صورة عامة - من واشنطن - 27/7/2010
من واشنطن

المحكمة الجنائية الدولية والبشير

تناقش الحلقة موضوع المحكمة الجنائية الدولية وملف دارفور، ما الذي يحرك سعي المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة البشير، إحقاق الحق لأهل دارفور أم مصالح القوى الكبرى في مجلس الأمن؟.

– مهام المحكمة وجوانب الجدل حول طريقة عملها
– دلائل المحكمة ونقاط الانتقاد في ملف دارفور

– حول شرعية المحكمة ومسؤولية الحكومة السودانية

– الأبعاد الإنسانية والسياسية ودور القضاء السوداني

 

عبد الرحيم فقرا
عبد الرحيم فقرا
لويس مورينو أوكامبو
لويس مورينو أوكامبو
عبد المحمود عبد الحليم
عبد المحمود عبد الحليم
محمود شريف بسيوني
محمود شريف بسيوني


عبد الرحيم فقرا: مشاهدينا في كل مكان أهلا بكم جميعا في حلقة جديدة من برنامج من واشنطن.

[شريط مسجل]


فيليب كراولي/ المتحدث باسم الخارجية الأميركية: نحن ندعم بقوة الجهود الدولية الساعية لجلب المسؤولين عن الإبادة وجرائم الحرب في دارفور إلى العدالة، نعتقد أنه من المستحيل تحقيق السلام الدائم في دارفور أو حتى الاستقرار في السودان دون محاسبة وعدالة وسنستمر في مطالبة السودان وأطراف أخرى بالتعاون بشكل كامل مع محكمة الجنايات الدولية، كما قلنا في عدة مناسبات فإن على الرئيس البشير أن يقدم نفسه للمحكمة ويرد على تلك الاتهامات التي وجهت ضده.

[نهاية الشريط المسجل]

مهام المحكمة وجوانب الجدل حول طريقة عملها


عبد الرحيم فقرا: إذاً أجج قرار الحكومة التشادية بعدم إلقاء القبض على الرئيس السوداني عمر حسن البشير خلال زيارته لتشاد نيران الجدل مجددا حول مأساة الدارفوريين بكل تعقيداتها السودانية والإقليمية والدولية، يذكر أن تشاد من الدول الموقعة على معاهدة إنشاء المحكمة الجنائية الدولية وهو ما يلزمها بالتعاون مع المحكمة التي كانت قد أصدرت قرارا باعتقال الرئيس السوداني واتهمته بارتكاب إبادة جماعية في دارفور، يذكر أيضا أن الحكومة السودانية قد انتقدت بشدة كلا من موقفي المحكمة والحكومة الأميركية. في هذه الحلقة نبحث مواقع الخلل في تعامل الحكومة السودانية مع قضايا دارفور وآثار ذلك التعامل على الدارفوريين بصورة خاصة وعلى السودانيين بصورة أعم. يسعدني في هذا الصدد أن أرحب بكل من المندوب السوداني الدائم لدى الأمم المتحدة عبد المحمود عبد الحليم محمد من نيويورك ومعي في الأستوديو البروفسور محمود شريف بسيوني أستاذ القانون الجنائي الدولي. ولكن قبل ذلك لقاء خاص مع مدعي المحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو أوكامبو نلقي فيه الضوء على بعض الجوانب المتعلقة بالعدالة الدولية، ما لها وما عليها، خاصة وأن مجلس الأمن الدولي هو الذي كان قد أحال ملف دارفور على تلك المحكمة، فكيف يقيم أوكامبو عملها مذ استلم منصبه فيها كمدع في يونيو/ حزيران عام 2003؟

إعلان

[شريط مسجل]


لويس مورينو أوكامبو: أعتقد أن الفكرة الجديدة هنا هي أنه لا أحد يفلت من العقاب إذا ما ارتكب جريمة، نحن نحاول أن نحمي حقوق الضحايا وقد أصبح للضحايا وزن، يتعين على الدولة ذاتها أن تفعل ذلك في بادئ الأمر، في غينيا هناك اليوم قضاة من غينيا يحاولون النظر في القضايا فإذا تمكنوا من فعل ذلك لن نحتاج نحن للقيام بذلك وفي كينيا عندما كانوا يحاولون البت في بعض القضايا احترمنا ذلك ولكن إذا لم يتمكنوا من المواصلة نتدخل نحن، وفي كولومبيا هم يقومون بذلك ولسنا نحن، بالتالي الفكرة هي دمج جهود الدول المستقلة والمحكمة الدولية لحماية حقوق الضحايا خصوصا الضعفاء منهم وأولئك الذين لا حامي لهم أنا أحميهم.


عبد الرحيم فقرا: عندما كان كوفي عنان أمينا عاما للأمم المتحدة قبل بضعة أعوام وصف مبدأ المحكمة الجنائية الدولية كالآتي، قال حسب تعبيره "إنها هدية للأجيال القادمة وخطوة عملاقة إلى الأمام في مسيرتنا لتحقيق حقوق الإنسان ودولة القانون"، الآن بالنظر إلى كل تلك التحديات التي واجهت المحكمة في السودان وفي غيره من المناطق في إفريقيا هل تعتقدون أن لكلام كوفي عنان اليوم نفس القدر من الصحة؟


لويس مورينو أوكامبو: بكل تأكيد نحن نحاول الإيفاء بوعده، لقد كان الرجل صاحب رؤية وهو الذي ناضل من أجل هذا الهدف ونحن الآن بصدد تحقيق الرؤية، فلو ذهبت إلى كينيا أو دارفور فستجد أن الناس هناك سعداء بما نفعل لهم.


عبد الرحيم فقرا: ولكن المحكمة تثير اليوم ربما جدلا أكثر مما أثارته في الماضي.


لويس مورينو أوكامبو: إذا كان ذلك صحيحا فذلك جيد تماما مثلما حصل عندما بدأ العالم يغير فكرة العبودية كان الأمر مثيرا للجدل بشكل كبير فنحن نغير قوانين اللعبة ونحن نقول لأصحاب السلطان إنه لا يمكنهم التمادي في ارتكاب الجرائم ضد الضعفاء، وبكل تأكيد هذا مثير للجدل وصعب المنال ولكن علينا القيام به.


