قضايا الساعة

الأزمة النووية بين كوريا الشمالية وأميركا

كوريا الشمالية تهدد بتطوير صواريخ بعيدة المدى إذا فرضت الولايات المتحدة تدويل الأزمة النووية، مدافع الدبلوماسية وحدها تتحرك تحت ضغوط مكثفة من دول الجوار، تساؤلات عن ملابسات الأزمة ودلالات الموقف الأميركي ودور الدول المجاورة.

مقدم الحلقة:

محمد كريشان

ضيوف الحلقة:

بول تشامبرلين: مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية
البروفيسور بان شوي تونغ: مركز الدراسات بجامعة تشينغهوا

تاريخ الحلقة:

26/01/2003

– أبرز الأسلحة الإستراتيجية في ترسانة كوريا الشمالية
– ملابسات الأزمة النووية ودلالات الموقف الأميركي منها

– دور دول الجوار في دعم الخيار السلمي لحل الأزمة الكورية


undefinedمحمد كريشان: كوريا الشمالية تهدد بتطوير صواريخ أبعد مدى إذا فرضت الولايات المتحدة تدويل الأزمة النووية، ومدافع الدبلوماسية وحدها تتحرك، تساؤلات حول ملابسات الأزمة ودلالات الموقف الأميركي ودور الدول المجاورة.

السلام عليكم، من جديد تؤكد واشنطن هذه المرة على لسان وزير خارجيتها (كولن باول) في منتدى دافوس أنها لا تنوي بتاتاً شن هجوم على كوريا الشمالية بسبب استئناف برنامجها النووي، إلا أنها في الوقت نفسه تبقي كل الخيارات مفتوحة، ومع أن كوريا الشمالية هي أحد الأضلاع الثلاثة لمحور الشر وفق التصنيف الأميركي إلا أن تعامل واشنطن المختلف مع الضلع العراقي سبَّب لها الكثير من الحرج وجعلها وحليفتها البريطانية عرضة لتهم النفاق وتخبط المعايير، ورغم أن اقتصاد كوريا الجنوبية هو 37 مرة اقتصاد كوريا الشمالية وعدد سكانها هو الضعف إلا أن كوريا الشمالية هي من استطاع أن يفرض نفسه على مسرح الأحداث الدولية ومن زاوية باتت تقض مضاجع القوى الكبرى، أسلحة التدمير الشامل. زياد بركات يستعرض أبرز ما في ترسانة كوريا الشمالية من أسلحة استراتيجية.


أبرز الأسلحة الإستراتيجية في ترسانة كوريا الشمالية

تقرير/ زياد بركات – قراءة/ رفاه صبح: في ظل انشغال الإدارة الأميركية بالملف العراقي خطفت كوريا الشمالية الأضواء على المسرح العالمي بتحديها الولايات المتحدة في خاصرتها الآسيوية، وفي أكتوبر الماضي جاء إعلان بيونج يانج عن استمرارها في برنامجها النووي ليضع واشنطن في موقع لا تحسد عليه خصوصاً بعد طرد آخر مفتشَين تابعين للوكالة الدولية للطاقة الذرية، ورفع الأختام عن أحد المفاعلات النووية، بل إن قيام واشنطن وحلفائها في أوروبا وشرق آسيا بوقف شحنات الوقود إلى بيونج يانج لم يردع الكوريين الشماليين عن تصعيدهم النووي قدر ما دفعهم لتهديد الولايات المتحدة بحرب لا هوادة فيها، وكانت بيونج يانج التي تردد أنها تمتلك قنبلتين نوويتين جمَّدت برامجها النووية عام 94 ضمن اتفاق يقضي ببناء واشنطن وحلفائها مفاعلين للأغراض السلمية في كوريا الشمالية، إضافة إلى تزويدها مجاناً بـ 500 ألف طن من الوقود الثقيل سنوياً إلى حين الانتهاء من بناء المفاعلين.

