صورة عامة- شاهد على العصر
شاهد على العصر

أحمد المرزوقي.. شهادته على انقلاب الصخيرات بالمغرب ج4

تواصل الحلقة الاستماع إلى شهادة أحمد المرزوقي أحد الضباط الذين شاركوا في محاولة انقلاب الصخيرات ضد الملك الحسن الثاني عام 1971 وأحد الناجين من سجن تزمامارت الرهيب.

– العودة إلى القيادة وإعلان البيان الأول والأخير للانقلاب

– المواجهة بين أعبابو والبوهلي ومقتلهما

– انتشار الفوضى والهروب والاستسلام

– إعدام قادة الانقلاب وبدء التحقيق والتعذيب

أحمد منصور
أحمد منصور
أحمد المرزوقي
أحمد المرزوقي

أحمد منصور: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلا بكم في حلقة جديدة من برنامج شاهد على العصر، حيث نواصل الاستماع إلى شهادة السيد أحمد المرزوقي أحد الضباط الذين شاركوا في محاولة انقلاب الصخيرات ضد الملك الحسن الثاني عام 1971 وأحد الناجين من سجن تزمامارت الرهيب، أهلا وسهلا بك.

أحمد المرزوقي: أهلا وسهلا.

العودة إلى القيادة وإعلان البيان الأول والأخير للانقلاب

أحمد منصور: توقفنا عند إصدار الأوامر لكم من أعبابو بالانسحاب من قصر الصخيرات، انسحبتم بشكل فوضوي كما تقول ولا تعرفون إلى أين تتجهون، كيف سارت بكم القافلة؟

أحمد المرزوقي: توجهنا إلى القيادة العليا..

أحمد منصور: للقوات المسلحة في الرباط العاصمة.

أحمد المرزوقي: نعم، في الرباط العاصمة واقتحمناها أعتقد بسهولة وذلك كان إطلاق بعض الرصاصات ولكن في نهاية المطاف انضم المتواجدون من العسكر إلى صفوف مدرسة أهرومو.

أحمد منصور: هل وقعت أيضا فوضى في الجيش؟

أحمد المرزوقي: الجيش إلى هذه الساعة لم نكن نعلم أي شيء إلى هذه الساعة..

أحمد منصور (مقاطعا): لكن كان معكم الأربع جنرالات.

أحمد المرزوقي: الأربع جنرالات سنرى فيما بعد، قدموا من الصخيرات مطوقين بالحراسة المشددة، جيء بهم إلى القيادة العليا ولما جيء بهم إلى القيادة العليا أدخلوا إلى قاعة مع الكولونيل أعبابو حيث..

أحمد منصور (مقاطعا): كل هذا، ثلاث ساعات الآن وأعبابو مصاب في كتفه بالرصاص ويدير الأمور وكأن شيئا لم يحدث.

أحمد المرزوقي: وكأن شيئا لم يحدث.

أحمد منصور: أنت رأيت أعبابو في الرباط؟

أحمد المرزوقي: طبعا رأيته في القيادة العليا.

أحمد منصور: ماذا كان يفعل؟

أحمد المرزوقي: كان بهدوئه الغريب، سنرى فيما بعد أنه لما تفاوض مع بعض الجنرالات، شيء لم أحضره طبعا، حضره الضباط السامون، خرج إلى..

أحمد منصور (مقاطعا): على أي شيء تفاوض؟

أحمد المرزوقي: لست أدري ماذا حدث.

أحمد منصور: لكن لم يرو لك الضباط السامون شيئا؟

أحمد المرزوقي: لا، أبدا، لم أطلع عن ماذا كانوا يتكلمون، المهم أنني رأيت الجنرال حمو كان بجواري، كان بجانبي وكان يبدو عليه الكثير من التوتر كان متوترا كثيرا يدخن سيجارة تلو السيجارة وكان يفكر، ترى يعني معالم التفكير يعني يفكر مليا كإنسان يريد أن يخرج من ورطة.

أحمد منصور: معنى ذلك أن هؤلاء الجنرالات لم يكونوا شركاء أساسيين فيما حدث.

أحمد المرزوقي: لا أعرف.

أحمد منصور: لا تعرف؟

أحمد المرزوقي: لا أعرف. المهم أن تصرفاتهم جاءت شيئا ما يعني منافية للتصرف الذي ينبغي أن يكون عليه المشارك، مثلا كان هنالك كان كولونيل كان طبعا يوضح..

