الهادي، في ذلك الوقت أصبحت بوسطن مركزا لتجمع مناهض للإمبريالية وهي مجموعة من البوسطونيين منهم شخصيات أدبية مرموقة كانوا يؤكدون على أن الإمبريالية الأميركية كما تجلت لهم في حرب 1898 مثلت تخليا كاملا لما كان يفترض أن يكون دور أميركا.


عبد الرحيم فقرا: مدينة واشنطن العاصمة كما هو معروف تحمل اسم الرجل الذي قاد حركة الاستقلال الأميركي ضد بريطانيا جورج واشنطن، حدثنا بعض الشيء عما إذا كانت هذه المدينة قد تملكت تركة بوسطن في مناهضة الإمبريالية.


أندرو بيسفتش: أعتقد أن مدينة واشنطن عاصمة البلاد في الوقت الحاضر أي في مستهل القرن 21 نسيت تماما موضوع مناهضة الإمبريالية في تاريخ أميركا، الناس الذين يعيشون في واشنطن ويحترفون السياسة والسلطة فيها أو يطمحون إلى الوصول إلى السلطة في واشنطن عاجزون عن رؤية الواقع، الواقع هو أننا خلال القرن العشرين أو على الأقل نصفه الثاني أصبحنا القوة الإمبريالية الأكبر في العالم، لم تكن الإمبراطورية شبيهة بالإمبراطورية الرومانية أو البريطانية فنحن اخترنا في غالب الأحيان ألا نحكم بشكل مباشر شعوبا مسخرة بل اخترنا أن نحكم بشكل غير مباشر وغالبا ما تسمى إمبراطوريتنا بغير الرسمية، والواقع هو أن ذلك الدافع التوسعي الذي ربطته بتجار بوسطن في نهاية القرن 18 تواصل وتطور وأصبح المحور الأساسي والأكبر للسياسة الخارجية الأميركية لمدة طويلة.


عبد الرحيم فقرا: دعني أسألك السؤال التالي إذاً، متى تعتقد أن مدينة واشنطن قد تحولت أو متى حادت عن الطريق الذي رسمه جورج واشنطن؟

إعلان


أندرو بيسفتش: قد يكون حصل ذلك حوالي العقد السادس من القرن العشرين عندما تقمصت الولايات المتحدة دور الزعامة العالمية بعيد انتهاء الحرب العالمية الثانية وتبعاتها المباشرة، كانت هناك حاجة لأن تلعب الولايات المتحدة مثل ذلك الدور الكبير، وفي اعتقادي خلال الستينيات كانت لدينا الفرصة للتوقف والتفكير في حركة التاريخ وتحديد دورنا الملائم ولكننا قررنا ألا نفعل ذلك بل قررنا أن نلقي بأنفسنا في حرب كارثية في جنوب شرق آسيا تحديدا في فييتنام.


عبد الرحيم فقرا: فييتنام تحضر في الذهن أفغانستان، هل تعتقدون أن الإسلام أخذ مكان الاتحاد السوفياتي في السياسة الأميركية؟


أندرو بيسفتش: بكل أسف أجل، إلى حد ما هذا صحيح، ونحن نشهد الآن في الجدل الدائر حول ما يسمى بمسجد مانهاتن والتهديدات التي سمعناها من كنيسة صغيرة في فلوريدا بحرق احتفالي للمصحف وإدانة القرآن على أنه وثيقة تدعو إلى الشر، المقارنة مع الإسلام ليست أنني أعتقد أن الإسلام تهديدا ولكن الموازاة وهي ليست دقيقة هنا هو أن هناك تهديدا جهاديا معاديا للغرب وربما بوسعنا أن نضع عليه اسم القاعدة وقد يكون أكبر من القاعدة ولكن في رأيي ورغم أنه تهديد فهو يبقى تهديدا محدودا وبالاستسلام إلى خوفنا نحن نفخنا في هذا التهديد وهولناه إلى حد إطلاق الرئيس بوش الحرب العالمية على الإرهاب والتي ورثها وربما أيضا أدامها الرئيس باراك أوباما.