عبد الرحيم فقرا: تتحدثون عن العبودية، ربما الاختلاف الجوهري هنا هو أن المحكمة كما تفضلتم يتمثل دورها في تحقيق العدالة الكونية ولكن هناك من الناس من يقول إن المحكمة تعتمد بشكل واسع على قرارات مجلس الأمن في حين أن هذا المجلس في حد ذاته لا ينبني على مفهوم عادل وهكذا يرى هؤلاء خصوصا في الشطر الجنوبي من العالم ينظرون إلى مجلس الأمن ويقولون إذا كان المجلس غير عادل فكيف يمكن أن تستندوا إلى نظامه في تحقيق العدالة؟


لويس مورينو أوكامبو: بداية نحن نعمل في 111 بلدا بالتالي أنا لست مدع عام عالمي أنا أحقق فقط في 111 دولة وهي الدول التي صادقت على المعاهدة بمحض إرادتها وثلث تلك البلدان من القارة الإفريقية وأنا أعمل من الكونغو وكينيا وأوغندا وجمهورية إفريقيا الوسطى ونحن نعمل مع السلطات الوطنية، بالإضافة إلى ذلك وبخصوص قضية دارفور قرر مجلس الأمن وهي المؤسسة الأممية المعنية بالحفاظ على الأمن والسلام في العالم قرر أن يطلب مني التدخل في قضية دارفور لذلك دارفور هي القضية الأكثر تعقيدا لأنها لا تدخل في إطار فكرة المعاهدة بل إن مجلس الأمن هو الذي يفرضها بالتالي أنت على حق في أن قضية دارفور هي مختلفة ولكن هناك مليونين ونصف المليون من الناس هم بحاجة إلى المحكمة بالتالي أنا أفهم أن الأمر معقد ولكن علينا أن نقوم بهذا.

إعلان


عبد الرحيم فقرا: ولكن بالتأكيد تفهمون أن هناك نظرتين مختلفتين للعدالة، النظرة الأولى هي نظرة سكان درافور نظرة الدارفوريين أنفسهم والنظرة الأخرى يحملها الناس خارج السودان، العديد من الناس خارج السودان -وأعود هنا إلى مفهوم العدالة الكونية- ينظرون إلى مجلس الأمن ينظرون إلى الخمسة الكبار فيه الذين يفرضون عليه إرادتهم ويقولون إن المحكمة الجنائية الدولية هي أداة ليس بيد المجتمع الدولي بل بيد الأقوياء فيه.


لويس مورينو أوكامبو: هذا أمر مثير للاهتمام لأن الولايات المتحدة والصين وروسيا صوتوا ضد تكليف المحكمة بقضية دارفور بل كانت دول صغيرة بما فيها دول إفريقية هي التي ساندت هذه الفكرة بالتالي نحن لا نحظى بمساندة الدول العظمى بل بالعكس أنت تتذكر لقد كان الرئيس بوش معاديا لفكرة المحكمة وروسيا والصين ليستا أعضاء فيها بالتالي علي أن أقول إنني أفهم هذه النظرة ولكنها لا تنطبق على المحكمة الجنائية الدولية، نحن مستقلون إلى حد كبير يبلغ العزلة في بعض الأحيان.


عبد الرحيم فقرا: سيد أوكامبو عندما تتحدثون عن إفريقيا هناك الكثير من الأفارقة وعلى رأسهم رئيس الاتحاد الإفريقي هؤلاء لديهم مشكلة كبيرة مع المحكمة لا يرون أن المحكمة الجنائية أو أنتم بالتحديد سيد أوكامبو تفعلون ما تدعونه وهو تحقيق العدالة الكونية لا في دارفور ولا في غير دارفور من المناطق في القارة.


لويس مورينو أوكامبو: كلا أنا أقيم العدالة في 111 دولة بما فيها دارفور، الاتحاد الإفريقي له رأي مختلف وأنا أحترم الجميع لأن لهم دورا حيويا يلعبونه في دارفور لكن الرئيس امبكي دعاني لزيارة مقر الاتحاد الإفريقي لمناقشة دارفور ونحن نعمل بشكل طيب للغاية مع الوسطاء التابعين للاتحاد في دارفور، بالطبع هناك آراء مختلفة وبعض القادة الأفارقة ضدنا وبعضهم الآخر معنا وأنا أحترم ذلك وأنا لي تفويض قضائي ولا أحد ينازع صحة ادعاءاتي بخصوص الجرائم، وبالفعل طلبي إصدار قرار الاتهام بجرائم الإبادة ضد الرئيس البشير وقع تقييمه من طرف عشرة قضاة في المحكمة الدولية وكان علي أن أضغط وأن أستأنف وفي النهاية أقروا طلبي وأصدروا مذكرة الاتهام وبالتالي فهي ليست فكرتي أنا بل هو قرار عشرة قضاة من المحكمة الجنائية الدولية.


عبد الرحيم فقرا: ولكن عندما تقولون إن الناس لا يعارضون ما تفعلون، ربما لا يعارضون المبدأ العام لكن كثيرين منهم يعارضون ليس فقط منهجيتكم بل حتى تفاصيل ما تفعلون، مثلا رودلف أدالا وزير الخارجية الكونغولي الأسبق يعارض الأرقام التي اعتمدتموها في وقت من الأوقات، كنتم تقولون إن خمسة آلاف شخص يقتلون كل شهر في دارفور واستخلصتم من ذلك أن ما يدور هناك هو عملية إبادة جماعية، أدالا يقول إن عدد القتلى شهريا يتراوح ما بين 130 و150 شخصا وبالتالي ما يحصل في دارفور لا يرقى إلى حد الإبادة بقدر ما هو نزاع ذو حدة منخفضة.