أحمد منصور (مقاطعا): قل لي الأسماء. قل لي الكولونيل فلان.

أحمد المرزوقي: الكولونيل الشلواطي، الكولونيل الشلواطي كان معنا، كان في القيادة العليا، كان يرفع من المعنويات يقول لا تخافوا هنالك فوج سيتدخل لصالحنا إلى غير ذلك، هذا كان واضحا..

أحمد منصور (مقاطعا): أنه مشارك.

أحمد المرزوقي: مشارك. أما الجنرال المدبوح والجنرال حمو والجنرال بوغرين والجنرال الحرش كان يبدو عليهم الحيرة الشديدة، كانوا يعني متجاوزون يعني من تصرفاتهم، نوع من الاستسلام للأحداث طبعا هذا كان واضحا.

أحمد منصور: هل كان هناك جنرالات أو رتب عليا في القيادة العليا حينما ذهبتم واستوليتم عليها؟

أحمد المرزوقي: لا أنا لم أر أحدا..

أحمد منصور (مقاطعا): هل كلفت بمهمة محددة من قبل أعبابو للقيام بها؟

أحمد المرزوقي: أنا والريس طلب منا أن نحمي القيادة العليا..

أحمد منصور (مقاطعا): من الخارج يعني؟

أحمد المرزوقي: لا، من الداخل يعني قال لنا أعبابو ينبغي أن تنظموا دفاع القيادة العليا إذا ما قدر وهوجمنا من جهات مختلفة.

أحمد منصور: لكن هو أعبابو أيضا كانت أيضا الأمور غير واضحة في ذهنه.

أحمد المرزوقي: كانت الأمور غير واضحة في ذهنه حتى أن بعض الناس قيل لنا إنه كان لا يعرف أين توجد الإذاعة، حتى الإذاعة لم يكن، يعني سأل الناس عن موقع الإذاعة.

أحمد منصور: وكيف ذهب إلى الإذاعة بعد ذلك؟

أحمد المرزوقي: استولى الناس على الإذاعة، هو رجع إلى القيادة العليا.

أحمد منصور: أنتم بقيتم في القيادة العليا؟

أحمد المرزوقي: أنا شخصيا بقيت في القيادة لم أذهب إلى الإذاعة ولكن أعبابو خرج وألقى خطابا على الجنود قال لهم بأن..

أحمد منصور (مقاطعا): من الإذاعة؟

أحمد المرزوقي: لا، في القيادة العليا، على الجنود، قال لهم بأننا فعلنا هذا من أجلكم ومن أجل أبنائكم ومن أجل الأجيال اللاحقة.

أحمد منصور: حضرت أنت هذا الخطاب؟

أحمد المرزوقي: نعم، قال فيما قال بأننا سنقضي على الخونة..

أحمد منصور (مقاطعا): وأنتم مش عارفين من الخونة دول؟

أحمد المرزوقي: سنقضي على الخونة وذهب العهد الذي كانوا يحكمون فيه أصحاب السوالف، أصحاب بالدارجة القجج يعني إذا أردت المخنثين أصحاب الشعور المسدولة على الأكتاف.

أحمد منصور: كان يقصد أحدا معينا؟

أحمد المرزوقي: طبعا ربما يقصد المدنيين أو فئة بعينها، المهم أعتقد أنه بكل وضوح وبكل صراحة أن المعنيين بهذه القجج كان يقصدهم الفاسيين،  لأن الفاسيين طبعا كانوا يسيطرون على دواليب الدولة طبعا إلى حد الساعة أنت ترى أنه قبل أشهر كتبت صحيفة الوطن الآن إلى متى سنبقى تحت رحمة الفاسيين..

أحمد منصور (مقاطعا): على اعتبار أن معظم الوزراء والسياسيين..

أحمد المرزوقي: والسياسيين طبعا، طبعا.

أحمد منصور: يعني هذا له حساسيات لدى باقي المغاربة يعني؟

أحمد المرزوقي: أعتقد، أكيد أكيد أن هنالك.

أحمد منصور: أنت سمعت الإذاعة والبيان الأول ولا كنت مشغولا في مهمتك؟

أحمد المرزوقي: لا، لا، كنت مشغولا.

أحمد منصور: يقال حينما ذهبوا للإذاعة كان عبد الحليم حافظ يسجل أغنية وطلبوا من المذيع الأول هناك أو شخص أو ملحن أو مطرب أن يذيع البيان الأول؟

أحمد المرزوقي: أول من أذاع الخبر هو الملحن، ملحن محبوب جدا ورقيق جدا كنا نحبه كثيرا وكان مكفوفا اسمه المرحوم عبد السلام عامر كان صاحب روائع فنية، فقال بأن الجيش قد قام بانقلاب إلى غير ذلك.