عبد الرحيم فقرا: أريد بالتأكيد أن نتحدث عن العراق وأفغانستان لاحقا، ولكن عندما تقولون إن التهديد الذي يمثله تنظيم القاعدة وقع تضخيمه، هل تقولون إن التضخيم هو نتيجة عدم كفاءة النخبة في العاصمة واشنطن أم أن تضخيمه كان بدافع التضليل المتعمد من طرف النظام السياسي الأميركي؟


أندرو بيسفتش: هذا سؤال ممتاز، وأنا أرجح أن المؤرخين من أصحاب النوايا الحسنة سيتجادلون حول هذا السؤال على مدى عقود، لأنه إلى حد ما للحصول على جواب نهائي علينا أن نكون قادرين على الإطلال داخل قلوب جورج بوش وديك تشيني ودونالد رامسفيلد وبول وولفويتس وغيرهم من الشخصيات وأنا غير قادر على فعل ذلك، ولست متأكدا من سيستطيع أن يفعل ذلك. أعتقد أنه كان هناك ميل للانغماسات في التحليلات المهولة للتهديد بعد 11 أيلول/ سبتمبر وبدلا من مواساة الشعب الأميركي بالقول إن ما حصل هو جريمة وكارثة ولكن دعونا نحافظ على برودة دمنا، ما حصل هو أنهم قالوا إن أحداث 11 سبتمبر كانت جريمة وكارثة وعلينا الآن أن نطلق هذا المشروع الهائل، كان هناك ميل إلى الانغماس في ذلك لأن أشخاصا مثل بوش ورامسفيلد وتشيني وولفويتس كانت عندهم توقعات مضخمة للقدرات العسكرية الأميركية وكانوا يعتقدون أن الاستعمال المكثف للقوة العسكرية الأميركية خصوصا في هذا المكان الذي يسمى العراق كان سيطلق عملية تغيير سياسي وثقافي واجتماعي كانت بالفعل ستعيد صياغة العالم الإسلامي بشكل يتماشى مع المصالح والخيارات الأميركية.


عبد الرحيم فقرا: سؤال متابعة، عندما تقول إن ما كان يتعين على الرئيس بوش أن يفعله هو أن يقول للشعب الأميركي أن يحافظ على برودة دمه، بالنظر إلى حدة غضب الشعب الأميركي بعد أحداث أيلول/ سبتمبر هل كان الشعب الأميركي سيقبل أن يخرج عليه رئيسه وأن يطلب منه أن يحافظ على برودة دمه؟


أندرو بيسفتش: كان هذا سيتطلب شجاعة كبيرة من جانبه. ودعني أوضح شيئا، عندما أقول المحافظة على برودة الدم لا أعني إطلاقا أن يقول إن هذا الحدث ليس حدثا خطيرا ولكن ما كان يمكن له أن يقول هو إن هذا الحدث هذا الهجوم الشنيع والذي علينا أن نمنع تكرره ارتكبته عصابة من المجرمين وهدفنا هو ملاحقة والتخلص من هذه العصابة وليس أن تطلق حربا عالمية مفتوحة ضد عصابة من المجرمين، برأيي ما كان يتوجب فعله هو إنشاء عملية بوليسية عالمية لأن كل شعوب العالم تقريبا تتفق في عدم الرغبة في أن تنجح مثل هذه العصابات العالمية في ارتكاب أعمال العنف، يعني إطلاق عملية بوليسية دولية منسقة مستمرة للتخلص من عصابة مجرمين، تلك ليست حربا عالمية ضد الإرهاب وذلك لا يأخذك في طريق غزو واحتلال بلدان بدافع تغيير تلك البلدان.

إعلان


عبد الرحيم فقرا: أريد أن أضع بعض هذه الأمور التي ذكرتها في سياق خريطة النظام السياسي الأميركي كما تحدثت عنه في كتابك، قلت إن النخبة اشتركت في رسم وتنفيذ بعض السياسات الخارجية ليس لأنها كانت في مصلحة الشعب الأميركي قاطبة بل لأن تلك السياسات كانت ستجلب المكاسب لتلك النخب، إلى أي مدى ينطبق هذا على السياسات التي نفذتها إدارة الرئيس بوش بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر؟ وإلى أي مدى في نظرك ينطبق ذلك على سياسات الإدارة الحالية، إدارة الرئيس باراك أوباما؟


