النتائج العملية لتصفية الماركسية في الصين
مقدم الحلقة: | مالك التريكي |
ضيف الحلقة: | البروفيسور شوي مو خونغ: دبلوماسي سابق وأستاذ العلوم السياسية د. مصطفى كامل السيد: مدير مركز دراسات الدول النامية – القاهرة |
تاريخ الحلقة: | 17/11/2002 |
– نتائج المؤتمر الأخير للحزب الشيوعي الصيني
– تداعيات التحول في القيادة الصينية
– مستقبل دور الصين السياسي في ظل التصدي للأحادية الأميركية
مالك التريكي: بعد استبدال عقيدة صراع الطبقات بعقيدة الاستقرار الاجتماعي والنمو الاقتصادي تساؤلات عن النتائج العملية لتصفية الماركسية في جمهورية الصين الشعبية.
أهلاً بكم، يروى عن (إليزابيث) ملكة بلجيكا السابقة أنها لاحظت خلال زيارة لكنيسة في وارسو بمناسبة مهرجان (شوبان) أن وزير الحكومة الشيوعية البولندية الذي كان يرافقها قد رسم شارة الصليب عند دخول الكنيسة، وعندما سألته مستغربة: هل أنت كاثوليكي؟ أجاب: نعم، إنني مؤمن مثل معظم البولنديين، ولكنني لا أطبق. فما كان منها إلا أن علقت: "أي بالعكس تماماً مع الشيوعية حيث أنكم تطبقونها دون أن تؤمنوا بها"، ومع أن بولندا كانت سباقة إلى تطبيق الشيوعية أو إلى تطليق الشيوعية في النظرية والتطبيق فإن الصين لم تتأخر في هذا المجال إلا في ظاهر الأمر ذلك أن عهد تطبيق الشيوعية دون الإيمان بها قد انقضى في الصين منذ أوائل الثمانينيات أي منذ أعلن الزعيم الراحل (دان سي أوبنج) إصلاحاته الاقتصادية الشهيرة، وفور ذلك دخلت الصين تدريجياً في عهد الإيمان بالشيوعية دون تطبيقها حتى انتهت بعد عقدين بالتصفية الرسمية للعقيدة الماركسية مثلما تجلى في المؤتمر السادس عشر للحزب الشيوعي الحاكم الذي اختتم قبل بضعة أيام، ولإن كانت هذه التصفية النهائية للماركسية قد تمت تحت شعارات ثقيلة وباسم مفاهيم مقدودة بحكم الإلف والعادة من لغة الخشب فإن مؤداها بكل بساطة هو أن على الحزب الشيوعي الحاكم ألا يكتفي من هنا فصاعداً بتمثيل العمال والفلاحين فحسب، بل أن يمثل أيضاً طبقة الرأسماليين الصاعدة التي تعتمد عليها الصين اعتماداً متزايداً في تحقيق نموها الاقتصادي الباهر.
ولكن إذا كان قول الرئيس المتنحي (جيانج زيمين) بأن علينا أن نحرر عقولنا من التفسير الدوغمائي المتحجر للماركسية يعني -حسب قول أحد المعلقين- تخلياً عن (ماركس) لصالح (آدم سميث) فإنه لا يعني تخلياً عن (لينين) لصالح الديمقراطية الليبرالية ذلك أن جيانج زيمين قد أوضح أنه لا ينبغي للصين أبداً أن تحاكي أياً من الأنظمة السياسية الغربية، فهل ينقذ الحزب الشيوعي الصيني نفسه فيقيض له عمر جديد بفضل الاستبدال البراجماتي لعقيدة صراع الطبقات بعقيدة الاستقرار الاجتماعي والنمو الاقتصادي، أم يحدث العكس فتكون التصفية الرسمية للماركسية على خلفية النمو الاقتصادي الباهر بداية النهاية لحكم الحزب الواحد، عزت شحرور يستقرئ من بكين نتائج المؤتمر الأخير للحزب الشيوعي الصيني.
