فاضل الجعايبي- مخرج مسرحي
المشهد الثقافي

دور المسرح العربي في صياغة الواقع ومتابعات أخرى

دور المسرح العربي في إعادة صياغة الواقع العربي المتردي- هل هناك خلل ما بين المسرح العربي والإنسان العربي، وما هو دور الحكومات العربية في ذلك؟-هل كانت الرواية العربية وفيه حقاً لحياة العرب في القرن العشرين؟-ما الدور الذي يمكن أن يلعبه الروائيون في تحريض وتغير الواقع العربي؟
مقدم الحلقة سلام سرحان
ضيوف الحلقة عدة ضيوف
تاريخ الحلقة 03/01/2000

undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined

سلام سرحان:

أعزائي المشاهدين، أهلاً بكم في أولى حلقات (المشهد الثقافي) في القرن الجديد والألفية الجديدة، في القرن الماضي حاورنا نخبة من الشعراء والتشكيليين والسينمائيين العرب، واليوم نكمل حوارنا مع عدد من المفكرين والباحثين والمسرحيين والروائيين.

وسنتأمل معهم فيما أنجزه القرن العشرون الذي ربما يكون دون في سجلات التاريخ أكثر مما كتب في جميع العصور السابقة، كما نستشرف آفاق القرن المقبل مع أنه يبدو عصياً على التوقعات، ونبدأ بالباحثين والمفكرين، فقد كان القرن العشرون عصراً طفحت على سطحه العقائد والأيدلوجيات أكثر من أي شيء آخر، في عالمنا العربي البعض يقول أن طموحات العقائديين كانت السبب الأساسي في تمزق نسيج المجتمع العربي من الداخل.

محمد أركون / مفكر وباحث من الجزائر:

الفكر الأيديولوجي تغلب على الفكر المعرفي والفكر العلمي وخاصة فيما يخص العلوم الاجتماعية والعلوم المتخصصة لدراسة الشئون الإنسانية، ولذلك لا يمكن اليوم أن تستكشف ماذا يكون في المستقبل لتطور الفكر وتطور الثقافة في المجتمعات العربية لأن الأطر الاجتماعية لا تزال تتغير حتى ضغط الديموغرافية -كما قلت- وتحت أيضاً ضغوط قضايا سياسية وقضايا اقتصادية وقضايا ثقافية لم تحل ويصعب حلها.

عبد الله الغذامي / باحث وناقد من السعودية:

الفكرة حينما تأدلجت حصل تواطؤ ما بين الفكري والسياسي ومن هنا تخلى الفكر عن دوره الحقيقي، لأن الأصل في الفكر والثقافة أن يكون معارضاً أن يكون ناقداً، ما لم يؤد الفكر دوره المعارض ودوره الناقد فهو حينئذ سيكون مجرد مبرر وتبرير للسياسي، وهذا الذي حدث فهو لو لعب مع السياسة لعبة المعارض والناقد لخدم السياسة من جهة، وخدم الفكر وأنشأ نوعاً من الوعي

الحقيقي بالذات عبر نقد الذات، وهذه الوظيفة التي يفترض أن يقوم بها الفكر، ولكن الفكر المأدلج لم يقم بهذا الدور لأنه تواطأ مع السلطة، وصار سلطة مساعدة بل صار سلطة قمعية تقمع الرغبة في التحرر.

سلام سرحان:

اليوم ونحن ندخل قرناً جديداً وألفية جديدة نتساءل عن فرص إنجاز فكر عربي مستقل في القرن الجديد، وإذا تحقق ذلك ما الدور الذي يمكن أن يلعبه هذا الفكر؟

فيصل جلول / باحث وكاتب من لبنان:

كيف؟ ومن يحدد مواصفات الفكر العربي المستقل، نحن نعيش في عصر تتجول فيه الأفكار كما تتجول السلع، وبالتإلى من الصعب القول بأن هذه الفكرة هي إنتاج عربي مستقل، وتلك الفكرة إنتاج أوربي مستقل وتلك الرابعة أو الثالثة إنتاج بلقاني مستقل.

عبد الله الغذامي:

هناك أفق لتخيير فكر عربي مستقل، هذا الأفق يأتي -عبر- أولاً: الانفتاح على العالم على الثقافة الإنسانية بشجاعة قوية، ثانياً: القدرة على نقد الذات، بمعنى تقديراتنا ونقد ثقافتنا، واستنبات الأشياء الحية والقوية في ذاتنا، واستبعاد الأشياء المحيطة، ما لم يكن لدينا الشجاعة الكافية بالدخول إلى العصر الحديث بكل قوة، فنحن لن نحقق فكر مستقل.

