من اليمين : خطار أبو دياب - سيمون أبو راميا – أحمد كامل
من أوروبا

العلاقات الفرنسية اللبنانية

تستعرض الحلقة العلاقات الفرنسية اللبنانية، فها هي باريس تعود بقوة إلى لبنان، فكانت طرفا رئيسيا في استصدار القرار 1559 وهي أول من طالب بتحقيق دولي في اغتيال الحريري.

– تاريخ العلاقات الفرنسية اللبنانية
– مدى قبول اللبنانيين لدور فرنسا
– حدود التصعيد الفرنسي في الملف اللبناني
– لبنان ومشروع الشرق الأوسط الكبير


undefinedأحمد كامل: أهلا بكم إلى حلقة جديدة من برنامج من أوروبا نستعرض فيها العلاقات الفرنسية اللبنانية، فرنسا تعود بقوة إلى لبنان، كانت طرفا رئيسيا في استصدار القرار 1559 وهي أول من طالب بتحقيق دولي في اغتيال الحريري وهي أول من طالب بإشراف دولي على الانتخابات اللبنانية فما هي دوافع وآفاق هذا الموقف الفرنسي؟ قبل ذلك لنتابع هذا التحقيق الذي يستعرض العلاقات الفرنسية اللبنانية.

تاريخ العلاقات الفرنسية اللبنانية

[تقرير مسجل]

– علاقات خاصة جدا هذا هو أقل ما يمكن أن تُوصَف به علاقات فرنسا بلبنان والتي تمتد جذورها إلى عدة قرون، فرنسا لعبت دورا حاسما في وجود الكيان الذي أصبح لبنان الذي نعرفه اليوم، ففي عام 1861 تدخلت عسكريا في الحرب الأهلية اللبنانية الأولى والتي أسفرت عن قيام متصرفيّة جبل لبنان نواة الدولة اللبنانية المعاصرة، في عام 1920 أعطت عصبة الأمم لفرنسا سلطة الانتداب على شمالي بلاد الشام لينجم عنه دولتا سوريا ولبنان بحدودهما الحالية، انتهى الانتداب اسميا عام 1943 وفعليا عام 1946 دون أن يُخلّف الكثير من الذكريات المُرة بين الفرنسيين واللبنانيين، لكنه خلّف تركة كبيرة من الوشائج الثقافية والقانونية والإدارية، في الحرب الأهلية اللبنانية الثانية عام 1958 لم تستطع باريس إرسال قواتها لكنها دعمت سياسيا وتسليحيا فريقا من اللبنانيين.

 ومع اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية الثالثة منتصف السبعينيات لم يعد في وسع فرنسا إلا تقديم الدعم السياسي فقط وحتى هذا الدور وجِد من حاول منعه بقتل السفير الفرنسي لوي دولامار عام 1981، البوارج الفرنسية صافحت شواطئ بيروت وطرابلس عام 1982 إنما بطلب هذه المرة من المقاومة الفلسطينية المغادِرة إلى المنافي وسرعان ما عاد الفرنسيون إلى لبنان تحت جناح القوة الغربية المتعددة الجنسيات لكن ليس لوقت طويل حيث غادر الجميع عام 1983 بعد سلسلة تفجيرات كلّفت الفرنسيين عشرات القتلى والأميركيين مئات منهم في طرفة عين، عام 1990 وصل الدور الفرنسي إلى أدنى مستوياته حين اكتفى بمنح اللجوء إلى العماد ميشيل عون قائد الجيش اللبناني السابق.

