قضايا الساعة

العلاقات الأميركية الأوروبية

العلاقات الأميركية الأوروبية في ضوء تعصب الولايات المتحدة لعقيدتها الجديدة عقيدة محور الشر، وفي ضوء تنكرها لديانتها القديمة ديانة التبادل التجاري الحر، أسباب الخلاف بين أوروبا وأميركا والهيمنة الأميركية ومحاولات الانفلات الأوروبية.

مقدم الحلقة:

مالك التريكي

ضيوف الحلقة:

بروفيسور/ ماريو تيلو: جامعة بروكسل الحرة
د. محمد السيد سعيد: مدير مكتب الأهرام – واشنطن

تاريخ الحلقة:

26/05/2002

– أسباب الخلاف بين أوروبا وأميركا
– الهيمنة الأميركية ومحاولات الانفلات الأوروبية

undefined
undefined
undefined

مالك التريكي: العلاقات الأوروبية الأميركية في ضوء تعصب الولايات المتحدة لعقيدتها الجديدة، أي عقيدة محور الشر، وفي ضوء تنكرها لديانتها القديمة، أي ديانة التبادل التجاري الحر.

أسباب الخلاف بين أوروبا وأميركا

أهلاً بكم.. لابد من الانتباه إن أميركا مصابة بالكَلَب، فلنقطع كل ما يربطنا بها من روابط وإلاَّ فإنما سنكون نحن –أيضاً- عُرضة للعض والكَلَب.

بهذه اللهجة الحادة عبَّر (جان بول سارتر) عام 53 عما كان يختلج في ضمائر عدد من الأوروبيين ضد تزايد الضغوط الأميركية التي كانت ترمي لإلزامهم بالانحياز المطلق لواشنطن ضد موسكو، ذلك أن واشنطن كانت في عهد الحرب الباردة تعتبر أن استقلالية الرأي حياد، وأن الحياد لا أخلاقي حسب القولة الشهيرة لـ (دين أتشيسون)، وها أن الولايات المتحدة الأميركية الآن تعود سيرتها الأولى، فتقول لكل دولة: إني خيرتك فاختاري، لا توجد منطقة وسطى بين الجنة والنار!

هذا المنطق الضيق بدأ يزعج الأوروبيين مثلما تُبيِّن المظاهرات الشعبية ضد الرئيس (بوش) في الدول الأوروبية التي يقوم –حالياً- بزيارتها، وليس أدل على هذا الانزعاج من أن صحيفة "لوموند" التي كانت قد أعلنت –بُعيد أحداث الحادي عشر من سبتمبر- إننا جميعاً أميركيون، تعبيراً عن شدة التعاطف مع الولايات المتحدة قد تساءلت أخيراً: هل أُصيبت الولايات المتحدة بالجنون؟ ذلك أن واشنطن قد سارعت إلى تبديد رأس مال كبير من التعاطف الأوروبي معها بما بدى من استهتارها بالقانون الدولي في معاملة الأسرى في (جوانتنامو)، وبانحياز الدبلوماسية الأميركية المطلقة لسياسة (أرئيل شارون)، وبما تضمنه خطاب حالة الاتحاد من تبسيطات أبرزها القول الجديد بعقيدة محور الشر، والقول المتجدد بأن الأمة الأميركية هي شعب الله المختار، إضافة إلى الزيادة المفرطة في نفقات الأمن إلى حد عسكرة السياسة الأميركية، مع ما ينطوي عليه ذلك من مخاطر على النمو الاقتصادي وحتى على الحرية العامة.

إعلان

أما أحدث أسباب الخلاف بين أوروبا والولايات المتحدة فيتعلق بفرض الرئيس (بوش) رسوماً جمركية على واردات الصلب، دعماً –بذلك- لصناعة الصلب الأميركية، واستعداده أيضاً لاتخاذ نفس الإجراءات دعماً للمنتجات الزراعية الأمريكية، ذلك أن هذه الإجراءات –ذات الطابع الانتخابي المحض- تمثل تنكراً للمبادئ التي تُبشِّر بها واشنطن منذ زمن طويل، أي مبادئ التبادل التجاري الحر، وفتح الأسواق وما لا تكف عن ترديده بشأن ارتباط حرية الحركة التجارية بانتشار البركة الرأسمالية.

