من واشنطن

تداعيات هجمات سبتمبر بعد عامين على وقوعها

تداعيات هجمات سبتمبر بعد عامين على وقوعها، حرب أميركا على الإرهاب وتبعاتها بالنسبة للعالمين العربي والإسلامي، آثار أحداث سبتمبر على توازنات القوى في الولايات المتحدة وعلى الصعيد العالمي.

مقدم الحلقة:

حافظ الميرازي

ضيوف الحلقة:


الأمير الحسن بن طلال: مقرر المؤتمر العالمي للأديان والسلام
فريد زكريا: مدير تحرير الطبعة الدولية لمجلة نيوزويك
كولن باول: وزير الخارجية الأميركي
خليل جهشان: خبير الشؤون العربية الأميركية
محمد نمر: مدير العلاقات الإسلامية الأميركية
وآخرون

تاريخ الحلقة:

11/09/2003

– آثار أحداث سبتمبر على الجانب العربي والإسلامي
– حصاد السياسة الأميركية داخلياً وخارجياً بعد أحداث سبتمبر

– الدروس المستخلصة من أحداث سبتمبر على الجانب الأميركي والعربي

– تقسيمة الصقور والحمائم في الإدارة الأميركية إفراز لأحداث سبتمبر

– مشاعر الجالية المسلمة في أميركا بعد مرور عامين على أحداث سبتمبر

– الأمن والأمان في أميركا بعد عامين من أحداث سبتمبر


undefinedحافظ الميرازي: مرحباً بكم في هذه الحلقة الخاصة من برنامج (من واشنطن) تأتيكم في الحادي من سبتمبر 2003، نقدمها على مدى ساعتين، وبالتحديد ونحن نناقش أيضاً الذكرى الثانية لأحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، هذه الأحداث قد تمت تغطيتها بشكل مكثف في كل وسائل الإعلام العربية قبل الأميركية. الذكرى بالمثل، لكننا نحاول على مدى الساعتين أن نتوقف عند بعض النقاط المتعلقة بعامين بعد الحادي عشر من سبتمبر، كيف تختلف عن عام بعد الحادي عشر من سبتمبر؟ هل تغيَّرت في واشنطن؟ هل تغيرت مكانة الرئيس وعلاقته بالأميركيين؟ شعبية الرئيس والالتفاف بالعلم الأميركي لدى الإدارة هل بدأ يتراجع ذلك؟ وما الذي تركته أحداث الحادي عشر من سبتمبر في أميركا وفي عالمنا العربي؟

بالطبع سنبدأ التغطية من خلال مواقع الأحداث التي كانت قبل عامين، والتي أيضاً شهدت بعض المراسم اليوم، مواقع الأحداث بالطبع كانت البداية فيها، في مركز التجارة العالمي في نيويورك.

سنتحدث مع مراسلنا من موقع المبنى، حيث تجمعت صباحاً عائلات الضحايا تنعى موتاها دون رغبة في حضور رسميين من واشنطن لتلافي التعقيدات الأمنية، بينما صاحب الرئيس (بوش) نائبه (تشيني) وقرينتيهما في دقيقة حداد في البيت الأبيض، ونتحدث مع مراسلنا هناك، كما نتحدث مع مراسلتنا في البنتاجون حول المراسم المحدودة لهذه الذكرى هناك، والتي شارك فيها وزير الدفاع ورئيس هيئة أركانه، ونتحدث مع الجنرال (ريتشارد مايرز) رئيس هيئة الأركان المشتركة عن مغزى هذا اليوم، وتحدي القاعدة الجديد لأميركا، وهل أميركا أكثر أمناً اليوم أم أقل؟

كما نتحدث مع وزير الخارجية الأميركي (كولن باول) متسائلين هل سياسة بلاده الخارجية فاشلة بعد عامين من الحادي عشر من سبتمبر -كما يقول منتقدو أميركا- في الداخل والخارج؟ كولن باول بالطبع سنقدم المقابلة المطولة التي أجريناها معه، وإن كنا قد أجريناها قبل قرار الحكومة الإسرائيلية بالموافقة المبدئية على طرد الرئيس الفلسطيني عرفات، لكنه تحدث في نهاية المقابلة عن المطلوب بالنسبة للولايات المتحدة فلسطينياً، وأيضاً ربما إسرائيلياً.

هذه الموضوعات سنتحدث عنها ونتحدث مع ضيوفنا من العالم العربي، سيكون معنا في هذه التغطية الخاصة (من واشنطن) من عمان الأمير الحسن بن طلال (مقرر المؤتمر العالمي للأديان والسلام)، لنتعرف عن الخريطة الفكرية والثقافية في العالم العربي والإسلامي بعد عامين من الحادي عشر من سبتمبر، سنتحدث من نيويورك مع فريد زكريا (محرر ورئيس تحرير الطبعات الدولية لمجلة "النيوزويك") وكيف أيضاً تغيرت الخريطة الثقافية الأميركية بعد الحادي عشر من سبتمبر؟ ومع اثنين من زعماء والناشطين في المنظمات العربية والإسلامية الأميركية.

نبدأ من مقر البنتاجون الأميركي حيث كانت الأحداث، وربما قبل أن ننتقل إلى البنتاجون مع.. من البيت الأبيض معنا الزميل ثابت البرديسي، ثابت.

ثابت البرديسي: نعم حافظ، الرئيس الأميركي أرتأى أن يكون الاحتفال بالذكرى الحادي عشر من سبتمبر هذا العام هادئة، وأقل ضوضاءً مما كان عليه الحال في العام الماضي، لكنه خرج -كما أشرت في بداية البرنامج- منكس الرأس مع زوجته وديك تشيني وزوجته لدقيقة صمت حداداً، الرئيس الأميركي أيضاً كان قد ذهب في الصباح إلى الكنيسة المجاورة للبيت الأبيض لأداء الصلاة هناك، وعندما قام بأداء الصلاة دخل معه فريق كبير من أعضاء الحكومة، من بينهم (أندرو كارد) من هيئة موظفي البيت الأبيض، ويبدو أن الإدارة الأميركية اختارت هذه المرة أن يقضي الرئيس الأميركي هذه الذكرى هذا العام هنا في واشنطن، فالعام الماضي كان قد توجه إلى موقع تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر في نيويورك، لكن هذا العام كان مقرراً أن يذهب ديك تشيني لكنه لم يذهب، ونستمع إلى ما قاله الرئيس.

قال إنه يتذكر يوماً حزيناً وفظيعاً، الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، ويتذكر من فقدوا حياتهم، والأعمال البطولية والرأفة والطيبة لدى المواطنين في ذلك اليوم، وقال: إنه يوم للصلاة من أجل الأزواج والزوجات والأمهات والآباء والأبناء والبنات، والأحباب الذين ما زالوا يتجرعون الحزن والألم، وقال إنه يصلي من أجل القوة والحكمة، ويشكر الله على البركات الكثيرة لهذه الأمة، ويدعو بالبركات خصيصاً لأولئك الذين يتألمون اليوم.

أيضاً كان هناك احتفال في وزارة الخارجية حضره كولن باول وزوجته، بالإضافة إلى ذلك كان البيت الأبيض بالأمس قد أصدر تقريراً حول ما تم إحرازه من نجاحات خلال عامين من الحرب على الإرهاب، لكن المفارقات شاءت أن يصدر هذا التقرير عن البيت الأبيض في نفس يوم صدور شريط بن لادن وأيمن الظواهري بالأمس، فيما أوجد نوعاً من المفارقات في هذا الموضوع، الخارجية الأميركية اليوم أيضاً أعادت إصدار التحذير لرعاياها داخل وخارج الولايات المتحدة من احتمال قيام تنظيم القاعدة بأعمال على غرار الحادي عشر من سبتمبر، ولم تستبعد فيها حتى أن يكون.. أن يكون هذا العمل بأسلحة دمار شامل، وبالتالي هناك يومٌ من الحزن، ويوم من الترقب والخوف، الخارجية تطالب رعاياها بأن يبتعدوا عن التجمعات، وأن يكونوا في حذر تام.

حافظ الميرازي: ثابت، بالنسبة لشعبية الرئيس بوش، استطلاعات الرأي تشير إلى تدهور شعبيته بشكل لم يسبق له مثيل منذ الحادي عشر من سبتمبر، كما هناك أصوات في الكونجرس تنتقده بحدة، لم نكن لنسمعها في الذكرى الأولى، هل هذا لأن الذكرى قد ابتعدت ولم يعد يستطيع أن يلتف فترة كبيرة حول موضوع 11 سبتمبر أم لما حدث في العراق؟

ثابت البرديسي: الواقع يمكن القول إنه العثرات التي وقعت فيها الإدارة الأميركية منذ بداية حرب العراق، وخصوصاً منذ إعلان الرئيس انتهاء العمليات الرئيسية في شهر مايو الماضي، وما شهدناه حتى اليوم على شاشات التليفزيون الأميركية الحادثة التي تعرضت فيها قافلة أميركية وعدة سيارات شوهدت محترقة على شاشات التليفزيون هنا داخل الولايات المتحدة في الفلوجة، وبالتالي يشعر كثير من الأميركيين أن هناك خلط، وهناك ما.. ما.. ما يصفه البعض بأنه كذب الإدارة حول ما تحرزه من تقدم، حتى إن هناك اليوم خارج البيت الأبيض منذ دقائق كانت هناك مظاهرة، صحيح أن أعداد أفرادها كانوا قليلين، لكن أصواتهم كانت عالية، وكانوا يقولونها (لبرتن) وبوينج والشركات الكبرى، نحن نعرف أين تذهب الأموال؟ في إشارة إلى 87 مليار دولار التي يطالب الرئيس بوش بأن تكون دفعة ثانية أو دفعة أخرى من دفعات الحرب ضد العراق، ويدرك الأميركيون أنها لن تكون الأخيرة.

حافظ الميرازي: بالطبع يا ثابت، الرئيس بوش سيزور أيضاً مستشفى (وولتر ريد) لزيارة الجرحى العسكريين العائدين من العراق أو بعضهم، ربما تسمح الفرصة لأن ننقل بعض مقاطع من ذلك خلال هذه التغطية الخاصة، أيضاً كان هناك جانب للمسلمين في أميركا أو قطاع منهم، مع ممثلين من أديان أخرى من المسيحيين، من اليهود، ليشاركوا في إضاءة الشموع مساء أمس أمام الكونجرس الأميركي، إحياءً لهذه الذكرى، وترحماً على ضحايا الحادي عشر من سبتمبر، وكتأكيد من المسلمين الأميركيين بأنهم قطاع أصيل في هذا المجتمع، وأن من حقهم أيضاً أن ينعوا ضحايا الحادي عشر من سبتمبر مع بقية الأميركيين، بدلاً من أن يصبحوا مجالاً للشك، وأن يصبحوا متهمين في أي تحرك لهم، بالطبع سنتحدث مع أحد الذين وضعوا تقريراً حول أوضاع المسلمين في أميركا خلال عامين من أحداث الحادي عشر من سبتمبر، هل جعلتهم يتقوقعون؟ أم جعلتهم يكثرون من نشاطهم السياسي؟ وأيضاً رصد للأمور المختلفة المتعلقة بالحريات المدنية وبالقوانين التي سنت بعد الحادي عشر من سبتمبر، خصوصاً وأن الرئيس بوش في خطابه الأربعاء أمام مركز تدريب المباحث الفيدرالية FBI، كان قد طالب -في حضور وزير عدله- بتمديد الكونجرس لبنود فيما يعرف Patriot Act أو قانون الوطنية، هذه البنود بعضها يرى منتقدوه بأنها تخل بالحقوق المدنية، وتعطي سلطات للحكومة الفيدرالية ولهيئاتها تجعل من موضوع الحريات المدنية أمراً مهدداً، رغم مرور عامين على أحداث الحادي عشر من سبتمبر.

كما ذكرت -بالطبع من قبل- سيكون لنا لقاء في هذه التغطية مع (رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة) الجنرال ريتشارد مايرز، الذي تحدثت إليه صباح اليوم، حول احتفالات ومراسم البنتاجون في هذه المناسبة، والتي لوحظ بأنها أقل -شأنها شأن باقي المراسم الأخرى- أقل مما شهدناه في العام الماضي، هل هو بعنصر الزمن والتقادم؟ أم أن انشغال العسكرية الأميركية بمجالات أخرى خصوصاً في بغداد التي ربما يكون قد راعى القوات الأميركية فيها مراسم أكثر وضوحاً مما كان للأمر في واشنطن، هذه التساؤلات يجيب عليها ريتشارد مايرز في مقابلتنا معه، التي سنبثها في خلال الساعة الثانية من هذه التغطية الخاصة من برنامج (من واشنطن).