ولدى كوريا الشمالية أربعة مفاعلات نووية على الأقل، فمفاعل (يونجبيون) الذي أعادت بيونج يانج تشغيله مؤخراً قادر على إنتاج 6 كيلو غرامات من البلوتونيوم سنوياً، وهي كمية كافية لإنتاج قنبلة نووية واحدة على الأقل. ويذهب بعض المحللين الأميركيين أبعد من ذلك، مشيرين إلى أن مفاعل يونجبيون قادر على إنتاج كميات من البلوتونيوم لما يتراوح ما بين 5 إلى 8 قنابل نووية بحلول شهر مايو/ أيار المقبل، ويرى هؤلاء أن بيونج يانج قادرة خلال 5 سنوات على امتلاك 100 سلاح نووي على الأقل، وإضافة إلى ذلك هناك مفاعل آخر في يونجبيون ويعمل في حال تشغيله بطاقة 50 ميجاوات، ومفاعل آخر في (تايشون) ويعمل بطاقة 200 ميجاوات، ومفاعل رابع قرب بيونج يانج وهو في حقيقة مختبر علمي قادر على إنتاج ومعالجة كميات قليلة من البلوتونيوم، وإلى ذلك هناك مفاعل سلمي يعمل بالماء الخفيف في (كومهو).

ولدى كوريا الشمالية ترسانة ضخمة من الصواريخ الباليستية فإضافة إلى حيازتها 500 صاروخ سكود هناك صواريخ (نودونغ إم. آر. إم. بي) التي تصل مداها إلى 1300 كيلو متر، وفي حال استخدام هذه الصواريخ يمكن لبيونج يانج الهيمنة عسكرياً على شبه الجزيرة الكورية بأسرها، إضافة إلى استهداف السواحل اليابانية.

وكانت بيونج يانج جرَّبت عام 98 نظام تايبودونغ 1 الفضائي لإطلاق الأقمار الاصطناعية والصواريخ طويلة المدى، كما طورت صواريخ تايبودونغ 2 طويلة المدى قبل أن تتراجع عن تجريبها، وفي حال استئناف تطوير نظامي تايبودونغ 1 و2 تستطيع بيونج يانج استهداف المدن الأميركية نفسها.

وفي مواجهة هذه الغابة النووية والصاروخية فإن خيارات الإدارة الأميركية تظل محدودة وتتراوح ما بين اعتماد سياسة العزل والحصار الصارم أو السماح لبيونج يانج بامتلاك قوة ردع نووية مع الالتزام بالشروط التي يميلها عليها مثل هذا الوضع، ما يعني أن القوة وحدها تجعل آخر دولة ستالينية في العالم قادرة على الخروج منتصرة في أزمتها الأخيرة مع الولايات المتحدة.


ملابسات الأزمة النووية ودلالات الموقف الأميركي منها

محمد كريشان: هذا الملف الكوري الشمالي يشكل اختباراً صعباً للاستراتيجية الأميركية الجديدة التي تفضِّل شن هجمات وقائية ضد الدول التي يمكن أن تهدد الولايات المتحدة وحلفاءها بأسلحة التدمير الشامل، لكن واشنطن تنشد هذه المرة مخرجاً سلمياً.

لمناقشة هذا الموضوع معنا من واشنطن السيد بول تشامبرلين (خبير الشوؤن الكورية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن والذي عمل سابقاً ملحقاً عسكرياً أميركياً في سول وألَّف كتاب "كوريا 2010") سيد تشامبرلين، لماذا كل هذا الإصرار الأميركي على تسوية سلمية مع كوريا الشمالية؟

بول تشامبرلين: مساء الخير، وشكراً لكم بداية، إن كوريا الشمالية هي مختلفة عن الدول الأخرى التي تهم الولايات المتحدة، فهي ليست كما نعتبرها دولة عدائية بالمقارنة مثلاً مع العراق، فكوريا الشمالية من المؤكد أنها قامت بأعمال عدائية على كوريا الجنوبية بسبب بعض الأمور التي كانت تخص الدولتين، لكن هذا كان سوء حسابات من.. من جانب الولايات المتحدة، وبالتالي فإن انتشار القوات الأميركية في شبه القارة الكورية عمل كدور رادع على هذه الأزمة، فبالمقارنة مع العراق -على سبيل المثال- التي قامت بمهاجمة إيران، ومن ثم بالهجوم على الكويت في السنوات العشرين الماضية، هذا هو أحد الأسباب الذي يجعل كوريا الشمالية مختلفة وليست دولة عدائية كغيرها من الدول.

