
التعارض بين خطابي المحرقة والنكبة
– رؤية وإسهامات فلسطينيي الداخل في عملية السلام
– مصير الفلسطينيين بين حل الدولتين ودولة الفصل العنصري
– توجهات الرأي العام والنخب الأميركية تجاه القضية الفلسطينية
![]() |
![]() |
![]() |
عبد الرحيم فقرا: مشاهدينا في كل مكان أهلا بكم جميعا في حلقة جديدة من برنامج من واشنطن. للحديث عن تعقيدات عملية السلام في الشرق الأوسط في الولايات المتحدة عدة مداخل بعضها سياسي بعضها ثقافي وبعضها الآخر تاريخي.
[مشهد من الفيلم الوثائقي بين الصالحين]
عبد الرحيم فقرا: هذا المشهد من الفيلم الوثائقي AMONG THE RIGHTEOUS أو "بين الصالحين" روايات مفقودة عن امتداد تأثير محرقة اليهود إلى بلدان العرب الذي عرضته في الآونة الأخيرة شبكة BBS الأميركية، صاحب الفيلم هو المؤرخ اليهودي الأميركي روبرت ساتلوف المدير التنفيذي لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، الوثائقي يرسم بالصوت والصورة ما كان قد وصفه ساتلوف في كتاب له صدر له عام 2006 تحت نفس العنوان. أحد أهم محاور الفيلم ما ينقله ساتلوف عن مصادر شمال إفريقية من أنه خلال الفترة النازية ونفوذها في بعض بلدان المنطقة خاطر بعض المسلمين هناك وعلى رأسهم ملك المغرب آنذاك محمد الخامس بحياتهم ومستقبلهم عندما عارضوا سرا أو علانية سياسات النازيين وحلفائهم من المستعمرين الفرنسيين إزاء اليهود.
[شريط مسجل]
أندريه أزولاي/ المستشار الخاص لملك المغرب محمد السادس: إنني فخور جدا بالدور الذي لعبه وطني في معارضة النازيين وإنقاذ اليهود من المحرقة، وللبرهنة أن دولة عربية ومسلمة كانت ملتزمة بقوة بإنقاذ حياة اليهود الذين لاحقهم النازيون والذين تعرضوا لأكبر الفجائع في تاريخنا المعاصر.
سيرج بيرديغو/ أمين عام مجلس الطائفة اليهودية بالمغرب: كانت حياة اليهود في المغرب ما بين عامي 1940 و1943 مضنية ومتزعزعة ولكن ليس بشكل أكبر من حياة المسلمين الذين كانوا أنفسهم ضحايا التمييز من قبل الأوروبيين.
[نهاية الشريط المسجل]
رؤية وإسهامات فلسطينيي الداخل في عملية السلام
عبد الرحيم فقرا: في تونس ينقل ساتلوف عن سيدة يهودية تدعى آن بوخريس كيف أن مسلما يدعى خالد عبد الوهاب أنقذ أسرتها من سياسات النازيين في مدينة المهدية، لكن ساتلوف يستغرب أيضا ما يصفه بحالة الذعر الذي يقول إنه يسود أوساط العرب ممن يقول إنهم لم يسمعوا أبدا باضطهاد اليهود في بلدانهم عندما يحدثهم عن ذلك. في خطاب له أمام مجلس الكنيست الإسرائيلي نهاية يناير من العام الحالي ندد العضو العربي ونائب الرئيس فيه أحمد الطيبي بمن ينكرون محرقة اليهود كما قال، لكنه أضاف "إن النازية سيدي الرئيس شطأت هناك في أوروبا، وقد قال المفكر الفرنسي ميشيل فوكو ذات يوم إن الأيديولوجية نتاج للحقبة الحديثة وأود أن أضيف أنه نتاج الغرب وليس نتاج الشرق". يسعدني أن أرحب بالسيد أحمد الطيبي الذي يزور واشنطن حاليا، دكتور الطيبي مرحبا بك.
أحمد الطيبي: أهلا وسهلا.
عبد الرحيم فقرا: بالنسبة لدلالة المحرقة عند اليهود خاصة اليهود الأشكنازي ودلالة النكبة عند العرب وعند الفلسطينيين تحديدا هل يمكن تحقيق سلام في ظل تعارض هذين الخطابين بتصورك؟
أحمد الطيبي: ليس شرطا أن يتم الحديث دائما عن تعارض دائم ولكن لا يمكن لهذه القضية أن تحل طالما بقينا ضحية الضحية بمعنى طالما أن اليهود ضحايا النازية امتهنوا مهنة القوي الذي يستعمل القوة والذي يتبع سياسة التمييز والعنصرية ضد ضحية جديدة هم الفلسطينيون في الأراضي المحتلة أو حتى الفلسطينيين المواطنين داخل إسرائيل، لذلك خلال هذا الخطاب الذي اقتبست منه قلت تحديدا أنتم الذين عانيتم من العنصرية في أوروبا وفعلا النازية وهي جريمة في كل المفاهيم من أضخم جرائم العصر الحديث تستند إلى العنصرية كفكر التي هي نتاج الغرب وليست نتاج الشرق أنتم يجب عليكم أن تنصتوا إلى آهات النساء في غزة وإلى أنين البيوت والأطفال الذين هدمت منازلهم، هذا أثار بعض الضجة في قاعة الكنيست لأنهم اعتقدوا أن هناك ربطا. ليس المقصود هو الربط ولكن الضحية هي الضحية الألم هو الألم ومن واكب ذلك النوع من الألم يجب عليه أن يكون أكثر تفهما للألم الحديث ولضحية العصر الآن نحن الفلسطينيين.
