محمد مزالي - الحجم 390-310 لا يصلح للنشر و تم إنزاله لتمرير البرنامج فقط
شاهد على العصر

محمد مزالي.. الجمهورية التونيسية ج3

تواصل الحلقة الاستماع إلى شهادة رئيس وزراء تونس الأسبق محمد مزالي ليتحدث عن شخصية بورقيبة والعمل معه كوزير للشباب والرياضة.

الخلاف في المشاريع الفكرية واغتيال بن يوسف
– شخصية بورقيبة والعلاقة معه والعمل كوزير للشباب والرياضة

– مبادئ ونهج بورقيبة بين الاشتراكية والليبرالية

– حول تقسيم فلسطين واللقاء بين عبد الناصر وبورقيبة

 أحمد منصور
 أحمد منصور
محمد مزالي
محمد مزالي

أحمد منصور: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلا بكم في حلقة جديدة من برنامج شاهد على العصر حيث نواصل الاستماع إلى شهادة السيد محمد مزالي رئيس الحكومة التونسية الأسبق. مرحبا سيد مزالي.


محمد مزالي: أهلا وسهلا.

الخلاف في المشاريع الفكرية واغتيال بن يوسف


أحمد منصور: في الحلقة الماضية تناولنا فترة أو موضوع الاستقلال التونسي وبعض التغيرات التي بدأت تظهر في تونس من نهج الرئيس الحبيب بورقيبة الذي كان يسعى إلى التوجه اللائكي أو الغربي أو العلماني في تحديث البلاد وبعض التطورات التي حدثت في هذا المجال، وابتداء من العام 1956 أنت دخلت معترك العمل السياسي حينما عينت مديرا لمكتب وزير التربية، مع نهاية فترة عمل وزير التربية الشابي في 1958، في خلال تلك المرحلة أنت قمت بزيارة إلى مصر في العام 1957.


محمد مزالي: ديسمبر.


أحمد منصور: ديسمبر 1957 وحضرت مؤتمر الأدباء العرب.


محمد مزالي: الثالث.


أحمد منصور: الثالث. في تلك المرحلة بهذه النظرة التي تحدثت عنها عن فكر بورقيبة ومشروعه كان في مصر الرئيس عبد الناصر وكان أيضا هناك مشروع قومي عربي كبير، كيف كانت علاقة المشروعين والرجلين في تلك المرحلة؟


محمد مزالي: كان هناك خلاف وأكثر من خلاف، كان هناك اتجاهان سياسيان متوازيان، بقدر ما كان الرئيس عبد الناصر رحمه الله ينادي بالقومية العربية وبوحدة العرب كان بورقيبة الذي خاب ظنه وحز في نفسه أن يجد المرحوم صالح بن يوسف تأييدا كبيرا ربما تأييد مطلقا من طرف عبد الناصر والكثير من القوميين العرب والعرب بصفة عامة، كان بورقيبة يسعى سعيا قطريا أي يركز على الدولة التونسية ومقومات سيادتها وأسباب مناعتها.


أحمد منصور: أليس تأييد عبد الناصر لصالح بن يوسف والقوميين العرب بشكل عام يعكس إدراك عبد الناصر والقوميين العرب إلى توجهات بورقيبة التغريبية المبكرة وأن صالح بن يوسف كان يعكس الامتداد العروبي والإسلامي لتونس؟


محمد مزالي: حسبما أعرف توجهات بن يوسف وتوجهات بورقيبة كانت هي هي، ولكن لأسباب سياسية تكتيكية نادى صالح بن يوسف بالقومية العربية وخاصة بوحدة النضال العسكري في مستوى المغرب العربي وأذكر أن الثورة الجزائرية اندلعت في غرة نوفمبر 1954 بحيث أصبح الاختيار هو يا ترى هل نوحد صفوفنا ونقاوم جميعا الاستعمار الفرنساوي أم هل أن الاستقلال الداخلي ثم التام التونسي وكذلك الاستقلال الداخلي ثم التام في المغرب من شأنه أن يعطي يعني مناعة وبعدا إستراتيجيا للثورة الجزائرية حتى تقدر على مجابهة الجيش الفرنساوي.


أحمد منصور: كان هناك خلاف إذاً في المفهوم ما بين بن يوسف وبورقيبة.


محمد مزالي: كان خلاف سياسي ثم ما بين بورقيبة وعبد الناصر.


أحمد منصور: صح.


محمد مزالي: ناهيك أن..


أحمد منصور (مقاطعا): بورقيبة كان يرى هنا أيضا أنه على التوازي مع عبد الناصر من حيث إن بورقية رجل صاحب مشروع وعبد الناصر صاحب مشروع وأن إذا عبد الناصر يريد أن ينفرد بزعامة المشرق العربي فبورقيبة ينفرد بزعامة المغرب العربي.


محمد مزالي: يعني بورقيبة لا يرى مانعا في أن ينفرد عبد الناصر بالزعامة، ولكن لا يرضى بأن يتدخل عبد الناصر سياسيا في شؤون تونس، وبما أن هناك مؤامرات كثيرة انطلقت من الشرق للقضاء على بورقيبة ويتزعمها بن يوسف ومن يدعمه فكان بورقية يعني زعلانا كان غاضبا كان يعني يناقش ويرد على عبد الناصر.


أحمد منصور: نستطيع أن نقول إن الخلاف بين بورقيبة وعبد الناصر لم يكن مجرد خلاف سياسي وإنما هو خلاف على مشروع وعلى هوية وعلى انتماء.


محمد مزالي: وعلى مفهوم الاستقلال، ولأدلل على قولي هذا أذكر أنه عندما تم الجلاء العسكري عن بنزرت بادر عبد الناصر رحمه الله ومع بن بيلا إلى مشاركة بورقيبة والشعب التونسي في الاحتفال بعيد الجلاء في 15 ديسمبر 1963 أي عامين بعد الجلاء، بحيث إن عبد الناصر أدرك أن سياسة بورقيبة أتت بنتيجة ولكن لما كان الكفاح في مفترق الطرق ولا يعرف السياسي أي مآل أو أي نهاية لهذا التكتيك أو لذاك التكتيك عبد الناصر كان طبعا مع بن بيلا في الجزائر ومع بن يوسف في تونس.


