
نظرية الاقتصاد غير الرسمي للفقراء
– رأسمالية الفقراء واستثمار الثروات الميتة
– الثروات الخامدة في مصر وكيفية استغلالها
– الانتقادات بين الأفكار المغلوطة وأوهام الرأسمالية
حافظ المرازي: مرحبا بكم معنا في هذه الحلقة من واشنطن والتي نستضيف فيها شخصية واحدة على غير عادتنا في البرنامج، هو اقتصادي عالمي وصفه الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون بأنه أكثر اقتصادي أهمية في العالم على قيد الحياة وصفته مجلة تايم الأميركية بأنه أحد أهم خمسة مبتكرين من أميركا اللاتينية منذ بداية القرن العشرين، استعان بخبرته أكثر من ثلاثين زعيم ورئيس دولة من بوتن وتشافيز في روسيا وفنزويلا إلى مبارك وبوتفليقة في مصر والجزائر، إن نظريته تقوم على أساس أن دول الثالث لديها ثروة وأرصدة طائلة لكنها غير موثقة أو رسمية بشكل يحولها إلى أرصدة حية في يد الفقراء الحائزين على تلك الأصول والحيازات، لذا هو بالنسبة لمؤيديه من اليسار الرجل الذي قدم حلول عملية لمكافحة الفقر في العالم ولمؤيديه من اليمين الرجل الذي برع في تسويق الرأسمالية للفقراء أما منتقدوه فيرون في سبب شهرته واتصالاته براعة في التسويق الإعلامي لأفكاره المبالغة في التبسيط والتي تكرس الوضع الراهن لصالح الطبقة الغنية والحاكمة على حساب أي تغيير حقيقي لصالح الفقراء بل وصل الحد بخصومه من المتمردين الماركسيين لجماعة الدرب الساطع في بلده البيرو بمحاولة اغتياله بتفجير مكتبه مرة وفتح نيران الأسلحة الرشاشة على سيارته مرة أخرى لكنه نجا من تلك المحاولات بدليل أنه معنا الآن في الأستوديو زائر لواشنطن السيد هيرناندو ديسوتو رئيس معهد الحرية والديمقراطية في ليما عاصمة بيرو ومؤلف كتابي الدرب الآخر الثورة الخفية في العالم الثالث وكتاب لغز رأس المال لماذا تنجح الرأسمالية في الغرب وتفشل في كل مكان آخر؟ مرحبا بك معنا سيد ديسوتو ولأبدأ من حيث انتهينا من عنوان أحدث كتاب لك وإن كان ليس أحدث كثير منذ عام 2000 ولكنه الكتاب الذي ما زال مرجع لكتاباتك لماذا تنجح الرأسمالية في الغرب وتفشل في كل مكان آخر؟
رأسمالية الفقراء واستثمار الثروات الميتة
هيرناندو ديسوتو – خبير اقتصادي: إن السبب الأساسي هو ضرورة وجود دعامتين رئيسيتين لاقتصاد السوق لكي يعمل بشكل سليم كما هو الحال في أوروبا الغربية أو أميركا الشمالية أو أجزاء من آسيا وهذا يعني بناء على النظريات الكلاسيكية سواء كنت تقرأ لآدم سميث أو ماركس إمكانية تقسيم العمل وإثبات أو تمثيل القيمة فأنت تحتاج لتقسيم العمل إلى امتلاك مشروع يشتمل على عدة خصائص مثل المسؤولية القانونية المحدودة للشركة أو التسلسل الهرمي الوظيفي الذي يكلف مَن على رأسه المستويات الأدنى بمهامها بناءً على اعتبارات تجارية أو صناعية وليس قبلية أو عائلية، كما تحتاج لإدارة المشروع لتسلسل واضح في الإدارة وتداول الملكية يتعين أن تكون هناك حقوق ملكية يمكن إثباتها بتقديم المستندات الكفيلة بأن تصبح ضمانة للحصول عليها قروض الائتمان وتمثل بذلك تلك القيمة في السوق تحتاج أيضا إلى القدرة على إصدار أسهم والتي هي ملكية شرعية لجزء من العمل التجاري لكي يتسنى للآخرين الاستثمار فيه ما من أحد يقدم على الاستثمار دون أن يحصل على نوع من التوثيق الذي يدل على أنه يملك جزء من الشركة أو الأرض ولقد وجدنا بصورة متزايدة في أنحاء الدول النامية والدول التي كانت شيوعية أنهم أجروا إصلاحات على مستوى الهيكل الاقتصادي الكلي مثل سياسات استقرار العملة وضبط الميزانية وتحرير التجارة لكن معظم الناس ليس لديهم نوعية المشروعات المسجلة أو حقوق الملكية التي يمكن بها تقسيم العمل وتمثيل القيمة ويمكن القول إنه في معظم تلك المناطق في خمس من الدول النامية السوفييتية السابقة والتي بها خمسة مليارات نسمة من مجموع سكان العالم البالغ ستة مليارات يوجد نحو 80% أي أربعة مليارات شخص ممن ليس لديهم حقوق ملكية أو أعمال تجارية وليس لديهم بالتالي الأدوات اللازمة للمشاركة في اقتصاد السوق ونتيجة لذلك ففي كل مرة تحاول تطبيق الرأسمالية في غياب تلك الأدوات الأساسية تواجه تلك الغالبية صعوبة في المشاركة الاقتصادية المفيدة أما الأشخاص الذين يحصلون على حقوق الملكية والأدوات اللازمة لإثبات قيمة ما لديهم فهم دائما من الصفوة الصغيرة وهم في كثير من الأحيان لا يدركون أهمية تلك الأدوات ولا يدركون أن الفقراء في بلادهم محرومون منها ولذا لا يستطيعون المشاركة في لعبة العولمة أو في عملية اقتصاد السوق وبالتالي لا ينجح هذا النظام الرأسمالي منذ القرن التاسع عشر وحتى الآن تستفيد منه تلك المناطق من عالمنا بينما يفلح في الدول الغربية.