أندرو بيسفتش: دعني أكن واضحا، أنا لا أقصد إطلاقا أن شخصا مثل دونالد رامسفيلد استيقظ ذات صباح وقال لنفسه ماذا يمكنني أن أفعل اليوم لصالحي أو لصالح البنتاغون أو لصالح إدارة بوش، هم يستيقظون في الصباح ويقولون ماذا بوسعنا أن نفعل اليوم لمصلحة أميركا وفهمهم لما هو مصلحة أميركا مرتبط بشكل عضوي مع المؤسسات التي يخدمون فيها والإدارة التي يعملون فيها وحتى طموحاتهم الخاصة فهم لا يفصلون هذه الأمور عن بعضها البعض، وهذا مشكل لأن هناك توترا واضحا بين ما هو في مصلحة البلاد وما هو في مصلحة البنتاغون ولكن الناس في واشنطن غير قادرين على الشعور بذلك التوتر وهذا ما يجعلهم يخطئون. مع الأسف قطاع كبير من الشعب الأميركي وكنتيجة للحرب الباردة أصبح معتادا على الاعتماد على واشنطن لتحديد هذه الأمور من منطلق أن أشخاصا مثل رامسفيلد إداريون محنكون ولهم علم بأسرار الدولة أصبح الشعب الأميركي يعتقد أن هؤلاء يعرفون أمورا لا يعرفها الجميع بالتالي لنترك لهم القرار.


عبد الرحيم فقرا: ما هو البديل عن ذلك من وجهة نظر الشعب الأميركي؟


أندرو بيسفتش: في يناير/ كانون الثاني 1961 قبل خمسين سنة تقريبا وفي خطاب الوداع للشعب الأميركي قدم الرئيس آيزنهاور البديل، يذكر الأميركيون خطاب آيزنهاور التوديعي بالخصوص لأنه وردت فيه لأول مرة عبارة المجمع الصناعي العسكري، لقد كان ذلك الخطاب ينبه من أنه ستكون هناك صعوبة في التوفيق بين مكاسب القوى العسكرية من جهة والقيم الديمقراطية من جهة أخرى، وقال إن الضامن الوحيد للتوفيق بين هاتين النقطتين هو مواطنون يقظون وملمون بالأمور، بالتالي الجواب على السؤال كيف سقطنا في هذا هو أنه ليس لدينا الآن مواطنون يقظون وملمون بالأمور عندما يتعلق الأمر بسياسات الأمن القومي بل يتركون ذلك بيد واشنطن اعتقادا منهم أن واشنطن تعرف أكثر من الجميع.


عبد الرحيم فقرا: نقطة أخيرة قبل أن نأخذ استراحة، هل تشعر أن هناك خطرا على مصداقيتك؟ فقد يقول بعض الأميركيين أو غير الأميركيين ممن يقرؤون كتابك ولهم معرفة بما يقوله زعيم مثل العقيد الليبي معمر القذافي مثلا، وقد كان يقول بالتحديد إن المؤسسات البرلمانات الكونغرس إلى غير ذلك دائما تقود الشعب في الاتجاه الخطأ وبالتالي على الجماهير كما يقول أن تمسك بزمام ديمقراطيتها بنفسها وأن تحرس نفسها بنفسها، الخطر هو أن يقول البعض إن العقيد أندرو بيسفتش تتوافق أفكاره مع أفكار العقيد معمر القذافي.


أندرو بيسفتش: لست مستعدا للتخلي عن مؤسساتنا، أنا آسف مثلا لمدى السلطة التي اجتمعت في الرئاسة والتي تفوق بكثير ما كان يرمي إليه الدستور، كما آسف للسلوك الذي اتخذه الكونغرس السلوك المتهور ولعدم التزامه بمسؤولياته كما حددها الدستور ولكني أؤكد أن هذه المشاكل يمكن تصحيحها وأن الدستور الأميركي يقدم إطارا فعالا لعمل حكومي ناجح في هذا البلد. هناك حواجز حقيقية تمنعه من أن يكون فعالا اليوم، أنا أعترف بذلك، ولكن أعتقد أن الخطوة الأولى في اتجاه التغلب على تلك الحواجز هي أن نعود إلى ما طلبه منا آيزنهاور أي مجتمع منتبه وملم بالأمور مما يعني أننا نسائل المؤسسات والقادة، دعني آخذ مثال الحرب على العراق مثلا، في اللحظة الراهنة والعمليات القتالية للجيش الأميركي هناك قد توقفت أو هي بصدد التوقف، حرب العراق إلى جانب حرب فييتنام تتصدر قائمة الكوارث في التاريخ الأميركي الحديث، ولكن من دواعي التعجب وبينما تنتقل هذه الحرب إلى أرشيف التاريخ أن نرى مدى استعدادنا -كما قال الرئيس أوباما- لطي الصفحة وللمضي قدما، هذا أمر مشين أن نقول دعونا نطوي الصفحة وننظر إلى الأمام! نحن مطالبون بشكل ملزم بأن نمعن النظر في حرب العراق، ما الذي أوصلنا إليها ماذا جرى والنتائج الحاصلة عنها.