نتائج المؤتمر الأخير للحزب الشيوعي الصيني
تقرير/ عزت شحرور: حدد المؤتمر السادس عشر للحزب الشيوعي الصيني الهدف بوضوح، لندع الأيديولوجية والديماغوجية جانباً ولنتعامل مع الواقع، فلون القط ليس مهماً، المهم أن يقبض على الفأر، وفقاً لما أراد مهندس إصلاح الصين وانفتاحها الزعيم الراحل (دان سي أوبنج) عدل الحزب دستوره وأدخل أفكار التمثيلات الثلاثة للرئيس (جانج زيمين) وفحواها أن حزب العمال والفلاحين لم يعد حكراً عليهم فقط، وإنما لكل شرائح المجتمع وربما على رأسهم الرأسماليون.
التغيرات الاقتصادية والاجتماعية خلال السنوات الأخيرة أفرزت شرائح جديدة في المجتمع الصيني، وبات لزاماً على الحزب استيعابها في مجراه الرئيسي وإلا كونت روافد وانحرفت إلى مسارات تهدد الوادي بأكمله، وكان لابد من تجديد الحزب بضخ دماء جديدة فيه، فجاء أكثر من نصف أعضاء اللجنة المركزية وجوهاً جديدة، وصعد إلى اللجنة الدائمة للمكتب السياسي -أعلى هيئة قيادية في الحزب والدولة بطبيعة الحال- ثمانية جدد من بين التسعة الكبار في أكبر حركة تغيير كانت متوقعة، ولكن ربما ليس بهذا الحجم الكبير. رجال القيادة الجديدة بدءوا حياتهم العملية والصين في أسوأ مراحل تاريخها المعاصر، الثورة الثقافية وما رافقها من اضطرابات في منتصف الستينات، عندما تجاوز الحرس الأحمر كل الخطوط الحمراء وربما لهذا يبقى هاجس الاستقرار الاجتماعي قمة اهتمامات القيادة الجديدة، هذه القيادة التي تسلمت الآن السلطة والبلاد تعيش أفضل مراحلها من حيث التنمية الاقتصادية والاستقرار الاجتماعي، لكنها أيضاً مطالبة بالإجابة على أسئلة صعبة فالبطالة تزداد يوماً بعد يوم والفساد بات مرضاً عضالاً ينخر جسم الحزب والمجتمع معاً، والفجوة التي تزداد اتساعاً بين أثرياء يزدادون ثراءً وفقراء يزدادون فقراً ثم استعادة جزيرة تايوان التي تراها الصين مقاطعة مارقة، يضاف إلى هذا كله تحديات خارجية من قوىً لا يسعدها أن ترى الصين قوية في عالم تغيرت ترتيباته بعد الحادي عشر من سبتمبر.
تساقطت أوراق الشجر القديمة في خريف بكين ورحلت قيادة وأتت أخرى لتعبر بالصين إلى مرحلة جديدة مازالت غير واضحة المعالم، لكن الضباب قد ينقشع مع شمس الربيع القادم عندما يلتئم مجلس الشعب في بداية آزار/ مارس وتتسلم القيادة الجديدة مقاليد السلطة التنفيذية في البلاد.
المواطنون الذين استقبلوا على شاشات التلفزة القيادة الجديدة بمشاعر متباينة صفق بعضهم بينما وقف آخرون تائهين وربما متسائلين لمن نصفق ولماذا؟ ولم يتبين بعد الخيط الأبيض من الخيط الأسود.
مواطنة صينية: لا أعرف.. لا أعرف من هم أو أي شيء عنهم، لكن أعتقد أنهم سيجدون وسيلة ما لقيادة البلاد بشكل جيد.
مواطن صيني 1: ما يميزهم عن القيادات السابقة أن الكثير منهم يحمل شهادات أكاديمية عليا ولهذا فإنهم سيديرون البلاد بطريقة علمية، إنني أثق بأنهم سيقودون بلادنا بطريقة جيدة.