لبيب فهمي يتناول من بروكسل مختلف مظاهر نهاية شهر العسل في العلاقات الأوروبية الأميركية.

تقرير/ لبيب فهمي: شهر العسل الذي ميَّز العلاقات الأوروبية الأميركية بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر والتضامن الرسمي والشعبي مع الولايات المتحدة لم يدوم طويلاً، فقد عادت الخلافات والتباينات في المواقف بين ضفتي الأطلسي فيما يتعلق بالحرب ضد ما تطلق عليه واشنطن الإرهاب ونيتها في مواصلة حربها هذه ضد كل الدول التي تعتبرها مارقة وسعت الولايات –منذ نجاحها في أفغانستان- إلى فرض نظرتها إلى القضايا الدولية بمنظار المصالح القومية المحضة، الاقتصادية منها والسياسية، متغاضية عن رأي حلفائها الأوروبيين، وجاء انسحابها من محكمة الجزاء الدولية، ومساندتها المعلنة للعمليات العسكرية الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والتي تعتبرها واشنطن جزءاً من الحرب الكونية ضد الإرهاب إضافة إلى عزمها على شن حملة عسكرية على العراق للإطاحة بصدام حسين ليعكر صفو العلاقات الأطلسية، ويُدشِّن مرحلة جديدة من الاتهامات المتبادلة.

جوي بالمر (مدير المعهد الأوروبي للدراسات السياسية): أعتقد أن أهم خلاف يتعلق بالنظرة إلى الحكم العالمي، فالأميركيون يعتبرون استعمالهم قوتهم الخارقة كان لضمان الاستقرار في العالم، بينما يرى الأوروبيون أن وجود مؤسسات دولية تخضع لرقابتها حتى الدول الكبرى نفسها، هو الضامن لهذا الاستقرار.

إعلان

لبيب فهمي: قائمة موضوعات الخلافات بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تزايدت في الآونة الأخيرة لتشمل الملفات التجارية بعد القرار الأميركي الأحادي الجانب بدعم صناعة الصلب والزراعة لمواجهة المنافسة في السوق العالمية، وهو ما يُعد خرقاً سافراً لقوانين التجارة الدولية التي تدافع عنها واشنطن في كل المناسبات ويعتبر الأوروبيون أن مجمل قرارات حماية التجارة الأميركية موجَّهة بالأساس ضد مصالحهم.

بول برنتول (باحث بالمركز الأوروبي للدراسات الاستراتيجية): الخلافات حول دعم صناعة الصلب والزراعة هي استجابة أميركية لضغط اللوبيات الممثل لعمال الصلب والفلاحة والولايات، وهناك أمثلة أخرى حيث يتخذ الأميركيون إجراءات لحماية منتجاتهم تخضع لحسابات مصلحية من دون اعتبار كافة العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

لبيب فهمي: وتُشكِّل قضايا المناخ الملف الأكثر شعبية بين الأوروبيين وهو يدفع إلى تنامي روح العداء للسياسة الأميركية في أوساط الرأي العام الأوروبي الذي يعتبر أن تجاهل واشنطن لبروتوكول (كيوتو) المتعلق بالمناخ يعد ضربة موجَّهة إلى مستقبل البشرية جمعاء.

فيليب راكيل (باحث – السلام الأخضر): لقد موَّلت الشركات البترولية الكبرى الحملة الانتخابية للسيد بوش، وهو ما يدفع بهذا النظام الفاسد إلى أن يصبح للشركات البترولية والكيميائية في الولايات المتحدة صوت ووزن كبيران في مراكز القرار داخل مجلس الإدارة، وخاصة عند الرئيس بوش بالمقارنة مع أوروبا حيث مازال الرأي العام يستطيع التأثير على المسؤولين -على الأقل- في مسائل التغييرات المناخية.