ثانياً: كوريا الشمالية أشارت بوضوح أنهم يريدون أن يتفاوضوا للتوصل إلى حل سلمي لهذه المسألة، فبعض المحللين وكثير منهم يعتقدون بأن كوريا الشمالية هي موضوعية وهدفها تحسين علاقاتها مع الولايات المتحدة، وهذا ما يبدو غريباً بعض الشيء، لكن كوريا الشمالية خلال السنوات الخمسة عشر الأخيرة كانت تركز كثيراً على إقامة اتفاقيات مع الولايات المتحدة بهدف إقامة واحتواء الحوار الإيجابي، وهذا الحوار لم يكن بشكل إيجابي ومرضي من جانب بيونج يانج خلال السنوات الأخيرة، وبالتالي قرر أن يتوجه المسار إلى هذا ما وصلت إليه الامور، فبالتالي التوصل إلى حل دبلوماسي هو منسجم مع السياق العام للوضع بين هذه الدولة.

محمد كريشان: ولكن السيد تشامبرلين، أليس غريباً بعض الشيء أن يكون التهديد باللجوء إلى مجلس الأمن هو أقصى ما يمكن أن ينتظر بيونج يانج وهي لديها أسلحة تدمير شامل، بينما الحرب هي أول ما يهدد العراق مع أنه لا شيء يؤكد قطعياً أنه يمتلك؟

بول تشامبرلين: في الواقع من الصعب أن نقارن بين البلدين إذا ما تحدثنا بصراحة، ففي البداية نحن لا نعرف إذا كان لدى كوريا الشمالية فعلاً أي أسلحة نووية، ففي أواخر الثمانينات كان لديهم مفاعل بقوة خمسة ميجاوات وكانوا قادرون.. كانوا قادرين على تحضير بعض الغازات و.. بالتالي استخلاص البلوتونيوم وبالتالي فنحن لسنا قادرين بعد على تحديد قدراتهم حتى الآن، ولا ندري إذا كانوا انتجوا كميات كافية من البلوتونيوم لإعداد أسلحة نووية وفقاً للتقنيات المناسبة، ولا نعرف فعلاً إذا كانوا فعلاً قد أعدوا هذه الأسلحة النووية، فهذا يجب أن يكون لدينا بعض الفرضيات، ونحن فعلاً أمام وضعين مختلفين، فكوريا الشمالية تتعاون مع وكالة الطاقة الدولية منذ عام 94 حتى أسابيع قليلة ماضية، لكن السبب الذي دعاهم أن يطلبوا من المفتشين المغادرة هو لتصعيد هذه الأزمة ولتصعيد الوضع ليصل إلى حد الأزمة ودفع الولايات المتحدة إلى الخوض بمفاوضات مباشرة فقد غيرت الولايات المتحدة سياستها مؤخراً وأعربت عن نيتها في التفاوض مع كوريا الشمالية وحسَّنت علاقاتها لتصل إلى هذا المستوى الحالي، وبالتالي التوصل إلى بعض الحلول.

محمد كريشان: (روبرت إنهورم) وهو رئيس سابق للشعبة.. شعبة آسيا في وزارة الخارجية الأميركية اعتبر بأنه إذا تلكأت واشنطن في التعامل الحازم مع بيونج يانج فإن هذا سينسف سياسة احتواء آسيا وينسف أعمال من الدراسة في هذا المجال، ما رأيك في مثل هذا الرأي؟