محمد أركون:

لا شك أن هناك إمكانيات حديثة التشريع اتجاهات، اتجاهات إبداعية في المفكر العربي، لكن بشرط أن تتغير النظم السياسية التي تغلبت في النصف الأخير من القرن العشرين، بشرط أيضاً أن تتجه النظم السياسية اتجاهاً ديمقراطي واتجاه حديثاً الذي يحترم حرية الفكر ويغير أيضاً النظام التربوي في المدارس وفي الجامعات، ويشجع البحوث العلمية، وخاصة فيما يتعلق بالعلوم الاجتماعية لأن هذه العلوم هي التي تغذي التفكير الجديد وخاصة فيما يخص قراءة جديدة لتاريخ جميع المجتمعات العربية.

سلام سرحان:

وأخيراً نتساءل هل هناك طريق يمكن أن يعيد التماسك المفقود إلى نسيج المجتمع العربي؟!

محمد أركون:

الاتجاه لتشجيع الثقافة الديمقراطية التي لابد منها حتى نتبنى جميع وسائل الفكر العلمي وجميع وسائل التربية اللائقة بالمجتمعات الحديثة وبما يفرضه على جميع المجتمعات المعاصرة الاكتشافات عليمة جديدة، والمشكل بالنسبة للمجتمعات العربية هي تجد الظروف اللائقة بمسايرة العصر، ومسايرة هذه الاكتشافات حتى يستفيد منها جميع المواطنين في جميع البلدان، وهذا يقتضي -كما قلت- اتجاه ديمقراطي في هذه المجتمعات.

عبد الله الغذامي:

الطريق إلى التماسك هو عبر الاعتراف بالتعدديات والاعتراف بالهويات داخل التكوين العربي، وإعطاء هذه التعدديات وهذه الهويات المتنوعة حقها في أن تشارك مع بعضها البعض في البناء، لا يمكن أن نتصور أن البناء يقوم على صيغة واحدة يفرضها جانب واحد، يجب أن نعرف أن البناء تماسك يحدث عبر التنوع، وعبر الاختلاف، لكنه اختلاف يفضي إلى ائتلاف، اختلاف يفضي إلى وحدة، الوحدة تقوم على عناصر متنوعة، سنظل في شتات ما لم نحول عناصر الشتات، نحولها إلى عناصر تكوينية فاعلة تهدف إلى بناء وحدة متجانسة.

فيصل جلول:

لابد من تحقيق تماسك المجتمع العربي في ضوء هذه القيم الجديدة وهي بخلاف الظن الشائع ليست محصورة بالغرب، وليست غربية بالمعني العدائي لغير الشعوب الغربية، إنها قيم عالمية لأن مرجعها الحضاري واحد وهو الفلسفة الكلاسيكية اليونانية، والعرب لعبوا دوراً في هذا المجال، لأنهم ساهموا في نقل العلوم اليونانية إلى الغرب، وبالتالي ربما ساهموا قبل قرون في هذا المجال، وبالتالي من حقهم كما من حق غيرهم أن يعتبروا هذه القيم قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات بمختلف أشكالها، من حقهم أن يعتبروا أن هذه القيم هي قيمهم، وأن يحققوا تماسكهم الاجتماعي وأن يدعموا النسيج الاجتماعي حول هذه القيم وفي ضوئها.

محمد جابر الأنصاري / مفكر من البحرين [نص مكتوب على الشاشة]:

من الأخطاء المميتة التي وقع فيها عقلنا هو أنه يميز ما بين الاستعمار الغربي والحضارة الغربية، فتصورنا الاثنين شيئاً واحداً فخسرنا الحضارة ولم نهزم الاستعمار.