مواطن 2: كل عضو في الحزب يقوم بدوره بما في ذلك القيادة، القائد الحقيقي هو الحزب، الحزب كمؤسسة هو الذي يقوم بالدور القيادي.
عزت شحرور: احترام الكبير وطاعته في التقاليد الصينية الموروثة تجعل الصينيين يقبلون قيادتهم التي قُدمت لهم على طبق أياً كان شكله، وهو السبب نفسه الذي يفرض على القيادة الجديدة الولاء للجيل السابق وربما تطبيق كل رغباته ولو إلى حين.
تداعيات التحول في القيادة الصينية
مالك التريكي: أظهر المؤتمر الأخير شدة ميل المنظرين العقديين في الحزب الشيوعي الصيني إلى إطلاق شعارات رقمية، فبعد التحديثات الأربعة التي تتلخص في أن الإثراء مشروع ومطلوب وبعد المبادئ الأساسية الأربعة التي تتلخص في أن الانتماء إلى الشيوعية مطلوب، ها أن انتقال السلطة من الجيل الثالث إلى الجيل الرابع في الصين يتم في ظل تحول أيديولوجي أُطلق عليه اسم نظرية التمثيلات الثلاثة، لكن ألا يبدو أن الرئيس المتنحي (جيانج زيمين) يحاول بنظرية التمثيلات الثلاثة هذه، والتي تتلخص في وجوب تمثيل الحزب الشيوعي لكل ما هو جيد في الصين المعاصرة، ألا يحاول مزج العلوم السياسية بالجبر والهندسة بهدف تربيع الدائرة التي حشر الحزب الشيوعي نفسه فيها منذ تخلى عن السبب العقدي الأصلي لوجوده.
معنا من بكين لمناقشة قضية التحول في القيادة الصينية البروفيسور شوي مو خونغ (سفير الصين السابق في عدة دول، وأستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعتي شين خوا وبكين).
بروفيسور شوي، هل يجوز القول إن التطوير الأخير في عقيدة الحزب الشيوعي أي الدعوة إلى احتضان الرأسماليين والطبقة الوسطى هو مجرد خطوة براجماتية ليس لها من دافع آخر سوى غريزة البقاء؟
شوي مو خونغ: نعم، كما قلتم فالطبقة الوسطى سوف تلعب دوراً في الحياة السياسية في الصين في المستقبل.
مالك التريكي: هل.. هل.. هل تعنون أن الطبقة الوسطى ترحب هي أيضاً بالدخول إلى الحزب الشيوعي مثلما أن الحزب الشيوعي يدعو إلى احتضانها؟
شوي مو خونغ: نعم، بالطبع إنهم سعداء جداً، فالآن يمتلكون الفرصة للانضمام إلى الحزب الشيوعي.
مالك التريكي: إذن يمكن أن يقال إن هذا زواج مصلحة باعتبار أن الحزب الشيوعي يعرف أن النمو الاقتصادي هو الضامن الوحيد لبقائه في الحكم وأن رجال الأعمال يعرفون أن الصلات والعلاقات داخل الحزب ضرورية لازدهار أعمالهم؟
شوي مو خونغ: أعتقد أن الطبقة الوسطى سوف تنضم إلى الحزب الشيوعي لتجعل منه حزباً ذا قاعدة أوسع جماهيرياً، ولكي يتمكن من قيادة الشعب بأكمله من أجل إقامة النظام الاشتراكي الخاص بالصين.
مالك التريكي: هنالك أنباء ذكرت أن الحزب الشيوعي قد طلب من المثقفين والأكاديميين في صفوفه، خاصة علماء الاجتماع القيام بكثير من النظريات حول تحول.. أو التحول من الشيوعية إلى الديمقراطية الاشتراكية في أوروبا وكل ذلك كان بهدف ابتداع مفاهيم جديدة لتفسير التحولات الجارية الآن في الصين، هل هذا صحيح؟
شوي مو خونغ: لا أعتقد ذلك، ولكن أعتقد إن بعض المفكرين والعلماء وعلماء الاجتماع خاصة يقومون بأبحاث بهذا الصدد، ولكن هذا ليس بدافع ودفع من الحزب ولكن بدافع شخصي منهم ولهذا السبب.. وهذا ما أفهمه أنا عن الأوضاع، ولا أعتقد أن الصين سوف تتحول إلى ما يسمى بحزب اشتراكي ديمقراطي في المستقبل.
