صورة عامة - أصدقاء العرب / كاي فيدنهوفر / مصور فوتوغرافي - 21/03/2012
أصدقاء العرب

كاي فيدنهوفر.. النزاع الإسرائيلي الفلسطيني

تستضيف الحلقة المصور الفوتوغرافي كاي فيدنهوفر الذي جمعت صوره بين اهتمامه السياسي وحبه لفن التصوير، جاب بقاع العالم وركز على القضية الفلسطينية واهتم كثيرا بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وخلال زيارته لفلسطين قام بتصوير الحياة اليومية خلال الانتفاضة الأولى في محاولة منه لتوثيق التاريخ.

توثيق لسير الحياة اليومية في الأراضي الفلسطينية

كاي فيدنهوفر: أجوب بقاع العالم المختلفة وأروي قصص من لا صوت لهم، بصورة أختزل حياة، أوثق أحداثاً وأعبر عن تاريخ، الكاميرا هي عيني التي أرى بها، هي لغتي، هي سلاحي، أبيض أو أسود صواب أو خطأ هذه هي ألوان عالمي، اسمي كاي فيدنهوفر أنا أشتغل كمصور، أنا ساكن حالياً في برلين وأنا كنت أول مرة في الشرق الأوسط في عام 1989 ومنذ ذلك الوقت أنا أزور الشرق الأوسط تقريباً كل سنة شهر وشهرين، أنا درست اللغة العربية في دمشق في عام 1992 مع كمان في 1993 وبعد ذلك أنا انتقلت تقريباً إلى قطاع غزة وسكنت هناك من 1993- 1994 وسمعت عن انسحاب الجيش الإسرائيلي من المدن في قطاع غزة، كانت أول زيارة لي إلى الشرق الأوسط في عام 1989 سافرت إلى القدس وجنوب إسرائيل، زرت قبر بن غوريون ثم عدت إلى القدس عبر الضفة الغربية، وصلت لأول مرة إلى مخيم للاجئين وأردت وقتها أن أبقى بعيداً عن المعترك السياسي ولكنني سرعان ما انخرطت فيه، بقيت في القدس لمدة ثلاثة أسابيع قمت بتصوير الحياة اليومية هناك خلال الانتفاضة الأولى حينها كان الإضراب الشامل يسود، كان وجود الجيش الإسرائيلي مكثفاً في البلدة وليس كما هو الحال عليه اليوم، لم يكن لدي قرار مسبق بأن أصبح مصوراً ولكن أثناء دراستي الجامعية قمت باستعارة أداة للتصوير من خالي وكانت المرة الأولى التي أشتري فيها غرفة لتحميض الأفلام فكنت أمتلك وقتها غرفة التحميض قبل أن يكون لي أداة للتصوير، كانت هذه بداية اهتمامي بفن التصوير كان أيضاً لدي اهتمام بالتاريخ والسياسية وبالصراع الفلسطيني الإسرائيلي على وجه الخصوص، كان سبب اهتمامي بهذه القضية كتاباً قرأته حينما كنت في الثالثة عشرة من عمري واسمه Exodus وهو كتاب يتحدث عن قيام الدولة الإسرائيلية، بدأ اهتمامي بهذه القضية منذ ذلك الوقت وأصبحت أتابع أخبار القضية باستمرار، عندما كنت في الصف العاشر طلب منا اختيار موضوع سياسي ومتابعته لمدة سنة اخترت آنذاك موضوع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، أثناء عملي وبعد الأسبوع الثالث تحديداً وقعت مجزرة صبرا وشاتيلا فجمعت في صوري بين اهتمامي بالسياسة وحبي لفن التصوير.

