آن ماري تويسان / المغرب / أصدقاء العرب
أصدقاء العرب

آن ماري.. التواصل الثقافي مع المغرب

باحثة ومثقفة بريطانية, زادها حديث زوجها المغربي شغفا لزيارة وطنه والاستقرار فيه.

– الرحيل إلى المغرب

– النشاط الثقافي والفني والإنساني

 

 

الرحيل إلى المغرب


آن ماري تويسان – المغرب: أقمنا دائما في وسط المدينة وعندما أتيحت لنا فرصة شراء منزل رفضنا الإقامة في مكان بعيد حتى لو كان حيا من الأحياء الراقية والجديدة ألِفنا وسط المدينة لأن هناك مزايا كثيرة للسكن في مركز المدينة، يمكن أن نتجول سيراً على الأقدام دون الحاجة إلى وسيلة نقل، إذاً بدأنا البحث في هذا الحي، هذا الحي السكني والمريح خاصة أننا وجدنا هذا المنزل الذي أثارنا كثيرا سطحه لا يمكن أن نتصور عندما نكون في الشارع أننا نملك هذا المنظر وهذه الرؤيا على جميع أنحاء المدينة، من هنا يمكن أن نرى مدينة سلا ووادي أبي رقراق والأودية والبحر أيضاً، هناك سبب آخر لاختيارنا لهذا المنزل عبد الغني أصدر سيرتين ذاتيتين عبد الغني في زاوية سيدي عباس السبتي في مراكش وقصته بعنوان الضريح، وجدنا هذه الدار قرب الضريح وهذا سبب آخر لاختيارنا، من جهة والدي نحن أسرة سافرت كثيراً وأصولي من هولندا لكن أبي كانت لديه الجنسية الأميركية لأن والده هاجر إلى الولايات المتحدة الأميركية وكبر في أوروبا، رغم كونه أميركيا فكان استعمال لغات متعددة أمراً طبيعياً في عائلتي والسفر كان أيضاً ميزة في العائلة، من جهة والدتي كانت الأسرة أكثر استقراراً أسرة فرنسية تنقلت قليلاً لكن داخل فرنسا ووالداي التقيا بعد الحرب وكانا يعملان في مجال الرعاية الاجتماعية، كانا يهتمان بالسكان المتنقلين، هكذا رأيت الحياة في ضواحي دنكيرك.. دنكيرك مدينة قُصفت أثناء الحرب وفي تلك الفترة كانت أسر من دون مأوى تحتاج إلى المساعدة وكان والداي يشتغلان لفائدة هذا التنظيم، خلال طفولتي وشبابي كانت الأسفار عائلية لكن السفر كان دائما جزءاً من عالمي ومن ثقافتي العائلية إن صح التعبير، عندما أنهيت دراستي الثانوية وحصلت على البكالوريا لم يكن لديّ مخطط محدد للعمل، قمت بأشياء مختلفة، أخذت كل وقتي، عملت قبل أن أستأنف الدراسة لكن بدا لي بسرعة أنه على كل حال هناك شيء مهم وهو الاستمرار في محاولة اكتشاف ثقافات أخرى،
كانت لديّ تجارب في شبابي عبر الانتقال من بلد إلى آخر، إفريقيا، أوروبا والولايات المتحدة واكتشفنا ثقافات جديدة، كان بعدا مهما من أبعاد حياتي وكنت أريد أن أدفعه إلى أبعد مدى ممكن وتعميقه، عندما كنت طالبة في باريس التقيت مجموعة من الطلبة المغاربيين، كان لديّ أصدقاء مغاربة ربطتني بهم صداقات قوية جدا، دعاني أصدقائي مرات كثيرة لقضاء العطلة في المغرب، في ذلك الوقت كان عددا كبيرا من أصدقائي الفرنسيين الذين يستقلون سياراتهم ويعبرون فرنسا وإسبانيا للوصول إلى المغرب وقضاء العطلة ومرات عدة عندما كنا نجتمع بعد ذلك في باريس حول صحن من الكسكسي كان أصدقائي يسألون متى سأذهب إلى المغرب؟ في ذلك الوقت كانت الأمور واضحة جدا في ذهني كنت أقول إن هذا البلد سأراه يوما لكن بعد أن أحصل على متاع لغوي في العربية يخوِّل لي فهم هذه الثقافة التي لم أكن أعرفها إطلاقا، أريد بعض اللحم للطاجن، المهم أن يكون وزنها ثلاثة أرباع الكيلو غرام كنت أظن أن الأمر يستحق أن أدرس العربية بجدية.