حافظ المرازي: لو نظرنا إلى تحليلك للوضع في العالم الثالث أعتقد أنت ترى بأن هناك أصول لدى الدول الفقيرة أو لدى العالم الثالث تتجاوز تسعة تريليون دولار نتحدث عن تسعة آلاف مليار دولار موجودة لديها لكنها في الواقع وهي تفوق بكثير وبأضعاف الأضعاف كل ما حصلت عليه تلك الدول من معونات خارجية بينما هي لديها هذه الثورة ولا تستطيع أن تستثمرها هل يمكن أن توضح بشكل يمكن مبسط للمشاهد كيف يمكن أن نتحدث عن أنها ثروة لكنها غير موجودة وغير رسمية؟
" الفقراء في العالم الثالث يملكون ما قيمته 10 مليارات دولار على الأقل من الممتلكات على صعيد العقارات فقط لكن الحقيقة أن هذه الأصول لا تعني أنها قابلة للتحويل إلى أصول سائلة " |
هيرناندو ديسوتو: أنت محق لقد تمكنا دون الخوف من المبالغة في الأرقام من تقدير أن الفقراء في العالم الثالث يملكون ما قيمته عشرة مليارات دولار على الأقل من الممتلكات على صعيد العقارات فقط أي قطع الأرض والبنايات لكن حقيقة أن لديهم هذه الأصول لا تعني أنها قابلة للنقل أو دعنا نقول إنها ليست أصول سائلة، فعلى سبيل المثال نجد مواطن في أميركا الشمالية هنا في واشنطن مثلا يمتلك منزله وهي حيازة ملموسة ولكن لأن منزله أيضا مسجل وتم توثيق تلك الملكية وشروطها بمستندات تحدد أي رهن لمؤسسات أخرى عليه وتم إقرار المستندات قانونيا فبوسعه مع الاحتفاظ بمنزله استخدامه كضمان للحصول على قروض الائتمان وينبع أصل عبارة ائتمان باللغة الإنجليزية (Credit) من كلمة كريديري في اللغة اللاتينية ومعناها المصداقية لذا فالائتمان ليس إثبات أن المقترض يحصل على المال ولكن أنه موضع ثقة لدى الآخرين لكي يسلفوه وهناك عشرات الطرق في أميركا الشمالية يمكن للمواطن من خلالها استخدام منزله للحصول على أشياء أخرى غير مادية تتعلق بالمنزل فهي مفهوم ميتافيزيقي وتجريدي للغاية بإمكانه مثلا استخدام المنزل لتحديد مكان سكنه ونقطة وجوده فإذا أراد تصدير بضائع فإن أول شيء يسأل عنه الشخص من أي شخص أو سلطة أو حكومة في العالم في بوليصة التخليص ما اسمك؟ وأين تسكن؟ وإذا أردت أن تفتح حساب في البنك يكون السؤال ما اسمك؟ وأين تسكن؟ وبما أن نحو 80% من الفقراء في العالم لا يمكنهم الرد على السؤال حول مكان سكنهم بصورة مقبولة رسميا لا يمكنهم بالتالي تحويل تلك المنازل إلى عناوين أو مصداقية وائتمان أو تحويلها إلى رأسمال أو لمد المرافق إليها مثل الكهرباء والمياه يعني ذلك القول إن المنزل في الدول النامية هو منزل ليس إلا بينما يعتبر المنزل في الدول المتقدمة منزل ويمكن تحويله إضافة إلى ذلك إلى سيولة بعدة مئات من الأشكال يصبح المنزل سيولة لأن تمثيله كقيمة على المستندات يتم بالطريقة نفسها التي تمثل بها الأموال القيمة وبالطريقة نفسها التي يمثل بها سهم من أسهم قناة الجزيرة مثلا أو شركة جنرال موتورز القيمة المالية فهي تخلق السيولة وربما ينبغي بطريقة ما أن لا نستخدم حتى عبارة سيولة وإنما عبارة القدرة على التوثيق على الورق فالقيمة تنتقل دائما عبر الورق وكل شيء تحمله معك له قيمة هو عبارة عن قطعة من الورق سواء كان ذلك بطاقة ائتمان أو إيصال أو شيك أو سهم في شركة فهو توثيق على ورق وحقيقة أن الأشياء التي يملكها معظم الناس غير مسجلة على الورق تعني أن قيمة العشرة تريليون دولار بأكملها التي يملكها الفقراء في العالم من عقارات لا تُستخدم سوى في غرض واحد كمساكن ويمكن تشبيه ذلك للتوضيح بالسكينة السويسرية كما تعلم يمكن أن تكون المدية بحد واحد فنحن الفقراء في دولنا لدينا مدية بحد واحد أما الناس في الدول الغربية المتقدمة فلديهم مدية بها أربعين حدا ويمكنهم بواسطتها القيام بأشياء كثيرة كالمدية السويسرية وهذا هو سبب الثروة القدرة على تعزيز الأصول واستعمالها في أغراض مختلفة والمشكلة التي يواجهها الفقراء في الدول النامية هي إما أنهم لا يملكون الأوراق اللازمة لتوثيق أصولهم أو إذا أصدرت لهم تلك المستندات فإنها ذات قيمة منخفضة بقدر كبير أو تتخلف عن الواقع من الناحية الفنية وغير مستحدثة بحيث أن النتيجة هي أنها لا يمكن أن تشكل اقتصاد سوق، الأناس الوحيدون الذين سيصدقون أن هذا المنزل يعود لكم هم دائما جيرانك ولكنهم لا يشكلون سوق لأنهم منغلقون في الحارة.