 وبوصول رفيق الحريري إلى رئاسة الحكومة اللبنانية مطلع التسعينيات بات لفرنسا دور جديد في لبنان هو دور المانح والداعم لورشة إعادة الإعمار، استمر هذا الدور أكثر من عقد من الزمان وتُوِج بعقد مؤتمري باريس واحد وباريس اثنان للدول المانحة للبنان، إطلالة الألفية الجديدة تميزت باندلاع الحرب على العراق وسقوط النظام العراقي وتوجهات الإدارة الأميركية لبناء شرق أوسط كبير جديد، كل ذلك انعكس على الساحة اللبنانية ارتفاعا في صوت المعارضة، علاقة الصداقة الحميمة بين الحريري والرئيس الفرنسي جاك شيراك وميل الأول التدريجي نحو المعارضة اللبنانية قد يكون الدافع وراء حماس فرنسا لاستصدار قرار 1559 عن مجلس الأمن الدولي.

"
بوصول رفيق الحريري إلى رئاسة الحكومة اللبنانية مطلع التسعينيات لعبت فرنسا دورا جديدا في لبنان هو دور المانح والداعم لورشة إعادة الإعمار
"
تقرير مسجل

حسن نصر الله – الأمين العام لحزب الله: أدعو فرنسا والرئيس جاك شيراك إلى إعادة النظر في موقفه من موقع الحب للبنان ويدعونك من الموقع الديمقراطي وبهذا التعبير الشعبي والسلمي لأن تتخلى عن دعمك لقرار لا يحظى بشعبية في لبنان ولا يؤيده أغلبية اللبنانيين، أليست هذه هي الديمقراطية في الغرب؟ إذا كانت الديمقراطية تعني الأغلبية فإن الأغلبية ترفض 1559.

– تطور الأحداث أوصل الموقف الفرنسي إلى نقطة اللاعودة في الانغماس في الملف اللبناني خاصة أمام الاندفاع الأميركي في الملف نفسه.

جورج بوش- الرئيس الأميركي: تم اختبار التزام سوريا بالديمقراطية في لبنان، لبنان هذا القطر الذي كان مزدهرا يعاني الآن من سطوة جار قاهر، يجب أن تنهي سوريا احتلالها للبنان ومن حق اللبنانيين أن يصبحوا أحرارا والولايات المتحدة وأوروبا تتشاركان الاهتمام في أن يكون لبنان حرا مستقلا وقد تعاونت الولايات المتحدة وفرنسا لإصدار قرار مجلس الأمن رقم 1559 الذي يطالب باحترام سيادة لبنان وسحب جميع القوات الأجنبية ومخابراتها إلى خارجه ويطالب بأن تجري الانتخابات دون تأثيرات خارجية، إنه وبدون تدخل سوري فإن انتخابات لبنان في الربيع المقبل ستكون حجر زاوية في صرح الحرية.

– هذه اللغة الأميركية الجديدة دفعت باريس إلى تصعيد موقفها بسرعة.

جاك شيراك – الرئيس الفرنسي: التشاور بين فرنسا والولايات المتحدة وأقول بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة فيما يتعلق بتقدم لبنان نحو الاستقلال والسيادة هذا التشاور مثالي وسيستمر كما هو مثاليا، ثانيا إذا تساءلتُ عن إمكانية انسحاب قوات الاحتلال فالأمر لا يتعلق فقط بقوات الاحتلال العسكرية فهناك أجهزة المخابرات التي تحاصر لبنان وهي معرضة للنقد أكثر من الاحتلال العسكري وانسحاب هذه الأجهزة وهذه القوات هدف محدد بوضوح في القرار 1559 ونتمنى أن يتم تطبيق هذا القرار، نتمنى ذلك جميعا.

– فرنسا كانت أول من طالب بتحقيق دولي في اغتيال الحريري وأول من طالب بإشراف دولي على الانتخابات النيابية اللبنانية المنتظرة وأول من تحدث عن عدم الاعتراف بهذه الانتخابات إذا لم يسبقها تطبيق أو بداية جدية لتطبيق القرار 1559 مع التوضيح بأن انسحاب القوات السورية لا معني له إذا لم يرافقه انسحاب المخابرات السورية، تجربة الأسابيع الماضية أثبتت أن سقف التصعيد الفرنسي يتغير بين يوم وآخر ولكن دائما باتجاه متصاعد.

