حادث سقوط الطائرة الأميركية
مقدم الحلقة | محمد كريشان |
ضيوف الحلقة | – د. منذر سليمان، خبير عسكري واستراتيجي – طلال أبو غزالة، خبير إقتصادي – محمود بوناب، محلل سياسي – عبد الحميد ممدوح، مدير قطاع تجارة الخدمات في منظمة التجارة العالمية – إدوارد مورتايمر، مستشار الأمين العام للأمم المتحدة |
تاريخ الحلقة | 12/11/2001 |
– انعكاسات الحادث على الوضع الداخلي الأميركي سياسياً واقتصادياً
– الارتباط بين الجوانب الاقتصادية والمناخ الأمني في العالم
– تأثير الأحداث الحالية على أجندة منظمة التجارة العالمية
– التعاطي الاقتصادي العربي في الغرب في ظل الأحداث الأخيرة
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
محمد كريشان: مشاهدينا الكرام، السلام عليكم ورحمة الله، وأهلاً بكم في حلقة جديدة من (أولى حروب القرن)، ونخصصها هذه المرة لسقوط الطائرة الأميركية في نيويورك ومصرع 255 شخصاً على متنها، وما يمكن أن يمثله ذلك من خطورة في سياق ما شهدته هذه المدينة وواشنطن يوم الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول الماضي، وما أعقبه، وما من انطلاق الحملة الأميركية ضد الإرهاب والعمليات العسكرية ضد أفغانستان، وكلها مسائل ألقت بظلالها على المناخ الدولي ككل، فضلاً عن.. الانعكاسات المدمرة على قطاعات متعددة من الاقتصاد الأميركي.
للنقاش حول التفاعلات المحتملة سياسياً واقتصادياً لهذه المسائل نستضيف من واشنطن منذر سليمان (الباحث في القضايا الاستراتيجية)، ومعنا هنا في الاستديو محمود بوناب (المحلل السياسي)، ومن مقر المؤتمر الوزاري الرابع لمنظمة التجارة العالمية طلال أبو غزالة (رئيس المجمع العربي للمحاسبين القانونيين)، وعبد الحميد ممدوح (مدير قطاع تجارة الخدمات في المنظمة).
ونبدأ بالعاصمة الأميركية واشنطن، سيد منذر سليمان، هل تعتقد بأن حادث الطائرة، بغض النظر عما إذا كان حادثاً عرضياً أو عملاً إرهابياً، هل.. على كل الجماعة يعلموني بأن هناك خلل في الاتصال بواشنطن، على كل سنعود إليه.
نبدأ من محمد بوناب هنا في الاستديو، الصورة الآن غير واضحة فيما يتعلق بالطائرة، قد يكون حادث وقد يكون عمل مدبر، هل تعتقد بأنه سينعكس لا محالة على الوضع الداخلي في الولايات المتحدة لمزيد تأزيم الوضع، سواء سياسياً أو اقتصادياً؟
انعكاسات الحادث على الوضع الداخلي الأميركي سياسياً واقتصادياً
محمود بوناب: يعني هو الوضع عموماً كان سيئاً للغاية، ثم أن هذا الحادث ما من شك في أنه سيزيد الأوضاع سوءاً، سواء بالنسبة للإدارة الأميركية، أو بالنسبة لمدينة نيويورك، أو بالنسبة أيضاً لكل الآفاق التي فتحتها هذه الأزمة بعد يوم 11 سبتمبر/ أيلول. لكن ما نتمناه هو أن يكون هذا الحادث حادث عادي حتى وإن ذهب ضحيته مئات الأشخاص، ولا يكون على غرار ما تم يوم الحادي عشر من سبتمبر حادثاً إرهابياً وراءه تقف جهة من الجهات التي تتهمها الولايات المتحدة بتدبير أحداث يوم الحادي عشر من سبتمبر في واشنطن ونيويورك.
محمد كريشان: سنبحث الأمر أكثر مع ضيوفنا في واشنطن، وسيلتحق بنا بعد قليل إدوارد مورتايمر وهو (مستشار الأمين العام للأمم المتحدة من نيويورك). هل تعتقد بأن ربما تلجأ السلطات الأميركية إلى نوع من التكتم على طبيعة الحادث نظراً للتداعيات الخطيرة له؟
محمود بوناب: يعني لا يجب أن ننسى أن الولايات المتحدة هي حالياً في حالة حرب، يعني منذ أن انطلقت العمليات العسكرية في أفغانستان والولايات المتحدة سياستها سياسة حرب، واقتصادها اقتصاد حرب، والوضع العام فيها في استنفار أمني شديد في الرحلات الجوية، وكذلك في مختلف المدن والمؤسسات والمنشآت الحيوية في الولايات المتحدة، لكن ربما نقطة تستحق الإشارة هنا، وهي أنه الولايات المتحدة تعمل تقريباً وفق ما يسمى بـ "قانون الطوارئ" الآن، وحتى وإن كان الأمر –يعني- أمراً تقف وراءه جهة ما فيما يتعلق بإسقاط الطائرة، أعتقد أن الولايات المتحدة سوف تتردد كثيراً في الإعلان عن ذلك نظراً لما سيكون لذلك من انعكاسات خطيرة، ليس فقط على الرأي العالم الأميركي، بل على الوضع الدولي عموماً.
محمد كريشان: بالنسبة للسيد منذر سليمان من واشنطن، تمكنا الآن من الاتصال به، وهو (باحث في القضايا الاستراتيجية). سيد سليمان، هل تعتقد بأن هناك مع اللبس الموجود لحد الآن، هل تعتقد بأن ربما تلجأ –مثلما سألت ضيفي هنا في الاستديو- الولايات المتحدة إلى نوع من التعتيم أو التكتم –بالأخرى- لخصوصية الوضع الدولي الآن والوضع الداخلي في الولايات المتحدة؟
منذر سليمان: بالتأكيد دائماً الأجهزة الأمنية لا تفصح عن كافة المعلومات المتوفرة لديها، ولكن أعتقد في هذه الحالة كل المؤشرات الأولية تدل على أن هذا الحادث ناتج عن خللٍ في، وبالإمكان التأكد من ذلك نتيجة وقوع أحد محركات الطائرة في منطقة يمكن أيضاً معاينتها والتأكد من عدم وجود أي آثار للمتفجرات بها بصورة سريعة، يضاف إلى ذلك أن ليس هناك إمكانية بالفعل نتيجة كل الإجراءات الأمنية الحساسة التي تم اتخاذها بعد مأساة 11 سبتمبر من إمكانية أن يتم إدخال متفجرات أو غيرها أو ما شابه إلى الطائرة، رغم أن ذلك ليس مستحيلاً، ولكن شهود العيان كما أوضحوا بإضافة إلى المعاينات الأولية، ولطبيعة الانفجار، طبيعة الاصطدام بالأرض، كل هذه المؤشرات تدل –على الأرجح- أنه خلل فني.
أما فيما يتعلق في موضوعة انعكاسات ذلك تقديري أن الشعب الأميركي، وخاصة في نيويورك، يعيش على أعصابه، وسيزيده هذا الأمر ضغطاً نفسياً مضاعفاً عليه، ولكن في نفس الوقت أيضاً سيرسل إشارة عدم ثقة وخشية للشعب الأميركي من التنقل عبر الطائرات، وربما أن بعض شركات الطيران التي كانت ترغب في أن تحاول أن تعادل من خسائرها وتعوض عنها نتيجة ما حدث بـ 11 سبتمبر، تقديري ربما تكون هذه الضربة نوعاً من الضربة القاضية لبعض هذه الشركات، لأن بالتأكيد الموسم القادم موسم الأعياد الكريسماس بالنسبة للأميركيين، وهو موسم التحرك والتجول الكبير، سيكون.. سيتعرض للضرر، والكارثة الاقتصادية هنا بمعنى أن شركات الطيران الأميركية ستتعرض إلى خسارة رهيبة نتيجة هذا الحادث، بقطع النظر عن نتائجه وعن مسبباته.
محمد كريشان: وقد.. قد تكون ضربة قاضية لعديد من الشركات، ولكنه بلا شك ستكون هناك أيضاً انعكاسات على مستقبل الاقتصاد العالمي ككل، وهو ما سنحاول أن نتابعه مع ضيفينا في مقر المؤتمر الوزاري الرابع لمنظمة التجارة العالمية.
[فاصل إعلاني]
محمد كريشان: بإمكان السادة المشاهدين أن يشاركوا في هذه الحلقة من خلال الإنترنت وموقع الجزيرة نت، وللتذكير فهو:
www.aljazeea.net
ولدينا وحدة خاصة تتابع مشاركات المشاهدين وتحيلها إلينا في الاستديو أولاً بأول، مع رجاء أن تكون المشاركات مرتبطة بالموضوع وألا تحاول الخروج عليه، لأن هذا ربما يساهم في مزيد تركيز الحلقة حول محورها.
بالنسبة لضيفنا السيد طلال أبو غزالة من مقر منظمة التجارة العالمية والمنعقد حالياً في الدوحة، هذا المؤتمر كاد ألا.. ينعقد أصلاً بسبب أحداث 11/9، الآن وهو منعقد تجري هذه.. الأحداث، بالطبع هناك النظر عما إذا كان خللاً فنياً أو عملاً مدبراً، ولكنه بالتأكيد كان له وقعه الخاص في المؤتمر. ما هي القراءة الاقتصادية –إن صح التعبير- لأحداث من هذا القبيل على اجتماعات الدوحة؟
طلال أبو غزالة: بداية الولايات الأميركية المتحدة أدركت الترابط الوثيق بين الاقتصاد والأمن منذ الحرب الباردة، وكذلك في حربها الحالية واضح تركيزها على هذه العلاقة. ثانياً: هذا المؤتمر الوزاري اللي انعقد بحمد الله وبتوفيقه..
محمد كريشان [مقاطعاً]: سيد.. سيد طلال، أنا آسف لمقاطعتك، يبدو أن هناك خللاً ما في الاتصال بقاعة المؤتمر، سنعود إليك بنفس المحور وبنفس الموضوع.