عبد الغني- زوج آن ماري تويسان: بداية سنة 1976 في هذه الفترة التي تعرفت فيها على المغرب كنت بصدد تحضير أطروحة سيلكتات بجامعة السوربون وكانت هي بدورها تحضر شهادة ليسانس قسم اللغة العربية وبدأت علاقتنا في هذا الإطار، إطار التعاون وتبادل الخبرات فيما بيننا وأعتقد أن هذه الفترة استمرت عمليا خمس سنوات، خلال هذه الفترة طبعا كنت أساعدها فيما يتعلق بترجمة بعض النصوص وفيما يتعلق بحل بعض التمارين اللغوية كما أنها بدورها تولت مسؤولية سكرتارية تحرير مجلة أبحاث عربية التي كنت أديرها آنذاك بفرنسا بمعية الأستاذ منير العاكش والأستاذ بطرس الحلاق والأستاذ شوبل داغر وأعتقد أنه خلال خمس سنوات يمكن أن أقول بأن كل واحد تعرف على الآخر بما فيه الكفاية وطرحنا إمكانية ربط علاقة زواج فيما بيننا ويمكن أن أشير إلى مرحلة دقيقة جدا عشتها شخصيا وهي عند ميلاد ابنتي أمل في أبريل سنة 1980 فبعد ثلاث أشهر أجد آن ماري تفكر بشكل تلقائي زيارة الأهل للقاء أمي ولقاء أبي ولقاء أخوتي بالمغرب وأعتقد أن هذه المبادرة التي تقوم بها لزيارة المغرب كانت مبادرة قوية جدا وقد أثرت فيّ تأثيرا خاصا في الوقت الذي كنت ممنوعا من الدخول إلى المغرب وبطبيعة الحال كان استقبال أهلي استقبالا حارا وكذلك شعرت بنوع من الارتياح وهي تلاحظ الحفاوة التي استُقبلت بها.

آن ماري تويسان: بعد ميلاد ابنتي الكبرى أتيت إلى مراكش، ركبنا معا الطائرة، كان سنها لم يتجاوز التسعة أشهر، حماي وحماتي ألحَّا على ذبح خروف احتفالا بولادة ابنتي، أقمنا إذاً حفلا رغم غياب زوجي عبد الغني، بعد ذلك وفي سنوات الثمانينات تم الإعلان عن العفو الملكي فالمستقبل بدا مختلفا، كان هذا اختيار يجب التفكير فيه، لم يكن ممكنا التقرير بسرعة لكن المفاوضات السياسية كانت مفتوحة وأعطت نتيجة ثلاث سنوات بعد ذلك أتينا للاستقرار جميعا في المغرب ونحن هنا منذ عشرين عاما.

[فاصل إعلاني]

النشاط الثقافي والفني والإنساني

آن ماري تويسان: بعد ولادة ابنتي الثانية بوقت قصير عملت لعشر سنوات في المركز الثقافي البريطاني وهو المكتب الثقافي لسفارة بريطانيا وفي هذا الإطار كُلفت بمهمة تنظيم عروض للفنانين البريطانيين هنا وأيضا الفنانين المغاربة في بريطانيا.

صديقة أن ماري: كان يجب أن أجري هذه المحادثة في الدار البيضاء حيث أعيش لكني حاليا في دبي لمعرض عالمي للنحت لأمثل المغرب كناحتة أعرف آن ماري منذ عشر سنوات عندما كانت تعمل في المركز الثقافي البريطاني، آن ماري ساعدتني خلال مساري المهني من خلال مشاركتي في معرض أفريكا 95 في لندن وهي عندما تؤمن بقيمة الفنانين فإنها تقدم لهم أحسن ما لديها، لديها احترام كبير للفنانين المغاربة وتهتم كثيرا بالفن المغربي المعاصر، هي إنسانة كريمة عندما كانت تؤمن بفنان ما في فترة عملها في المركز البريطاني كانت تبذل جهدها لمساعدته وكل ما يمكن أن أقوله عن آن ماري أنها قلب كبير.

"
أول معرض للنحت في بريطانيا نُظم في قاعة بنك الوفاء في الدار البيضاء وهو أول معرض للنحت المعاصر كان يعرض 50 عاما من النحت البريطاني
"

آن ماري تويسان: طبيعة هذه الأشياء كانت تبدو لي مهمة فعبر الالتقاء مع المغاربة وتنظيم لقاءات ونقاشات وعروض إلى آخره توصلت أو أدركت أن استقبال الفنانين الأجانب سيكون له معنى أكبر لو أن المغاربة يعرضون في بريطانيا وهكذا تمكنا من تنظيم أشياء كثيرة، أول معرض للنحت في بريطانيا نُظم في قاعة بنك الوفاء في الدار البيضاء وهو أول معرض للنحت المعاصر كان يعرض خمسين عاما من النحت البريطاني، معرض عرف مشاركة أعمال لهنري مور وأنتوني كيرو، نحاتون بريطانيون كبار عُرضت أعمالهم لأول مرة في المغرب.

