قضايا الساعة

تيار رفض الخدمة العسكرية في إسرائيل

ظاهرة رفض الخدمة العسكرية في إسرائيل وموقف المجتمع منها، موقف المؤسسة العسكرية الإسرائيلية من الرافضين للخدمة، الأبعاد القانونية لحركة رافضي الخدمة العسكرية في إسرائيل.

مقدم الحلقة:

محمد كريشان

ضيوف الحلقة:

د. ياهودا ماترز: أستاذ فلسفة جامعي
ميخائيل فارب: محامي معني بحركة الرفض
دانيال نوب: المتحدث باسم الخارجية الإسرائيلية

تاريخ الحلقة:

09/02/2003

– ظاهرة رفض الخدمة العسكرية في إسرائيل وموقف المجتمع منها
– موقف المؤسسة العسكرية الإسرائيلية من الرافضين للخدمة

– الأبعاد القانونية لحركة رافضي الخدمة العسكرية في إسرائيل


undefinedمحمد كريشان: عسكريون إسرائيليون تمردوا على جيش الاحتلال وقالوا: لا للعدوان. تساؤلات حول تيار رافضي الخدمة العسكرية في إسرائيل بين تأثير الانتفاضة والوازع الأخلاقي من ناحية وسطوة المؤسسة العسكرية من ناحية أخرى.

السلام عليكم. أبناؤنا يقبعون في السجون، يضربون عن الطعام ويعانون بسبب رفضهم سلطات الاحتلال المعتدية على الملايين بينما أولئك الجنود الذين ينكلون بالفلسطينيين الأبرياء ويقتلون الأطفال والمسنين يتجولون بحرية ومستمرين بالضغط على الزناد.

لم تكن تلك كلمات فلسطينية صادرة عن فتح أو حماس، بل كلمات آباء وأمهات إسرائيليين رفض أبناؤهم الخدمة في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 67 وصدر بيانهم هذا قبل أيام قليلة مواكباً لتدهور حالة اثنين من هؤلاء الجنود أضربوا عن الطعام قبل أسبوعين احتجاجاً على سجنهم. ظاهرة العسكريين الإسرائيليين الرافضين للخدمة في الأراضي المحتلة لأسباب أخلاقية قد تعود إلى أوائل الثمانينات مع غزو لبنان عندما جاهرت بعض الحالات الفردية برفضها المشاركة في عمليات احتلال جديدة خارج نطاق الخط الأخضر، لكنها لفتت إليها الأنظار منذ بداية العام الماضي عندما وقَّع اثنان وخمسون من الضباط والجنود الإسرائيليين بياناً أعلنوا فيه عدم استعدادهم لمواصلة القتال خارج حدود 67 من أجل قمع وتجويع وإذلال شعبٍ بأكمله على حد كلمات البيان. ومثل كرة الثلج تحركت دعوتهم على امتداد العام ليصل عدد هؤلاء الرافضين وفقاً لآخر إحصاء 1074 عسكرياً سُجن منهم في العام الماضي وحده نحو 150 بسبب إصرارهم على الرفض، ياسر أبو النصر رصد الظاهرة من داخل إسرائيل وقدم هذه الصورة.


ظاهرة رفض الخدمة العسكرية في إسرائيل وموقف المجتمع منها

تقرير/ ياسر أبو النصر: مظاهر الحياة الوادعة التي يوحي بها مشهد كهذا في شارع بن يهودا في قلب القدس الغربية هي حلم جيل العشرينات الإسرائيلي، ذلك الجيل الذي فُرض عليه أن يودِّع حياته المدنية لمدة ثلاث سنوات على الأقل في مقتبل حياته فضلاً من شهر كل عام حتى سن الخمسين، ومعها يودع قيماً ويستقبل أخرى عسكرية قد لا تمت إلى الإنسانية بصلة عندما يتلقى أوامر من قادته بتنفيذ اجتياحات من ذلك النوع الذي نرى ضحاياه من الفلسطينيين كل يوم في نشرات الأخبار.

كابوس يبدد أحلاماً خضراء في أفق رحب وقلب محب وحياة مستقرة، لكن هذا ليس قدراً، هذا ما تؤكده حركة رفض الخدمة العسكرية الآخذة في الاتساع منذ مطلع العام الماضي في إسرائيل، ولأفرادها منطق خاص يستميتون في الدفاع عنه.