أحمد منصور: يقال إنه منع بعد ذلك من.. بعد هذا.

أحمد المرزوقي: بعده جاء..

أحمد منصور (مقاطعا): يعني شخص كفيف وأعطوه البيان الأول حتى يقرأه.

أحمد المرزوقي: بعده جاء..

أحمد منصور (مقاطعا): يعني ما الذي يتوقع من انقلاب يتلو بيانه الأول شخص كفيف!

أحمد المرزوقي: من المفارقات الغريبة. بعده جاء مذيع كان مشهورا، كان مشهورا جدا وهو الأستاذ محمد دندوشي وهو من.. وهنا أقف في بعض الأشياء، هنا تقع بعض الأشياء المضحكة، إذا سمحت؟

أحمد منصور: آه تفضل، ما هو إحنا في وسط الهم ده لازم شوي نشوف بعض المضحكات.

أفضل من كتب عن سجن تزمامارت بدقة متناهية هو الكاتب المصري محمد عوض في كتاب اسمه "عاش الملك" حيث وصف بدقة رائعة جدا ما حدث في السجن

أحمد المرزوقي: أحسن ما كتب عن تزمامارت بالدقة، بدقة متناهية هو كاتب مصري اسمه محمد عوض، الكتاب اسمه "عاش الملك" كتب بدقة رائعة جدا ما حدث في تزمامارت، حتى الصحف الغربية شوهت الكثير من الأحداث، المهم أعتقد أن محمد عوض في هذا يتكلم ولكن الكل علم هذا، كان في هذه الآونة محمد عبد الوهاب، فريد الأطرش وشادية كانوا متواجدين في أوتيل هيلتون، عبد الحليم كان يسجل أغنية لمدح الملك..

أحمد منصور (مقاطعا): كان كله هنا بيجي يسترزق يعني الملك كان سخيا وكله كان بيجي يسترزق في هذه البلاد.

أحمد المرزوقي: المهم شادية أبانت عن شجاعة كبيرة وقالت لنذهب لنخلص عبد الحليم حافظ من الإذاعة، محمد عبد الوهاب ظل في مكانه، فريد الأطرش، محمد عبد الوهاب اكتفى بالصلاة كان يكثر من الصلاة، فريد الأطرش ظل في مكانه، شادية ذهبت مع الملحن محمد الموجي ومع أناس آخرين من جملتهم كان رئيس السلك المعتمد الدبلوماسي حسن فهمي عبد المجيد السفير المصري..

أحمد منصور: نعم هنا.

أحمد المرزوقي: لما دخلوا إلى الإذاعة وكانت محاصرة، طبعا هذا بعد، وتكلم الملحن محمد الموجي قال أنا الملحن محمد الموجي، الأغلبية الساحقة من التلاميذ طبعا ينحدرون من البادية، قال له أنا لا أعرف محمد الموجي من تكون؟ قال له أنا زي عبد الحليم حافظ، زي محمد عبد الوهاب، زي فريد الأطرش، أنا ألحن الأغاني، قال له لا أعرفك. شادية لم يعرفها، السفير حسن فهمي عبد المجيد قال أنا سفير الجمهورية العربية المتحدة، قال من الجمهورية العربية المتحدة، من تكون هذه الدولة؟..

أحمد منصور: هذه أيام ليبيا وأيام مصر.

أحمد المرزوقي: قال له أنا من مصر، ففكر التلميذ لحظة وقال آه أنتم الذين ربحناكم في المبارة الأخيرة بثلاثة لصفر، قال طبعا، قال مر، مر، تفضل.

أحمد منصور: شر البلية ما يضحك.

أحمد المرزوقي: ما يضحك، طبعا.

المواجهة بين أعبابو والبوهلي ومقتلهما

أحمد منصور: بعد ذلك يبدو أن الملك استطاع أن يسترد زمام المبادرة، هل علمت شيئا مما دار في القصر بعد ذلك، الجانب الآخر من المشهد؟

أحمد المرزوقي: لما كنا في القيادة العليا، جاء الكولونيل محمد أعبابو وتلاسن، وقعت ملاسنة مع أخيه.

أحمد منصور: ترك القصر وجاء بمن معه.