أحمد منصور: أنا هنا قبل 1963 وقعت عملية اغتيال بن يوسف في ألمانيا، هل تعتقد أن بورقيبة مسؤول عن اغتياله؟


محمد مزالي: بورقيبة في محاضرة له في كلية الحقوق في عام 1974 تبنى العملية، يعني ليست هناك مسألة..


أحمد منصور (مقاطعا): ما معنى أن رئيس دولة يتبنى عملية تصفية معارض له كان زميلا له في الكفاح؟


محمد مزالي: لأن بن يوسف حاول أكثر من مرة اغتياله وأرسل له قتلة لذلك.


أحمد منصور: هل هذا مبرر لرئيس دولة في السلطة أن يمارس عملية اغتيال؟


محمد مزالي: هذا محل نقاش.


أحمد منصور: أو ما يطلق عليه الآن الإرهاب.


محمد مزالي: يعني إرهاب، ليس هناك قنابل ولا مس بالدولة ولكن هناك تصفية بين شخصيتين كبيرتين حاولت كلتاهما أن تغتال الآخر فاستطاع بورقيبة..


أحمد منصور (مقاطعا): هذا الآن رجل رئيس دولة في يديه السلطة واستطاع أن ينتزع أو يقوم بحكم استبدادي فردي وأن يلغي كل الأحزاب الأخرى بما فيها الحزب الشيوعي الذي اتهم في العام 1962 بمحاولة انقلابية، حينما يصل الأمر إلى تصفية معارض له معنى ذلك أنه حتى لم يقبل أن يكون هناك صوت معارض له يعيش في المنفى خارج البلاد.


محمد مزالي: معارض ومحاول اغتيال، لكن أنا شخصيا أقول بكل صراحة..


أحمد منصور: إذا أنت أعطيت هذا المبرر فأنت الآن من المفترض أن تكون مبررا أن يكون عرضة لاغتيالك أيضا باعتبارك معارضا مطلوبا في الحكم.


محمد مزالي: لم أتمم كلمتي، أنا أحاول أن أفهم يعني ميكانيزم بورقيبة السياسي فأنا كشاهد أحاول أن أفهم بحسب ما أعرف عنه لكن أنا شخصيا أشجب هذا العمل ولا أوافق عليه، يعني أنا لا أعطي رأيي لحد الآن بقدر ما أحاول أن أفهم أو أن استفسر أو أن أفسر ردود فعل ومواقف بورقيبة وهذه هي الشهادة في اعتقادي، أما أنا شخصيا لا أبرر أبدا الاغتيال، هذا غير معقول.


أحمد منصور: معنى ذلك أن بورقيبة قام بتصفية واغتيال آخرين أيضا غير بن يوسف؟


محمد مزالي: قد يكون ذلك، قد يكون ذلك في نطاق تصفيات بين عصابات من المقاومين وقع.


أحمد منصور: هل كل معارض سياسي يعتبر يعني يوصف بأنه رجل عصابة؟


محمد مزالي: لا أبدا، المعارضة ليست فقط شرعية بل ضرورية في كل مجتمع متحضر أو حتى في تاريخ الحضارة والتقدم، ولكن يعني الأمر يتعقد عندما يبادر هذا المعارض أو ذاك باستعمال العنف واستعمال الاغتيال، هذا هو المشكل، لكن المعارضة ضرورية وشرعية.


أحمد منصور: أعود إلى زيارتك للقاهرة في 1957 وكان التوجه التغريبي التونسي المغاربي حينما التقى مع التوجه القومي العروبي في مؤتمر الأدباء العرب.


محمد مزالي: يعني الموضوع، موضوع المؤتمر كان القومية العربية ومسؤولية المثقفين أو دور المثقفين، فالوفد التونسي مع دفاعه عن القومية العربية كان يؤكد أن حرية الأديب مقدسة وأنه لا يمكن كما ذهب إلى ذلك الشيوعيين تسخير المثقف والأديب لخدمة نظرية سياسية معينة، وهذا الموقف قابلته بعض الألسن وبعض الأشخاص بالشجب وبالانتقاد وأذكر أن المرحوم الله يرحمه الأخ سعيد العريان تصدى للوفد التونسي بعبارات قوية مما حمل الدكتور تحسين الذي كان تربطني به علاقات يعني..


أحمد منصور: الآن سعيد العريان من المدرسة الأصولية في الأدب والانتماء الثقافي وبالتالي أنتم الآن أيضا بالفكر الجديد الذي حملتموه مع مجيء بورقيبة تريدون تذويب الهوية العربية.


محمد مزالي: لا أبدا، نحن كنا ندافع عن الهوية العربية بكل الوسائل ولكن كنت شخصيا ولا أزال أعتقد أن خير دفاع عن القومية العربية أو عن أي قضية أخرى إنسانية لا تكون إلا من منطلق اختيار حر للأديب أو المثقف، أما التسخير الستاليني للأدب فهو مجلبة للعقم ومجلبة للدمار.


أحمد منصور: ما معنى يعني أنت أيضا باعتبارك مثقفا ومفكرا مع كونك رئيس حكومة ورجل سياسي، ما معنى التفكير الحر، أن نأتي بأفكار غريبة دخيلة على مجتمعاتنا فنروجها ونحاول تغيير هذه المجتمعات بدعوى حرية التفكير والإبداع؟


محمد مزالي: أولا بالنسبة للخلق الأدبي يعني في الشعر والقصة يجب أن نترك الأديب وقريحته في النقطة التي تفضلت بها يعني يجب أن أدافع عن معتقداتي ومنطلقاتي الفكرية بكل حرية.


أحمد منصور: أيا كانت حتى ولو خالفت مبادئ المجتمع وأصوله ومناهجه؟


محمد مزالي: أيا كانت نتائجها لأن الصحيح يصح.


أحمد منصور: يعني أنت تنادي بالحرية بالمطلقة للإبداع الفكري.


محمد مزالي: الحرية المطلقة في نطاق المسؤولية، كنا ولا نزال نقول إن الأديب والمفكر حر ومسؤول.


أحمد منصور: ما هي حدود هذه المسؤولية ومدى صدامها مع قيم المجتمع؟


محمد مزالي: و ضمير المثقف.