سيد محمود بوناب هنا في.. في الاستديو، يعني أن.. أن تجري هذه الأحداث الآن والمؤتمر منعقد، هل تعتقد بأنه سيجعل الأحداث السياسية مرة أخرى ربما تسيطر على الجوانب الاقتصادية مع أنها جوانب مهمة، أم ترى أن لا.. لا علاقة بين الأمرين بالضرورة؟
محمود بوناب: أعتقد أنه لا علاقة بين الأمرين إذا ما تأكد أن هذا الحادث هو حادث قضاء وقدر يمكن أن يحدث في الولايات المتحدة، وبالتحديد في مدينة نيويورك، ويمكن أن يتحدث في أي مكان من العالم، لكن المشكلة هو أن هذا الحادث يأتي بعد حوالي شهرين بالتحديد من وقوع الحوادث المؤلمة التي جرت في مركز التجارة العالمي في نيويورك وفي وزارة الدفاع البنتاجون في واشنطن، وأن الولايات المتحدة لا تزال –رغم خوضها الحرب في أفغانستان- تحت الصدمة، كما أن الاقتصاد الأميركي لا يزال تحت الصدمة، والاقتصاد الأميركي له تأثير مباشر على التوازنات الاقتصادية في العالم، يعني عندما نقرأ التقارير الصادرة عن المؤسسات النقدية الدولية، ولا سيما عن صندوق النقد الدولي والبنك العالمي، نلاحظ أن هنالك تراجع في التجارة الدولية خلال سنة 2001 بسبب الأزمة الاقتصادية التي كانت تسبق أحداث 11 أيلول، لكن هنالك تراجع تقريباً يناهز 13% مقارنة مع ما كان عليه الوضع سنة 2000. من المؤكد أن هذا الحادث في الظروف –خليني أقول- النفسية التي جرى فيها، سيكون له تأثير مباشرة على ما يجري هنا في الدوحة، خصوصاً فيما يتعلق بدفع الدول المشاركة في منظمة التجارة العالمية نحو إطلاق جولة جديدة من المفاوضات يكون الهدف منها إنعاش الحركية الاقتصادية العالمية، وإنعاش الحركية التجارية، وإنعاش المبادلات التجارية بين مختلف الدول والتكتلات الموجودة في العالم.
محمد كريشان: في نيويورك معنا الآن السيد إدوارد مورتايمر وهو (مستشار الأمين العالم للأمم المتحدة) بعد حادث الطائرة أغلقت كافة منافذ لمقر الأمم المتحدة هناك إذاً احتياطات استثنائية يمكن تفهمها بطبيعة الحال على الصعيد الأمني. سيد مورتايمر، كيف استقبل الحادث في نيويورك، وخاصة بأن أصلاً الجمعية العامة تجتمع في ظروف أمنية استثنائية؟
إدوارد مورتايمر: بالطبع أي.. أي أخبار مثل هذه تبعث على القلق والاكتئاب، ونحن بطبيعة الحال نتساءل بعد.. التصريحات التي صدرت عن بن لادن، هل إن هذا كان حادثاً إرهابياً آخر يستهدف الأمم المتحدة أم لا، لحد الآن لا توجد هناك مؤشرات تدل على ذلك، ويبدو إن الطائرة انفجرت بعد وقت قصير من إقلاعها، ولا توجد هناك مؤشرات تدخل على أنه كان حادثاً إرهابياً، ولكننا نتابع الأخبار على محطة الـ CNN.
محمد كريشان: ونحن أيضاً نتابعها معكم، ولكن هل ما جرى أجج شعور القلق السائد في الولايات المتحدة، خاصة وأن الجمعية العامة كان يمكن ألا تنعقد أصلاً، لأن البعض طالب بتأجيلها أو إلغائها نتيجة الوضع الخاص الذي تعيشه الولايات المتحدة؟
إدوارد مورتايمر: لا أدري حول ذلك، ولكن الجمعية العامة للأمم المتحدة كان يجب أن تعقد في شهر سبتمبر الماضي، ولكن تم تأجيلها إلى الآن، وكان هناك المزيد من عدم التيقن، لأن الرئيس (بوش) كان سيلقي كلمة هنا، ونحن الآن نأمل أن تسير الأمور على ما يرام، ولكن بالطبع كان هناك نوع من الارتباك لبعض الوقت، وقد تم إغلاق المبنى والمنافذ إليه، ولم يمكن الخروج أو الدخول إلى المبنى، ولكن يمكن فقط للمشاة أن يدخلوا إليه الآن.
محمد كريشان: هذا الارتباك الذي تشيرون إليه، هل له أيضاً علاقة، هل تأخذون على محمل الجد تصريحات أسامة بن لادن التي تهجم فيها بشكل واضح على الأمم المتحدة والشرعية الدولية و (كوفي عنان) شخصياً؟
إدوارد مورتايمر: بالطبع كنا نشعر ببعض القلق من قبل، ولكن بطبيعة الحال زاد قلقنا واهتمامنا عندما سمعنا ما صدر عنه من تصريحات بهذا الشأن.
محمد كريشان: هل اتخذتم مجموعة من الإجراءات الأمنية.. الخاصة والاستثنائية، سواء بالنسبة للأمانة العامة للأمم المتحدة أو للوفود بشكل عام والمبنى ككل؟
إدوارد مورتايمر: نعم، بالتأكيد لم.. لم نرَ إجراءات أمنية مشددة كما رأيناها في هذا المبنى في.. على مدى اليومين الماضيين، وحتى الرئيس (بوش) تعرض للتفتيش!!! وهذا يدلكم على نوعية الإجراءات هذه.
محمد كريشان: نعم، بالنسبة لواشنطن ضيفنا السيد منذر سليمان، لا أدري إن كان معنا إلى حد الآن أم لا.. إذاً نبقى مع نيويورك سيد (مورتايمر) بالنسبة لحادثة لطائرة، هل تعتقد بأن ما جرى سيؤجج أكثر النقاش الداخلي، سواء في المجتمع الأميركي أو النقاش داخل أروقة الأمم المتحدة حول قضايا الإرهاب وغيرها، بغض اتضاح الصورة فيما يتعلق بهذا الحادث تحديداً؟
نعم، سيد مورتايمر، يعني كان سؤالي هل حادث الطائرة سيجعل النقاش، سواء في المجتمع الأميركي أو الأمم المتحدة –وهنا ربما مجال اختصاصك أكثر، نقاش حول قضايا الإرهاب وغيرها ستصبح أكثر إلحاح وأكثر قوة؟
إدوارد مورتايمر: لا، لست متأكداً، لأن النقاش كان حاداً أصلاً، وبالتأكيد سوف يستمر، ولست متأكداً من أنه سيزيد أم لا.
محمد كريشان: نعم، سيد محمود بوناب في الاستديو، لحد الآن للأسف لم نستطيع من الاتصال بمقر المؤتمر، ربما من السهل الاتصال بنيويورك أكثر من الاتصال بمكان لا يبعد عن الجزيرة أكثر من كيلو مترين، على كل نحن في الانتظار.
نعود ونحاول هنا أن نأخذ القضية بزوايا مختلفة، سواء المتعلقة بالأمم المتحدة، بالمجتمع الأميركي، أو بمنظمة التجارة العالمية. كنت تشير إلى بعض الأرقام، هل تعتقد بأن فعلاً الآن أصبح هنا تهديد أمني –إن صح التعبير- للتجارة الدولية، ولسلامة الاستثمارات، ولما يستلزمه الأمر من وجود مناخ من الثقة في العلاقات الدولية؟
محمود بوناب: هو هذا تهديد كان موجوداً يوم الحادي عشر من سبتمبر صباح الحادي عشر في نيويورك عندما ارتطمت الطائرات ببرجي مبنى التجارة العالمي، ثم الطائرة الثالثة في واشنطن بمركز وزارة الدفاع الأميركية، لكن الإشكالية هو أن العالم لا زال لم يصدق حتى الآن ما جرى يوم الحادي عشر من سبتمبر، والاقتصاد العالمي لا زال أيضاً يعاني من تبعات ما جرى يوم الحادي عشر من سبتمبر، الإشكالية الآن هي في الحفاظ على حد أدنى من التوازنات لتفادي الانهيار، ليس فقط في الأسواق المالية، بل أيضاً في أسواق السلع وفي أسواق الخدمات، وخصوصاً الآن في سوق الطيران المدني التي فقدت في شهر أكتوبر حوالي 400 ألف موطن عمل من مجموع 500 ألف موطن عمل فقدتها الولايات المتحدة.
[موجز الأخبار]
الارتباط بين الجوانب الاقتصادية والمناخ الأمني في العالم
محمد كريشان: ننتقل إلى مقر المؤتمر حيث معنا هناك السيد طلال أبو غزالة، وهو (رئيس المجمع العربي للمحاسبين القانونيين)، ونعتذر لأننا تركناه ينتظر لأسباب فنية للأسف خارجة عن نطاقنا.
سيد طلال أبو غزالة، كيف استقبل حادث الطائرة هناك في أروقة المؤتمر، خاصة وأن هذا المؤتمر كاد ألا.. ينعقد بسبب أحداث 11 سبتمبر، ثم بسبب الحرب، وكانت هناك شكوك مما يدل على مدى ارتباط هذه الجانب الاقتصادية بالمناخ السياسي والأمني في العالم؟
طلال أبو غزالة: الارتباط بين الأمن والاقتصاد تاريخي وقديم، وقد عرفته الولايات المتحدة الأميركية منذ الحرب الباردة، وهو واضح المعالم الآن في الحرب الحالية الذي يمكن أن نسميها "الحرب العالمية الثالثة" ما فيه شك بأن الاعتبارات الأمنية كانت أحدث مظاهر.. أو مصادر القلق، ولكن الإصرار على عقد المؤتمر كان –بعكس ذلك- إصراراً أميركياً، لأن أميركا كدولة عاقلة تدرك مصالحها تعرف بأن التجارة هي من المصادر الأساسية..، فمثلاً نصف النمو في الدخل القومي الأميركي منذ 96 حتى 2001م جاء من النمو في التجارة، واحد من كل خمس وظائف في أميركا ناتج عن التجارة الخارجية، أريد أن أذكر بأن مبدأ.. المعاملة الدولة الأولى بالرعاية وهو المادة رقم (1) في اتفاقية الجات قد.. وضعه أو اخترعه وزير خارجية أميركا في عهد (روزفلت) عام 1934م، أيضاً أريد أن أذكر بأن الولايات المتحدة الأميركية في خطاب حديث ألقاه رئيس المفاوضين الأميركيين أو الممثل التجاري الأميركي، (روبرت زيليك) ذلك في مجلس التجار الخارجية (Council of Foreign Relations ) في الثلاثين من شهر أكتوبر الماضي قال بأن جولة جديدة من المفاوضات ستنتج زيادة بمعدل 2500 دولار في الدخل للفرد الأميركي الواحد، وهذا ضخ زيادة مهمة. بالتالي أريد أن أقول أن الولايات المتحدة الأميركية كانت مصرة وبحق على.. على إقامة وانعقاد هذا المؤتمر.