سلام سرحان:

المسرحيين العرب عاشوا قرناً صاخباً ممزقاً بين محاولة إرساء قواعد المسرح التقليدي وبين محاولات التمرد بحثاً عن صيغ حياة مسرحية جديدة تعتمد التجريب، المسرح العربي بدأ بوعود طليعية كبيرة، تري كيف يرى المسرحيون العرب ما انتهى إليه مسرح القرن العشرين؟

صلاح القصب / مخرج مسرحي من العراق:

لم تؤشر خارطة المسرح عربياً بأن المسرح العربي بدأ تجريبياً بل كانت هناك سلطة النص الأدبي هي التي تستعمر العرض، لذلك فكان المسرح بعيداً عن الفضاءات الجمالية وبعيداً عن المعنى التشكيلي للصورة وعظمتها وقوتها السحرية في العرض، بدأت الحركة التجريبية أو بدأ المسرح الطليعي تحديداً في ستينيات هذا القرن، حيث شهدت خارطة المسرح أعمالاً كبيرة، انطلقت هذه الأعمال من بيروت، ومن تونس، ومن المغرب، ومن سوريا، ومن العراق..

العروض التي كانت تقدم أو التي قدمت خلال هذه الفترة وبالتحديد من بداية الستينات وحتى نهاية هذا القرن، هذه العروض هربت من سلطة اللغة واقتربت للمحيط الجمالي إلى محيط الفلسفة إلى محيط الفن التشكيلي، إلى محيط الشعر، لذلك نشاهد أو شاهدنا تجارب نهاية هذا القرن بأنها كانت تجارب متألقة.

عبد الحق الزروالي / مخرج مسرحي من المغرب:

المسرحيون العرب يبذلوا جهود جبارة من أجل التقليد أولاً والاقتباس والاستئناس والتسكع عبر كل اتجاهات عبر المسرح العالمي، ثم بعدها دخلوا في مرحلة البحث عن الهوية للمسرح العربي وعن ملامحه وخصوصيته، وقاوموا كل المشاكل فيما يتعلق بالأطر، والتجهيزات، بإقناع الجمهور بالاهتمام بالمادة المسرحية، حاولوا عبر كل الواجهات الدفاع عن الحق المسرحي أن يعطي نتيجة إيجابية، وأن يكون له انعكاس على الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي وكل الأشياء، ولكن ظلت هذه الطموحات معطلة بسبب عدم تفهم المسؤولون في الأنظمة العربية التي -مع الأسف الشديد- مارست نوع من الضغط على ها الحركة المسرحية فأبطلت مفعولها.

بيار أبي صعب / ناقد مسرحي من لبنان:

فما ابتعدنا عن خانة الصفر، بس ربحنا الهوامش الحصيلة الوحيدة هي الهوامش، الهوامش هي أن لكل مدينة عربية بالنسبة للوضع السياسي وعلاقتها بالديمقراطية وعلاقتها بحرية الاختيار، عندك تجارب مسرحية عالمية اليوم، يعني ممكن أنت اليوم تأخذ مسرحي سوري وتقدمه بلندن بدون حرج، يتقن هذا الفن ويتقن الحوار الحقيقي مع كل عناصر الفن بطريقة محترف، بس حبة عشرين مخرج وفنان بيعملوا فن هابط وفن درجة ثانية وفن درجة ثالثة غير ناضج اجتماعياً، غير ناضج فكرياً وجمالياً، بأي بلد ثاني مثلاً في تونس فيه المسرحيين، في القاهرة إلى آخره ربحنا بكل مدينة هامش صغير فيه مسرح محترف، بس ما قدر المسرح يقتحم المدينة، يأخذ حقه الشرعي بالمدينة مثل الملهى مثل المطعم مثل المعبد، بعمله على هامش المدينة، ولكن الهامش صار أكبر في ها القرن.

سلام سرحان:

بانتهاء الألفية الثانية يمكن القول إن المسرح العربي لم يتمكن من خلق دور عضوي في حياة المجتمع العربي، وهنا نتساءل ما هو الموقع الأمثل الذي يمكن أن يلعبه المسرح في حياة المدينة العربية في القرن الجديد؟!

عبد الحق الزروالي:

يجب أن تكون هناك مدينة عربية فعلاً فالمدينة ليست مجرد بنايات وطرق وقناطر وأسمنت وحديد، بناء المدينة يجب أن يتم على قيم هذه القيم هي التي ستعطي المدينة مدلول الاسم غير الحقيقي نحن كل ما نشاهده هو تطور في العمران وفقر وتراجع في بناء الإنسان هذا الإنسان الذي يجب أن نخلق فيه الحاجة إلى ما هو حقيقي وفاعل، فالثقافة ليست مسرح فقط الشعر والموسيقي الراقية واللوحة التشكيلية، والفيلم الجيد الذي يحاول أن يطرح قضايا ذات بعد حقيقي، هذا الفن الرفيع بمعناه الشامل كله يعاني وطبعاً المسرح في مقدمة هذه الفنون، كله يعاني من تراجع بسبب عدم تهيئ الإنسان العربي للتفاعل مع هذه الدرجة من التطور في وعي المبدعين الحقيقيين.