حافظ المرازي: أنت كنت مستشار اقتصادي للرئيس بيرو الحكومة السابقة موري كنت محافظ للبنك الاحتياطي المركزي في بيرو طبقت هذه السياسة مما أثار عليك سخط مثلا جماعة الدرب الساطع الماركسية التي يفترض أنها انتهت الآن وجودها أو نفوذها أو سطوتها ما الذي فعله ديسوتو في البيرو كنموذج لنجاح فكرته بأنك حين تحول العقارات أو حيازات الفقراء الذين ليس لديهم ما يثبتون به أنهم يحوزونها تصبح ثروة في أيديهم وتأخذهم من الفقر؟
هيرناندو ديسوتو: حينما كنا نحاول مساعدة الفقراء توصلنا إلى إجابة لسلسلة من التساؤلات التي كانت تراودنا حقا وهذا يحدث عندما تسافر وتصبح فضوليا أحد الأشياء التي توصلنا إليها هو السبب التي جعل حركة الدرب الساطع قادرة على الاحتفاظ بثباتها وكسب تأييد الفقراء في أجزاء مختلفة من البلاد لأنهم كانوا يقدمون حماية للحقوق التي لم تكن الحكومة تقدمها بعبارة أخرى السبب الذي منح الإرهابيين ولاء الفقراء في قطاعات معينة من البلاد هو أنهم كانوا يحمون حقوق الملكية للفقراء فقد فعل الإرهابيون الشيء الذي لم يفعله القانون حينما اتضح لنا ذلك وأعلناه آنذاك للحكومة والرأي العام قلنا إن الشيء الواضح هو ضرورة إحلال حكم القانون لأولئك الفقراء من قبل الحكومة ويمكننا الانتصار لأن بإمكان الإرهابيين حمايتك فقط من الأعداء الفوريين بينما يوفر لك حكم القانون وهو حق الملكية التي تحميه الحكومة الحماية ضد أي شخص حتى مَن لا تعرفهم إنه حق أكثر صلابة بفارق كبير ولا تحتاج إلى البنادق لحمايته لأن القانون يقف إلى جانبك لذا فقد قمنا بصورة أساسية باستبدال الممر الساطع ووجدنا الأسباب التي جعلت الحركة تتمتع بالولاء المحلي وبطبيعة الحال لم يعجبهم هذا الأمر وكتبوا عنه وقالوا إننا نسحب عنهم تأييد الشباب وبالطبع لم يكن هدفنا عسكريا وإنما كان مساعدة الفقراء ولكن كانت له نتائج عسكرية وهي أن الإرهابيين فقدوا الشعبية بين المواطنين لأن سند الملكية كان أمر أفضل بكثير من بندقية تحمي أصولهم وكان القانون أفضل بكثير من رجال العصابات ومتاعبه أقل كثيرا لأن الناس دوما يودون العيش بسلام لذلك غضبوا غضب شديد وحاولوا فعل ما يقوم به الناس المتأثرون سلبا وهو معاقبة الطرف الآخر، هكذا وقعنا ضحايا لمختلفة عمليات التفجير وإطلاق النار إلى أن تمت هزيمة حركة الممر الساطع بالفعل ليس عسكريا فحسب بل سياسيا حيث لم يعد هنالك وجود لحزب الممر الساطع وليس له أي مؤيدين أو حتى شرطي يقوده وأصبحوا لا يتمتعون بأي شعبية لأننا في النهاية أظهرنا أن ما اقترحناه كان شيء أكثر فاعلية عن ما كانوا يفعلون.
حافظ المرازي: نعود إلى ضيفنا الاقتصادي العالمي من البيرو هيرناندو ديسوتو ونناقش معه حالة تتعلق باقتصاد عربي حالة مصر التي قام بدراسة عنها كان هناك اهتمام كبير بالنسبة لها هل بالفعل الفقراء في مصر لديهم من العقارات غير المسجلة والاقتصاد غير الرسمي ما يفوق بعشرات المرات كل ما حصلت عليه مصر من معونات ومن استثمارات أجنبية منذ حملة نابليون بونابرت؟ هذا ما نتعرف عليه مع ضيفنا بعد هذا الفاصل في برنامجنا من واشنطن.
[فاصل إعلاني]
الثروات الخامدة في مصر وكيفية استغلالها
حافظ المرازي: مرحبا بكم مرة أخرى في برنامجنا من واشنطن وضيفنا في هذه الحلقة الاقتصادي العالمي من البيرو هيرناندو ديسوتو الذي وصفه الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون بأنه أكثر اقتصادي أهمية في عالمنا الآن بالطبع تحدثنا عن تجربة البيرو التي كان مستشار اقتصادي لرئيسها السابق موري وأيضا كيف أنها نجحت في تحويل الثروة غير الرسمية للفقراء إلى ثورة يمكنهم أن يرفعوا أنفسهم من الفقر فيها ماذا عن التحول إلى أمثلة أخرى ودراسات أخرى، لو انتقلنا من بيرو إلى مثال يخص العالم العربي بالنسبة لمصر الدراسة التي قمت بها بالنسبة لمصر معروفة جدا في كل الأدبيات المتعلقة بكتاباتك والتي وجدت فيها بأن 92% من المصريين يملكون عقاراتهم بشكل غير رسمي بينما هناك فقط 8% بشكل رسمي أصحاب المشاريع يعملون بشكل غير رسمي 88% بشكل رسمي 12% فقط فيما أسميته برأي المال الميت أو الأرصدة الميتة للفقراء في مصر كيف كانت تجربتك مع مصر؟ مَن اتصل بك لهذه الدراسة؟ وهل يمكن أن تلقي بعض الضوء على ما وجدته في دراستك لمصر؟
هيرناندو ديسوتو: أجل لقد كنا في غاية السرور أن تمكنا من العمل في مصر في دراسة طويلة أجريناها بالاشتراك مع المركز المصري للدراسات الاقتصادية وتم تقديمها للحكومة وإلى مجلس الوزراء في محاولة لعكس ما يمكن عمله لتحويل جزء من أصول مصر بالطريقة التي كنا نتحدث عنها من قبل يمكن استخدامها كائتمان ورأسمال ويمكن تحويلها إلى سيولة لكي تساعد في إثراء فقراء اليوم وتوصلنا إلى تلك الأرقام التي نتحدث عنها بعبارة أخرى لم يكن الوضع في مصر مختلف كثير عن الدول النامية الأخرى التي كنا نعمل فيها سواء في آسيا أو أميركا اللاتينية أو أوروبا الشرقية إن الكثيرين درجوا على الاعتقاد بأن السبب في عدم دخول دولة معينة اقتصاد السوق الحديث أو في تفوق فئة صغيرة من سكان هذا البلد هو أمر يتعلق بالخصائص الثقافية ورغم أن الخصوصية الثقافية من الأشياء الرائعة في مصر التي شدتنا إليها فالثقافة تعني التقاليد المتميزة والهوية لأي شخص فينا والمغزى ومذاق الطعام الخاص والمعمار الرائع لكن حين يتعلق الأمر بقدرتك على القيام بأعمال تجارية وإنتاج فأننا جميعا في الدول النامية نواجه المعوقات