العلاقات الروسية السورية
من أوروبا

حاضر ومستقبل العلاقات الروسية

تناقش الحلقة حاضر ومستقبل العلاقات الروسية، هل ما زالت روسيا حليف سوريا أم أن عقد العلاقة الإستراتيجية بين الطرفين قد انفرط؟

– سوريا وروسيا.. العلاقات الثنائية والتحديات الخارجية
– الانسحاب السوري من لبنان والموقف الروسي

– التراجع الروسي ومستقبل العلاقات العربية الروسية


undefinedأحمد كامل: أهلا بكم، ستون عام عمر العلاقات الروسية السورية شهدت خلالها البرودة والتوتر والتحالف الإستراتيجي العقائدي والتوافق المصلحي لكن طابعها العام ظل في الأعم الأغلب وديا وإيجابيا، التحقيق التالي من إعداد الزميل سلام العبيدي من موسكو يستعرض تاريخ هذه العلاقات.

سوريا وروسيا.. العلاقات الثنائية والتحديات الخارجية

[تقرير مسجل]

سلام العبيدي: العلاقة بين موسكو ودمشق شهدت مراحل مختلفة تفاوتت بين الشراكة الإستراتيجية والفتور في تجربة غنية تمتد لأكثر من ستة عقود من الزمن، الاتحاد السوفياتي السابق كان من أولى الدول التي اعترفت باستقلال سوريا وأقامت علاقات دبلوماسية معها في عام 1944 إلا أن انشغال الدولة السوفياتية في الحرب العالمية الثانية ومن ثم صراعها من أجل البقاء وإزالة الآثار الكارثية التي خلفتها تلك الحرب كانا عاقين حالا دون أن تخرج العلاقة بين موسكو ودمشق عن إطار التبادل الدبلوماسي ومن ثم جاء الدور السوفيتي البارز في إقامة دولة إسرائيل ليؤجل إلى مرحلة لاحقا تعزيز علاقات الاتحاد السوفيتي ليس مع سوريا فحسب وإنما مع العالم العربي ككل، لكن رهان السوفيات على إقامة تحالف إستراتيجي مع إسرائيل ونشر الأيدلوجيا الشرعية في الشرق الأوسط من خلالها لم يُكتب له النجاح بسبب توجه إسرائيل إلى الغرب بزعامة الولايات المتحدة وسرعان ما أدانت موسكو بشدة العدوان الثلاثي على مصر في عام 1956 وهدد الزعيم السوفياتي آنذاك نيكيتا خريتشوف بقذف عواصم الدول المعتدية بالسلاح النووي أن لم يتوقف العدوان، ذلك الموقف السوفياتي الصلب كان بداية لتردي العلاقة مع تل أبيب وفتح صفحة جديدة للعلاقة مع العرب وذهب السوفيات إلى أبعد من ذلك بقطعهم العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل إثر حرب حزيران يونيو عام 1967، في غضون ذلك كانت سوريا تشهد انقلابات عسكرية الانقلاب تلو الآخر حتى وصول الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد إلى سدة الحكم في 1970 وإعلانه انطلاق ما عرف بالحركة التصحيحية التي كرست سلطته في استفتاء عام 1971، العسكري حافظ الأسد الذي ثقل معارفه في الطيران في الثاني من الخمسينيات من القرن الماضي في هذه القاعدة الجوية في قرغيزيا السوفيتية كان يعتقد بأنه لن ينجح في المجابهة مع إسرائيل ما لم يوظف المواجهة بين المعسكرين الشرقي والغربي في تحقيق غايته الرئيسية المتمثلة بتحرير أراضيه المحتلة وكنتيجة حتمية لجأ إلى الاتحاد السوفياتي لتحقيق التوازن العسكري مع إسرائيل الحليف الإستراتيجي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