بول تشامبرلين: في الواقع إن الولايات المتحدة منذ عام 53 وحتى أوائل التسعينات اتبعت سياسة وهي سياسة الاحتواء وإيجاد الرادع، لكن المسألة النووية التي بدأت في الظهور في أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات أوضحت أن سياسة الردع بحد ذاتها لم تكن كافية لوضع الأهداف الخاصة بالأمن القومي الأميركي، وهذه الأهداف هي المحافظة على السلام والاستقرار في المنطقة إضافة إلى منع انتشار أسلحة.. الأسلحة النووية، وكوريا الشمالية أكدوا على هذه البرامج وركزوا عليها وكانوا يرغبون في التفاوض للتوصل إلى حل، وهذا الحل هو إطار الاتفاقية التي كانت سارية والتي نجحت بشكل فاعل البعض انتقدها، لكن هذا إطار الذي تم الاتفاق عليها تمكن من وقف كوريا الشمالية من إنتاج عشرات الأسلحة حتى الآن، وفي بداية هذا البرنامج كان هنالك إشارة إلى مفاعل نووي بخمسين ميجاوات وآخر بثلاثين إلى ما ذلك، وكانت عاملة أو تحت البناء، لكنهم اتفقوا على إطار عمل تَمكَّن من تجميد العمل في هذه المفاعلات وحتى الآن هنالك وضع تام من الاحتواء ووقف العمليات وبالتالي لا يمكنهم إنتاج أي بلوتونيوم، فهذه المفاعلات تم وقفها من خلال الاتفاقية الإطارية التي تم التوصل إليها مع الولايات المتحدة، وبالتالي فإن المستقبل القريب دون ذلك سيكون صعب، الاحتواء لعب دوراً، لكن التفاوض الفاعل له دور إيجابي أيضاً وإدارة بوش تقبل بهذا الأمر وهذه الحقيقة بأن الحل يكمن في التفاعل وإقامة العلاقات للتوصل إلى حل دبلوماسي.

محمد كريشان: سيد بول تشامبرلين، شكراً جزيلاً لك.

المفارقة في الملف الكوري أنه بقدر ما تبدو قرائن الإدانة لبيونج يانج في تطوير أسلحة تدمير شامل واضحة جلية يبدو حرص المجموعة الدولية أوضح على التسوية السلمية.

بعد الفاصل: نظرة في دور دول الجوار في دعم هذا الخيار.

[فاصل إعلاني]


دور دول الجوار في دعم الخيار السلمي لحل الأزمة الكورية

محمد كريشان: من حسن حظ كوريا الشمالية أن جيرانها جميعاً يؤيدون تسوية سياسية للأزمة الحالية ويعتقدون ولا سيما كوريا الجنوبية أن الضغط على بيونج يانج وعزلها لن يفيد، بل ربما يؤدي إلى نتائج عكسية، وترفض دول الجوار وأساساً الصين واليابان وروسيا إلى جانب كوريا الجنوبية بالطبع يرفضون تدويل الأزمة الكورية ونهج العقوبات ناهيك عن اللجوء إلى القوة. عزت شحرور يذكر من بكين بأبرز محطات البحث عن تسوية يريدها الجميع، ولكن لا أحد يريد دفع استحقاقاتها منفرداً.

تقرير/ عزت شحرور: هنا تكمن نواة ما بات يُعرف بالأزمة النووية الكورية، مفاعل (يونجبيون) هو العقدة وهو الحل، أعادت بيونج يانج تشغيله بعد أن طردت مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية رداً على ما أسمته بالسياسات العدائية للولايات المتحدة تجاهها، واتبعت ذلك بالانسحاب من اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية، هذه التطورات الخطيرة أثارت عاصفة من التحركات الدبلوماسية لمبعوثين من دول مختلفة يجمعهم هدف واحد عنوانه احتواء الأزمة وتسويتها سلمياً، ومع أن معظمهم عاد من بيونج يانج ليؤكد أن هذه التسوية لا يمكن أن تتم بين عشية وضحاها، إلا أنهم أبدوا تفاؤلاً بذلك سرعان ما تبدد مع سعي الولايات المتحدة لتدويل الأزمة.

جون بولتن (نائب وزير الخارجية الأميركي): القضية التي تواجهنا الآن هي إيجاد آلية مناسبة لمناقشة وحل هذه الأزمة بشكل سلمي ودبلوماسي، والمكان المنطقي لذلك -من وجهة نظرنا- هو مجلس الأمن الجهة الدولية المسؤولة عن قضايا الأمن والسلام الدولي.