البنتاجون الأميركي لا أدري إن كانت الزميلة وجد وقفي متاحة ومعنا من مقر البنتاجون، أو من أمام البنتاجون، لتحدثنا عن طبيعة المراسم التي تمت هناك، وجد معنا، وجد، كيف كانت المراسم؟ وكم كانت متواضعة بالمقارنة بالعام الماضي؟

وجد وقفي(مراسلة الجزيرة): … متواضعة هذا العام مقارنة بمراسم إحياء الذكرى الأولى لهجمات سبتمبر، حيث اقتصر الحضور على أهالي وعائلات الضحايا، وكانت لفترة قصيرة جداً ابُتدأت بلحظة من الصمت، ومن ثَمَّ وضع أكليل من الزهور على نُصب الذين قضوا في تلك الأحداث.

حيث بدأت المراسم في الصباح في المقبرة الوطنية في (أرلنتن)، بلحظة صمت تبعها وضع وزير الدفاع (دونالد رامسفيلد) ورئيس هيئة الأركان المشتركة (ريتشارد مايرز) إكليلاً من الزهور على النصب التذكاري لأولئك الذين قضوا في الهجمات على البنتاجون، وقد ركز رامسفيلد خلال الخطاب الذي ألقاه بهذه المناسبة على الشعور بالوطنية، وأهميته في نشر الحرية في العالم، وقال مخاطباً من وصفهم بالملايين الذين يخضعون لحكم الطغاة، إن أميركا ضوء الحرية وأمل العالم.

دونالد رامسفيلد (وزير الدفاع الأميركي): إن القتال من أجل الحرية مستمر، لأننا نعلم بأننا لو لم نقاتلهم حيث هم موجودون في العراق، أفغانستان وعبر العالم، سوف نضطر لمواجهتهم هنا، وسيسقط أبرياء من النساء والأطفال والوطنيين الذين سيقاتلوهم.

وجد وقفي: كما أهدى الكونجرس البنتاجون العلم الأميركي الذي سيظل في معبد البنتاجون إلى جانب نافذة زُينِّت بالزجاج الملون مهداة لتذكر ضحايا الهجمات، وكل من يدافع عن الحرية، ولعل إحساس هذه السيدة بالحرية دفعها لانتقاد رامسفيلد الأربعاء، قبل أن يلقي رجال الأمن القبض عليها.

حافظ الميرازي: وجد..

وجد وقفي: طبعاً حافظ هذه الحادثة مثل ما ذكرنا حدثت بالأمس خلال المؤتمر الصحفي، الذي عقده وزير الدفاع دونالد رامسفيلد، والذي كان حقيقة هادئاً جداً، واستمع إلى تلك السيدة، وإلى تعليقاتها، ومن ثم واصل حديثه عن الإنجازات.. إنجازات الحرب على العراق.

حافظ الميرازي: شكراً جزيلاً لكِ، الزميلة وجد وقفي من أمام مقر البنتاجون، وكما ذكرت سنتحدث مع الجنرال ريتشارد مايرز في هذه التغطية الخاصة عن الذكرى، وهل تشعر أميركا بأنها أكثر أمناً أم أقل؟ خصوصاً مع شرائط القاعدة وزعماء تنظيم القاعدة، وكيف علق على هذه الشرائط ريتشارد مايرز، سنستمع في هذه التغطية، لكن مقر الحدث وارتبط الحادي عشر من سبتمبر بموقع محدد، وهو موقع مركز التجارة العالمي أو ما كان مركز التجارة العالمي، من هناك معنا الزميل عبد الرحيم فقراء، عبد الرحيم.

عبد الرحيم فقراء (مراسل الجزيرة): حافظ، فرق ملحوظ بين ما كانت عليه الذكرى الأولى، وما كانت عليه الذكرى الثانية، الذكرى الأولى طبعاً كما نذكر كان تخليد هذه الذكرى، مظاهر هذا التخليد كانت في كل مكان في مدينة نيويورك، ولم تكن منحصرة فقط في موقع التجارة العالمي، هذه المرة الأمر اختلف نوعاً ما، فمظاهر التخليد كانت منحصرة على الكثير من الأصعدة في هذا الموقع، موقع التجارة العالمي، طبعاً إحياء الذكرى الثانية لأحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر جاءت وسط التهديدات التي تتلقاها أو يتلقاها الرأي العام الأميركي سواء من زعماء القاعدة أو عن طريق المسؤولين الأميركيين، ومدينة نيويورك طبعاً لها موقع خاص فيما يتعلق بهذه التهديدات.

منذ أحداث الحادي عشر من أيلول -تاريخ الهجمتين- طبعاً اقتصاد نيويورك، والأجواء العامة في نيويورك قد تأثرت، ولو أن العمدة.. عمدة نيويورك السابق، (رودولف جولياني) يصر -من ضمن مسؤولين آخرين هنا في نيويورك- على أن حالة الخوف قد تجاوزها سكان نيويورك، ولو أن حالة التوتر لا تزال سائدة، لكن جولياني يقول -وسنستمع إليه بعد قليل- إن المدينة قد استعادت حيويتها.

رودولف جولياني (عمدة نيويورك السابق): المدينة أكثر حيوية، ومازالت تعيد بناء نفسها، وهي أكثر تنوعاً عرقياً، وعدد سكانها مازال ينمو، ليزيد عن ثمانية ملايين ومائتي ألف، والأهم من ذلك كله أنها مدينة أقوى من الناحية الروحية، لقد واجهت أسوأ ما يمكن أن يحدث لها، وبقت على قيد الحياة، ومازالت حزينة، وفي حالة حداد، كما كان واضحاً في جنازة رجل الإطفاء مؤخراً، ولكن تعلمنا أننا نستطيع أن نتألم ونخاف، ولكن نستطيع أيضاً أن نستمر في حياتنا.

عبد الرحيم فقراء: حافظ، نقطة أخرى وهي تتعلق طبعاً بالجدل الدائر حول إقامة نصب تذكاري لأحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر في هذا الموقع، موقع التجارة العالمي، طبعاً هناك أنصار إقامة برجين جديدين في هذا الموقع على أنقاض البرجين اللذين انهارا في تلك الهجمات، وهناك أنصار كذلك إقامة نصب تذكاري يكون.. أو تكون روحه هي الغالبة على هذا الموقع، ولعل رودولف جولياني كان أكثر المسؤولين هنا في نيويورك، في تعبيره عن دعمه لأن تكون روح التذكار، روح ما حدث -كما قال- في أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر هي الغالبة، بدل أن يكون الجانب التجاري هو الغالب.

حافظ الميرازي: الزميل عبد الرحيم فقراء من أمام ما كان مركز التجارة العالمي في نيويورك، ما كان قبل عامين بالتحديد من اليوم، الحادي عشر من سبتمبر 2003، في هذه التغطية الخاصة في برنامج (من واشنطن) لعامين بعد هذه الأحداث، سنتحدث بعد قليل مع (وزير الخارجية الأميركي) كولن باول في مقابلة خاصة مع (الجزيرة) حول قراءته لهذه الأحداث، رده على الاتهامات بأن السياسة الخارجية الأميركية -وسياسة بوش بالتحديد- سياسة فاشلة، كما قال حتى بعض الزعماء الديمقراطيين هنا في واشنطن، ماذا يرد هو؟

ثم نتطور إلى ذلك إلى العراق، كيف رُبِطَ في واشنطن بأحداث الحادي عشر من سبتمبر؟ وماذا عن الوضع في الأراضي الفلسطينية.

لكن قبل ذلك يسعدني أن ينضم إلينا من عمَّان الأمير الحسن بن طلال (مقرر المؤتمر العالمي للأديان والسلام)، أشكره على أن يخصص لنا جزءً من وقته الثمين، ولعلي أسأل أولاً قبل أستمع معه إلى لقاءنا مع كولن باول، وأيضاً أستمع إلى تعليقه، كيف يرى عامين بعد هذه الذكرى؟ وماذا تركت لدينا على الجانب العربي والإسلامي مثلما خلفت على الجانب الأميركي من آثار وكدمات؟


آثار أحداث سبتمبر على الجانب العربي والإسلامي

الأمير الحسن بن طلال: بسم الله الرحمن الرحيم، بداية أتوجه بالشكر للجمعية العامة للشؤون الإسلامية Muslim public Affairs Committee على ما قاموا به خلال هذه الفترة الصعبة فترة الأعوام المنصرمة، في بناء الجسور مع كافة الأميركيين، لنستذكر أن 300 مسلم قتلوا في حادثة البرجين، وأن عشرات المسلمين استهدفوا في أماكن مختلفة من شمال أميركا، وأقول عربياً وإسلامياً شُنَّت حروب في أفغانستان وفي العراق، وكما تفضلت الوضع في فلسطين ملتهب، جمعية الشؤون الخارجية النرويجية في حزيران التقت وأكدت أن الإرهاب ليس نابع من الإسلام، الإرهاب هو ضد الإسلام، وأكدت أن السلطوية، الدول الفاشلة، غياب الحريات العامة، السلطة بلا مسؤولية هي سبباً أساسياً في اليأس، وإنني في 12/11 كما أذكر بعد هذه الحادثة أكدت ضرورة تبني السياسة الأميركية فكرة العمل من أجل إقامة نظام جديد إنساني في هذا العالم، وليس نظام مادي، العمل ضد الإرهاب هو عمل ظرفي وشرطي، مع حاجاتنا لتعريف الإرهاب، بطبيعة الحال هنالك حركات تحرير وطنية، وهنالك إرهاب، وكنت خاطبت مركز إسرائيلي في (هرتزيليا) قبل أيام حول العمل الإنساني، وأقول في إطار الإرهاب أن هنالك جمعيات كثيرة في إسرائيل مثلاً ستفصل عن الجسم العربي والإسلامي، نتيجة إقامة حائط الكراهية في تلك الديار، وأرى أن هذا الفصل وهذا العزل للمسلم هو نتاج طبيعي لانهيار حائط برلين، وأرجو أن تكون المشاهد في مشاركة المسلمين في الذكرى أيضاً مدعومة بقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، إنني قد دعيت كمقرراً، وسأسهم بشكل أو بآخر في لقاءات عديدة عبر العالم، للحديث عن الصدقية والمصالحة، وأقول أن الجمعية العامة تستعرض كل عام نظام عالمي يطالب الدول الحكومات والجماعات في احترام حقوق الإنسان، والقانون الإنساني الدولي، لنعلم أن هنالك شكلين من الإرهاب، شكل الإرهاب الخارجي نتيجة للغزو أو الاحتلال، وهنالك أيضاً شكل الإرهاب الداخلي، وأقول أن قتل النفس البريئة بهذا الأسلوب البشع أمر محرم في الإسلام، وأقول أن الإسلام براء منه، ولكنني أقول أيضاً أن هنالك استهداف عنصري لمن هو شرقي، لمن هو مسلم، وأقول أن هذه العنصرية وأقول لوزير الخارجية باول مع الاحترام الشديد، وأنا الحائز على جائزة (مارتن لوثر كينج) من (مورهاوس كولدج)، وهي أهم جامعة في أميركا للأميركيين السود، أنَّ هذه الجائزة ما زادتني إلا تضامناً مع أخوتنا في أميركا، الذين يعملون من أجل الحريات العامة في العالم.