إيال هاير وفيني (ضابط احتياط معارض للخدمة في الأراضي المحتلة): أعتقد أن الأعمال التي تقوم بها القوات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة هي في نظر القانون الدولي جرائم حرب ولست مستعداً للمشاركة في ذلك، لقد قلت لهم إنني مستعد للخدمة العسكرية في أي بقعة بما في ذلك الحدود الشمالية الخطرة بالقرب من حزب الله أو أي مكان آخر شريطة ألا أخدم بوصفي محتلاً.

ياسر أبو النصر: غير أن البعض تجاوز رفضه الخدمة في المناطق الفلسطينية إلى الامتناع الكامل عن تأديتها أياً كان مكان الخدمة، إيتاي رويف ضابط احتياط آخر يمثل هذه المجموعة، سجن مرات عدة بسبب رفضه مهام انطوت على قمع للفلسطينيين آخرها في أبريل الماضي أثناء عملية الدرع الواقي لمدة ثمانية وعشرين يوماً، بعدها اتخذ قراره برفض الخدمة بشكل مطلق.

إيتاي رويف (ضابط احتياط رافض للخدمة العسكرية): كتيبتي احتلت بيت لحم بنجاح من غيري، ولم أستطع برفضي أن أمنع أشياء كثيرة، لكن الرفض يتعدى نفوري من العنف والاحتلال إلى كونه وسيلة لإعلاء صوت القانون المدني وهي رسالة عالمية تندد بصوت عالٍ بنظام يخلق ضحايا ويريد أن نكون نحن آلته ووسيلته في ذلك، لذلك اتخذت قراري بالخروج من هذه الدائرة رغم كوني مواطناً إسرائيلياً صالحاً والعبرية هي لغتي الأم.

ياسر أبو النصر: إيال وإيتان ليس سوى نموذجين من نحو 1100 من رافضي الخدمة يتوزعون على أربع منظمات أهلية تعمل الآن بشتى السبل للترويج لمبدأهم وإضفاء الشرعية عليه، ومن بينها المواجهة القانونية.

محكمة العدل الإسرائيلية العليا التي نقف أمامها الآن كانت ساحة لجدل محتدم عندما حاول مجموعة من الضباط رافضي الخدمة في المناطق الفلسطينية انتزاع قرار باعتبارهم معارضي رأي. أصمَّت المحكمة أذنها عن سماع حيثياتهم، لكن دعوتهم وجدت أصداءً لا بأس بها لدى قطاعات من الرأي العام الإسرائيلي والجمعيات الأهلية، ومن مظاهر ذلك الصدى توقيع 324 من أعضاء السلك التدريسي في ست جامعات على الأقل بياناً أعربوا فيه عن تقديرهم ومساندتهم لطلابهم المجندين من رافضي الخدمة في المناطق المحتلة، وأكدوا استعدادهم الكامل لمساعدة من يتضرر منهم بسبب موقفه ذاك دراسياً أو اقتصادياً، فكان صوتهم الأكاديمي رداً غير ملتبس على المؤسسة القضائية التي خذلت حركة الرفض.

يشاي منوحين (رئيس حركة يوجد حد): لا يمكننا الثقة في أن النظام القضائي سيدعمنا، أعتقد أنه كان من الخطأ أن يحاول بعضنا أخذ القضية إلى المحكمة العليا فهي دائماً تقف في صف الحكومة وتؤيدها في كل ما يتعلق بالاحتلال والخدمة العسكرية، ولا أمل في أن يقبل قضاتها منطق أناس يفضلون السجن على الخدمة في المناطق المحتلة.

ياسر أبو النصر: يشاي منوحين رئيس حركة (يشكيفول) وتعني بالعربية "يوجد حد" هو قائد وحدة دبابات في قوات الاحتياط ومن أوائل الذي أشهروا لاءاتهم في وجه الجيش أثناء اجتياح جنوب لبنان في العام 82، منوحين يكرِّس حركته الآن لمساندة الجنود الرافضين بدءاً من مدهم بالاستشارات والمعلومات الفنية التي تعينهم على التعامل مع الموقف وانتهاءً برعاية من يحتاج الدعم من أسرهم أثناء وجودهم في السجن، وقد اكتسبت حركته قدراً من الشعبية مع تزايد أعداد الذين يُزجُّ بهم في السجون العسكرية بسبب رفض الخدمة.