فيكتور غوغيتيدزه– سفير روسيا السابق في سوريا: العلاقات بين موسكو ودمشق كانت تتحكم بها قضايا إستراتيجية لكلا البلدين فالاتحاد السوفياتي كان يسعى إلى توسيع نفوذه في بلدان الشرق الأوسط والعالم الثالث ومن مهمته آنذاك مواجهة الولايات المتحدة في شتى المجالات وفي مختلف مناطق العالم والترويج لنمط الحياة في الاتحاد السوفياتي والفكر الشيوعي، أما سوريا فكانت تريد حل القضايا الرئيسية التي كانت ماثلة أمامها وهي تحرير الأراضي المحتلة مع حرب عام 1967 ومن هذا المنطلق رأت في الاتحاد السوفياتي القوة العالمية التي يمكن أن تساعدها على تحقيق ذلك الهدف.

سلام العبيدي: بعد طرد السوفيات من مصر اضطر الكريملين للبحث عن بدائل أخرى في الشرق الأوسط، آنذاك كان كل من العراق وسوريا الذين يحكمهما حزب البعث العربي الاشتراكي أفضل تلك البدائل فتدفق السلاح إلى هذين البلدين ولم تكترث موسكو لعدم مقدرة دمشق على دفع فواتير مشترياتها من السلاح السوفياتي التي قدرت بمليار دولار سنويا. وبالإضافة إلى الدعم العسكري قدمت القيادة السوفياتية دعم سياسي مشهود لسوريا في المحافل الدولية وساهم الاتحاد السوفياتي في بناء البنية التحتية للاقتصاد السوري لاسيما في فروعه الاستراتيجية كالطاقة والتعدين والري واعتبر البلدان التعاون بينهما متجاوب مع مصالحهما المشتركة، إلا أن ثمة خلافات كانت قائمة بين الطرفين في بعض المجالات، هذه الخلافات كانت تتعلق بدرجة الدعم الذي يمكن أن يقدمه الاتحاد السوفياتي لسوريا، فالسوريون كانا يطمحون إلى كما ونوع أكبر من الدعم السوفياتي.

"
مهمة السوفيات الكونية كانت تكمن في تفادي الصدام العسكري المباشر مع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط
"
فيكتور غوغيتيدزه

فيكتور غوغيتيدزه: كان هناك خلاف على كمية ونوعية السلاح السوفياتي لسوريا، الاتحاد السوفياتي ولاعتبارات أمنه القومي والعلاقات الدولية حاول التصرف بأسلوب برجماتي لتجنب المواجهة المفتوحة مع الولايات المتحدة، فالمهمة الكونية لبلادنا آنذاك كانت تكمن في تفادي الصدام العسكري المباشر مع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وتجنيب حليفتنا سوريا هي الأخرى الصدام مع إسرائيل وبالرغم من النقاشات الحادة التي كانت تجري أثناء الزيارات المتبادلة بين المسؤولين السوفيات والسوريين فإن الطرفين كانا يتوصلان على الدوام إلى حلول وسط.