ذاتها والتي هي بالمناسبة نفس المعوقات التي واجهتها الدول المتقدمة من قبل لذا كنا في غاية السرور لدى الفرصتين أو الثلاث التي تحدثنا خلالها إلى مجلس الوزراء في مصر لنعود ونخطرهم بأنه ليس ثمة أي شيء ثقافي قد يعوق دولة عربية عن أي جزء آخر من العالم غير أن الإصلاحات التي نقترحها وكان هذا الأمر معروف علنا في مصر تتطلب الكثير من الإصلاحات القانونية الأساسية فإذا كانت نسبة 80% أو 90% من السكان لا تشارك في اقتصاد السوق أو في البلاد بينما تشارك فيها نسبة مئوية ضئيلة مزدهرة فذلك يعني أن الحاجة تدعو إلى القيام بتعديلات جوهرية في الهياكل القانونية وهو ما يتطلب وضع استراتيجيات ويتطلب هذا بدوره التوصل إلى إجماع وتوافق لذا فإنه يسعدنا أن ننتظر حتى يتضح ذلك الإجماع وإرادة المصريين لنرى ما إذا كان بإمكاننا تقديم المساعدة أو ما إذا كانت الحكومة المصرية ستقوم من تلقاء نفسها بأي إجراءات ضرورية وأعلم أن دواعي القلق تساور السلطات المصرية بدرجة كبيرة.
حافظ المرازي: لو نظرنا إلى هذه الدراسة بعض التفاصيل والأرقام التي سنضعها على الشاشة رأس المال الميت في عقارات مصر بالنسبة للمدن والمناطق الحضرية القاهرة الكبرى قدرتم ما يملكه الفقراء من رأسمال ميت بـ 79.4 مليار دولار، الإسكندرية 23 مليار دولار، مدن أخرى 51 مليار، المناطق السكنية الريفية 40.9 مليار، الإجمالي 195.2 مليار دولار، في الريف شمال مصر في الدلتا 28 مليار، في الجنوب أي في الصعيد 18 مليار، الإجمالي لها 36 مليار مجموع الأرصدة الميتة في مصر 241 مليار دولار، لو أضفنا إليها 4.2 مليار وهي من الأرصدة الميتة في المشروعات التجارية يصبح مجموع ما هو غير رسمي من الاقتصاد المصري في العقارات والمشروعات التجارية 245.6 مليار دولار، أنتم تقولون أن هذا ستين مرة أكثر من مجموع المدخرات قصيرة وطويلة المدى في البنوك التجارية المصرية هو ثلاثين مرة أكثر من قيمة الـ 746 شركة المسجلة في البورصة المصرية، 55 مرة أكثر من الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مصر حتى عام 1996، 116 مرة أكثر من قيمة شركات القطاع العام أو قيمة شركات القطاع العام الـ 63 التي تم تخصيصها في عامي 1992 و1996 أو ما بين العامين، نلقي مزيد من الضوء على هذه الأرقام ماذا تعنيه؟ وكيف وصلتم إليها كيف قمتم بمسح هذه العقارات والمناطق العشوائية في مصر والبعض يقول إنه حتى الأمن المصري لا يستطيع أن يصل لعنوان شخص فيها أحيانا؟
هيرناندو ديسوتو: أولا ما تعنيه هذه الأرقام هو أن الفقراء ليسوا فقراء بهذا القدر أو بالأحرى أن الفقراء يمكن أن يكونوا أغنياء جدا لأن أصولهم كما أشرت من قبل أكبر بخمسة وخمسين ضعفا من كل الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مصر منذ أن غادرها نابليون وهي أكبر بأربعين ضعفا من كل القروض المصرفية التي قُدمت إلى مصر على الإطلاق وهو مبلغ مائتين وخمسة وأربعين مليار دولار الذي كنت تتحدث عنه بمعنى آخر الفقراء لديهم قدرات كامنة ولكن لكي يتم تحويلها إلى رأسمال وقيمة وائتمان يجب أن يتم وضعها في صيغة رسمية ويجب أن تنبع تلك الصيغة من القانون بطريقة ملائمة لذا فإن الفقراء ليسوا حقا هم المشكلة وإنما هم الحل لأن هنالك قيمة من ورائهم أكبر من أي شيء تحصل عليه من الخارج سواء كان من القطاع الخاص أو العام، أما عن كيفية الحصول على هذه الأرقام فهذا هو بالتحديد السبب الذي جعل الأمر يستغرق أربع سنوات للحصول عليها ينبغي عليك قبل كل شيء التوصل إلى تعريف لما تعنيه بالقول خارج نطاق القانون فهذا ليس بالقدر نفسه من البساطة مثل القول إن بعض الناس لديهم حق الملكية والبعض الآخر ليس لديهم، السؤال هو ما إذا كان سند الملكية سيتمتع بمصداقية في الاقتصاد المصري أم لا؟ أو بعد فترة من الدراسة تبدأ معرفة أن بعض الأشياء مقبولة والبعض الآخر غير مقبول إذا أخذت مثلا عدد البنايات الموجودة على أراض زراعية في مصر تخلص من وجهة نظر القانون إلى أن تشييد المباني على أراض زراعية مخالف للقانون وإذا كانت مخالفة للقانون فلن يكون من شأن أي سند ملكية أن يجعله أمر مشروع ولن يكون السند صالح لذا يمكنك استخدام دراسات المسح الجغرافي والخرائط لمعرفة عدد البنايات الموجودة على أراض زراعية بطريقة مخالفة للقانون وهذا ليس أمر صعب فوجدنا أن هنالك نحو أربعة ملايين وسبعمائة ألف بناية وهذا يعني 25 مليون مصري يمثلون سلفا ثلث عدد السكان ثم تتوجه إلى المساكن العامة لمحاولة معرفة عدد المساكن العامة التي شيدتها الحكومة وعدد الطوابق العليا مما شيدته الحكومة التي بُنيت بالفعل بطريقة غير قانونية ولم تكن في الخطط الأولية ثم تطرح ذلك العدد ويمكنك تدريجيا بمعلومات مختلفة كهذه التوصل بطريقة ذات مصداقية إلى عدد المباني غير القانونية وعدد المباني القانونية في البلاد بأكملها أي أنك لا تستخدم الإحصاءات التي أجريت سلفا لأنه لو كانت بحوزتنا إجراءات مكتوبة أصلا لتمكنا من إنهاء دراسة مصر في شهرين إذ يتعين عليك الذهاب من مكان إلى مكان وإجراء تقديرات على أساس بعض الظواهر وعندما تحصل على مصداقية في تلك الأرقام تمضي بعدها إلى المرحلة التالية وكانت الأرقام قد نشرت أول مرة من قبل المركز المصري للدراسات الاقتصادية وتمت مناقشتها على شاشة التلفزيون المصري الرسمي ومن قبل الحكومة قبل أربع أو خمس سنوات ولم نسمع حتى الآن لا المصريون ولا نحن أي شخص يناقض تلك الأرقام.