حافظ الميرازي: سمو الأمير الحسن بن طلال، أرجو أن تبقى معنا، وشكراً على مساهمتك معنا، سنستمع إلى المقابلة التي كنت قد أجريتها مع (وزير الخارجية) كولن باول، وفي الواقع ربما الذي أريد أن أناقشه بعد أن أخرج منها هو: هل تغير شيء في السياسات؟ إذا كان البعض أو الكثيرون يرون أن المشكلة كانت السياسات منذ البداية؟ هل تغير شيء في السياسات على الجانب العربي وعلى الجانب الأميركي؟

لنرى على الجانب الأميركي هل تغير شيء في الموقف الأميركي وفي السياسات، من خلال هذا اللقاء مع (وزير الخارجية الأميركي) كولن باول، والذي كان السؤال الأول فيه حول بعد عامين من أحداث الحادي عشر من سبتمبر، السياسة الخارجية الأميركية متهمة بالفشل داخلياً وخارجياً؟


حصاد السياسة الأميركية داخلياً وخارجياً بعد أحداث سبتمبر

شكراً جزيلاً لك على إيجاد وقت لنا في جدولك المزدحم جداً، في هذه الغرفة ذاتها كان لقاؤنا الأول معك منذ عامين، وبعد أسبوع واحد من الحادي عشر من سبتمبر، كانت أميركا وقتها تتمتع بتعاطف العالم كله، الآن تبدو أميركا معزولة على الأقل لدى قطاع من الناس، كما أن سياسة أميركا الخارجية موضع انتقاد، ليس فقط خارجياً، بل داخلياً بالنسبة لانتقادات الزعيم الديمقراطي (ريتشارد جيبهارت) والجمهوري (جنجريتش)، ما قولك؟

كولن باول: سياستنا الخارجية ثابتة باستمرار، فنحن نسعى لإيجاد أصدقاء وشركاء، واستراتيجيتنا تركز على تقديم المساعدة للشعوب الفقيرة، وقد أثبتنا ذلك خلال السنتين الماضيتين، من خلال توفير المزيد من الأموال للدول النامية الفقيرة، لحل مشاكل الدول الآسيوية، التي تشكو من انتشار الإيدز وغيره من الأمراض، وقد أنجزنا الكثير إزاء حلفائنا في الصين وإفريقيا وحتى أوروبا، فرغم وجود تذمر حول بعض مشكلاتنا مع أوروبا يمكننا القول بسهولة، إن العديد من الدول الأوروبية بل معظمها، انضمت إلى أنشطتنا في إطار الائتلاف في محاربة الإرهاب، وبالذات في حربنا في العراق، ولذلك أعتقد أننا قد أثبتنا أننا أمة مبادئ، كما أننا نعلم أنه نتيجة للنزاع في العراق، ونتيجة لعملية السلام في الشرق الأوسط، والصعوبات التي واجهناها للمحافظة عليها، أخذ الناس يشككون في نوايا الولايات المتحدة، في حين أن نوايانا واضحة، فقد حررنا شعب العراق ونزمع إعادة البلاد إليه في أسرع وقت ممكن، وقد خاطب رئيس الولايات المتحدة الشعب الأميركي في مطلع هذا الأسبوع، وطلب منه 87 مليار دولار للعراق وأفغانستان، وهما البلدان اللذان كانا قبل سنتين فقط تحت قيادة نظامي حكم ديكتاتوريين، أساءا للدين الإسلامي، أما الآن فإننا نعيد هذين البلدين إعادة متأنية وصادقة لأيدي قادة منتخبين يتسمون بالشعور بالمسؤولية، وهم القادة الذين وقع اختيار شعوبهم عليهم.

آمل أنه بمرور الوقت سيرى جميع المشاهدين والمستمعين كيف ستتطور الأمور، وسيلمسون جميعاً أن أميركا اليوم هي أميركا نفسها التي حررت أوروبا، وحررت اليابان، وأنه ليس في أهدافنا الاستيلاء على أراضي أو موارد أي دولة، وخاصة النفط، بل إن هدفنا هو إيجاد شركاء، وآمل أن يرى مشاهدوكم أنه لم يعد هناك في بغداد ديكتاتور يضطهد شعبه، ويملأ القبور الجماعية بالجثث، ويمتلك أسلحة الدمار الشامل، ويهدد الدول المجاورة، لقد أصبح هذا من الماضي، أعلم أنكم ومشاهديكم متشائمون مما نفعله، ولكن أؤكد لكم أن هدفنا نبيل، وهو توفير حياةٍ أفضل للعراقيين.

حافظ الميرازي: هل تعتبر أن الدوافع سياسية فقط حين نسمع شخصاً مثل (جيبهارت) يقول إن سياستكم فاشلة.

كولن باول: مع كل احترامي للسيد جيبهارت إلا أنه مرشح للرئاسة ضد الرئيس بوش، ولذلك فثمة دوافع سياسية في أقواله، ولكن ليس كل ما يقال هو لأسباب سياسية، فإن أعضاء الكونجرس وشخصيات أخرى مؤثرة في الولايات المتحدة، يطرحون أسئلة على الحكومة حول ما نفعله، وهذا كله جزء من العملية الديمقراطية، فنحن دولة منفتحة ذات نظام سياسي منفتح، يتمتع الشعب فيه بحرية طرح الأسئلة، لكي يطلع على ما نفعله، إن أغلبيةً كبيرة من الشعب الأميركي تدعم الرئيس وسياسته، لأننا حررنا شعب العراق، ونعتزم الآن تقديم المساعدة له، ولذلك أعتقد أن الكونجرس سيوافق على تقديم هذا المبلغ من المال، لكي تستطيع قواتنا مواصلة عملها النبيل، وهذه المليارات لن تدخل جيب أحد، بل ستستخدم لبناء أنظمة تصريف المياه وطرق سريعة، وتحسين شبكة توليد الطاقة الكهربائية.

حافظ الميرازي: لكن أغلبها للإنفاق العسكري؟

كولن باول: كلا، لدينا قوة عسكرية هناك لابد من دعمها في إنهاء مهمتها، وهي ليست مهمة قمع أو اضطهاد، بل توفير الأمن والقضاء على الفدائيين وفلول حزب البعث، إن كان قد بقي أحد منه، ومنع الإرهابيين من إيجاد موطن لهم في العراق، على مشاهديكم أن يرحبوا بمثل هذه الأنشطة، وعلى مشاهديكم أن يشعروا بالأسى الشديد لوجود أعضاء من حزب البعث والفدائيين، فماذا يريد هؤلاء؟ أيريدون إعادة صدام حسين؟ أيريدون إعادة الديكتاتور؟ هل يريدون إعادة شخص وضع آلافاً وآلافاً من المسلمين في قبور جماعية؟ أهذا ما يريده مشاهدوكم؟

حافظ الميرازي: إن مشاهدينا السيد الوزير يسألون الأسئلة نفسها التي يسألها الناس هنا للإدارة في أميركا أو في أوروبا، وهي ما استراتيجية الخروج، متى سينتهي هذا الاحتلال كما يُعرَّف قانونياً وهم لا يحصلون على إجابة محددة.

كولن باول: الجواب هو بأسرع ما يمكن، فالولايات المتحدة لا ترغب في البقاء، وما الذي يدفعنا للبقاء، إن ذلك يكلفنا أموالاً طائلة ويؤخر عودة عدد كبير من جنودنا، إضافة إلى ما يحمله ذلك من خسارة سياسية واقتصادية، إذن ليست هناك أية رغبة من جانبنا في البقاء، ثمة افتراض مفاده أن الولايات المتحدة تريد البقاء، وهذا ليس صحيحاً، فنحن نريد أن نغادر بأسرع وقت ممكن إلا أننا لا نستطيع مغادرة البلاد قبل أن تكون مستعدة لتولي مسؤولياتها، ولذلك فقد تحركنا بسرعة لتشكيل مجلس الحكم وطلبنا منه تعيين مجلس وزراء وقد فعل ذلك، وبدأنا الآن بمنح المسؤوليات لهؤلاء الوزراء، ويسعدني جداً أن السيد زيباري وزير الخارجية زميلي الجديد الذي تحدثت إليه قبل أيام للترحيب به قد توجه إلى القاهرة حيث وافقت الجامعة العربية على قبول العراق، على أساس مؤقت لمدة سنة واحدة، إننا نسعى لإشراك المزيد والمزيد من العراقيين في اللعبة، وإننا نبذل الآن قصارى جهودنا لبناء جيش وطني عراقي، وقوة شرطة عراقية، وتدريب المسؤولين العراقيين بكل الطرق الممكنة، ليس بهدف احتلال بلادهم، والتحكم في شؤونهم بل بهدف تسليمهم مقاليد الأمور، ولكن سيكون من الخطأ وعدم الشعور بالمسؤولية مغادرة البلاد قبل أن نكون قد ساعدنا العراقيين على إقامة المؤسسات الحكومية كالوزارات والدستور.

حافظ الميرازي: لماذا إذن لا تنهون مهمتكم بأنفسكم؟ لِمَ تلجئون إلى الأمم المتحدة وتريدون تدخل بشروطكم أنتم؟

كولن باول: لطالما أردنا مشاركة الأمم المتحدة، فمنذ شهور يقول الرئيس أنه ينبغي أن تؤدي الأمم المتحدة دوراً حيوياً، فنحن لا نريد أن نحتكر عملية إعادة البناء، بل نريد أن ينضم إلينا العالم كله في هذا الجهد، وإحدى سبل تحقيق ذلك هي دعوة الأمم المتحدة للمشاركة فيه بدور فعَّال.

إن السبب وراء تقديمنا القرار الجديد لمجلس الأمن ليس أننا بحاجة ماسة للمساعدة، بل هو أننا نجد فيه وسيلة لتوسيع ولاية القوة متعددة الجنسيات والجهد السياسي لإعادة البناء لتسهم فيه المزيد من الدول، وإننا نرى أن للأمم المتحدة دوراً حيوياً تؤديه، وإن هذا القرار يدعوها لزيادة دورها هذا، وفي الوقت نفسه علينا أن ندرك أن سلطة الائتلاف المؤقتة يجب أن تبقى هي الحكومة إلى أن نصبح مستعدين لتسليمها للعراقيين أنفسهم، وبإمكان الأمم المتحدة ومؤسسات أخرى كثيرة أن تساعد في ذلك، كالجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي والاتحاد الأوروبي، فهناك أدوار للجميع لتقديم يد العون، وسأزور العديد من الدول في المستقبل القريب لأوحد موقف المجتمع الدولي، إن ما يتفق عليه الجميع في المجتمع الدولي سواءٌ في فرنسا أو ألمانيا أو الصين أو روسيا أو الولايات المتحدة وكل أعضاء مجلس الأمن والجامعة العربية هو أننا نريد نقل سيادة العراق من سلطة الائتلاف المؤقتة إلى العراقيين بأسرع ما نستطيع وبطريقة تتسم بالمسؤولية، وقد تسألوني متى؟ الجواب: هو أننا طلبنا من مجلس الحكم العراقي أن يقول لنا متى يعتقد أن بإمكانه تسلم مقاليد الحكم.

حافظ الميرازي: الوزير باول، أنت ذاهب بالطبع لجنيف لمناقشة هذه الأمور، ومشروع القرار الفرنسي الألماني -شأنه شأن الاقتراح الروسي- يريد إعطاء صلاحيات أكبر لمندوب الأمين العام للأمم المتحدة في العراق بدلاً من إبقاء السفير (بريمر) كصاحب الفيتو والكلمة الأخيرة حتى في قرارات مجلس الحكم العراقي.

كولن باول: عندما شُنَّت الحرب وتولينا مسؤولية البلاد كان يجب أن نصبح نحن الحكومة بموجب القانون الدولي، فهذا هو ما يحصل في أعقاب الحروب عندما يطاح بالحكومة القديمة، فقد تغيَّر النظام وتولينا نحن مسؤولية البلاد، وهي مسؤولية نود التخلي عنها بأسرع ما نستطيع، إن القول إن هذا ممكنٌ غداً وإن كل ما علينا أن نفعله هو أن نستيقظ صباح الغد ونجد عراقياً يمر أمامنا، فنسلمه الحكومة، ونقول له: إنك الآن المسؤول، وإن الجيش الأميركي والسفير بريمر سيغادران، ليس هذا بالحل المقبول، لأننا سنترك بذلك فوضى عارمة وراءنا، وهناك خيار آخر إذ قيل لي لماذا لا تتركون كل شيء للأمم المتحدة دون أن يكون لسلطة الائتلاف المؤقتة والسفير بريمر أي دور يؤدياه، وهذا رأي قد يجده البعض مقبولاً، لكنه ليس عملياً، فالسفير بريمر يمثِّل سلطة الائتلاف المؤقتة وهو الحكومة كما أننا نقدم كل التمويل اللازم، وإن لدينا القوات المسلحة اللازم لتحقيق الاستقرار في البلاد، وهكذا فإن للأمم المتحدة دوراً تؤديه، لكن الاعتقاد بأن بإمكان الأمم المتحدة تولِّي كل هذه المسؤوليات فجأة ولوحدها مع استبعاد سلطة الائتلاف أمر لا يمكن تطبيقه لأنه غير واقعي ولا عملي، كما أنني لم أسمع أي مسؤول في الأمم المتحدة يقول إن هذا ما يريدون فعله، بل يقولون إنهم يريدون زيادة دور الأمم المتحدة في اتخاذ القرارات والمهام وتولي المسؤوليات، أعتقد أن بإمكاننا التوصل إلى صياغة للقرار تضع هذه الاعتبارات في الحسبان، وتمنح الجميع دوراً مسؤولاً يؤدونه، وحكومتي لا تعترض على ذلك، وقد ذكرت ذلك بنفسي يوم أمس في شهادتي، كما قاله مساعد الوزير (وولفويتس)، كما قال الشيء نفسه السيد (رامسفيلد) والرئيس.