إعلان


عبد الرحيم فقرا: نأخذ استراحة قصيرة ثم نعود لمواصلة اللقاء مع أندرو بيسفتش أستاذ العلاقات الدولية في جامعة بوسطن حول كتابه "قواعد واشنطن طريق أميركا إلى الحرب الدائمة".

[فاصل إعلاني]

عوامل ونتائج التوجه الأميركي للحروب


عبد الرحيم فقرا: أهلا بكم مرة أخرى في برنامج من واشنطن، ضيفنا في هذه الحلقة هو أندرو بيسفتش من جامعة بوسطن، مرحبا بك مرة أخرى. كنت قد بدأت الحديث عن المجمع الصناعي العسكري الأميركي وعن الدور الذي لعبه في تشييد القوة والنفوذ الأميركيين في البداية ثم كما تقولون ربما جر أميركا نحو الاتجاه الخطأ، هل يمكنك أن تذكر قوة ما في تاريخ الإنسانية لم يكن صعودها مبنيا على المجمع الصناعي العسكري بصورة أو بأخرى؟


أندرو بيسفتش: بلى، الولايات المتحدة الأميركية في حدود 1880 أو 1890 أي بعد قرن تقريبا من استقلال الولايات المتحدة كانت الولايات المتحدة حينها بارزة كدولة ديناميكية ينمو اقتصادها بوتيرة أسرع من أي دولة أخرى في العالم، وإذا نظرت إلى القرن الأول من استقلال أميركا عندما كانت الولايات المتحدة تتبع سياسة توسعية تجاريا وجغرافيا من المثير للاهتمام أن نلاحظ أنه ما عدا حالات الطوارئ كان جيشنا صغيرا وكانت بحريتنا محدودة وبالتالي النمط الأميركي للنمو الاقتصادي لم يكن يركز على القوة العسكرية. الأميركيون في تلك الحقبة كانوا يحتقرون أوروبا لأنهم عندما ينظرون إلى فرنسا وإلى ألمانيا كانوا يقولون يا إلهي لماذا لديهم هذه الجيوش الهائلة وهم ضالعون في الاستمرار في التآمر ضد بعضهم البعض وحروبهم لا تتوقف! في تلك الحقبة كان الأميركيون يعتبرون أنفسهم أفضل من الأوروبيين لأن سلوكهم كان مختلفا.


عبد الرحيم فقرا: واختلف الأمر تماما اليوم إذ ينظر الأميركيون بازدراء إلى الأوروبيين على أنهم غير قادرين على خوض معارك عسكرية.


أندرو بيسفتش: تماما، وأضيف بكل أسف أننا الآن أقنعنا أنفسنا بأن القوة العسكرية هي الأداة الأساسية للنجاح في تسيير الدولة، وعندما تقول إن الأمور انقلبت إلى النقيض هذا ينطبق أيضا على أمر مدهش بشكل ما تبنت الصين النمط الأميركي، الصين الآن انطلقت في مشاريع التوسع الاقتصادي وهم يستثمرون في الخارج وهم يطبقون ما كان الأميركيون يسمونه دبلوماسية الدولار أي التركيز على القوة الاقتصادية، والصينيون يقومون بهذا بفعالية كبيرة، إذاً الصين تجمع اليوم ثروة طائلة ومما سيجلب لها أيضا نفوذا كبيرا بينما ومن خلال التركيز الزائد على القوة العسكرية تهدر الولايات المتحدة ثرواتها وهي بالتالي تخسر نفوذها.


عبد الرحيم فقرا: إذا كنتم تقبلون بتوصيف الولايات المتحدة على أنها إمبراطورية وباعتبار أن كل إمبراطورية بحاجة إلى الإنفاق العسكري من أجل البقاء، هل يمكن لأي إمبراطورية أن تتخلى طواعية عن هذه المكانة؟


أندرو بيسفتش: هذا صحيح وينطبق خصوصا على الأشخاص الذين يحصلون على الربح من المشروع الإمبريالي، بالطبع لا يريدون أن يتنازلوا عن ذلك.