أحمد منصور: ضميره هو حده؟ وإذا اصطدم هذا مع قيم المجتمع ومع دينه ومع تعاليمه؟


محمد مزالي: وما ضر ذلك؟ لو وقف أديب أو اثنان موقفا يبدو أنه متعارض مع ما يراه الأغلبية فيبقى يقف يصيح في واد يهيم في واد.


أحمد منصور: يعني هل هذا إتاحة المجال لممارسة الزندقة علنا في تلك المجتمعات العربية المسلمة؟


محمد مزالي: الزندقة تواجدت في تاريخ الإسلام وتاريخ جميع الشعوب.


أحمد منصور: لكن لم هناك مجاهرة بها، أنت الآن تنادي بأن يكون هناك كل شخص يبدع بما يشاء.


محمد مزالي: ولماذا تريد أن تربط بين الزندقة وبين حرية الأديب؟ حرية الأديب قد تكون الحرية من أجل الدفاع عن الكرامة عن الدين الإسلامي الحنيف عن الإسلام..


أحمد منصور (مقاطعا): ما هو أنا أقصد أن يكون هناك حاجز أن يكون هناك سقف وأنت تقول أن تكون مطلقة.


محمد مزالي: يعني ملاحظتي هي من له السلطة أو الكفاءة ليسطر الخط الأحمر الذي..


أحمد منصور (مقاطعا): القيم نفسها، القيم التي تحكم المجتمع.


محمد مزالي: لكن القيم هي حياة وممارسة، وعند الممارسة يأتون..


أحمد منصور: وأصول يا سيدي.


محمد مزالي: إيه؟


أحمد منصور: وأصول.


محمد مزالي: وأصول يعني لما نقول نحن..


أحمد منصور: يعني حينما يخرج واحد الآن يمشي عاريا في الشارع ويقول هذه حرية مش هذا يصطدم مع القيم؟ إذاً هناك خط أحمر موجود.


محمد مزالي: نحن قلنا وهذا جنون هذا السلوك الاجتماعي ولكن بالنسبة للاجتهاد وبالنسبة للخلق الأدبي أو التوجهات الفكرية يعني أو النفحات الروحية فالحد يعني والرادع هو ضمير.


أحمد منصور: دراستكم أنتم التوانسة والمغاربة بشكل عام تغلغل الثقافة الفرنسية لديكم من الواضح أنها تركت آثارا ثقافية..


محمد مزالي: لأسباب تاريخية طبعا.


أحمد منصور: هذه تركت أيضا آثارا تاريخية حتى في تصوركم لطبيعة علاقتكم في المشرق العربي، هذا صحيح؟


محمد مزالي: هذا فيه كثير من الصحة طبعا، لكن هذه أمور تاريخية يعني تكويننا جعلنا ربما ننظر إلى الواقع نظرة تختلف أو لا تتناسب تماما مع نظرة إخواننا في بعض بلدان المشرق ربما قد يكون صحيحا.

شخصية بورقيبة والعلاقة معه والعمل كوزير للشباب والرياضة


أحمد منصور: في العام 1958 عينت مديرا للشباب والرياضة بدرجة وزير تقريبا، واستدعاك بورقيبة، في الفترة من 1956 إلى 1958 هل حدث أي لقاء بينك وبين بورقيبة قبل أن يستدعيك ليكلفك بمسؤولية الشباب والرياضة؟


محمد مزالي: يعني حضرت مع المرحوم الأمين الشابي في مناسبات مع بورقيبة وخاصة مناسبة اختيار النشيد الوطني وقد فاز به الشاعر المرحوم جلال الدين النقاش ثم شاركت في لجنة لاختيار اللحن وكان رئيس اللجنة وكان معنا الشيخ طه بن عاشور وكثير من الأدباء واخترنا اللحن للموسيقار الكبير الأخ صالح المهدي وفي اجتماعات أخرى كثيرة التقيت مع بورقيبة.


أحمد منصور: لكن لم يكن هناك حتى هذه اللحظة رباط شخصي أو علاقة مميزة بينك وبين بورقيبة؟


محمد مزالي: لا.


أحمد منصور: حينما استدعيت لتولي..


محمد مزالي: أنا كنت بعيدا عن بورقيبة لا أذهب إليه إلا إذا كانت هناك دعوة بروتوكولية أو جلسة عمل، ما كانش يعني عندي خلطة أو أدق على الباب وأدخل أبدا، حتى لما كنت وزيرا أول.


أحمد منصور: حينما عينت وزيرا أو مديرا للشباب والرياضة بدرجة وزير في 1958 هل هذه كانت بداية العلاقة الوثيقة بينك وبين بورقيبة والتي انتهت في العام 1980 بتعيينك رئيسا للحكومة؟


محمد مزالي: نعم. كنت أشعر يعني قد يكون الطريف أن أقول للإخوة النظارة إنني عينت مديرا عاما للشباب والرياضة عند عودتي من مؤتمر الأدباء العرب الرابع الذي انعقد في الكويت في مدرسة الشويخ وقد أقمنا في الشوبخات. وتعييني مديرا عاما وقع قبل عودتي بحيث لم أكن على علم، لكن من يومها أصبحت عشرتي مع بورقيبة أكثر.


أحمد منصور: قرأت في الصحف خبر تعيينك مديرا عاما للشباب والرياضة؟


محمد مزالي: نعم في الصحف في الصحف.


أحمد منصور: ما تقييمك لهذا؟ يعني نظام دولة الواحد يفتح الجريدة يجد نفسه أصبح وزيرا!


محمد مزالي: يا أخ أحمد كنا نعتبر أنفسنا مناضلين كنا في حزب كنا مناضلين وبورقيبة كان الزعيم.


أحمد منصور: ما علاقة النظام بالنضال، يعني هل النضال يعني أن الإنسان يقوم يصبح يجد نفسه وزيرا ثم يصبح يجد نفسه في الشارع؟!


محمد مزالي: النضال يقتضي الالتزام والالتزام السياسي يقتضي الانضباط باعتبار هناك زعيم أو رئيس دولة لكن أنا شخصيا في الحقيقة فوجئت لكن قبلت بكل إرادة وبكل حرية يعني لم يفرض  علي ذلك، كان يمكن أن أرفض.