صلاح القصب:

عندما يكون هناك مسرح متقدم هذا يعني بأن هناك مدينة متقدمة، وعندما تكون هناك مدينة متقدمة هذا يعني بأن هناك مسرحاً متقدماً، المحيطين أو الفضائين فضائين متداخلين، فضاء المدينة وفضاء المسرح وعندما تتأسس المدينة حضارياً يتأسس المسرح حضارياً، وعندما تتأسس المدينة جمالياً يتأسس المسرح جمالياً.

بيار أبي صعب:

ممكن تجئ بعد(5)سنين، تترك العالم العربي(5)سنين ترجع تلاقي كل المسرحيين اختفوا، كل المسرح اختفي فحتى ما يعود فن طارئ لازم يتجزأ في المجتمع، لازم يكون جزء من نسيجه، لازم يدخل بالسلوك الاجتماعي اليومي والتقاليد الاجتماعية، والذهاب إليه، وهذا -طبعاً- يتطلب المؤسسة التربوية تلعب دور، التليفزيون يلعب دور، وأنتم تلعبون الدور بنجاح وبنشكركم عليه، إنه تشجعوا.. نخلق تقليد، بيصير المسرح هو (أغوارا) بالمعنى الإغريقي، هو المرآة اللي بتبعث للمجتمع صورته، مشاكله الراهنة، قضاياه، أحلامه، واللي بتبعث للفرد كمان أسئلته وهمومه، علاقته بالموت، بالزمن، بالحب، بالممنوع .. إلى آخره، فلازم المسرح يصير ينتقل من الهامش إلى قلب المدينة، وهذا مشروع اجتماعي حضاري سياسي، يقدر يستغل كل واحد بإطاره، يحسنه شوية.

سلام سرحان:

البعض يقول إن المسرح ولن يجد مكاناً ودوراً في حياة المجتمع العربي، فهل حقاً هناك خلل في علاقة الإنسان العربي بالمسرح؟

عبد الحق الزرالي:

الخلل ليس بين الإنسان والمسرح، الخلل بين الوساطة الموجود بين هذا الإنسان العربي وهذا المسرح، هذه الوساطات سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو دينية أو أخلاقية، يعني الأحزاب السياسية في الوطن العربي تستخدم المسرح ولا تخدم المسرح، الأنظمة تريد للمسرح أن يكون فرشاة لمسح حذائها، ولا وسام ولا تاج فوق رأسها.

فاضل الجعايبي / مخرج مسرحي من تونس:

لا أستطيع أن أقول إن هناك خلل بقدر ما أستطيع أن أقول أن هناك علاقة متناكبة ومتشاعبة بين المتلقي والباث، بين المتفرج والفنان، في الوقت الذي يقبل فيه المتفرج العادي أو حتى المثقف يقبل هذه المرآة التي تعكس حقيقته، فهو في نفس الوقت يرفضه يعني يريد أن نغذي فيه إيجابيته، أن نتحدث له بأقل صرامة وأقل قتامة وأقل مباشرتية عن واقعه، لأن الطغيان -مع الأسف- التليفزيون طغيان الوسائل السمعية والبصرية، الميادين الفنية، هذا طغيان أضفى على الوعي وأضفى على الذوق شيئاً من الرتابة إذا لم نقل شيئاً من التقهقر الذي ندفع ثمنه غالياً مع الطبقة المثقفة ومع الجمهور العريض.

صلاح القصب:

المشكلة هي ليست بقضية الإنسان المتلقي وقضية المسرح عندما تكون هناك قرارات جمالية، عندما يكون المسرح يدخل إلى رحاب أكبر اتساعاً، عندما يدخل إلى فراديس الجمال، عندما يدخل إلى الفلسفة فعندما ترتقي المسرح جمالياً ويرتقي فنياً، هذا يعني بأن الإنسان قد ارتقى أيضاً فنياً، لذلك الانحسار الموجود هو عندما تكون هناك أعمالاً رديئة عندما تكون هناك أعمالاً مألوفة، أعمالاً تقليدية، أعمال متوارثة، أعمال ساكنة، أعمال ميتة، فهذا يعني بأن الجمهور قد ابتعد، قد كون مسافة بينه وبين تلك العروض، وعندما تكون هناك العروض متألقة، عروض كبيرة، فإن المسافة ستتلاشى وسيندمج المتلقي والعرض في محيط واحد.

