قضايا الساعة

معوقات نهضة الأمة العربية

نقص المعرفة.. نقص الحرية ونقص تمكين المرأة، تقرير الأمم المتحدة للتنمية الإنسانية يستنهض همة الأمة العربية لتبيان مدى تراكم عجزها التنموي ومدى اتساع الهوة بينها وبين الأمم الحية.
مقدم الحلقة: مالك التريكي
ضيوف الحلقة: – جورج قرم: وزير الاقتصاد اللبناني الأسبق – بيروت
– د. محمود الكردي: أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة
تاريخ الحلقة: 18/07/2002


– نقص الحرية وانعكاسها على الأوضاع الاقتصادية العربية

– الأساس الاجتماعي لنقص المعرفة ونقص دور المرأة


undefined

مالك التريكي: نقص المعرفة.. نقص الحرية ونقص تمكين المرأة، تقرير الأمم المتحدة للتنمية الإنسانية يستنهض همة الأمة العربية لتبيان مدى تراكم عجزها التنموي ومدى إتساع الهوة بينها وبين الأمم الحية.

أهلاً بكم، من المقولات المعروفة في فكر النهضة الافتراض بأن الأندلس كانت حتى أواخر الحكم العربي هي المرشحة أكثر من إنجلترا لأن تصير الموئل الطبيعي للثورة الصناعية، لولا تفريط العرب فيها وفرار أهل العلم والمهارة منها، إلا أنه رغم تأخر الأندلس أو إسبانيا المعاصرة في اللحاق بركب أمم أوروبا الغربية ورغم تأخره في اعتناق قيم الحداثة السياسية والاقتصادية حتى عهد قريب جداً، أي حتى زوال حكم الجنرال (فرانكو)، فأنها قد تجاوزت لوحدها كل العالم العربي في كافة المجالات، وذلك بدءاً بناتجها القومي الذي يفوق ناتج جميع الدول العربية الاثنتين والعشرين على أن وجه الفاجعة في حالة الأمة العربية لا يتمثل في هذا الجانب، رغم خطورته أي أنه لا يتمثل في قلة الثراء، إذا أن المنطقة العربية ثرية نسبياً، بل أن وجه الفاجعة يتمثل حسب تقرير الأمم المتحدة للتنمية الإنسانية العربية الذي صدر حديثاً في خلو الأمة العربية من مقومات التقدم، أي في الافتقار إلى ثلاثة مقومات أساسية هي الحرية والمعرفة وتمكين المرأة، وهكذا فأن النقائص الأساسية للأمة العربية اليوم لا تزال ذات النقائص الأساسية التي كأن الفكر الإصلاحي قد بدأ في تشخيصها منذ منتصف القرن التاسع عشر: نقص الحرية ونقص المعرفة ونقص دور المرأة.

فبالحرية أولاً نادى إصلاحيون من أمثال جمال الدين الأفغاني وخير الدين باشا وعبد الرحمن الكواكبي، وبالتعليم أولاً نادى إصلاحيون من أمثال محمد عبده ورفاعة الطهطاوي، وبتحرير المرأة نادى إصلاحيون من أمثال قاسم أمين وطاهر الحداد، وبما أن تقرير التنمية الإنسانية العربية هو من تأليف خبراء عرب فإنه يمكن النظر إليه بهذا المعنى على أنه امتداد للفكر الإصلاحي الذي يحاول استنهاض همة الأمة العربية بتشخيص أمراضها وتبيان مدى إتساع الهوة بينها وبين الأمم الحية، عبد السلام أبو مالك يعرض بعضاً من أورده التقرير من حقائق مرة تشهد على أننا نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا.

