نوربرت ماتيس - أصدقاء العرب 11/07/2012
أصدقاء العرب

نوربرت ماتيس.. تغطية موضوعية لقضايا الشرق الأوسط

تستضيف الحلقة الكاتب والصحفي نوربرت ماتيس، والذي كان يؤمن بإمكانية استخدام وسائل الإعلام لنشر مقالات جادة تتمتع بالموضوعية والتحليل.
‪نوربرت ماتيس‬ نوربرت ماتيس
‪نوربرت ماتيس‬ نوربرت ماتيس

بداية اهتمامه بالنزاع في الشرق الأوسط

نوربرت ماتيس: انحصرت أول معرفة فعلية لي للشرق عن طريق رحلة طويلة إلى إيران وأفغانستان والهند من عام 1965 إلى عام 1967، وفي بداية الثمانينيات سافرت ضمن وفد نقابي إلى إسرائيل وفلسطين، كانت مثل هذه الزيارات حينها بالنسبة إلى الوفود الرسمية أمراً غير اعتيادي، ومنذ ذلك الحين لم يتركني هذا النزاع وشأني، في عام 1991 وقعت حرب الخليج الثانية وكانت التغطية الإعلامية للأحداث منحازة بشكل لا يطاق، فقررنا إنشاء المشروع الإعلامي "إينامو" Inamo لكي نسهم في التفاهم والحوار بين الشعوب، أنا صحفي ورئيس تحرير صحيفة "إينامو" Inamo اسمي نوربرت ماتيس. عندما رجعت من الهند عاودت الدراسة من جديد وحصلت على الشهادة الثانوية، وبدأت الدراسة الجامعية في الأدب الألماني وعلم الاجتماع والسياسة، كانت لدي الرغبة في الترحال وقد سافرت في وقت مبكر إلى المغرب وتركيا ولبنان، لا أعرف لماذا اخترت المغرب؟ ذهبت في البداية إلى إسبانيا وربما كان ذلك مجرد شعور بالرغبة في السفر، بكل بساطة تركت المجال لنفسي لتتأثر بالمغرب وتعلمت أشياءً كثيرةً هناك، وبعد فترة من الزمن؛ بعد 12 سنة تقريباً حصلت على منحة من هيئة المنح النقابية فدرست آنذاك العلوم الإسلامية واللغة العربية بداية في مدينة ماينز، ولأن التركيز كان في الكلية على الأدب قررت إكمال دراستي في برلين لأركز على علم الاجتماع والعلوم الإسلامية وانتهيت من دراستي هناك عام 1995، أردت كتابة الماجستير عن الحركة النقابية في سوريا وقد كانت النقابة تحت قيادة حزب البعث، وتبين لي أن الحصول على الوثائق أمر هام ومنها تعرفت إلى المؤرخ السوري عبد الله حنا الذي كان قد كتب كتيباً عن عبد الرحمن الشاهبندر وناقشت المشكلة معه ووصلت إلى نتيجة أن الحصول على المعلومات التي أريدها سيكون أمراً شاقاً، وقد حدثني حنا عن الشاهبندر الذي كان قومياً وأول طبيب مرخص له في دمشق، قاوم الشاهبندر الاحتلال الفرنسي وكانت لديه فكرته الخاصة عن القومية ولذلك كان من المثير للاهتمام عرض مفهومه الوطني لأنه مجهول تماماً هنا، أزور سوريا ولبنان سنوياً لأن لدي هناك الكثير من الأصدقاء الذين ينتمون إلى أديان مختلفة، وكلما ازداد عددهم أحصل على معلومات أكثر يصعب الحصول عليها من مصدر آخر، لا أذكر كيف بدأت علاقتي مع النزاع في الشرق الأوسط، على الأرجح بدأت عندما كنت في النقابة ما بين عام 1982 و1983 حيث ذهبت آنذاك ضمن وفد إلى إسرائيل مرتين وتوضحت لدي منذ التحضيرات للزيارة تناقضات هذا النزاع وبعد ذلك بدأ اهتمامي بالنزاع في الشرق الأوسط يزداد.

[شريط مسجل] 

جورج بوش: أود إعلامكم بأننا بدأنا بقصف أهداف عسكرية في العراق، نحن عازمون على تدمير قدرات صدام حسين النووية، كما أننا سندمر مصانع الأسلحة الكيماوية خاصته. 