أحمد منصور: كنت تعتبر ذلك تكريما لك من بورقيبة؟


محمد مزالي: كنت أعتبر ذلك تكليفا لا تشريعا.


أحمد منصور: في الفترة من 1958 إلى نوفمبر 1964 وهي التي بقيت فيها مديرا للشباب والرياضة..


محمد مزالي: ست سنوات في الشباب والرياضة.


أحمد منصور: ست سنوات، ما هي أهم التغييرات التي قمت بها أو الأشياء الأساسية التي قمت بها في تلك المرحلة وقد حدثت في تونس أحداث كبيرة من بينها انقلاب 1962 أو المحاولة الانقلابية الفاشلة في العام 1962 وإلغاء الحزب الشيوعي في العام 1963؟


محمد مزالي: يعني أنا بحكم طبعي وانضباطي كلما أشرفت على قطاع معين أتفرغ له بكليتي بحيث لا أشارك مشاركة فعلية ولا متواصلة في قطاعات أخرى سواء السياسة الخارجية أو السياسة الاقتصادية أو السياسة فتفرغت بكليتي إلى الشباب والرياضة وكنت مغرما ومولعا بذلك وأسست معاهد عليا وتكوين الحكام وتكوين المدربين من كل الدرجات وأسست يعني معهد الفتيات حتى يصبحن أستاذات في التربية البدنية واستجلبت مدربين لتكوين الفرق الوطنية إلى آخره، وكنت مسؤولا عن الطفولة، الطفولة الفقيرة التي أويناها في معاهد وربيناها وكوناها، ولكن طبعا أعيش في الحكومة وأعرف أن هناك مشاكل.


أحمد منصور: كنت تحضر اجتماعات مجلس الوزراء؟


محمد مزالي: آه كنت، اسمي يعني النعت هو مدير الشباب والرياضة، مدير عام الشباب والرياضة ولكن كنت نائبا في البرلمان من سنة 1959 وكنت أحضر دائما اجتماعات مجلس الوزراء برئاسة بورقيبة.


أحمد منصور: كيف كان يدير بورقيبة مجلس الوزراء بصفته هو الآن الآمر الناهي في كل شيء، ممكن الوزير يصبح يلاقي نفسه وزيرا ينام يلاقي نفسه شيئا آخر.


محمد مزالي: يعني أرجو أن يفهم كلامي هذا لا دفاعا عن بورقيبة وإنما شهادة.


أحمد منصور: أنت تصف شهادة عن مرحلة.


محمد مزالي: نعم. يعني بورقيبة كان منطقيا بصورة يعني مذهلة، كان دائما يستمع إلى آراء ويتقبلها إذا كانت منطقية ويعرضها وينتقدها لما يفهم أن المتكلم يتدمغج أو يقول كلاما غير معقول، أنا شخصيا تجربتي الشخصية معه كلما أقنعته بفكرة كان مؤيدا لها.


أحمد منصور: لا أصل الآن إلى 1980، 1986 ولكن أنا في تلك المرحلة، كيف كان يتعامل مع الوزراء وكيف كانوا يتعاملون معه؟ هل كانوا يتهيبون أن يطرحوا عليه شيئا يمكن أن يقبله أو يرفضه، هل كان يناقشهم أم كان يجلس ليملي عليهم ما ينبغي أن يفعله كل فرد فيهم؟


محمد مزالي: يعني ربما يبدو هذا غريب ولكن بورقيبة في أيام شبابه وعندما كان يمتلك كل القدرات العقلية والأدبية كان صدره أرحب.


أحمد منصور: شبابه! ده كان عمره 65 سنة وقتها.


محمد مزالي: يعني في عام 1959، 1958 كان 58 يعني.


أحمد منصور: نعم، لأنه من مواليد..


محمد مزالي: لكن هو الآن في السنة المائة يعني وبلغ أرذل العمر، ولكن في أيامها كان عنده فتوة والفتوة نقصد من مارس 1967 عندما أصيب -عافاك الله- بجلطة في القلب، مارس 1967. من وقتها بدأت الأدوية وبدأت الاحتياطات وأنظمة، ندخل إليه كانت زوجته أو بعض المقربين يوصوننا بعدم إثارة مشاكل قد تكدره أو تشغله، لكن في الأول كان عنده حظوة وسطوة يعني فكان الجماعة يتكلمون لكن بورقيبة يقدر يحترم أصحاب المبادئ ومن لهم القدرة على أن يعزوا أنفسهم وكان يحتقر وينهر الذين كانوا يتمسحون أمامه.


أحمد منصور: لماذا لف نفسه بهم وجعلهم الأساس؟


محمد مزالي: لا، مش الكل، في وزراء كان عندهم شخصية وعندهم بأس وشكيمة ويتكلمون.


أحمد منصور: قيل هذا عن الهادي نويرة.


محمد مزالي: الهادي نويرة عنده شخصيته كذلك، أحمد بن صالح عنده شخصيته، الشاذلي القليبي المرحوم الهادي خفشة، أحمد بودين -أطال الله في أنفاسه- يعني كنا جماعة يحترمهم بورقيبة احتراما كبيرا، في جماعة ربما يدورون يعني يتغيرون مع الرياح فهذا كان يحتقرهم، لكن عندما كبر وشاخ ومرض أصبح لا يطيق النقاش كما كان من يستقبله من قبل يسب بعض الوزراء ويرفع عصاه لضربهم ويبصق عليهم.


أحمد منصور: ويقبلون هذا؟


محمد مزالي: ومنهم من لا يزال اليوم في الحكم.


أحمد منصور: ويقبلون هذا؟


محمد مزالي: آه طبعا، طبعا، أنا أقول لك وهذا أرجو أن لا يعارضني فيه أحد، لم يرفع صوته بورقبية أبدا طيلة حياته لم يرفع صوته أمامي حتى إذا غضب أراه يكلم شخصا آخر ويتوجه إليه.


أحمد منصور: على مذهب إياك أعني واسمعي يا جارة مثلا؟


محمد مزالي: ربما لكن عمره ما، أحيانا منها في مواقف يقول لي لا هذا غير موافق عليها لكن عمره ما رفع صوته علي.