عبد السلام أبو مالك: لا حرية.. لا تعليم.. لا تنمية، تلك هي باختصار الصورة القاتمة التي رسمها أول تقرير دولي للتنمية الإنسانية في العالم العربي، تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2002 الذي أعدته مجموعة من الأكاديميين العرب جاء في مرحلة سياسية حرجة تفرض على العرب وقفة متأنية لرسم رؤية واضحة للمستقبل، العالم العربي الذي يمتد من المحيط إلى الخليج ويبلغ عدد سكانه 280مليون نسمة أي ما يقارب عدد سكان الولايات المتحدة يعيش مواطنوه واقعاً مراً، رغم ما يبدو من مظاهر الثراء والتقدير في بعض دول ، ولذلك يرى المشاركون في أعداد التقارير أن ما يعيق التنمية في العالم العربي ليس نقص الثروات والموارد ، بل فقدان ركائز أساسية هي الحريات السياسية والمدنية ، وحالة المرأة في المجتمع ، والوصول إلى المعرفة ، فالناس في المنطقة العربية هي الأقل استمتاعاً بالحرية على صعيد العالم ، والحرية والديمقراطية في المجتمعات العربية تعتبر أن منحة من الحاكم للشعب لا حقاً من حقوقه، كما أن المنطقة العربية تأتى في المرتبة قبل الأخيرة بين مناطق العالم فيما يتعلق بالمرأة التي تمثل نصف المجتمع والتي لا تعمل ولا تتمتع بحقوق مماثلة لحقوق الرجل، أما على صعيد المعرفة فأن التقرير يلحظ أن نسبة التعليم والمتعلمين ازدادت لكن مستواها لم يرتفع والأرقام تقول أن المعرفة في العالم العربي ليست قوة ولا الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق ، إذ لا يزال نحو 10 ملايين طفل من سن السادسة إلى الخامسة عشرة محرومين من التعليم، وهناك 65 مليونا من البالغين مازالوا أميين ثلثاهم من النساء، وتشير البيانات إلى أن نسبة الزيادة في الإنفاق على التعليم انخفضت بدل أن ترتفع لتصل في عام 90 إلى اقل مما كانت عليه عام 85، وعدد الطلبة في سلك التعليم العالي أقل بكثير من مثيله في دول العالم الأخرى ولا يتوقع أن يصير مثله إلا بعد عام 2030 ، والأسوأ من ذلك أن المنطقة العربية تحتل أدنى مستوى من حيث متوسط عدد أجهزة الكمبيوتر لكل فرد الذي لا يزيد عن 1 % من السكان ، أما عدد مستعملي الإنترنت فلا يزيد عن 1.5 % ما يعنى أنها اقل من الدول الأفريقية الواقعة جنوب الصحراء ،وتبقى المشكلة الأخطر كامنة في مدى جودة التعليم في البلدان العربية ، إذ أن السمات الأساسية التي تميزه هي:

تدنى التحصيل المعرفي، ضعف القدرات التحليلية والابتكارية، واطراد التدهور فيه، وفي هذا السياق لا غرابة أن تكون ثمرة المطابع في العالم العربي بأكمله في مجال الترجمة لا تتجاوز 300 كتاب فقط سنويا ، وهو خمس عدد الكتب المترجمة في اليونان وحدها، وعلى مستوى النمو الاقتصادي يرى التقرير أن معدل دخل الفرد هو أعلى من بلدان كثيرة من بلدان العالم الثالث، ولكل مجموع الدخل لكل البلدان العربية عام 99 هو أقل من دخل دولة أوروبية واحدة كإسبانيا، وبالرغم من ملاحظة أن عدد الفقراء يبدو أقل منه في بعض الدول الأفريقية والآسيوية إلا أن العالم العربي يبدو غنياً أكثر منه نامياً، لكل التقرير لم يحصر أسباب التخلف العربي بقضية الحرية والمرأة والمعرفة، بل إن هناك أسباب موضوعية دولية وإقليمية كان ولا يزال لها دورها في تقصير الدول العربية أنظمة وشعوبا عن النمو والتقدم بالدرجات والسرعة اللتين يتطلبهما العالم والعصر ، وفي مقدمتها النزاع العربي الإسرائيلي وما نتج أن تفرغ عنه من انقلابات وثورات وحروب بددت جزء كبيراً من الثورة العربية، وبقدر ما وضع التقرير أصابعه على الكثير من المظاهر السلبية، فقد آثار الكثير من التساؤلات حول أسباب تعثر المنطقة ومراوحتها مكانها بدون تقدم في قضايا استطاعت مناطق كثيرة في العالم أقل إمكانية من الدول العربية أن تتجاوزها وتقفز بشكل سريع لتحتل مكانة أهم في الخريطة الدولية، ولذلك خلص إلى أن أهم سببين لنجاح التنمية في جنوب شرق آسيا وفشلها في الشرق الأوسط هما الاستثمار الكثيف في التعليم واحترام الملكية الفردية، وحث التقرير الحكومات العربية على إعادة النظر في بناء التعليم بشكل يؤكد أسبقية الإبداع وإثارة روح التحدي في الإنسان العربي.