عبد الرحيم فقرا: دكتور طيبي هذا النقاش قد يوصف بأنه نقاش ثقافي فوق أرض أو فوق مستوى ما يدور على الأرض، هل يمكن للساسة سواء كانوا إسرائيليين أو فلسطينيين أو أميركيين ممثلين مثلا في إدارة الرئيس باراك أوباما أن يحلوا أو أن يصلوا بالأطراف إلى اتفاق للسلام يفضي إلى دولة فلسطينية دون أن يتعاملوا مع هذا الخطاب، سواء الخطاب حول النكبة أو حول محرقة اليهود الذي كما أشرت يوصف بأنه فوق ما يدور على أرض الواقع؟
أحمد الطيبي: لا يمكن التوصل إلى حل لهذه القضية دون الاعتراف بالآخر بآلامه وما حل به، ليس من مصلحتي كفلسطيني أو كمسلم أن أقول للآخر اليهودي لم يحصل لك شيء أنا لا أعترف بألمك ولكن لي موقف إنساني ضد الجريمة كنازية ضد النازية كأيديولوجية فكرية عنصرية بشعة راح ضحيتها مش بس يهود، يهود وروس وغجر، في أوروبا الملايين سقطوا من الروس، منافسون سياسيون قتلوا من خلال جرائم بشعة. أنا أقول أنا أريد للعالم أن ينصت لمعاناتي أن ينصت ويستمع ويتفهم ويتعاطف مع معاناة الفلسطيني لأنه ضحية العصر الحديث والقرن الحديث ولذلك أنا أنتقد الإسرائيلي وبشدة لأنه ينكر على الآخر الفلسطيني المعاناة بل أنه يعتبر أن الضحية الفلسطينية مسؤولة عن ألمها أو مسؤولة عن معاناتها. هناك من يتقمص دور الضحية تاريخيا حتى وهو يركب دبابة في نصف مخيم عسكر في نابلس أو في غزة، هذه الصورة الكاريكاتيرية لهذا الألم وإنكار الآخر يجب أن يتوقف. طبعا إذا تمترس كل في طرفه وامتهن دور الضحية يصعب كسر التفكير النمطي، في هنا تفكير نمطي يجب كسره. طبعا لا يمكن القول إنه يجب على المعسكرين أن يضع كل واحد تاريخه جانبا لكي نوقع على ورقة، هذا غير مطروح بتاتا ولذلك حسنا فعلت أنك ربطت ما بين العملية السياسية وما بين التاريخ، انظر ماذا فعل إيلي فيزن في رسالة في نيويورك تايمز وواشنطن بوست حول موضوع القدس، هو جند الهولوكوست والمحرقة لأن يطلب من الرئيس باراك أوباما أن يترك موضوع القدس جانبا لأن القدس يهودية ورد ذكرها في التوراة ولم يرد ذكرها في القرآن كما قال جاهلا ونافيا حقائق تاريخية، وهو الذي يجب أن يندد به الذي يعتقد أنه الضحية الوحيدة في التاريخ كانت ولم تتكرر.
عبد الرحيم فقرا: مفهوم، على ذكر الرئيس باراك أوباما، طبعا الرئيس باراك أوباما يتعرض لحملة من بعض الأوساط اليهودية هنا في الولايات المتحدة كما أنه يتلقى كثيرا من الدعم من قطاعات يهودية أخرى في المجتمع الأميركي، بالنسبة لكم أنتم كعرب في إسرائيل هل الإدارة الأميركية تصغي لما قد يكون لكم من تصور لإسهاماتكم في التوصل إلى حل أم أن هذه الإدارة لا تزال منكفية على الاستماع إلى الفلسطينيين في الضفة الغربية وإلى العرب في مناطق أخرى؟
أحمد الطيبي: هناك عدم معرفة من الغرب بشكل عام لتفاصيل حياة الأقلية العربية الفلسطينية في الداخل ولكن أنا أرى مؤخرا، أولا نحن صعدنا جهدنا مؤخرا لكشف العالم على ما يجري من سياسات تمييزية عنصرية ضدنا داخل إسرائيل وعلى الديمقراطية الانتقائية الإسرائيلية اللي هي ديمقراطية لليهود وسياسة تمييز عنصري ضد العرب، هذه الدعوة التي تلقيتها لإلقاء سلسلة من المحاضرات في معاهد الأبحاث في واشنطن والجامعات أعتقد أنها دليل إيجابي على رغبتهم في أن يستمعوا لنا، هذا لم ينتقل بعد إلى صانعي القرار في الكونغرس أو في البيت الأبيض أو الخارجية الأميركية مع أننا تلقينا دعوات لزيارة الكونغرس في الأشهر القادمة ولكن ما من شك في أن اللوبي اليهودي واللوبي الصهيوني هنا في واشنطن يكرس روايته ليس فقط فيما يتعلق بالأراضي الفلسطينية المحتلة عام 67 والاستيطان، أيضا هو ينفي عنا تهمة أن نكون ضحية لسياسات عنصرية ولذلك الحقائق التي نكشفها هنا تفاجئ الجمهور الأميركي والنخبة بشكل خاص وتصعّب على اللوبي اليهودي واللوبي الصهيوني دوره في أن يضع إسرائيل دائما في خانة الجيد ونحن في خانة السيء.