مالك التريكي: لكن دافع غريزة البقاء عند الحزب الشيوعي وقوله بضرورة احتضان الرأسماليين الذين كانوا يُعدون في النظرية الكلاسيكية كأعداء للحكم الشيوعي لابد أنها تكون قائمة على الرغبة في التحول والتأقلم مع.. مع التطورات إذا اقتضى الأمر ذلك، أليس هذا منطقياً؟
شوي مو خونغ: في هذا الصدد علينا أن.. أن نتوصل إلى فهم جديد لطبيعة الأمور لأن الرأسمالية الآن بإمكانها أن تلعب دوراً إيجابياً و جيداً في مجتمعنا فهم لم يعودوا أعداءً بل أصبحوا أصدقاء الآن ورفاقاً لنا، وعلينا أن نعقد عقداً اجتماعياً معهم وليس ضدهم، هذا هو المعنى الذي تعنيه أو يعنيه ميثاق المراجعة الذي يقوم به حزبنا الآن.
مالك التريكي: السؤال الدائم الذي يُطرح حول المستقبل في الصين منذ عقدين على الأقل، هو مدى إمكانية استمرار التوفيق بين التحرير الاقتصادي الذي حقق نتائج باهرة في الصين وبين الانغلاق السياسي، هل تتوقعون أن التطوير الأخير في العقيدة الرسمية للحزب سيؤدي بمرور الزمن إلى نوع من الليبرالية السياسية؟
شوي مو خونغ: أعتقد إننا إذا ما تابعنا الإصلاحات الاقتصادية فإننا سوف نقوم بإصلاحات سياسية أيضاً، ولكن الإصلاحات السياسية يجب أن تكون متدرجة والقفز إلى الأمام، والقفز على المراحل هو إخفاق –من وجهة نظري- والإصلاح السياسي كما أراه يجب أن يأتي ربما في وقت لاحق وبشكل وبحرص ومن دون إسراع، لأن التدرج وعملية التطور التدريجي بالنسبة لنا تعني إننا يجب أن نتحول إلى مجتمع أكثر ديمقراطية، وهذا هو الأمر المهم، وذلك بالنسبة لنا يعني أننا.. أن نحقق الرخاء الاقتصادي، وأيضاً المجتمع الديمقراطي في الصين أيضاً.
مالك التريكي: هنالك فئات في الصين مثل المسلمين الاستقلاليين في الغرب، ومثل جماعة (فالون جونج) الروحية المحظورة وملايين من العاطلين عن العمل بعد إغلاق المصانع التي كانت تابعة للقطاع العام، كيف يمكن للقيادة الجديدة أن تحول دون قيام اغترابات اجتماعية بسبب عدم حصول هذه الفئات على ما تطالب به من حقوق؟
شوي مو خونغ: عليَّ أن أقول إن على القيادة أن تولي المزيد من الاهتمام لمثل هذه الفئات من أجل إقامة ضمان.. ضمان أمن اجتماعي يعاني.. يعالج مشاكل البطالة وما شاكل ذلك وتبعات ذلك، وأيضاً يجب علينا أن نقيم أيضاً مراكز تجارية جديدة من نمط جديد تساعد على التعامل مع مشكلة البطالة، ولأجل أن نحل مشاكلنا بشكل سلمي في المستقبل القريب.