عبد الرحيم فقرا: ويشمل ذلك المواطن الأميركي العادي وهذا ما يعتقده الناس في الخارج بل وما يعتقده كثير من الأميركيين أنفسهم.


أندرو بيسفتش: نعم ولا، نعم هذا صحيح أن الغالبية العظمى من الأميركيين يعتقدون أن اضطلاع أميركا بهذا الدور كزعيم للعالم، أو في لغتي الخاصة تنفيذ هذه السياسات الإمبريالية، يعتقد الأميركي العادي أن تلك الوضعية تعود عليه بالنفع وهذا طبعا غير صحيح، أنا مقتنع تماما أن المغامرات الإمبريالية -وبوسعنا هنا أن نذكر العراق وأفغانستان كمثالين حديثي العهد- ينتج عنهما تقليص ثروتنا ولا يجعلان من الولايات المتحدة أكثر أمنا ولا يحسنان من مكانة أميركا في أعين الناس، هذه سياسات مضرة. دعني أؤكد أن البديل عن الإمبراطورية ليس أن نهرب جميعا إلى داخل حدودنا وأن نغلق البوابة وأن نترك الجميع في الخارج، نحن قوة عظمى وسنكون قوة عظمى طوال القرن الحالي وعلينا أن نكون على تواصل مع بقية العالم وسنحتاج إلى كم معين من القوة العسكرية لحماية أنفسنا ولحماية أصدقائنا في العالم، الأمر يتعلق بالدرجات ولقد توغلنا بشكل مخيف في طريق معينة تتعارض بشكل كبير مع مصالحنا.


عبد الرحيم فقرا: لكن كيف ترسم ملامح المهمة الجوهرية للقوة العسكرية في أي إمبراطورية وبالأخص في السياق الأميركي ما هي تلك المهمة ماذا ينبغي أن تكون؟


أندرو بيسفتش: ما أريد أن يحصل هو أن نفطم أنفسنا عن المشروع الإمبريالي وأن نتخلى عن فكرة أننا القوة العظمى الوحيدة في العالم، أعتقد أن المبدأ الجوهري هو أنه ينبغي أن تكون المهمة الأساسية للجيش الأميركي هي الدفاع عن الولايات المتحدة الأميركية، عدا ذلك قد تطرأ أحداث تدفعنا إلى استعمال القوة العسكرية للدفاع عن مصالح حيوية معينة وعلى الناس أن يتناقشوا ويتجادلوا لتحديد ماهية تلك المصالح الحيوية وهذا أمر مطلوب في الديمقراطية ولكني أقول مرة أخرى إن قائمة المصالح الحيوية يجب أن تكون محدودة.


عبد الرحيم فقرا: هل إرسال الجيش الأميركي للهجوم على دولة ما مثلا إيران التي تصور بشكل واسع في الولايات المتحدة وفي إسرائيل كذلك على أنها تهديد للمصالح الأميركية هل يتطابق ذلك مع تعريفكم لمهمة الجيش في الدفاع عن المصالح القومية الأميركية؟


أندرو بيسفتش: كلا، أعتقد أن هجوما أميركا على إيران سيكون كارثة كبرى ووبالا على الجميع.


عبد الرحيم فقرا: هل هناك أي سيناريو يمكن أن تجد فيه نفسك مجبرا على القول إن مهاجمة إيران هي دفاع عن المصالح القومية للولايات المتحدة؟


أندرو بيسفتش: لو حصلت إيران على السلاح النووي مع القدرة على إطلاقه وهذا شرط ثقيل، ولو اختارت إيران أن تستخدم ذلك السلاح ضد جار من جيرانها أعتقد أن ذلك الاعتداء وأن ذلك الخرق للحاجز النووي سيقتضي ردا من الولايات المتحدة للتأكد من أن إيران لن يكون بوسعها أن تفعل ذلك مجددا. لكن دعني أقل التالي، قناعتي هي أنه لو حصلت إيران على سلاح نووي -وليس لي علم إن كان هذا هدفهم، ربما- اعتقادي أنه من الممكن ردع إيران بمعنى أنه حتى ولو خرج علينا الرئيس أحمدي نجاد غدا معلنا أن إيران تمتلك سلاحا نوويا مع القدرة على استخدامه، اعتقادي أن التهديد بالرد على إيران في صورة استخدام ذلك السلاح سيكون كافيا لمنع إيران من استعمال ذلك السلاح.