أحمد كامل: ولتسليط المزيد من الضوء على العلاقات الفرنسية اللبنانية استضيف كلا من الدكتور خطّار أبو دياب الباحث في المعهد الدولي للجغرافيا السياسية في باريس والسيد سيمون أبي راميا رئيس التجمع من أجل لبنان في فرنسا، أهلا بضيفيّ وأبدأ مع السيد أبي راميا لأساله ما هو سبب تلك العلاقة الخاصة أو الخاصة جدا بين فرنسا ولبنان؟

سيمون أبو راميا – رئيس التجمع من أجل لبنان في فرنسا: إن العلاقة تعود إلى عهد الملك لويس الذي كان على علاقة وثيقة بلبنان واستمرت مع الزمن وتوطدت أكثر خلال الانتداب الفرنسي بعد نهاية العهد العثماني في المنطقة ولها أبعاد متعددة، لها بُعد سياسي لها بُعد ديني ولها أيضا بُعد ثقافي وبُعد حضاري.

مدى قبول اللبنانيين لدور فرنسا

أحمد كامل: هل هذه العلاقة هي محل إجماع من قِبل اللبنانيين؟

"
 التاريخ اللبناني يبين أن كل فئات المجتمع كانت على علاقات وطيدة بفرنسا بمختلف طوائفه غير أن علاقة باريس مع المسيحيين اللبنانيين كان لها طابعها الخاص
"
سيمون أبو راميا

سيمون أبو راميا: أعتقد بأننا إذا عدنا إلى تاريخ لبنان نرى أن كل فئات المجتمع اللبناني كانت على فترات متقطعة لها علاقات وطيدة بفرنسا إن كان المسيحيون أو الدروز أو الإسلام المسلمين بطريقة عامة أعتقد بأن العلاقة كانت متعددة الجوانب مع فرنسا، بالطبع هناك طابع خاص للعلاقة مع المسيحيين في لبنان، على سبيل المثال البطريرك الماروني في كل سنة يخصص قداس من أجل فرنسا في..

أحمد كامل [مقاطعاً]: هل هي مقبولة سياسيا مقبول أن تكون علاقة ثقافية قوية مع فرنسا من قِبل كل اللبنانيين ولكن هل كل اللبنانيين يقبلون دورا سياسيا لفرنسا في بلدهم؟

سيمون أبو راميا [متابعاً]: أعتقد بأن اللبنانيين عندهم عطف خاص على السياسة الفرنسية لأنها تعتبر سياسة متوازنة، أولا بما يختص بالملف اللبناني وثانيا على صعيد الملف العربي وتداعيات الصراع العربي الإسرائيلي بشكل عام، ففرنسا كانت دائما تقف مع الشرعية الدولية ومع الحق وبالوجدان اللبناني والعربي فرنسا كان لها مواقف متقدمة فيما يختص بالملف الفلسطيني الإسرائيلي.

أحمد كامل: نعم، دكتور خطّار أبو دياب الجانب السياسي في هذه العلاقة الفرنسية اللبنانية شهد نوعا من الغياب أو الاستقالة الفرنسية من الهمّ اللبناني ولكن الآن نرى فرنسا تعود بقوة إلى هذا الملف لماذا تعود فرنسا إلى لبنان؟

خطّار أبو دياب – باحث في المعهد الدولي للجغرافيا السياسية في باريس: في مجمل الأحوال يمكن القول إن المنعطف الأساسي كان عام 1984 عندما قام الرئيس الراحل ميتران بزيارة إلى دمشق وحينها سلم بالدور السوري في لبنان مقابل المشاركة الفرنسية في دور أكبر في المنطقة ماذا جرى بعد ذلك؟ ما يمكننا قوله إن فرنسا لاحظت ودعمت تطبيق اتفاق الطائف لكن منذ عام 1994 أخذ يتضح لها ضرورة دعم لبنان لاستعادة وضعه، من هنا كانت نظريتها بدعم الاستقلال الاقتصادي للبنان والمساعدة في إعادة الإعمار من أجل أن يستعيد لبنان يوما سيادته واستقلاله لأنه حسب نظرها فهذا البلد كان دوما جسرا بين الغرب والشرق، مركزا لنفوذها ومن هنا عاد اهتمامها أكثر فأكثر بشكل تصاعدي منذ بداية التسعينيات.