أحمد المرزوقي: وقعت ملاسنة كبيرة بين الأخين.

أحمد منصور: ماذا دار بينهما؟

أحمد المرزوقي: قال له يعني سب وقال لماذا تركت القصر، ألم أقل لك أن تبقى في القصر وأن تستمر في البحث؟ المهم هنا طبعا زادت الأمور توترا.

أحمد منصور: أنت شاهدت الملاسنة بين الأخوين أعبابو؟

أحمد المرزوقي: لا، شاهدها الأصدقاء الذين حكوا لي هذه الملاسنة.

أحمد منصور: يقولون إن الحسن الثاني هنا روى في مقابلته مع ريمون تورنو مندوب مجلة باريماتش الفرنسية ودي نقلها، نقل هذه الرواية جيد بيرو، يقول إنه فوجئ بأحد الطلبة يدخل عليه فنهره الملك وسيطر على الموقف وقال له لماذا لا تقبل يدي؟ هل غدوتم كلكم مجانين؟ أنتم جنود الجيش الملكي. فالطالب قبل يده وقدمه وعنقه وكتفه ثم بدأ باقي الطلاب بعده يفعلون ما يقول، ثم وجه الملك أوامره إلى أوفقير قائلا، جنرال أوفقير قف إني عهدت لك بجميع سلطاتي المدنية والعسكرية تولى إنهاء القضية، وهنا بدأت عملية القمع والرد. هذه رواية من الروايات التي ذكرت حول كيف استطاع الملك أن يسترد، الملك روى رواية أخرى أيضا حول هذا الموضوع إلى الصحفي الفرنسي في كتاب "ذاكرة ملك" قريبة تقريبا من هذا الأمر. هذا بس حتى أكمل المشهد، كيف كانت الأمور تسير في القصر وأنتم كنت في القيادة العليا للجيش في الرباط، ماذا حدث بعد ذلك؟ البيان أذيع، هناك توتر، رجع الأخ أعبابو وترك القصر دون أن يجد الملك وحدث تلاسن بين الأخوين.

أحمد المرزوقي: ونحن على ذلك الوضع، بدأت طلائع من اللواء الخفيف للأمن بدأت بمحاصرة القيادة العليا وعرفنا أن هناك وحدات أخرى تتدخل لمواجهتنا، الكولونيل أعبابو كان في الداخل مع الجنرالات والضباط السامين فنودي عليه وقيل له بأن الجنرال البوهلي الماجور العام للقوات المسلحة قد أتى وفي بذلة مدنية، قد أتى على رأس وحدة.

أحمد منصور: البوهلي هذا الذي تولى المنصب؟

أحمد المرزوقي: بعد إدريس بن عمر.

أحمد منصور: كرئيس أركان للجيش المغربي بعد إدريس بن عمر؟

أحمد المرزوقي: نعم.

أحمد منصور: وكان البوهلي طبعا علاقته لم تكن جيدة مع أعبابو والآن تحرك حتى يحاول استرداد زمام الأمور مرة أخرى؟

أحمد المرزوقي: نعم. المهم خرج للقائه..

أحمد منصور (مقاطعا): أين كنت أنت؟

أحمد المرزوقي: أنا كنت فوق سطح من إحدى السطوح، سطوح القيادة العليا.

أحمد منصور: من أجل تأمين الوضع.

أحمد المرزوقي: ورأيت المشهد هذا رأيته بأم عيني المشهد، كنت أراه، جاء الجنرال..

أحمد منصور (مقاطعا): أنا أريدك أن تصف هذا المشهد بكل تفاصيله لأنه أشبه ما يكون بأفلام هوليوود، من كل المصادر وضعته أمامي وأنت كشاهد عيان عليه للتاريخ قل روايتك فيه.

أحمد المرزوقي: أنا كنت فوق السطح أراقب المشهد، جاء الجنرال بلباس مدني وطلب..

أحمد منصور (مقاطعا): كنت تعرف البوهلي؟

أحمد المرزوقي: طبعا أعرفه. وطلب من أحد الضباط الذي هو من فوجي اسمه عزمي كان على مقربة منه، قال له هات سلاحك، فلم يتردد الضابط بإعطاء السلاح للجنرال، كان رشاشا خفيفا ولا زلت أذكر أمام عيني منظر ذلك الضابط وهو منبطح على بطنه، لست أدري من أعطاه الأمر فالضابط وقع بين نارين، فخارج الباب يوجد الجنرال وممسك برشاشته..