حافظ الميرازي: لقد التقيت برئيس وزراء الكويت وتنوي بالطبع الاتصال بزعماء عرب آخرين، هل هناك مبلغ محدد تتوقعه من دول الخليج بالأخص لمساعدة العراق؟

كولن باول: أرجو أن يكونوا كرماء إلى أكثر حد يستطيعونه، لم نحدد رقماً لحد الآن إلا أن الحاجة كبيرة، وستطلب الولايات المتحدة مبلغاً كبيراً من كونجرسها، ويبدو لي أنه ينبغي على الدول العربية ومن يستطيع المساهمة أن يفعل ذلك لأننا نتعاون جميعاً لتقديم يد العون لدولة عربية، وهذا هو أوان الكرم.

إنني متأكد من أننا سنتوصل خلال المشاورات التي سأجريها إلى تحديد المبالغ المطلوبة، وكما تعلم فإننا سنعقد مؤتمراً في مدريد بإسبانيا لمناقشة كل هذه الأمور.

حافظ الميرازي: قبل أن أترك موضوع العراق، لقد تم ربط العراق بشكل ما في الخطابات السياسية بواشنطن بالحادي عشر من سبتمبر، كالقول مثلاً: إننا ذهبنا للعراق بسبب 11 سبتمبر، كيف ترى ذلك الربط الآن، خصوصاً وأننا لم نعد نسمع كلمة أسلحة دمار شامل، لم نسمعها من الرئيس بوش في خطابه الأخير، ولم نعد نسمعها في واشنطن مؤخراً.

كولن باول: بالتأكيد، إن موضوع أسلحة الدمار الشامل مازال مطروحاً، ومازال يشكل قضية، وإن السيد (ديفيد كيه) وفريقه مازالا يعملان بجد، ونتوقع منهما تقريراً أوليًّا في المستقبل القريب، وأعتقد أنكم سترون أن مخاوفنا من أسلحة الدمار الشامل كانت مبررة، ولكنني لا أعتقد أننا قلنا إننا سنجد أن هناك علاقة مباشرة بين بغداد وأحداث الحادي عشر من سبتمبر، إلا أن ما نقوله الآن هو أننا نحاول في مرحلة ما بعد الحرب تحقيق الاستقرار في البلاد وتمهيد الطريق للعراقيين ليتولوا المسؤولية، ولكن هناك الكثير من الأشخاص الذين يحاولون مجدداً إعادة العراق من خانة الحرية إلى خانة الديكتاتورية والإرهاب، وهكذا نرى أن من يثيرون القلاقل ليسوا أعضاء النظام السابق، بل بدأنا نرى إرهابيين يدخلون العراق، وقد يمثِّلون -بل إنني على ثقة من أنهم يمثلون- تنظيم القاعدة وأنصار الإسلام ومنظمات إرهابية أخرى، وهؤلاء لا يدخلون البلاد للمساهمة في إعادة البناء وإصلاح نظام تصريف المياه أو شبكات توليد الكهرباء، بل ليمارسوا نوعاً من الإرهاب ينبغي أن يعد منافياً لكل قواعد اللياقة في العالم.

حافظ الميرازي: لو انتقلنا للشرق الأوسط والصراع العربي أو الفلسطيني الإسرائيلي، أنت نفسك حذرت من مغبة اقترابنا من حافة هاوية وخطورة انهيار كل عملية السلام، ما الذي تفعله الولايات المتحدة وتحاول فعله خصوصاً وأن رئيس الوزراء الفلسطيني الجديد المكلَّف لا يزال ينتظر ضمانات بأن تساعده واشنطن وألا تخذله مثلما شعر أبو مازن بأنها فعلت معه وهو يقدم استقالته؟

كولن باول: لا أعتقد أننا خذلنا السيد أبو مازن، بل بذلنا جهداً كبيراً لإنجاح إرادته، فقد ذهب رئيس الولايات المتحدة للعقبة وشرم الشيخ ووضع كامل ثقله إلى جانب السيد أبو مازن ووزارته، وبالتالي فإننا لم نخذله، وقد شاهدنا بعض التقدم الأولي، لقد سُلِّمت غزة وبيت لحم، وكانت هناك وعود بإزالة بعض نقاط السيطرة، وقد حددنا مسؤوليات واضحة حول أنشطة المستوطنات، ما طلبناه من الجانب الفلسطيني كان أولاً وقبل كل شيء إيقاف الإرهاب، وقد أعلنت حماس والجهاد الإسلامي ومنظمات أخرى أعلنت وقف إطلاق النار، وقد قلنا للقيادة الفلسطينية إن وقف إطلاق النار وحده ليس كافياً، لأنه طالما بقيت لدى حماس والمنظمات الأخرى القدرة على العودة إلى الإرهاب، فإن الخطر والتهديد سيبقيان قائمين، ولمعالجة ذلك يجب ملاحقتهم.

إن السيد عباس وأعضاءً في وزارته قالوا إنهم يشعرون بأنهم لا يمتلكون القوة الكافية لذلك، وكانوا يعتقدون أن لديهم الوقت اللازم لذلك، إلا أن الوقت لم يتسنَّ لهم، فقد اندلع الإرهاب مجدداً وعادت حماس والمنظمات الأخرى إلى سابق عهدها، وهذا ما يجعل الأمر مستحيلاً، إذ لا يمكن أن تكون هناك منظمة مثل هذه في دولة تسعى للعيش بأمن وسلام مع الدولة المجاورة لها، لذلك لابد من مواجهة هذه المنظمات إن عاجلاً أو آجلاً، أياً كان رئيس وزراء الشعب الفلسطيني.

ما آمل أن يكون مختلفاً هذه المرة هو أن يكون رئيس الوزراء الجديد مسؤولاً عن جميع الأجهزة الأمنية وأن تكون تحت سيطرته بحيث تكون جميعاً بقيادة شخص واحد وعازمة على إيقاف الإرهاب مثل الإرهاب الذي رأيناه قبل أيام، والذي يؤدي إلى رد فعل مشابه أو انتقام من جانب إسرائيل، وهو الإرهاب الذي يودي بحياة الكثير من الناس كما يودي في الوقت نفسه بأحلام الشعب الفلسطيني.

لقد عملت جاهداً لسنتين ونصف السنة خلال خطط ومشاريع مختلفة، خطة (ميتشيل)، وخطة (تينت)، وخارطة الطريق التي مازالت قائمة رغم أننا لا نتحرك فيها حالياً إلا أنها مازالت قائمة تنتظر استخدامها.

إننا مستعدون لدعم رئيس الوزراء الجديد، ولكن على رئيس الوزراء الجديد أن يقول لنا وللعالم ما هو استعداده للعمل فيما يتعلق بقضايا الأمن والإرهاب؟

وهل سيتمتع بالسلطات السياسية اللازمة والاستقلالية في العمل؟ هل ستجتمع كل الأجهزة الأمنية تحت سيطرته؟ وهل ستكون هذه القوى ملزمة بمحاربة الإرهاب؟

حافظ الميرازي: لكن ماذا عن إسرائيل السيد الوزير -الوقت يداهمنا عفواً- ماذا عن إسرائيل؟ أبو مازن قال إن واشنطن لم تمنع استفزازات إسرائيل للفلسطينيين، بل البعض تضايق حين سمعوك تقول بأنك لا تريد الإسرائيليين أن يستهدفوا أو يقتلوا أو يجرحوا تسعة أطفال فلسطينيين للتخلص من قائد من حماس، لأنك تخشى أن يصبح هؤلاء الأطفال قتلة في المستقبل تابعين لحماس؟ هل هذا اعتراضك الوحيد على استهداف الأطفال لأنهم سيصبحون قتلة مثل حماس مستقبلاً؟

كولن باول: كلا.. كلا، إن الإجابة عن هذا السؤال هي أننا نعتقد أنه يجب تجميد بناء المستوطنات وإزالة نقاط السيطرة وحل مشاكل الجدار الذي يبنى، وقد ألزمنا إسرائيل بكل هذه النقاط، والتزمت إسرائيل ببنود في إطار خريطة الطريق، وإننا نضغط عليها للوفاء بالتزاماتها، ولكن يجب أن تفهموا هذا بوضوح، وينبغي على مشاهديكم أن يفهموه بوضوح أيضاً، وهو أنه من الصعب جداً علينا فرض الوفاء بهذه الالتزامات في ضوء استمرار حماس والمنظمات الأخرى في أعمال الإرهاب، ومن المستحيل على الحكومة الإسرائيلية الوفاء بالتزاماتها تجاهنا في مواضيع مثل الاغتيالات وما شابه ذلك عندما تقول حماس إننا لا نبالي بما يجري، إذ أننا نعتقد أن تفجير حافلة مليئة بالنساء والأطفال وسيلة سياسية مرفوضة، هذا النوع من الأنشطة يجب أن يتوقف، وعلى الشعب الفلسطيني والقيادة الفلسطينية الجديدة أن يتخذا قراراً، هل سيضعان كل القوى المسلَّحة تحت سيطرة الحكومة الفلسطينية؟ وقد قال رئيس الوزراء عباس إن هذا ما كان يريد تحقيقه، لأنه لا يمكن لأية حكومة مسؤولة أن تقبل وجود منظمات في المجتمع تنوي وتستطيع تنفيذ أعمال إرهابية، آمل أن يحصل رئيس الوزراء الجديد على الدعم والصلاحيات اللازمة لإنهاء هذا النوع من الأنشطة الإرهابية، وإذا استطاع السيطرة عليها وإنهاءها فإن كل الخيارات ستنفتح أمامنا مما سيزيد في قوتنا نحن أيضاً في تقديم طلبات أكبر لإسرائيل للوفاء بالتزاماتها.

حافظ الميرازي: (وزير الخارجية الأميركي) كولن باول في مقابلة خاصة مع (الجزيرة) سجلناها معه بمناسبة الذكرى الثانية للحادي عشر من سبتمبر/أيلول والتي نخصص لها اليوم هذه التغطية الخاصة في برنامج (من واشنطن).

معنا مازال ضيفنا من عمان الأمير الحسن بن طلال (مقرر المنتدى العالمي.. المؤتمر العالمي للأديان والسلام). سمو الأمير، كمواطن عربي وليس كسياسي كيف ترى ما سمعته، وسؤالي كان في البداية هل تغير شيء السياسة الأميركية، الإجابات التي نحصل عليها من مسؤولين أميركيين، هل هناك دروس خرجنا بها من الحادي عشر من سبتمبر؟


الدروس المستخلصة من أحداث سبتمبر على الجانب الأميركي والعربي

الحسن بن طلال: لم يتغير شيء إلا أن السيد باول يمثل الصدقية الأميركية لحد كبير، ويمثل الإنسانية الأميركية بأسلوبه الذي يختلف عن أسلوب بعض المحافظين الجدد بكل تأكيد، ولكنني لم أسمع إلا عبارة أمن وسياسة واقتصاد، أما البُعد الإنساني والبعد القانوني بالكلية التي نتوقعها عند الإشارة إلى أسلحة الدمار الشامل قال أن البحث جاري، ولكن هنالك إغفال كلي لحقيقة أن أسلحة الدمار الشامل منتشرة من إسرائيل إلى الهند.. داخل.. وعند الإشارة إلى الجامعة العربية والهيئات الدولية وتفعيل الإرادة الدولية يدرك السيد باول أن العلاقات الثنائية أهم لدول الإقليم من العلاقات الجماعية، فهنالك تغييب للإرادة الجماعية، أشار إلى مؤتمر المانحين في أكتوبر المانحين المقصود للعراق كما فهمت، ولكنني كنت أتمنى أن يشير إلى خطة (مارشال) أو مؤتمر فرساي إنساني للإقليم بأكمله، وكنت أتمنى حقيقة وفن السياسة هو عبر القرون إعادة لمفاهيم بسيطة ومعبرة أن يتحدث عن الحرية لكافة شعوب الإقليم، الصحفية (جيسيكا ستيرن) في صحيفة "النيويورك تايمز" -وهي يهودية كما أعتقد- أشارت بوضوح إلى العراق، وقالت إن هذا البلد -كما تفضل السيد باول- يزداد به الإرهاب، فأقول: هل دخول الإرهاب بعد اعتراف السيد باول أن هنالك غياب لعلاقة بين القاعدة والعراق خفض من وتيرة الإرهاب أم زاد من خطورة الاستمرار في التعامل مع محور الشر، إسرائيل بطبيعة الحال تنظر إلى الخطر النووي الإيراني وهنالك تهديدات لسوريا إلى آخر ذلك، ما أقوله باختصار أن الحل لمشاكل الإقليم لن يتأتى إلا من خلال إرادة دولية جامعة من إرادة المجلس الذي يصدِّر 85% من أسلحة العالم وهو مجلس الأمن، لنطمئن أقول أننا بحاجة حقيقة لمصفوفة قيمية أخلاقية جديدة ولقانون سلام، هنالك قانون حرب في العالم، ولكن هذه التنازلات من قانون الحرب لا تأتي بالسلام، فسؤالي باقي: هل تنتهي الحروب وكيف تنتهي؟ أما.. أما أن نرى في المقابل استمرار للمصالح التي تستثمر الحروب لغاياتها الخاصة النفط والسلاح.