حافظ المرازي: هناك أعتقد كانت هناك بعض التعديلات التشريعية أو تشريعات منها موضوع قانون الإسكان والقروض الإسكانية هناك مشاكل بالنسبة لإصداره البعض يقول بأنه هناك مشاكل اجتماعية لا يمكنك بسهولة أن تحول هذا الاقتصاد إلى النمط الأميركي وإلا الناس يمكن أن يفقدوا مساكنهم حين يمكن للبنك أن يرهن المنزل أو أن يسحبه منهم إذا لم يدفعوا الأقساط عليهم العديد من الأمور التي تجعل من الصعب أن تطبق ما هو موجود في أميركا على مشاكل اقتصادية واجتماعية متعددة في مجتمع قديم للغاية كالمجتمع المصري؟
هيرناندو ديسوتو: بالتأكيد أنني أعتقد أن الثقافة مهمة وأعتقد أن المشكلات المصرية أو العربية أو الأميركية اللاتينية بالطريقة التي تبدو بها حاليا لها جميعا خصائص معينة، لكن هنالك بعض الأشياء التي تنطبق على الجميع بإمكان كل شخص استخدام السيارات وزيارة أطباء الأسنان الجيدين والتعامل بالأموال ويمكن استخدام بطاقات الائتمان في أي مكان تذهب إليه وحيثما أذهب في أي دولة عربية يتعامل الناس بالطرق نفسها وإن اختلفت النكهة في معاملات الشراء والبيع مثل باقي الدول الأخرى وأعتقد أن الشيء نفسه ينطبق على قرض الرهن العقاري الذي أشرت إليه، كما تعلم في مصر مثلها مثل العديد من الدول العربية يمكن أن يحكم عليك بالسجن إذا لم تسدد دينك ورغم أننا لم نجد اقتصاد الرهن العقاري لكن ما عثرنا عليه بالفعل مع أصدقائنا المصريين كان من خلال الذهاب إلى السجون لمعرفة عدد مَن كانوا يقضون عقوبات بالسجن بسبب عدم تسديد الديون وحصلنا على الأرقام التالية، عندما يقدم كثيرون ضمانات لقروضهم بالتوقيع على شيكات وكما تعلم أن العالم العربي ابتكر نظام الشيكات قبل نحو سبعمائة سنة كان الأشخاص الذين يتلقون تلك الشيكات ولا يستردون أموالهم يلجؤون للقضاء لتحصيلها ووجدنا نسبة 1.5% من الأشخاص الذين أجرينا معهم مقابلات في السجون أو حكم عليهم بالسجن تفادوا العقوبة ببيع منازلهم ونحو 4.5% دخلوا السجن بالفعل وأفرج عنهم بعد شهر لأنهم باعوا منازلهم ونحو 20% غادروا السجن لأنهم باعوا حيواناتهم أو أعمال تجارية أو أدوات أو ماكينات وبقي الآخرون في السجن ولم يفقدوا منازلهم لكنهم فقدوا كرامتهم في النهاية عدد الأشخاص الذين فقدوا منازلهم في مصر كان أكبر 50 مرة من عدد الأشخاص الذي فقدوا منازلهم بسبب عدم تسديد الديون في الولايات المتحدة والفرق هو سن قانون جيد لمعاملات الرهن العقاري الشيء المهم حول الإصلاحات التي نتحدث عنها ليس هو أن قوانين الرهن العقاري سيئة فأنا متأكد أن غالبية المصريين يفضلون القدرة على التفاوض حول سداد الديون أكثر من الذهاب إلى السجن، لست بحاجة لكي أكون عربياً لمعرفة ذلك بل كإنسان وبناء على ما سمعته من الأشخاص الذين أجرينا معهم مقابلات وتكمن المشكلة بأكملها في وجود سلطة في البلاد يمكنها شرح القوانين الجيدة التي تساعد في بعض الأحيان الأغنياء فقط وهم يبدون كالأميركيين ولكن هنالك قوانين أخرى يمكنها بالفعل مساعدة الفقراء وهي تصلح لكل مكان مثل أي شيء آخر ولكن يجب أن لا تتعارض مع تقاليد مغروسة منذ أمد طويل بإمكانك أن تحقق ذلك بالفعل ولكنها رحلة طويلة يتعين أن تكون قادرا على ترجمة الأشياء الصالحة في الدول الأخرى إلى الظروف العربية وفي حالة مصر أو العديد من الدول العربية الأخرى فإن المسألة تتعلق بالتوصل إلى إحصاءات حول عدد الأشخاص الذين يذهبون إلى السجن ومعرفة الأسباب التي تمنع سن قانون يمكن أن يجنب الفقراء الذهاب إلى السجن لأنه ينبغي أن تكون لديهم القدرة على إعادة التفاوض حول ديونهم بطرق أخرى وأعتقد حقا أن الاختلافات الثقافية لا تعني أنها جدار وإنما تعني أنها نفق بزوايا مختلفة وينبغي أن تعرف كيف تنتقل عبره وهذا كل ما في الأمر، لا أعتقد أن نظام الرهن العقاري مسألة أميركية مثل الشيكات ولا تنسى أن العرب هم الذين ابتكروا نظام الشيكات لخلق الديون والمشكلة هي كيفية استخدامها.