مالك التريكي: مما دعا إليه الرئيس المتنحي جيانج زيمين في خطابه في المؤتمر الأخير للحزب، الاستمرار في الإصلاحات الاقتصادية، ودعا إلى مضاعفة النمو الاقتصادي بحوالي أربعة أمثال ما.. ما هو محقق الآن بحلول عام 2020، هل تتوقعون أن.. أن هذا الهدف ممكن التحقيق؟
شوي مو خونغ: أعتقد إن.. إن العام هو 2020، نحن الآن نقوم بجهد من أجل التنمية، وفي بلدنا نحقق نتائج جيدة ونسعى إلى تحقيق الأفضل وأرى أن هذا الهدف ممكن تحقيقه من دون مشاكل، لأن نسبة النمو التي نحققها سريعة جداً، وسنوياً نحقق نسبة نمو بنحو 8%، وإجمالي الناتج القومي سوف يتضاعف، وممكن أن نضمن لمجتمعنا عيشاً أفضل.
مالك التريكي: البروفيسور شوي مو خونغ (أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة بكين) لك جزيل الشكر.
بمثل ما كان القرن العشرون أميركياً هنالك من يعتقد بأن القرن الحادي والعشرين سيكون صينياً، ليس لأن الصين هي أكبر قوة اقتصادية صاعدة في العالم فحسب، بل ولأن سياستها الخارجية المعلنة تقوم على التصدي للأحادية الأميركية، وعلى تأييد بروز تعددية قطبية تصلح الاختلال في ميزان القوى الدولي، نظرة في الموضوع بعد الفاصل.
[فاصل إعلاني]
مستقبل دور الصين السياسي في ظل التصدي للأحادية الأميركية
مالك التريكي: تتراوح الأدبيات السياسية الغربية حول الصين بين القول بأنها سوف تصير قوة عظمى تنافس الولايات المتحدة بحلول العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، وبين القول بأن الاستثمارات الأميركية الضخمة ستنتهي بتحويل الصين إلى مجرد هونج كونج كبرى لا هم لها إلا البيع والشراء، ولعل هذا التناقض في توقعات الغربيين يعود إلى التوتر الذي تعيشه الصين بين وطأة الإرث وشدة الطموح، حيث أن ما يحدو بها إلى أن تسعى إلى السؤدد القومي سعيه هو الشعور الوطني بالضيم التاريخي بسبب كثرة المظالم التي لحقت بها خلال القرنين الماضيين على أيدي القوى الغربية، ولكن خبراء في العلاقات الدولية من أمثال مستشار الأمن القومي الأميركي السابق (زبجنيو بريجينسكي) يقولون إن ما يحرك الصين أيضاً هو الثقة المفرطة في الذات إلى حد الغرور، فهل يكون لهذا الانتقاد سبب آخر سوى أن السياسة الخارجية المعلنة للصين تقوم على التصدي للأحادية الأميركية وعلى تأييد بروز تعددية قطبية تصلح الاختلال في ميزان القوى الدولي.
لبحث القضية معنا من القاهرة الدكتور مصطفى كامل السيد (مدير مركز دراسات الدول النامية وأستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة).