سلام العبيدي: وبالرغم من اعتراض موسكو على تدخل القوات السورية في الحرب الأهلية اللبنانية إلا أن هذا الخلاف لم يتطور إلى قطيعة مع دمشق وتتويجا للروابط المتمايزة بين الجانبين وقع البلدان في عام 1982 معاهدة للصداقة والتعاون أرست أسس العلاقة التحالفية بينهما لسنوات عديدة. لكن رياح التغيير التي هبت في الاتحاد السوفياتي مع مجيء ميخائيل غورباتشوف إلى السلطة في أواسط الثمانينيات من القرن الماضي جعلت موسكو تنشغل في همومها الداخلية وتبتعد تدريجيا عن حلفاءها التقليدين في شتى أرجاء العالم. ولم يكن نصيب السوريين أفضل من غيرهم فقد قلص السوفيات المساعدات العسكرية والاقتصادية لدمشق على خلفية الاقتراب مع الغرب ومن ثم استئناف العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل في عام 1989 ولم تنشأ علاقات شخصية بين غورباتشوف والأسد خلافا لما كانت عليه الأحوال في عهد القيادات السوفياتية السابقة مما انعكس سلبا على العلاقة السياسية بين البلدين، على خلفية فقدان الثقة المتبادلة بين القيادتين السوفياتية والسورية تزامن انهيار الاتحاد السوفياتي مع ظهور البوادر الأولى لعملية السلام في الشرق الأوسط، آنذاك تولد شعور لدى السوريين بأن موسكو لا تعير الأهمية اللازمة لمصالحها الإستراتيجية في المنطقة، في السنوات الأولى من عهد الرئيس الروسي الأول بوريس يلتسين لم تطرأ تغيرات جذرية على سياسة الكرملين إزاء الشرق الأوسط فقد أعطيت الأفضلية في السياسة الخارجية الروسية لتطوير العلاقة مع الغرب عامة والولايات المتحدة خاصة وفي المحصلة استمر تراجع التعاون بين البلدين إلى أدنى مستوياته فقد انخفض حجم التبادل التجاري بينهما إلى 138 مليون دولار في عام 1999 مقارنة بأكثر من مليار دولار سنويا حتى عام 1992 وكانت معضلة الديون السورية لروسيا التي قدرت بعشرة مليارات دولار حجر عثرة لبضع سنوات على طريق تنشيط التجارة بين البلدين.

أليكسي كودرين-وزير المالية الروسي: على مدى عشر سنوات لم تناقش مسألة الديون السورية لصالح روسيا وبالطبع فأن تسوية مشكلة الديون ستعتبر إنجازا كبيرا لكلا البلدين من شأنه أن يزيل العقبات على طريق تنشيط العلاقات الاقتصادية والتجارية بين روسيا وسوريا.

سلام العبيدي: زيارة الرئيس حافظ الأسد إلى موسكو عام 1999 بعد سنوات من الانقطاع للحوار المباشر على مستوى القمة بين القيادتين كان ينتظر منها أن تضفي زخما جديدا على العلاقات الثنائية، إلا أن مغادرة يلتسين للسلطة ومن ثم رحيل الأسد أجلا نصف عقد من الزمن استئناف الحوار على مستوى القمة، فالرئيس الروسي فلاديمير بوتن كان منهمكا في ترتيب البيت الروسي وتركيز السلطة المتهاوية في يديه، أما الرئيس السوري الشاب فكان يقوم بأولى خطواته السياسية لتأمين انتقال هادئ للسلطة من جيل أنصار والده إلى الجيل الشاب، في الوقت نفسه كانت سوريا تواجه ضغوطا خارجية شديدة إبان التحضيرات العسكرية الأميركية لغزو العراق ولم تخف وطأة هذه الضغوط حتى بعد انهيار نظام الرئيس صدام حسين في العراق بل ازدادت شدة بسبب اتهام دمشق بدعم فصائل المسلحة العراقية، في غضون ذلك كانت موسكو تراقب التطورات الخطيرة الجارية في الشرق الأوسط وربما استحضرت من ذكريات الماضي علاقاتها المتميزة مع سوريا ولما جاء التصويت في مجلس الأمن الدولي على القرار 1559 القاضي بسحب القوات الأجنبية من لبنان اختار الروس الامتناع عن التصويت فلم ينقضوه حفاظا على العلاقات الجديدة مع الغرب ولم يوافقوا عليه كي لا يشعر السوريين بأنهم وحيدون في المأزق اللبناني، في ذلك الوضع الحرج لدمشق تحديدا جاءت زيارة الرئيس بشار الأسد في موسكو في يناير/كانون الثاني 2005 بمثابة دعم معنوي وسياسي لموقف سوريا مما يجري حولها من تغيرات متسارعة.

فلاديمير بوتين-الرئيس الروسي: إنني على ثقة بأن مباحثاتنا ستصبح مرحلة هامة في تطوير العلاقات الثنائية وستفتح هذه الزيارة صفحة غنية بين البلدين إذ تجمع بين شعبين علاقات ودية قديمة وهذا أساس متين للشراكة المبنية على الاحترام المتبادل والتكافؤ والثقة المتبادلة.