اتفاق أوسلو وتبعاته

في ربيع 1989 ذهبت إلى القدس لالتقاط صور للالتحاق بكلية التصوير في ألمانيا عقب رؤيتي صوري قال لي أحد المصورين الأميركيين: يجب أن تذهب إلى ألمانيا الشرقية ما يحدث هناك أمر مثير للانتباه، وبالفعل ذهبت إلى برلين ووصلت عند بداية فتح الحائط في ميدان بوتسدام، كان هذا الحدث الأكثر إيجابية الذي أشهده في حياتي آنذاك فهو بمنزلة نهاية حقبة من التاريخ الذي عشناه لأنه كانت هناك مواجهة حقيقية بين الشرق والغرب، وكنا قد تربينا في هذا المناخ السياسي وشاركنا في مظاهرات ضد الأسلحة النووية وأتى هذا الحدث ليسدل الستارة على العالم كما كنا نعرفه وليضع حجر الأساس لبداية مرحلة جديدة، كان هذا افتتاح حائط برلين عند ميدان بوتسدام لا أذكر إن كان ذلك في اليوم العاشر أو الحادي عشر من نوفمبر عام 1989، هنا صديقي اسمه كاي أيضاً ويقف هناك وأنا أقف هنا، بعد نشر كتابي الأول عن الفلسطينيين في الأراضي المحتلة قلت في نفسي: علي نسيان الأمر في العودة إلى هناك مجدداً لأنني كنت معارضاً بشدة لاتفاقية أوسلو حتى قبل أن توقع، كان ذلك عندما سافرت من غزة إلى دمشق في يونيو عام 1993 كي أتعلم العربية وطلب مني أستاذي آنذاك ترجمة اتفاقية أوسلو والتعبير عن رأيي فيها بلغة عربية مبسطة، بدأت بقراءة الاتفاقية وكاد رأسي ينفجر عندما وجدت أنها لا تعالج لب المشكلة بل تترك كل شيء في علم الغيب وفكرت لو أن قائد بلدي قام بتوقيع اتفاقية كهذه لقاومت ذلك بكل قواي، حتى المفاوضات التي جرت في مدريد مع حيدر عبد الشافي والوفد الفلسطيني كلها فشلت عندما تقدموا بطلب لوقف بناء المستعمرات ولم تكن إسرائيل مستعدة لتنفيذ هذا القرار وكان هذا في عام 1991 وها نحن الآن في عام 2009 وما زلنا نواجه المشكلة ذاتها لا بل زاد عدد المستوطنين 400 ألف مستوطن في الأراضي المحتلة ولذلك أرى أن حل إقامة الدولتين الذي يهلل له الكثيرون والذي تبناه أوباما والحكومة الأميركية الحالية كحل رسمي للقضية الفلسطينية هو برأيي شبه مستحيل.

إسرائيل وجدار الفصل العنصري

جاءني أحد الأصدقاء وقال لي: أريد أن أكتب موضوعاً عن الجدار العازل الذي تبنيه إسرائيل في الأراضي المحتلة، أتود المجيء معي؟ قلت له: كلا ابحث عن مصور غيري، استمر في الاتصال بي فتحدثت مع صديق آخر عن الموضوع وكان يملك كاميرا بانورامية كبيرة حجم النيجاتيف فيها 17 سم وهو حجم كبير جداً لا يمكنك معه أخذ 4-8 صور في الفيلم الواحد فوافقت، فكرنا في أن نتبع أسلوب تصوير مختلف عن صور الريبورتاج المعتادة وقررنا أن لا نقترب من الناس كثيراً حتى لا نتعلق بهم وجدانياً لأن هذا لا يخدم الصور بل نقوم فقط بتوثيق الجدار الذي تبنيه إسرائيل فذهبنا مدة 10 أيام في نوفمبر من عام 2003، عندما جرى هدم جدار برلين ظننت أنها نهاية عهد الجدران وأن التاريخ سوف يلقي بها في القمامة وتعجبت كثيراً عندما بدأت إسرائيل بناء الجدار العازل فكيف يتم بناء هذا الجدار بعد أن ولى عهد الجدران؟ إذا لم تشأ التعامل مع أناس معينين فأسهل طريقة لتجنبهم هي أن تضع جداراً بينك وبينهم وتعتبر أن من هم داخل حدود الجدار هم الناس الجيدون وهم في الغالب من أصحاب السلطة ومن هم خارجه هم الأشرار، ونرى هذا في العديد من البلدان في المكسيك وسبتة ومليلا في المغرب فالمعتقد السائد أن الأشخاص الذين يأتون من خارج الجدار هم الذي يأتون بالشر، يولد هذا الجدار انحيازا ضد الأشخاص الموجودين على الجانب الآخر فهو لا يحل المشكلة بل يزيدها تعقيداً نجد هذا على وجه الخصوص في الأراضي الفلسطينية المحتلة حيث أن الجدار لا يفصل بين الفلسطينيين والإسرائيليين فقط بل بين الفلسطينيين والفلسطينيين أيضاً وهذا سوف يسبب مشكلات أكبر على المدى البعيد، منذ سقوط جدار برلين رأينا جدراناً تشيد في بغداد وفي سبتة ومليلا وعند الحدود الأميركية المكسيكية وكأن الماضي يعود من جديد، أعتقد أن وجودي في برلين ورؤيتي لعملية هدم الحائط أثرا فيّ كثيراً فما حدث هنا كان ثورة وكانت تلك الثورة هي الوحيدة التي جرت نفعاً حيث إننا لسنا ثوريين جيدين هنا وأعتقد أيضاً أن هذا أصبح إرثاً لدينا برلين، فما حدث هنا يمكن أن يحدث ثانيةً وكان هذا هو سبب رغبتي في إقامة معرض لصوري على جدار برلين لأذكر الناس بأن ما حدث هنا قد يحدث في أي مكان في العالم، بعد نقاش مطول مع السلطات المحلية تمكنت من الحصول على موافقة لعرض صور بانورامية على الجزء المتبقي من جدار برلين وكان ما دفعني لاستخدام الجدار بدلاً من استخدام معرض هو حجم الصور الكبير أولاً والأهم من ذلك رغبتي في أن يرى الجميع عملي وأن لا يكون حكراً على الناس المهتمين بفن التصوير أو الصراع السياسي فقط بل هو لكل الناس وهذا بالطبع يخلق حواراً على نطاق أوسع.