مشارك أول: نحن الآن في قسم التكوين التابع لجمعية أمسام الجمعية المغربية لمساندة ومساعدة المعاقين عقليا، هذه الجمعية أسست عام 1981 ودورها هو إدماج الأشخاص المعاقين في المجتمع، أنا أعمل في المؤسسة منذ حوالي ثمان سنوات وأعرف السيدة آن ماري تويسان كمسؤولة وعضو في المجلس الإداري ويمكن أن أقول إنه منذ إنشاء المؤسسة عملت السيدة آن ماري بشكل مستمر إلى جانب أعضاء المجلس الإداري وساهمت في عدد من المشاريع سواء التكوينية أو التي تخص المعاقين أو مشاريع أهدافها دعم المؤسسة.

آن ماري تويسان: ما كان مثيرا بالنسبة لي هو أنه فيما يخص التكوين المستمر هناك أشياء قليلة ممكنة هنا ومصالح التكوين في جمعية أمسام كانت تنظم ندوات وتتيح فرصة تلقى تكوين دقيق على يد متخصصين وبالنسبة للأشخاص مثلي الذين كانوا بعيدين عن المجال كانت فرصة لفهم هذه المسألة النظرية التي كانت تقوم عليها سياسة أمسام التي كانت تعمل على إدماج الأطفال المعاقين أي أعلى درجة من الإدماج على جميع المستويات في محيطهم اليومي الدراسي ثم العملي بعد مرحلة المراهقة، في بداية الثمانينات أمسام كانت بالفعل الأولى حيث كان عدد الجمعيات في المغرب قليلا جدا قبل عشرين عاما كان علينا إيجاد تمويل من الخارج، تأسيس بنية للعمل هنا الاستثمار على أرضية كهذه خاصة بالمعاقين في المغرب كان ذلك مغامرة حقيقية، كنا من آفاق مختلفة لكن كانت تجمعنا رغبة واحدة وهي التطور وتحقيق شيء قليل في مجال دقيق جدا، كان لديّ أصدقاء متخصصون في المجال وبعلاقة مع المهنيين من الخارج تمكنوا شيئا فشيئا من وضع بنية تمنح للأطفال أولا ولأسرهم ثانيا أرضية مناسبة للتقدم.

عبد الغني – زوج آن: إذا أردت أن أتحدث عن شخصية آن ماري يمكن أن أقول بأنها شخصية قوية نافذة لها رغبة في المعرفة معرفة الأماكن، معرفة الأحداث، معرفة التاريخ، معرفة الثقافة، معرفة الفنون، امرأة شغوفة بالقراءة الدائمة والمستمرة ولها سهولة كبيرة في التعرف على الأشخاص، أعتقد أن هذه الصفة المتميزة بالنسبة لآن ماري جعلتها مقبولة في العديد من الأوساط ووجدتها متعاطفة بشكل كبير مع القضية الفلسطينية والقضايا العربية وليس من الصدفة أن تقوم بترجمة كتاب المرحوم عبد الوهاب الكيالي أي تاريخ فلسطين الحديث من اللغة الإنجليزية إلى اللغة الفرنسية ونشر هذا الكتاب في لوماتان.

آن ماري تويسان: أغني ضمن المجموعة الغنائية للرباط التي يديرها لويس بيرودان منذ عشرين عاما، لست موسيقية كبيرة لكن متعة الغناء الجماعي الكورال هي إمكانية عزف الموسيقى دون استعمال آلة موسيقية غير الصوت، العمل مفيد ومحفز لكن الأساسي هو المتعة، وقع الصوت لديه تأثير علاجي يريحني كثيرا، أعتقد أن في الأصوات الإنسانية شيئا أساسيا يحركنا من الداخل وهذا ما يشجعني على الاستمرار ونظرا لتجربتي في الكورال قررت تسجيل بناتي ضمن المجموعة الغنائية فئة الأطفال التي كانت موجودة في الرباط وبدأت بناتي تعلم الغناء في سن مبكرة، لديهما صوتان قويان والجميل أنهما يقتسمان معي هذه المتعة، ما يزعج أحيانا في مدينة مثل الرباط هو عدم وجود خصوصية، هو أنني لا يمكن أن أمر في الشارع دون أن أثير الانتباه، هذه زوجة فلان قلما لا يعرفني أحد لكن بالمقابل أستفيد أيضا من وجودي في الرباط والعمل في مكان قريب من مسكني وبمستوى عيش لم أكن لأحلم به في مدينة أخرى في أوروبا استفدت من هذه الناحية، الفترات التي تمنحني فرصة التخلص من القلق بعد العمل وتكسير رتابة العمل هي حينما أنشغل بالاهتمام بالحديقة بتشذيب النباتات وتقليب الأرض وهذا ينسيني المكالمات الهاتفية ويبدد قلق العمل، مختلف الندوات واللقاءات المقترحة من طرف المعاهد الثقافية الموجودة في العاصمة تعطيني فرصة البقاء على إطلاع بحوار الأفكار الدائر في أوروبا ومهم جدا متابعة الأحداث ومعرفة ما يحصل بالخارج والتمكن من الحصول على معلومات وهذه أكبر ميزة للحياة في الرباط، هذه كلها مفارقات من دون شك لكن مثل أشياء كثيرة علينا تحمل مسؤولية المفارقات.