لويس مورينو أوكامبو: هناك بعض الخلط هنا، الإبادة الجماعية تنقسم إلى ثلاثة أشكال، القتل المباشر بالرصاص والأرقام هنا انخفضت بشكل كبير منذ سنة 2005 أما طريقة القتل الجديدة فهي بطيئة وتتخذ منهج التجويع، عندما كنت أتحدث مع بعضهم عن المشاكل في المخيمات حيث زج الرئيس البشير بمليونين ونصف المليون من البشر في قلب الصحراء وهو الآن يعرقل جهود الإغاثة الإنسانية وهو هكذا يهاجم الناس بصورة غير مرئية ولذلك هم يموتون ببطء، هناك مليونان ونصف المليون من الناس في المخيمات في دارفور لا تصلهم المساعدات وتلك إحدى طرق ارتكاب جريمة الإبادة عبر خلق الظروف للإساءة والقضاء على مجموعة، أما الشكل الآخر للإبادة فهو أيضا غير مرئي وهو الاغتصاب، آلاف النساء تغتصبن في القرى أولا ثم في المخيمات وهن الآن لا يرفعن الشكاوى ضد المغتصبين لأنهن إذا فعلن عاد المغتصبون للإساءة إليهن مجددا، بالتالي أنا أتحدث عن الأشكال المختلفة للإبادة وليس فقط بالرصاص بل بالاغتصاب والتجويع وهي الأدوات الجديدة للإبادة وهي تتواصل إلى اليوم ولكننا لا نراها. لذلك فإن المحكمة في غاية الأهمية لأن المحكمة تحقق في الحقائق ولا أحد ينازع تلك الحقائق لذلك أقر عشرة قضاة إصدار مذكرة الاتهام تلك.

إعلان


عبد الرحيم فقرا: بطبيعة الحال أناس كثيرون حول العالم يقبلون تشخيصكم هذا ولكن هناك آخرين ممن ينظرون إلى منطقكم على أنه ينطوي على مشكلة جوهرية، ذكرتم التجويع مثلا، هل تريدون من الناس أن تكون لهم نظرة للعدالة كما تحاولون تطبيقها في دارفور منفصلة عن نظرتهم للعدالة كما يودون أن تطبق على حالاتهم الخاصة؟ الكثير من الناس في غزة مثلا يقولون أين هي العدالة وأين الحديث عن العدالة ونحن نجوّع؟ ويقول الكثيرون في العراق أين العدالة حين كان آلاف العراقيين يقتلون بعد 2003؟ كيف توازنون بين هذا وذاك؟


لويس مورينو أوكامبو: لا أستطيع أن أفعل ذلك، المشكلة كما قلت منذ قليل أنا لست المدعي العام للعالم، فقط بوسعي أن أحقق في قضايا في البلدان التي صادقت على المعاهدة، العراق لم تصادق عليها وكذلك لبنان ولا زمبابوي بالتالي أنا لا أستطيع التدخل في بلدان ليست موقعة على المعاهدة، غزة هي وضعية خاصة لأن السلطة الفلسطينية أتت إلى مكتبي وأقرت اختصاصنا ونحن بصدد قبول تقريرهم الذي يفسر كيف أنه رغم عدم اعتبار دول العالم لهم كدولة باستطاعتهم قبول اختصاصنا بالتالي نحن نناقش هذه المسألة القانونية مع السلطة الفلسطينية، علي أن أحترم الحدود القانونية وبهذا المعنى أنت محق، نحن ما زلنا لم نحقق الكونية بعد لأن هناك زهاء ثمانين دولة غير عضو في قانون روما وبالتالي لا يمكنني التحرك فيها فهناك مظالم في العالم لا يمكنني النظر فيها.


عبد الرحيم فقرا: طيب قد يكون الأمر كما تقولون ولكن لا تزال لديكم مشكلة انطباع عند الناس في عدم قدرتكم على الفصل بين العدالة وسياسة النظام الدولي، هكذا ينظرون إليكم، الكثير من الناس ينظرون إلى غزة مثلا وينظرون إلى العراق ويرون المحكمة كأداة تطوعها الدول العظمى لصالحها في حين أنها تبقى بعيدة عن طائلتها مما يجعل المحكمة تركز على الدول الأضعف في النظام العالمي.


لويس مورينو أوكامبو: نقطتان، من تسميهم ضعفاء يبدون أشداء في أعين الضحايا، بالنسبة للكثيرين قد يبدو توماس لوبانغا وهو أول شخص قاضته المحكمة وهو يقبع في السجن هنا قد يبدو شخصا ضعيفا ولكنه كان صاحب بأس شديد في أعين ضحاياه في الكونغو وفي أعين أولئك الذين قتلت عوائلهم..


عبد الرحيم فقرا (مقاطعا): ولكن سيد أوكامبو نحن نتعامل هنا مع مسألة انطباع، أناس كثيرون فقدوا أقاربهم في غزة في العراق في لبنان حتى في الأرجنتين بلدكم في وقت من الأوقات، الانطباع عند الناس هو أنكم تكرسون إرادة القوى العظمى وليس الدول الأضعف.


لويس مورينو أوكامبو: أنا أملي كبير في أنكم تساهمون في تصحيح هذه النظرة الخاطئة، صحيح أن مجلس الأمن مؤسسة سياسية وبوسعهم أن يكلفوني بقضايا دون أخرى، بهذا المعنى أنت محق ولكن عليك مناقشة سبل تغيير مجلس الأمن وليس أن تغلق المحكمة الجنائية الدولية، عليك أن تسعى إلى تحسين آليات مجلس الأمن وبشكل ما المحكمة الدولية هي مؤسسة جديدة قد تساهم في تحسين الآليات لأنك على حق فإذا كنا نعمل في دارفور بتفويض من مجلس الأمن لم لا في البلدان الأخرى التي ذكرتها؟