أحمد كامل: منذ تبني القرار 1559 كيف تفسر هذا الحضور الفرنسي القوي؟

خطّار أبو دياب: أعتقد كما قلت، فرنسا لم تغب يوما، فرنسا راهنت بفترة ما في نهايات حكم الرئيس الراحل حافظ الأسد كما في بدايات حكم الرئيس بشار الأسد، راهنت على علاقة ما مع سوريا لكن هذه العلاقة ضُرِبت وأصبحت علاقة مشوبة بخيبة الأمل بالتشكيك المتبادل واتضح لفرنسا إن سوريا لا تعطيها شيئا على صعيد مصالحها إنْ داخل سوريا أو على صعيد الحلحلة في لبنان، بل إن المصادر الفرنسية أخذت تشكك عاليا بأن سوريا هي التي تُفشِل المقررات حول مؤتمر باريس واحد ومؤتمر باريس اثنين حول إعادة إعمار لبنان كل ذلك أدى للخلل، كان هناك مطالبة دائمة بتطبيق الطائف وعندما وجدت فرنسا إنها أمام حائط مسدود وأن الطائف لم يُطبق وقبل التمديد للرئيس لحود، أخذ يتم التفكير بوسيلة أخرى فبعد سقوط بغداد تغير المشرق العربي وأدى ذلك أيضا إلى تغيير في الموقف الفرنسي وهذا التغيير في الموقف الفرنسي بدأت علاماته على الساحة اللبنانية.

أحمد كامل: ولكنه يتصاعد بقوة، ما هي حدود هذا الدور الفرنسي؟ أسمع منك الإجابة بعد فاصل قصير، أعزائي المشاهدين نعود إليكم بعد فاصل قصير ابقوا معنا.

[فاصل إعلاني]

حدود التصعيد الفرنسي في الملف اللبناني

أحمد كامل: أهلا بكم من جديد في هذه الحلقة من برنامج من أوروبا والتي نناقش فيها العلاقات الفرنسية اللبنانية، عودة إلى الدكتور خطّار لأسألك حدود التصعيد الفرنسي، فرنسا صعدت من القرار 1559 ثم إلى طلب انتخابات نزيهة تحت رقابة دولية ثم الحديث عن عقوبات ضد سوريا، ما هي حدود هذا التصعيد الفرنسي في الملف اللبناني؟

"
أعتقد  أن القرار 1559 لم يستهدف سوريا، لكن تعامل سوريا مع القرار بخفة بداية ثم بالتحدي وما حصل في لبنان  أدى إلى التصعيد ليس فقط بين سوريا وفرنسا  بل بين المجموعة الدولية
"
خطار أبو دياب