عبد الرحيم فقرا: اعتراضكم الأساسي على الحرب في العراق وفي أفغانستان كما تعلنون عن ذلك في هذا الكتاب وفي كتب أخرى لكم، اعتراضكم الأساسي هو أن الجيل الحالي في الولايات المتحدة لا يمتلك الإمكانات المالية لدفع فاتورة تلك الحروب وبالتالي الفاتورة تبقى لتدفعها الأجيال القادمة، في الحالة الإيرانية لو قررت الولايات المتحدة الذهاب إلى حرب ضد إيران بطريقة تعتبرون أنها شرعية هل يجوز ترك فاتورة تلك الحرب إلى الأجيال القادمة؟


أندرو بيسفتش: لا يجوز أبدا أن يترك جيل فواتيره للأجيال اللاحقة، ودعني أتحول من إيران إلى العراق وأفغانستان مرة أخرى، عندما قرر الرئيس بوش الدخول في الحرب على العراق وقال إن الإطاحة بصدام حسين هو شرط أمني لا بد منه وعلينا أن نخوض هذه الحرب الاختيارية ضده وفي نفس الوقت طلب من الكونغرس أن يعطي للشعب الأميركي إعفاءات ضريبية يعني أنه من جهة هذه الحرب على غاية من الأهمية ومن جهة أخرى يعفى الشعب الأميركي من الإنفاق على هذه الحرب التي تشن باسمه، وبنفس المبدأ هذا ما يحدث مع أفغانستان الرئيس أوباما يقول لنا إن الاستمرار في حرب هي الأطول إلى حد الآن في تاريخنا أمر مهم والإنفاق على تلك الحرب أيضا يأتي من الدين. تحليلي بسيط جدا، إذا كانت الحرب على هذا القدر من الأهمية ينبغي علينا نحن أن نتحمل نفقات تلك الحرب، نحن الشعب الذي تشن تلك الحرب باسمه ومن غير الأخلاقي ومن المرفوض أن نترك للأجيال القادمة مهمة إيجاد الموارد لدفع تلك الفواتير.


عبد الرحيم فقرا: هل تعتقدون أن الولايات المتحدة مدمنة على الحروب؟


أندرو بيسفتش: قد يكون في ذلك بعض المبالغة، أعتقد أن الأميركيين لم يتمكنوا إلى حد الآن من التخلص من بعض الأوهام حول الحرب، أوهام تكونت عندهم في الفترة الفاصلة بين الحرب الباردة وهجمات 11 سبتمبر، في التسعينيات تقريبا خلال ذلك الوقت أقنع الأميركيون أنفسهم بأن الولايات المتحدة فهمت الحرب بشكل تام، لدينا هذه الأسلحة فائقة التطور التكنولوجي ولدينا جنود ماهرون ومنضبطون وأصبح الشعب الأميركي يعتقد أنه ليس هناك مهمة تستعصي على الجيش الأميركي وأنه ليس هناك حربا ليس باستطاعتنا الانتصار فيها وبثمن زهيد، هذه طبعا أوهام كبيرة كما برهنت على ذلك الأحداث في العراق وأفغانستان ولكن الشعب الأميركي لا يزال لم يستوعب حقيقة أن الحرب في العراق وأفغانستان قد قلبت مفهوم الصدمة والرعب الذي كان سائدا في 2003.

حول دور الشعب والنظام السياسي في الولايات المتحدة


عبد الرحيم فقرا: لقائل أن يقول إنه في تاريخ كل الشعوب هناك دائما ما يسمى بتقسيم العمل، في الحالة التي تفضلت بها ربما يقول الشعب الأميركي أعطونا السعادة وفرصة لتحقيق السعادة وفي المقابل نحن نمنحكم أنتم كحكومة حق شن الحروب لجلب تلك السعادة وتوفير إمكانات السعادة لنا كشعب، ما المشكلة في ذلك؟


أندرو بيسفتش: قد يكون ذلك جائزا لو كنا نتحدث عن الإمبراطورية الرومانية، نظام سياسي غير مبني على مبدأ أن الناس سواسية، ما تصفه هو ما وصلنا إليه بالفعل، نحن نجد أنفسنا الآن نخوض حروبا بشكل شبه دائم، والحروب يقوم بها 0,5% من الشعب الأميركي أي مجموعة صغيرة منتقاة بينما الباقون نصفق أو نتفرج، هذا خطأ كبير أن ندير أمورنا بها الشكل، وأكرر إذا كانت الحرب مهمة إلى هذا الحد علينا أن ندفع ثمنها وعلى الشعب أن يساهم في الخدمة والتضحية.