عبد الرحيم فقرا: طيب ما هو الدور، إذا ذهبتم إلى إدارة الرئيس باراك أوباما أنتم كعرب من الداخل من داخل إسرائيل إذا ذهبتم إلى الرئيس باراك أوباما وقلتم له نعتقد أن لدينا إسهامات يمكن أن تساعدك في إيصال الفلسطينيين والإسرائيليين إلى تسوية، ما هي ملامح أو معالم ذلك الإسهام؟
أحمد الطيبي: أولا ربما نحن الأكثر اهتماما ومصلحة في أن يتم التوصل إلى تسوية تاريخية أولا لأننا جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني ونحن فلسطينيون يعني معارضتنا ونضالنا ضد الاحتلال ينبع من كوننا فلسطينيين، ثانيا نحمل المواطنة داخل إسرائيل ولذلك اهتمامنا أيضا هو نضال سياسي ووطني من جهة أخرى. العالم كله يتحدث عن حل الدولتين، نحن نقول يجب أن يطرح أمام نتنياهو -وهذا ما قلته هنا أمام الجمهور الأميركي- عدة خيارات ليس خيارا واحدا، أولا أنا لا أصدق بنيامين نتنياهو عندما يقول إنه يؤيد حل الدولتين، بعد خطابه في بارإيلان أنا قلت أنا لا أصدق بنيامين نتنياهو، أنا أقول ذلك..
عبد الرحيم فقرا (مقاطعا): إنما أنت دكتور أحمد الطيبي هل ما زلت تعول على حل الدولتين؟
أحمد الطيبي: هذا ما أريد أن أقوله وما قلته في معهد دراسات الشرق الأوسط وأنا قادم إلى هنا، يجب أن يطرح خيار الدولتين على الجانب الإسرائيلي حكومة شعب رأي عام ولكن كل يوم يمر والاستيطان مستمر والسياسات الإسرائيلية مستمرة بلا توقف وبلا تغير يجعل من الصعب إقامة دولة فلسطينية تجسيدا لحل الدولتين، إذاً نحن نقول من يضع العراقيل أمام حل الدولتين وهو الجانب الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يجعل من الضروري أن يكون على الطاولة الخيار الآخر خيار دولة ديمقراطية واحدة يعيش الجميع فيها بشكل متساو، one man on vote، هذا كابوس بالنسبة للإسرائيلي هذا الحل كابوس بالنسبة للإسرائيلي ولكن نقول له إذا أردت دولتين أهلا وسهلا، دولتان على كامل الأراضي التي احتلت عام 67 وعاصمتها القدس، ليس دولة قزمة دولة..
عبد الرحيم فقرا (مقاطعا): لو سمحت لي على ذكر مسألة الكابوس، الإدارة الأميركية الحالية كانت في بدايتها على الأقل قد بدأت تتحدث عن دولة يهودية كما كان قد طالب بذلك بنيامين نتنياهو في الأمم المتحدة، نسمع -لست أدري إن كان الكلام دقيقا أو غير دقيق- لكن نسمع عن أن على الأقل بعض الناس في إسرائيل يفكرون في مسألة تهجير الفلسطينيين من داخل إسرائيل، هل يمثل ذلك كابوسا بالنسبة لكم؟ هل هو حتى من باب الواقعية؟
أحمد الطيبي: أهمية طرح نقطة يهودية الدولة هي كبيرة، لماذا يريد بنيامين نتنياهو أن يفرض على منظمة التحرير -وقبله تسيبي ليفني على فكرة- أن يقبلوا إسرائيل دولة يهودية؟ لسببين، أولا لكي يمنع مجرد طرح قضية حق العودة على طاولة المفاوضات، ثانيا لتكريس التمييز العنصري ضدنا كفلسطينيين في الداخل في داخل إسرائيل. إسرائيل تعرف نفسها -على فكرة إسرائيل لا يوجد لديها دستور، في هناك قانون أساس- القانون الأساس في إسرائيل يقول إن إسرائيل دولة يهودية وديمقراطية، انظر: يهودية قبل الديمقراطية، وهذا ليس صدفة، أنا أقول في تناقض بين الكلمتين، في تناقض بين أن تكون ديمقراطيا تؤمن بالمساواة -الديمقراطية أساسا مساواة- وأن تعرف نفسك تعريفا إثنيا دينيا يهوديا، عندما تقول إن الدولة هي يهودية معناته اليهودي يتفوق وأفضل من غير اليهودي، تحديدا موشيه أفضل من أحمد, أنا لا أقبل ذلك لا أستطيع أن أتعايش مع ذلك لا أستطيع أن أقبل بتعريف يجعل طرفا آخر أفضل مني فقط لكوني عربيا أو فلسطينيا، وهذا ما نشرحه للعالم، لا يمكن أن تقول لإسرائيل أنت دولة يهودية، عندما قلنا إنه في هناك اعتراف بإسرائيل هناك اعتراف بفكرة الدولتين بدولة إسرائيلية ودولة فلسطينية، ليس دولة يهودية، التعريف العرقي يرسخ التمييز العنصري ضد كل من هو غير يهودي.