مدة البقاء في السجن العسكري لهؤلاء الرافضين تتراوح في العادة بين 15 يوماً وشهرين، لكنها في حالة الشاب (جوناثان بن آرتس) ممتدة منذ 6 شهور من دون أي أفق في الإفراج، فجوناثان طالب الفيزياء المتفوق في الجامعة العبرية ذو العشرين عاماً يرفض الخدمة العسكرية في الأراضي الفلسطينية كلما أطلق سراحه، فيعاد مجدداً إلى السجن، وموقفه ذاك يحظى بتأييد والديه الأستاذين الجامعيين اللذين تصادف أن عادا لتوهما من زيارته في السجن عندما ذهبنا لزيارتهما.

مثانيا بن آرتس (والد جوناثان): بالتأكيد من الصعب على الوالدين أن يريا ابنيهما في السجن، ولكنه اتخذ قراره بنفسه، ونحن فخورون به، لقد قرر عدم المشاركة في قوات الاحتلال أو أي عمل عنيف، وفلسفته أن هناك بالتأكيد مخرجاً آخر غير العنف.

ياسر أبو النصر: المفاجأة التي صادفتنا ونحن في منزل جوناثان أن عمة هذا الشاب المبدئي صاحب التوجهات السلمية هي زوجة (بنيامين نتنياهو) قطب اليمين الليكودي البارز الأكثر إنكاراً للحقوق الفلسطينية، فقد وحدت حركة الرفض أطيافاً شديدة التباين في المجتمع الإسرائيلي اختلفت في السن والمستوى الاجتماعي والثقافي لكنها اتفقت على أن الجيش الإسرائيلي بممارساته ضد الفلسطينيين لم يمنح شبابهم سوى القليل من الاستقرار، والكثير من الدموع والأكفان.

هذا هو رأي 1100 من رافضي الخدمة وذويهم ومن يساندونهم من دعاة السلام، ولكن ماذا عن أغلبية المجتمع الإسرائيلي التي أعطت أصواتها لليكود، وجددت لشارون بيعة الدم؟!

محمد كريشان: مع أهمية رصد هذه الظاهرة في المجتمع الإسرائيلي تبقى المسألة الأهم ما تمثله حقيقة داخل حِراك هذا المجتمع وآفاق استمرارها أو تطورها، حول هذا الموضوع معنا من تل أبيب الدكتور ياهودا ملتزر (الناشر وأستاذ الفلسفة الإسرائيلي) دكتور، ما الذي تمثله حقيقةً هذه الظاهرة في المجتمع الإسرائيلي؟

د. ياهودا ملتزر: نعم، يجب أن يكون.. أن تكون أكثر تحديداً، فمن المهم جداً أن ندرك بأنه على الرغم من أن الاحتلال بدأ بعد 1979.. 97 إلا أن هذه الحركة بدأت قبل ذلك بكثير، وهي بدء الحرب اللبنانية عام 1982، فقد بدأت مجموعة في القدس وتل أبيب واجتمعتا معاً، بضعة مئات من الأفراد الذين أعلنوا أنهم بدءوا بحركة، وكانت في هذه المرحلة هي مجرد أفراد قلة رفضوا الانضمام إلى سلك العسكرية وزُجُّوا إلى السجون، لكن كانت هذه المجموعة تعني أن هنالك حدود وهي تعني أيضاً أن الجيش الإسرائيلي يجب أن يحمي حدوده ولا يعيرها ومعنى الكلمة أيضا -اسم هذه المجموعة- يعني أنه يكفينا ما حصل حتى الآن، وهنالك حدود لما حدث حتى الآن، من المهم أيضاً أن ندرك أن هذه الحركة المبنية على أسس قانونية وسياسية على الرغم من أننا نأخذ النظام القانوني والسياسي بإسرائيل على محمل الجد فمن المهم أن ندرك أنه على الرغم من أننا ضد الاحتلال إلا أنه لا يوجد عدد كثير من الناس الذين ينضمون في هذا الاتجاه، هم ليسوا مع اليسار بل هم مجرد ضد ما يقوم به الجيش الإسرائيلي منذ حرب لبنان.