لبيب فهمي: الأوروبيون يشعرون الآن أنهم كانوا مخطئين عندما ظنوا أن هجمات نيويورك وواشنطن التي أصابت أميركا في قلبها الاقتصادي النابض وكرامتها كقوة عظمى، ومواجهتها للتهديدات من كل جهة سيحد من تعاملها الأحادي، ويجعلها أكثر انفتاحاً على مواقف حلفائها، ففي حربه ضد ما يطلق عليه محور الشر يُدرك (جورج بوش) أنه ليس في حاجة إلى استجداء تضامن الأوروبيين لأنهم مرغمون على مساندته، بل لقد تحولت اهتمامات أميركا نحو الشرق إلى الصين وروسيا التي أصبحت الحليفة بعدما احتلت لعقود مقعد إمبراطورية الشر من وجهة النظر الأميركية.

إعلان

مالك التريكي: في مايو من عام 1962 قال الجنرال (ديجول) بما عُهد فيه من نفاذ البصيرة: "من الممكن أن تحدث ذات يوم أحداث عظيمة وصروب وتبادلات عصيَّة على التصور، فلطالما وقع هذا عبر التاريخ إذ يمكن لأميركا أن تنفجر بفعل الإرهاب، أو بفعل العنصرية، ما أدراني، لتصبح بذلك خطراً على السلام"، انتهى الاقتباس.

فهل يجوز القول: إن العالم يعيش الآن حالة شبيهة بتلك التي تنبأ بها ديجول؟

[فاصل إعلاني]


الهيمنة الأميركية ومحاولات الانفلات الأوروبية

مالك التريكي: من أشهر أفلام الغرب الأميركي (أفلام الويسترن) فيلم بعنوان "القطار سيطلق صفارته ثلاث مرات" تبدأ أحداث الفيلم بعقد قران (الشريف)، أي مسؤول الأمن في القرية (جاري كوبر) على (جراي سكيرلي) وبينما يكون العريسان على أهُبة الرحيل يصل الخبر بأن زعيم العصابة التي كانت تنشر الرعب بين السكان في الماضي قد خرج من السجن بعفو من حاكم الولاية، وأنه عائد إلى القرية في قطار منتصف النهار أي القطار الذي يطلق صفارته ثلاث مرات، وبعد تردد يقرر الشريف عدم الرحيل ويبدأ في تنظيم مجموعة من المتطوعين بهدف حماية القرية، ولكن ما راعه هو أنه كلما اقترب منتصف النهار كلما تضاءل عدد المتطوعين بحيث لم يبق في نهاية المطاف أحد سواه في مواجهة زعيم العصابة، ولكن عندما ينجح الشريف في قتل زعيم العصابة يسارع السكان الذين خذلوه إلى التجمع حوله لتقديم التهاني، فما يكون منه إلا أن يرشقهم بنظرة ذات مغزى وينزع النجمة من على صدره ويرمي بها في التراب.

هذه القصة الهوليودية اختار مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية السابق (جيمس ولسي) اختار أن يرويها –أخيراً- في مقال في صحيفة رصينة هي صحيفة "زي وول ستريت جورنال"، وذلك بهدف تأنيب الأوروبيين على قلة عرفانهم بالجميل لحامي حماهم الأميركي، أي الشرف، وقد وضع (جيمس ولسي) الأمور في نصابها على هذا النحو: إنتاج أسلحة الدمار الشامل من قِبَل دولٍ تؤيد الإرهاب هو قطار منتصف النهار الذي يقترب حتماً، الحكومة الفرنسيَّة وشركات النفط الفرنسيَّة فقي مثل موظف الفندق –في الفيلم- الذي يرى في عودة أفراد العصابة فرصة لازدهار الأعمال أي البيزنس، أما الدول الأوروبية فهي مثل سكان القرية المتخاذلين.

إعلان

على هذه الخلفية من عقدة الاستعلاء التي لخصها (سبيجنيو بريجينسكي) (مدير الأمن القومي السابق) لخصها بالقول بأن أوروبا هي محمية أميركية بمقتضى الأمر الواقع، على هذه الخلفية تتعامل الولايات المتحدة الأميركية مع أوروبا، ومن هذه الزاوية يمكن تفهم عدم اكتراثها بالاعتراضات الأوروبية الكثيرة على سياستها، وفى هذا السياق –تحديداً- تتنزل زيارة الرئيس بوش هذه المرة إلى مقبرة الجنود الأميركيين الذين سقطوا بالآلاف في عملية الإنزال في ساحل النورماندي عام 44، حيث أنه يريد التأكيد بهذه الزيارة على استمرار الالتزام الأميركي بالأمن الأوروبي لاسيما أن الرئيس بوش أعلن مراراً أن حرب الحلفاء ضد المحور –آنذاك- وحربه الآن ضد الإرهاب هي حرب واحدة من أجل الحرية.