عبد الرحيم فقرا: لدي سؤال أخير دكتور الطيبي، بالنسبة لمسألة الخلاف الذي طفا إلى السطح بين حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وإدارة الرئيس باراك أوباما في الفترة الأخيرة، هل تنظرون إلى هذا الخلاف على أساس أنه تذبذب تكتيكي في العلاقة بين البلدين أم أنكم كعرب داخل إسرائيل تنظرون إليه على أساس أنه خلل إستراتيجي الآن في العلاقة بين الطرفين؟
أحمد الطيبي: هناك خلاف ارتقى إلى مستوى التنديد اللفظي والتحفظ اللفظي من الإدارة الأميركية والبيت الأبيض تجاه بنيامين نتنياهو، من الواضح في هناك انعدام ثقة بين الرئيس باراك أوباما وبنيامين نتنياهو ولكن الخلاف لم يتعد ذلك، نحن نتحدث عن مواقع إستراتيجية وحتى هذه اللحظة التحفظ الأميركي لم يرتق إلى درجة الضغط، هناك أدوات لأن تقوم أميركا بتغيير سياسة بنيامين نتنياهو، هي تطالبه بالتغيير ولكن لا تفعل شيئا من أجل التغيير، مثلا بإمكانها دبلوماسيا أن توقف استعمال حق النقض الفيتو بشكل أوتوماتيكي في مجلس الأمن تحديدا في موضوع الاستيطان الذي تعارضه الولايات المتحدة لفظيا وبشدة مؤخرا، أو اقتصاديا لماذا لا يتم منع البضائع المنتجة في المستوطنات الإسرائيلية من التداول في الأسواق الأميركية مثلها مثل الأسواق البريطانية أو في أوروبا؟ طالما لم يكن في هناك خطوات فعلية نتنياهو لن يغير موقفه لأنه لا يدفع ثمن مواقفه المتعنتة من جهة والتي تقوم على رفض فكرة الدولتين بالرغم من قبوله اللفظي المزيف وغير المصداق لهذه الرؤية.
عبد الرحيم فقرا: دكتور أحمد الطيبي شكرا لك.
أحمد الطيبي: شكرا لك.
عبد الرحيم فقرا: أشكرك وأودعك في نهاية هذا الجزء من البرنامج. استراحة قصيرة ثم نعود.
[فاصل إعلاني]
مصير الفلسطينيين بين حل الدولتين ودولة الفصل العنصري
عبد الرحيم فقرا: أهلا بكم إلى الجزء الثاني من برنامج من واشنطن.
[شريط مسجل]
جون ميرشايمر: إن بروز انتفاضة جديدة تتسم بالعنف ستقوض دعم الغرب للقضية الفلسطينية وهو أمر مهم لكسب حرب الأفكار التي هي في نهاية المطاف ميدان المعركة الذي سيحدد مستقبل فلسطين.
[نهاية الشريط المسجل]
عبد الرحيم فقرا: كان ذلك البروفسور جون مرشايمر الذي اشترك مع زميله البروفسور ستيف والت في تأليف كتابهما الشهير "اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأميركية" وقد أثار الكتاب لدى صدوره قبل بضعة أعوام حفيظة العديد من الجهات الأميركية التي تناصر السياسة الإسرائيلية. وكان ميرشايمر يتحدث في المركز الفلسطيني في واشنطن عن السياسة الأميركية في الشرق الأوسط بما فيها حل الدولتين.
[شريط مسجل]
جون ميرشايمر: خلافا لتمنيات إدارة الرئيس باراك أوباما ومعظم الأميركيين وبينهم يهود لن تسمح إسرائيل للفلسطينيين بالحصول على دولة قابلة للحياة في الضفة الغربية وقطاع غزة كما أن حل الدولتين تحول إلى خيال في الوقت الحاضر.
[نهاية الشريط المسجل]
عبد الرحيم فقرا: في لقاء خاص مع الجزيرة شرح ميرشايمر الأسباب التي تحمله على القول إن حل الدولتين قد مات.
[شريط مسجل]
جون ميرشايمر: أعتقد أن حل الدولتين قد مات لأن الإسرائيليين غير قادرين على المضي قدما في هذا الخيار، هذا ينطبق بشكل خاص على حكومة نتنياهو، رئيس الوزراء نتنياهو وجميع مستشاريه ليس لديهم أي مصلحة في تحقيق حل الدولتين، وأقوى ورقة لديهم هي أن اللوبي الإسرائيلي هنا في الولايات المتحدة سيدعم سعيهم في إنشاء إسرائيل الكبرى بدلا من السعي إلى حل الدولتين، وهذا يعني أنه يستحيل على الرئيس أوباما الذي يدعم حل الدولتين أن يمارس أية ضغوط ذات بال على إسرائيل لتعطي الفلسطينيين دولة خاصة بهم.
عبد الرحيم فقرا: هل تقول إن الرئيس أوباما يعرف أن حل الدولتين قد مات لكنه يتمادى في الدفاع عنه؟
جون ميرشايمر: أعتقد أن أوباما يدرك لأنه رجل ذكي جدا أن التوصل إلى حل الدولتين هو أفضل نتيجة لإسرائيل والفلسطينيين وخصوصا الولايات المتحدة وهذا سبب إصراره في هذا الاتجاه، لو كان له أن يكون صادقا معنا لقال إنه يعتقد أن هناك فرصة معقولة، مجرد فرصة معقولة لتحقيق حل الدولتين وبالنظر إلى أن الحل البديل وهو دولة الفصل العنصري هو حل بغيض فهو يبذل كل ما بوسعه لدفع حل الدولتين ولكني متأكد أن لدى أوباما دراية كافية تعلمه أن فرصه في النجاح ضعيفة في هذه المرحلة.