محمد كريشان: يعني.. يعني عفواً دكتور الظاهرة بدأت منذ حرب لبنان صحيح، ولكن ما هو دور الانتفاضة الفلسطينية في تعميق هذا التيار؟

د. ياهودا ملتزر: ما من شك في ذلك، لقد بدأت كحركة كما قلت منذ حرب لبنان ومن ثم الموجة التالية التي كانت أكثر تأثيراً وهي بدء الانتفاضة الأولى وما أدركناه الآن وما نشاهده الآن أن هنالك موجة جديدة من الرفض وبدأت الآن تأخذ بعض القوة وشكل جديد وهي بدأت بعد الانتفاضة الثانية وفشل كامب ديفيد.. معاهدة كامب ديفيد، والآن علينا أن نفهم أن الأمر الأساسي بالنسبة لرفض العسكرية في إسرائيل وهذه الحركة هم ليس فقط أفراد رفضوا الانضمام للعسكرية، نحن لسنا كذلك، ونحن مجرد هي حركة من العسكريين احتياطيين وأيضاً من الجنود، لكنها هي الحركة للرفض الانتقائي أو الاختياري من أشخاص عبَّروا عن رفضهم وكانوا يخدمون أصلاً في الجيش وهذه..

محمد كريشان: ولكن.. عفواً ما هي نظرة المجتمع إليهم؟ يعني بعض التقارير تصفهم بالخونة، بعضهم بالأبطال، بعضهم بالسذج، يعني ما هي نظرة المجتمع إجمالاً لهذا التيار؟

د. ياهودا ملتزر: هي حركة من الأقلية وهي غير مقبولة ليس للإجماع في إسرائيل فقط، بل هي غير مقبولة لبعض الأشخاص في حركة السلام الذين يقولون أن هذه فاقت الحدود، فعلينا أن نجد جميع الحركات السياسية والقانونية لوضع حد للاحتلال، لكن ليس من خلال الامتناع عن الخدمة، نعم هنالك رفض كبير يتم ذلك ويعبر عنه الكثير من الأشخاص، بشكل شخصي ومن خلال الإعلام والصحف، لكن على الرغم من ذلك فيه هنالك بعض الأحيان وبعض الحالات يتم فيها التعبير بشكل عنيف ضد الرافضين، وهذه حقيقة، وهذه حقيقة تسرنا في أن هنالك دوماً موجة جديدة تتجدد كل فترة من الشباب الذين يعترضون ولا يقبلون الخدمة حتى كما يحدث الآن حيث يوجد أكثر..

محمد كريشان[مقاطعاً]: يعني هل.. هل النظرة إليهم عموماً نظرة سلبية، رغم أنهم يعتقدون بأنهم يفعلون ذلك استناداً حتى.. لما يعتبرونه إرثا يهودياً خالصاً وأخلاقياً؟

د. ياهودا ملتزر: نعم، بالتأكيد هذا يتطلب شجاعة كبيرة في ظل الثقافة والإرث الإسرائيلي والتاريخ الإسرائيلي، بعد تقريباً نصف قرن من الوجود الإسرائيلي لشاب مثلاً من المفترض منه أن ينضم للخدمة في العسكرية كالجميع.. الآخرين، ويقف في مرحلة من المراحل ويعلن رفضه في الانضمام، هذا فعلاً يتطلب شجاعة كبيرة ويمارسها أمام الجميع، لأن الرفض من المجتمع يأتي -كما قلت- أنه هؤلاء الشباب يرفضون الإرث الذي هم حملوه.. دوماً.

محمد كريشان: لماذا عجزت أحزاب المعارضة وأساساً حركة السلام في إسرائيل على توظيف هؤلاء وفي.. في معركة المؤيدين للتسوية والمعارضين لها في إسرائيل؟

د. ياهودا ملتزر: أخشى أنهم يفعلون العكس فحركة السلام بشكل عام في إسرائيل والأحزاب السياسية التي تعتبر يسارية في إسرائيل عادة ما تنظر إلى الرافضين مجموعة الرفض كسبب يدعو للحرج بالنسبة لهم، فما من شك أن جزء من الصعوبة في رفض الانضمام للخدمة العسكرية ليس فقط الحقوق بل هو اليسار وما يُدعى باليسار الإسرائيلي، وحركة السلام هما أيضاً لا يحبون هذه الظاهرة ولا يرحبون بها.