محمود تميم يستعرض مسار العلاقات الأطلسية التي بدأت منذ حرب الحلفاء ضد المحور في هذا التقرير الذي تقرؤه رفاه صبح

تقرير:محمود تميم/ قراءة: رفاه صبح:

بدخولها الحرب العالمية الثانية عام 41 من القرن الماضي إلى جانب بريطانيا وفرنسا أنهت الولايات المتحدة فترة من العُزلة والانشغال بالقضايا الداخلية، ووجدت نفسها في قلب الأحداث العالمية، وقد عززت العلاقات الشخصية بين الرئيس (فرانكلين روزفيلت) ورئيس الوزراء البريطاني (ويلستون تشرشل) علاقات التحالف التاريخي بين ضفتي الأطلسي، إلا أن هذا التحالف بين أميركا وأوروبا الغربية قد انبنى على أساس ثقافة سياسية مشتركة تمثل قيم الديمقراطية والحريات العامة والاقتصاد الحر أهم مقوماتها، وقد تجلى جانب التضامن والتكافل السياسي والاقتصادي لهذا التحالف عندما قدمت الولايات المتحدة أموالاً ضخمة لإعادة بناء ما دمرته الحرب في أوروبا، وذلك في إطار ما يعرف باسم خطة (مارشال). أما أهم محطة في تطور العلاقات فقد تمثلت في توقيع معاهدة إنشاء حلف شمال الأطلسي في واشنطن 1949م وتلزم المعاهدة الدول الأعضاء بالدفاع المشترك في حال تعرُّض أي من الدول الأعضاء للهجوم العسكري، وقد حدثت بعض الخلافات بين الولايات المتحدة- التي كانت تهدف من قيام الحلف إلى إنشاء اتحاد أطلسي- وبين التطلعات الأوروبية نحو التكامل الاقتصادي، بل وحتى الاعتماد على الذات على الصعيد العسكري، وكانت فرنسا ممثلة في الجنرال (شارل ديجول) حاملة لواء الاستقلالية عن الولايات المتحدة وإقامة البناء الأوروبي على أساس التحالف الفرنسي الألماني، وعلى هذه الخلفية قرر (ديجول) سحب القوات الفرنسية من القيادة الموحدة لحلف الأطلسي، وقررت أميركا نقل مقر قيادة الحلف من فرنسا إلى بلجيكا، وبزوال الاتحاد السوفيتي عام 91 بدأ حلف الأطلسي يتحول تدريجياً من قوة دفاعية إلى شرطة إقليمية لحفظ السلام، وقد بدأ في أداء هذا الدور عام 99 بعد تدخله لإنهاء أعمال القمع الصربية في كوسوفو، الأمر الذي أكد –مرة أخرى- أن الولايات المتحدة صاحبة الدور الحاسم حتى في إنهاء النزاعات التي تنشب في قلب أوروبا رغم كثرة حديث الأوروبيين عن ضرورة إنشاء قوة دفاع أوروبية.