أحمد منصور (مقاطعا): التي أخذها من الضابط عزمي.

أحمد المرزوقي: نعم. وراءه جنوده، من الجهة المقابلة -وكان يوليني ظهره- الكولونيل أعبابو ووراءه جنوده يعني كان ولا زلت أذكر الضابط وهو منبطح وكان يتميز بعينين زرقاوين كانت تلمع في تلك اللحظة..

أحمد منصور (مقاطعا): أنت من المسافة البعيدة شفت لمعان عينيه؟

أحمد المرزوقي: قريب، قريب، هو طبعا من فوجي وأعرف لون عيونه، كانت عيونه تبرق، يعني ينتظر ماذا سيقع، ووقعت.. الجنرال البوهلي بدأ يسب أعبابو..

أحمد منصور (مقاطعا): ماذا قال له؟

أحمد المرزوقي: قال له طبعا فيما حفظته في ذاكرتي..

أحمد منصور (مقاطعا): التي يمكن أن يسمعها المشاهدون ليس كل..

أحمد المرزوقي: (مقاطعا): نعم. قال له أيها الوغد ماذا تفعل؟ سلم نفسك، سلم نفسك. فقال له أعبابو تعال.. بأدبه وبهدوئه وببرودة دمه..

أحمد منصور (مقاطعا): إلى هذه اللحظة؟!

أحمد المرزوقي: إلى هذه اللحظة. وللتذكير فإن أعبابو ذهب إلى المستشفى وأزيلت له الرصاصة بدون بنج وبدون تخدير أزيلت له الرصاصة، أزالها له جنرال اسمه مولاي هو الذي أزال له الرصاصة وبقي على حاله. قال له يا جنرال تعال لنتفاهم، قال لا مجال للتفاهم قلت لك سلم نفسك ومر جنودك بتسليم أنفسهم. وهنا في جزء من الثانية انطلقت طلقات نارية وسقط الرجلان، يعني ما دار في خلد البوهلي دار في خلد أعبابو وسقطا جميعا، الأول سقط ميتا والآخر.. أنا لم -أر لكي أكون صادقا- لم أر ما رواه الأخوان حين قالوا بأن أعبابو التفت إلى عقا الذي كان بجانبه وقال له أجهز علي، وكثير قال هذه الرواية.

أحمد منصور: بعد الحوار القاسي بين الرجلين كلاهما في لحظة واحدة أخرج مسدسه وأطلق النار على الآخر.

أحمد المرزوقي: أعبابو بمسدس والجنرال البوهلي برشاش خفيف.

أحمد منصور: الذي أخذه من الضابط عزمي.

أحمد المرزوقي: نعم.

أحمد منصور: هذا نص ما ذكره الريس، الريس كان قريبا أيضا من المشهد، قال "إن الجنرال وجه كلامه إلى أعبابو وقال له ماذا تفعل هنا أيها الحقير؟ اخرج من القيادة العامة. فأجابه أعبابو بكلام ناب وقال أنا في مكاني، أنت من عليه الخروج أيها الغبي. فرد عليه الجنرال قائلا لقد خسرت أيها الحقير، استسلم. فرد أعبابو أريد التحدث إليك ولا شك أننا سنصل إلى جواب مناسب. رفض الجنرال وقال استسلم أولا واعط أوامرك لرجالك بوضع أسلحتهم والاستسلام" نفس تقريبا الرواية التي أنت رويتها، وفي لحظة واحدة مثل أفلام هوليوود أطلق كلا الرجلين النار على الآخر، قتل الجنرال في التو واللحظة ولكن أعبابو بقي على قيد الحياة، والروايات تقول إنه نادى إلى عقا وقال له أطلق علي النار لا أريد.. فعقا رفض في البداية، ثم قال له هذا آخر أمر أصدره إليك، أطلق علي النار، فأطلق عقا النار على محمد أعبابو فأجهز عليه.

أحمد المرزوقي: نعم. طبعا عندما كنا في تزمامارت تحاكينا واكتملت الصورة نوعا ما عندنا.

أحمد منصور: "كان لموت الرجلين طعم النهاية، ولولا هذا الموت لتفاقمت الأوضاع ولزاد عدد القتلى والجرحى، وهكذا لم تقم جمهورية أعبابو سوى بضع ساعات أما مجلس قيادة الثورة الوهمي فقد انحل بعد تشكيله حيث فر كل عضو للإفلات بجلده بعد أن انتشر الخبر ببقاء الملك على قيد الحياة". أنت ماذا فعلتم حينما قتل بداية القائد الأعلى من المفترض للانقلاب الجنرال المدبوح، والآن قائدك وقائد أهرومو والرجل القوي الذي قام بكل الحركة محمد أعبابو تم قتله؟

أحمد المرزوقي: لما وقع هذا وقعت.. طبعا الكل فر من القيادة العليا.