محمد كريشان: نعم، سيد.. سيد طلال، سنعود لهذه التفاصيل المهمة بأكثر دقة.. نعود إلى ضيفنا في نيويورك السيد إدوارد مورتايمر وهو (مستشار الأمين العام للأمم المتحدة)، ونريد أن نسأله عن طبيعة العلاقات بين الدول في الأمم المتحدة، ومدى تأثرها بهذه الحرب الحالية الأميركية على الإرهاب، وما يمكن أن يمكن أن يكون نوع من صياغة جديدة للعلاقات الدولية حتى داخل الأمم المتحدة؟
إدوارد مورتايمر: أعتقد –إلى حدٍ ما- إن هذا قد حدث فعلاً، لأن.. كان هناك إجماع في التنديد بالهجمات التي حدثت في الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، وقد سمعنا أن ذلك تكرر في الكثير من التصريحات في النقاشات التي دارت في.. في أروقة الأمم المتحدة وبين قادة الدول، وبالطبع هناك خلافات حول الكيفية التي يجب بها شن هذه الحرب والاستمرار فيها، والتي يتم شن جزء منها في أفغانستان، والتي تتخذ من قبل أميركا كوسيلة دفاع عن النفس، وليس كل أعضاء.. الأمم المتحدة متفقون معها، ولكن الأمم المتحدة كلوبي عليه أن يتعامل مع تبعات ما يحدث، وخاصة في المجال الإنساني والتأثير على الملايين من الناس في أفغانستان، وأيضاً في الجوانب السياسية التي ربما ستساعد الشعب الأفغاني على بناء حكومة واسعة التمثيل، وتحقيق السلام،و الذي هو أمر افتقر إليه الشعب الأفغاني لأكثر من عشرين عاماً ولم يتوصل إليه.
محمد كريشان: سيد مورتايمر، تزامن التحركات الأمم المتحدة من خلال مبعوثها الأخضر الإبراهيمي مع الحملة العسكرية الأميركية –البريطانية، هل يمكن أن يضر بمصداقية الأمم المتحدة؟
إدوارد مورتايمر: أعتقد إنه يمكن أن يؤثر على مصداقية الأمم المتحدة، ولكن من زاوية مختلفة، لأن علينا أن نفهم إن هذان أمران منفصلان، فالحملة العسكرية تقررها أميركا وبريطانيا وربما بلدان أخرى، أما نشاطات السيد الأخضر الإبراهيمي فيتم تقريرها من قبل مجلس الأمن الدولي والأمين العام للأمم المتحدة، وهذه المحاولة لمساعدة الشعب الأفغاني على تحقيق حكومة يتفق عليها الجميع، ويقبلها الجميع، وتجلب السلام إلى البلاد، هو أمرٌ انشغلت به الأمم المتحدة منذ وقت سبق الحادي عشر من سبتمبر بكثير، ونعتقد إنه ربما هناك فرصة أكبر للنجاح الآن ولا يتم عمله بسبب الحادي عشر من سبتمبر، أو بسبب الولايات المتحدة، أو طلب من أي بلد على وجه الخصوص، ولكنه بتفويض من مجلس الأمن.
محمد كريشان: سيد مورتايمر، ما الذي قامت به الأمم المتحدة إلى حد الآن فيما يتعلق بتعريف الإرهاب، وهي قضية خلافية؟
إدوارد مورتايمر: نعم، هذا لا يزال أمراً خاضع للنقاش، وربما تعلمون إن هناك اثني عشر اتفاقية ومعاهدة للأمم المتحدة تتعامل مع الإرهاب بأشكالها المختلفة، وكيف يتم التعامل مع ذلك هو أمر يجب أن يتخذ بحيث تغلق جميع الثغرات الموجودة.. بما.. حسب مقتضيات القانون الدولي، وعلينا إذاً تحديد.. مفهوم للإرهاب، وهذا أمر لا يزال قيد النقاش حالياً، وقد تم تعليقه بسبب النقاشات العامة، وربما سيستأنف في التاسع عشر من نوفمبر الحالي.
محمد كريشان: سيد إدوارد مورتايمر (مستشار الأمين العام للأمم المتحدة)، شكراً جزيلاً على هذه المشاركة.
السيد مورتايمر مضطر لتوديعنا، شكراً لك على هذه المشارك.
نعود إلى مقر منظمة التجارة العالمية ضيفنا هناك إلى جانب السيد طلال أبو غزالة هو السيد عبد الحميد ممدوح (مدير قطاع تجارة الخدمات في المنظمة) نعتذر منه أيضاً لطول انتظاره، شكراً على سعة الصدر. سيد ممدوح، كيف يمكن أن تؤثر أحداث من هذا القبيل، سواء أحداث 11 سبتمبر، سواءً الحرب في أفغانستان، سواءً الآن حادث الطائرة بغض النظر عن..عن تفاصيله التي لم تتضح بشكل حاسم؟ كيف يمكن أن تؤثر مثلاً على إطلاق جولة جديدة من مفاوضات التجارة، هل هناك علاقة بين كل هذه المسائل؟.. سيد ممدوح، هل تسمعني بشكل جيد؟
عبد الحميد ممدوح: أيوه.
محمد كريشان: هل.. هل.. هل تسمع؟ إذاً مرة أخرى تبدو واشنطن ربما أقرب من الدوحة، سنعود إليك سيد ممدوح. ضيفنا في واشنطن هو السيد منذر سليمان (الباحث في القضايا الاستراتيجية). سيد سليمان، أحد المشاركين في مؤتمر الدوحة اعتبر بأن هناك علاقة وثيقة جداً بين كل القضايا المطروحة الآن في مؤتمر التجارة العالمية وبين الحرب في أفغانستان، ربما البعض قد لا يرى الأمور بهذا الشكل الواضح الصلة، لكن هل هناك –برأيك- رابط حقيقي بين كل هذه القضايا؟
منذر سليمان: بالتأكيد هناك رابط، ودعني أردد القول المأثور: "إن السياسة هي التعبير المكثف عن الاقتصاد، وأن الحرب هي امتداد للسياسة بوسائل أخرى". هذا يعني أن الاقتصاد والحرب يدخلان في علاقة عضوية، ولو نظرنا تفصيلياً في المشهد الأميركي قبل 11 سبتمبر لوجدنا أن الاقتصاد الأميركي كان يسير نحو التباطؤ وربما الركود، هذا لا يعني أن الولايات المتحدة لها دور فيما جرى، إنما أن ما جرى في 11 سبتمبر سرع من وتيرة حرص القيادة الأميركية على تأمين الأمن الاقتصادي، لأن الأمن العسكري للولايات المتحدة الأميركية واضح تماماً أنها استطاعت أن تصبح القطب الوحيد على المسرح الدولي، استطاعت أن تصبح القوة العسكرية الأولى، ولكنها كانت تخشى من ألا تصبح أن تستمر في أن تكون القوة الاقتصادية الأولى، فإذاً المحرك.. الأمن الاقتصادي هو محرك أساسي في سياسيات معظم الدول الآن بعد أن خفت حدود.. إمكانية حدوث حرب كونية.
الآن كل المنظمات العالمية يجري التناقض أحيانا بين المؤسسات الدولية وبين المؤسسات الإقليمية، وأعتقد أن حتى منظمة التجارة العالمية داخلها هناك تناقضات واضحة تماماً حصلت حتى هنا.. هناك حروب اقتصادية نسبياً –إذا صحت التسمية- داخل هذه المنظمة، لأن التشريعات الدولية، وتشريعات الحماية داخل كل بلد، والتشريعات الدولية التي تشمل علاقات الدول الاقتصادية، أدت إلى حدوث تناقضات في المصالح، وأعتقد أن الآن كل المشهد الاقتصادي العالمي أصبح مرتبطاً ببعضه البعض، وإذا تحركت إحدى الدول، خاصة الدول الصناعية الكبرى لتأمين مصالحها، بالضرورة دائماً تأمين مصالحها الذاتية، لابد أن لا يتم على مصالح الدول الأخرى، خاصة الدول النامية، الدول التي لا تتمتع.. كجزء من كتلة اقتصادية على المستوى الإقليمي، وهذا يدلل على أن كل الاقتصاد العالمي أصبح مرتبطاً ببعضه البعض، وإذا تباطأ النمو الاقتصادي في المركز وهو العالم الصناعي، لابد أن يؤثر على بلدان المحيط وهي بلدان العالم الثالث.
محمد كريشان: نعم، سيد سليمان، قبل قليل أشرت إلى أن بعض الشركات الأميركية ستتلقى ضربات –ربما- قاضية بسبب الأزمات الحالية، هل هناك الآن مثلاً شبه اقتناع بأن قطاع الطيران المدني في الولايات المتحدة، خاصة بعد حادثة طائرة نيويورك الأخيرة الآن، فعلاً سيكون أول قطاع يتلقى ضربة قاضية شديدة جداً؟
منذر سليمان: بالتأكيد، لأنه هذا القطاع حساس جداً، ووجدنا أن الحكومة الأميركية أسرعت لوضع مليارات الدولارات من أجل الدعم، ولكن هذا لم يمنع من حدوث إفلاس لدى بعض الشركات، ووجدنا أنه حتى على المستوى الدولي وليس داخل أميركا تتردد أنباء عن إفلاس إحدى الشركات تلو الأخرى، أعتقد أن المجتمع الأميركي نتيجة.. هناك في اليوم الواحد فقط حوالي 8 آلاف رحلة جوية داخل الولايات على الأقل، فهذا يعني أن الاقتصاد الأميركي إحدى جوانب أساسية من النقل في الولايات المتحدة هو النقل الجوي، وبالتالي إذا انحدر بعد 11 سبتمبر إلى مستوى منخفض وانقطع كلياً لفترة، ثم إنه تباطأ جداً، وخاصة في ظل الخوف والخشية والإجراءات الأمنية الإضافية التي تجعل الكثير يتردد في السفر، فأعتقد أنه.. بدون وجود دعم حكومي حتى داخل الولايات المتحدة لقطاع الطيران المدني سيتعرض إلى الانهيار، وربما يصبح هناك (كارتيالت) واضحة داخل هذا الإطار، ليس فقط على مستوى الولايات المتحدة الأميركية، لا بل تمتد على المستوى الدولي وتنحصر بشركات محدودة جداً تحتكر الطيران المدني، وهذا أمر قد يصبح أمراً طبيعياً بأن كل الشركات الصغيرة لا تستطيع عن الصمود في هذا الوضع وحدود الدعم الحكومي الأميركي سيكون هو أيضاً محدوداً ضمن القوانين الأميركية لا تستطيع أن تدعم وتخالف القوانين الاقتصادية الطبيعية، بأن لا تتدخل الحكومة في مجرى المنافسة الاقتصادية الطبيعية فأعتقد أن الأمن السياسي والأمن الداخلي، يُضاف إلى ذلك صعوبة حدوث ثقة في الوضع داخل أميركا خاصة بعد هذه الحادثة المأساوية لطائرة الأيرباص، ستساعد أكثر في انهيار بعض الشركات الأميركية، وستساعد أكثر في انهيار الوضع الاقتصادي للطيران المدني..