محمد كريشان: رفض الخدمة العسكرية في إسرائيل قضية سياسية أم عسكرية.

بعد الفاصل: نظرة في منطق المؤسسة العسكرية الإسرائيلية في سجن الممتنعين والدفوع القانونية لحركة الرافضين.

[فاصل إعلاني]

موقف المؤسسة العسكرية الإسرائيلية من الرافضين للخدمة

محمد كريشان: بدا طبيعياً ونحن نعالج قضية على هذه الدرجة من الحساسية بالنسبة للمجتمع الإسرائيلي أن نسعى لاستجلاء موقف المؤسسة العسكرية إعمالاً بمبدأ الموضوعية في التناول الإعلامي، لكن مسؤولي الجيش طلبوا في سياق من التردد أسئلة المقابلة مكتوبة أولاً، ورغم أننا قدمنا خطوطاً عامة لما نريده من وراء هذا التحقيق، وليس أسئلة تفصيلية لتعارض ذلك بطبيعة الحال مع الأعراف المهنية السليمة، فقد أحالنا الجيش إلى الخارجية الإسرائيلية باعتبارها -كما قيل- الجهة المخولة بالحديث في هذا الأمر.

جيفارا البديري وجهت أسئلتها إلى دانيال توب (المتحدث باسم الخارجية) وسألته أولاً كيف تنظر المؤسسة العسكرية ومن ورائها الدولة العبرية إلى حركة رفض الخدمة العسكرية في المناطق المحتلة.

دانيال توب: للجيش الإسرائيلي وظيفته الأساسية، وهي الدفاع عن حياة الإسرائيليين، ولا يمكن تأدية هذه الوظيفة لو كان الجنود مخيَّرين في قبول أو رفض تأديتها، أو أن يكون لكل منهم الحق في أن يختار الزمان والمكان الذي يريد تأديتها فيه، لا يوجد جيش يعمل بهذه الطريقة، ومن ثم لا يمكن للجيش الإسرائيلي السماح للبعض داخله بشيء وللآخرين بغيره، إن ذلك لو حدث سيكون تفرقة وشيء غير عادل.

جيفارا البديري: حركة الرافضين للخدمة الإجبارية داخل الجيش الإسرائيلي بدأ بشكل فردي، اليوم أصبح تحت إطار شبه منظم، كان ذلك مع توقيع 50 جندياً بياناً رفضوا من خلاله الخدمة في داخل الأراضي المحتلة، كان ذلك في كانون الثاني/ يناير الماضي، ولكن الآن العدد ارتفع ليصل إلى ما يزيد عن ألف جندي، اتساع حجم هذه الظاهرة ما هو صداه داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية؟ ألا يثير قلقها؟

دانيال توب: أعتقد أن عليكي القبول بأن هذه ظاهرة هامشية، وحتى لو كان الرقم الذي ذكرته صحيحاً فلا يعني توقيع ألف شخص على ورقة أنهم سوف يمتنعون عن أداء واجباتهم العسكرية، فالجميع تقريباً من بين البالغين في إسرائيل يؤدون الخدمة العسكرية إدراكا منهم لأهمية الدفاع عن بلدهم، إن أيّاً منا لا يجب أن يترك أسرته وأطفاله ووظيفته كي ينخرط في الخدمة العسكرية، ولا شك أن المكوث في البيت أفضل، لكن لسوء الحظ فإننا نعاني من سنتين من إرهاب مستمر، وفي موقف كهذا لا يمكن للأغلبية العظمى من الناس أن تمتنع عن الدفاع عن نفسها وعن بلدها، وهذا ما يقومون به بالفعل.

جيفار البديري: ولكن ألا تعتقد أن تيار الرفض في داخل الجيش الإسرائيلي يقول صراحة: أنه يريد دولتين منفصلتين، وبالتالي هو لا يريد العمل في الأراضي المحتلة؟

دانيال توب: لديهم طرقٌ عديدة للتعبير عن ذلك، إن فكرة الدولتين يمكن أن يُعبَّر عنها سياسياً بواسطة الأحزاب، إنها مسألة سياسية، ولكن في الوقت الراهن، ولحين بداية حوار سياسي بشأنها، يجب أن نستمر في الدفاع عن أنفسنا.