خطار أبو دياب: أعتقد في الأساس أن القرار لم يستهدف سوريا ولم يكن في النية أساسا استهداف سوريا لكن تعامل سوريا مع القرار بخفة في البداية ومن ثم بالتحدي للمجموعة الدولية وما حصل في لبنان من تطورات من محاولة اغتيال الوزير السابق مروان حميدي إلى عملية اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري أدى الآن إلى تصعيد وهذا التصعيد واضح ليس فقط بين فرنسا وسوريا بل بين المجموعة الدولية وسوريا وتعيش سوريا بشكل أو بآخر عزلة عربية شبيهة بما حصل للعراق بفترة معينة، الوضع خطر جدا إذا لم يكن هناك بقية من حكمة، هناك تكرار إذاً للأخطاء وكأن 11 سبتمبر لم يحصل وجدار برلين لم يسقط والمنطقة لم تتغير ومن هنا كان دوما الهمّ الفرنسي بأن استعادة لبنان استقلاله وسيادته ليس بالضرورة موجه ضد سوريا، بالإمكان التعامل مع ذلك وبالإمكان لخيار المؤسسات اللبنانية المستقلة أن يحدد نوع وطبيعة العلاقة مع سوريا ويصححها لكن تطور الأوضاع في المرحلة الأخيرة أخذ يدفع إلى مزيد من التصعيد، بإمكاني القول إن الولايات المتحدة الأميركية الآن وجدت في فرنسا حليفا قويا على الساحة اللبنانية، كان هناك مشاكل كبيرة حول العراق لكن الموضوع اللبناني أصبح هو نقطة التقاطع الرئيسية بين واشنطن وباريس وكذلك بين كل الولايات المتحدة وأوروبا وهذا ما لاحظناه خلال جولة الرئيس بوش وهذا ما أعطى للرئيس شيراك المجال الآن ليلعب دوره مليّا على الساحة اللبنانية كمراقب من قِبل المجموعة الدولية لما سيحصل، فرنسا ستتابع الأمر فإذا كانت الخطوات الفرنسية جديّة في بدء الانسحاب في إقامة انتخابات حرة نزيهة تحت إشراف مراقبين دوليين، إذا استقالت هذه الحكومة اللبنانية وقامت حكومة انتقالية نزيهة حيادية ممكن للحوار أن يعود، أما قبل ظهور نتيجة التحقيق الدولي في اغتيال الحريري وقبل بدء الخطوات العملية، أعتقد أن القطيعة الآن قائمة بين دمشق وباريس ولا ينفع أبدا أي مجال للتفكير بصفقات حول العراق مع الولايات المتحدة أو في مجال آخر لأن عيون المجموعة الدولية ساهرة على لبنان.

أحمد كامل: السيد سيمون أبي راميا رئيس التجمع من أجل لبنان في فرنسا وأنتم أقرب إلى المعارضة اللبنانية هل تعتقدون بأن توافق المواقف الفرنسية الأميركية يعطيكم صِدقية أكثر من ناحية الموقف الأميركي لأن الولايات المتحدة خدعتكم أكثر من مرة وتخلّت عنكم أكثر من مرة، هل تشعرون بثقة أكثر هذه المرة بسبب وجود فرنسا؟

سيمون أبو راميا: بالواقع إن توافق المصالح الفرنسية الأميركية نعم يعطي دعما معينا لنضالنا في لبنان وكذلك الأمر القرار الدولي 1559 والذي صُوّت عليه في مجلس الأمن، كان له باعتقادي الأثر المباشر في خلق هذه الحالة الاعتراضية العارمة في لبنان لأن هناك أصوات لم تكن تجرؤ قبلا على الكلام..

أحمد كامل [مقاطعاً]: لنبقى في فرنسا، هل تطلبون من فرنسا أن تُصعّد مواقفها لأن كما هو ملاحظ أن الولايات المتحدة ذهبت حتى أبعد من فرنسا، في البداية كان الموقف الفرنسي متقدم على الموقف الأميركي، الآن الموقف الأميركي متقدم، هل تطلبون من فرنسا أن تذهب أبعد من ذلك؟

سيمون أبو راميا [متابعاً]: أنا أقول بأن فرنسا ستقوم بإجراءات حسب ردود الفعل السورية وأعتقد أن لديها خطة تصاعدية بهذا المجال فإذا قامت سوريا بإجراءات عملية ذلك يمكن أن يمنع التصعيد الفرنسي تجاه المواقف السورية ولكن لأني على خبرة معينة بما يختص بالتعاطي السوري لا آمل كثيرا من تعاطٍ إيجابي من قِبل القيادة السورية الحالية مع أني أنادي القيادة السورية بأن يكون لها بُعد رؤيوي ونظرة مستقبلية للعلاقة بين الوطنين بين لبنان وسوريا لكن الأفعال حقيقةً حاليا على الأرض في لبنان لا تبشر بالخير، فسوريا ما زالت تعتمد لغة تصاعدية لغة تحذير لغة تهديد لغة وعيد وهي تهدد بعدم الاستقرار في لبنان، لذا أعتقد بأن فرنسا هي واعية إلى المشاكل التي يعاني منها لبنان وهي ستقوم بإجراءات حسب الردود السورية.