إعلان

وقد ألقت أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر الماضي بظلالها على العلاقات بين ساحلي الأطلسي، فقد أيدت كل الدول الغربية الولايات المتحدة في شن حربها ضد ما تسميه بالإرهاب، بل وشاركت بعض هذه الدول في الحرب ضد تنظيم القاعدة وحركة طالبان، غير أن تفرُّد الإدارة الأميركية باتخاذ قرارات فيما يتعلق بسير الحرب وتوسيع دائرتها قد أثار عدة تساؤلات أوروبية، وتحولت التساؤلات إلى مخاوف بعد أن أعلن الرئيس بوش حرباً على ما سماه محور الشر، حيث وضع –في سلة واحدة- العراق وإيران وكوريا الشمالية، وتعالت الانتقادات الأوروبية لسياسة الرئيس بوش الخارجية ورغبة واشنطن في الانفراد بإدارة العلاقات الدولية وكان أبرز هذه الانتقادات وصف وزير الخارجية الفرنسي (ايبور فيدرين) السياسة الخارجية الأميركية بالسذاجة، وتصريح وزير الخارجية الألماني (يوشكا فيشر) بأن الحلفاء الأوروبيين لا يسيرون في فلك أميركا مثلما كان من أمر دول أوروبا الشرقية مع الاتحاد السوفيتي، ورد الأميركيون على هذه الانتقادات ردوداً عنيفة كان أهونها قول وزير الخارجية (كولن باول) –في إشارة لانتقادات (ايبور فيدرين)- إننا قد تعودنا مثل هذا الكلام من بعض أوساط المثقفين الأوروبيين، واتسع نطاق الخلافات بين الجانبين بسبب رفض واشنطن التصديق على معاهدة كيوتو حول خفض الانبعاث الغازات التي تسبب الاحتباس الحراري، كما أن الأوروبيين أصبحوا أكثر مجاهرة بالرأي فيما يتعلق باستمرار واشنطن في استخدام حق النقض في مجلس الأمن للحيلولة دون اتخاذ أي قرار ينتقد الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية، وقطاع غزة، ويبدو أن معظم دول العالم تُبدي تفهماً أكبر للموقف الأوروبي كما أنها تشاطر أوروبا مخاوفها من التفرد الأميركي بإدارة العلاقات الدولية، ومن سعي واشنطن الدؤوب لفرض أولويات الأمن القومي الأميركي على بقية العالم، وكأنها تطالب الإنسانية بأن ترى العالم بعيون أميركية.

إعلان

مالك التريكي: يتعلق أهم خلاف بين أوروبا والولايات المتحدة حسب (بادجيو بالمر إيفان) بطريقة إدارة المجتمع الدولي، الأميركيون يؤمنون بأن القوة تضمن النجاح، أما الأوروبيون فيسعون إلى ضمان الاستقرار العالمي بإرساء مؤسسات وقوانين تمتثل لها كل الدول الصغيرة منها والكبيرة. معنا الآن من (بروكسل) لبحث قضية العلاقات بين أوروبا والولايات المتحدة البروفيسور "ماريوتيلو" من مركز البحوث الأوروبية بجامعة بروكسل الحرة.

أستاذ ماريو تيلو.. هل توافقون "جيو بالمر" على القول بأن مصدر الخلاف الأساسي بين أوروبا والولايات المتحدة هو أن أوروبا تؤمن بالقانون الدولي بينما تؤمن الولايات المتحدة بأهمية استخدام القوة؟

ماريو تلو: إن هذا تعريف جيد، ولكنني أعتقد أن المسألة أكثر تعقيداً من ذلك، فإن التضامن بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية فيما يخص الحرب ضد الإرهاب، والتي يتم التأكيد عليها منذ الحادي عشر من سبتمبر وحتى الآن، وفي الأيام الأخيرة أثناء زيارة الرئيس بوش إلى ألمانيا فأعتقد أنها أكدت مجدداً من قِبَل الألمان.. فوزير الخارجية الألماني شدد على الفرق بين التضامن ضد الإرهاب من جهة ومن جهة أخرى حول مسألة العراق، فما يخص النقطة الأولى هناك تضامن كامل مع الولايات المتحدة وهذا يرجع إلى الحرب ضد القاعدة، ولكن من الجانب الآخر هناك تفسير أو تأويل مختلف بعد مرحلة الحرب الباردة، وبعد.. والأبعاد المختلفة فيما يخص الحرب ضد الإرهاب، والحوار ما بين العالم الغربي وجنوب العالم، وخاصة العالم العربي.