نقص الحرية وانعكاسها على الأوضاع الاقتصادية العربية

مالك التريكى: نقص الحرية ونقص المعرفة ونقص تمكين المرأة إذن هي النقائص الأساسية التي تعوق التنمية والتقدم في المنطقة العربية حسب تقرير الأمم المتحدة للتنمية الإنسانية ومعنا الآن من بيروت في بحث القضايا التي أثارها التقرير (الخبير الاقتصادي المرموق والوزير السابق) الأستاذ جورج قرم، الذي شارك في تأليف التقرير، كما ساهم بورقة خلفية بعنوان من أجل توزيع أكثر عدالة للمداخيل والثروات في العالم العربي ، دكتور جورج قرم، لقد كأن البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة يقيس أداء الدول بمؤشر يتكون من معدل العمر .. معدل الدخل الفردي.. نسبة التسجيل في المدارس أما ما قمتم به أنتم بمجموعه خبراء عرب فهو وضع مؤشر بديل، ما هي الأسباب المنهجية لوضع المؤشر البديل للتنمية الإنسانية؟

جورج قرم: في الحقيقة هناك في التقرير ابتكار جديد في معايير التنمية وهو الانتقال من ما يسمى في أدبيات الأمم المتحدة التنمية البشرية إلى التنمية الإنسانية، ونحن نعنى بالتنمية الإنسانية القيم السياسية التي ترتكز على الحرية وعلى المساءلة وعلى الحكم الصالح، فالتنمية البشرية ومفهوم التنمية البشرية يرتكز فقط على قضايا البيئة والصحة والتعليم بالإضافة طبعاً إلى مستوى الدخل، أما التنمية الإنسانية فتدخل في احتساب المعيار القيم السياسية ومدى دخول العلم العربي في القيم السياسية التي تسمح بمشاركة أكبر للمجتمع المدني وللقدرات البشرية الكبيرة الموجودة في العالم العربي، مساهمتها في بناء الوطن، وفي رفع وزيادة الأداء الاقتصادي العربي اللي هو أداء متدني للغاية كما يبينه التقرير خاصة بالنسبة لمناطق أخرى من العالم أقل غنى بالنسبة للموارد الأولية ، فدول شرق آسيا كما هو معروف أو حتى الصين أو الهند ليس لها أي موارد طبيعية تذكر، بينما العالم العربي طبعاً عنده الثروة النفطية والثروة الغازية والفوسفات وطبعاً ثروات زراعية أيضاً مثل القطن.. من إحدى أسباب تراجع العالم العربي اقتصادياً عن سائر مناطق العالم هو ما يسمى بالاقتصاد الريعي أي الحياة السهلة من وارد تصدير الموارد الأولية، وأيضاً نحن في العالم العربي نصدر العقول وهذه ظاهرة خطرة للغاية، فنحن تقريبا نعامل عقول.. العقول العربية مثل ما نتعامل مع النفط، نصدره خام دون أن نستفيد من القدرات البشرية أو من القدرات مثل النفط قدرات الطاقة لكي نبني أنفسنا وندخل في تنمية متسارعة ونتمكن طبعا من الاستفادة من العوامة ومن التقديم العلمي الهائل الذي يمتاز به العالم اليوم ، فهناك اتجاهات عميقة في، نعم..

مالك التريكى [مقاطعاً]: دكتور ..دكتور.. دكتور جورج ، لقد ذكرتم الآن المقارنة بين الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا ، وأنتم تعلمون بالطبع أن البنك الدولي كان قد أصدر دراسة قبل سنوات تقارن بين الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا، وقد خلص آنذاك إلى أن العاملين الأساسيين اللذين جعلا جنوب شرق آسيا تتقدم على الشرق الأوسط رغم التشابه في المستوى الاقتصادي بينهما في الستينيات هو الاستثمار الكثيف في التعليم واحترام الملكية الفردية الذي يمكن أن تترجمه بأنه اعتماد على التحرير الاقتصادي، أليس هذا عامل يفتح المجال للتحدث عن مسائل ثقافية عن عادات في السلوك اليومي عن أخلاقيات في العمل ربما مفقودة عندنا.