عزت شحرور: إلا أن للأزمة وجهاً آخر يتمثل في وضع إنساني متردٍ طالب موريس سترونغ (المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة) بفصله عن الأزمة السياسية.

موريس سترونغ (المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة): لن نستطيع جعل الأطفال والمرضى والكبار ضحايا للأزمة السياسية التي لا علاقة لهم بها، وأعتقد أنهم يجب ألا يكونوا ضحاياً، أعتقد أن موقف الولايات المتحدة وموقف دول أخرى يتفق مع هذا، ليس كل الدول بالطبع، ولهذا فإن القضية الإنسانية يجب فصلها عن المسألة السياسية، وهذا ما سمعته أيضاً من حكومة كوريا الشمالية.

عزت شحرور: أما بيونج يانج التي أمعنت في تحدي الإدارة الأميركية منذ أن اعتبرتها أحد أضلاع محور الشر فقد كان ردها سريعاً وحاسماً بإعلانها أن تدويل الأزمة وأي محاولة لفرض عقوبات عليها سيكون بمثابة إعلان للحرب، وذهبت إلى مطالبة الولايات المتحدة بتوقيع اتفاقية عدم اعتداء عليها مهددة بتطوير أنظمتها الصاروخية، هذه التهديدات أثارت قلق الجار الياباني الذي سارع إلى دعوات التهدئة والحوار مستذكراً تجربة صاروخية مماثلة سقطت قبل سنوات قرب أراضيه، بينما سارعت الشقيقة الجنوبية سول إلى نفض يدها من الأزمة باعتبارها ليست طرفاً فيها واستضافت أول محادثات وزارية بين الشطرين منذ اندلاع الأزمة، بل وأعلنت على لسان رئيسها المنتخب أن سياسة الشمس المشرقة ستتواصل مقترحاً قمة مع الزعيم الشمالي (كيم جونج إل) على الرغم من إصرار الشمال على أن حواراً معمقاً وناجحاً بين الجانبين لابد أن يبحث في مستقبل الوجود العسكري الأميركي في شبه الجزيرة الكورية.

هذا التحدي في موقف بيونج يانج يرى فيه البعض أنه يستند إلى استقراءٍ واضح للمشهد الإقليمي الذي يرى ضرورة التوصل إلى تسوية بأي شكل إلا الحل العسكري، ولا يستثنى من ذلك لا اليابان ولا الشقيق اللدود في الجنوب الكوري.

لكن اللافت هو أن الصين الحليفة التقليدية لكوريا الشمالية والتي خاضت إلى جانبها حرباً ضروساً قبل نصف قرن ضد عدوٍ مشترك كانوا يسمونه الامبريالية مازالت مكتفية باستقبال وتوديع المبعوثين الدوليين ولم تتحرك كما توقع كثيرون.

شي بن خونغ (أستاذ العلاقات الدولية في جامعة تشينغهوا): الصين لا يمكن أن توافق على قيام أي طرف بحل عسكري للأزمة، ودبلوماسياً فالصين لا ترغب في لعب هذا الدور، بل إن كوريا الشمالية لم تبدِ حتى الآن أي ترحيب أو تعاون لتحرك صيني، واقتصادياً فإن المساعدات التي تقدمها بكين لبيونج يانج ذات أثر كبير في الاقتصاد الكوري، ولكن يبقى الحصار الاقتصادي وهو ما لم يطرحه المجتمع الدولي بعد بما في ذلك الولايات المتحدة، ولهذا أعتقد أن النظر إلى الدور الذي يمكن أن تلعبه الصين يتم تضخيمه وهو محاولة لدفع الصين إلى الواجهة.