مالك التريكي: بالنسبة للعراق –أستاذ تيلو- يبدو أن الموقف الأوروبي لا ينطلق من منطلقات مبدئية، بل ينطلق من منطلقات مصلحية، فأوروبا تقول: لا يجب ضرب العراق، لأن هذا يُضر بالمصالح ويؤدي إلى عدم الاستقرار، بينما الأولى أن تقول: إن تدخُّل دولة في دولة أخرى لقلب نظام الحكم هو ضد القانون الدولي، أليس هذا أجدر بها؟

إعلان

ماريو تيلو: كما تقولون إن الاتحاد الأوروبي وموقفه يتعلق باحترام القانون الدولي، وأيضاً بقرارات مجلس الأمن الدولي وموقفها من القضية، وما يعنيه هذا هو –حسب اعتقادي- أن الاتحاد الأوروبي وبلدان الاتحاد الأوروبي تتفق تماماً مع بذل كل الجهود الممكنة لإعادة المفتشين إلى العراق، والدفاع عن مبدأ التعددية في التعامل مع المسألة العراقية والأزمة بين العراق والأمم المتحدة، من الناحية العملية ذكرتم إن هناك قضية مصالح، بالطبع المصالح مهمة، وأوروبا سوف تتأثر أكثر باحتمال قيام حرب ضد العراق.

ثانياً: ليس هنا بلد أوروبي مستعد الآن ليقدم للرأي العام أن الحرب مسألة لا مفر منها، وشن هجوم على إيران لا مفر منه، هذا هو الفارق الكبير بين طرفي الأطلنطي، أما ما يخص القضية من أساسها هو وجود التهديد وكيفية التعامل مع هذا التهديد.

وأيضاً هناك مسألة الأولويات، الاتحاد الأوروبي يُعطي الأولوية للتفاوض والاتفاقيات متعددة الأطراف من جهة، ومن جهة أخرى أيضاً هناك مسألة وجهات النظر وتباعدها بين أميركا والاتحاد الأوروبي، فهناك أجندة كونية جديدة وضع أبعادها الرئيس بوش تتعلق برؤية مسيانية أو.. جديدة للعالم..

مالك التريكي [مقاطعاً]: هذه.. هذه الرؤية المسيانية، أستاذ تيلو.. هذه الرؤية المسيانية أي التبشيرية التي تؤمن بضرورة إحقاق قيم أخلاقية في العالم كله من منطلق أن أميركي تنطلق من تفسير مختلف لأحداث الحادي عشر من سبتمبر، الأميركان يعتقدون أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر أثبتت أن قِيَمُهم ونظامهم هي القيم الصحيحة، بينما الأوروبيون يعتقدون أن ما حدث في الحادي عشر من سبتمبر هو نتيجة أخطاء في السياسات الأميركية.

أليس هذا موقف تناقض كبير جداً في فهم العالم الآن؟

ماريو تيلو: لن أذهب إلى هذا البعد بالقول، فإن ما ذكرته –مثلاً- (كونداليزا رايس) حول وجود تعارض في القيم وفي مقال نشرته في "لوموند" وحتى قبل الحادي عشر من سبتمبر وقبل أكثر من عام، لأن المسألة تتعلق بفكرة الأسلوب الأحادي والأسلوب المتعدد الأطراف في التعامل مع القضايا، وهذا خلاف بين جانبي الأطلنطي، مثلاً مسألة عقوبة الإعدام.. الأوروبيون ضد عقوبة الإعدام.

إعلان

وثالثاً: هناك –أيضاً- التزام عميق من جانب الأوروبيون من أجل إيجاد توازن أكثر بين الشمال والجنوب في العالم، وقد أثبت هذا بالتزام الاتحاد الأوروبي بتقديم الإغاثة والمعونات الدولية وأيضاً التعاون الدولي، أوروبا هي القوة الأولى في العالم التي تتعاون مع دول العالم الثالث، وفيما يخص المعونات الإنسانية، وأيضاً أوروبا ناشطة جداً في اتباع أسلوب الأطراف المتعددة، لأن هذا يعطي خياراً ممكناً، لكن هذا خيار يتعارض مع الخيار الأحادي التي تدعو إليه الولايات المتحدة وكذلك ما ذكر الرئيس بوش قبل أسبوع أمام الاتحاد الأوروبي إن هناك عدة نقاط خلاف..

مالك التريكي [مقاطعاً]: أستاذ ماريو تيلو.. أستاذ ماريو تيلو، جريدة (الأوبزيرفر) أخيراً قالت: "إن على بوش أن يستمع أكثر مما يتكلم في أوروبا" هل تعتقدون أنه قادر على ذلك؟ إذن.. إذن يبدو أن معظم دول العالم تُبدي تفُّهماً أكبر للموقف الأوروبي، وتشاطر أوروبا انتقادها للولايات المتحدة.