جورج قرم: أنا مش كثير ميال لها لتفسير التأخر الاقتصادي بعوامل ثقافية أو دينية، هناك دول مثلاً دولة إسلامية مثل ماليزيا اللي عندها نظام قيم شبيه بالدول العربية، قطعت أشواطاً كبيرة في التقدم الصناعي والعلمي، لأ أنا أعتقد أن المشكلة الرئيسية في العالم العربي هي طبعاً عدم الاعتراف بقيمة الإنسان العلمية من جهة، فنظام القيم إذا أردنا أن نتكلم في نظام القيم ما يزال مبني على مكافأة الإنسان العربي الذي يبرز في مجالات تقليدية، مثل الدين أو مثل الحزب السياسي أو مثل الأدب والشعر، نحن نكرم الأدباء والشعراء، إنما لا نكرم العلماء والمهندسون، وكل الفئات اللي هي أساسية في قضية التنمية الاقتصادية، ثم هناك عامل آخر في دول شرق آسيا لم تذكر الآن في حديثكم هي أن الدولة والقطاع الخاص كانت لها حوار وتفاعل إيجابي للغاية لاكتساب المعرفة والتكنولوجيا في القطاع الخاص، نحن في العالم العربي لسوء الحظ لأننا مجتمع ريعي، وهناك أسواق محمية من قبل الدول، العلاقة بين الدولة والقطاع الخاص ليست علاقة صحية، هناك طبعاً مشاكل الفساد، مشاكل نفوذ القطاع الخاص على الدول، بحيث الدول تهمل القطاع الخاص، وليس للقطاع الخاص موجبات لكي يتقدم في العلم والتكنولوجيا وأنا أعتقد إنه..

مالك التريكي [مقاطعاً]: هل تقصدون.. أستاذ جورج.. هل تقصدون بالسلوك الريعي سواء في القطاع الخاص أو حتى في القطاع العام، أن هنالك علاقة زبونية أي أن.. أن أصحاب القرار السياسي والاقتصادي يتعاملون مع.. مع القطاع الخاص كرديف من روادف المؤسسات الرسمية، والقطاع الخاص يتعامل على أن له أرباح مضمونة فلا يغامر بالاستثمار ولا يتحمل تبعات التحرير الاقتصادي، إلا إذا كان محمياً حماية رسمية؟

جورج قرم: تماماً.. تماماً.. تماماً، تماماً هذا هو الوضع الذي نسميه غير صحي في دول شرق آسيا مما لا شك فيه أن الدولة ساعدت القطاع الخاص من ناحية العلم والتكنولوجيا وعطت دعم كبير، إنما القطاع الخاص كما هو معلوم دخل في مسار إيجابي للغاية في اكتساب العلم والمعرفة، والقطاع الخاص يصرف أموال ضخمة على الأبحاث والتطوير.. على تدريب اليد العاملة بشكل متواصل، إلى آخره، على شراء براءات الاختراع من الحركات الأجنبية، كل هذه نحن لا ندخل فيها، القطاع الخاص العربي له أوجه تقصير كبيرة جداً، ليس هو المسؤول عنه فقط، المسؤول عن هذا الوضع هو علاقة غير صحية بين الأجهزة الحكومية وبين القطاع الخاص، مع أيضاً هذه الظاهرة المرضية أو غير الصحية على الإطلاق أن رواتب القطاع العام في معظم الدول العربية باستثناء دول الخليج ورواتب المسؤولين صانعي القرار هي متدنية للغاية، فكما نعلم هناك وزراء ومدراء عامين بيكون رواتبهم 80 دولار أو 100 دولار أو 200 دولار في الشهر، بينما مدخول أي رجل أعمال في القطاع الخاص يمكن أن يكون بمئات الآلاف من الدولارات في اليوم الواحد، فالعلاقة ليست متوازنة، وثم ليس هناك تفكير جدي في الدول العربية على كيف نقضي على فجوة المعرفة… وفجوة المعرفة..