محمد كريشان: نعم، سيد عبد الحميد ممدوح في مقر المؤتمر الوزاري الرابع لمنظمة التجارة العالمية، والسيد ممدوح هو مدير قطاع تجارة الخدمات في المنظمة، سألتك قبل قليل سيد ممدوح –وتجديد الاعتذار- عن مدى تأثير كل هذه الحوادث على إمكانية مثلاً إطلاق جولة جديدة من المفاوضات حول التجارة العالمية؟
عبد الحميد ممدوح: الحقيقة طبعاً أحداث اليوم لا يمكن التنبؤ بتأثيرها لأن أسبابها غير معروفة، ولكن لو حكمنا على أحداث الأسابيع أو الشهرين الماضيين هنجد إن الأحداث الأمنية جعلت مش بس الولايات المتحدة، ولكن كافة الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية، تنظر إلى إرساء قواعد ثابتة لعلاقاتها التجارية كأمر من الأمور الضرورية لإرساء الاستقرار في العلاقات الدولية بصفة عامة التجارة الدولية لا يمكن إن إحنا نفصلها عن العلاقات السياسية، في كثير من الأحيان بيتأثروا ببعض، ولكن العالم اليوم في حاجة إلى شيء من الاستقرار، حالة الاقتصاد العالمي ماهياش في.. في أحسن حالاتها، اللي حصل في الاقتصاد بدأ قبل 11 سبتمبر ولكن حصل إسراع بعد 11 سبتمبر، البدء في جولة جديدة من المفاوضات بما يوفر توازن مصالح الدول الأعضاء في المنظمة، سواء نامية أو متقدمة، صغيرة أو كبيرة، غنية أو فقيرة، من شأنه أن يُضفي جو جديد من الثقة على المعاملات التجارية، ومش بس على المعاملات التجارية في صورة تبادل السلع والخدمات، ولكن أيضاً في صورة بث الثقة في الاقتصاديات بصفة عامة بما يحسن حالة أو شروط الإقراض لدى المنظمات المالية الدولية.
محمد كريشان: وربما يعني المطلب الأمني وعلاقته بالاستثمار الاقتصادي والأجواء الاقتصادية العامة هي التي جعلت البعض من بين المنظمات غير الحكومية هنا المجتمعين في الدوحة على هامش المؤتمر يطالبون أيضاً بأن يكون الدعوة إلى وقف الحرب في أفغانستان ضمن مطالب منظمة التجارة العالمية.
[فاصل إعلاني]
محمد كريشان: ضيفنا في الأستوديو السيد محمود بوناب، علاقة بموضوع منظمة التجارة العالمية والأجواء الدولية الحالية، يعني السيد طلال أبو غزالة قبل قليل أشار إلى إصرار الولايات المتحدة على أن يتم المؤتمر في موعده ومكانه هنا في العاصمة القطرية الدوحة، إذن يعني الولايات المتحدة التي تراجعت في بعض الاجتماعات الأخرى وتراجعت في موضوع اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة لم تمانع في أن يكون الحدث هنا في الدوحة في موعده ومكانه.
محمود بوناب: الحقيقة كان هنالك إصرار من جانب الولايات المتحدة على عقد المؤتمر، وطبعاً الظروف التي أفرزتها الأحداث المأساوية لـ 11 سبتمبر كانت تفرض على الولايات المتحدة ربما عدم تأجيل هذا المؤتمر أو عدم إلغائه مثلما وقع للكثير من المؤتمرات، لكن الإصرار الأميركي على عقد المؤتمر قد لا يكون المؤتمر في الدوحة، ونحن استمعنا قبل حوالي خمس أسابيع أنه كانت هنالك إمكانية لنقل المؤتمر إلى مكان آخر، وبالتالي هنا أريد تصحيح السيد أبو غزالة، وربما تكملة ما تفضل فيه قبل حين هو أنه لولا إصرار السلطات القطرية ودولة قطر على الوفاء بالتزاماتها، وهي التزامات أخذتها على عاتقها في أول هذا العام عندما مُنحت استضافة هذا المؤتمر في قطر، وهو مؤتمر ضخم، ولم تكن دولة قطر آنذاك تدري أن أحداث 11 سبتمبر ستغيِّر وستقلب المعارك الأمنية الدولية، وكذلك المعادلات الأخرى السياسية والاقتصادية، لكن الحقيقة هنا يجب بقطع النظر عن وجودنا في قطر، لكن يجب الإشادة بالإصرار القطري على ضرورة الوفاء بالتزامات هذه الدولة الصغيرة لاستضافة هذا المؤتمر الكبير والضخم، لا ننسى أن هنالك حوالي 4400 مشارك تفضلت قطر باستقبالهم في ظروف إقليمية صعبة جداً، ووفرت لهم الحماية والأمن والاستقرار، إلى غير ذلك من ظروف ملائمة لنجاح هذا المؤتمر، وربما يكون النجاح متوجاً يوم غد بإطلاق جولة جديدة من المفاوضات التجارية العالمية مثلما تتطلع إلى ذلك القوى التجارية الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، واليابان، والكثير من الدول النامية، ربما تُطلق هذه الجولة من الدوحة، ويعود بعض الفضل -خليني لا أقول كل الفضل- إلى إصرار البلد المضيف لهذا المؤتمر وهو دولة قطر.
محمد كريشان: سيد طلال أبو غزالة، تفضل.
طلال أبو غزالة: أنا.. يعني أريد أن.. أنا سعيد أولاً بأن ننتقل إلى.. إلى البُعد الاقتصادي والتجاري وأوافق الدكتور بوناب كما وافقني على أن رئاسة قطر بالذات، أنا أريد أن.. أن أركز على الجانب التقني، رئاسة قطر للمؤتمر كان لها فضل كبير في تسيير دفة التفاوض، وكما نعلم أن المؤتمر هو مؤتمر تفاوض، وأريد أن أدخل في الموضوع من جوانبه الحساسة، لأني سيكون استثناءً أن أجلس إلى جانب صديقي الأخ عبد الحميد ممدوح دون أن نختلف، لأننا فيما لا يقل عن 30 لقاء على منابر دولية كنا نتحاور في ما نتوقعه وما نتمناه من هذه المؤتمرات ومن المنظمة العالمية للتجارة بداية أريد أن أقول أننا من الصدف المريحة وفي نفس الوقت المؤلمة أن الحدث الذي حصل الليلة وهو حدث مؤلم بسقوط الطائرة في أميركا، والذي نُدينه بكل الأشكال، والذي هو قضية مأساوية لا تقبل الجدل، نتفق فيها مع الولايات المتحدة الأميركية، نجد نفسنا اليوم في المؤتمر على جانب واحد من الاتفاق أيضاً في مواضيع أساسية، ولعلها نقلة أو تغير تاريخي في علاقة الدول النامية مع المنظمة العالمية للتجارة، وبالذات مع الولايات المتحدة الأميركية في موضوعين رئيسيين: هما البيئة وموضوع الزراعة. الزراعة هي من المواضيع المعروفة بأسماء.. على جدول الأعمال أو Builtin Agenda، والبيئة موضوع جديد طرحته السوق الأوروبية بشدة وبقوة، وفي هذا المؤتمر من الصدف في الوقت الذي نتفق فيه عاطفياً مع الولايات المتحدة الأميركية في الأحداث التي حصلت، نتفق أيضاً معها في موقفها من هذين الموضوعين الرئيسيين والمفصْلين في هذه المفاوضات، في موضوع الزراعة أولاً وموضوع الزراعة موضوع هام وأريد أن نأخذ وقتاً في تحليله بقوة، لأن الزراعة تشكل الموضوع الأساسي بالنسبة للدول النامية، الدعم الزراعي الذي تمارسه الدول المتقدمة، وفي مقدمتها الدول الأوروبية، يشكل عبئاً غير منصف، لأنه في الوقت الذي تزيد فيه القيود والرسوم والعقبات أمام تصدير المنتجات الزراعية، يعني أعطيك مثال: إحنا نقول أن الدول.. العالم كله يقدم للدول النامية ما.. ما لا يزيد عن 40 مليار سنوياً، لو رُفعت الحواجز أمام تصدير الزراعة، المنتجات الزراعية من الدول النامية لحققت دخلاً خمس أضعاف هذا المبلغ، فبالتالي نحن بدل أن.. أن نقول: أننا نحصل على المعونة أعطونا وضعاً منصفاً ومتوازناً في موضوع الزراعة نستطيع أن نكون بغنى عن المعونة هذا في موضوع الزراعة.
في موضوع البيئة والذي هو طُرح كموضوع جديد، أيضاً الولايات المتحدة الأميركية نجدها في خندق أقرب لنا من السوق الأوروبية، ما كنت أريد أن أركز عليه هو أننا في هذا المؤتمر وبعد سياتل تغيرت خريطة التفاوض وأصبحت الكتل في الدول المتقدمة متفارقة، ونستطيع نحن كدول عربية وكدول نامية أن نربط مصالحنا الاقتصادية التفاوضية مع كل كتلة حسب مصلحتنا معها، وبالتالي فنحن الآن في موقف تفاوضي أفضل وفي.. ويجب أن نستثمر هذا التفاوض، طبعاً هنالك مواضيع خلافية كثيرة منها موضوع التنفيذ الذي..، وموضوع.. مواضيع أخرى نجد نفسنا في.. في خلاف حولها مع الدول والكتل المختلفة، إنما عملية..