نوربرت ماتيس: عندما وقعت حرب الخليج الأولى أغضبتني جداً أنا وزملائي التغطية الإعلامية الألمانية بعد دخول قوات التحالف مع الأميركيين عام 1991 فدار نقاش بيننا حول إمكانية استخدام وسائل الإعلام لنشر مقالات جادة تتمتع بالموضوعية والتحليل، وقد ارتأى معظمنا أنه لا أمل بأن تقدم وسائل الإعلام التقليدية وجهة النظر البديلة ولذلك قررنا أن نؤسس مشروعاً بأنفسنا، واستمر النقاش سنة أو سنتين بشأن كيفية عمل مثل هذا المشروع، وهل كان ينبغي القيام به من الأساس؟ ثم شكلت مجموعة إدارية وبدأنا تأسيس مشروع مجلة سياسية سميناها "إينامو" Inamo، من أهم الثوابت التي اتفقنا عليها أن تعطي "إينامو"Inamo الفرصة للكتاب الأجانب للتعبير عن آرائهم وقد اتفقنا على التعاون مع الكتاب والنقاد والعلماء من البلدان المعنية التي نكتب عنها، فكان نشر آراء أناسِ من تلك البلاد أمر مفيد جداً، لقد وضعت "إينامو" Inamoلنفسها هدفاً بأن تقدم صورة عن الشرق الأوسط بعيدة عن الصورة النمطية الشائعة، وأن تلزم نفسها بحقوق الإنسان والتعاون مع الناس الذين يدعمون الحركة الديمقراطية من أجل تقديم صورة واضحة وشاملة وواقعية عن الشرق الأوسط. 

[فاصل إعلاني] 

التطرق بموضوعية للقضية الفلسطينية 

كريستوفر هيس/ مؤسس الموقع الإلكتروني لمجلة إينامو: فكرة إصدار وسيلة إعلان باللغة الألمانية وتوجيهها إلى الجمهور الألماني أتت بشكل قوي من الشعور بأن وسائل الإعلام العامة موجهة للجمهور في كل من ألمانيا وسويسرا والنمسا باللغة الألمانية، في حين أن وجهات النظر البديلة لم تكن موجودة، إذا نظرنا إلى المنطقة الأنغلوسكسونية فتوجد هناك النفس الفرضية، يوجد هناك رأي سائد فيما يخص تغطية الأحداث في الشرق الأوسط، نريد أن نصل إلى الرأي العام في هذا البلد، ولذلك يجب أن يكون ذلك باللغة الألمانية، ما نحتاجه دائماً بالطبع هو الكُتَّاب، كُتّاب قريبون من الحقيقة يكتبون مواضيع شيقة ومستعدون لتقديمها لنا مجاناً، فإمكانياتنا لا تسمح لنا بتوظيف الصحفيين، ولذلك نستعين كثيراً بالعاملين في المجال الأكاديمي. 

نوربرت ماتيس: ونحن ننتقد بعض السياسات في الشرق الأوسط، ومع ذلك فإن علينا معاملة كل البلدان بالتساوي، لكن الكثير من وسائل الإعلام يتغاضى عن ذلك عندما يخص الأمر إسرائيل، فلو ارتكبت مجازر مثل مجازر غزة في حق الإسرائيليين لقامت جميع الصحف بنشر ذلك والتنديد به، وعندما ارتكبت إسرائيل هذه المجازر خيم على الجميع صمت مطبق، وهذا أمر لا ينبغي السكوت عنه، ومعروف عن "إينامو" Inamo أنها تنشر هذه الأمور بشكل علني حتى أنها لا تقتصر على نشر مقالات لكتاب ألمان، بل تنشر النقد من داخل المجتمع الإسرائيلي ومن قبل كتاب إسرائيليين، ولدينا كتاب إسرائيليون ناقدون للسياسة الإسرائيلية بصورة دائمة. 