مالك التريكي [مقاطعاً]: قبل يا أستاذ جورج.. أستاذ جورج، قبل أن نتطرق إلىهذه النقطة، أنتم ذكرتم هذه الجوانب الاقتصادية الهيكلية البنيوية في.. في النظام الاقتصادية الهيكلية البنيوية في.. في النظام الاقتصادي الرسمي العربي التي تعوق التنمية، لكن السؤال المطروح والإشكالية المطروحة من.. منذ زمن طويل هل يسبق الإصلاح الاقتصادي الإصلاح السياسي أم العكس؟ هل لكم رأي في هذا الموضوع؟

جورج قرم: لأ، شوف الحقيقة طبعاً نحن كلنا بنحب القيم المتمحورة حول الديمقراطية والحرية والحكم الصالح ومكافحة الفساد، إنما التاريخ يعطينا أمثلة متناقضة، يعني فيه دول تمكنت من الدخول في حلقة إيجابية لاكتساب العلم والمعرفة بأنظمة سياسية ديكتاتورية الطابع، وفيه دول أخرى طبعاً الديمقراطية ساعدت إلى حد بعيد على عملية التنمية الاقتصادية فهناك في العالم أنظمة مختلفة يعني المهم هو ما هو التفكير؟ ما هي الهدف للمجتمع والآليات الرئيسية لكي يخرج المجتمع من السكون التكنولوجي، مشكلتنا في العالم العربي إنه فيه نوع من الخمول.. السكون في اكتساب العلم والمعرفة وتطبيق العلم والمعرفة في الأداء الاقتصادي، والتقرير يعني بيشير بشكل كثير واضح إلى أنه في تراجع بالإنتاجية بالعالم العربي، نحن المنطقة الوحيدة اللي إنتاجية العامل والفرد عم تتراجع، بينما بمناطق أخرى من العالم فنحن نرى طبعاً زيادة في الإنتاجية في معظم الدول.

مالك التريكي: من التصريحات التي رافقت إصدار التقرير -أستاذ جورج- القول بأن على العرب أن يبادروا هم أنفسهم إلى انتهاج الإصلاحات السياسية والاقتصادية وإلا فإن هذه الإصلاحات السياسية والاقتصادية وإلا فإن هذه الاصلاحات ستفرض عليهم فرضاً وهذا في أعقاب خطاب الرئيس الأميركي بوش حول فرض الإصلاح بالتصور الأميركي على الفلسطينيين، هل تعتقدون أن هذا الأمر وارد؟

جورج قرم: لأ، أنا طبعاً أملي هذا التقرير وضع طبعاً أساسه قبل 11 أيلول وأملي لأن هو أول تقرير مكتوب من قبل مفكرين عرب لهم اتجاهات قومية ووطنية، فأنا أملي الكبير أن يكون هذا التقرير دعامة أساسية لإنطلاقه جديدة في حياتنا العامة في المنطقة العربية، سواء المجتمع المدني أو طبعاً الأجهزة الحكومية، لأن ما فينا نكمل بالطريقة اللي نحن ماشيين فيها، العالم ماشي بمائة.. مائة كيلو متر بالساعة ونحن ماشيين بثلاثة كيلو مترات في الساعة، نحن عم نتخلف سنة بعد سنة، عم نتهمش، وإذا بنشوف عجرفة أميركية تجاهنا بهذا الشكل وتصرف أميركي تجاه المنطقة يدل على ازدراء كامل لشعوب المنطقة العربية لأن..

مالك التريكي [مقاطعاً]: أستاذ جورج كرم.. أستاذ جورج قرم (الخبير الاقتصادي اللبناني الرموق والوزير السابق) لك جزيل الشكر.

بوضع المرأة يستدل على وضع المجتمع، وما يعرفه كل أجنبي هو أن المرأة في معظم أنحاء العالم العربي مطلومة الجناح النجاح، هذا فضلاً عن أن الأمية تشل قدرات 65 مليون نسمة ثلثاهم من النساء.

[فاصل إعلاني]


الأساس الاجتماعي لنقص المعرفة ونقص دور المرأة

مالك التريكي: من أكثر النقائض التي تعوق التقدم في المنطقة العربية نقص دور المرأة الذي يعبر عنه دوماً بالعبارة الشائعة عن تعطيل نصف المجتمع، ولو أن الواقع أن المرأة تمثل أكثر من نصف المجتمع كمياً، كما تمثل صلب المجتمع نوعياً، ويرتبط نقص تمكين المرأة بنقص آخر هو نقص المعرفة حيث أن الأمية منتشرة في الدول العربية ولكن ثلثي الأميين من النساء، معنا لبحث هذا الجانب من نقائص التنمية العربية الدكتور محمود الكردي (أستاذ علم الاجتماع ووكيل كلية الآداب بجامعة القاهرة).