حافظ الميرازي: نعم، شكراً جزيلاً لك. للأسف لضيق الوقت على الأقمار الصناعية سنكتفي بهذا الجزء من لقائنا مع سمو الأمير الحسن بن طلال (مقرر المؤتمر العالمي للأديان والسلام) كان معنا من عمان، وكنا بالطبع نتمنى أن يكون الوقت مسموح أو يسمح لأن نناقش أيضاً على الجانب العربي على الخريطة.

الحسن بن طلال: ثمة كلمة أخيرة.. كلمة أخيرة لو سمحت لي.

حافظ الميرازي: تفضل.. تفضل وسنغامر بفقدان الاتصال تفضل.

الحسن بن طلال: عفواً (إبرهام بورغ) الناطق باسم البرلمان الإسرائيلي قال بوضوح لشارون: عليك إما أن تنتهي من المستعمرات وتقيم المستعمرات.. تزول المستعمرات بالكامل أو أن تتخذ قرار بالطرد.. كنت تتحدث عن الرئيس عرفات.. عن طرد كافة الشعب الفلسطيني عن أراضيه، وأعتقد هذه التهديدات الجريئة التي تأتي من مسؤولين إسرائيليين وهم في معسكر السلام يجب أن تتخذ على محمل الجد، وفي وقت قريب من قِبَل الولايات المتحدة قبل أن تنكفئ الولايات المتحدة في عملية الانتخابات الداخلية وتترك الرموز في هذه المنطقة يستمرون بممارسة سياساتهم الشرسة.

حافظ الميرازي: نأمل ذلك شكراً جزيلاً لك، الأمير الحسن بن طلال (مقرر المؤتمر العالمي للأديان والسلام) معنا في.. كان معنا من عمان في هذا البرنامج الخاص في (من واشنطن) ليوم الحادي عشر من سبتمبر 2003، عامان على أحداث الحادي عشر من سبتمبر كيف نراها وكيف غيَّرت الخريطة السياسية في واشنطن؟ وماذا بقي أيضاً من زخمها الأول في عامها الأول وماذا تلاشى في العام الثاني، ليس فقط المراسم ولكن لاحظنا شعبية الرئيس بوش، حدة الانتقادات الصادرة من الكونجرس ولم تكن موجودة من قبل، ماذا أيضاً بالإضافة إلى ذلك. معي في الأستوديو السيد خليل جهشان أرحب به (أحد أبرز نجوم المسرح العربي الأميركي والناشطين فيه) أبلغت بأنه ربما ليس لدينا الوقت الكافي لأن نأخذ وجهة نظره الآن، ولكن.. وجهة نظره الآن، ولكن سنعود إليه بعد فاصل إعلاني وفاصل إخباري في.. ونعود إليكم أيضاً في هذه التغطية، كما سنناقش في الجزء الثاني فريد زكريا الذي تحدث عن الرؤية الغربية للإسلام والرؤية الأميركية، كما أيضاً سنذيع ونبث في الجزء الثاني مقابلة أجريناها في وقت مبكر اليوم مع (رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية) ريتشارد مايرز.

[موجز الأخبار]

حافظ الميرازي: عودة إلى الجزء الثاني من هذه الحلقة الخاصة من برنامجنا (من واشنطن) في الحادي عشر من سبتمبر 2003 في ذكرى عامين على أحداث هذا اليوم، وقد استمعنا في الجزء الأول إلى وزير الخارجية الأميركي كولن باول يتحدث عن السياسة الخارجية الأميركية في عامين منذ الحادي عشر من سبتمبر عن استمراريتها، عن اتساقها وعن هذا المد من العمل ومن أجل السلام، ولكن أيضاً استمعنا إلى تعليق الأمير الحسن بن طلال من عَمَّان عن أننا إذا كنا نبحث عن تغييرات إيجابية بغض النظر عن ثقته في الأشخاص وفي شخصية كولن باول فإننا لا نرى هذا التغيُّر الإيجابي على الأقل من حيث قراءة السياسة الأميركية من حيث تعاملها مع المنطقة العربية، هل تغيَّر شيء بعد الحادي عشر من سبتمبر وفي خلال عامين ماذا تغيَّر على الساحة الأميركية وعلى الساحة العربية والإسلامية وخصوصاً السؤال الذي كان قد طرح أيضاً في أميركا وفي إعلامها بعد الحادي عشر من سبتمبر لماذا يكرهوننا؟ أي يقصد السؤال العرب والمسلمين.

سنتحدث مع أحد أبرز الذين طرحوا هذا السؤال وهو السيد فريد زكريا ينضم إلينا من نيويورك (رئيس تحرير الطبعة الدولية لمجلة "نيوزويك" الأميركية)، ونتحدث معه أيضاً عن التيار والخريطة الفكرية الأميركية والسياسية بعد الأحداث وصورة الإسلام في أميركا، وأيضاً أرحِّب مرة أخرى بضيفنا في الأستوديو السيد خليل جهشان (أحد أبرز الناشطين العرب الأميركيين) معنا في واشنطن.

خليل، ربما لم تسمح لنا الفرصة لتعليقك على حديث (وزير الخارجية) كولن باول على السؤال الذي كنا نبحث عنه وهو إذا كنا نبحث عن إيجابيات، ما الذي أو ما الدروس التي ربما قد تعلمها الطرفان على الجانبين الأميركي وعلى الجانب العربي والإسلامي؟

خليل جهشان: بصراحة يعني وزير الخارجية باول يمثِّل التيار العقلاني داخل هذه الإدارة الأميركية، وتربطنا به شخصياً ومؤسساتياً علاقات طويلة الأمد، ولكن مع كل احترامي له، وأنا أكن له الكثير من الاحترام، بصراحة لم يأت بشيء جديد في.. في هذا المجال، بالعكس أثبت الانتقادات التي نسمعها بشكل مستمر من مصادر الجالية العربية والإسلامية هنا وأيضاً من إخواننا في العالم العربي، فلا أعتقد أنه كان مقنعاً في مخاطبة الرأي العام العربي والمشاهدين لهذا البرنامج بالنسبة لتغييرات إيجابية، هناك تغييرات كثيرة لا شك أن أميركا التي نعرفها اليوم هي ليست أميركا التي.. التي كنا نعرفها في العاشر من سبتمبر أو أيلول 2001، ولكن أغلب هذه التغييرات تغييرات سلبية إن كانت بالنسبة لسياسات الولايات المتحدة الداخلية أو الخارجية.


تقسيمة الصقور والحمائم في الإدارة الأميركية إفراز الأحداث سبتمبر

حافظ الميرازي: نعم، التيارات التي سادت على الساحة الأميركية ربما هناك تعبير انتشر وبدأ يتداول في العالم العربي بشكل كبير بعد 11 سبتمبر في النظر إلى إدارة بوش، التقسيم لصقور وحمائم، النظرة إلى باول ورامسفيلد، النظرة والحديث عن المحافظين الجدد، إلى أي حد هذه التقسيمات قائمة بالفعل؟ وإلى أي حد أفرزتها بالفعل أحداث الحادي عشر من سبتمبر؟ الزميلة وجد وقفي توقفت عند هذا الموضوع في تقريرها التالي.

تقرير/وجد وقفي: الصقور والحمائم تعبيران ترددا في الآونة الأخيرة، ويقصد بهما المعسكران السياسيان داخل الحزب الجمهوري الحاكم في الولايات المتحدة، الحمائم يشكلون التيار المعتدل في وزارة الخارجية والحديث عنهم لم يعد ذا أهمية نظراً لقلة تأثيرهم في السياسة الخارجية لإدارة بوش وخاصة بعد هجمات سبتمبر.

خليل جهشان: أحداث الحادي عشر من سبتمبر جاءت أو دفعت بالبلد ككل بالولايات المتحدة ككل، بالمجتمع الأميركي ككل، بالعقلية الأميركية ككل إلى اليمين، فحتى الحمائم التقليديين الذين كانوا موجودين في الحزب الجمهوري أصبحوا نوعاً ما صقور.

وجد وقفي: أما الصقور الذين يشكلون وزارتي الدفاع والعدل ومجلس الأمن القومي ينظر إليهم على أنهم التيار اليميني المتشدد والتيار الديني الأصولي المتطرف الذي كسب ود التيار الصهيوني، وأصبحت تربطه علاقة وثيقة بإسرائيل بعد هجمات سبتمبر، وذلك بعدما كان يصفه التيار الصهيوني بأنه معاد للسامية.

أما المحافظون الجدد فهم تيار فكري سياسي انشق عن الحزب الديمقراطي في الستينات ليدعم برنامج الجناح اليميني في الحزب الجمهوري، وينُظر إلى هذه التيارات على أنها تؤمن بالقوة وباستراتيجية الحروب الاستباقية، وهو ما يفسر -حسب المراقبين- الروابط الوثيقة بينهم وبين القطاع الصناعي العسكري.

كان لهذه التيارات المتشددة التي جاء بها الرئيس الجمهوري الأسبق (رونالد ريجان) لمعاونته على مواجهة الاتحاد السوفيتي آنذاك الأثر الكبير على الحلبة السياسية، لكن وبعد انهيار الاتحاد وانتهاء الحرب الباردة لم تعد لها ذريعة للتأثير على السياسة، غير أن أحداث سبتمبر الكارثية جاءت هدية موضوعية للمتشددين.

خليل جهشان: هذا التيار المتطرف هو كان نوعاً ما تيار يواجه الإفلاس فكرياً، فجاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر وأعطته روحاً جديدة، أعطته زخماً جديداً، أعطته عدواً جديداً، وأعطته دوراً جديداً في بلورة سياسة الولايات المتحدة، فنما هذا التيار بشكل واسع وسريع، وأصبح هو الطرف المقرر لسياسات الولايات المتحدة.

وجد وقفي: أما المنابع السياسية لتلك التيارات المتشددة فهي مؤسسات الأبحاث الفكرية مثل معهد أميركان إنتربرايز، ومؤسسة هيرتيدج والمجلس الأعلى لسياسات البنتاجون.

كارين رولان (مركز الدراسات السياسية): بالرغم من أن الصقور المتطرفين مثل وولفويتس وتشيني ورامسفيلد استغلوا بجدارة الخوف الذي يعتري الأميركيين بعد الهجمات إلا أنني أعتقد أنهم أفرطوا في استخدام أوراق لعبهم وبأن الطاولة بدأت بالدوران لأن الشعب بدأ يطالب بالحقيقة.

وجد وقفي: ويُعتقد أن إعلان الحرب على ما يوصف بالإرهاب جاء بأجندة وُصفت بالمتطرفة لتؤول إلى حرب ضد المهاجرين والحريات والتعددية.

وجد وقفي -(الجزيرة)- واشنطن.

حافظ الميرازي: إلى أي حد يمكن الحديث بالفعل عن تقسيمة لصقور وحمائم، عن محافظين جدد، عن متشددين، هل بالفعل أحداث الحادي عشر من سبتمبر قد أوضحت هذا الفرز بينهم، أم أن الأمور أكثر تعقيداً على الساحة الأميركية من ذلك كما أنها أكثر تعقيداً على الساحة العربية والإسلامية بالمثل.

السيد فريد زكريا معنا من نيويورك (رئيس تحرير الطبعة الدولية لمجلة نيوزويك)، كيف ترى التقسيمة التي ربما نلجأ إليها إعلامياً للصقور والحمائم في الإدارة، ثم بالمحافظين الجدد بشكل عام أو اليمين المسيحي الذي قويت شوكته كما يعتقد البعض في.. بعد أحدث الحادي عشر من سبتمبر؟

فريد زكريا: أعتقد أن تقريركم كان صحيحاً من حيث الأساس إذ هناك تقسيم فعلي في الإدارة الأميركية بين المتشددين والمحافظين الجدد تشيني ورامسفيلد يبدو يسيران على نفس الطريق، ولا أدري إن كان تسمى المعتدلين حمائم مثل باول مازالوا مستمرين في السياسة الخارجية الأميركية ومُصرين عليها، ولكن بسبب التعقيدات التي تلازم هذه التقسيمات، فنجد أن من الممكن وصف حركة القوة بأنها معتدلة، ولكنها تؤيد الأمر الواقع، فمثلاً.. وهذا لا يتطابق مع الإصلاحات السياسية في العالم العربي إن المتشددين عادة يميلون لاستخدام القوة في حين أن الحمائم يؤيدون تأييد مثلاً مساعدة البوسنيين والإسلام وما إلى ذلك، إذن إن الأمر يتعلق بخلط أو مزيج من الاتجاهات، ولا أقول أن ما طرح لم يكن صحيحاً، ولكن أقول أن الأمر معقد أكثر من ذلك، فكما تحاول الولايات المتحدة أن تفهم العالم العربي فإنها أحياناً تقسيمات تكون مبالغ فيها.