دكتور السيد، برز خلال السنوات الثلاث الأخيرة تقارب بين الصين من ناحية وبين روسيا وفرنسا من ناحية أخرى حول مبدأ القول بضرورة التصدي للأحادية الأميركية وتسهيل بروز تعددية قطبية في العلاقات الدولية، هل تتوقعون أن هذه سياسة ثابتة ستستمر بعد تسلم الجيل الرابع للسلطة في الصين أم أنها سياسة ظرفية محكومة بملابسات مؤقتة؟
د. مصطفى كامل السيد: لاشك أن هذه السياسة سوف تستمر، وصول جيل جديد من القادة الصينيين إلى المراكز العليا في الحزب، ثم بعد ذلك في الدولة وفي جمعية الشعب الوطنية لا يعني أن سياسات الصين الخارجية سوف تتغير، فهناك مصالح صينية محددة في منطقة شرق آسيا، وفي منطقة جنوب شرق آسيا، وجنوب آسيا أيضاً بحكم الامتداد الكبير للصين عبر كل هذه المناطق في آسيا، ولذلك فإن السياسة الصينية سوف تحرص دائماً على ألا تعطي للولايات المتحدة الفرصة لكي تحدد مصير هذه المناطق الحيوية بالنسبة للصين، ولكن على عكس ما قاله مستشار الأمن القومي الأميركي السابق (بريجينسكي) فإن الصينيين لا يتسمون بالغرور، هم يتسمون بالتواضع، هم يريدون أن يعلموا الولايات المتحدة أن هناك حدود معينة لسلطتها ونفوذها، وهكذا كان سلوكهم عندما وقعت الطائرة الصينية بعد اصطدامها بطائرة تجسس أميركية، ولكن من ناحية أخرى هم لا يتقدمون الصفوف في تحدي الولايات المتحدة في الوقت الحاضر، وهذا ما شاهدناه خلال الشهرين الأخيرين في مجلس الأمن، حيث تركت الصين لكل من فرنسا وروسيا مهمة التصدي لمحاولة الولايات المتحدة أن تشن حرباً ضد العراق بدون موافقة مجلس الأمن، واكتفت الصين بأن تراقب ذلك، علماً بأنها لا تتحمس لكي تنفرد الولايات المتحدة، ولذلك أعتقد أن القيادة الصينية تعد العدة لاستكمال قوتها الاقتصادية، ولتطوير قدراتها الدفاعية، وعند ذلك فإن الولايات المتحدة لابد أن تأخذ مصالح الصين في الاعتبار، وهنا سوف يكون هناك خريطة جديدة للقوى السياسية في شرق آسيا، لا ينبغي أن ننسى أن هناك وجود عسكري..
مالك التريكي [مقاطعاً]: هل لهذا.. دكتور، دكتور….
د. مصطفى كامل السيد: نعم.
مالك التريكي: دكتور، هل لهذا عدم.. عدم تصدر الصين صفوف الدول المتصدية نوعاً ما لسياسات أميركا، هل لهذا علاقة بما هو منسوب إلى (جيانج زيمين) من.. من قول بأنه ليس من مصلحة الصين حالياً المواجهة مع.. مع الولايات المتحدة، لأن استقرارها ونموها الاقتصادي يعتمدان على علاقات جيدة مع الولايات المتحدة، في.. في المرحلة الحالية التاريخية؟
د. مصطفى كامل السيد: نعم، القادة الصينيون يعطون الأولوية لبناء قدراتهم الاقتصادية، لأنهم يدركون أن بناء هذه القدرات الاقتصادية هو الذي سوف يضمن لهم نفوذاً سياسياً متسعاً، وهو أيضاً القاعدة التي يبنون عليها قواتهم العسكرية، ولهذا السبب هم يريدون أن يؤجلوا أي مواجهة مع الولايات المتحدة، لأي سبب كان، حتى تكتمل لهم أسباب القوة الاقتصادية، والعسكرية والدبلوماسية، عند ذلك سوف يكون لكل حدث حديث.
مالك التريكي: علاقات الصين مع الدول الغربية عامة ومع أميركا خاصة تحددها كثير من العوامل، من ضمنها وضع تايوان وحقوق الإنسان وحقوق الأقليات، ونقل تكنولوجيا الصواريخ، هل تعتقدون أنه في.. في المرحلة القادمة، على الأقل في العام الأول أو الثاني من تسلم القيادة الجديدة ستقدم الصين بعض التنازلات لربح الوقت؟
د. مصطفى كامل السيد: هناك حدود للتنازلات التي يمكن أن تقدمها الصين. في مسألة حقوق الإنسان التنازل المهم الذي قدمته الصين بالفعل هو انضمامها إلى العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ومن ثم فهي تعلن التزامها بمبادئ حقوق الإنسان في شقها المدني والسياسي، قبل ذلك كانت تعلن التزامها بحقوق الإنسان في شقها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، ولكن نحن نعرف أن هناك العديد من دول العالم انضمت إلى هذا العهد دون أن يعقب ذلك تغيير أساسي في موازين القوى داخلها، ومن ثم يمكن القول أن هذا نوع من التنازل الرمزي إذا ما شئتم ذلك.