عبد الرحيم فقرا: نحن الآن في خضم موسم انتخابي في الولايات المتحدة، العديد من الناس سيقرأ كتابك ويرحب به ولكن هناك آخرين سيقرؤونه ويشعرون بالاشمئزاز من بعض ما تقولونه في هذا الكتاب.


أندرو بيسفتش: أرجو ألا يصل الأمر إلى الاشمئزاز، لن يعجبهم هذا شيء..


عبد الرحيم فقرا: ربما بالغت بعض الشيء في التوصيف، إنما هل كونكم قد خدمتم في الجيش سيعطيكم مجالا أرحب من القبول لدى الأميركيين؟ لأن الكثير من الناس سيقولون هذا رجل ليس مجرد أكاديمي من بوسطن، إنه جندي سابق ويعرف تماما ما يتحدث عنه.


أندرو بيسفتش: ربما علي أن أقول إنني خرجت من الجيش من 18 عاما وهذا وقت طويل ولقد قضيت تقريبا نفس المدة في المجال الأكاديمي وفي المجال العسكري وفي العادة أنا لا أقدم نفسي على أنني شخص كان في وقت ما جنديا، أنا فخور بتاريخي كجندي وأنا أيضا فخور بأستاذيتي وأنا أعبر عن آرائي من منطلق مهنتي الحالية.


عبد الرحيم فقرا: إذاً لماذا تعتقدون أنه يجب أخذكم على محمل الجد؟


أندرو بيسفتش: قد يصدقونني وقد لا يصدقونني ولكني بصراحة أرجو أن يحكم على كتابي وعلى ما أقوله بالنظر إلى القيمة الكامنة فيه، إذا كان تحليلي مقنعا أقول لقرائي فكروا في الأمر وإن وجدتم أن الكلام غير مقنع فلا تضيعوا وقتكم في قراءته وانطلقوا في حال سبيلكم.


عبد الرحيم فقرا: بالنسبة للانتخابات القادمة سواء النصفية أو بعد ذلك بعامين الرئاسية، إذا خسر الحزب الديمقراطي في الانتخابات هل سيكون الأمر مجرد انتقال السلطة من الديمقراطيين إلى الجمهوريين مرة أخرى أم أنكم تعتقدون أنه إذا انهزم الحزب الديمقراطي وفي نهاية المطاف الرئيس أوباما سيكون ذلك بمثابة طالع شؤم لمستقبل القوة الأميركية بصورة عامة؟


أندرو بيسفتش: أعتقد أن احتكار النظام السياسي من طرف الحزبين الجمهوري والديمقراطي هو احتكار تام، إن الوضع المعتاد في السياسة الأميركية هو أن الناخب يصوت لأحدهما كلما كان الانطباع أن الثاني فاشل، الأمر لا يخلو من بعض السخافة، وأنا أعتقد شخصيا أنه من غير العقلانية أن نلقي بالحكم مرة أخرى للجمهوريين بالنظر إلى ملفهم السابق خلال سنوات بوش الثمانية، ولكن من وجهة نظر الناخب الأميركي هناك فقط خياران إما أن تنتخب الحزب الحاكم أو حزب المعارضة، نحن نفتقد إلى تنوع في الخيارات ولكن النظام السياسي مفبرك بشكل يتيح للحزبين الجمهوري والديمقراطي الاستمرار في الاحتكار الثنائي للحياة السياسية وللساحة السياسية الأميركية.


عبد الرحيم فقرا: بناء على تقييمكم في هذا الكتاب هلا تزال هناك فرصة لإنقاذ القوة الأميركية ومستقبلها؟


أندرو بيسفتش: بالتأكيد دون شك، بداية دعنا نتفق على أننا نمر بمرحلة صعبة ولكننا لا نزال مجتمعا ثريا ومجتمعا مجددا ونشطا ونحن نستمتع برحابة هذه القارة الشمالية وهذه الأرض الغنية.


عبد الرحيم فقرا: لكن دولا كالصين والهند تتقوى بسرعة.


أندرو بيسفتش: دون شك، دون شك، أعتقد أن أهم شيء يتعين علينا فعله هو ترتيب بيتنا وعلينا أن نتعلم كيف نعيش في حدود إمكانياتنا، من غير المعقول أن نواصل تكديس الديون وأن ننتظر أن تواصل الصين وغيرها تسديد فواتير إسرافنا، علينا أن نتعلم كيف نتقشف.