عبد الرحيم فقرا: لكن إذا اعترف الرئيس أوباما بموت حل الدولتين ألا يعني ذلك أنه سيكون مجبرا على إدخال السياسة الخارجية لبلاده في مأزق؟
جون ميرشايمر: سبب عدم تخليه عن حل الدولتين ليس مجرد اعتقاده أن هناك فرصة معقولة لنجاح هذا الحل، إذا تخلى عن حل الدولتين يتعين عليه حينها أن يعترف أن إسرائيل تتحول إلى دولة فصل عنصري وسيمثل ذلك إحدى أكبر المفارقات في التاريخ أن أول رئيس أميركي أسود ساعد إسرائيل في أن تكون دولة فصل عنصري وبالتالي هو لا يريد أن يفتح هذا الباب. وما أريد أن أقوله اليوم هو إننا ماضون في هذا الاتجاه، الإسرائيليون مصرون على تدمير الذات الإسرائيليون يعكفون على إقامة دولة الفصل العنصري ويبدو أن ليس بوسع الرئيس أوباما أن يفعل شيئا لمنع ذلك.
عبد الرحيم فقرا: لكن في نفس الوقت الذي تقول فيه إن إسرائيل تتحول إلى دولة فصل عنصري تقول إن ذلك ليس أمرا سيئا بالضرورة لأنه سيقود في النهاية إلى قيام دولة واحدة لشعبين يتحكم الفلسطينيون في زمامها.
جون ميرشايمر: ما من شك أنه في المدى الطويل للفلسطينيين مصلحة أكبر في تأسيس إسرائيل الكبرى مما هو عليه في إنشاء دولتين لأنهم سيتمكنون في نهاية المطاف من السيطرة على إسرائيل الكبرى التي ستكون دولة يسيطر عليها الفلسطينيون، لكن المشكلة من وجهة النظر الفلسطينية هي الحقبة الزمنية الفاصلة بين هذه اللحظة وتلك والتي ستكون مليئة بالعذاب إذ أن الإسرائيليين سوف يستمرون في الاعتداء عليهم، علاوة على ذلك هناك احتمال كبير -وأنا لا أقول إنه من المرجح- ولكنه هناك احتمال جدي بأن يحاول الإسرائيليون تطهير الدولة من الفلسطينيين، سيحاولون عاجلا وليس آجلا تكرار ما فعلوه عام 48 عندما طردوا نحو سبعمائة ألف فلسطيني.
عبد الرحيم فقرا: لكن إذا سمعك فلسطيني تتحدث عن دولة واحدة لشعبين يتحكم الفلسطينيون بزمام أمورها في نهاية المطاف ما الذي يمنعهم من التنحي جانبا لكي تأخذ الحتمية التاريخية مجراها الطبيعي؟
جون ميرشايمر: هناك عدد لا بأس به من الفلسطينيين ينظرون إلى الأمور بهذا الشكل، مثلا علي أبو نيبة يعتقد أساسا أن حل الدولة الواحدة هو الأفضل وهو لا يدعم فكرة الدولتين، وأنا متأكد من أن هناك عددا لا بأس به من الفلسطينيين يتفقون معه حول هذه الرؤية، أعتقد أن الحل الأفضل لهم هو حل دولة واحدة تكون في البداية دولة فصل عنصري ثم في نهاية المطاف دولة يسيطر عليها الفلسطينيون.
عبد الرحيم فقرا: هل يعني ذلك أن على الفلسطينيين أن ينتظروا من التاريخ أن يقوم مقامهم؟
جون ميرشايمر: سؤالك يفترض أن الفلسطينيين لديهم الكثير من السيطرة على مصيرهم، أنا أعتقد أن الفلسطينيين في هذه المرحلة ليس لديهم الكثير من السيطرة وأعتقد أن الإسرائيليين كما يقول كيفا إيلدر هم أمراء الأرض وهم يجلسون في قمرة القيادة ويقودون هذا القطار في اتجاه إقامة دولة الفصل العنصري وليس لدى الفلسطينيين خيار غير ركوب القطار، مع ذلك أعتقد أن دولة الفصل العنصري غير مستدامة وعلى الفلسطينيين أن يبذلوا كل ما هو متاح لتحويل دولة الفصل العنصري إلى دولة ديمقراطية، سيكون ذلك من مصلحتهم لأنهم بذلك سيسيطرون على تلك الدولة لأن عدد الفلسطينيين بين نهر الأردن والبحر المتوسط سيفوق عدد اليهود الإسرائيليين.
عبد الرحيم فقرا: للإسرائيليين تفوق عسكري على العرب مجتمعين لكن هل ترى أي سيناريو يتم فيه اللجوء إلى الحرب لانتزاع تنازلات حقيقية من الإسرائيليين؟
جون ميرشايمر: كلا، أنا لا أتوقع ذلك على الإطلاق ولكني أعتقد أنه من الممكن أن يحدث للإسرائيليين تجل مفاجئ في مرحلة ما تظهر لهم أن إنشاء إسرائيل الكبرى فكرة كارثية ويتحولون عندها إلى حل الدولتين، أظن أن هذا الأمر غير مرجح لكنه ممكن، لكنني لا أعتقد أن هناك أي شيء يمكن للدول العربية في المنطقة أن تفعله لدفع الإسرائيليين في هذا الاتجاه، أعتقد أن الأمر يتوقف فقط على قدرة الإسرائيليين على الرجوع إلى رشدهم.