حافظ المرازي: الاقتصادي العالمي من البيرو هيرناندو ديسوتو ضيفنا في هذه الحلقة من برنامج من واشنطن وحوار معه عن نظريته الاقتصاد غير الرسمي في دول العالم الثالث أو ثروة الفقراء الميتة أو الخامدة التي لا تستخدم ويمكنهم أن يعيدوها للاستخدام مثلما تفعل الدول المتقدمة هناك مَن انتقدوا هذه النظرية وقدموا أمثلة على أنها لم تنجح في بعض الدول حين طبقت الحلول التي اقترحها هذا ما نناقشه معه حين نعود من فاصل قصير في برنامجنا من واشنطن.
[فاصل إعلاني]
الانتقادات بين الأفكار المغلوطة وأوهام الرأسمالية
حافظ المرازي: مرحبا بكم معنا مرة أخرى في برنامج من واشنطن ومع ضيفنا الاقتصادي العالمي من البيرو هيرناندو ديسوتو مرحبا بك معنا مرة أخرى بالطبع كما ذكرنا منذ بداية البرنامج بأن هيرناندو ديسوتو من الشخصيات التي لاقت مديح من زعماء العالم مجلة تايم الأميركية وصفته بأنه أحد خمسة مبتكرين من أميركا اللاتينية منذ بداية القرن العشرين الرئيس بيل كلينتون كان قد وصفه بأنه أكثر اقتصادي أهمية في عالمنا الآن لكن هناك مَن انتقدوا نظرية ديسوتو منذ حتى صدر كتابه الأخير في عام 2000 لغز رأس المال صحيفة الغارديان البريطانية على سبيل المثال مادلين بانتينغ كتبت فيها تحت عنوان كلام منمق وأفكار مغلوطة تتحدث عن أسباب إعجاب زعماء غربيين مثل كلينتون وبلير وشرودر بالنظرية بقولها الاعتقاد بأن الرأسمالية يمكنها توزيع الثروة على نطاق واسع لكن الأدلة تناقض ذلك التاريخ الحديث يثبت قول الماركسيين بأن النظام الرأسمالي يفضي حتما إلى تركيز الثروة في أيد قليلة مما يزرع عوامل انهياره، كما تمضي إلى القول أن جاذبية منطقه تعود إلى حد كبير إلى أنه لا يتحدى الوضع الراهن بل يقبل الرأسمالية باعتبارها النظام الاقتصادي الوحيد المتاح وما يركز عليه هو اقتصاد السوق السوداء الكبير الذي يعمل خارج النظام الرسمي والقانوني في كل البلدان خصوصا النامية وجمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق، لو أتوقف هنا وآخذ ردك على هذا الانتقاد بأنه حتى الدراسات في أميركا تفيد بأن الفقراء يزدادون فقرا والأغنياء يزدادون غنى فكيف يمكن بهذا الحل السحري أن يتحول الفقراء إلى أغنياء لمجرد تسجيل حيازتهم؟
هيرناندو ديسوتو: أولاً لا أختلف مع أي شيء أشرت إلى أن كاتبة صحيفة غارديان قالته فهي تقول إن النظام الرأسمالي يركز الثروة وهذا صحيح تماما وكان هذا هو انتقاد ماركس في القرن التاسع عشر وقد تحدث عن ذلك بوصفه التناقض الرئيسي في النظام الرأسمالي وأنا أتفق مع ذلك ولكن لدي تفسير وهو أنك إذا لم تجد طريقة لتوزيع الثروة وتلك الأشياء فإن التركيز لا محالة سيحدث وقد برهن التاريخ ما قاله ماركس وهو أن الفقراء سيشعرون بأنهم مبعدون ومظلومون من قبل النظام وسيتمردون ضده غير أن إحدى الطرق العديدة التي يمكن بها تجنب تركيز النظام الرأسمالي للثروة هي معرفة ماهية الأشياء التي تمنحك الثروة وأكرر أن ما يمنحك الثروة هو حقوق الملكية هو عملك في المقام الأول وقدرتك على الاحتفاظ بقيمة عملك في هيئة وثائق ملكية والقدرة على تحويلها إلى رأس مال لذا فإنني أتفق مع أن هذه هي الطريقة التي تسير بها الأمور في الوقت الحالي في كل دولة أقرت النظام الرأسمالي منذ سقوط جدار برلين وإذا كان أي شخص يعرف أي بدعة أخرى أود لو يخطرني بها لأنني لم أجدها ربما باستثناء كوريا الشمالية، ما يحدث في بقية العالم هو أن هنالك تركيزا للثروة وأنا أحاول الإشارة إلى أن 10 أو 20% من الثروة لها اثنتان من الأدوات التي لا يملكها الفقراء وكان بإمكانهم الاستفادة منهما إلى حد كبير إذا فكرت فيما كتبته تلك السيدة ليس هناك انتقاد لما أقوله أنا الشيء الذي لا يعجبها هو نظام الرأسمالية وهذا جدل حول موضوع آخر وأنا أتفق مع أن بإمكاننا مناقشة ذلك لكن فيما يتعلق بالنتائج التي توصلنا إليها وبما أنني قرأت المقال فليس هنالك حقا انتقاد ملموس.