دلائل المحكمة ونقاط الانتقاد في ملف دارفور


عبد الرحيم فقرا: دعني الآن أتحدث قليلا عن دارفور وعن مسألة الاتهامات الجديدة ضد الرئيس السوداني عمر حسن البشير، وقد تحدثتم عنها في منابر عديدة لكن دعنا نتحدث عما يريده الناس في دارفور وفي غيره من مناطق العالم وهو بطبيعة الحال الاستقرار، قد يجادَل بأن ملاحقة الرئيس السوداني عمر حسن البشير وملاحقة الحكومة السودانية قد لا يتجلب الاستقرار فحتى لو استطعتم محاكمة الرئيس السوداني بعد عام أو عشرة أعوام أو 15 عاما كما تقولون فكيف ترون أن ذلك سيساعد في جلب الاستقرار إلى دارفور؟


لويس مورينو أوكامبو: هذه نقطة هامة جدا، خمسون عاما مضت على استقلال الدول الإفريقية وهناك قادة كثيرون يعملون على جلب الاستقرار في إفريقيا وبعض المشاكل التي يواجهونها هي هذه البلدان التي تسكنها مجموعات مختلفة وأحيانا تكون فيها حركة تمرد ونزاعات وحروب وذلك تحد كبير في إفريقيا، وليس إفريقيا لوحدها هذا يحدث في إسبانيا مع الكتلان بالتالي هناك مسألة استقلال الأقاليم في العديد من الدول وهي غالبا حوار سياسي بين رجال السياسة، ما أقوله هو أنه لا يمكنك إبادة هذه المجموعات لأنك لو فعلت فأنت ترتكب إبادة جماعية وهذه سياسة خاطئة وهذا هو موقفي الوحيد في قضية البشير، أنا أفهم مشاكلهم، السودان يحتاج إلى الاستقرار، يجب دمج المجموعات ولكن ما لا يجب فعله هو إبادة مجموعة معينة لأن هذه إبادة وهي جريمة دولية ولن نسمح بذلك.

إعلان


عبد الرحيم فقرا: ولكن هذه هي المسألة كما تعرفون ذلك بالتأكيد هذه هي المسألة التي تطرحها العديد من الجهات في هذا الخصوص بالتحديد وهي أن المعايير المستخدمة في توصيف ما يكون إبادة جماعية قد تختلف من وقت إلى آخر ومن بلد إلى آخر، في الولايات المتحدة مثلا هناك من يتحدث عن إبادة جماعية في دارفور ولكن هناك من يقول عكس ذلك، الموفد الأميركي إلى السودان الجنرال غريشن مثلا قال إن ما يحدث في دارفور ليس إبادة جماعية، ألا يضعف ذلك موقفكم؟


لويس مورينو أوكامبو: الجنرال غريشن ليس قاضيا، هناك قضاة وهم المخولون بالبت في هذا وهم يقولون إن هذه إبادة جماعية، الجنرال غريشن له رأيه وهو غير ذي وزن هنا لأن مسألة الإبادة يقررها القضاة. النقطة الثانية المتعلقة بالاستقرار فأنت تذكر أن قبيل الحرب العالمية الثانية وقعت كل من فرنسا والمملكة المتحدة اتفاقات مع هتلر وسمحوا له بالهجوم على الناس في تشيكوسولوفاكيا من أجل إحلال السلام وكان اتفاق ميونيخ وقد قال رئيس الحكومة البريطاني أنا أصافح هذا الرجل أدولف هتلر وأنظر في عينيه وهو رجل يمكن أن نثق به، ثم نعرف ماذا حصل فقد أخطأنا في الماضي، يمكن ترك مصير شعب بين يدي من يرتكب الإبادة، إذا كان مذنبا فيجب أن يكون في السجن وليس رئيسا.


عبد الرحيم فقرا: دعني أقرأ لك سيد أوكامبو ما كتبه أندرو كيلي وهو رجل تعرفه، إنه رجل قانون بريطاني حقق في مسألة درافور في وقت من الأوقات وقد كتب في مجلة العدالة الجنائية الدولية في نوفمبر/ تشرين 2008 قائلا "من الصعب أن نشير إلى الإبادة الجماعية التي تتهم الدولة السودانية بالقيام بها في الوقت الذي يختار فيه مليونا دارفوري أن يحتموا بالقواعد العسكرية الرئيسية في إقليمهم " ويعني بذلك قواعد الجيش السوداني الذي تتهمونه بالإبادة الجماعية.


لويس مورينو أوكامبو: لقد قالت إحدى ضحايا الاغتصاب إن من يحموننا يلبسون البزة العسكرية ومن يغتصبوننا يلسبون نفس البزة أيضا، لا نعرف أين نذهب وبمن نحتمي. هذا ما تقوله الضحايا، لقد انتهى وقت النقاش الآن، هذا قرار قضائي، الناس لديهم آراء ولكن ليس لديهم اطلاع على الأدلة التي بين يدي القضاة لأن الأدلة سرية لحماية الشهود بالتالي هناك ثلاثة قضاة حققوا في الأمر وقرروا أن هذه إبادة، الأمر منته، السؤال هو كيف نوقف الإبادة الآن في حين أن الرئيس البشير هو رئيس البلاد؟ هذه المشكلة الحقيقية وعلينا أن نركز على ذلك ولن نسمح بتجاهل ما يحدث، لقد وقع تحذير العالم بأن هناك إبادة تجري في دارفور، انتهى.


عبد الرحيم فقرا: لا أحد يجادل ضد فكرة تحقيق العدالة في دارفور ولا في غيرها من مناطق العالم أو ضد توفير الحماية للناس بشكل عام، ولكن التحفظ الرئيسي على المنهجية التي تتبعونها في سعيكم لتحقيق العدالة وهي -أي الإستراتيجية- أنكم لا تستجوبون الناس في دارفور بل تأخذون الأدلة منهم خارج الإقليم، هل لديكم مشكلة مع هذا الانتقاد؟ عفوا، أعرف أن لديكم مشكلة مع هذا الانتقاد ولكني أريد أن أسمعها منكم.