عبد الرحيم فقرا: ماذا عن الإسرائيليين؟ لديهم تفوق عسكري لكن هل عندهم القدرة العسكرية على الغزو والاحتفاظ بأراض يقومون بغزوها؟
جون ميرشايمر: لا أعتقد أن الإسرائيليين يرغبون في افتكاك المزيد من الأراضي العربية، أعتقد أن همهم الرئيسي في هذه المرحلة هو الحفاظ على الأراضي التي احتلوها عام 67، نحن نتحدث اليوم عن الضفة الغربية وقطاع غزة ولكن هناك أيضا مرتفعات الجولان، السوريون يريدون استرجاع الجولان وجميع الأراضي التي فقدت في حزيران/ يونيو 67 وإنهم على استعداد لصنع السلام مع الإسرائيليين للحصول على تلك الأرض مرة أخرى ولكن بطبيعة الحال الإسرائيليين لا يريدون تسليم تلك الأراضي ويريدون الاحتفاظ بمرتفعات الجولان مثلما يريدون الاحتفاظ بالضفة الغربية.
توجهات الرأي العام والنخب الأميركية
تجاه القضية الفلسطينية
عبد الرحيم فقرا: كيف تنظر إلى تفاعل اليهود الأميركيين فيما بينهم حول قضية إسرائيل؟
جون ميرشايمر: منذ خمسة أو ستة أعوام عندما بدأ الأميركيون اليهود وغير اليهود يجادلون أن إسرائيل بدأت تتحول إلى دولة فصل عنصري كان اللوبي ينعت هؤلاء بأنهم معادون للسامية إذا كانوا من غير اليهود أو يهودا كارهين للذات إذا كانوا يهودا، وكانوا ينزلون عليهم كحجارة من سجيل ولا يدخرون جهدا في تهميش أصواتهم داخل أميركا ولكن مع مرور الوقت ما حدث هو أن شخصيات إسرائيلية مرموقة بدأت تقول نفس الكلام، أنا أذكّر الجميع كلما استطعت أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت قال إذا لا نطبق حل الدولتين فإن إسرائيل ستتحول إلى دولة شبيهة بجنوب إفريقيا وهو يعني طبعا دولة فصل عنصري وقد أضاف أنه إذا ما حصل ذلك فإن ذلك سيكون نهاية إسرائيل لأنه يفهم طبعا أن الدفاع عن دولة فصل عنصري أمر شبه مستحيل في الغرب في هذا الزمن، أليس كذلك؟ وما قلته في محاضرتي في مركز فلسطين وما أقوله في كتاباتي وما قاله ستيف والت وما قاله جيمي كارتر هو نفس الكلام الذي قاله إيهود أولمرت بالتالي ما يحصل الآن هو أن بعض الإسرائيليين بدؤوا يعطون شرعية لما قاله بعض الأميركيين من اليهود ومن غيرهم ممن كانوا يعتبرون خارجين عن السرب وهذه الفكرة بدأت تصبح الآن خطابا سائدا في الولايات المتحدة.
عبد الرحيم فقرا: أسوأ ما يمكن أن يوصف به شخص كإيهود أولمرت عند اليهود هو أن يوصف بأنه يهودي يكره نفسه لكن بالنسبة لك أنت، أنت لست يهوديا، قد توصف بمعاداة السامية، ما حجم هذه المشكلة لك ولغيرك في الولايات المتحدة؟
جون ميرشايمر: أعتقد أن تهمة معاداة السامية أو كره الذات قد فقدت الكثير من وزنها لأن اللوبي يغالي في استعمالها لإسكات كل الأصوات التي لا يريدون الإصغاء إليها بالتالي عندما يطلق على أحدهم معاد للسامية لا تعني الشيء الكثير، هذا لا يعني على الإطلاق أن معاداة السامية ليست مسألة جدية بل إنها مسألة جدية للغاية، ما نقوله هنا هو الاستخدام الفضفاض لهذه التهمة لإسكات أي انتقاد لإسرائيل وقد فقد هذا التكتيك من فاعليته.
عبد الرحيم فقرا: إذا كان الرؤساء الأميركيون بمن فيهم باراك أوباما يخافون من تأثير الإيباك كما تقول أنت، قد يجادل أيضا أن الأميركيين عموما يشعرون بتقارب وجداني مع الإسرائيليين فهل الكلام عن إيباك يروي القصة كاملة؟
جون ميرشايمر: هذه أسطورة صنعها اللوبي تحديدا لخلق الانطباع أن اللوبي ليس له تأثير على سياسات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ولكن إذا رجعت إلى بيانات سبر الآراء الخاصة بنظرة الأميركيين إلى إسرائيل ونظرتهم إلى الفلسطينيين ليس هناك من مجال لزعم أن علاقتنا الخاصة مع إسرائيل ترتكز على الرأي العام الأميركي.
عبد الرحيم فقرا: جيمس جونز مستشار الأمن القومي للرئيس أوباما قال في الآونة الأخيرة إن هناك تقاربا وجدانيا بين الأميركيين والإسرائيليين بل شبه استقلال الولايات المتحدة بما وصفه باستقلال إسرائيل.