معنا الآن لبحث الموقف الأميركي بعد أن بحثنا الموقف الأوروبي من قضية العلاقات بين أوروبا وأميركا الدكتور محمد السيد سعيد (مدير مكتب الأهرام في واشنطن). دكتور محمد السيد سعيد.. هناك رأي سائد الآن في أميركا يعتبر أن هنالك موجة من الكراهية ضد أميركا يتظافر مع موجة من اللاسامية.. هل هذا التقييم صحيح من الناحية الأميركية؟

د.محمد السيد سعيد: هذا الرأي شائع إلى حد كبير جداً ولكن الأميركيين لا ينتبهون إلى حقيقة أن علاقاتهم بالعالم بالغة التوتر، دعني أوضح المسألة من ثلاثة مناحٍ على الأقل، الناحية الأولى هي الناحية القانونية، هذه الدولة الأميركية هي الدولة الوحيدة في العالم الباقية التي لا تزال تؤمن بمبدأ يُسمَّى ثنائية القانون، أي أن القانون ليس موحَّداً داخلي وخارجي، وإنما هناك قانون دولي وقانون محلِّي، والأولوية تكون للقانون المحلي. فالمحاكم الأميركية لا تطبق القانون الدولي انطلاقاً من إيمانها بوحدة القانون، وإنما هي تعتقد أن العالم الخارجي ينبغي أن يخضع للقانون الأميركي، وهي حالة شائعة فيما يُسمَّى مسألة الامتداد التشريعي، أن القانون الأميركي له امتدادات عالمية، بينما القانون الدولي ليس مُلزماً للدولة الأميركية والمحاكم الأميركية والمؤسسات الأميركية، هذه هي الدولة الوحيدة التي لازالت تُؤمن بهذا المعنى.

إعلان

من الناحية السياسية فإن الولايات المتحدة الأميركية تبدو مصممة على المُضي في مشروع كامل ومتكامل لتغيير العامل بأسره، والهيمنة عليه، سواء من خلال الهيمنة النووية، وهو الأمر الذي يفسر مشروع الدرع الصاروخي، وخروج الولايات المتحدة الأميركية من معاهدة الـA.B.M، وأيضاً من خلال التكنولوجيا المتقدمة، وفرض التجانس الإجباري على دول العالم بإجبارها على اعتناق أفكار متطرفة عن قوى السوق وعن يعني.. غيرها من المعطيات التي.. يعني هي تتجسد الآن فيما يُسمَّى بحركة العولمة.

أما الولايات المتحدة الأميركية –نفسها- فتبدو غير مُلزمة بأطروحة العولمة التي تطرحها على الآخرين وهناك عدد كبير من الخروقات المهمة للاتفاقيات التجارية الدولية.

مالك التريكي [مقاطعاً]: هذا ما عبرنا عنه..

د. محمد السيد سعيد: الأمر المهم هنا هو أن الولايات المتحدة الأميركية تبدو..

مالك التريكي: هذا ما عبرنا عنه.. اتفضل.. اتفضل يا دكتور سعيد

د.محمد السيد سعيد: مصممة على إنشاء إمبراطورية عالمية، وهذا هو ما يعارضه الأوروبيون فمجرد أن تمحو الإدارة الأميركية مبدأ حق تقرير المصير، وسيادة الدول فيما يتعلق بتهديدها باجتياح العراق، وتغيير نظام الحكم هناك بالقوة، فهي لا تفعل ذلك تجاه العراق وحده، وإنما تعطي نفسها حقاً مطلقاً في تغيير نُظم الحكم بالقوة في بلاد العالم المختلفة، الأمر الذي يعتقد الأوروبيون أنه قد يؤدي إلى انهيار النظام الدولي، إنها لو طبقت الولايات المتحدة الأميركية هذا المبدأ الأمبراطوري على العراق فإن بوسعها أن تطبقه على جميع دول العالم الأخرى حتى بما في ذلك الدول الأوروبية وهذه هي..