[مشهد من مسرحية انتفاضة الصف الدراسي] 

نوربرت ماتيس: سمعت في البداية نقاشاً حول مسرحية معادية للسامية قام بها بعض الشباب اسمها "انتفاضة في الصف الدراسي"، وكانت قد أحدثت ضجة كبيرة، فأثار الموضوع اهتمامي واتصلت بالمسؤولين عنها، اتسع نطاق هذه المناقشة عندما قررت مجموعة تسمي نفسها "قوة الواجب اليهودية" أن تناقش المسرحية في مجادلة علنية مع المسؤولين، وعندها سألتني المجموعة المسرحية إذا كان بإمكان حضور المناقشة معها فأجبتها بالموافقة على ذلك، وانضممت إلى اللجنة الاستشارية إلى المجموعة وهكذا نشأ التعاون بيننا، كان لدينا انطباع بأن قوة الواجب اليهودية لم ترد أبداً النقاش مع الشباب حول محتوى المسرحية وما يمكن تغييره وإنما أرادت فقط إلصاق تهمة العداء للسامية بأي ثمن، كان هذا في الواقع هدفها الوحيد لكنها تمنع الدعم المادي لها من الحكومة المحلية. 

أحد الشباب المنضمين لفرقة انتفاضة الصف الدراسي: لقد تعرفنا إلى نوربرت عندما وصلت الأمور إلى طريق وعرة فيما يتعلق بمسرحية انتفاضة الصف الدراسي، لأنه من المثير للجدل في ألمانيا أن تطلق عنوان كهذا على فعالية ما، لقد كنا نناقش الجدل الذي حدث في الملامح الألمانية بعد الحادي عشر من أيلول الذي لم يعرف المدرسون كيف يتعاملون معه، وعندها قررنا إنشاء مشروع اسمه المسرح الشبابي كمنبر لنبذ معاداة السامية ومعاداة الإسلام من أجل السلام والعدل، ولكن هذا الاسم طويل جداً ولذلك تبنينا عنوان "انتفاضة الصف الدراسي". 

ميموزا: أنا من كوسوفو وانضممت إلى المجموعة قبل سنتين أو ثلاث، يشعر الإنسان بالراحة في المجموعة، يتعارف بعضنا إلى بعض ونتبادل الآراء وعندما يأتي شخص جديد نستقبله بحفاوة. 

أحمد شاه/ مخرج مسرحي: في السابق كنت أظن أنه ليس بوسعنا تغيير شيء، وأن ذلك حكر على السياسيين لأنهم هم أصحاب النفوذ، ولكن منذ التحاقي بالمجموعة لاحظت أننا قد ألهمنا كثيراً من الناس من خلال مسرحياتنا. 

نادين: نحن نتعلم عن الحروب والتاريخ، ونريد ملامسة مشاعر الناس ودفعهم إلى الحوار من خلال مسرحياتنا، ونود القول لهم أنه من الخطأ النظر إلى الحروب والنزاعات كالنزاع  بين الفلسطينيين والإسرائيليين مثلاً من زاوية واحدة، نريد أن ننظر إلى الحروب والأمور الأخرى من عدة زوايا. 

آفي شالابيانو: يمكن القول أن ما نفعله هنا هو نوع من أنواع السياسة ويمكن أن أسميها سياسة الشارع. 

[مقطع غنائي لفرقة انتفاضة الصف الدراسي] 

الكراهية موجودة حيث يكون الناس..

ولهذا السبب يقتل الناس يوماً بعد يوم..

الناس المليئون كراهة ليسوا سعداء..

المهووسون بالكراهية لا يؤمنون بالحياة السعيدة..

هناك أوجه كثيرة للكراهية وهي – للأسف- تفسد أجيالاً كثيرة كثيرة..

الكراهية ضد اليهود ضد المسلمين ضد السود والبيض..

الكراهية ضد الدين والأعراق وهي من أكبر المشكلات..

في عقول الناس يعشعش خطأ عظيم..

فهم ينشرون الكراهية والإرهاب في جميع أنحاء العالم..

الإرهاب موجود في كل مكان من العالم في أيديهم أسلحة ودماء فقط..

يظنون أنه لا يوجد قانون، وأنهم باستطاعتهم فعل ما يحلو لهم بواسطة العنف..

القنابل تسقط القنابل تفجر..

ليس لها رحمة ولا تفيدنا بأي شيء..

القنابل تسقط القنابل تفجر..

فهي لا تعرف من تقتل عندما تسقط على البيوت.. 