أحمد منصور: تقصد أن كل مسؤول عمل مع بورقيبة فرض احترامه على بورقيبة كان بورقيبة يحترمه.


محمد مزالي: طبعا طبعا.


أحمد منصور: وكل من ابتذل نفسه كان بورقيبة يبتذله.


محمد مزالي: كل من كان طماعا وكل من كان يتقرب إليه بالنميمة وبقدح وبشتم الآخرين، أنا شخصيا لم أشتم له أي وزير لما كنا مع بعضنا.


أحمد منصور: سآتي معك إلى تفصيلات هذا الأمر، انقلاب..


محمد مزالي: حيث بورقيبة كان في رئاسة مجلس الوزراء أحيانا -كما يقال في اللغة العامية تقول- لما يكون حوله الدجاج الأبيض كان مرحا وكانت الأمور تسير بكل راحة وبكل ظرف لكن لما يكون حوله دجاج أسود كان صعبا كان ينهر أحيانا ويرفض.. أنا شفته في بعض الاجتماعات كان قاسيا جدا على بعض الإخوان.


أحمد منصور: كيف؟ للتاريخ يعني.


محمد مزالي: للتاريخ كان يرفع صوته، يسبه، مرة شفته في اجتماع الديوان السياسي في مكتبه في قصر قرطاج نهر عضو في الديوان السياسي يعني وتحامل عليه يعني وثم لما استشاط غضبا مسك يده في فمه وقعد يكدم يعني.. يعني كان في نوبة كبيرة، وهذا أمام تقريبا 10 أو 12 عضو في الديوان السياسي.

مبادئ ونهج بورقيبة بين الاشتراكية والليبرالية


أحمد منصور: هناك محاولة انقلابية وقعت في العام 1962 اغتيال بن يوسف تم في 1961..


محمد مزالي: في فرانكفورت.


أحمد منصور: وتناولناها في الحلقة الماضية. في العام 1962 جرت محاولة انقلابية في تونس وتم حل الحزب الشيوعي في 1963 بعدما اتهم بأنه سعى لتدبير هذه المحاولة ولم يعد هناك أي حزب سياسي.


محمد مزالي: ليس الحزب الشيوعي فقط، يعني الحزب الشيوعي عنده جريدة اسمها (كلمات أجنبية) معناه منبر التقدم، منبر.. نشرت افتتاحية تفهمت -بين قوسين- تفهمت فيها هذه المحاولة فمنعت من الصدور وحل الحزب الشيوعي ولكن الجماعة اللي قاموا المؤامرة فيهم جماعة بن يوسف فيهم ضباط شبان وبعض كبار المقاومين يعني كتلة كبيرة يعني يمكن ثلاثين أربعين شخصا.


أحمد منصور: يعني إذاً كان هذا بداية الملل من حكم بورقيبة؟


محمد مزالي: كانت بداية التمرد على حكم بورقيبة طبعا وهذا ما جعل بورقيبة يقوي من قبضته على الحكم وعلى الناس.


أحمد منصور: وأن يصبح الجيش بعد ذلك يشكل بالنسبة لبورقيبة شكلا من أشكال الكراهية الشديدة لخوفه من أن ينقلب عليه.


محمد مزالي: أو شكلا من أشكال الاحتياط.


أحمد منصور: الحيطة.


محمد مزالي: الحيطة، ليس الكراهية، الحيطة كان يحترم من الجيش لكن يحتاط وكان يقول دائما الجيش مجعول ليبقى في الثكنات لا ليدخل في السياسة.


أحمد منصور: ما معنى الاحتياط هنا، أن يجري بشكل دائم عملية مراجعة للضباط ولانتماءاتهم وإقالة المتخوف منهم؟


محمد مزالي: لا، كان بورقيبة يرى أن اعتمادات الأمة الشعب وموارد الشعب يجب أن يخصص أكثرها للتعليم للصحة للفتاة الريفية للبنى الأساسية وأن يبقى الميزان المخصص للجيش ميزانا متواضعا ناهيك أن ميزانية الطلبة القومية كانت تحتل حوالي 30 أو أكثر من 30% والجيش أقل من 5%، خلافا لبعض الأنظمة العربية إلى اليوم.


أحمد منصور: لقاء 1963 بين عبد الناصر وبن بيلا وبورقيبة هل هذا أزال سوء التفاهم أو العلاقات المتوترة بين الرجلين؟


محمد مزالي: نعم، أزالت التوتر وكنا نظن أن الوئام قد أصبح أمرا واقعا إلى أن وقعت الدوشة، وقعت الخصومة انطلاقا من فبراير 1965 بعد خطاب بورقيبة في أريحا، ونرجع إليه إذا أردت.


أحمد منصور: سآتي إلى خطاب بورقيبة في أريحا ولكن أنت من 1964 توليت أو كلفت برئاسة الإذاعة والتلفزيون وتأسيس التلفزيون التونسي، بإيجاز شديد فكرة تأسيس التلفزيون التونسي والدور الذي لعبته في هذا الأمر؟


محمد مزالي: يعني أنا شخصيا كنت أود أن أبقى في الشباب والرياضة لأنني بطبيعتي كما نقول في تونس أنا أستاذ يعني مربي وكنت دائما أجنح إلى التربية وتكوين الشباب يعني، بحكم مهنتي لكن بورقيبة ألح علي في أظن أواخر أكتوبر أو أوائل نوفمبر 1964 بعد مؤتمر الحزب الذي انعقد في بنزرت والذي أصبح الحزب يسمى بمقتضاه الحزب الاشتراكي.


أحمد منصور: كان هذا مهما أن نأتي إلى التحول إلى الاشتراكية.


محمد مزالي: فكان التحول نحو الاشتراكية.


أحمد منصور: حزب الدستور الاشتراكي؟


محمد مزالي: نعم، بعد أن كان الحزب الحر الدستوري التونسي أصبح الحزب الاشتراكي الدستوري.


أحمد منصور: مزيدا من التقييد.


محمد مزالي: لا، مزيدا من الاشتراكية، يعني كانت هي موضة العصر، يعني هو..


أحمد منصور: يعني الحرية انتهت الآن، الحزب الحر خلاص؟


محمد مزالي: الحرية ضغط عليها طبعا في سبيل الاشتراكية وتأميم وسائل الإنتاج يعني.