أحمد كامل: الدكتور خطّار أبو دياب فرنسا تحاول أن تُظهر بأنها ليست متناهية كليا مع الموقف الأميركي هل مازال ممكنا لفرنسا أن تلعب دورا وسيطا لإخراج مخرج من هذا المأزق الذي وقع فيه الجميع؟

خطّار أبو دياب: بالطبع علينا دوما التذكير بأن فرنسا تبقى فرنسا والولايات المتحدة تبقى الولايات المتحدة، هناك تناغم حول الملف اللبناني السوري، هناك محاولة للتناغم على الملف الفلسطيني لكن لا يزال الوضع حول الملف العراقي أو الملف الإيراني، هناك فوارق بين الجانبين ولكن هناك نية للعمل المشترك وهذا ما ظهر من خلال المباحثات الأخيرة في بروكسل، أعتقد بأن باريس لا تزال تطمح للعب دور يوفر على المنطقة عراق أخرى ومن هنا أمس لفت نظري الاتصال بين الرئيس المصري حسني مبارك والرئيس الفرنسي جاك شيراك وسوريا ترسل الكثير من العروض لباريس لكن قبل بدء القيادة السورية بخطوات عملية فعلية لا يمكن أبدا بدء الحوار على أساس الوضع اللبناني، إذاً المسألة الآن يمكننا القول إن الكرة كلها في الملعب السوري وأن باريس لا تهدف أبدا إلى مزيد من عدم الاستقرار في منطقة أساسا غير مستقرة لكن الهدف الأساسي هو مساعدة أيضا الشعوب على أخذ حقوقها، مسألة الحرية والديمقراطية ليست فقط مسألة أميركية، بالنسبة للجانب الأوروبي الذي وقّع اتفاقات الشراكة حتى مع سوريا بحروفها الأولى، ينص ذلك على احترام حقوق الشعوب على احترام حقوق الإنسان على الحرية والديمقراطية، أعتقد أنه ليس من الجائز الآن بعد نهاية الحرب الباردة وبعد أن دارت الديمقراطية دورتها في العالم كله أن يبقى العالم العربي خارج التاريخ والجغرافيا، من المستحيل تحت حجة الصراع من أجل فلسطين أن يبقى العالم العربي هو ومنطقة أفريقيا جنوب الصحراء الأكثر تخلفا من الناحية الاقتصادية، كل الدخل القومي العربي لا يساوي دخل دولة صغيرة.. دولة مهمة في أوروبا مثل إسبانيا إذاً نحن الآن أمام واقع جديد وأعتقد إن لبنان يُشكل أيضا بالنسبة للولايات المتحدة أو أوروبا نوع من الإنموذج لما يمكن أن يكون عليه شرق أوسط ديمقراطي ومستقر ومسالم.

أحمد كامل: واضح تماما اختلاف دوافع الموقفين الأميركي والفرنسي تجاه الموقف في لبنان، هل هذا الاختلاف في الدوافع يمكن أن يؤدي إلى اختلاف في المواقف فيما بعد؟