[فاصل إعلاني]

حملة مناهضة لجدران التمييز العنصري في العالم

كاي فيدنهوفر: نحن الآن في برلين أمام الجدار كما ترون ويسمى هذا الحائط المعرض الشرقي هذه آخر قطعة بقيت من الجدار شرقي برلين ويبلغ طولها كيلومتراً واحداً و200 متر وتقوم البلدية حالياً بترميم هذا الجزء وطلاءه ولكن توجد الآن كتابات جدارية عليه، وفي الناحية الأخرى سوف أقوم بعرض صور لجدران الفصل العنصري حول العالم، سوف نقوم بعرض صور بانورامية للجدران حول العالم من إسرائيل وفي الأراضي المحتلة وبلفاست ومن الحدود الأميركية المكسيكية أيضاً وهذه الصور كبيرة الحجم فسوف تكون تقريباً من هنا إلى هناك ويبلغ طول الصورة الواحدة مترين و80 سم وعرضها 8 أمتار و40 سم وسنقوم بعرض نحو 30 صورة وهو ما يجعل المعرض يمتد لأكثر من 300 متر، سنقوم الآن بزيارة السيناتور السابقة للفنون في برلين إدريان جولر التي تساعدني على الحصول على التصريح بعرض صور عن جدران الفصل العنصري على جدار برلين.

إدريان جولر/ وزيرة الفنون في برلين سابقا: إن موضوع إقامة الحواجز للحد من حركة الناس موضوع يهم العالم بصفة عامة ويهم برلين على وجه الخصوص نظراً لتاريخها الخاص مع الجدران وبعد أن تمت إزالة الجدار بأكثر الطرق السلمية التي يمكنكم تخيلها أصبح على عاتقنا مسؤولية تجاه العالم فلا يمكننا أن نغمض أعيننا عن هذا الوضع بل علينا أن نعمل على إزالة الجدران الأخرى حول العالم أيضاً، أنا مقتنعةٌ تماماً بأن الفن له مرمى مختلفاً في إظهار الحقيقة إذ إنه يسرد الحقيقة بطرق عدة تختلف عن الطريقة التي يتبعها السياسيون دائماً، عندما أخبرني عن المشروع سألته: هل فكرت في هذا الموضوع ملياً؟ لأننا سوف نجد رفضاً من كل القوى السياسية وقد حدث ذلك بالفعل، تحدثنا إلى عمدة المنطقة ودار بيننا حوار جيد وكان مدركاً تماماً للمعارضة التي قد يتلقاها هذا المعرض فقام بزجنا في متاهة الديمقراطية وقال لنا: عليكم رؤية هذه اللجنة وتلك وإن استطعتم إقناعهم فسوف أعطيكم التصريح بإقامة المعرض، لقد كانت هذه التجربة وهذا المسار السياسي مثيرين للاهتمام.

كاي فيدنهوفر: أظننا رأينا ثماني مجموعات مختلفة وفي بعض الأحيان كنا نضطر إلى رؤية الواحدة منها مرتين.

إدريان جولر: مرات ومرات ومرات عدة ببساطة كان الجميع يخاف ويقوم بطرح التساؤل هل يمكن أن يسبب ذلك سوء فهم؟ وكنا نرد بأن الجدران لها قصص مختلفة إلا أن أغلبيتها تتشارك فيما بينها على الأقل بـ 50% من الأسباب والنتائج فهي تقوم بتفرقة الناس والفصل فيما بينهم وهذا بالطبع غير عادل.

كاي فيدنهوفر: لقد أنشأ اللوبي الصهيوني عريضة إلكترونية للتصويت ضد المعرض كما هددت بعض المجموعات بتنظيم مظاهرات مناهضة للمعرض، لكنه من الصعب التكهن بعدد الأشخاص الذين سيقومون بذلك، في ألمانيا لا يجرؤ أحد على انتقاد إسرائيل حيث تستغل المحرقة في تاريخ ألمانيا بإسكات الأصوات الناقدة وإذا قام احدهم بتحدي الكيان فبالتأكيد سيواجه مشكلة الحصول على الدعم المالي، لقد سبب المعرض ردود فعل متباينة ولم نكن نحصل على ردة الفعل هذه فيما لو نشرنا مقالاً عن الجدار في مجلة (Stern) أو (Newsweek) فنجده هنا هو التأثير المباشر على الناس، هناك مادة في قانون العدالة الدولي تنص على عدم شرعية جدار الفصل العنصري في الأراضي المحتلة، لكن أي من الحكومات ومن ضمنها حكومة ألمانيا لم تتخذ أي خطوة ضد الحكومة الإسرائيلية لخرقها النظم الدولية ونحن في الغرب نحاول بكل ما أوتينا من قوة الضغط على بعض الدول لتنفيذ هذه القوانين في حين نتجاهل الأمر تماماً مع دول أخرى، إذن فهو نظام يقوم على مكيالين وكثير من العرب مستاءون من ازدواجية المعايير هذه وأنا أيضاً أشعر بذلك ولهذا أنا أفهمهم.