سلام العبيدي: كلمات الرئيس الروسي المطمئنة لنظيره السوري يمكن ترجمتها كموقف مشجع لسوريا في مسألة انسحابها من لبنان.

فلاديمير إيساييف-نائب مدير معهد الاستشراق: روسيا أيدت انسحاب وليس هروب القوات السورية من لبنان ويبدو أن المباحثات التي أجراها الرئيس السوري في موسكو مهدت الطريق لأن تتخذ القيادة السورية قرار الانسحاب وبذلك ساعدت روسيا على أن يتم إمهال السوريين بما يمكنهم من الحفاظ على ماء الوجه ويخلصه من الضغوط الشديدة الممارسة عليه.

سلام العبيدي: لكن زيارة الأسد الابن إلى روسيا ما كانت ستعتبر ناجحة لو اقتصر الحديث فيها عن التحديات التي تحيط بسوريا وتم تجاهل ملفات العلاقات الثنائية بين موسكو ودمشق.

بشار الأسد– الرئيس السوري: تم توقيع البيان المشترك الذي سيحدد المبادئ والإطار لهذه العلاقات في المجالات المختلفة الأمر الذي من شأنه أن يدفع العلاقات الاقتصادية قدما إلى الأمام.

سلام العبيدي: الإنجاز الأبرز الذي حققه الرئيس السوري في مباحثاته مع القيادة الروسية يكمن في شطب ثلاثة أرباع ديون بلاده لروسيا وتوظيف ما تبقى من ديون كاستثمارات في الاقتصاد السوري.

فلاديمير ايساييف: زيارة الأسد إلى روسيا كانت ناجحة فقد رسمت خلالها الملامح المستقبلية للعلاقات الثنائية وتم التأكيد على الشراكة الاستراتيجية بين البلدين ويجب ألا ننسى أن روسيا شطبت القسم الأكبر من الديون السورية المستحقة، كما أن روسيا أعلنت صراحة عن عزمها على الاستمرار في التعاون العسكري مع سوريا وتنفيذ صفقة الصواريخ المضادة للجو بالرغم من ممانعة واشنطن وتل أبيب.

سلام العبيدي: اليوم وبعد أن أنهى السوريون سحب قواتهم من لبنان تتوجه الأنظار مجددا إلى موسكو، فالسؤال المطروح الآن هو ما إذا كانت روسيا حريصة وقادرة على استرجاع هيبتها ونفوذها في الشرق الأوسط من خلال البوابة السورية، السوريون مستعدون لفتح هذه البوابة على مصراعيها لكن الكرة الآن في الملعب الروسي.

الانسحاب السوري من لبنان والموقف الروسي

أحمد كامل: شكرا للزميل سلام العبيدي. ولتسليط المزيد من الضوء حول حاضر ومستقبل العلافات الروسية السورية استضيف كل من السيدة لينا باشكاتوف المحللة السياسية الروسية رئيسة تحرير موقع روسيا على الإنترنت وأيضا سمير العيطة الكاتب والمحلل السياسي السوري رئيس تحرير النسخة العربية من صحيفة لوموند ديبلوماتيك الفرنسية، أهلا بضيفيّ وابدأ بالدكتور سمير كيف تقرؤون موقف روسيا من القرار 1559 ومن الوجود السوري في لبنان حيث طلبت روسيا صراحة من سوريا الانسحاب من لبنان؟

سمير العيطة– رئيس تحرير لوموند دبلوماتيك العربي: في الحقيقة ماذا كان يمكن لروسيا أن تفعله؟ روسيا اليوم دولة كبيرة وليست دولة عظمى، كان يمكنها أما أن تمتنع عن التصويت أو أن تضع فيتو على هذا الموضوع نظرا لعلاقاتها مع سوريا، لا تستطيع في الوضع الحالي أن تضع فيتو لأن هذا القرار بالأساس اتخذ بتوافق أوروبي فرنسي خصوصا مع الولايات المتحدة، بل اتخذ بطلب من فرنسا هذا ما قاله السيد جورج بوش في حزيران الماضي.. بطلب من فرنسا ولا تستطيع روسيا في الوقت الحالي أن تواجهه المجموعتين..