أحمد منصور: يعني بالمفهوم التغريبي الفكري الذي كان بورقيبة يسعى له، لماذا اتجه شرقا وهو لم يزر الاتحاد السوفياتي طوال حياته وكان يكره..


محمد مزالي: كان يكره الاتحاد السوفياتي.


أحمد منصور: ما مفهوم توجهه هنا إلى الاشتراكية وكل مفاهيمه كما أشرت كانت غربية؟


محمد مزالي: يعني الاشتراكية، عفوا، البورقيبية والاشتراكية الدستورية..


أحمد منصور (مقاطعا): يعني كل حاجة هنا بورقيبية؟ إسلام بورقيبة! اشتراكية بورقيبة!


محمد مزالي: لا، لنقل دستورية بمعنى الحزب الدستوري كانت لا تنطلق من مبدأ تطاحن الطبقات والحقد بين الطبقات بالعكس كانت لا تنتصر إلى فكرة انتصار الشغيلة الـ proletariat في آخر الأمر بل كانت مجرد مقاومة الحيف الاجتماعي وسيطرة الأقلية اقتصاديا على الأكثرية وتطوير أو تجميع وسائل الإنتاج الفلاحي ووسائل التسويق التجاري حتى تكون الثروة يعني في يد السلطة توزعها توزيعا أقرب ما يكون إلى العدالة، هذا هو المنطلق بإيجاز كبير.


أحمد منصور: منطلق الاشتراكية البورقيبية.


محمد مزالي: البورقيبية أو الدستورية. وكان زعيم الحركة، حركة التعاونيات أو التعاضديات هو الأخ أحمد بن صالح.


أحمد منصور: إيه أسباب التحول إلى الاشتراكية في تلك المرحلة؟


محمد مزالي: هناك أسباب، هناك أولا قوة شخصية الأخ أحمد بن صالح الذي أقنع الرئيس بورقيبة بأن أيسر طريق وأقصره لبلوغ المساواة والعدالة في التوزيع هو التأميم، تأميم الأراضي وإنشاء التعاضديات، سنين حدث أن أمم بورقيبة في 12 مايو 1964 أمم الأراضي التي أخذناها من المعمرين، تعرف حضرتك أنه بعد الجلاء العسكري ناضل بورقيبة ونجح فيما سماه وسميناه جميعا بالجلاء الزراعي وبقانون أمضاه يوم 12 مايو..


أحمد منصور: الاستيلاء على ممتلكات الناس بدعوى تأميمها.


محمد مزالي: لا مش الناس، المعمرين الفرنساويين لأن هذه الأراضي استولى عليه الفرنساويون في فترات معينة من الاستعمار وأخذوها من غير وجه وبغير ثمن عند التوانسة المساكين يعني، فبقرار -كما فعلت دول كثيرة- بقرار بقانون تأممت هذه الأراضي.


أحمد منصور: وكيف نجح أحمد بن صالح في إقناع بورقيبة بهذه التغيرات والتوجه نحو الاشتراكية البورقيبية كما أشرت إليها؟


محمد مزالي: نجح لأن في شخصية بورقيبة في اعتقادي بعد شعبي بعد يجعله يميل ويسعى إلى رفع مستوى الطبقات الشغيلة والطبقات الكادحة والفقراء، لأن بورقيبة عاش فقيرا وعاش يتيما ووضع كما يقال رجله على النار، فيعرف ما يقاسي وثم هو يراه سياسيا أنه إذا تفقرت الطبقات الشعبية فإن هذا مجلبة للانتفاضات.


أحمد منصور: لكن هل نجح التوجه الاشتراكي هذا في عمل معادلة داخل تونس وانتشال الناس من الفقر؟


محمد مزالي: في الأول نجح ولكن من سوء الحظ تسارعت الأحداث وزادت سرعت انتشار القطاع الاشتراكي بحيث الشعب والطبقات التي نسعى إلى رفع مستواها وبعض رؤوس الأموال وبعض الوزراء وأعضاء البطانة الذين كانوا يحتلون مواقف حساسة يعني خربوا الموضوع وذلك لأن بورقيبة نفسه نادى بسرعة أكبر من السرعة التي كان يطالب بها أحمد بن صالح فوقع رد فعل وخاب المشروع.


أحمد منصور: وفشلت الاشتراكية البورقيبة.


محمد مزالي: فشلت الاشتراكية البورقيبية وحلت محلها الليبرالية النويرية أو البورقيبية.


أحمد منصور: أنا في العام 1962 أيضا لا أريد أن أتجاوزه دون أن أقف عند نقطة هامة وهي أنه بعد 19 عاما من المعرفة أو من الحب كما يقال تزوج بورقيبة وسيلة بن عمار التي أصبحت تلعب دورا بعد ذلك خطيرا في حكم تونس.


محمد مزالي: هو كما تعلم عرفها، تعرف عليها من عام 1943 وكان بينهما محبة حسبما صرح فيه بورقيبة في خطب عامة، يعني بورقيبة لم يكن يفصل بين حياته الخاصة وحياته العامة، يعتبر أنه هو نفسه تونس وتونس هي بورقيبة بحيث كان يصرح بكل شيء حتى ببعض الخصائص الأناتومية والخلقية يعني. وفعلا في عام أظن 1961، 1962 طلق هو زوجته الأولى الله يرحمها الأمينة هي أسلمت وتزوج وسيلة.


أحمد منصور: كانت فرنسية.


محمد مزالي: كانت فرنساوية، تعرف عليها لما كان طالبا في باريس وكانت مثال يعني الولاء والطاعة والأمانة وضحت كثيرا عندما كان بورقيبة في السجون والمنافي، كانت تفوقه سنا بحوالي عشر سنوات فطلقها وتغلب الحب الثاني عليه، إن وجد حب أول -الله أعلم- تغلب الحب مع وسيلة وأصبحت وسيلة هي الماجدة وسيلة بورقيبة.