حافظ الميرازي: سيد زكريا، السؤال الذي كان يفترض أن يطرح بعد الحادي عشر من سبتمبر في أميركا لماذا حدث هذا؟ ترك هذا السؤال ربما إلى برامج وثائقية، إلى تحقيقات في الكونجرس ركزت على الجانب الأمني بدلاً من السياسي وطُرح سؤال: لماذا يكرهوننا، وربما أنت تكون المؤلف لتعبير لماذا يكرهوننا في الإعلام الأميركي، أرجو أن تصحح لي، لماذا كان طرح السؤال بمفهوم الكراهية وكأنها مسألة غير عقلانية وعاطفية؟

فريد زكريا: أعتقد أن الشعور كان أو الدافع هو شرح شيء بأنه قوي، غضب شديد قوي لدرجة أن مهام انتحارية تقتل النساء والأطفال مقارنة بما يفعله العسكريون الأميركان والمسؤولين، لا أعتقد أن هذا العنف استخدم بشكل انتقامي، بل إن القضية كانت كبيرة جداً، فهناك أناس في العالم كانوا يحملون مشاعر قوية جداً تجاه أميركا، ولا أدري هل نسمي هذه المشاعر منطقية أم لا، فلنقدم لكم مثلاً فيما أعتقده معقول أحد الأشخاص قال لي بعد أن كتبت هذا المقال إني لم أركز على الاتهامات المحددة التي وجهها أسامة بن لادن ضد السياسة الأميركية الخارجية، كما تعلم أن أول تهمة في تصريحه الفتوى الشهيرة، وكان ذلك عام 1998 أو 99، قال في هذه الفتوى: أن المشكلة الرئيسية أن هي وجود القوات الأميركية في السعودية، يبدو أن أسامة بن لادن لم يلاحظ في آخر فيديو نشره أنه لم تعد هناك قوات أميركية في السعودية، ولذلك لم يتحدث عن هذا الموضوع، بل تحدث عن القوات الأميركية في العراق، إذن فالتهمة تتغيِّر، مما يعني أن هناك شيء أكثر جوهري في الأمر، هناك كراهية أوسع ومعارضة للعالم الغربي والولايات المتحدة بدل.. ولذلك لا يتبع سياسة واحدة.

حافظ الميرازي: طيب لماذا لا تكون أو لا يكون السؤال إذن أو المشكلة إذن هو إضافة العراق أو غيرها بأنه قد يقول قائل لأن الأخطاء الأميركية متكررة، لأنه بدلاً من التركيز على 11 سبتمبر أو بدلاً حتى من عملية محدودة في أفغانستان ضد القاعدة إذا بتوسيع لرقعة الصراع وتوسيع لجبهة الأعداء وإثارة أعداء آخرين؟

فريد زكريا: أعتقد أنك بالإمكان توجيه انتقادات كثيرة للسياسة الخارجية الأميركية، وكما تعلم أنا أنتقد هذه السياسية، وأنني لست من المؤيدين لسياسة بوش الخارجية، وخاصة في هذه الحلقة التي يلتف حولها رامسفيلد وتشيني، ما أقوله أنه إذا أردت أن تناقش موضوع الإرهاب الموجَّه ضد القاعدة.. ضد أميركا من القاعدة هو رد فعل على ما فعلته أميركا في السعودية، ولكن كيف إذن تفسر هجومهم على الأميركان رغم محاولاتهم للوساطة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وكيف تفسر أنه رغم إخراج القوات الأميركية من السعودية أصبح هذا الأمر غير مهم رغم أنه كان التهمة الأساسية الموجهة لأميركا، إذن ما أقوله أن الموضوع أكبر من ذلك، الأمر ليس يتعلق فقط بكراهية أميركا بل كراهية العالم الحديث، وأنتم و(الجزيرة) جزء من هذا العالم الحديث.

إن العالم الذي يخلقه بن لادن ليس العالم الذي يسمح بوسائل الاتصال والإعلام الحرة، ولا يسمح للنساء بأن يلبسوا ملابس حديثة، إذن أن العالم العربي..

حافظ الميرازي: بالطبع أنت تدرك كوسيلة إعلام حين يكون لديك خبر أو شريط من شخصية خلافية أو يتم البحث عنها أو تقوم حروب بهذا المستوى تضعها من الناحية الإخبارية مثلما وضعت مثلاً "نيويورك تايمز" رسالة من اليوني بامر Uni Bomber أو مفجر الجامعات الأميركية لمعرفة كيف يفكر هذا الطرف وهذا الخصم المهم بغض النظر عن من يحاول أن يستخدم من، أعتقد هناك اتفاق على الأقل لدينا بهذا؟

فريد زكريا: بالتأكيد، أنا لا.. لا أختلف معك في هذا الرأي، ولا أختلف معك حول بسبب عرضكم لأشرطة بن لادن، أنا أعلم أن هناك انتقاد شديد موجَّه لقناة (الجزيرة) من وجهة نظر أميركا، ولكني أعتقد إن ما تفعلونه في (الجزيرة) من حيث الأساس هو خطوة تقدمية مهمة جداً في العالم العربي، وإنني قد لا أتفق مع بعض معلقيكم وبرامجكم، ولكن المهم إنكم توفرون وجهة النظر المختلفة وهو أمر صعب أن نجده في العالم العربي الذي عادة يتبع وجهة نظر واحدة.

حافظ الميرازي: شكراً جزيلاً لك سيد زكريا، قبل أن..

فريد زكريا: أرجو سوف أن تطرح عليَّ أسئلة سهلة الآن.

حافظ الميرازي: لأ سؤال.. سؤال.. سؤال بسيط وخفيف جداً وهو تعبير اليمين المسيحي، قوة اليمين المسيحي سواء في هذه الإدارة أو بشكل عام كيف ترى هذا التعبير هل هو ضُخِّم أكثر من اللازم وكيف سيؤثر على سياسات وإدارة.. إدارة بوش خصوصاً فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي؟

فريد زكريا: أعتقد أن.. إن هذا الشيء حقيقي وموجود فعلاً، ويزداد بروزاً ويدعم سياسة الليكود.. حزب الليكود الإسرائيلي، وكما أيضاً طرح أفكار كثيرة حول الإجهاض ومسائل أخرى، ولكن هذه القضايا لم تنجح، لذلك فإنهم يبحثون عن قضايا جديدة وبالتالي بدءوا يعلنون تأييدهم لحزب الليكود ومعارضتهم للقضايا الإسلامية، وأنتم تعلمون أن هذه الاتجاهات بحاجة إلى تمويل، ولتحصل على تمويل يجب أن تخيف الآخرين، إذن وهذا يحدِّد مدى تأثيرهم ونفوذهم، هناك عدد كبير في الحزب الجمهوري الأميركي يمثلون هذا الاتجاه، ولكنهم نشيطون من حيث أنهم يقومون باتصالات هاتفية وأعمال تطوعية كثيرة، ولكن أعتقد أن أهم شيء نتذكره أن القيادة الرئاسية بإمكانها دائماً أن تعالج مجموعات مثل هذه المجموعة، ولا عليك أن تفعل شيء تجاهها إذا كنت رئيساً، لذلك فإن إدارة بوش لا تحتاج أن تختبئ وراء أي شيء، ولكن هذا لا يعفيها من مسؤولية القيادة، وأعتقد أن هذه القضية الفلسطينية.. فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية تحققت خطوات إيجابية جداً، وأعتقد أن تنحية عرفات كانت فكرة جيدة، ولكنهم لم.. لأنه لم يتخذ سياسات قوية، إلا أن أميركا لم تضغط على شارون أيضاً لتفكيك المستوطنات، ولذلك لا أعتقد أن.. أن حديثهم دائماً متوازناً.

حافظ الميرازي: شكراً جزيلاً لك سيد فريد زكريا (رئيس تحرير الطبعات الدولية لمجلة "نيوزويك" الأميركية) أعود.. شكراً لك.. أعود إلى ضيفي في الأستوديو خليل جهشان. أولاً: هل من تعليق على بعض هذه النقاط؟

خليل جهشان: فقط بالنسبة للنقطة الأخيرة بالنسبة..

حافظ الميرازي: اليمين المسيحي.

خليل جهشان: لقوة اليمين الأصولي المسيحي هنا في الولايات المتحدة، لاشك إن هذا اليمين يعني قوة سياسية موجودة منذ فترة في الواقع في الولايات المتحدة ازدهرت نوعاً ما قوة هذه الشريحة من المجتمع الأميركي في عهد (ريجان)، يعني هم جاءوا بريجان إلى الحكم وريجان جاء بهم إلى واجهة العمل السياسي في أو العملية السياسية في الولايات المتحدة، ولكن بصراحة يعني -كما لمح فريد- إنه الإدارة الأميركية تستعمل اليمين الأصولي المسيحي في الولايات المتحدة لتختبئ وراءه بالنسبة لضرورة التحرك بالشرق الأوسط، فهو.. فهذا لا يعبر بشكل واضح..

حافظ الميرازي: عن قوته هو أصلاً.

خليل جهشان: صحيح عن قوتها بقدر ما هو يعني ورقة تين تغطي..

حافظ الميرازي: عن استعداده أصلاً يعني.

خليل جهشان: تغطي.. تغطي.. تستعمله الإدارة لتغطي عورتها بالنسبة لسياستها الفاشلة بالنسبة للنزاع العربي الإسرائيلي.

حافظ الميرازي: على الجانب العربي هل أيضاً كانت لدينا يميننا، لدينا متطرفونا، لدينا استقطابنا بالمثل الذي ربما حتى شوَّه تفكيرنا المنطقي ورؤيتنا للأمور حتى لأميركا بعد بسبب الحادي عشر من سبتمبر، الشماتة أو الرفض للسياسة الأميركية ربما جعل البعض حتى يفكر بشكل غير منطقي تجاه هذا القطب الذي شئنا أو أبينا محرك رئيسي للسياسة الدولية؟

خليل جهشان: بالطبع يعني هذا ينطبق على جميع المجتمعات في العالم، والمجتمع العربي ليت.. ليس شاذاً بهذا الخصوص، فلدينا طبعاً في المجتمع العربي تيارات مختلفة من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، من الأصولية المتطرفة إلى الفاشية حتى، ولكن المشكلة في.. في العالم العربي هو غياب الديمقراطية، وغياب الحوار الديمقراطي، وغياب إمكانية المشاركة الفاعلة في اتخاذ القرار الذي يعكس هذه التيارات السياسية، فإذن هي.. يعني هي تيارات أو مشاعر قوية، ولكنها معزولة تقف على حلبة القرار السياسي، فمن.. من هنا يكمن إما هذه الشماتة أو هذا التفكير المؤامراتي أو اتهام الآخرين بكراهيتنا كعرب وكمسلمين، لأنه ليس هناك من منفذ إيجابي لهذه التيارات ولهذه الأفكار في الوقت الحاضر.

حافظ الميرازي: نعم، حين نرى إجراءات تؤخذ مثلاً منها حديث عن التفكير في نظام جديد في المطارات للمسافرين، كل مسافر يصبح له لون.. اللون الأخضر للغالبية تمر بدون مشاكل، ولون أصفر لتفتيشه، ولون أحمر للقبض عليه ومساءلته أي.. أي اتجاه تتجه نحوه أميركا، أم هي مجرد إجراءات أمنية محدودة ستتلاشى؟

خليل جهشان: لا أعتقد بعد أن هناك اتجاه واضح للسياسة الأميركية بهذا الخصوص، كما قلنا مراراً في مقابلات سابقة أن الولايات المتحدة غير معتادة على الأمن الداخلي، فهي مازالت -بصراحة- تتخبط خلال السنتين الماضيتين بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر تحاول أن تلاقي أو تجد المعادلة الملائمة والفاعلة للتعامل مع هذه الاحتياجات الأمنية، طبعاً كل دولة بحاجة إلى إجراءات أمنية في المطارات بالنسبة لدخول أو خروج المسافرين إن كانوا من مواطنيها أو غير مواطنيها، ولكن حتى الآن يعني جربت الولايات المتحدة بعض الطرق ولاحظت أن هذه الطرق لم.. لم يعني تضيف أو.. أو تحسن من الأمن في هذه المطارات، فهي تحاول في الاستمرار في هذه السياسة المتخبطة أن تجد طرق أخرى، ولا أعتقد يعني أن هذه الطرق صالحة، بالأساس أنا أعتقد أن الجواب بالنسبة لأمن المطارات هو بالأساس جواب تقني جواب تكنولوجي وليس بالنسبة لتعرض هذا الشخص أو ذاك الشخص لإجراءات أمنية معينة، لأن ذلك سيقود إلى التمييز وإلى انتهاك الحريات المدنية للمسافرين.