تأثير الأحداث الجالية على أجندة منظمة التجارة العالمية
محمد كريشان[مقاطعاً]: هو من الناحية.. من الناحية الفنية سيد طلال أبو غزالة، يعني القضايا متشعبة جداً في موضوع منظمة التجارة العالمية، بالنسبة للسيد عبد الحميد ممدوح وهو مدير قطاع تجارة الخدمات في المنظمة، سيد ممدوح، أحد المشاركين في المؤتمر الحالي وحتى نظل على ارتباط بين هذه الجوانب الأمنية والسياسية والاقتصادية هو (والدن بلو) وهو ممثل منظمة عولمة الجنوب ومقرها تايلاند، يقول في بعض التصريحات بأنه يخشى من استغلال أحداث.. أحداث الحادي عشر من سبتمبر وما تلاها لفرض الدول الغربية لمطالبها على أجندة المنظمة، هل تعتقد بأن كل الأحداث الحالية ربما تصب في هذا المصب، هل لديكم مؤشرات على ذلك، أم هذه التخوفات ليست في محلها؟
عبد الحميد ممدوح: الحقيقة كل المؤشرات اللي ظاهرة من المفاوضات تشير إلى عكس هذا الافتراض، بمعنى إن لو نظرنا إلى موقف الولايات المتحدة في هذا المؤتمر وقارناه بموقفها في سياتل، هنجد إن فيه خلاف جذري، في سياتل المؤتمر فشل طبعاً زي ما كلنا عارفين لأسباب متعددة، منها موقف الدول النامية قوي، ودي كانت مش لأول مرة تحصل، حصلت خلال جولة أورجواي، لأن الدول النامية بتاخد موقف متزايد في الأهمية في المفاوضات الدولية، ولكن أيضاً إنه الولايات المتحدة في سياتل لم تهتم بالدخول في جولة مفاوضات جديدة، الموقف اللي واخداه الولايات المتحدة النهاردة، وهو مبني إلى حد كبير جداً على الأحداث الأخيرة، متجه اتجاه عكسي تماماً، في الحقيقة أنا شايف إن فيه ضغوط في.. في هذا المؤتمر مبنية على الافتراض العكسي، وهو إن الولايات المتحدة النهاردة مثل العديد من الدول مهتمة بالدخول في جولة جديدة من المفاوضات، وبالتالي عندها استعداد أكبر لتقديم تنازلات أكثر لو قارنا موقفها النهاردة من موقفها في سياتل، فطبعاً كل واحد عنده التحليل بتاعه، ولكن أنا من خلال الموقع اللي أنا فيه دي رؤيتي لمشاركة الولايات المتحدة في هذا المؤتمر، وإحنا مابينا وبين النتائج إن شاء الله 24 ساعة.
محمد كريشان: على كل يعني هل يمكن في المطلق أن.. أن نفصل الأمور بهذا الشكل؟ يعني مثلاً المعارضة الأميركية والإسرائيلية لوجود الجامعة العربية كمراقب في منظمة التجارة العالمية، إذن الاعتبارات السياسية حتى اللي موجودة في أطر ومؤسسات دولية أخرى تنعكس حتى في قطاع مثل قطاع التجارة الدولية.
عبد الحميد ممدوح: الحقيقة الاعتبارات السياسية بتجد طريقها إلى كافة المحافل الدولية، ولكن يجب إن إحنا نأخذ في الاعتبار إن.. أن نفرق ما بين القرارات الإجرائية المتعلقة بحضور منظمة في اجتماع أو في آخر، وما بين القرارات القانونية اللي بيترتب عليها حقوق والتزامات، يتهيأ لي إن ممكن الواحد يقول بشيء من الارتياح: إن القرارات الموضوعية والقانونية في إطار منظمة التجارة العالمية عادة ما يغلب عليها الطابع القانوني ولا يغلب عليها الطابع السياسي، موضوع طبعاً الجامعة العربية كان له تاريخ على مدى السنة الماضية اللي جرى أثناءها الإعداد للمؤتمر، وموقف الولايات المتحدة وإسرائيل كأعضاء في المنظمة كان موقف سياسي بالدرجة الأولى، ولا علاقة له بالعلاقات التجارية اللي بتربط أعضاء المنظمة ببعض.
محمد كريشان: نعم، سيد منذر سليمان في واشنطن وهو باحث في القضايا الإستراتيجية، سيد سُليمان، أشرت قبل قليل بكثير من التفصيل ربما إلى تراجع الوضع الاقتصادي في الولايات المتحدة، هل تعتقد بأن هذا التراجع سيجعل واشنطن أكثر حذر في (مغامراتها) –بين قوسين- العسكرية في الخارج، أم الوضع الاقتصادي الناتج عن أزمة محددة مثل أزمة الحادي عشر من سبتمبر ستجعل الولايات المتحدة أكثر حرص على هذه التحركات العسكرية في الخارج من باب استعادة الهيبة والمكانة؟
منذر سليمان: يعني قد يكون الترجيح للأمر الثاني، لأنه فعلاً كما ذكرت المكانة العسكرية للولايات المتحدة الأميركية لا يوجد أي منافس جدي لها على المستوى الدولي من حيث التفوق العسكري، ولكن هذا التفوق العسكري إذا لم يستند إلى أيضاً أرضية وقاعدة اقتصادية تدعمه باستمرار قد يتهدم، والمشكلة أن قبل أحداث 11 سبتمبر المأساوية كان هناك تصميم من إدارة (بوش) على المُضي في برنامج الدفاع الصاروخي بشكل يؤدي إلى تحريك عجلة الاقتصاد الأميركي بالدرجة الأولى، لأنه لا يوجد فعلاً تهديد كما اكتشفنا واكتشف المجتمع الأميركي نفسه، أنه لا يوجد تهديد فعلي للولايات المتحدة من صاروخ باليستي يأتي من كوريا الشمالية أو من أية دولة أخرى تُعتبر عاصية على الولايات المتحدة الأميركية، إنما الخطر يمكن أن يأتي بأعمال داخلية أو حتى بحرب بوسائل أخرى. فلذلك أعتقد أن كان هاجس الإدارة الأميركية منذ الأساس.. الإدارة الجديدة هو كيفية تحريك الاقتصاد الأميركي، ويدرك صُنَّاع القرار في الولايات المتحدة الأميركية أن المجمّع الصناعي الحربي ومشتقاته في الولايات المتحدة، وهو واسع جداً، هو محرك أساسي لعجلة هذا الاقتصاد الأميركي، لذلك قد يكون هناك قوى داخل الولايات المتحدة تشجع على الاستمرار في نهج التدخل العسكري الخارجي، لأنه يؤمِّن ضرورة لاستمرارية هذه العجلة الحربية داخل الاقتصاد الأميركي لتحريكه، وبالتالي قد يكون هناك المنطق الطاغي هو استعادة الهيبة وبنفس الوقت أيضاً اللجوء إلى استمرار دعم المخصصات والميزانيات العسكرية لأنها في زمن الركود الاقتصادي تكون أحد المراكز الطبيعية لإعادة تسيير العجلة الاقتصادية بطريقة تضمن الحد الأدنى من النمو الاقتصادي داخل الولايات المتحدة الأميركية، لذلك النزعة العسكرية قد تكون لدى بعض القوى والأوساط داخل الولايات المتحدة الأميركية قد يكون لها دافع قوي، خاصة في ظل هذا المناخ الأمني الذي يُسهّل الإنفاق العسكري، فربما يكون هذا الاتجاه هو الاتجاه الغالب في المرحلة القادمة حتى يتم إعادة انتعاش الاقتصاد الأميركي.
محمد كريشان: هذا المناخ الأمني سيد منذر سليمان هل تراه أيضاً ازداد حدة مع سقوط الطائرة الأميركية في نيويورك؟ يعني هل تبادر إلى أذهان البعض بأن هناك ربما تهديد سابق أطلقته منظمة القاعدة على لسان سُليمان أبو غيث الناطق باسمها، وهددت فيه بما سمته وقتها "عاصفة الطائرات"، وحذّرت الناس حتى من ركوب الطائرات، هل كل هذه التهديدات استحضرها المواطن الأميركي، وبالتالي مناخ الهلع ازداد في الولايات المتحدة؟
منذر سليمان: بالتأكيد في اللحظات الأولى لسماع الخبر ما جرى بتقديري أنه حصل نوع من الذهول المطبق داخل الولايات المتحدة الأميركية وخاصة داخل نيويورك بالتحديد، لأنها لا تستطيع أن تتحمل كوارث أكثر مما جرى لها، وسمعت أن الرئيس بوش وأركان القيادة الأميركية كانوا يجتمعون لمراجعة الحرب في أفغانستان، وتقدم منه أحد الضباط وقدم له ورقة يقول له: لقد سقطت طائرة، وأعتقد نستطيع أن نتخيل كيف كانت ردة الفعل الأولية للرئيس بوش وأركان القيادة الأميركية في الوهلة الأولى، إلا أنه بعد وقت قصير تم صدور بعض التوضيحات من وكالة الطيران الفيدرالية التي طمأنت إلى أنه ربما هناك عطل فني قد أدى لحصول ذلك، ثم أن الارتباك الأمني أيضاً قام مصدر من الـ F.B.I مكتب التحقيقات الفيدرالي في القول بأن هناك انفجاراً حصل على متن الطائرة، فأدى إلى أيضاً أن يتنازع الموقف ما بين الخشية من عمل إرهابي نتيجة التهديدات السابقة، وما بين أن حادث، فأعتقد أن هناك حالة من الهلع، من الذهول، من القلق، تسيطر على المواطن الأميركي، وهناك حالة من الارتباك وعدم الدقة تعاني منها الأجهزة الأمنية الأميركية، وأعتقد أن حالة الارتباك هذه أدت إلى صدور تصريحات متناقضة في الساعات الأولى أدت إلى عدم طمأنة أيضاً الشعب الأميركي مما يدل على أن الأجهزة الأمنية الأميركية والأجهزة الحكومية الأميركية تحتاج إلى إعادة نظر وتقييم لطريقة عملها لمواجهة أيَّة كوارث طبيعية أو أعمال عنف إجرامية قد تتعرض لها الولايات المتحدة في المستقبل.
محمد كريشان: نعم، على كل حالة الهلع هذه لا تنعكس فقط في الولايات المتحدة، أيضاً تنعكس بلا شكل على الوضع الاقتصادي الدولي والمبادلات التجارية.