أحمد كامل [مقاطعاً]: تستطيع..

سمير العيطة [متابعاً]: تستطيع أن تلعب في السياسة الدولية ولكنها لا تستطيع أن تواجهه الطرفين الأساسيين بالنسبة لها.

أحمد كامل: ولكن موسكو طلبت من سوريا صراحة أن تنسحب من لبنان، هذا لا يوحي بأنها قبلت القرار على مضد.

سمير العيطة: أتصور أن الروس نصحوا سوريا لتنسحب من لبنان، الوضع السياسي كان معقد جدا كان هناك اغتيال للرئيس رفيق الحريري أدى إلى صدى كبير على المستوى العالمي، كان هناك أخطاء متراكمة من قبل الحكم في سوريا، أتصور الجو العام العالمي بالإضافة إلى الضغط الشعبي في لبنان ومظاهرة 14 أزار الكبيرة لم يمكنوا الروس إلا أن يأخذوا موقف واقعي من السياسة العالمية.

أحمد كامل: ولكن هذا الموقف أظهر وكأنه لا يوجد أي حليف لسوريا.

سمير العيطة: لا أعتقد أنه اليوم يمكن الحديث كما كان في الماضي عن دولة عظمى حليفة إلى دولة في مواجهه مع إسرائيل وإلى آخره، روسيا بلد كبيرة، سوريا بلد في مرحلة تحول، روسيا تختلف عن الاتحاد السوفياتي، لهم علاقات بين بعضهم، كل واحد منهم ينظر إلى السياسة العالمية على أساس مصالحه دون أن نتحدث على حلف.. اتفاق كما كان في السابق بين سوريا والاتحاد السوفياتي.

أحمد كامل: هل هذا يعني بأن العلاقة ما بين الطرفين انتقلت من الإستراتيجي إلى العادي إلى المصالح المتبادلة فقط؟

سمير العيطة: لم تعد على الأقل علاقة أيدلوجية، لم تعد على الأقل.. أنا معك علاقة استراتيجية ممكن نتحدث على موضوع النفط على موضوع المواجهة مع إسرائيل، العلاقة مع روسيا وإسرائيل أصبحت أكثر بكثير تعقيدا وأشد تواصل مما كانت عليه مثلا في فترة بين 1967 و1973، لا نستطع إلى اليوم أن نتحدث عن تحالف أو حليف لسوريا بروسيا.

أحمد كامل: شكرا، السيدة لينا باشكاتوف السؤال هو نفسه كيف تنظرين إلى موقف روسيا من القرار 1559 وانسحاب سوريا من لبنان؟

لينا باشكاتوف- رئيسة تحرير موقع روسيا على الإنترنت: إنه يعكس غموض الموقف الروسي في الشرق الأوسط عموما ومع سوريا خصوصا، روسيا ليس لديها الكثير من الخيارات، لقد دافعت عن فكرة انخراط سوريا في العملية السلمية ورفضت التوجه الأميركي بحصر هذه العملية في حوار إسرائيلي فلسطيني لذلك أصرت على إشراك سوريا ولبنان فيها، من هذا المنطق ومع تفجر الأزمة في لبنان سارعت روسيا إلى الطلب من سوريا احترام القرار 1559 وسحب قواتها لكنها بنفس الوقت لم تتبنى الموقف الأميركي المتشدد تجاه سوريا، إنها لعبة توازن تعبر عن ضعف الدور الروسي في مجمل الشرق الأوسط، روسيا تريد أن تبقى حاضرة في المنطقة لكنها تواجه معضلتين الأولى هي حدود هذا الحضور في منطقة لا تريد الابتعاد عنها لكنها تخضع لنفوذ أميركي، المعضلة الثانية هي مع مَن تتحالف فغالبا تتخذ روسيا تجاه سوريا والشرق الأوسط مواقف قريبة جدا من المواقف الأوروبية لكن الأوروبيين لا يرغبون بأن يظهروا بمظهر المتحالف مع روسيا ضد الولايات المتحدة كما هو الحال في التعامل مع إيران، كل هذه العناصر تظهر بوضوح أن وضع روسيا غير مريح ومع ذلك تظل عازمة على الحضور في الشرق الأوسط بأي شكل.