أنتِ تعلمين أنه في الوقت الذي تتحدث فيه أنتِ وأنا الآن يقوم أناس شريرون في قلب مدن الضفة وقطاع غزة بإعداد القنابل وأحزمة المتفجرات كي يفجروا أنفسهم بين أسرنا وأطفالنا، ولسوء الحظ فإننا لا نملك رفاهية عدم مواجهتهم، إن علينا أن نحاول وقفهم ولو قرر بعضنا رفض ذلك.

جيفارا البديري: سؤالنا الأخير: هناك تأكيدات من حركة أو تيار الرفض في داخل الجيش أنه يتم اعتقال هؤلاء الجنود بشكل متكرر، ألا تعتقد أن هذا مسيء لسمعة الدولة العبرية والجيش الإسرائيلي، خاصة وأنه يتناقض مع الحريات الشخصية والديمقراطية في إسرائيل، ما هو تعليقكم على ذلك؟

دانيال توب: إن ذلك سؤال صعب على الديمقراطية أن تتعامل معه، لأننا أمام اثنتين من القيم المهمة، الأولى الحق في الحرية الضميرية لكل فرد، والأخرى واجب المساهمة المتساوية في المسؤوليات دفاعاً عن أمننا، ولهذا فقد تم اللجوء للمحكمة العليا، وهي تقرر ما إذا كان ما تفعله العسكرية الإسرائيلية مناسباً، سوف تدرس المحكمة كل حالة على حدة، وكيف يكون التصرف فيها، وككل الديمقراطيات في العالم على الكل أن يؤدُّوا ما عليهم من واجبات أو مسؤوليات قانونية، ولا أظن أن ذلك يعكس شيئاً خطأ، ولكن يعكس ديمقراطيتنا ونضالنا من أجل الحريات الأساسية.

الأبعاد القانونية لحركة رافضي الخدمة العسكرية في إسرائيل

محمد كريشان: لم يكتفِ الرافضون للخدمة العسكرية في إسرائيل بالإصرار على موقفهم بل خاضوا معارك قانونية ولا يزالون لإثبات أن موقفهم هذا لا يشكل تمرداً ينتقص من الوطنية.

حول الأبعاد القانونية لهذه القضية معنا المحامي ميخائيل فارب أحد الذين تابعوا قضايا من هذا النوع.

سيد فارب، أولاً اللجوء إلى المحكمة العليا لحل هذه القضية هل تراه أسلوباً ناجعاً؟

ميخائيل فارب: بداية مساء الخير، أعتقد أنه ليس لدينا خيارات كثيرة لنقرر ما نفعله بعد سنتين من الانتفاضة، وبعد رفض أكثر من 100 شخص للانضمام إلى صفوف الجيش، يجب أن نحاكم هؤلاء الأفراد ونعرف ماذا يحدث أعتقد أننا حققنا بعض النجاح في محكمة الاستثناء، فهنالك في حجج المحامين قالوا أنه يجب أن يؤخذ رفض هؤلاء الأشخاص ليس سياسياً.. ليس أمراً سياسياً بل هو مجرد جنحة مدنية، ولكن هذا الرفض كان.. مبررات الرفض كانت اعتبرت على أنها.. على أنها عسكرية ورفض عسكري، أعتقد أن هذا أمر مهم جداً بالنسبة لنا أن تكون المحكمة العليا الإسرائيلية قد وافقت وأعلنت مدى صحة هذه الادعاءات لدينا، وبالطبع في الوقت ذاته والمحكمة العليا لم تعلن أنه رفض الخدمة في الأراضي المحتلة هو أمر قانوني، وطلبت من الأشخاص الأعضاء في هذه الحركة من أن.. أنه فعلاً سيتم حبسهم.