موسيقى أفريقية تعبر عن روح آلام فلسطينية 

نوربرت ماتيس: كتبت عن هذا المسجد ليس لأنه الأجمل فقط ولكن لأنه الأقدم هنا أيضاً في برلين، كتبت كتابي عن المعالم الشرقية في برلين مع الكاتب غيرهارد هوب الذي توفي قبل بضع سنوات، وكانت وفاته أمراً محزناً جداً لأنه كان يعد من الكتاب الثابتين لدينا، وكان يكتب عن مواضيع لم يكن بإمكان أحد غيره الكتابة عنها كالمقبرة  الإسلامية في برلين مثلاً أو العرب في الحرب الأهلية الإسبانية، وكان أيضاً هو الوحيد الذي قام بأبحاث عن العرب الذين كانوا في معسكرات الاعتقال النازية، كما قام بزيارة كل معسكرات الاعتقال ونظر في سجلات الأرشيف، وهذا يعني أن الخطوة التالية التي أراد القيام بها هي السؤال عن سبب وجود كثير من المعتقلين في معسكرات الاعتقال، ولكنه توفي وبحسب علمي لم يتابع أحد هذا العمل من بعده وهذا أمر مؤسف جداً، يحدث في الأغلب أن يتردد الناس الذين يقدمون لنا الدعم المادي أو الذين يفكرون في ذلك عندما يعلمون بشأن المواضيع التي سنتناولها، وخاصة مواضيع النزاع في الشرق الأوسط، فمثلاً عندما نتناول موضوع الصهيونية أو النكبة أي تشريد الفلسطينيين يتقلص الدعم بالطبع، لأن هذا الموضوع من المواضيع الحساسة التي يتجنبون فيها تبني رأي خارج عن الاتجاه السائد، كي لا تنصب عليهم انتقادات وسائل الإعلام. 

مارك كوفي أسوما: اسمي مارك كوفي أسوما، أنا من غانا وقابلت نوربرت عام 1994 في معرض اسمه حقائب مسافرة، أعددنا الموسيقى معاً عام 1995 عندما احتفلت اليونيسيف وقوات الطوارئ الدولية بالذكرى الخامسة عشر لوجودها في جنوب لبنان، حيث دعينا للاحتفال وعزفنا الموسيقى مع الأطفال وكانت تجربة لطيفة وواصلنا العزف بعدها معاً، وشاركنا بعدها في كثير من النشاطات السياسية كالمظاهرات وخصوصاً تلك المتعلقة بالسلام في العالم، فنكون فيها دائماً ولاسيما النشاطات التي تخص القضية الفلسطينية فنحن نأخذها هذه القضية على محمل الجد لأننا نريد أن نقول للسياسيين: "افتحوا أعينكم وآذانكم واجعلوا تحقيق السلام في فلسطين ممكناً، لأن هذه هي الطريقة الوحيدة التي يستطيع بها الفلسطينيون والإسرائيليون أن يعيشوا بحرية". 

نوربرت ماتيس: لقد ألفنا هذه المقطوعة عندما اعتدى شارون وجيشه على الضفة الغربية في عام 2001 وأهديناها للشعب الفلسطيني وسميناها "أيام". 

مارك كوفي أسوما: ماذا علمت نوربرت؟ لقد علمته الموسيقى الأفريقية، وهو يستمع إلى الموسيقى ويعلمني كيف أكتب هذه الموسيقى التي نعزفها، أحلم أن أزور فلسطين وأعزف الموسيقى لشعبها وأحلم أيضاً أنه في يوم من الأيام سيتبادل الناس في الضفة الغربية والقدس وفي كل أرجاء فلسطين وإسرائيل القول: "الآن نعطيكم حريتكم". 

نوربرت ماتيس: أرى أن إسرائيل تحفر قبرها بيدها لأنها بسياستها التي تمارسها تجعل حل الدولتين أمراً غير ممكناً، فتوسيع المستوطنات وإقامة شوارع خاصة باليهود فقط دون الفلسطينيين يجعلان حل الدولتين حلاً عقيماً لا يمكن تطبيقه بل عفاه الزمن، وفي نهاية المطاف يجب طرح السؤال: لماذا لا تكون هناك مساواة بين الفلسطينيين والإسرائيليين؟ لماذا لا يتمتع الفلسطينيين بحقوق المواطنين نفسها في إسرائيل؟ هذا السؤال يستحق الإجابة.

المصدر : الجزيرة