بيار أبي صعب:

أولاً: اللفظ، إحنا ما طلعنا من حصار اللفظ إلى الفعل، لأن المسرح في الثاني له علاقة بالجسد، المسرح الجسدي أساساًفنكل المسرح عنانا مجموعة محظورات ختشل علاقتنا بالجسد، فوبالتإلى العلاقة بالديمقراطية، يلأن المسرح اختلاف، لازم يكون موجودة كل النماذج وأن نشوفها على المسرح وبتتصارع، بينما نحن النموذج الواحد هو اللي مفروض علينا.

عبد الحق الزروالي:

يبقى المسرح العربي في حالة يمكن شبيهة بطريقة كاريكاتورية .. الطفل يحبو ويتعثر في لحيته.

نجوى قندقجي / مسرحية من سوريا [نص مكتوب على الشاشة]::

مشكلة المسرح العربي أنه لم يراكم تجارب عميقة وأساسية، ليس لدينا مثلاً مسرح كلاسيكي يشكل أرضية انطلاق صلبة. نحن ننطلق من الجديد المشوه والمبتور ونعتقد أننا نجدد، نحن نفتقد إلى المقياس الذي نحكم من خلاله.

سلام سرحان:

الراوئيون والقصاصون -بعكس الشعراء- صلتهم بالواقع لا تنقطع، بل إن هناك من يقول إن الرواية في ذاتها هي فعل تذكر. من هنا نتساءل هل كانت الرواية العربية وفية لحياة العرب في القرن العشرين؟

سحر الحوجي / روائية من مصر:

الرواية العربية ممكن تؤخذ على أنها تاريخ في حد ذاتها ليس النص في حد ذاته، داخل النص مداخل النص، لكن ممكن تؤخذ على إنها تاريخ لمستوى ولنوع ولكم الحرية اللي حصل عليها الروائي والروائية العربية في خلال القرن العشرين.

أحمد خلف / روائي من العراق:

أضف إلى هذا أن الرواية العربية تخلصت أيضاً من أساليبها التقليدية بالأساليب الجديدة، امتازت بالسرد التركيبي الفني الذي طرحت من خلاله أبرز المشكلات الاجتماعية بقضية المرأة وقضية الحرية، حرية التعبير في مجال السياسي والفكري والثقافي والأدبي.

إلياس خوري / روائي من لبنان:

عندنا تراث ضخم من المؤلفات استطاع –برأيي- تشكل ذاكره كاملة يستطيع المواطن والقارئ العربي أن يقرأها ويتعرف على مجتمعه، يتمتع .. يتعرف على علاقة الحقيقية بالمتخيل.

الحبيب السالمي / روائي من المغرب:

أكثر نوع أدبي عبر عن التحولات الحقيقية والكبرى في تفاصيلها أحياناً التي عرفها المجتمع العربي، وهي كثيرة خاصة بداية من الخمسينات أي من مرحلة الاستقلالات هي الرواية العربية.

سلام سرحان:

على صعيد الفعل الفني نتساءل مع انتهاء قرن وبداية قرن آخر: هل أنجزت الرواية العربية شروط انتمائها إلى العصر الحديث؟ وما الذي يمكن أن يفعله الروائيون لإنجاز هذا الانتماء في القرن المقبل؟

إلياس خوري / روائي من لبنان:

فأنه نسأل إذا الرواية دخلت في العصر الحديث معناته كأنه ها المسألة فيه شوية غريبة، لأن الرواية لم تنشأ في عصور قديمة، الرواية نشأت فقط مرتبطة بالحداثة. فالرواية العربية بالذات مثلما كل الروايات الكرة الأرضية، يعني الروايات الأوربية والأمريكية الجنوبية أو اليابانية أو الإفريقية هي بنت العصر الحديث، وبالتالي هي الشكل الأدبي اللي دخلت فيه الشعوب المختلفة في العصر الحديث.

أحمد من المديني / روائي من المغرب:

الثقافة العربية كلها بالمطلق لم تنجز انتمائها إلى العصر الحديث إننا نتطلع باستمرار وبانتظام إلى عصر إلى أفق قادم إلى أفق متجدد.