جون ميرشايمر: ليس للجنرال جونز خيار غير التقرب من الجالية الأميركية اليهودية ومحاولة إرضائها، تلك هي مهمته، الجنرال جونز لا يمكنه أن يتحدث بصراحة عن العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة كما ليس بإمكانه أن يتحدث بصراحة عن تاريخ إسرائيل، لو فعل ذلك لجلب المصاعب لإدارة أوباما بالتالي أنا لا أبالي بما يقوله الجنرال جونز. لطالما جادل الإسرائيليون بأن إسرائيل وأميركا لديهم قيم مشتركة، هذه طبعا أسطورة اختلقوها لتحصين العلاقة الخاصة، نحن نتقاسم بعض القيم ولكن فيما يخص القيم الجوهرية هناك فروق شاسعة بين الولايات المتحدة وإسرائيل فإسرائيل دولة يهودية بينما الولايات المتحدة ليست دولة مسيحية بل هي دولة ليبرالية، هنا نحن نعامل كل المجموعات الدينية على قدم المساواة في كنف الفصل بين الدين والدولة ولا يهم الدولة أن تكون يهوديا أو مسيحيا أو مسلما أما في إسرائيل فهناك دولة يهودية تميز ضد غير اليهود من المسلمين والمسيحيين نظريا وتطبيقيا، إسرائيل ليست دولة ليبرالية بالتالي ففكرة أن لدينا قيما مشتركا هي فكرة خاطئة على أبسط المستويات.
عبد الرحيم فقرا: لكن هناك عددا كبيرا من الإسرائيليين من أصول أميركية وبالتالي قد يقال إنهم يوفرون أرضية للقيم المشتركة بين الشعبين.
جون ميرشايمر: إنهم يجدون أرضية مشتركة دون شك، إذا نظرت إلى استطلاعات الرأي تجد أن معظم الأميركيين يتعاطفون نوعا ما مع إسرائيل، هم ليسوا ضد إسرائيل لكن السؤال الذي علينا أن نطرحه هو ما إذا كان الأميركيون يتعاطفون مع إسرائيل إلى حد يفسر هذه العلاقة الخاصة؟ الجواب : كلا. دعني أسق لك معلومة بالغة الخطورة، استطلاعات الرأي تشير إلى أن 75% من الأميركيين يعتقدون أن الولايات المتحدة يجب ألا تنحاز لإسرائيل ولا للفلسطينيين في نزاعهما، تفكّر في هذا، ثلاثة أرباع الشعب الأميركي يعتقد أننا يجب ألا ننحاز للإسرائيليين ضد الفلسطينيين.
عبد الرحيم فقرا: إلى أي مدى تعتقد أن مسألة محرقة اليهود قد استغلت في الولايات المتحدة لحشد الدعم لسياسات إسرائيل؟
جون ميرشايمر: ليس لدي أدنى شك أن الإسرائيليين ومسانديهم من الأميركيين استخدموا وبشكل متواصل مسألة المحرقة لتوفير الغطاء لسياساتهم الوحشية ضد الفلسطينيين، أعتقد أن العديد من الفلسطينيين والعديد من العرب الأميركيين والأميركيين المسلمين حاولوا فعل ذلك واستعمال تلك الفكرة ولكن الطرح صعب.
عبد الرحيم فقرا: لماذا؟
جون ميرشايمر: لأن وسائل الإعلام السائدة لا تريد أن تسمع تلك الحجة.
عبد الرحيم فقرا: لماذا؟
جون ميرشايمر: لأن وسائل الإعلام السائدة منسجمة مع الرواية الإسرائيلية وهي تريد التركيز على معاناة اليهود وخصوصا على المحرقة.
عبد الرحيم فقرا: ما حجم التحدي الذي يواجهه العرب والمسلمون الأميركيون في هذا الشأن بسبب تصريحات الرئيس الإيراني مثلا الذي ينكر المحرقة؟
جون ميرشايمر: المشكلة مع الرئيس أحمدي نجاد هو أنه ينكر وقوع المحرقة وذلك سحب البساط تحت أقدام أي شخص أراد أن يقول إن المحرقة تستعمل كغطاء لما تقوم به إسرائيل للفلسطينيين لأنك عندما تفعل ذلك فإنك تعطي الانطباع أنك أنت أيضا تنكر المحرقة بالتالي الرئيس أحمدي نجاد ألحق ضررا كبيرا ليس للحقيقة فحسب بل ألحق ضررا بالغا للفلسطينيين، إن موضوع المحرقة ليس له علاقة بما تفعله إسرائيل بالفلسطينيين، هاتان مسألتان مختلفتان تماما.
عبد الرحيم فقرا: لماذا تقبل العديد من وسائل الإعلام الأميركية بتلك الفكرة، هل بسبب الدعاية الإسرائيلية أم لأن هناك تقاربا وجدانيا حقيقيا بين الشعبين؟
جون ميرشايمر: من الصعب ألا نركز على المحرقة ما دام الإسرائيليون واليهود الأميركيون يتحدثون عنها، إنها إحدى أكبر الجرائم في العصر الحديث وهي ستواصل جلب انتباه القراء لجريدة النيويورك تايمز والـ LA تايمز والواشنطن بوست وبالتالي فالأمر طبيعي. برأيي يتعين على الفلسطينيين والعرب الأميركيين أن يقولوا إنهم يفهمون أن ما حصل لليهود بين عامي 1939 و1945 كان أمرا فظيعا، وهم لا ينكرون ذلك بأي شكل من الأشكال لكن الواقع هو أن أولا هذا الأمر ليس له علاقة بما يفعله الإسرائيليون بالفلسطينيين اليوم، في الحقيقة في هذه الحالة يلعب الإسرائيليون دور المعتدي في حين أنهم كانوا ضحايا المحرقة، ثانيا على الفلسطينيين والعرب الأميركيين أن يقولوا إن الإسرائيليين يستخدمون هذا الأمر للتغطية على الجرائم التي يرتكبونها ضد الفلسطينيين.