[فاصل إعلاني]
محمد كريشان: ضيفنا في مقر المؤتمر الوزاري الرابع لمنظمة التجارة العالمية السيد طلال أبو غزالة، كيف يمكن أن.. أن نشرح بشكل ربما مبسط بعيد عن التعقيدات الفنية الاقتصادية البحتة، كيف يمكن أن نشرح تداعيات هذه الأوضاع على سير المؤتمر هنا في الدوحة، وعلى طبيعة التسويات السياسية والاقتصادية التي قد تخرج عنه؟
طلال أبو غزالة: أنا لا أعتقد أن الأحداث السياسية والعسكرية والأمنية ستؤثر سلباً على المداولات الجارية، بل على العكس من ذلك، يجب أن تعطي إرادة أقوى للمتفاوضين للتوصل لما يحقق نقلة في الاقتصاد العالمي، خصوصاً وأنه حسب التوقعات الأميركية نفسها أنه إذا سارت الأمور كما هي عليه الآن وقبل هذه الليلة ستدخل الولايات المتحدة في أصعب مرحلة كساد منذ عام 1982م، وبالتالي سيدخل العالم كله، ولأول مرة نشهد أن الولايات المتحدة وأوروبا واليابان والتي تشكل 60% من تجارة العالم تمر بنفس فترة كساد، فبالتالي أقول أن هذه أن التداعيات السياسية والعسكرية والأمنية تشجّع وتحفز المفاوضين على الخروج باتفاق لكي يواجهوا بعض الآثار السلبية الناتجة عن الأحداث الأمنية، ولذلك أنا أقول: أننا بينما كنا أمس المتابع لمؤتمر الوزاري الرابع، أمس كان يوماً متشائماً، اليوم بدأت الأمور فيها شيء من التفاؤل، ووضعت صيغ كثيرة لمواضيع هامة منها موضوع الدواء، وخصوصاً الدواء في حالة الأزمات التي تتعلق بالأمن الصحي للدول مثل الإيدز، هنالك مواضيع تم الاتفاق عليها في مجال تأجيل براءات الاختراع للأدوية والمواد الصيدلانية، تنفيذ اتفاقية (التربس) بشأن هذه البراءات إلى العام 2016 أي عشر سنوات تمديد أخرى للدول النامية، هنالك تبادل بالتفاهم وبالمصالح، وأنا أريد أن أقول، ومع الأسف أنا.. أنا أريد أن أنتقد البرنامج من حيث تركيزه على الجوانب السياسية، وأنا دائماً –وليست هذه أول مرة- أقول بأن الاقتصاد هو الأساس، وأن كل قرار في العالم هو في أساسه قرار اقتصادي وتستعمل له السياسة والدبلوماسية والعسكرة، وبالتالي فيجب أن ندرك –كعرب- أن القرارات الاقتصادية هي القرارات الأصح والأهم، ولذلك نجد المفاوضين من الدول المتقدمة مركّزين ويعملون ليل نهار، إمبارح انعقدت مجموعة.. ما يسمى "مجموعة الـ 27" من الوزراء في غرفة يسمونها أو الاجتماع.. أو "الغرفة الخضراء" لمحاولة حل الأمور طيلة الليل، الأمر اللي يجب ندركه في وطنّا العربي، أن الاقتصاد هو المسيِّر وهو الهدف، وليس هنالك كما أزعم دائماً أي قرار إلا القرار الاقتصادي من قِبَل أي دولة عاقلة، الذي يوجد قراراتها هو قرارات اقتصادية، وبالتالي فأنا أقول: أن كل ما يحدث في العالم وفي الساحات من حرب وإلى آخره يجب أن يُستغل اقتصادياً، وهو يُستغل اقتصادياً من قِبَل الدول التي تديرها حكومات عاقلة تدرك مصالحها الوطنية.
محمد كريشان: نعم، سيد ممدوح، ومع ذلك هل يمكن مثلاً أن نتوقع تنازلات اقتصادية من دول مثل الولايات المتحدة، في حين أنها في وضع عسكري وأمني فيه الكثير من التحدي، هل الوضع الخاص الذي تمر به الولايات المتحدة الآن سيجعلها أكثر تشدد، يعني أنا مثلاً أقتبس من كلام السيد يوسف بطرس غالي عندما يتحدث عن الموقف الأميركي في الجولة الحالية، مثلاً يقول: الموقف الأميركي يتمسك بالثوابت القديمة، ولا يزال يطرح القضايا القديمة بالأسلوب القديم نفسه: هل ترى تشدداً أميركياً في المفاوضات الحالية، لأن الولايات المتحدة في وضع عسكري وأمني خاص ولا يمكن أن تقبل تنازلات على أكثر من صعيد؟
عبد الحميد ممدوح: في الحقيقة أنا قد لا أتفق مع هذا الرأي بالكامل، هناك فعلاً بعض الثوابت في موقف الولايات المتحدة، زي ما تفضل الأستاذ طلال في البداية وقال: إنه موضوع الزراعة مهم جداً، موضوع البيئة برضو مهم، ولكن الولايات المتحدة بتاخد فيه موقف يجنح تجاه الدول النامية مش تجاه الاتحاد الأوروبي، وده تغيير كبير لو قارنا موقف الولايات المتحدة في مؤتمر سياتل بموقفها في مؤتمر الدوحة، في مؤتمر سياتل الولايات المتحدة كانت مُصرة على سبيل المثال على إن إحنا نبدأ في التفاوض على معايير العمل، ربط معايير العمل بالتجارة الدولية، والرئيس (كلينتون) في أثناء استضافته للوزراء في مؤتمر سياتل في خطبة غداء ركز على هذا الموضوع كأحد الأولويات للولايات المتحدة، موضوع البيئة كانت الولايات المتحدة فعلاً برضو في الوقت ده بتتناوله بشيء من الإصرار على الدخول في مفاوضات تربط معايير الحفاظ على البيئة بالتجارة الدولية، وهو شيء طبعاً بيهدد تجارة الدول النامية، مثله كمثل معايير العمل بنجد النهارده الولايات المتحدة بتاخد خط فيه عقلانية وواقعية، لأن الولايات المتحدة لا يجب أن ننسى إنها أكبر مصدر وأكبر مستورد في العالم، واستقرار شروط وأحوال التجارة الدولية يُعتبر له أهمية استراتيجية للاقتصاد الأميركي.
النقطة الثانية اللي لازم برضو نأخذها في الاعتبار هو الأسلوب اللي بتتفاوض به الولايات المتحدة في هذا المؤتمر، أسلوب مختلف تماماً عن مؤتمر سياتل، أسلوب فيه حوار، فيه تفاوض، فيه تبادل لوجهات النظر وتبادل للمزايا، النقطة الأخيرة اللي عايز أضيفها هنا وهي نقطة مهمة جداً يجب أن نأخذها في الاعتبار لما نتكلم عن مؤتمر الدوحة، إحنا النهارده بنتفاوض على البدء في جولة مفاوضات، مش على إنهاء جولة مفاوضات، فكل اللي هنتفق عليه في هذا المؤتمر هو صيغ للتفاوض، هنتفاوض على أيه؟ وأيه هي الخطوط الاسترشادية اللي هذه المفاوضات هتخضع لها؟ ولو تمكنا من الدخول في جولة مفاوضات هتستمر حوالي 3 سنوات، اللي هيحكم فعلاً مدى تحقيق المصالح للأطراف المختلفة هو مدى فاعلية المشاركة في المفاوضات على مدى السنين القادمة.
محمد كريشان: نعم، سيد محمود.
محمود بوناب: والله في الواقع أستمع بكل اهتمام لما يأتي من الدوحة ولما يأتي.. ولما يأتي من واشنطن، وهنالك تركيز بطبيعة الحال على الأوضاع الاقتصادية وعلى الانعكاسات التي تركتها أحداث 11 سبتمبر، لكنني أُفاجأ من شخصية مرموقة مثل السيد طلال أبو غزالة عندما يقول: الاقتصاد هو الأساس، هذا ربما ينطبق على الدول الغربية، وعلى العالم الغربي، وعلى التوازنات الاقتصادية والمالية الموجودة في الغرب، لكن في العالم العربي نحن نتحدث باللغة العربية ونحاول أن نُظهر صورة من الدوحة عن مؤتمر التجارة إلى جمهور عربي يعنيه ما يجري في وطنه، لكن يعنيه أيضاً ما يجري في العالم، مع الأسف الشديد كان بودي أن يكون الاقتصاد هو الأساس في العالم العربي، لكن العكس هو الصحيح، السياسة هي الأساس، الاقتصاد هو أداة في يد السياسة في العالم العربي، لا أذهب إلى ما ذهب إليه السيد أبو غزالة عندما قال: "كل دولة عاقلة تعطي الأولوية أو تعطي الأهمية للاقتصاد على السياسة".
أنا لا أتهم أحداً بأن يكون عاقل أو غير عاقل، لكن الإشكالية اليوم هو ربما يفاجأ المشاهدون عندما يعلمون نحن هنا في منظمة التجارة العالمية هل نعلم ما مدى حجم التجارة العربية في التجارة الدولية؟ إذا استثنينا المحروقات 0.4%، أي أن العالم العربي تجارياً غير موجود على الخارطة التجارية العالمية، العالم العربي معني بمشاكل أخرى واهتمامات أخرى ومشاغل أخرى، طبعاً هذا أؤكد مرة أخرى إذا ما استثنينا الطاقة –القارة الإفريقية –التي تضم أكبر دولة عربية هي- مصر نسبتها أو مساهمتها في التجارة الدولية 2%، 1% إلى جمهورية جنوب أفريقيا وما تبقى لكل دول القارة بما فيها نيجيريا وبما فيها مصر إلى غير ذلك. فضلاً عن هذا نحن نسمع ونرى يومياً هنالك جدل في الدول الغربية، هل نحن مع ما يجري في منظمة التجارة العالمية، أم ضد ما يجري؟ هنالك منظمات غير حكومية منظمات أهلية في العالم الغربي يمكنها الدفاع، أو يمكنها التصدي، أو يمكنها تعزيز المناعة بالنسبة للدول المصنعة وتعطي فرصة للحكومات لمراجعة نفسها إذا ما تمادت وكان تحرير التجارة سيؤدي إلى أضرار أو إخلال بالتوازنات الاجتماعية، هذا غير موجود عندنا في العالم العربي، مع الأسف الشديد الحكومات لم تستشر لا شعوبها ولا قطاعاتها الأساسية، بما في ذلك من زراعة وصناعة، وصيد بحري، وبيئة، إلى غير ذلك، عندما ذهبت لتوقيع الانضمام هنالك إحدى عشرة دولة عربية شريكة في منظمة التجارة العالمية أو منضمة إلى منظمة التجارة العالمية، أنا لست ضد منظمة التجارة، لكنني أتساءل: هل نحن في الوضع الحالي مؤهَّلون إلى أن نكون جزءاً ولو صغيراً محدود حيويّاً في مستقبل منظمة التجارة العالمية كي نستفيد من تحرير هذه التجارة؟ هل نحن مؤهَّلون بالدرجة الأولى سياسياً؟ هل نحن مؤهَّلون اقتصادياً؟ هل نحن مؤهَّلون ثقافياً؟ هل نحن مؤهلون إعلامياً؟ الإجابة على كل هذه الأسئلة أتركها طبعاً لكل السادة المشاهدين، خصوصاً إذا ما أرادوا المشاركة على موقع الجزيرة على الإنترنت، لكن هنالك خلل سياسي كبير في العالم العربي لا يجعل من المنطقي قبول فكرة: "أن الاقتصاد هو الأساس"، ولو أنني أشاطر السيد أبو غزالة في أن الاقتصاد هو فعلاً الأساس في العالم اليوم، لكن مع الأسف الشديد هذا لا ينطبق على العالم العربي.