أحمد منصور: أنت بينك وبين وسيلة أشياء كثيرة ربما سآتي لها بالتفصيل بعد ذلك ولكن كان أيضا العام 1962 يعتبر نقطة تحول بالنسبة للحكم وبداية نفوذ بالنسبة لوسيلة بن عمار في حكم تونس وتوزيع الأدوار بينها وبين الرئيس وأن كثيرا من الوزراء كانوا يسعون إلى خطب ودها ورضاها قبل رضا الرئيس.


محمد مزالي: ولم أكن منهم ولهذا كنت ضحية لها.

حول تقسيم فلسطين واللقاء بين عبد الناصر وبورقيبة


أحمد منصور: كان بينك وبينها خلافات سآتي لها بالتفصيل بعد ذلك ونتعرف أيضا على الدور الذي لعبته يعني هذه المرأة التي توفيت قبل مدة بسيطة جدا في حكم تونس وطبيعة الوضع الذي كان بينها وبين الرئيس بورقيبة. في العام 1965 وقع شيء اهتز له العالم العربي كله حينما توجه الرئيس بورقيبة بجولة قام خلالها بزيارة أريحا وألقى خطابه التاريخي المشهود الذي خطأ فيه العرب لعدم قبولهم لقرار تقسيم فلسطين الذي صدر في العام 1947 فأحدث شرخا هائلا في الوقت الذي كان المد القومي والنضال والكفاح ورمي إسرائيل في البحر وغيرها من الشعارات كان منتشرا في ذلك الوقت على أشده إذا ببورقيبة يخرج على العرب بهذا الخطاب التاريخي الذي تذكره الجميع حينما جاءت أوسلو على وجه الخصوص وأريحا أولا.


محمد مزالي: أوسلو معناها يطالب بحدود 67 بينما بورقيبة في أريحا نادى بقرار التقسيم الذي كان يقسم فلسطين حوالي 50% فاصلة كسور للعرب وأقل من 50% لإسرائيل..


أحمد منصور: 49,5%.


محمد مزالي: 49,5% بحيث النقب وعكا وحيفا كانت من مشمولات الدولة الفلسطينية، هذه قضية أخرى. طبعا أنا شخصيا يعني كنت ضمن الوفد الذي اصطحب بورقيبة إلى القاهرة ثم السعودية ثم الأردن يعني الأردن يعني فيها القدس وأريحا والخليل..


أحمد منصور: كانت الضفة وقتها تتبع الأردن ولم تكن إسرائيل احتلتها بعد.


محمد مزالي: فأنا حضرت في ..


أحمد منصور (مقاطعا): طالما كنت ضمن الوفد ما هي أهم الأشياء التي دارت بينه وبين عبد الناصر في مصر ثم بعد ذلك ما حدث بينه وبين الملك سعود كان لا زال..


محمد مزالي: الملك فيصل الله يرحمه.


أحمد منصور: الملك فيصل.


محمد مزالي: استقبلنا في جدة وكانت الإقامة في جدة..


أحمد منصور: آه عفوا، الملك سعود 1964.


محمد مزالي: الذي أتذكره هو أن الأحاديث بين عبد الناصر وبورقيبة كانت ودية وكان كلاهما يسعى إلى تنمية هذا الود والوفاق لكن كان في قضيتين في هذه المحادثات التي جرت بقصر القبة وكان عبد الناصر محفوفا بالمرحوم المشير عبد الحكيم عامر وبالأخ حسين الشافعي -مدد الله في أنفاسه- وبأنور السادات -الله يرحمه- وإحنا كنا كان بن صالح وكنت أنا والشاذلي القليبي وزير الخارجية ضمن مجلسه -الله يرحمه- وكان نقاشا حول اليمن لأن هناك مئات آلاف من الجند المصريين في حرب اليمن وبورقيبة هو الذي فاتح الرئيس في القضية قال له ليه تمشوا لليمن؟ قال له في التاريخ الحديث والقديم أي جيش حاول دخول اليمن خاب، ما تقدروش، فعبد الناصر -الله يرحمه- قال له أنا والله القضية الملف هذا عند المشير فتفضل المشير فالمشير بين أسباب اللي مصر بمقتضاها دخلت اليمن وقال ضحينا بكم جندي وبكم عتاد وبكم أموال فلا يمكن..


أحمد منصور (مقاطعا): تفتكر قال إيه الأسباب التي دخلت مصر من أجلها اليمن المشير، عبد الناصر لم يتكلم بشيء ولم يبرر أي شيء؟


محمد مزالي: لا، أعطى الكلمة للمشير عامر والمشير عامر الله يرحمه كان موقفه يتمثل في أن مصر ضحت بالكثير فلا يمكن أن تسحب جيوشها قبل الانتصار، فبورقيبة جاوب بكل صراحة قال له أنا سيادة الرئيس أعتقد أنه مهما خسرتم ومهما أطلتم الحرب فلن تقدروا على رح اليمن، هذه نقطة بحيث كان شوية فيها نشاز. نقطة ثانية قضية فلسطين، بورقيبة قال لبعد الناصر قال له أنا.. في نقطة أخرى كانت موضوع نشاز وأنا سأحكي لك عليها، تتعلق بالوحدة بين مصر وسوريا، حتى لا أنسى. قال له قضية فلسطين أنا أرى من حسن السياسة أن نتمسك بالشرعية الدولية لأن العالم بسبب الدعاية الصهيونية يعتقد أن إسرائيل دويلة صغيرة وأنها محاطة بجيش من العرب وهي المعتدية وهي التي تحتل أراضي العرب بينما عندما يتمسك العرب بالحل الذي بقرار التقسيم نبدو للعالم كشعب عربي ملتزم بالشرعية الدولية ثم نحث فلسطين على الكفاح بالسلاح من دون أن يتدخل أي جندي عربي وإنما ندعمهم بالمال وبالدبلوماسية، قال له يا سيادة الرئيس لو تعمل أنت على هذه الإستراتيجية ربما الرأي العام العربي يمشي معك، أجابه عبد الناصر قال له لا، قال له أنا لو أبوح بهذا والله جننوني، قال بورقيبة هل ترى مانعا بأن أصرح بهذا لا هنا في القاهرة وإنما في أرض فلسطين؟ قال له وارد؟ قال له نؤيدك.


أحمد منصور: معنى ذلك أن عبد الناصر أبدى قناعة أو موافقة على مقترح بورقيبة؟


محمد مزالي: إيه، خاصة أن بورقيبة أضاف وعبد الناصر كان هو مقتنعا حسبما فهمت..