مالك التريكي [مقاطعاً]: الأمر المخيف، دكتور سعيد، الأمر المخيف أوروبياً، وهذه بعض الانتقادات التي يوجهها الأوروبيون أنفسهم إلى.. إلى ساستهم، هو أن معارضة ضرب العراق أوروبياً لا تنطلق من مبادئ تتعلق بالقانون الدولي بل باعتبارات مصلحيَّة، هم لا يقولون: إن قلب نظام الحكم في دولة أخرى يعارض القانون الدولي، بل يقولون: إنه سيؤدي إلى زعزعة الاستقرار، أليس هذا خطر يُسهِّل المشاريع الإمبراطورية لأميركا.

إعلان

د.محمد السيد سعيد: ولكن أعتقد أن أوروبا أيضاً حريصة على المبدأ، لأن فكرة حق تقرير المصير ومبدأ السيادة لو تم خرقه وانتهاكه فسوف تدور الدائرة ربما على عدد من الدول الأوروبية ذاتها، الأمر المهم أيضاً أنه من الناحية المبدئية لو سُمِح للولايات المتحدة الأميركية بأن تتصرف على نحو انفرادي، وأن تبني إمبراطورية عالمية فسوف يكون لهذه الإمبراطورية العالمية مركز وحيد، وهو واشنطن، الأمر الذي يُخفِّض –تلقائياً- من توقعات أوروبا لاحتلال موقع بارز في النظام الدولي لأن هناك جانب مبدئي أيضاً في الصورة، ليس مبدئي.. ليس مبدئياً بصورة تجريدية أو ترانسنداتيلية أو أخلاقية، ولكنه ينبغي أن نفهم مبدأ حق تقرير المصير ومبدأ السيادة، باعتباره العمود الأساسي في النظام القانوني..

مالك التريكي [مقاطعاً]: لا أدري.. دكتور سعيد.. لا أدري إن كنتم سمعتم ضيفنا البلجيكي قبل قليل يقول: إن أميركا دخلت مرحلة تبشيرية جديدة، وبهذا –ربما- يكون يقصد أسر الأفكار التي تنادي بها الآن الإدارة الأميركية هي نفس أفكار (جون ماكين) سيناتور أريزونا الذي كان ينافس بوش على التعيين مرشحاً رئاسياً للرئاسة عام 2000، وهي ضرورة نشر القيم الأميركية، وقد عبر عن ذلك (كولن باول) –أخيراً- عندما قال: "نحن لنا قيم قوية وقناعات، بينما الأوروبيون لهم مصالح، ونحن نحاول التوفيق بين هذين".

هل يعتقد الأميركان –فعلاً- بأن لهم قيم بينما الأوروبيون ليس لهم إلا مصالح؟

د.محمد السيد سعيد: الحقيقة أن هناك بحوث طويلة في علم العلاقات الدولية الأميركية، وهناك منازعة تقليدية بين مدرستين: مدرسة تقول بالقوة أو الـPower Politics والتي تقيم السياسة الخارجية الأميركية على المصالح الاستراتيجية والاقتصادية الأميركية في الخارج، وهناك مدرسة أخرى قديمة تُسمى بالمدرسة المثالية والتي تنطلق من اعتبارات تبشيرية، الواقع أن هذه النزعة التبشيرية الأميركية كانت –دائماً- قوية جداً في السياسة الأميركية، وأنا أعتقد أن الانفصام أو المناظرة بين مدرسة قوة ومدرسة مثالية هي مفارقة، وهي أيضاً فكرة زائفة، لأن النزعة التبشيرية كانت دائماً تستند على القوة الأميركية، وأن هناك عشرات من الحروب، ما لا يقل عن 140 حرب خاضتها الولايات المتحدة الأميركية في القرنين الماضيين، انطلاقاً من الإدعاء بأن هناك قيم يُبشرون بها ولكن ..

إعلان

مالك التريكي [مقاطعاً]: دكتور محمد السيد سعيد (مدير مكتب الأهرام في واشنطن).. شكراً جزيلاً لك، وبهذا سيداتي سادتي تبلغ حلقة اليوم من (قضايا الساعة) تمامها، دُمتم في أمان الله.

المصدر : الجزيرة