فيما يتعلق بأوضاع الأقليات والتحرر السياسي لا أعتقد أن الصين سوف تقدم أي تنازلات في هذا المجال في السنوات القادمة، قد يكون هناك تحرك معين مثلما قال (خو جين طاو) الذي اختير أميناً عاماً للحزب الشيوعي عندما قال أن الصين تفتح صفحة جديدة. هذه الصفحة الجديدة قد تشمل يعني قدر من التحرك السياسي، ولكن لم يصل إطلاقاً إلى إعطاء حرية لأحزاب المعارضة أو السماح للقوى الليبرالية بأن تعبر عن نفسها من خلال صحافة مستقلة، إلى آخره، ولكن ربما التزام بحكم القانون، وحديث عن حقوق الإنسان.
فيما يتعلق بالأقليات أعتقد أن هذه آخر مسألة يمكن أنا تتنازل بالنسبة لها الصين، لأن لدى الصينيين إحساس عميق بأن بقاء الصين يعتمد على قوة المركز، أي قوة الحكومة المركزية في بكين، ولذلك.. بالعكس المتصور هو أن الصينيين سوف يشددون قبضتهم على الأقاليم التي تظهر فيها علامات على المطالبة بقدر من الاستقلال الذاتي، ويستفيدون في ذلك من ما تسمية الولايات المتحدة حربها ضد الإرهاب، ولذلك كما فعلت روسيا في شيشنيا فهم يفعلون نفس الأمر في الأقاليم، خصوصاً الأقاليم التي تقع على الحدود، والتي توجد فيها أقليات مسلمة.
مالك التريكي: بمناسبة.. دكتور، دكتور بمناسبة….
د. مصطفى كامل السيد: هم يقولون أنهم هناك يحاربون الإرهاب.
مالك التريكي: دكتور بمناسبة ذكر الحرب على الإرهاب بدا في أعقاب الحادي عشر من سبتمبر أن العلاقات بين الصين و.. والولايات المتحدة عادت إلى الدفء الذي كان.. كانت تتميز به في الثمانينيات عندما كان العدو المشترك هو الاتحاد السوفيتي، ولكن في شهر نيسان تزامنت زيارة الرئيس الجديد (خو جين طاو) إلى واشنطن مع زيارتين قام بهما الرئيس السابق (جيانج زيمين) إلى ليبيا و.. وإيران، وفي طهران قال جيانج زيمين إن الصين تطالب بجلاء القوات الإسرائيلية جلاءً تاماً عن.. عن الأراضي الفلسطينية المحتلة، هل تتوقعون أن هذا الموقف الصيني من القضية الفلسطينية سيثبت أم سيتغير؟
د. مصطفى كامل السيد: الصين مثلها مثل الهند، وإلى حد ما مثل الاتحاد الأوروبي تبيع للعرب كلاماً معسولاً، ولكن سياساتها الخارجية تحددها مصالحها الاقتصادية، ولهذا السبب إلى جانب هذا الكلام الذي يقع على الآذان العربية وقعاً حسناً، هناك علاقات عسكرية وتكنولوجية متطورة مع إسرائيل، هناك نمو في العلاقات الإسرائيلية الصينية، هناك تدفق للسياح الإسرائيليين على بكين، أعتقد أن (العال) هي شركة الطيران الوحيدة في الشرق الأوسط التي تنظم رحلات يومية إلى الصين، لذلك لا ينبغي أن ننخدع كثيراً بالكلمات المعسولة التي تأتي من جانب الصين.
مالك التريكي: دكتور.. دكتور مصطفى كامل السيد، دكتور مصطفى كامل السيد.
د. مصطفى كامل السيد: نعم.. نعم.. نعم.
مالك التريكي: دكتور مصطفى كامل السيد (أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة) لك جزيل الشكر.
وبهذا تبلغ حلقة اليوم من (قضايا الساعة) تمامها، دمتم في أمان الله.