أحمد منصور (مقاطعا): وأنت كنت تجلس في هذه الجلسة؟


محمد مزالي: كنت معه ، كان بورقيبة وزير الخارجية أبو صالح وأنا، كنا هكذا ثم مقاعد هكذا على هذا الشكل يعني نصف دائرة وكان عبد الناصر وبورقيبة وعلى شمال عبد الناصر كان حسين الشافعي وأنور السادات والمشير عامر وإحنا كنا في قصر القبة، خاصة أن بورقيبة يضيف يقول هيهات أن ترضى إسرائيل بهذا التقسيم بحيث تبقى هي محجوجة قدام الرأي العام العالمي بحيث هذا القبول هو إحراج لإسرائيل أكثر منه أمور واقعية. فهذه هي النقطة لكن وقع اجتماع قبيل سفر بورقيبة إلى السعودية..


أحمد منصور: من القاهرة.


محمد مزالي: في القاهرة تحت سرادق أمام قصر القبة هنا ثم فتحة كبيرة إذا تذكرت كما ينبغي وسرادق وثم كان آلاف المواطنين..


أحمد منصور: جماهير يعني.


محمد مزالي: وكنا دعانا عبد الناصر للحضور كنا ممزوجين مع الحكومة المصرية، تونسي مصري وزير مصري نسيت أنا الوزراء لكن الحكومة كلها، وعبد الناصر تكلم كثيرا في الوحدة والوحدة..


أحمد منصور: الوحدة العربية.


محمد مزالي: الوحدة السورية..


أحمد منصور: المصرية.


محمد مزالي: إحياء الذكرى، إحنا كنا أظن في ..


أحمد منصور (مقاطعا): الوحدة التي بدأت في 1958 إلى 1961.


محمد مزالي: وانفصمت عراها في 1962 ، ففي 1965 ككل عام ينتظم .. عندهم اجتماع وعبد الناصر يحيي هذه الذكرى ، فبورقيبة -وهذه ربما ما كانش ضروريا، أنا شخصيا تأسفت- قال بورقيبة .. بورقيبة طلب كلمة والشأن هو أن عبد الناصر يتكلم يتكلم وحده هو الزعيم في مصر..


أحمد منصور: ويكلم شعبه.


محمد مزالي: إحنا ضيوف، فبورقيبة طلب الكلمة فعبد الناصر فوجئ قال بدك تتكلم؟ قال له والله، قال له تفضل، فتكلم بورقيبة بعد عبد الناصر وقال له إيه الوحدة إيه نحن قاعدين نعبد في شيء ميت؟ الوحدة دي انتهت خلاص يا أخي ليه نحيي في شيء ميت؟ يعني فعبد الناصر مسكين كان هيك يبتسم ابتسامة حزينة وكان زعلانا..


أحمد منصور: طبعا لأنه..


محمد مزالي: يعني هذه تلقائية بورقيبة وحماس بورقيبة وأعتقد أنها كانت يعني غير ضرورية وغلطة كانت. فرحنا من القاهرة عبد الناصر شيع بورقيبة في المطار، طبعا كان القبول البروتوكولي يعني من أحسن ما يكون ، وفي جدة استقبلنا المرحوم الملك فيصل بن عبد العزيز كانت رحلة مريحة وكان القبول طيبا لأن هناك علاقات بين السعودية ومصر كانت متشنجة في الواقع حول اليمن وكذا، ثم نزلنا في عمان..


أحمد منصور (مقاطعا): لا، قل لي ما حدث في السعودية.


محمد مزالي: السعودية كانت علاقات ثنائية.


أحمد منصور: بين تونس و..


محمد مزالي: بين فيصل وبورقيبة كانت صداقة كبيرة.


أحمد منصور: هل تناول بورقيبة مع الملك فيصل أي موضوعات مثل التي تناولها مع عبد الناصر؟


محمد مزالي: طبعا تناولوا قضية فلسطين.


أحمد منصور: وطرح عليه نفس الفكرة؟


محمد مزالي: لا، ما طلبش منه أن يصرح بها ، الملك فيصل -الله يرحمه- كان دبلوماسيا كبيرا فكان يسكت ويبتسم يعني فقط، لأن بورقيبة طلب من عبد الناصر أن يتكلم باعتباره زعيم العروبة لكن أعلم فيصل فقط وتناولنا..


أحمد منصور: والملك فيصل لم يوافق ولم يرفض يعني.


محمد مزالي: لا، لم يرفض يعني كانت علاقة ود من قديم بينه وبين بورقيبة يعني. أنا لا أذكر أنه وقع أي مشكل وأي نشاز يعني ومشينا لمكة عملنا عمرة مع بورقيبة ووسيلة وزوجتي ، كنا رجالا ونساء يعني..


أحمد منصور: كلكم عملتم عمرة.


محمد مزالي: كلنا عملنا عمرة.


أحمد منصور: يعني ما فيش تغير في إسلام بورقيبة الآن حوالين العمرة والحج والحاجات دي إلى الآن؟


محمد مزالي: والله أنا ما حجيتش لكن عملنا عمرة، أنا بودي نحج لكن للآن الظروف ما سمحت لي.


أحمد منصور: ذهبتم بعد ذلك إلى الأردن.


محمد مزالي: إلى عمان يعني في أوائل مارس ..


أحمد منصور: 3 مارس.


محمد مزالي: 3 مارس 1965 ، بارك الله فيك، واستقبلنا الملك حسين الله يرحمه استقبالا أخويا كبيرا.


أحمد منصور: اسمح لي هنا سعادة الوزير أعرف منك تفاصيل الزيارة إلى الأردن وما حدث في أريحا في 3 مارس 1965 مع الرئيس بورقيبة في الحلقة القادمة إن شاء الله. أشكرك شكرا جزيلا كما أشكركم مشاهدينا الكرام على حسن متابعتكم، في الحلقة القادمة إن شاء الله نواصل الاستماع إلى شهادة السيد محمد مزالي رئيس الحكومة التونسية الأسبق. في الختام أنقل لكم تحيات فريق البرنامج وهذا أحمد منصور يحييكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.