عبد الرحيم فقرا: عودة إلى مسألة النسيج الأخلاقي للمجتمع الأميركي الذي تحدثت عنه في محاضرتك، تقول إذا تحولت إسرائيل إلى دولة فصل عنصري فلن يدعمها العديد من الأميركيين. العديد من الأميركيين دعموا غزو العراق مثلا.
جون ميرشايمر: عليك أن تتذكر أن بالنسبة للعراق تحول الرأي العام ضد الحرب في نهاية المطاف.
عبد الرحيم فقرا: لأن النتيجة لم ترضهم.
جون ميرشايمر: صحيح وهذا ما سيحدث تماما في الحالة الإسرائيلية، سيتحول الرأي العام ضد إسرائيل مع مرور الوقت لأنه سيتضح أكثر فأكثر لأعداد متزايدة من الأميركيين أن إسرائيل باتت دولة فصل عنصري وسترى قدرا كبيرا من النضال الشعبي هنا وفي غرب أوروبا وسوف ينتقل التأثير إلى الأعلى شيئا فشيئا.
عبد الرحيم فقرا: ولكن في العراق -مرة أخرى- انقلبت موجة التعاطف ضد الحرب ليس بالضرورة لأن الناس اعتقدوا أنها كانت غير أخلاقية أو خاطئة وقد يتكرر الشيء نفسه في حالة ما إذا تحولت إسرائيل كما تقول أنت إلى دولة فصل عنصري، قد يقول البعض إن ذلك شر لا بد منه ويقتنعوا بذلك.
جون ميرشايمر: بداية، المقارنة بين الحرب في العراق وتحول إسرائيل إلى دولة فصل عنصري هي مقارنة شبه مستحيلة بالتالي ليس بوسعي أن أقول إن ما حدث في العراق سيتكرر في حالة إسرائيل لأنهما حالتان مختلفتان، ولكن ما أقوله هو أنه مع مرور الزمن سيتضح لمزيد من الأميركيين أن إسرائيل تتحول إلى دولة فصل عنصري، ليس هناك شك أن اللوبي سوف يبذل قصارى جهده وخصوصا أولئك الذين أسميهم الأفريكانرز الجدد وهم المتشددون داخل اللوبي سيبذلون قصارى جهدهم للدفاع عن إسرائيل وإنكار أنها دولة فصل عنصري وسيقولون أيضا إن كل شخص يقول إن إسرائيل دولة فصل عنصري هو معاد للسامية، لقد شهدنا هذه المسرحية مرارا وتكرارا لكننا الآن نقترب من نقطة يصعب فيها إنكار أن إسرائيل تتحول فعلا إلى دولة فصل عنصري.
عبد الرحيم فقرا: مواقفك هذه سيكون لها صدى صادق وقوي في نفوس العرب والمسلمين لكن الإسرائيليين سيقولون إنها دعاية ضدهم، هل يمثل ذلك مشكلة لك؟
جون ميرشايمر: إلى حد ما ولكن مرة أخرى يجب ألا نستهين بحقيقة أن رئيس الحكومة الأسبق إيهود أولمرت ورئيس الحكومة الأسبق إيهود باراك أيضا كلاهما صرحا أنه في غياب حل الدولتين فإن إسرائيل ماضية في اتجاه دولة فصل عنصري، تلك هي الرسالة التي كان يرسلها جيمي كارتر منذ ثلاث سنوات عندما تعرض إلى صعوبات جمة أما اليوم فقد أصبح انتقاد جيمي كارتر أكثر عسرا بعد ما قاله أولمرت وباراك، هذا هو المشكل الأساسي الذي تواجهه إسرائيل، لقد أصبح ما يجري هناك واضحا بشكل يجعل من المستحيل إنكار الحقيقة، هذا لا يعني أن اللوبي سيبقى مكتوف اليدين بل سيحاولون قصار جهدهم للمجادلة أنها ليست دولة فصل عنصري، الإسرائيليون يحسنون إلقاء اللوم على الضحية أي الفلسطينيين، كلما كانت هناك مشكلة يلقون اللوم على الفلسطينيين وسيتمادون في ذلك، الأفريكانرز الجدد سيتمادون في فعل ذلك. المشكلة هي أن أعدادا كبيرة من الشعب الأميركي فهمت اللعبة وهم الآن يفهمون ما يجري وأصبح من الصعب على الأفريكانرز الجدد مخادعة الشعب الأميركي بأسره، منذ عشر أو عشرين سنة معظم المثقفين من النخبة وأنا منهم لم نكن نفهم أساسيات النزاع العربي الإسرائيلي، لقد كنا نعتقد بشكل عام أن الإسرائيليين كانوا طيبين وأن الفلسطينيين كانوا أشرارا، لقد كنا نتعاطف بقوة مع الإسرائيليين وليس مع الفلسطينيين، لقد انحسر الخطاب الذي كان سائدا حينها ويزداد عدد الأميركيين الذين يفهمون حقيقة ما في الأمر.
[نهاية الشريط المسجل]
عبد الرحيم فقرا: البروفسور جون ميرشايمر من جامعة شيكاغو. انتهى البرنامج، عنواننا الإلكتروني minwashington@aljazeera.net