أحمد كامل: هل هناك فعلا نظرة شاملة أو استراتيجية روسية تجاه الشرق الوسط؟

"
الدبلوماسية الروسية تتوجه منذ سنوات نحو تشجيع قيام أقطاب إقليمية لأنها تدرك أنه من غير الممكن مواجهة القوة الأميركية أو أي قوة أخرى منفردة
"
لينا باشكاتوف

لينا باشكاتوف: إستراتيجية روسيا تقوم على اعتبار الشرق الأوسط كتلة إقليمية منذ تولي بوتن سُدة الرئاسة تعارض سيطرة قطب واحد على العالم، الدبلوماسية الروسية تتوجه منذ عدة سنوات نحو تشجيع قيام أقطاب إقليمية، إنها تعتبر أنه من غير الممكن مواجهة القوة الأميركية التي تتفوق على روسيا أو أي قوة أخرى منفردة ولذلك يجب قيام كتل إقليمية مهمة تشكل بمجموعها توازن مع الولايات المتحدة، هذا هو المفهوم الروسي للعالم متعدد الأقطاب وهو يشكل خلفية سياستها تجاه الشرق الأوسط وأوروبا والصين وأميركا اللاتينية.

أحمد كامل: هل يمكن لروسيا أن تستعيد نفوذها في الشرق الأوسط أم أن الأمر انتهى إلى غير رجعة؟

لينا باشكاتوف: التاريخ علمنا أن لا شيء نهائي في هذا العالم ومع ذلك فالواقع يؤكد أن روسيا قوة عظمى في حالة تراجع، نرى منذ عدة سنوات عودة الهجوم الدبلوماسي الروسي لكنه محدود لأنه غير مدعوم بالوسائل الاقتصادية والسند الرئيسي للدبلوماسية المعاصرة هو المال، روسيا ليست في موقع المانح لأنها هي نفسها في حالة إعادة بناء.

أحمد كامل: مَن هم حلفاء روسيا المحتملون في المنطقة.. في منطقة الشرق الأوسط؟

لينا باشكاتوف: ما نراه هو تحالفات بحسب الطلب، هاجس روسيا هو الحضور في المنطقة وهي تتسلح أساسا بمقعدها الدائم في مجلس الأمن الدولي، إنها حليف الآخرين أكثر مما هم الآخرون حلفاء لها، ثم هناك الجانب الاقتصادي وهو لا يقوم فقط على المصلحة الآنية لروسيا وإنما على أن السياسة الخارجية الروسية حاليا تستلهم إلى حدا بعيد الجانب الاقتصادي، السياسة الخارجية للرئيس بوتين تتميز خاصة بالسعي إلى إعادة بناء روسيا اقتصاديا لأجل استعادة مكانتها كقوة عظمى سياسيا، في هذا الإطار فإن التعاون مع مجموعة من الدول ومنها سوريا أمر هام لروسيا.

أحمد كامل: السيدة لينا باشكاتوف المحللة السياسية الروسية رئيسة تحرير موقع روسيا على الإنترنت شكرا لكِ، أعزائي المشاهدين نعود إليكم بعد فاصل قصير ابقوا معنا.