عزت شحرور: بكين التي شقت لنفسها طريقاً تحكمه المصلحة الذاتية والتنمية الاقتصادية بدلاً من الشعارات الأيديولوجية وباتت تنظر غرباً وتسعى لأن تكون قوة إقليمية ودولية مازالت في الوقت نفسه تشترك مع جارتها الكورية في حدود طويلة وينتشر في شمالها الشرقي عدة ملايين من أبناء القومية الكورية وتخشى من أن تداعيات الأزمة قد تدفع باليابان إلى تطوير قدراتها النووية وبالولايات المتحدة إلى زيادة تواجدها العسكري في المنطقة مما سيعقد إمكانية استعادة تايوان سلمياً ويقلب الحسابات الاستراتيجية للصين، كل هذا يفرض عليها التأني والتفكير قبل اتخاذ القرار.

محمد كريشان: رغم هذا الحرص من دول الجوار الكوري على التسوية السلمية يظل لكل بلد منظوره وحساباته، ولمناقشة هذا الموضوع معنا من بكين البروفيسور يان شوي تونغ (من مركز الدراسات الدولية في جامعة تشينغهوا). سيد يان، لماذا تبدو الصين حذرة في البحث عن تسوية لكوريا الشمالية؟

يان شوي تونغ: في الواقع بسبب أن بالنسبة للصين البناء الاقتصادي لهذا البلد هو الأمر المهم جداً، فبالتالي الحل السلمي هو الإطار المناسب وتجنب المواجهات العسكرية مهم جداً لمصلحتنا ولأمننا نحن، ولهذا السبب نحن نخوض هذا الأمر بشكل إيجابي.

محمد كريشان: ولكن موسكو تقدمت بمقترحات، كوريا أيضاً تقدمت بمقترحات، اليابان، بينما الصين لم تقدم ولا فكرة، لماذا مع أنها هي الصديق التقليدي لبيونج يانج؟

يان شوي تونغ: لقد لاحظنا أن روسيا أرسلت مبعوثاً إلى كوريا الشمالية، لكن قد لا تعرفون أن لدينا لجنة صينية تعمل مع كوريا منذ البداية، فبعثنا بكثير من الدبلوماسيين الصينيين والتقوا مع الكوريين الشماليين بشكل متواصل للتوصل إلى حلول مساوية، نحن موقفنا واضح جداً…

محمد كريشان: ولكن.. نعم…

يان شوي تونغ: نحن موقفنا واضح جداً، نحن نسعى إلى حل سلمي ونسعى إلى وقف أي انتشار لأسلحة نووية.

محمد كريشان: نعم، هل من فكرة عن طبيعة المقترحات الصينية؟

يان شوي تونغ: نعم، لدى الصين توصيات ومقترحات وهي إقامة.. إقامة الحوار بين الولايات المتحدة وبكين وكوريا الشمالية ونحن مستعدين لجمع هذه الأطراف وإقامة حوار مفتوح في الصين.

محمد كريشان: نعم، خبير صيني كان استعرض رأيه في.. في التقرير قال بأن كوريا الشمالية لم تتجاوب ولم تطرح دور معين للصين، لماذا برأيك؟

يان شوي تونغ: في الواقع هناك البعض الذين يحاولون مقارنة دور الصين بالدول الأخرى، فعلى المستوى الإقليمي في آسيا أعتقد أن علينا.. ألا نقارن دور الصين في هذه الأزمة، فأنا شخصياً أعتقد أن دور كوريا الجنوبية هو الدور الأهم من أي.. من أي دولة أخرى في المنطقة، بسبب العلاقات التي تجمعها بكوريا الشمالية وأيضاً لأن.. وكذلك الصين هي الدولة الثانية في الأهمية في هذه المنطقة، وأعتقد أن هنالك دول أخرى يمكن أن تقوم بدور إيجابي، لكن ليس على قدر أهمية دور الصيني والكوري الجنوبي.