لويس مورينو أوكامبو: دعني أفسر لك، ما فعلناه هو التعرف على أشخاص فروا من دارفور إلى بلدان أخرى، حددنا ما يقارب ستمئة منهم واستجوبنا زهاء المائة، الكثير منهم شهود عيان كانوا يتواجدون في المناطق التي شهدت الهجومات، بالطبع لا أستطيع الإفصاح عن هويتهم خوفا على سلامتهم وأنا لم أستجوب شهودا داخل السودان لأن الحكومة كانت ستعتدي عليهم فالحكومة عذبت الناس فقط لاشتباههم في احتمال تعاونهم مع المحققين ولكن لدينا الكثير من الشهود الذين رأوا ما حدث في دارفور وقد استجوبتهم في 18 دولة وأنا فخور بذلك لأني لم أعرض الشهود إلى الخطر.


عبد الرحيم فقرا: وليست لديكم مشكلة مع أناس أجروا تحقيقات في دارفور ويقولون إنهم تمكنوا من التحدث إلى شهود داخل دارفور يقولون إنهم استطاعوا التحدث إلى الشهود داخل دارفور ويرفضون ما تقولونه أنتم من أن الشهود قد يتعرضون للملاحقة والثأر إذا ما تعاونوا معكم داخل الإقليم.


لويس مورينو أوكامبو: بداية أنا مجبر قانونيا بالكشف عن المعلومات التي في حوزتي للجهة المدعى عليها وبالتالي ليس باستطاعتي إخفاء هوية الشهود، إذا كنت صحفيا أو عاملا في لجنة تحقيق أنت لست مجبرا على الكشف عن هوية الشهود بالتالي وضعي القانوني مختلف. ثانيا حكومة السودان تعذب الناس في الخرطوم فعلا بمجرد الاشتباه بأنهم قدموا شهادة للمحكمة الجنائية الدولية وقد طردت الحكومة السودانية عمال الإغاثة الإنسانية لأنهم يقولون إنهم كانوا يوفرون معلومات للمحكمة والحكومة السودانية تهاجم أي شخص يقدم معلومات للمحكمة.


عبد الرحيم فقرا: سيد أوكامبو لدي سؤال أخير ويتعلق بالرئيس عمر حسن البشير الذي كما تعرفون يقول إنه لا يمكن أن يسيطر على كل ما يجري في بلد مثل السودان الذي هو بلد شاسع جدا و لا يمكن لرجل واحد أن يسيطر على كل كبيرة وصغيرة هناك، يقول البشير إنه عندما تقتل القوات الأميركية أو قوات الناتو المدنيين في أفغانستان مثلا وباعتبار أن الرئيس الأميركي هو القائد الأعلى للقوات المسلحة يقول الرئيس البشير عندما يقتل المدنيون في مكان مثل أفغانستان هل يعني ذلك أن الرئيس الأميركي هو المسؤول عن قتلهم؟


لويس مورينو أوكامبو: لا أعلم، يجب علي التحقيق في الأمر لأعرف ذلك ولكن قضية دارفور ليست قضية قصف خاطئ، هذه قوات برية تحاصر قرى ليس فيها أية أنشطة عسكرية ويهجمون على المدنيين وقد قاموا بهذه الأفعال على مدى سنتين تقريبا في عملية واسعة النطاق شارك فيها آلاف من عناصر الجيش النظامي وهذا طبعا لا يمكن أن يحدث دون علم الرئيس البشير، لقد أعطى الرئيس البشير الأوامر ففي مارس / آذار 2003 قال علنا -ولدينا الوثيقة- قال لا أريد أسرى ولا جرحى، أريد أرضا محروقة. وذلك ما فعله آلاف من الجنود حسب أوامره فهو القائد الأعلى ورئيس الدولة وقد أعطى الأوامر وأيضا ساهم في تجنيد أولئك الذين نفذوا هذا، لدينا كل القرائن التي تدينه، أكثر من عشرين شاهدا لذلك نعتبر أنه مذنب وعليه أن يواجه المحكمة، أنا أحترم حقه في مواجهة المحكمة ولا أحب أن أراه يواصل عمليات القتل والاغتصاب والتجويع ضد الناس في درافور، ما يهمنا هو إيقاف الجرائم ويجب إيقافها الآن، إذا لم يتحرك العالم الآن فإنهم سيموتون.

[نهاية الشريط المسجل]

عبد الرحيم فقرا: مدعي المحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو أوكامبو في لقاء خاص مع الجزيرة قبل زيارة الرئيس البشير لتشاد. استراحة قصيرة.

[فاصل إعلاني]

حول شرعية المحكمة ومسؤولية الحكومة السودانية


عبد الرحيم فقرا: أهلا بكم مرة أخرى إلى هذه الحلقة من برنامج من واشنطن. في 24 من شهر مايو/ أيار الماضي بعث المدير التنفيذي لمنظمة هيومن رايتس ووتش كينيث روث برسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون من بين ما جاء فيها "علمت باستغراب من إعلان الناطق باسمكم أن الممثلين الدوليين هايلي ميتكيريوس وإبراهيم غمبري سيحضران في 27 من هذا الشهر حفل تنصيب عمر البشير في الخرطوم، إن حضور حفل تنصيب شخص يخضع لمذكرة للمحكمة الجنائية الدولية في جرائم فظيعة سيبعث برسالة مروعة إلى ضحايا مثل تلك الجرائم في دارفور وحول العالم بأن معاناتهم لا تستحق التخلي عن الدعم الاحتفالي بشخص يتهم بارتكابها". مرحبا مرة أخرى بالمندوب السوداني الدائم لدى الأمم المتحدة عبد المحمود عبد الحليم محمد الذي ينضم إلينا من نيويورك، وبالبروفسور محمود شريف بسيوني من جامعة ديبول في شيكاغو. بروفسور بسيوني لن أحاول ذكر كل مؤلفاتك بالاسم أو المناصب التي شغلتها في الأمم المتحدة إنما أبدأ بسؤال مباشرة، مسألة شرعية محكمة الجنايات أو المحكمة الجنائية الدولية في ظل ارتباطها بسياسة مجلس الأمن، كيف تنظر إلى تلك الشرعية بداية؟