خطّار أبو دياب: لا أعتقد ذلك لأن بالنهاية الغاية تبقى واحدة، الولايات المتحدة تهدف عندها رؤية استراتيجية لكل المنطقة ضمن مشروع الشرق الأوسط الكبير، يمكن أن يكون من نواياها المساومة حول المسألة العراقية أو تحييد سوريا وحزب الله تمهيدا للتفرغ في إيران، فرنسا في النهاية أيضا لها لعبتها في الملف الإيراني وهي متصلة بلعبة أوروبية مع الولايات المتحدة ولكن على الصعيد اللبناني الصِرف، أعتقد إن هناك توافق على ضرورة استعادة لبنان وظيفته الجيوبولتيكية المستقلة وسيادته واستقلاله، أصبح للبنان حاجة وبالنسبة للولايات المتحدة إنموذج لنجاحات ديمقراطية لأن الولاية الثانية بدأت تحت شعارات الحرية، بالنسبة لفرنسا فرصة لاستعادة النفوذ في المشرق وأيضا فرصة للإثبات بأن السياسة الخارجية الفرنسية لا تزال موجودة وكل هذا يتوقف في النهاية على إرادة الشعب اللبناني وعلى قدرة الشعب اللبناني على التأقلم مع المعطيات الدولية.

أحمد كامل: يبقى واضحا بأن فرنسا مهتمة، بالدرجة الأولى بلبنان وليس في مجمل المنطقة، فرنسا غير مهتمّة بتغيير المنطقة كلها بينما الولايات المتحدة مهتمة جدا.

خطّار أبو دياب: أعتقد أن الولايات المتحدة أخذت تنحاز للنظرة الأوروبية في التغيير، إن هذا التغيير يجب أن يأتي من الداخل لذا لاحظنا بأن الخطاب الأميركي أخذ يتأقلم مع فكرة عدم فرض الديمقراطية كسلعة تأتي من الخارج بل دعم القوى الديمقراطية عندما تنهض وهذا ما يحصل الآن على الساحة اللبنانية وأعتقد إنه سيكون نوع من إنموذج لباقي دول المنطقة.

لبنان ومشروع الشرق الأوسط الكبير

أحمد كامل: هل سيبدأ مشروع دمقرطة الشرق الأوسط من لبنان إذاً؟

"
 الفرصة الوحيدة لدمقرطة الشرق الأوسط هي من لبنان لأنه كان دوما فريدا في المنطقة حيث بقي خارج سجن الديكتاتوريات التي تعيشه المنطقة
"
خطار أبو دياب

خطّار أبو دياب: أعتقد بأنه لم يبدأ فعليا من العراق وفلسطين بل إن فرصته الوحيدة لبنان لأن لبنان كان دوما عبر تجربته الديمقراطية فريدا في الشرق الأوسط، بقي خارج سجن الديكتاتوريات الكبير ومن هنا نزّة الشعب اللبناني وانتفاضته السلمية الحالية تمثل برأيي تحولا لأن الناس هذه المرة لا تهتف فقط بالشعارات القومية وبطلب الخبز ولكن تهتف بطلب الحرية والتحقق وهذا يعد نوع من التحول الجديد في تاريخ الشرق الأوسط.

أحمد كامل: حتى لو كانت أغلبية من الشعب اللبناني توافق على هذا التدخل الفرنسي هناك فئة لا بأس بها لا توافق على هذا التدخل، هل سوف تصبح فرنسا لاعبا في الساحة اللبنانية أو سببا للخلاف داخل لبنان؟

سيمون أبو راميا: لا أعتقد أن فرنسا ستكون سببا لأن في الخلاف في لبنان لأنني أنظر إلى المجتمع اللبناني من خلال شعبه وليس من خلال تنظيماته السياسية، هناك أصوات في لبنان تنتقد الدور الفرنسي الحالي لكني شخصيا لا أعتقد بأن لها صفة تمثيلية شعبية واسعة داخل المجتمع اللبناني، أعتقد بأن الشعب بأكثريته يتفهم ليس التدخل الفرنسي لكن النظرة الفرنسية الجديدة الداعية إلى أن يعود إلى لبنان سيادته واستقلاله.