محمد كريشان: (مادلين أولبرايت) وزيرة الخارجية الأميركية، صرحت مؤخراً بأن أخطر ما في موضوع كوريا الشمالية هو عودة سباق التسلح إلى المنطقة، وبأن هذه العودة ستعطي للصين دور عسكري كضامن لأمن المنطقة يهدد الدور الأميركي، هل بكين شاعرة بمثل هذه التحدي؟

يان شوي تونغ: كلا، أعتقد أنه بالنسبة للدول في هذه المنطقة الأهم لمصلحة الجميع في هذه المرحلة هي احتواء.. تصعيد هذه الأزمة من أن يصل إلى مواجهات عسكرية، فبالتالي بداية هذا هو السبب الذي يدفع الدول.. هذه الدول جميعها كوريا الجنوبية واليابان وروسيا والصين والولايات المتحدة أيضاً في هذه المرحلة عليهم السعي للتوصل إلى حل سلمي لهذه الأزمة عوضاً عن أي حل آخر، إضافة إلى أن جميع هذه الدول تتفق على أن وقف انتشار التسلح النووي هو أمر مهم، فنحن لسنا لامتصاص أي أزمة، بل دورنا هو أننا نشترك بالاهتمامات والمصلحة الأمنية مع الدول في المنطقة هذه.

محمد كريشان: كوريا الجنوبية تبدو الآن هي الحليف الأكثر ملاءمة لواشنطن للتقدم بمقترحات، ومع ذلك العلاقات الصينية الأميركية علاقات جيدة، هل يزعج بكين ألا يكون بند كوريا الشمالية ضمن هذه العلاقات المتميزة.

بأن شوي تون: في الواقع إن هذه العلاقات وفي هذه المرحلة نحن ندرك أن بعض الكوريين الجنوبيين أقاموا علاقات تدعو إلى العداء الأميركي، لكن نحن صحيح أن لدينا علاقات تدعو إلى الصداقة مع الولايات المتحدة، وهذا.. على هذا المستوى فالناس في كوريا الجنوبية لا يحبون الولايات المتحدة كما كان الوضع في السابق، لكن العلاقة بين الصين وكوريا الجنوبية هي جيدة، لكنهم أيضاً يعتبرون لديهم علاقات عداء مع الأميركيين، وبالتالي فلدى الصين قدرة على احتواء العلاقة مع كوريا الجنوبية وبالتالي على سبيل المثال في هذه المرحلة كوريا الجنوبية والشمالية والصين اتفقوا جميعاً على أنهم يسعون إلى حل سلمي واتفقوا.. ويفكرون في كيفية التوصل إلى إجراءات مشتركة لاحتواء تصعيد هذه الأزمة.

محمد كريشان: إذا.. إذا ما وقع اللجوء إلى مجلس الأمن، هل ستبدو بكين أكثر حزماً في التعاطي مع هذا الموضوع من تعاطيها مع ملف العراق مثلاً؟

يان شو تونغ: في الواقع بداية هذه المسألة وهذه الأزمة في هذه المرحلة منها لا أعتقد أنها ستهذب وستصل إلى مجلس الأمن، لأننا نأخذ هذه المشكلة والأزمة هي تعود بالأساس إلى مشكلة بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة، وإذا ما وصلت هذه الأزمة إلى مجلس الأمن أعتقد أن القرارات التي يمكن الخروج بها تعتمد فعلاً على الأطراف المعنية بهذا الحوار ومصالح هذه الدول في هذه.. في هذا الجزء من العالم.

محمد كريشان: باختصار في النهاية، ما هو أسوأ خيار يمكن أن تلجأ إليه الولايات المتحدة في التعاطي مع الموضوع؟ يعني ما هو أسوأ خيار يمكن أن تلجأ إليه واشنطن في التعاطي مع الموضوع؟

يان شوي تونغ: أعتقد أن الأسوأ بالنسبة لهذه الأزمة هو أن تتصعد لتصل إلى مواجهات عسكرية وبالتأكيد هذه المواجهات إذا ما حدثت فهي ستؤدي إلى حرب.. حرب عسكرية وعمليات عسكرية على كوريا الشمالية وهذه.. لكن أعتقد أن هنالك مازالت فرصة لاحتواء هذه الأزمة من الوصول إلى هذا الحد.

محمد كريشان: السيد يان شوي تونغ، شكراً جزيلاً لك. وبهذا نصل إلى نهاية هذه الحلقة، دمتم في رعاية الله وإلى اللقاء.