التعاطي الاقتصادي العربي في الغرب في ظل الأحداث الأخيرة
محمد كريشان: طالما أشرت إلى موضوع العالم العربي، ومنذ بداية الحلقة ونحن نحاول أن نجد المعادلة بين الارتباط الأمني والسياسي وبين الوضع الاقتصادي، خسائر الاستثمارات العربية منذ بداية أزمة الحادي عشر من سبتمبر هي تقريباً –حسب التقارير- 35 مليار دولار، والبعض يتحدث الآن عن اهتزاز الثقة العربية في الوجود.. وجود الرساميل العربية في الغرب، هل تعتقد بأن ربما سنشهد طبيعة جديدة من التعاطي مع الغرب على الصعيد الاقتصادي، خاصة على صعيد الإبداع والاستثمار في الخارج؟
محمود بوناب: لا ننسى أخ محمد أن بعد حوالي ست أسابيع العالم مقبل على ثورة ربما لا يستطيع أحد أن يفهم أو أن يستوعب مداها، بعد ستة أسابيع ستدخل عملة جديدة موحدة، وستصبح القاسم المالي المشترك في إحدى أو اثنتي عشرة دولة في الاتحاد الأوروبي الذي يضم خمس عشرة دولة يعني الاتحاد الأوروبي مقبل على عملة موحدة، وبطبيعة الحال هذه العملة (اليورو) ستصبح مواجهة للعملة السائدة حالياً في العالم وهي الدولار الأميركي الذي هو عملة المرجع في كافة المعاملات التجارية تقريباً في الدول العربية، إذا ما استثنينا دول المغرب العربي خصوصاً تلك التي لها اتفاقيات شراكة مع الاتحاد الأوروبي، لكن قد أقول هنا للذين استثمروا أموالهم في الغرب أو في المؤسسات الغربية: ينقلب السحر على الساحر، يعني أمامي هنا إحصائيات صادرة عن البنك العالمي، مأساة ما ننظر إلى العالم العربي، هل تعرف أن الدخل الفردي السنوي في الإمارات العربية المتحدة هو 19 ألف دولار سنوياً؟ وهل تعرف أن الدخل الفردي في اليمن هو 380 دولار سنوياً؟ يعني في هذا السياق أوروبا خلال تاريخها انتشلت الدول الضعيفة اقتصادياً وسياسياً، لا ننسى أن البرتغال وأسبانيا كانت لها أنظمة ديكتاتورية بشعة، ثم انتشلتها فرنسا وألمانيا إلى غير ذلك، وبطبيعة الحال انتُشلت هذه الدول وهي تعتمد اليوم اليورو كنقد موحد.
محمد كريشان: على كل سنحاول أن نواصل الحديث في هذا الموضوع ارتباط الوضع الأمني السياسي بالوضع الاقتصادي، بطبيعة الحال كان هناك حادث سقوط الطائرة، ونحاول أن نستعرض التداعيات الاقتصادية والسياسية لموضوع.. الموضوع الأمني على الأحداث الحالية.
[موجز الأخبار]
محمد كريشان: سيد طلال أبو غزالة في مقر المؤتمر، أشار السيد محمود بوناب قبل قليل إلى اختلاف الوضع بين البلاد العربية والبلاد الغربية، وكان ذلك حول سؤال يتعلق بـ.. إلى أي مدى اهتزت الثقة بالغرب وبالإيداعات العربية هناك حتى من.. هناك من يطرح ضرورة عودة رؤوس الأموال العربية، والبعض الآخر يقول: لابد من إصلاحات هيكلية أساسية حتى يمكن استيعاب هذه الرؤوس. ما رأيك سيد طلال؟
طلال أبو غزالة: أنا أولاً سعيد بأن أتوافق مع الدكتور بوناب، لأنني لم أجد في كلامه ما يختلف مع كلامي إلا من حيث أنه يريد أن يشرح الوضع وأنا أريد أن أعرض ما أتمناه في هذا الوطن. أنا أريد فعلاً أن نتحول في وطنّا العربي إلى إعطاء الإقرار الاقتصادي الأهمية التي يستحقها، وأن ندرك كما أدركت الدول المتقدمة أن القوة الحقيقية هي في القوة الاقتصادية وليس القوة العسكرية، القوة العسكرية هي أداة للقوة الاقتصادية، إنما القوة الحقيقية كما ثبت في الاتحاد السوفيتي وكما هو معروف.
فيما يخص الاستثمارات والعلاقة العربية الاقتصادية مع الغرب أيضاً أنا أضيف أكتر من.. إلى ما قال أن مجموع التجارة العربية لا يزيد عن تجارة سنغافورة إذا استثنينا النفط لواحدة.. دولة واحدة، أنا أدرك حجم.. صغر حجم الاقتصاد، ولذلك أقول: نحن بحاجة إلى التركيز أكثر على الاقتصاد فيما يخص الاستثمارات أنا لا أتوقع عودة الاستثمارات العربية، بل على العكس أتوقع أن تزداد الاستثمارات العربية في الخارج، وهذا ليس تمنياً، إنما توقع.
فيما يخص الهجرة، أنا الذي أتوقعه هو الهجرة البشر الذي كنا نسعى لها من زمان، وهي عودة العقول العربية، العقول العربية ستعود مضطرة بسبب البيئة، والمناخ، والقيود، والجو.. إلى آخره، أن تعود، وذلك.. وتلك ظاهرة إيجابية بالنسبة لنا كعرب نريد أن نبني اقتصادنا بكفاءاتنا العربية الموجودة في الخارج.
أما في ما يخص الاستثمارات فأنا لست متفائلاً بعودة الاستثمارات العربية إلى المنطقة العربية، أولاً: لعدم وجود أرضية مناسبة لاستثمارها.. خصوصاً في حجم في.. في مبالغها الكبيرة. ثانياً: بأنها ليست بـ.. لسنا بحرية وبتلك السهولة بأن نستعيدها. وثالثاً: لأن القرار الاقتصادي هو الذي يحدد أين.. أين تستثمر أي مؤسسة أو فرد أو دولة استثماراتها.
محمد كريشان: نعم، سيد أبو غزالة، الاستثمارات العربية في الخارج حسب بعض التقارير تبلغ زهاء 950 مليار دولار، في حين أنها فقط في الداخل 22 مليار دولار، يعني على ماذا تبنى هذه.. هذا الجزم في أن الاستثمارات العربية لن تهتز في الغرب، رغم كل ما قد يبدو أحياناً من ملاحقات أو من تضييق على رؤوس الأموال، أو بعض رجال الأعمال، أو بعض الودائع؟ على ماذا تستند يعني؟
طلال أبو غزالة: أنا أستند على اعتبارين أساسيين: الأول: أنني أولاً لا أريد أن.. أن.. أن نسيء التوقعات بالنسبة للاقتصاد الأميركي والغربي إلى مدى بعيد في الوقت.. في لحظة يقف الرئيس (بوش) ويقول: أننا قد حققنا أهدافنا، وأن المعركة انتهت، وأن كل ما نريده من أهداف عسكرية قد انتهت، ستجد البورصة والاستثمارات والاقتصاد والازدهار بدأ في الصعود مرة أخرى، هذا من ناحية تأثير الجانب النفسي.. على الاقتصاد.
أما العوامل الاقتصادية اللي هي.. ما يسمى "العوامل الاقتصادية" التي تؤثر على الاقتصاد فهاتيك موضوع آخر.
ثانياً: إننا في موضوع الاستثمار يجب أن ندرك أن الاستثمارات اللي موجودة في أميركا موجودة لأسباب مختلفة عن الرغبة في العودة، منها استثمارات بقرار سياسي، يجب أن ندرك ذلك، منها استثمارات في مشاركات وفي مشاريع غير قابلة.. لفك الارتباط بسهولة، منها استثمارات مسيِّلة.. هي في الحقيقة أينما وجدت نفس الشيء أنت تعرف أن.. أن الدولار الآن أصبح هو العملة الوحيدة في العالم وعملة القياس الوحيدة، وأن أي استثمار في الدولار يمر عبر نيويورك، وأن حركة النقد العالمية –خصوصاً بعد 11 سبتمبر- أصبحت مربوطة، ومراقبة، ومتابعة بدقة، بنفس الدقة التي تتابع فيها، وهذا جانب يجب أن لا ننساه، في الوقت الذي هنالك تركيز من قبل المجتمع الدولي إلى الإجراءات الأمنية، الإجراءات الرقابية على الأموال وليس فقط الحجز على أموال المنظمات أو غيره، وضع نظام عالمي للرقابة على سير الأموال هو من ضمن المشروع الأميركي الهام في إدارة شؤون العالم، السوق الأميركي والسوق الأوروبي سوق مازال صحيّاً، انهيار الاقتصاد الأميركي ليس بسبب انهيار الأبراج، إنما بسبب الأزمة التي أثارها القرار الأميركي نفسياً.. بضرورة رد فعل وما نتج عن ذلك. فبالتالي جميع العوامل الاقتصادية تدل على أننا لا يجب أن نتفاءل بعودة أية رؤوس أموال عربية، بل أنا أزعم –وأرجو أن أكون خاطئاً- عكس ذلك.
محمد كريشان: سيد ممدوح، هل تشاطر نفس تحليل السيد طلال أبو غزالة، خاصة وأن منظمة التجارة العالمية هي تضم الآن بعد انضمام الصين 143 دولة تقريباً 110 هي أساساً دول نامية كما توصف، هل تعتقد بأن القضية هذه مطروحة في أروقة المؤتمر، وقضية الثقة، وقضية رؤوس الأموال، وغيرها؟
عبد الحميد ممدوح: والله موضوع الاستثمار أحد الموضوعات المطروحة في مؤتمر الدوحة، وهناك صيغة للتفاوض على اتفاقية دولية للاستثمار، هل نبدأ مفاوضات أو لا نبدأ، موضوع مضاربة بالرأي دلوقتي ومش مفيد الدخول فيه، ولكن ما هو واقع وثابت حالياً هو إن هناك مفاوضات جارية ودخلت.. قاربت على نهاية السنة الثانية منها، وهي المفاوضات لتحرير تجارة الخدمات، وتجارة الخدمات في ظل منظمة التجارة العالمية تتضمن في طياتها اتفاقية تحرير تجارة الخدمات بتغطي الاستثمار في قطاع الخدمات، يعني الاستثمار في إنشاء الاتصالات، خدمات الاتصالات السلكية واللاسلكية، البنوك، التأمين، سوق المال، كافة أنواع الخدمات التي يمكن الاتجار فيها. وعادة ما نغفل عن الواقع الاقتصادي وهو إن قطاع الخدمات في الاقتصاديات المتقدمة يمثل الجزء الأكبر، يعني في الولايات المتحدة على سبيل المثال قطاع الخدمات يمثل أكتر من 80% من الناتج القومي الإجمالي، يعني كل ما تنتجه الولايات المتحدة من سلع زراعية أو سلع صناعية، أو تعدين، لا يتعدى 17، 18%، الباقي خدمات، حتى في دولة زي مصر قطاع الخدمات فيها بيمثل أكثر من.. من 60% يُقارب 65% من الناتج القومي الإجمالي، كل دي بتمثل استثمارات بالدرجة الأولى، قوى عاملة بالدرجة التانية، وبالدرجة التالتة الاتجار في الخدمات التي يمكن إرسالها عبر الحدود من خلال خدمات الاتصال زي التجارة الإلكترونية. فجاري بالفعل التفاوض حالياً في إطار المنظمة على تحرير تجارة الخدمات، دي هيترتب عليها أيه؟ إن تحرير أسواق الخدمات المالية على سبيل المثال هيترتب عليه إن بنوك أجنبية، سواء من أميركا الشمالية أو من أوروبا هتفتح فروع، أو هتفتح شركات تأمين، أو شركات الحفر والتعدين، أو شركات الاستشارات، أو الشركات الاتصالات، هتبدأ في تحويل رؤوس أموال جديدة لأسواق الدول النامية اللي في حاجة لتطوير قطاعات الخدمات فيها، وفي حاجة لتطوير الهياكل الأساسية، نرى النهاردة في قطاع الخدمات إقبال متزايد من الدول النامية على تحرير قطاعات الخدمات فيها، ومنها مصر على سبيل المثال، مصر بتحرر الخدمات المالية، بتحرر خدمات الاتصالات، وبتحررها بأسلوب فردي حتى مش في إطار مفاوضات، ليه؟ لجذب الاستثمارات الأجنبية، في حين إنني أتفق مع الأستاذ طلال من حيث المبدأ، ولكن يجب أن نأخذ في الاعتبار إن تحرير تجارة الخدمات سيترتب عليه تحويلات رأسمالية من الدول المتقدمة إلى الدول النامية على مدى السنوات القادمة.