[فاصل إعلاني]

التراجع الروسي
ومستقبل العلاقات العربية الروسية

أحمد كامل: أهلا بكم من جديد في هذه الحلقة من برنامج من أوروبا والتي نناقش فيها العلاقات الروسية السورية. وأعود إلى الدكتور سمير العيطة الكاتب والمحلل السياسي السوري رئيس تحرير النسخة العربية من صحيفة لوموند ديبلوماتيك لأسأله هل توافق فعلا على أن روسيا تبحث عن استعادة نفوذها في المنطقة؟

"
مصالح روسيا تتعارض مع مصالح المنطقة العربية كمصدر للنفط، فروسيا منافس للبلاد العربية ولها مصلحة أن ترتفع أسعار النفط والغاز كي تستطيع أن تصدر بشكل أكبر
"
سمير العيطة

سمير العيطة: عندما أتحدث عن نفوذ أو دور يجب أن نسأل نفسنا قبل كل شيء أين المصالح الروسية في المنطقة؟ إذا أخذنا النفط مصالح روسيا تتعارض مع مصالح المنطقة العربية كمصدر للنفط، روسيا منافس للبلاد العربية لها مصلحة أن ترتفع أسعار النفط والغاز كي تستطيع أن تصدر بشكل أكبر إلى آخره.. الشيء الآخر هو من الأدوار القديمة ومن المصالح القديمة كان تصدير السلاح كانت.. الاتحاد السوفياتي كان يصدر إلى سوريا إلى..

أحمد كامل: العراق.

سمير العيطة: إلى مصر إلى العراق، اليوم حتى مع بعض التصدير للأسلحة الخفيفة والصواريخ إلى روسيا تغير التوجه الروسي لتصدير السلاح إلى دول في آسيا، إلى الصين، إلى تايلند، إلى مناطق أخرى، تغيرت الصورة الروسية، من الناحية السياسية لم نعد أيضا من ناحية الصراع بين معسكر السوفياتي أو المعسكر الروسي والمعسكر الأميركي، هناك دولة مهيمنة هي الولايات المتحدة قوَّدت روسيا، أي أزالت عنها دورها حتى في محيطها يعني أخذت الولايات المتحدة قواعد في المحيط الروسي، لا أرى كيف يمكن للمنطقة العربية أن تساعد روسيا في أخذ دور على الساحة العالمية، ممكن الصين تساعد أكثر ولكن أميركا لها علاقات معقدة جدا مع الصين التي هي القوى العظمى القادمة.

أحمد كامل: ما هو موقع سوريا في هذه الخريطة التي رسمتها للمنطقة والعالم؟

سمير العيطة: حتما الروس قدموا هدية كبيرة لسوريا في حل الديون الروسية القديمة..

أحمد كامل: نعم مؤخرا.

سمير العيطة: مؤخرا ولكن من الملاحظ أن الرئيس بشار الأسد ذهب إلى الصين باحثا عن تحالف إستراتيجي قبله ويقال أن الصينيون قالوا له نستطيع أن نخدمك تجاريا إلى آخره ولكن لا نستطيع أن نقدم لك دعما سياسيا إستراتيجيا في المنطقة، في الحقيقة اليوم وضع سوريا معقد لها حلفاء قلائل تركيا وإيران لأسباب إقليمية تتعلق بالمشكلة الكردية، لها دور إيجابي.. علاقة إيجابية مع روسيا.

أحمد كامل: كأنك تقول بأن بعض العرب يريدون من روسيا دورا أكبر مما تريد وأكبر مما تستطيع.

"
البلاد العربية في مرحلة مخاض داخلي لأنها من ناحية كانت مجالا لتصدير الإرهاب، ومن ناحية ثانية لم تبن ديمقراطيات مستقرة مع شعوبها
"
العيطة

سمير العيطة: اليوم البلاد العربية هي في مرحلة مخاض داخلي لأنها من ناحية كانت مجالا لتصدير الإرهاب، من ناحية لم تستطيع أن تبني لنفسها من.. في داخلها.. يعني مع شعوبها ديمقراطيات مستقرة وكل البلاد العربية لا أتكلم عن سوريا فقط ولم تستطيع أن تبني بشكل تحالفها المناطقي يعني أكثر من منطقة تجارة حرة عربية شيء ممكن أن يكون بنية للمستقبل، المنطقة ضعيفة هشة تريد أن تأخذ من دولة.. روسيا تعيد بناء نفسها اليوم بعد أن انهارت تحت المافيا، تحت تخبط اقتصادي، روسيا أيضا في مرحلة إعادة بناء قوتها صعب على ضعيفين أن يتشاركوا ليبنوا شيء قوي.