عبد الرحيم فقرا: هل لا يزال ذلك ممكنا حتى؟


أندرو بيسفتش: قد يبدو الأمر غير محتمل ولكنني سأظل أعتقد أن الديمقراطية هي الحل، وباستطاعة المجتمع الأميركي أن يصحو ويفتح أعينه على المعضلات التي تواجهه وأن يطالب زعماءه بالعمل الكفء والشجاع، وأنا هنا أقول إن هذا قد يحصل ولا أقول إنه سيحصل ولكن يجب أن يحصل.


عبد الرحيم فقرا: هل المعضلة التي تتحدث عنها في سياق حديثك عن مستقبل القوة الأميركية هل جذور هذه المعضلة في الصعوبات الاقتصادية أم في نواقص النظام السياسي الأميركي في حد ذاته؟


أندرو بيسفتش: هناك تضافر عدد كبير من الصعوبات، هناك صعوبات اقتصادية لأننا نرفض أن نعيش في حدود إمكانياتنا، هناك صعوبات سياسية في النظام السياسي والأشخاص داخل النظام السياسي منهمكون في الحفاظ على مراكز السلطة والحكم بدل أن يهتموا بإدارة الأمور بكفاءة، ولكن هناك أيضا تفسير عسكري يرجعنا إلى تلك الانتصارات المبالغ فيها بخصوص القدرات العسكرية الأميركية، علينا أن نعترف أن قوتنا العسكرية وأن مواردنا الاقتصادية وأن حكمتنا كل هذه الأمور محدودة وبالتالي علينا أن نكبح جماح انتصاراتنا حول قدرتنا على حمل العالم على التصرف لمصلحتنا، علينا أن نكون جزءا من العالم بدلا من ترأسه وسيتطلب الأمر بعض الوقت حتى يتعود الأميركيون على هذا الواقع الجديد.


عبد الرحيم فقرا: السيد بيسفتش فيما تبقى من وقت هذا البرنامج معكم أريد أن أسألك مرة أخرى عن الكتاب، في أي لحظة من لحظات حياتك شعرت بالحاجة لتأليف كتاب عنوانه "قواعد واشنطن طريق أميركا نحو الحرب الدائمة"؟


أندرو بيسفتش: لا أعرف متى كانت اللحظة التي دفعتني إلى تأليف كتاب بهذا العنوان، ولكن في الكتاب أصف لحظة بدأت فيها بالتساؤل عن أمور لم أكن قد تساءلت عنها من قبل، واللحظة كانت بعيد انتهاء الحرب الباردة خلال أول زيارة لي إلى برلين وذهبت إلى بوابة البرندنبيرغ، أنا من مواليد 1947 وبالنسبة لي كانت تلك البوابة تمثل رمزا قويا في نفسي وأردت أن أزور المكان وفعلت، كان الفصل شتاء كان الوقت متأخرا والجو باردا وممطرا وبين أعمدة البوابة وجدت عددا من الشبان يبيعون قطعا رخيصة متفرقة من بقايا الجيش السوفياتي وبدا لي بكل وضوح أنهم جنود روسيون خارج الخدمة، وما لفت انتباهي وقتها هو كم كانوا هم أنفسهم والقطع التذكارية التي كانوا يبيعونها كم كانوا مختلفين عما كنت أتوقع، لم تكن قاماتهم عشرة أقدام وما كانوا يبيعونه من أدواتهم العسكرية لم يكن سوى خردة وجعلني ذلك أتساءل حول ما كنت أعتقده عن الإمبراطورية السوفياتية وعن الحرب الباردة وحول السياسة الخارجية الأميركية وحول الولايات المتحدة في حد ذاتها، هل كان ذلك صحيحا أم أنني كنت أحمل نظرة مغلوطة، وقد دفعني ذلك الحدث في مسار أوصلني إلى هذا الكتاب.


عبد الرحيم فقرا: سيد بيسفتش أنا شاكر.


أندرو بيسفتش: شكرا.


عبد الرحيم فقرا: أندرو بيسفتش في نهاية هذه الحلقة من برنامج من واشنطن وافيناكم بها من مدينة بوسطن، عنواننا الإلكتروني، minwashington@aljazeera.net

إلى اللقاء.

المصدر: الجزيرة