مشاعر الجالية المسلمة في أميركا بعد مرور عامين على أحداث سبتمبر

حافظ الميرازي: هناك أيضاً تقرير صدر من مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية (كير) في مناسبة مرور عامين على أحداث الحادي عشر من سبتمبر يتحدث عن خبرة مسلمي أميركا على الصعيدين السياسي والحقوقي بعد أو في غضون هذين العامين، وينضم إلينا أيضاً في النقاش الدكتور محمد نمر (مدير دائرة الأبحاث بمجلس العلاقات الإسلامية الأميركية).

دكتور محمد، لو لخصت لنا هذا التقرير بماذا خرجتم به خصوصاً بعد عامين وبشكل ربما يختلف حتى عن رد الفعل في العام الأول الذي كانت فيه الذروة وردود الأفعال ملتهبة؟

د.محمد نمر: والله مشاعر مختلطة عند أفراد الجالية الإسلامية والعربية الذين شاركوا في هذا الاستطلاع، هنالك مشاعر الخوف والقلق ممزوجة بمشاعر الأمل، وأيضاً مشاعر التعبير عن الصحوة السياسية في.. في تفكيرهم وفي ميولهم.

حافظ الميرازي: التوجهات.. بالنسبة للتوجهات كان هناك استطلاع للآراء، أولاً: حين نتحدث عن المسلمين الأميركيين لا نتحدث فقط عن العرب، بل ربما العرب يكونون أقلية بينهم أو من أصل عربي، ما هي التوجهات هذه.. ما هي الأشياء اللافتة للنظر التي قد لا تكون تقليدية حين نسمع أن هذه هي آراء غالبية أو قطاع من المسلمين في أميركا؟

د.محمد نمر: أكثر شيء لافت للنظر إنه بالرغم من إنه حوالي 56% قالوا أنهم تعرضوا للتمييز والمضايقات إلا أن 86% من المشاركين في الاستطلاع قالوا أنهم أيضاً شعروا بالكثير من التعبير عن التعاطف من قِبَل المواطنين العاديين غير العرب وغير المسلمين في أميركا، وأن 70% منهم مازالوا متمسكين ويعبروا عن حبهم لمواطنتهم في.. في هذا البلد ويشعرون أنهم يمارسون عقيدتهم بحرية.

حافظ الميرازي: يعني قد يكون هذا -خليل- شيء مخالف للصورة ربما التي يعرفها العالم العربي والإسلامي أو التي يريد أن يصدقها عن وضع المسلمين في.. في أميركا، استطلاع للرأي يقول إنه الغالبية لديهم تجارب إيجابية وليس سلبية.

خليل جهشان: أعتقد ذلك يعني بصراحة في تعاملنا مع أبناء الجاليات العربية والإسلامية منذ الحادي عشر من سبتمبر 2001 حتى الآن، لا يبدو أن هناك في الواقع فروق كبيرة بالنسبة لوجهة النظر المواطن الأميركي العربي أو المسلم أو الأميركي الأميركي غير عربي وغير مسلم، خذ مثلاً حتى بالنسبة للقضايا السلبية يعني قضية التشخيص العرقي، هناك نسبة عالية من وهذا مفاجئ جداً -يعني نسبة عالية من أبناء الجالية العربية والإسلامية الذين يعتقدون أنهم مستعدون للتنازل عن بعض الحريات المدنية من أجل الحفاظ على الأمن الشخصي وأمن أفراد العائلة، فهذه هي.. يعني أهم عدو لنا حالياً هو التشخيص العرقي، وحاربناه كجمعيات

حافظ الميرازي: اللي هو.. اللي هو الشك بناء على أو تحديد الشخصية بناء على خلفيته العرقية والدينية نعم في المطار، نعم.

خليل جهشان: على خلفية الشخص العرقية أو الدينية، فلذلك يعني أعتقد -كما قال أخي محمد- أن هناك بالأساس يعني مزيج أو خليط من العواطف وردود الفعل لما مارسناه كجاليات هنا في هذا البلد، طبعاً لاشك أننا لا نقبل ونعبِّر عن قلقنا بالنسبة للكثير من الخطوات خصوصاً التي مازال الرئيس بوش يطالب بها.

حافظ الميرازي: بتجديدها نعم.

خليل جهشان: بتجديد وتوسيع حتى صلاحيات أجهزة الأمن، ولكن في نفس الوقت يجب أن نعترف أننا نعيش في مجتمع يسمح لنا بالحديث بهذه الحرية، ويسمح لنا بالدفاع عن حقوقنا في..

حافظ الميرازي: لكن هناك مشكلة أريد أن أسمع منك وجهة نظرك، وأيضاً أرى كيف أثرت على المنظمات الإسلامية الأميركية من دكتور نمر، وهي موضوع التبرعات، هذه المنظمات تعتمد على تبرعات سواء أبناء الجالية أو تحصل على تبرعات خاصة من.. من.. من الخارج وليست حكومية، والكل بالطبع يخشى من ترسانة قوانين مكافحة الإرهاب وتمويله، هل بالفعل أضيرت منظمات عربية أميركية بسبب هذا الموضوع؟

خليل جهشان: بدون أي شك، خصوصاً الجمعيات الإسلامية ربما أكثر من العربية، ولكن بدون أي شك أنه ظاهرة ما نسميه بالإنجليزية هناك في الواقع اصطلاح إنجليزي لهذه الظاهرة وهو الـshelling effect لأنه نتيجة كل هذه الممارسات الأمنية والمضايقات يحدث هناك نوع من التخوف أو التردد لدى المواطن العربي والمسلم هنا في الولايات المتحدة، ولدى أيضاً إخواننا العرب والمسلمين في العالم العربي والإسلامي الذين يساهمون أحياناً في دعم بعض الأعمال الخيرية والاجتماعية هنا في الساحة الأميركية، أصبح هناك واضحاً أن هناك تخوُّف وتردُّد من إمكانية كون هناك تحقيق أو سجل لمثل هذه التبرعات قد يكون له أبعاد سياسية في.. في المستقبل، فبدون أي شك أضرت هذه الظاهرة بميزانيات وتبرعات الجمعيات العربية والإسلامية.

حافظ الميرازي: دكتور نمر، كيف أثرت على المنظمات الإسلامية والمسلمة الأميركية موضوع التبرعات؟

د.محمد نمر: طبعاً أنا يعني ممكن يعني أشارك معك نتيجة الاستطلاع وإحنا سألنا السؤال هذا في الاستطلاع، وأحب أن أوجه النظر إن الاستطلاع يعني ركز أو المشاركين فيه معظمهم من.. من الناشطين سياسياً، والناس اللي هم يعني يعتبروا قيادات محلية في.. في.. في المجتمعات التي ينتمون إليها في مختلف المدن، 18% قالوا إنه.. إنه قلَّت عطاءاتهم وتبرعاتهم لمنظمات العمل الطوعي، بينما حوالي النصف حوالي 49% قالوا إنه زادت عطاءاتهم لمنظمات العمل الطوعي، لكن هذا طبعاً لا يعني.. لا يعني الكثير بالنسبة لمنظمات العمل التي كانت تشتغل بالإغاثة الدولية، فبالطبع الحكومة قامت بإغلاق ثلاثة من كبار هذه المنظمات في الجالية الإسلامية، وقلت الكثير بشكل عام التبرعات لهذه الأنواع من الأعمال، لكن زادت التبرعات لمنظمات العمل في المجال السياسي وفي المجال الثقافة العامة، وفي مجال التواصل مع مختلف المنظمات، وفي مجال المشاركة السياسية في العملية السياسية في أميركا، فيعني هنالك لابد يعني أخذ بعين الاعتبار هذه.. هذا التوازن في.. في التغيير الحاصل.


الأمن والأمان في أميركا بعد عامين من أحداث سبتمبر

حافظ الميرازي: دكتور محمد نمر (مدير إدارة الأبحاث بمجلس العلاقات الإسلامية الأميركية -كير) شكراً جزيلاً لك، ونحن مازلنا أيضاً في الجزء الثاني من هذه الحلقة الخاصة من برنامج (من واشنطن) في ذكرى الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول، كانت لي فرصة في بداية اليوم أن أتحدث مع (رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأميركية) الجنرال ريتشارد مايرز، وقبل أن يبدأ مشاركته في إحياء الذكرى اليوم، وسألته في البداية عن عامين بعد 11 سبتمبر، هل توفر الأمان للولايات المتحدة أم تشعر ربما بأنها مازالت أقل أمنًّا؟ لنستمع إلى رده.

ريتشارد مايرز: .. على ما أرى مسألة تطور طبيعي للأمور إذ سيجري من حفل في المقبرة صباح هذا اليوم، وأتوقع أن يكون الحضور كبيراً، ولا.. ولكنه سيكون مختلفاً قليلاً عن احتفال الذكرى الأولى، كما سيجري هنا.. تتابعون احتفال، حيث سيقدم نموذج زجاجي من الجناح الذي دمر في وزارة الدفاع، وقد بناه بعض الناجين.

حافظ الميرازي: جنرال مايرز، هل تعتقد أن الحرب في العراق قد جعلت الولايات المتحدة تنشغل -كما يقول بعض الديمقراطيين في واشنطن وفي أميركا- عن حربها الرئيسية ضد الذين قاموا بالحادي عشر من سبتمبر؟

ريتشارد مايرز: أولاً: أعتقد أن جزء من الموجودين في العراق هو جزء من الحرب الشاملة ضد الإرهاب وسنشرح ذلك بعد قليل، ولكن على الناس أن يثقوا أن الولايات المتحدة وحلفاءنا وأصدقاءنا في العالم تحملوا عبئاً كبيراً نتيجة مشكلة الإرهاب، وهذا أمر لا يتعلق بموارد أو الاستطاعة على فعل شيء واحد أو شيئين، إذ لدينا التزامات مهمة تجاه أفغانستان والشعب الأفغاني نريد للحكومة المؤقتة أن تنجح ونريد للدستور أن ينجح وفي كانون الأول/ ديسمبر ستجري انتخابات وكذلك في حزيران/ يونيو، إذن نريد حياة أفضل للأفغان، لا نريد لأفغانستان أن تعود إلى زمن عدم وجود القانون أو إلى زمن الذي كانت القاعدة تستخدم البلاد كملاذ آمن لخططها الشريرة، مثل أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول، والأمر نفسه ينطبق على الشعب العراقي، الشعب العراقي يستحق حياة أفضل مما كان يوفرها صدام حسين لهم، وكيف نستطيع أن نساعدهم كما ساعدنا الأفغان، وإننا نتطلع بين حين وآخر للتأكد من استعداداتنا لذلك.

حافظ الميرازي: جنرال مايرز، لو تحدثنا عن ما تقومون به في العراق بالتحديد، الآن هناك عودة إلى الأمم المتحدة والرغبة في الحصول على قوات أجنبية، أو قوات دولية إضافية، خصوصاً قوات مسلمة، وبالطبع أنتم.. قد كان هناك رد منكم على الأقل يعني التقارير الصحفية الأميركية التي تقول: بأنك قمت بهذا المجهود وهذا الطلب من خلال وزير الخارجية الأميركي باول، وليس من خلال وزير الدفاع رامسفيلد، هل هناك مشكلة بالفعل بين القيادة السياسية والعسكرية في البنتاجون، كما بدت حتى منذ عام، وقبل حرب العراق؟

ريتشارد مايرز: كلا إطلاقاً، في الحقيقة أن هذه التقارير الصحفية جاءت في إحدى صحف واشنطن، وكانت خاطئة جداً في فحواها وفي لهجتها، إن الجهود.. التوجه نحو الأمم المتحدة بدأت قبل ستة أسابيع أو أكثر، وهو أمر.. وأن وزير الدفاع رامسفيلد وأنا وزيد شعرنا تجاهه بأنه يجب أن نفعله، وقد اتفقنا عليه، وتحاوري مع وزير الخارجية، إن ما يطلق في الصحيفة لم يكن دقيقاً، بل أن هناك هوية تعامل وتنسيق بيننا وبين وزارة الخارجية، وعليه هناك حاجة من الاستعانة بالأمم المتحدة وإننا بحاجة إلى.. وأن يكون هناك تواجد دولي كبير في العراق، حالياً هناك 29 دولة، لديها قوات على الأرض في العراق، وهناك أربع دول أخرى في طريقها لإرسال قواتها إلى العراق، وهناك أربع مجاميع من مجموعات تقودها بريطانيا، وهناك قوة أخرى تقودها بولونيا، هناك قوة بولونية وصلت لتوها، وإننا نود لتكون هناك قوة متعددة الجنسية ثالثة، إذ نود أن المجتمع الدولي يشارك في تحمل المسؤولية في العراق، لأن مكافحة الإرهاب هو مشكلة دولية، كما أنه بالنسبة للشعب العراقي، لا نريده أن يرى وجوهاً بريطانية وأميركية فحسب، وتقف وراء جهوده في بناء العراق، نريد الشعب العراقي أن يفهم العالم الدولي، ليقف خلفه هو مع عراق جديد بعد ديكتاتورية صدام حسين.