أحمد كامل: أنتم كلبنانيين هل توافقون على أن يكون لبنان محطة للتغيير في سوريا لأن المشروع الأميركي واضح تماما لن يتوقف عند لبنان؟

سيمون أبو راميا: سؤال ليس بصعب الرد عليه لكن نحن قاومنا التدخل بالشؤون الداخلية اللبنانية من قِبل سوريا ولا نسمح لأنفسنا بالتدخل في الشؤون السورية الداخلية ومن هذا المنطلق، أنا أريد أن يكون للشعب السوري كلمته في حال هناك جديّة أو إمكانية في تغيير الوضع في سوريا لكن هذا ليس من صلاحية أو من الشرعية التي للشعب اللبناني، على الشعب السوري أن يقول كلمته ونحن سنكون دائما أشقاء له مهما كان النظام المتواجد فيه.

أحمد كامل: الدكتور خطّار أبو دياب منطقة الشرق الأوسط كما يجمع الجميع هي منطقة تحت اليد الأميركية، نرى الآن أن الولايات المتحدة تسمح لفرنسا بدخول هذه المنطقة هل هو لبنان نافذة لعودة فرنسية إلى الشرق الأوسط؟

خطار أبو دياب: أعتقد بأن الولايات المتحدة استنتجت بعد مشاكلها في العراق بأنه بإمكانها أن تربح الحرب لوحدها لكن لا يمكنها أن تربح السلام لوحدها ولذا أرادت إشراك الجانب الأوروبي، إنْ في المسألة الفلسطينية وهذا ما سيدل عليه مؤتمر لندن حول إصلاح المؤسسات الفلسطينية أو من الناحية اللبنانية، بالفعل يُشكل الوضع اللبناني نافذة ليس فقط لفرنسا بل لأوروبا بالإجمال من أجل التواجد في هذه المنطقة من العالم بشكل قوي وتطبيق مبادئها على الأرض وخاصة إن لبنان يرتبط بهذه الدول باتفاقيات.

أحمد كامل: سؤالي الأخير إلى السيد سيمون أبو راميا رئيس التجمع من أجل لبنان في فرنسا، فرنسا خسرت صديقا كبيرا لها في لبنان دعامة كبيرة لها في لبنان هو السيد رفيق الحريري كيف سيؤثر ذلك على مستقبل العلاقات الفرنسية اللبنانية؟

سيمون أبو راميا: أنا أصلا أعتقد بأن فرنسا لها قراءة خاصة بها، أولا رأت أن القطار الأميركي في منطقة الشرق الأوسط سائر لا محالة فأرادت أن تكون فيه، كذلك راهنت طويلا على سياسة انفتاحية إيجابية من قِبل القيادة السورية ولم ترها والعامل الثالث وهو مهم أعتقد أن للرئيس الفرنسي جاك شيراك شخصيا علاقة صداقة وطيدة بالرئيس الراحل رفيق الحريري وأعتقد بأن فرنسا بدأت أن تُظهر سياستها المتشددة الجديدة بعد خروج الرئيس الحريري من موقع السلطة وأعتقد اليوم بأنها مجبرة على التوجه نحو سياسة متشددة أيضا أكثر فأكثر بعد غياب أو مقتل الرئيس الحريري وأنا أعتبره بأنه تحد خاص وشخصي للرئيس جاك شيراك وهو ما قرأناه مؤخرا في صحف فرنسية عندما قال السيد وليد جنبلاط بأن الرئيس رفيق الحريري قبل اغتياله أكد له بأن الرئيس بشار الأسد أبلغه شخصيا بأنه في حال أراد الرئيس شيراك إخراج السوريين من لبنان فإنه سيدمر لبنان وهذا بالنسبة لي يؤكد على أهمية التحدي الموجودة فيه حاليا فرنسا.

أحمد كامل: كانت هذه كلمة النهاية، شكرا للسيد سيمون أبي راميا رئيس التجمع من أجل لبنان المقيم في فرنسا والمقرب من المعارضة اللبنانية، شكرا للدكتور خطّار أبو دياب باحث في المعهد الدولي للجغرافية السياسية في باريس شكرا لضيفي، أعزائي المشاهدين بهذا تنتهي حلقة هذا الأسبوع من برنامج من أوروبا نلتقي في الأسبوع المقبل.