محمود شريف بسيوني: المحكمة الجنائية الدولية تمتد شرعيتها من الاتفاقية التي صدقت عليها 111 دولة، فبالتالي هذه هي شرعية هذه المحكمة. دور مجلس الأمن هو دور الإحالة في الحالات التي قد يكون فيها خرق للسلام والأمن الدولي، إحالة موضوع من مجلس الأمن إلى المحكمة لا يرغم المحكمة أو لا يرغم المدعي العام أن يقوم بأي محاكمات أو بأي ادعاءات ولكن يرغم المدعي العام أنه ينظر في الحالة المحولة كما ينظر في مثل هذه الحالات أي محقق في أي نيابة في العالم إذا وصلت إلى هذا المحقق معلومة بأن هناك جريمة فيحقق فيها وإن انتهى على نتيجة التحقيق أن هناك جريمة فيقدم ما أسفر عنه التحقيق إلى غرفة وهذه الغرفة هي التي تقبل أم لا إصدار الإحالة إلى المحاكمة.


عبد الرحيم فقرا: قبل أن نتحول إلى السفير السوداني في نيويورك، مسألة الانطباع التي تحدثنا خلالها في المقابلة مع أوكامبو، العديد من الناس ينظرون إلى مجلس الأمن ينظرون إلى تركيبة مجلس الأمن ويقولون هذا كلام جيد ما قلته بروفسور بسيوني لكن يشيرون أيضا إلى انطباع سائد بأن السياسة تتدخل في الجانب القضائي فيما يتعلق بالإحالة، لماذا لم يحل مجلس الأمن قضايا في غزة وفي جنوب لبنان وفي جنوب إفريقيا و.. و.. إلى غير ذلك؟ في نظر هؤلاء.


محمود شريف بسيوني: بدون شك مجلس الأمن مجلس سياسي ومجلس الأمن في بعض الأحيان سيحيل حالات وبعض الحالات الأخرى لن يحيلها ولكن ليس هذا هو المصدر الوحيد للمحكمة لاتخاذ أي إجراءات في التحقيق فالمدعي العام يستطيع أن يقوم بالتحقيق أو الدول الأطراف تستطيع أن تطلب من المحكمة التحقيق أو كذلك في المادة 12 فقرة 3 أي دولة غير طرف، وأوكامبو أشار إلى مقابلة صارت بينه وبين -ودي بمعرفتي الشخصية- وزير العدل الفلسطيني الذي طلب منه أن ينظر فيما حدث في غزة ولكن هنا يعني أريد أن أقول إن فلسطين لا بد أن تتخذ قرارا هل هي دولة ولا غير دولة، ما تقدرش تكون ما بين الاثنين، إذا كانت دولة وتقول إحنا أعلنا استقلالنا في عام كذا، عام 1988، واعترف باستقلالنا من أكثر من ثمانين دولة في العالم فنحن دولة وبالتالي بناء على الفقرة 12 مادة 3 إحنا نحيل هذا الموضوع على المحكمة، إنما كون أن فلسطين تقول والله إحنا لسنا بدولة لأنه إحنا التزمنا في اتفاقيات أوسلو فبالتالي الموضوع يقدم إلى أوكامبو ويصبح في تقديره الشخصي.


عبد الرحيم فقرا: طيب، عودة الآن إلى السودان، السيد السفير عودة إلى السودان وإلى دارفور، السيد السفير بالنسبة للدارفوريين بالنسبة لمعاناة الدارفوريين بالنسبة لشخص دارفوري تعرض لسياسة الأرض المحروقة كما يقول أوكامبو أو تعرض بالنسبة لسيدة في دارفور تعرضت لاغتصاب أو لأسرة تعرض فرد من أفرادها أو عدة أفراد من أفرادها للقتل والتنكيل لا يهم إن كان مجلس الأمن هو الذي أحال القضية أو جهة أخرى هي التي أحالت القضية ما يهم هو أن هذه الجرائم ترتكب في دارفور ويريد الدرافوريون وقفا لهذه الجرائم التي يقولون مع أوكامبو إن الحكومة السودانية مسؤولة عن ارتكابها.


عبد المحمود عبد الحليم محمد: أولا أحييك وأحيي البروفسور بسيوني الذي كان أحد مصممي نظام روما وكانت الآمال عراضا وقتها بأن يكون هذا النظام لدى الكثيرين في الأسرة الدولية مضيفا لدواعي السلام والاستقرار في العالم ولكن الممارسة أثبتت وكذلك الثقوب الكثيرة التي وردت في إفادات المدعي العام قبل قليل أثناء هذه المقابلة أوضحت أنها محكمة انتقائية وأنها محكمة للكبار وأنها مسيسة وأن مجلس الأمن يسيطر عليها وأنها محكمة الأوروبي ضد المستعمَرين السابقين، هذا ما أفرزته التجربة المنصرمة من عمر هذه المحكمة والتي لم يستطع المدعي أبدا أن يناقض في ذلك. كون أن ما يسمى بجرائم ارتكبت في دارفور وخلافه وأنها تستوجب المحاكمة بعيدا عن شكليات مجلس الأمن وخلافه هذا يمكن أن ينطبق يناقض الحديث الذي يقال بأن السلطة الفلسطينية ليست دولة وخلافه، إذا كان الهدف هو الاقتصاص من الجرائم فلا يهم إن كانت الدولة الفلسطينية دولة أو حركة تحرير أو خلافه..


عبد الرحيم فقرا (مقاطعا): سيد السفير مع كل احترامي لا أريد أن أخوض في الملف الفلسطيني في هذه الحلقة، سؤالي كان حول دارفور، بالنسبة للدارفوريين لا يهم بالنسبة للدارفوريين إذا كان المحامي عميلا لروسيا أو للولايات المتحدة أو للصين أو لمصر أو للسودان، ما يهم الدارفوري هو أن هذه الجرائم ارتكبت وأنه يريد العدالة ويقول لشخص مهما كان وصفه كأوكامبو شكرا لك يا أوكامبو على الأقل أنت مهتم بأموري.