محمد كريشان: ولكن هل المحاكم الإسرائيلية تنظر لهذا الموضوع حالة بحالة، أم كقضية وكظاهرة اجتماعية عامة؟

ميخائيل فارب: في الواقع عليَّ أن أوضح بعض الشيء كيفية تحقيق هذه الأمور في الحقيقة وفي الواقع فعندما يرفض عسكري أوامره في الخدمة لا يتم الحكم عليه من خلال محكمة بل من خلال رئيسه في العسكرية، بل هي محكمة عسكرية وليست محكمة جنائية وفي معظم الأحيان لا توصل هذه القضايا إلى محكمة العدل بل الحكم السجن ما بين 15 يوم إلى شهر وبعضهم يتكرر حبسهم مثل (جوناثان بن آرتس) حبس وهذه ثامن مرة يحبس فيها خلال أو قضى نصف سنة تقريباً في السجن.

محمد كريشان: يعني تحديداً لماذا.. لماذا هذا التكرار لسجن أناس دون غيرهم، هل من تفسير قانوني لهذه الظاهرة؟

ميخائيل فارب: نعم، في إسرائيل لدينا نظام هو هنالك أن فئتين من العسكريين، هنالك خدمة إجبارية بين الثامنة عشر والواحد والعشرين من العمر، كل شاب إسرائيلي.. شاب وفتاة عليهم الخدمة في العسكرية، هؤلاء إذا رفضوا يتم سجنهم بشكل متكرر لأنهم بعد أن ينهوا الحبس.. مدة الحبس يعاد الطلب منهم للخدمة في مواقعهم.

أما الآخرين وهم الاحتياط يتم حبسهم تقريباً مرة واحدة في السنة عندما يدعوا.. يطلبون للخدمة؟

محمد كريشان: هناك من يعتقد ورأينا ذلك حتى في التقرير أن اللجوء إلى المحكمة العليا كان خطأً لأن هذه المحكمة عادة ما تقف باستمرار تقريباً إلى جانب رأي الحكومة في كل المسائل التي تعرض عليها؟

ميخائيل فارب: حسناً، بوسعي أن أفهم لماذا يعتقد الناس كذلك، لأننا هذه المحكمة العليا في إسرائيل لديها في معظم الأحيان قرارات صحيح كما يقولون، ولكن في بعض الأحيان تقف مع الفلسطينيين ومع حقوق الإنسان، على الرغم من أن في هذه الحالات تكون حالات صعبة جداً، ونتكبد فيها عناء كبير، والفرص ليست كثيرة، لكن ما أن يسمع العامة في إسرائيل عن العدل في هذه المحكمة، وأن هؤلاء الرافضين يقومون بشيء أخلاقي من وجهة نظرهم وهذا الشيء لا.. لا.. ليس لتحريض العامة بإجراء شيء سياسي بل هم بالأساس وبشكل صادق لا يسعهم الاستمرار بتنفيذ المهام التي تطلب منهم في.. في الأراضي المحتلة، عندما يفهم الناس هذا الأمر هذا سيكون نجاح كبير وأيضاً بشكل عام القرار الإجمالي هو لن يتم قبل قبول الالتماس، هذه مجرد خطوة واحدة، وإجراء واحد قمنا به من خلال إجراءات عديدة يمكن القيام بها.

محمد كريشان: في الجيش الإسرائيلي هناك ظاهرة الهروب من الخدمة وهناك أيضاً ظاهرة ترك الجيش حتى لأسباب اقتصادية بحثاً عن العمل، لماذا إسرائيل تتعامل بصرامة أكثر مع الرافضين للخدمة تحديداً؟

ميخائيل فارب: في أي جيش العمل به يكون مبني على أساس النظام والطاعة.. طاعة الأوامر وإسرائيل لا تختلف عن أي جيش آخر، فهي تتطلب الطاعة من الأفراد في الجيش، ولهذا السبب أعتقد أن الجيش الإسرائيلي أن قبل قبول الرفض يقلل من أهمية العمل ويقوض العمل في الخدمة داخل الأراضي المحتلة وهذا أيضاً هم يعتقدون أن الممارسات التي تتم في الأراضي المحتلة تجعلهم يبررون رفضهم للالتحاق بالخدمة.

محمد كريشان: سيد ميخائيل فارب، شكراً جزيلاً لك.

وبهذا نصل إلى نهاية هذه الحلقة، دمتم في رعاية الله وإلى اللقاء.