حافظ الميرازي: لكن الإحساس -جنرال مايرز- هو أنه إذا كان هناك 140 ألف جندي أميركي، وفرقة من حوالي 10 آلاف أو 11 ألف بقيادة بريطانية، فرقة أخرى بولندية، ما الذي سيغيره إضافة 10 آلاف أو 15 ألف من قوات أخرى؟ مازال هذا -كما يسمى قانونياً- احتلال أميركي، هل هو فقط عملية تجميل للوجود الأميركي؟

ريتشارد مايرز: أنا أعلم هي أن هناك حوالي 130 جندي أميركي في العراق وحوالي 22 جندي من الائتلاف في الفرقة التي تقودها بريطانيا، والفرقة التي تقودها بولونيا لكن أكبر عدد من الائتلاف، عدد من الأميركان، هم من العراقيون، وهناك.. أكثر من 55 ألف عراقي دربوا يرتدون الملابس العسكرية والرسمية لتوفير الأمن للعراق، وهم يعملون إلى جانب قوات الائتلاف، أو تشكيل دوريات شرطة لوحدهم إضافة إلى بعض التنظيمات العسكرية التي تحاول تأمين البنى الارتكازية، وبعض المنشآت والحدود في العراق، إن الرقم 55 ألف شخص هو مفهوم أولي وسوف يزداد ارتفاعاً يوماً بعد آخر، وبالتالي سيكون العراقيون في نهاية الأمر هم المسؤولون الوحيدون عن أمنهم، وليس هم بحاجة للقوات الأجنبية، مهمتنا هي إيصالهم إلى هذا الحد أو هذا المستوى، إذن المسألة ليست مسألة الوجود في العراق، المهم نريد أن.. أن يكون العراقيون هم المسؤولون عن أمنهم، وليست لدينا أي مشكلة في زيادة عدد المتطوعين العراقيين، وأعتقد أن على (المستشارين) يعرفوا أن هناك عراقيين توفوا أثناء أدائهم الواجب إلى جانب قوات الائتلاف.

حافظ الميرازي: سمعنا من بعض العراقيين وحتى من زعامات عراقية في مجلس الحكم الانتقالي بعض الشكوى من الأسلوب الذي تقوم به القوات الأميركية في خلال عملها في العراق من مداهمة المنازل، البعض أعطى مثالاً لأن يضع جندي أميركي حذائه لكي يقيد مواطناً عراقياً على رأس هذا المواطن أو على وجهه بشكل مهين، هل أنتم تدرسون هذه الحالات؟ هل تدرسون حالات بعض قتل المواطنين المدنيين الأبرياء؟

ريتشارد مايرز: بالتأكيد، واسمح لي أن أقول أنه يوجد بكل المقاييس والمعايير والثقافات أن القوات المسلحة الأميركية تحظى بأفضل قيادة، وأفضل تدريب وهم مقاتلون شجعان، ولكنهم عاطفيون وقد أثبتوا أكثر من مرة بأنهم يندفعون أحياناً، وإننا نحاول دائماً أن نكون حساسين في تعاملنا مع الشعب وخاصة الشعوب التي تختلف حضارتها عن حضارتنا، وبالتالي لا يفهمون ما (..) ، إذن جزء من القضية هو دفاعهم عن هذا الأمر، وأن الحالات التي ذكرتها هي حالات معدودة، وأن في كل حالة من هذه الحالات عندما تكون هناك عندما نعتقد أن الجندي قد تجاوز صلاحياته وتصرفه بطريقة لا تتلائم مع معاييرنا وأننا نتخذ إجراء تجاهه ولكن دعني أقول لك الأساس في الموضوع ليست هناك قوات مُسلَّحة في العالم أكثر احتراماً من القوات الأميركية، أعطيك مثل على ذلك: أثناء معركة الناصرية حرب الناصرية، كان هناك جندي في الجيش كان ضمن.. في الكادر الطبي وقد شاهد عراقياً خلال.. وسط إطلاق النار وشاهد طفلاً جريحاً ليس جرحاً بليغاً، وعندما توقف القتال جاء أب هذا الطفل وحمل طفله ثم أعطى طفله للجندي الأميركي لمعالجته في.. أن الأب لم يعرف.. الجندي الأميركي ولكنه كان على ثقة بأن ابنه سيلقى علاجاً جيداً على يد الجيش الأميركي وقد التقطت له صورة مشهورة، اشتهرت لنشرها في الصحف، وهناك حكايات مثل هذه كثيرة. إذن هدفنا هو أن نحقق لا مشكلة لدينا مع الشعب العراقي ولا خلاف معه وإنا نضحي في سبيله على المستويين الاقتصادي والبشري لضمان أن الشعب العراقي يتمتع بفرصة حياة أفضل.

حافظ الميرازي: ماذا عن العلاقة مع وسائل الإعلام وربما بالتحديد قناة (الجزيرة) في العراق، لا يكاد يمر أسبوع إلا ويكون على شاشتنا ويكون هناك مشكلة لمراسل أو مراسلة لنا الاعتقال من القوات الأميركية ثم الإفراج عنه أو عنها فيما بعد.. هل هناك مشكلة في التعامل مع الصحافة؟

ريتشارد مايرز: كلا، ليس توجد مشكلة،.. إن أحد الأشياء التي تجعل الولايات المتحدة قوية في ديمقراطيتها هو وسائل الإعلام، فوسائل الإعلام تلعب دوراً مهماً جداً في ديمقراطيتنا وهي بهذا المجال الديمقراطية في العالم كله، (الجزيرة) مهمة ووسائل الإعلام مهمة وكذلك (الجزيرة)، أما ما تشير إليه ففي حالة وجود شك لأن المراسل.. المراسلة كانت هناك قبل الحدث وبالتالي كان شك إنه ربما تعاونت مع منفذي الحادث، وعندما تبين خلاف ذلك أُطلق سراحها، إن حرية إن.. إن.. إن قانوننا ودستورنا يضمن حرية الصحافة ويعتبرها جزء مهم من المجتمع ونأمل أن يكون ذلك في العالم كله.

حافظ الميرازي: جنرال مايرز، في لقائنا الثاني وقبل الحرب على العراق كنت قد سألتك: هل يمكن أن يصبح الجنرال (جون أبي زيد) حاكماً عسكرياً أو مسؤولاً عسكرياً في العراق؟ واعتبرت هذا من طرفي وقتها قفزاً على الأحداث، لأنه كان مازال في صفوف رئاسة هيئة الأركان، كيف ترى الجنرال أبي زيد وأداؤه الآن؟

ريتشارد مايرز: أعتقد أن الجنرال جون أبي زيد شخص مثالي ويصلح للقيادة الوسطى وقد عمل عملاً جيداً في أفغانستان والعراق وبقية الشرق الأوسط، لقد درس في الشرق الأوسط خلال زمن طويل من حياته، وقد عمل في شمال العراق بعد الحرب في فترة التسعينات كان ضابطاً جيداً، ضابط عمليات في تقديم المساعدات هناك للشعب الكردي شمال العراق وهو يتحدث اللغة العربية ويفهم الحضارة والثقافة العربية، وأنا أعتقد أنه بإمكاننا أن نختار شخصاً أفضل لأداء هذه المهمة، وهو يؤدي عمله رائعاً، ويحظى بدعم كامل من الرئيس ومن الجميع.

حافظ الميرازي: جنرال مايرز، السؤال الذي يتردد دائماً في أميركا، في العالم العربي، في العراق، متى تخرجون من العراق؟ استراتيجية الخروج، في رأيك لو تحدثنا عن جدول زمني واسع وليس بالتحديد موعد، إننا نتحدث عن عام، عامين، ثلاثة أعوام، خمسة؟

ريتشارد مايرز: حافظ، لا أريد أن أدخل في مناقشة جدول زمني، لديك ذاكرة قوية جداً، ولذلك لا أود أن أعطيك أي أرقام وتواريخ ربما تعود فيما بعد تصحح معلوماتي، إن ما يجب أن يحصل هو حسب الأحداث، أي أن.. أن المجلس.. مجلس الحكم العراقي يجب أن يصبح قوياً ويجب أن تكون البنية الأساسية الاقتصادية جيدة وتحقق تقدماً اقتصادياً كبيراً كما أن التهديدات القائمة في مناطق مختلفة من العراق يجب أن تكون قد اختفت، يجب أن يتوفر الأمن في مناطق كثيرة أو كل العراق، لا أستطيع أن أتوقع كم سيكون.. في ذلك ولكن ما أوده أتمنى ذلك بأسرع وقت، ولكن لابد من وجود آليات واقعياً تضمن نجاح الحكومة العراقية الجديدة، وكما تعلم أن السفير بريمر نجح في تشكيل مجلس حكم بسرعة وحصلنا على أنباء جيدة بأن وزير الخارجية في الوزارة الجديدة قُبِلَ وقبل العراق في الجامعة العربية لمدة سنة مؤقتاً، إذن هناك قد تحقق تقدم كبير، وعلينا أن نتأكد من ضمان استمرار ذلك، وبالتالي لدينا العديد من القوات المسلحة في العراق ولا نهدف إلى بقائها أي يوم أكثر مما هو ضروري لضمان الموقف الأمني وتدريباً لقوات الأمن في العراق.

حافظ الميرازي: الجنرال ريتشارد مايرز (رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأميركية) متحدثاً لنا في وقت سابق وفي يوم الحادي عشر من سبتمبر 2003 من مقر البنتاجون.

[فاصل إعلاني]

حافظ الميرازي: إذا أردنا أن نلخص هذه المناسبة خصوصاً عامين وليس عام على 11 سبتمبر، ما الذي بقي في عامين وكان موجود في عام، وما الذي سيبقى معنا مهما مرت الأعوام بالنسبة للأميركيين وبالنسبة لهذه العاصمة واشنطن؟

خليل جهشان: أعتقد أننا نستطيع أن نقول بكل إخلاص إن الأمور بدأت تعود بالنسبة لحياة المواطن الأميركي العادي، بدأت تعود إلى مجراها الطبيعي الجديد، بمعنى أن العقلية الأميركية هي عقلية براجماتية، بدأ المواطن الأميركي الآن يقبل بهذه التغييرات التي.. التي حدثت على المجتمع الأميركي هنا، ولكن في نفس الوقت ليس.. هذا هو ليس نفس المجتمع ونفس العقلية التي كنا نعرفها قبل الحادي عشر من سبتمبر، فبالنسبة مثلاً خصوصاً للسياسة الخارجية التي تهم الكثيرين منا من أبناء الجاليات العربية والإسلامية هنا في الولايات المتحدة لا شك أن كل هذه التغييرات الحدث نفسه يعني فرض على الولايات المتحدة نوعاً ما أن تفقد ثقتها بالنفس، وأن تبدأ بتصرفات ممكن وصفها بأنها أحادية الجانب وتتحلى بعدم الالتزام والاحترام للشرعية الدولية.

حافظ الميرازي: شكراً جزيلاً، لك، خليل جهشان (من الناشطين العرب الأميركيين)، في ختام ساعتين من التغطية الخاصة والبرنامج الخاص (من واشنطن)، ناقشنا خلالها (وزير الخارجية) كولن باول، (رئيس هيئة الأركان) ريتشارد مايرز، الأمير الحسن بن طلال (مقرر المؤتمر العالمي للأديان والسلام)، فريد زكريا (صاحب عبارة "لماذا يكرهوننا" ومحرر الشؤون الدولية في مجلة "النيوزويك")، وشخصيات أخرى أيضاً على المستوى العربي والإسلامي الأميركي.

أشكركم، وإلى اللقاء في حلقة أخرى من برنامجنا (من واشنطن) ومع تحيات فريق البرنامج في الدوحة وهنا في العاصمة الأميركية، وتحياتي.. حافظ الميرازي.