عبد المحمود عبد الحليم محمد: نحن لا نحتاج إلى أحد من الخارج لكي يأتي ويتحدث عن أن هنالك جرائم قد ارتكبت في دارفور، حكومة السودان قامت التزاما بواجبها تجاه مواطنيها بتشكيل لجنة عالية المستوى ورفيعة المستوى وكان ذلك التقرير أيضا هاما لجهة مستخرجاته وضرورة إقامة محاكم في دارفور لمحاكمة من يشتبه في انتهاكهم للقوانين التي تنظم هذه المسألة هناك في السودان، القضاء السوداني لا يحتاج إلى إضاءة فهو قضاء مشهود له بالكفاءة والحكومة كان ينبغي أن تتوقف هذه المحكمة ومجلس الأمن أيضا من الإحالة عندما قامت حكومة السودان بتشكيل هذه المحكمة لأن نظام روما أساسا يعتمد على التكاملية نظام التكاملية وقد قامت حكومة السودان بإنشاء هذه المحكمة وشكلت محاكم كثيرة ومتعددة لمحاكمة المشتبه في ضلوعهم بارتكاب جرائم في دارفور ولذلك فالواجب كان يقتضي أن تترك حكومة السودان لتمارس صلاحياتها ولتمارس سيادتها على أرضها ولكن اختطف هذا الملف وحول من مجلس الأمن رغم العقبات أو الهنات الحقيقة القانونية الكثيرة التي اكتنفت هذا الأمر كون أن السودان ليس بعضو في نظام روما ومثل إسرائيل والولايات المتحدة كذلك وكذلك كان ينبغي أن يترك هذا الأمر للسودانيين للاختصاص بمن أجرم في دارفور ولذلك فكان التدخل سلبيا من جانب مجلس الأمن وكان سلبيا أيضا من جانب هذه المحكمة، أنا أستطيع القول وما أود أن أضيفه في هذا الأمر هو أن السودان يمكنه محاكمة من يشتبه في ضلوعهم بارتكاب جرائم ولا نحتاج لوصاية محكمة الجنايات الدولية أو لإحالة من مجلس الأمن.

الأبعاد الإنسانية والسياسية ودور القضاء السوداني


عبد الرحيم فقرا: إنما بالنسبة من وجهة نظرك أنت كقانوني مسألة الانطباع، السفير السوداني يقول القضاء في السودان تكفل بمحاكمة المتهمين، أين نقطة الالتقاء أو الحل الوسط بين ما يطالب به مجلس الأمن وما يقوم به القضاء السوداني؟ علما بأن الانطباع السائد عند العديد على الأقل من الدول الأوروبية كما قال السيد السفير هو أن القضاء في السودان ليس مستقلا.


محمود شريف بسيوني: نجد أن في الحديث عن هذا الموضوع هناك خلط بين أشياء مختلفة، الخلط بين الدور السياسي لمجلس الأمن مع ما يحدث في الميدان سواء كان في دارفور أو في غيره، كما تفضلت هناك ضحايا هناك تقديريا ثلاثمئة ألف نسمة قتلوا واثنان مليون نسمة شردوا، يعني هذا الكم الهائل من الجرائم، وصحيح إحنا ما بنتكلمش على الملف الفلسطيني إنما في غزة قتل 1300 فلسطيني والعالم كله اهتز ولازم نحاكم الإسرائيليين وأنا متفق مع هذا إنما كيف نستطيع أن نقول إنه إحنا نريد محاكمة الإسرائيليين في قتل 1300 نسمة ولا نريد محاكمة أي شخص أمام ثلاثمئة ألف نسمة؟! هنا التساؤل من يقوم بهذا الدور..


عبد الرحيم فقرا (مقاطعا): عفوا سأعطيك المجال لتطرح السؤال وتجيب عليه إنما خلال ذلك هل المسؤول في هذه القضية التي تتحدث عنها هو الحكومة السودانية أم الجسم العربي بأكمله الذي قد يجادل بأنه لم يعط من الأهمية لما ارتكب من جرائم في دارفور حينما كانت ترتكب القدر الكافي؟


محمود شريف بسيوني: شوف بدون شك فكرة المسؤولية دي هي يعني فكرة كبيرة، أين تبدأ المسؤولية؟ لا بد أن إحنا ننظر على الوقائع، قد تبدأ المسؤولية للمسؤول أو المحافظ لدارفور في الأول ثم تنتهي إلى وزير الداخلية ثم تنتقل إلى وزير الدفاع ثم في النهاية تنتقل إلى رئيس الدولة ثم تنتقل إلى العالم العربي والعالم الإفريقي والعالم الإسلامي يعني فكرة هذه المسؤولية الأدبية أو الإنسانية أو الدينية إن كنا نرغب في التحدث في القيم الإسلامية ولكن هنا نتحدث بالذات في المسؤولية الجنائية، في المسؤولية الجنائية هو من باب الأفضل بدون شك أن تكون مسؤولية جنائية في إطار النظام القضائي الوطني لكل دولة وهذا هو الأساس الذي بنيت عليه المحكمة الجنائية الدولية، هنا التساؤل هل السودان كان لديه الإمكانية أن يقوم بهذه المحاكمة؟ وهل كانت للحكومة السودانية النية في ذلك؟ أنا أعتقد أن الحكومة السودانية يعني أو النظام القضائي السوداني كان يستطيع أن يقوم بهذا الدور ولكن لم يكن هناك نية سياسية ولم يكن القضاء السوداني بالرغم من أنه قضاء عريق وله درجة كبيرة من الاستقلالية إنما كما نرى في كثير من الدول العربية والإفريقية هذا الاستقلال محدود.


عبد الرحيم فقرا: إذا كان القضاء محدودا في أي دولة من الدول -آخذ جوابك ثم أنتقل إلى السيد السفير في نيويورك- إذا كان هذا القضاء مستقلا إلى درجة عالية كما تقول بروفسور بسيوني لماذا سمح بمقتل ثلاثمئة ألف دارفوري واضطر العالم إلى التدخل في شؤون السودان للحديث عن هؤلاء؟ بصرف النظر عن الأجندة وراء هذه التدخلات.