سحر الحوجي:

كل دي مقولات أنا أشكك فيها سواء مسألة العصر الحديث أو مسألة السبق بالمعنى الزماني للرواية الغربية على الرواية العربية، ومسألة التقنية أنا شايفة أن الرواية العربية استوعبت التقنيات، وطورتها في حدود المتاح للتعبير عن أزمة المجتمع العربي.

الحبيب السالمي:

لابد للرواية العربية أن تخرج قليلاً من هذا المنحى الاجتماعي الذي صار الآن يكبلها، الآن وقد تأسست لابد .. وهنا أوافقك أن تتوجه توجهاً آخر، وأن تخوض برأيي مغامرة الذات.

سحر الحوجي:

الرواية العربية خلال القرن العشرين أحدثت تراكم ثقافي ومعرفي ممكن إن هو يبقى أساس لأجيال مقبلة في القرن القادم، إنها تقدر تبني عليه.

سلام سرحان:

أخيراً نتساءل هل يمكن أن يكون للرد الفني دوراً في إغناء مخيلة المجتمع العربي؟ وما الدور الذي يمكن أن يلعبه الروائيون في تحريض المجتمع؟

أحمد المديني:

التحريض بمفهومه التعبيري المباشر انتهى، هناك تحريض آخر بمعنى أن يقوم الأدب لا ينفصل بتاتاً عن دوره الاجتماعي، وعن الرسالة التي يمكن أن يؤديها في المجتمع، وخاصة في مجتمعاتنا الطامحة إلى النمو إلى التجدد إلى الانفتاح على العالم إلى غير ذلك. لكن هناك رسالة أخرى أهم وأعمق وأكثر رسوخ بالنسبة لمفهوم الدور التحريضي .. أن تحرض الروائي على اعتناق قيم الجمال، على اعتناق قيم التحديث والتقدم، وأن يوسع من الأفق .. الخيال الإنساني وأحلامه.

سحر الحوجي:

الرواية بصفة خاصة والفن بصفة عامة إن لم يكن لحظة كشف يتبعها لحظة تمرد فهو ليس فناً وليست رواية.

أحمد خلف:

أبرز إمكانية متوفرة لدى الروائي العربي هو نقد الواقع العربي الذي يمتاز بالسلبية والتشتت والتمزق، نقد الواقع العربي من خلال النص الروائي يعني أننا ندعو إلى تحويل الرواية إلى واجهة سياسية، وعلى الروائي العربي أن يكون أميناً أيضاً إلى فنه الروائي أي أن يقدم قيماً جمالية متميزة، بذلك يستطيع أن يغير في الذائقة العربية.

إلياس خوري:

دور السرد أن يكون مرآة المجتمع، هذا دور الاجتماعي .. دوره الأدبي أن يعبر عن تطلعات المجتمع، يعني هو مراية يشوف فيها المجتمع صورته، وهو بنفس الوقت مش مراية تعكس المجتمع كما هو .. تعكس احتمالات تطوره إلى الإمام، عشان هيك الرواية دورها الأساسي مثل دور الفن في العالم، هي أن تخلي الناس الإنسان يحس، يعبر عن نفسه فيها، ولكن في نفس الوقت يحس أن هذا الواقع يتغير وممكن تغييره.

الحبيب السالمي:

أنا أعتقد أن الدور الوحيد وهو نقد أصدم بعض المشاهدين الذي يلعبه الكاتب كما يقول [كارلوس فانتوس] هو أن يحمي قوة اللغة، وأن يحافظ على الخيال. إذا استطاع أن يفعل ذلك فهو برأيي قد قام بما كان يجب عليه أن يقوم به. أما كل الباقي من توعية المجتمع وخدمة المجتمع، كل هذه المقولات فشخصياً أعترف بأنها بعيدة عني، لأني لا أرى لها أي دلائل.

سحر الحوجي:

إن لم يحدث الرواية لحظة التمرد هذه فهي ليست رواية، وأعتقد أن الرواية العربية تتجه بقوة في هذا الاتجاه بحكم كم الحرية -اللي تحدثت عنه في البداية- المتزايد.

سلام سرحان:

أعزائي المشاهدين، بهذا ينتهي لقاؤنا الخاص بحلول الألفية الجديدة والذي حاورنا فيه على مدى حلقتين نخبة من المبدعين العرب في كافة الحقول الفنية والأدبية والفكرية. ومن هنا نجدد دعوتكم لإرسال جميع الآراء والاقتراحات وكل ما يمكن أن يساهم في جعل البرنامج في قلب المشهد الثقافي .. تحية وإلى اللقاء.

المصدر : الجزيرة