دكتور محمود الكردي، هنالك اعتقاد هنالك اعتقاد شائع بأن وضع التخلف الذي تعانيه المرأة العربية في العالم العربي يعود لأسباب سياسية، هل هذا صحيح إذا أخذنا بالنظر أن كثيراً من البلدان العربية كانت فيها الدولة ربما أسبق إلى التحديث من المجتمع نفسه سواء في الخليج أو حتى في بعض بلدان المغرب العربي مثلاً.

د. محمود الكردي: هو الحقيقة ما أقدرش أقول أبداً إنه عدم تمكين المرأة راجع إلى النظام السياسي، قد ما هو راجع إلى تخلف النظام الاجتماعي والإطار الثقافي في المحيط، لأنه حسب حتى التقرير.. تقرير التنمية الإنسانية لما بيتكلم عن تمكين المرأة فممكن ربطها مباشرة بالأوضاع الاجتماعية السائدة والإطار الثقافي السائد نسبة الأمية مثلاً زي ما ذكرت حضرتك تبلغ ثلثي.. الإناث تبلغ ثلثي نسبة الأميين على مستوى الوطن العربي عموماً، النظرة إلى المرأة.. رؤية دور المرأة وتوقع نشاطها الاقتصادي لا يزال أمر متخلف في بلداننا العربية، ويمكن اللي يطلع على.. الدور المقابل للمرأة في مجتمعات أخرى أكثر تقدماً بيلحظ إنه المجتمع بيدفع المرأة دفعاً إلى زيادة استيعابها في المراحل التعليمية وإلى أيضاً رفع مستوى التعليم، لأنه زي ما ذكر في بداية الحلقة إن المسألة ليست في زيادة أعداد المتعلمين فقط، وإنما أيضاً في زيادة مستوى التعليم والتحصيل سواء لدى الإناث أو الذكور.

جانب آخر فيما يتعلق بقضية تمكين المرأة تتصل بالعمل مثلاً وأن الأعمال صحيح أنها متاحة للجميع، لكنها المرأة بنفسها لم.. لم تدخل.. بعد بعض مجالات العمل الأخرى المهمة رغم مساواة الأجر أيضاً لكن كثير من الأسر لا تجد الفرصة لعمل المرأة زي ما.. ما بتجد الفرصة لعمل الرجل مثلاً، ودا يمكن بيرتبط بقضية البطالة اللي يمكن أشار إليها التقرير وممكن نشير إلى قضية أخرى زي عمالة الإناث أو تأنيث الأسرة أحياناً حينما يسافر الرجل، بتضطر المرأة اضطراراً إلى العمل، لكنها للأسف لا تكون مُعدَّة إعداداً جيداً للنزول إلى سوق العمل، ولذلك الإطار الشامل اللي بيناقشه التقرير -وأنا متفق معاه في هذا الجانب- إنه بيحاول توسيع الخيارات أو توسيع فرص الحياة أمام الناس جميعاً فإذا طبقنا هذا المفهوم على قضية تمكين المرأة، فمن المطلوب أيضاً أن توسع الخيارات والفرص أمام المرأة ودا كله بيتم في إطار مجتمعي الشامل وأيضاً من خلال نظام الحكم.

مالك التريكي: حتى توسع الخيارات -دكتور الكردي- لابد أن يكون هنالك مطلب اجتماعي بالمساواة بين الرجل والمرأة، هنالك سؤال شهير في حقل اختصاصكم في علم الاجتماع وهو هل أن الديمقراطية مطلب اجتماعي حقاً في العالم العربي، يحق السؤال هنا هل أن المساواة بين الرجل والمرأة يعني تمكين المرأة هو مطلب اجتماعي حقاً؟ هل هنالك فعالية اجتماعية تطالب بالمساواة بين الرجل والمرأة؟