أحمد كامل: شكرا وأعود إلى السيدة لينا باشكاتوف لأسألها يقول الأستاذ سمير بأن روسيا متعبة والدول العربية متعبة، ماذا يمكن لروسيا المتعبة أن تقدم لسوريا ذات المشكلات الداخلية؟

لينا باشكاتوف: هذا يشبه قصة الأعمى والمشلول، كيف يمكن لأحدهما أن يساعد الآخر؟ لكنني لا أعتقد أن التشبيه دقيق فالدول التي تعيش في أزمة تتفهم من خلال تجربتها الإصلاح البطيء بالمقابل نرى الولايات المتحدة تطالب بنتائج سريعة مهما كان الثمن، روسيا وأصدقاؤها يتفهمون صعوبات إصلاح النظام وضرورة أن يتم مع الحفاظ على الاستقرار الداخلي في البلاد وفي حالة سوريا فإن روسيا تدرك تماما بأن إصلاحا سريعا جدا يحمل مخاطر وقوع البلاد في مجموعات تميل إلى الولايات المتحدة أكثر من روسيا ويحمل مخاطر الفوضى الداخلية التي تؤدي إلى فوضى إقليمية، إنها تدرك ما هي حدود الإصلاح.

أحمد كامل: دعني أردد ما قالته السيدة لينا باشكاتوف، هي تتحدث عن روسيا كنموذج للإصلاح يمكن أن تحتذي به سوريا، أنت كسوري هل توافق على ذلك؟ هل يمكن للنموذج الروسي أن يخدم مسيرة الإصلاح في سوريا؟

سمير العيطة: إذا سألت هذا السؤال في دمشق اليوم سيقوم عليك.. ستقوم عليك القيامة، روسيا عندما انتقلت.. انتقلت مع انهيار الحزب الشيوعي الروسي مع انتشار المافيا في البلد، انهيار كل القطاعات الاقتصادية والآن سيد بوتن يحاول إعادة بناء قوة روسيا، المثال في سوريا الذي يتحدث عنه حزب البعث هو المثال الصيني، نحتفظ بالحزب نجدد كوادره كمخرج ولكن لا نكسر الآلة التي عملت خلال كثير من السنوات. ولكنني برأيي لن يكن مثال التحول في سوريا لا صينيا لأن هذا غير..

أحمد كامل: ولا روسيا.

سمير العيطة: ولا روسيا.

أحمد كامل: كيف سيكون؟

سمير العيطة: سيكون نابعا أولا من القوى في الشارع إن كان قطاع الأعمال السوري وعلاقته مع قطاع السلطة التي تلعب في بعض القطاعات الاقتصادية كيف سيتفاعل هذين العنصرين مع بعضهم ومن ناحية أخرى بين التيارات الشعبية وبين النظام، تيارات شعبية تخضع للتضخم للبطالة حتى هناك مستويات فقر كبيرة، عندما تنفجر البطالة في بلد ممكن أن تشكل خطر حتى إيديولوجي له.. مناطقية إلى آخره.

أحمد كامل: الدكتور سمير العيطة الكاتب والمحلل السياسي السوري رئيس تحرير النسخة العربية من صحيفة لوموند دبلوماتيك الفرنسية شكرا لك، السيدة لينا باشكاتوف المحللة السياسية الروسية رئيسة تحرير موقع روسيا على الإنترنت شكرا لكِ، شكراً لضيفي، أعزائي المشاهدين بهذا تنتهي حلقة هذا الأسبوع من برنامج من أوروبا.