محمود شريف بسيوني: شوف يعني من الناحية العملية النائب العام معين من رئيس الجمهورية، النائب العام لا يستطيع أن يبدأ في تحرك في أي دعوى إلا لو أخذ الموافقة السياسية من أعلى، النائب العام لم يحرك أي دعوى وحتى الآن لم تحرك إلا بعض التحقيقات وقرار اتهام لشخص واحد فقط، السودان لم يكن لديه القوانين الكافية ولذلك أصدرت قانونا العام الماضي يتضمن هذا القانون الإبادة البشرية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب لأن جرائم الحرب كانت موجودة في نظام الأحكام العسكرية وليس في النظام الجنائي، فكان هناك عجز في النظام القانوني لإمكان القيام بادعاءات. قامت السودان فعلا بإنشاء -كما قال سيادة السفير- بإنشاء محاكم خاصة إنما هذه المحاكم لم تحرك ولم يترك لها السماح وكانت السياسة الأفضل هي إذا حكومة السودان كانت قامت بدورها في التحقيق والمحاكمة الداخلية وبالتالي إبعاد تدخل المحكمة الجنائية الدولية.


عبد الرحيم فقرا: سيد السفير ما رأيك؟ الحكومة السودانية تخاذلت سياسيا في التعامل مع ملف دارفور قضائيا، ما رأيك؟


عبد المحمود عبد الحليم محمد: هذا كلام غير صحيح، أولا أود أن أصحح الأرقام التي تذكر وتأتي في وسائل الإعلام ثم يتلقفها الناس ويتحدثون وكأنها أمر واقع، مسألة ثلاثمئة ألف شخص هذه الإحصائيات بعيدة جدا عن الواقع، هذه الإحصائيات مأخوذة فقط من الإنترنت ومن المنظمات المعادية للسودان، في التقارير الخاصة بمنظمة الصحة العالمية مثلا هنالك حديث مؤكد بأن غالبية الذين لقوا حتفهم في دارفور كانوا ليسوا بسبب الحرب مباشرة وإنما بالأسباب المجاورة مثل الأمراض والأوبئة وخلاف ذلك فهذا العدد مبالغ فيه كثيرا وأرجو ألا يكون يؤخذ على أنه حقيقة واقعة ويتعامل معه الناس على هذا الأساس..


عبد الرحيم فقرا (مقاطعا): طيب لو سمحت لي سيد السفير قبل أن تواصل الحديث فقط إضافة هنا، هذا المنطق الذي تتحدثون به الآن ويتحدث به العديد من الناس في المنطقة قد يبدو أنه غريب ليس فقط على المنطق الغربي بل غريب أيضا حتى على المنطق الإسلامي الذي يحرم قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، فسواء كان العدد ثلاثمئة ألف أو ألف القتل حصل وكان يجب ألا يحصل.


عبد المحمود عبد الحليم محمد:  نعم لم نقل إن موت أي شخص هو انتصار أو.. نحن نؤمن بأن من أحيا نفسا فكأنما أحيا الناس جميعا ومن قتل نفسا بغير حق فكأنما قتل الناس جميعا، نحن نؤمن بذلك ونحن نراعي ذلك في كافة التحركات سواء العسكرية والقانونية أو خلافه، ولكن وددت القول بألا نضخم الأعداد، تضخيم الأعداد يعطي انطباعا خاطئا ويعطي انطباعا غير صحيح ويقود إلى مستخرجات ناقصة أو متحامل فيها، الحكومة السودانية..


عبد الرحيم فقرا (مقاطعا): طيب كم العدد بتقديركم السيد السفير بالتقدير الرسمي السوداني؟


عبد المحمود عبد الحليم محمد:  بالتقدير الرسمي لا يتجاوز العشرة آلاف بكل أسف لا يتجاوز ذلك بكل أسف ولكن حتى هذا العدد..


عبد الرحيم فقرا (مقاطعا): طيب حتى.. عفوا السيد السفير الفرق طبعا شاسع بين ثلاثمئة ألف وعشرة آلاف، لنفرض أن الرقم الرسمي السوداني هو الصحيح، لنفرض، وهناك العديد من الجهات حتى الرسمية في الولايات المتحدة في حتى في العالم العربي التي تقدر عدد الضحايا في دارفور بأعلى بكثير من العشرة آلاف، لنفرض أن عشرة آلاف هو العدد، هل تخاذلت الحكومة السودانية وتمادت في وضع سمح بمقتل عشرة آلاف من مواطنيها الذين يقولون نحن في نهاية المطاف بشر.


عبد المحمود عبد الحليم محمد: لم تقاتل الحكومة السودانية مواطنيها، هذا كلام غير صحيح، الحكومة كانت تدافع وتحمي المدنيين ضد هجمات المتمردين، أي حكومة عاقلة في العالم لا يمكن أن تقف بمنأى عن استخدام ما لديها من قوة لقمع التمرد الداخلي، هذا نجده في بريطانيا وفي الولايات المتحدة وفي إسبانيا وخلافه. الحديث حول أن هناك تواطؤ حكومي لقتل الناس هذا غير صحيح بكل حال من الأحوال ولذلك فالحكومة السودانية انطلاقا من مسؤولياتها أيضا أعطت السلام أولوية أعطت السلام لأن في السلام هو السلام أكبر قيم العدل وفي السلام نهاية لكافة صنوف هذا الاحتراب.

عبد الرحيم فقرا: داهمنا الوقت شكرا لك المندوب السوداني الدائم لدى الأمم المتحدة عبد المحمود عبد الحليم محمد انضم إلينا مشكورا من نيويورك، شكرا كذلك للبروفسور محمود شريف بسيوني من جامعة ديبول في شيكاغو. انتهت الحلقة، عنواننا الإلكتروني minwashington@aljazeera.net إلى اللقاء.

المصدر: الجزيرة