د. محمود الكردي: هو دا بالفعل هو دا مطلب أساسي، وعدم تمكين المرأة وعدم وصول المرأة إلى نفس الدرجة ونفس الحالة المتاحة للرجل في المجتمعات العربية يرجع إلى هذا الجانب إنه.. إنه بالفعل ليست هناك مساواة حقيقية في.. بين المرأة والرجل في المجتمعات العربية، ودا بيبدأ مش هأقول بشكل معلن أن الدولة ترى أن هناك عدم مساواة أو.. إطلاقاً، هذه مسألة اجتماعية ثقافية، نظرة المجتمع إلى المرأة في مجتمعاتنا العربية لا تزال متدنية رغم حصولها على فرصها في التعليم فرصها في العمل بعض فرص الحياة، لكن لا تزال رؤية الناس.. رؤية الأسرة حتى زي ما بنشوف في دراسات كثيرة في علم الاجتماع.. أساليب التربية وأساليب التنشئة الاجتماعية داخل الأسرة لا تزال تفرق بين الذكر والأنثى ويمكن دا بيتدعم خلال أجيال ويصل الأمر في النهاية إلى أن الأنثى تكون في مرتبة أقل من الرجل، فإذا..

مالك التريكي: دكتور الكردي.. دكتور الكردي، هنالك مسألة أنت طبعاً لم تشارك في إعداد التقرير وهذا يتيح لك بعداً نقدياً في قراءته هنالك مسألة حساسة جداً لم يتناولها التقرير -والعالم الخارجي تساءل لماذا لم يتناولها التقرير- وهو دور الإسلام، أو بالضبط دور الفهم الشعبي للإسلام والفهم الرسمي للإسلام، الفهم الذي تفرضه الدولة للإسلام في مسألة التربية، لأن العالم الخارجي وهذا معروف يعتقد أن الإسلام أو استخدامه الرسمي والشعبي هو من عوائق.. هو من عوائق التنمية في المنطقة العربية، هذا الاعتقاد الغربي السائد؟

د. محمود الكردي: آه، ودا اعتقادي في رأيي خاطئ من أساسه، التقرير أنا أطلعت عليه كله الحقيقة ولفت نظري نقطة.. لفتت نظري النقطة اللي حضرتك أثرتها في دور الإسلام، ولو إنه هناك بالفعل بعض الإشارات لبعض الدراسات أو الرؤى من أوراق خلفية زي مثلاً مناهضة الفقر من منظور إسلامي دي ورقة خلفية موجودة في التقرير ورؤية بتعرض، زي بعض الإشارات لدور الدين الإسلامي في نهضة الأمم، لكن أنا ما أقدرش إطلاقاً بأن أدعي بإنه الدين الإسلامي هو سبب من أسباب التعويق، لكن هو تفسير الناس للدين الإسلامي وبعض الممارسات غير الصحيحة دينياً هي التي تتسبب في ذلك، ويمكن دي النقطة اللي العرب دائماً بيأخذها على المجتمعات الإسلامية نتيجة عدم فهمه.. عدم فهم الغرب لطبيعة الإسلام، وعدم أيضاً ممارستنا نحن المسلمون ممارسة صحيحة وسليمة، يمكن أنا أتفق معك في جانب آخر أن التقرير أهمل بعض الشيء الجوانب الاجتماعية المجتمعية بمعنى أنه لم يتعرض مثلاً للبنية المجتمعية في بلداننا العربية، إشارات كثيرة في التقرير مهمة عن النسق الاجتماعي وعن النظام الاجتماعي وعن الإطار الثقافي في.. من خلال فصول التقرير الثمانية، لكن أنا كنت أتمنى إنه فصل يخصص بذاته لمناقشة البنية الاجتماعية العربية، وبالمناسبة الاجتماعية العربية ليست واحدة، ما أقدرش أبداً أعمم وأقول إنه العناصر المكونة للبنية الاجتماعية واحدة في بلداننا العربية نتيجة اختلاف النسق..

مالك التريكي: دكتور محمود الكردي.. دكتور محمود الكردي أستاذ علم الاجتماع ووكيل كلية الآداب بالقاهرة، شكراً جزيلاً لك، وبهذا سيداتي سادتي تبلغ حلقة اليوم من برنامج (قضايا الساعة) تمامها، دمتم في أمان الله.