طلال أبو غزالة: ذكر إذا سمحت لي..
[فاصل إعلاني]
محمد كريشان: بالنسبة لضيفنا في واشنطن السيد منذر سليمان يعني نأسف أطلنا حتى عدنا إليك، سيد سليمان، الديمقراطية في نظر عديدين كانت يمكن أن تحد الكثير من الفساد النازف لخيرات عديد الدول النامية، وكان هناك انطباع بأن واشنطن من بين الدول التي ربما تحفز هذه التجارب الديمقراطية سواءً في البلاد العربية أو غيرها، الآن مع إعطاء الأولوية للأمن قبل كل شيء، هل يُخشى تراجع في دعم الديمقراطية وبالتالي يُصبح.. تصبح واشنطن أكثر غضاً للبصر على كل التجاوزات المتعلقة بحقوق الإنسان في الدول العربية وغيرها، لأن الأولوية هي أولوية أمنية قبل كل شيء آخر؟
نأسف يبدو سيد سليمان لا يسمعنا، أطرح نفس السؤال على محمود بوناب هنا في الأستوديو.
محمود بوناب: الحقيقة أن المشاغل الحالية بالنسبة للغرب هي مشاغل أمنية بالدرجة الأولى خصوصاً في الولايات المتحدة، لكن ما يهمنا تقريباً هنا هو المشاغل العربية، أو بالأحرى التطلعات العربية، العرب طبعاً منشغلون بما يجري حولهم في الولايات المتحدة وفي العالم، العرب يتابعون بقلق كبير، خصوصاً وأن محل التهمة المباشرة هم شخصياً، فضلاً عن ذلك أن أوضاعهم الداخلية ليست على ما يرام، يعني من موريتانيا إلى اليمن لا يوجد بلد يقدر يقول لك: إنه والله أنا وضعي سليم ووضعي جيد. لكن الآن مشاكل العالم العربي المطروحة هي مشاكل مُلحة، أمام التسرع أو التسارع نحو فرض نسق جديد في مفاوضات تجارية ستبدأ ربما هنا من الدوحة أمام الشراكة التي أبرمتها العديد من الدول العربية مع الاتحاد الأوروبي، وهنالك دول بصدد التفاوض مع الاتحاد حول هذه الشراكة التي ستغير معطيات كثيرة داخل هذه الدول، أعتقد أن الأهم هو الإصلاح السياسي، نحن لا يمكن أن ندخل سباق (Formula 1) اقتصادي بسيارة يعود تاريخ صنعها إلى عام 50 أو عام 40، هذا مش منطقي، وأعتقد أن هذا وضع العالم العربي اليوم في المعادلة الاقتصادية الدولية. العالم العربي مغيَّب اقتصادياً لأنه مهمَّش سياسياً، وهو الذي اختار التهميش، لا يجب أن نحمل أحداً مسؤولية تهميش العالم العربي سياسياً، الأنظمة العربية اختارت لنفسها هذا المنهج وسلكته منذ عشرات السنين في.. يعني بأساليب بالية تجاوزتها الأحداث، وبالتالي يجب إجراء مراجعة للذات وعملية نقد ذاتي حتى وإن كانت أليمة جداً بالنسبة لكل الدول العربية فيما يتعلق بالإصلاح السياسي الضروري، لمواكبة الانفتاح الاقتصادي، ولمواكبة تحرير التجارة العالمية، ولاستقطاب الاستثمارات، الاستثمارات لا تأتي إلا لدول مستقرة، هل لك أن تقول لي، أو أن تؤكد لي، أو أن تبصم لي في ورقة من هي الدولة العربية المستقرة، أو التي النظام السياسي فيها مستقر خلال العشرين سنة الماضية؟ الاستثمار لا يمكن أن يأتي إلا للدول التي لها ضمانات، التي اعتمدت دولة القانون، التي اعتمدت دولة المؤسسات، التي اعتمدت الإصلاح السياسي، الإصلاح الإعلامي، الإصلاح الثقافي، لا يجب أن ننسى البرامج التعليمية، البرامج التعليمية لدينا بالية وهزيلة جداً ولا تواكب تطورات العصر الحديث، نحن في حاجة مُلحَّة إلى مراجعة الذات، ومراجعة النفس قبل أن ننطلق في هذه المسارات السريعة التي لا نملك لها وسائل السباق مثلما قلت قبل حين فيما يتعلق بسباق الـ (Formula 1)، والسيارة التابعة أو المصنوعة عام 40.
محمد كريشان: إذن باختصار الأمل في عودة.. عودة الاستثمارات إلى الداخل العربي مستبعد برأيك؟
محمود بوناب: وأشاطر تماماً الأستاذ طلال أبو غزالة في أن هذا مستبعد، ربما قد تنتقل من.. من أميركا إلى أوروبا، أو ربما تزيد في أوروبا.
محمد كريشان: تبحث عن وطن آخر.
محمود بوناب: لكن تبحث عن وطن آخر، لكن مستبعد جداً أن تعود الرساميل العربية إلى البلاد العربية التي هي في أشد الحاجة إليها.
محمد كريشان: سيد منذر سليمان في.. في واشنطن، إعطاء الولايات المتحدة الأولوية للأمن داخلياً بالتأكيد سينعكس على طبيعة علاقاتها مع عديد الدول ومن بينها الدول العربية، هل تعتقد بأن ما كان يعتبره البعض على الأقل دعماً أميركياً لتجارب تحررية وديمقراطية في بعض الدول الغربية سينتكس، لأن بالنسبة لواشنطن الأولوية للأمن في الداخل وفي الخارج؟
منذر سليمان: هل ذكرت أن الولايات المتحدة كانت تدعو إلى دعم حركات تحررية في داخل الوطن العربي؟ هل هذا ما قصدته؟
محمد كريشان: لا.. لا، لا ما.. ما يعتبره البعض دعماً لبعض التجارب الديمقراطية في الدول العربية، ما يعتبره البعض لست أنا على كلٍ..
منذر سليمان: نعم.. نعم، أول شيء دعني لو سمحت أنا انقطعت -بسبب المشاكل التقنية- عنكم كثيراً، لم أسمع معظم ما جرى منذ حوالي نصف ساعة، ولكن فيه ملاحظات سريعة قبل أن أجيبك على هذا السؤال لو سمحت، أولاً: هناك يبدو اتجاه داخل الولايات المتحدة الأميركية نحو الانعزالية إلى حدٍ ما والتدخل الانتقائي في المشاكل الدولية، وهذا ينعكس حتى اقتصادياً، هناك بعض المؤتمرات وبعض المنظمات الدولية تدخل فيها الولايات المتحدة أو لا تدخل حسب رؤيتها لمصالحها الذاتية، ويبدو أن هذا الوضع الأمني الخاص الاستثنائي يساعد أكثر على هذه النزعة الانتقائية، يعني خذ مثالاً على ذلك أن مؤتمر الأمم المتحدة المتعلق بحظر التفجيرات النووية لم تدخل الولايات المتحدة هذا الاجتماع، رغم أن هناك أكثر من حوالي 70 دولة وافقت على مناقشة حظر التجارب النووية، مثلاً هذا على سبيل المثال، وهناك نماذج كثيرة تدل على هذه الانتقائية، أما فيما يتعلق في سؤالك الأساسي: أعتقد أن هناك نمو ذاتي داخل الوطن العربي يُفترض أن يكون هو العامل الحاسم في أي إنضاج لأي تجربة ديمقراطية داخلية، وحتى تاريخياً كانت الولايات المتحدة تتدخل بصورة انتقائية عندما يكون الأمر لدعم بعض التحولات الديمقراطية داخل أو التطورات الاجتماعية داخل البلدان العربية المختلفة، ونجد أن الهاجس الآن، هاجس موضوع الإرهاب هو الذي سيكون المقياس والطريقة التي تتصرف فيها الولايات المتحدة الأميركية أحياناً تشبه طريقة التهديد والوعيد أكثر مما تشبه عملية نشر الأفكار الأميركية الأساسية حول حقوق الإنسان، حول الحرية والعدالة، والتي تتطلع إليها كل دول العالم، بما فيها الدول العربية، لتأخذ من الدستور الأميركي الكثير من القيم والمبادئ التي تستطيع أن تطبقها داخل الأقطار العربية، أعتقد أن هناك انتكاسة ستكون للتحرك نحو الديمقراطية وتعزيز الحريات العامة داخل المجتمعات العربية، إذا كانت داخل الولايات المتحدة هناك اتجاه لحصر الحريات وللتضييق عليها بحجة الضوابط الأمنية وهذا..
محمد كريشان[مقاطعاً]: وهذا بالتأكيد ينعكس على الخارج، سيد منذر سليمان (الباحث في القضايا الإستراتيجية) من واشنطن، شكراً جزيلاً، نشكر أيضاً هنا في الأستوديو محمود بوناب (وهو محلل سياسي)، ومن المؤتمر محللين اقتصاديين -ظلمناهما بإدخالهما في متاهات السياسة- السيد طلال أبو غزالة (وهو رئيس المجمع العربي للمحاسبين القانونيين)، والسيد عبد الحميد ممدوح (مدير قطاع تجارة الخدمات في المنظمة). نشكر الجميع من باحثين سياسيين واقتصاديين في هذه الحلقة التي تداخلت فيها السياسة بالاقتصاد وربما اختلطا. شكراً جزيلاً، وإلى اللقاء.