حافظ المرازي: دعني أكمل ما كتبته أيضا لنري إلى أي حد هناك اختلاف أو لا مع آليتك تقول مادلين بانتينغ أيضا أن كتابات ديسوتو هي مجرد تنظير رائع يخفي الحقيقة البشعة وهي أن القوة الاقتصادية والسياسية محصورة في أيدي النخبة المرتبطة بالعولمة في الدول النامية هي نخبة تعمل لدي الشركات متعددة الجنسية أو تخشى سطوتها وتدير شؤون بلدانها بما يخدم مصالح الغرب نحن نستورد موادهم الخام بأدنى الأسعار ونصدر لهم أي الدول الفقيرة السلع المصنعة ونضع قيودا على صادراتهم الصناعية ونفرض على ديونهم أعلى أسعار الفائدة لكن هذا غير موجود في كتاب ديسوتو وذلك بالطبع لأنه عمل مستشارا اقتصاديا لمنظمة الغات التي سبقت منظمة التجارة العالمية كما كان المدير التنفيذي لإحدى أكبر الشركات الهندسية الأوروبية؟
" أعتقد أن المشكلة في العالم ليست هي الفقر وحده وأن المشكلة في الدول النامية ليست هي التفرقة في الأعمال التجارية وحدها ولكن إلى جانب ذلك ثمة مجموعات من الصفوة السياسية التي تتواطأ وتتآمر ضد الفقراء بالتحالف مع الجهات المتعددة الجنسيات " |
هيرناندو ديسوتو: أعتقد أنها تحاول القول إن المشكلة في العالم ليست هي الفقر وحده وأن المشكلة في الدول النامية ليست هي التفرقة في الأعمال التجارية وحدها ولكن إلى جانب ذلك ثمة مجموعات من الصفوة السياسية التي تتواطأ وتتآمر ضد الفقراء بالتحالف مع الجهات المتعددة الجنسيات وأن ثمة مشكلات سياسية لا أتناولها أنا وأتفق معها تماما فأنا لا أتظاهر بالقدرة على حل كل المشكلات التي تواجهها الدول النامية ولا أولج في قضايا التعليم أو الصحة أو البيئة أو الصراعات السياسية لطائفة من الأسباب قبل كل شيء لست أنا الحكومة الأميركية وإنما خبير اقتصاد توصل إلى ظاهرتين أساسيتين يمكن من خلالهما تحقيق ازدهار هائل إذا تم التعامل بهما كما أن لدي استراتيجية في ذلك وإذا أقدمت على إعلان آرائي حول العيوب السياسية لدى الصينيين أو مواطني أميركا اللاتينية أو الأفارقة أو العرب لما سمح لي بالذهاب إلى تلك المناطق والحصول على هذه الأرقام التي يمكن بها إحداث تغيير كبير لذا أعتقد أن ما تقوله السيدة بنطق هو أنني لست أيديولوجي وأنني لا أكتب عن كل شيء وهي محقة تماما لدي استراتيجية أركز فيها على الأشياء التي أعتقد أن بإمكان كل الحكومات القيام بها فأنا لست ماركس ولست الحكومة البريطانية.
حافظ المرازي: دعني أنتقل إلى كاتب آخر جون غرافوس في سليت دوت كوم كتب موضوع تعليقا بعنوان كشف أوهام ديسوتو يقول في العديد من مناطق العالم الثالث بدأ أصحاب الحيازات العقارية الموثقة حديثا يكتشفون أن عقود الملكية التي حصلوا عليها لا توفر لهم المنافع التي تكهن بها ديسوتو بل تشير الدراسات الحكومية في بلد ديسوتو نفسه البيرو إلى أن عقود الملكية لا تزيد بالضرورة فرص الحصول على قروض، من بين مائتين ألف و313 منزل في ليما حصل أصحابها على عقود ملكيتها بين 1998 وعام 1999 لم يحصل سوى 24% منهم على بعض القروض بحلول عام 2002 بل ولم يكد يحصل منهم أحد على أي قروض من بنوك تجارية خاصة أي أن الدولة فقط هي التي أعطتهم قروض ثم يقول إن البنوك تدرك بأنها لن تربح شيئا من إعادة حيازة أكواخ الفقراء في مناطق متدنية وفي مواجهة زيادة طلبات القروض من مسجلي العقارات الحديثين عدلت البنوك معايير الإقراض وأصبحت أحيانا تهتم أكثر بوجود عمل مستقر لدى المُقترض عن مجرد سند ملكية لأرض أو عقار بالإضافة إلى أن سوق العقارات في تلك المناطق راكدة من الصعب بيعها مما يقلل جدوى الحصول على أي منفعة اقتصادية منها سواء اعتبرت أصولا حية أو ميتة أخيرا يقول المعلق أن ما وضح هو أن تسجيل ملكيات العقارات أكثر إفادة للطبقة المتوسطة الدخل وللنخبة التي بوسعها تحمل نفقات وتقلبات سوق العقارات أما الفقراء واضعي اليد على عقارات في المناطق الفقيرة من المدن المنشغلين بالأساس بسد قوتهم اليومي ومعيشتهم فلا تجدي سندات الحيازة بالنسبة لهم هؤلاء الفقراء إما يقعون ضحية إجلائهم عن مساكنهم أو يبيعونها بأنفسهم معتقدين أن بوسعهم إيجاد أماكن أخرى للعيش بشكل غير رسمي لكنهم لا يجدون بسهولة مع غياب المناطق غير الرسمية والعشوائية لأنها تصبح كلها مُملّكة بوثائق؟
هيرناندو ديسوتو: هنالك عدة ردود أولا وجد موظفو البنك الدولي الذين ينفذون اليوم أو السنوات الخمس الماضية المشاريع التي صممناها في بيرو أنها واحدة من أكثر المشاريع الناجحة على الإطلاق في مقابل استثمار منا بنحو سبعة عشر مليون دولار وهو مجموع ثروة الفقراء الذين استفادوا منها بتسجيلها كسندات ملكية وهو برنامج صغير لأننا بدأناه قبل أكثر من 16 عاما ولكن على الرغم من أنه بدأ قبل بضع سنوات فقط وبموارد شحيحة بالمقارنة مع الأشياء الأخرى فإن الأرقام الرسمية التي قدمها مشروع البنك الدولي تشير إلى أنه مقابل 17 مليون دولار حقق الفقراء اليوم ما قيمته عشرة مليارات دولار على الأقل من الفوائد التي لم تكن بحوزتهم قبل ذلك أو بمعنى أنه معدل ربح محلي بنسبة تصل إلى نحو 132% وإذا بدأت من الصفر إلى 24% من نسبة استخدام الائتمان فأنها طفرة كبيرة بالنسبة لاستثمار 17 مليون دولار وهو أمر لا بأس به وإذا حاولت معرفة نسبة عدد الأشخاص الذين ربما استخدموا بالفعل قدرتهم الائتمانية في الولايات المتحدة فإنها لا تصل إلى 100% وربما كان أصحاب الأعمال المبتكرة الذين يودون استخدامها هم الأغلبية الشيء المهم اليوم هو أن نظام الرهن العقاري في بيرو تستخدمه غالبية من الناس الذين أوجدنا لهم سندات الملكية الشيء الثاني هو أن قيمة كل منازل الفقراء في بيرو ارتفعت بنسبة تتراوح بين 30% و40% وهو أمر شبيه بما إذا كانت قناة الجزيرة الرائعة هذه معروضة للبيع فأسألك كم ثمنها لأنني أود شرائها وتقول أن ثمنها عشرة ملايين دولار فأقول حسنا هاهو شيكي وأنا مستعد لشرائها هل يمكن أن تعطيني شهادة الملكية فتقول إنك لا تملكها ولكن كل الجيران يعرفون أنني أملكها هكذا سوف تنخفض قيمتها.
حافظ المرازي: لكن حين تبيعها لدي العقار ولدي السند وبعتها عدم وجود هذا السند كان يمنع هذا الشخص من أن يبيعها لكي ينفقها بشكل في حالة الفقر يمكنه أن ينفق هذه الأموال بشكل غير صحيح ثم يجد أبناؤه وأسرته نفسهم بلا ملجأ إذاً أنت أعطيت شخص في ظروف غير طبيعية فرصة أن يبيع ونعرف مَن الذي سيشتري منه بدلا من أن تتركه على الأقل ثم أنت تعطي للدولة مجال آخر لأن تُحصِّل الضرائب على هذا الشخص وغيرها من أجهزة الفساد الموجود في العالم الثالث ولا تساعده كثيرا أنت فقط تعطيه بعض الأموال لينفقها ثم يعود أصعب مما كان في البداية؟
هيرناندو ديسوتو: أعتقد أنك وصلت الآن إلى الجزء الجوهري في الموضوع تعلم أن هنالك نحو ألف وأربعمائة مقال في السنة يُكتب باللغة الإنجليزية حول عملنا ومنها حوالي 18 مقالا سلبيا مثل المقال الذي قرأته للتو وعندما يتعلق الأمر الأساسي بالأرقام فإن أرقامنا واضحة وبيّنة للغاية فأحوال الناس أفضل بكثير عما كانت عليه في الماضي النقطة الرئيسية لمَن ينتقدوننا هي أنهم يقولون إننا نعمل مع الأوضاع الراهنة لأن من الواضح أن الوضع الراهن لا يعجبهم ليس النتائج وإنما المواقف وتقع في جوهر المسألة رؤيتهم للفقراء التي ركزت أنت عليها للتو مقابل رؤيتنا هنالك فلسفة لذلك وهذه هي نقطة اختلافنا ولأن هنالك نحو عشرين مقالا فقط يكتب ضدنا في السنة فإنني أقرأ معظمها وهكذا توصلت إلى هذه الخلاصة فإما أن المرء يتخذ موقفا مفاده أنني منحت الفقراء مزيدا من الأصول ومزيدا من الأدوات للمضي قدما في استخدامها لأنني أؤمن بكيفية تعاملهم معها أو يكون لديك موقف آخر مفاده أن الفقير لن يتمكن مطلقا من الإنفاق بحكمة ما لم يتم الإشراف عليه من قبل خبير الاقتصاد الذي ينتقدني أو من قبل حكومة ما وهذا خلاف فلسفي مشروع فقد تصادف أنني أعمل لصالح المدرسة التي تعتقد أن الفقير سيعرف بمرور الزمن أو على الفور ما ينبغي عمله بأصوله أفضل مما يخبره الآخرون وأعتقد أن ذلك أحد الأسباب التي جعلت الغرب يتقدم على دول العالم النامي لأنهم يثقون في الناس بصفة أساسية وخبراء الاقتصاد الذين يحملون هذه الأفكار لا يثقون في الناس، أجل إذا مكنت الفقراء من حيازة الأصول فأن بعضهم سيرتكب أخطاء ولكن أعتقد بصفة إجمالية أن ما برهنه الغرب هو إن الغالبية لا تفعل ذلك وإذا وضعت القوانين الجيدة فإن مَن يرتكبون الأخطاء في الإنفاق يمكن مساعدتهم من قبل الحكومة.
حافظ المرازي: بهذه الثقة في الإنسان الذي يريد أن يصحح نفسه هو رفض مسألة الأنماط السائدة عن الفقراء أو الأغنياء أختتم حواري مع ضيفي الاقتصادي العالمي من البيرو هيرناندو ديسوتو شكرا جزيلا لأن تكون معنا كل هذا الوقت في برنامجنا من واشنطن، بالطبع أشكر فريق البرنامج في الدوحة وواشنطن أذكركم لأي أسئلة أو تعليقات على هذه الحلقة أو غيرها بعنوان البريد الإلكتروني وهو minwashington@aljazeera.net مع تحيات الجميع وتحياتي حافظ المرازي.