أحمد منصور: أين ذهبت أنت؟

أحمد المرزوقي: أنا شخصيا ذهبت..

انتشار الفوضى والهروب والاستسلام

أحمد منصور (مقاطعا): الآن بعد مقتل أعبابو انعكاس هذا عليكم أنتم كيف؟

أحمد المرزوقي: انعكاس، انعكاس يعني وقع المهم أقول انفلات، كل واحد..

أحمد منصور: رأيت جثة أعبابو أنت؟

أحمد المرزوقي: أنا رأيتها نعم.

أحمد منصور: شفت عقا في ذلك الوقت؟

أحمد المرزوقي: لا ، لم أره، أنا شخصيا لم أره، أقول ما رأيته.

أحمد منصور: ليس وهو يقتل..

أحمد المرزوقي: لا ليس وهو يقتل.

أحمد منصور: بعدها لم تره؟

أحمد المرزوقي: لا لم أره.

أحمد منصور: انتشرت الفوضى في المكان؟

أحمد المرزوقي: انتشرت الفوضى العارمة وأخذ كل يعني يأخذ سبيله في الفرار، إلى غير ذلك. أنا سقطت من جدار ألقيت بنفسي من جدار وتبعني ثلاثة تلامذة.

أحمد منصور: جدار ارتفاعه كم؟

أحمد المرزوقي: يعني لا أصدق، حين أمر أقول كيف كانت..

أحمد منصور (مقاطعا): لا زال الجدار موجودا؟

أحمد المرزوقي: طبعا، أقول كيف كانت بنيتي؟! في الحقيقة لا أصدق كيف أنني استطعت أن أقفز والطلبة كذلك كنا في بنية يعني قوية الحق. المهم لما سقطنا أخذنا سيارة، وجدنا سيارة هابطة، تكسي، تكسي صغير وذهبنا إلى شاطئ البحر، اختبأنا في شاطئ البحر.

أحمد منصور: هنا.

أحمد المرزوقي: نعم، هنا في الرباط. وبدأت أتدبر وأفكر ما العمل.

أحمد منصور: أنت بدأت تستجمع نفسك ولا برضه كنت حاسس أنك؟

أحمد المرزوقي: لا، استجمعت طبعا عرفت أن ما وقع كارثة، ماذا سيقع؟ هل سيصدقوننا بأننا لم نكن ندري أي شيء؟ ماذا سيقع؟ المهم سقط الظلام وبقيت في الشاطئ مختبئا في الصخور..

أحمد منصور (مقاطعا): أنت والجنود الثلاثة.

أحمد المرزوقي: أنا وثلاثة تلامذة.

أحمد منصور: أنتم كنتم على الغداء بتاعكم قبل الانقلاب.

أحمد المرزوقي: نعم. المهم فخطر لي خاطر..

أحمد منصور (مقاطعا): تحدثتم، كنت تتحدث معهم؟

أحمد المرزوقي: مع الطلبة طبعا.

أحمد منصور: إيش كانوا، ماذا كان في ذهنهم، ماذا كان؟

أحمد المرزوقي: يعني كنا حيال كارثة، كارثة من الكوارث قلنا ماذا نفعل؟ فالطلبة قالوا لنا، بعض الطلبة سألوني هل كنت تعلم؟ قلت له لم أكن أعلم شيئا. قالوا لي ماذا حدث؟ قلت لهم ما حدث أنتم رأيتم ماذا حدث، المهم لنتدبر الأمر ماذا سفعل، طلبت من الطلبة أن يبقوا  في مكانهم وقلت لهم بأنني سأذهب عند أخي لاقتناء بعض الألبسة المدنية، أخي كان دبلوماسيا يشتغل في السفارة المغربية في تونس مع السفير محمد عواد الذي سيكون هو مستشار الملك.

أحمد منصور: بعد ذلك.

أحمد المرزوقي: نعم. ولما هممت بالانصراف أخذ تلميذ رشاشته وهددني بإطلاق النار علي، ماذا قال لي؟ قال لي وفي اعتقاده، أنتم تفعلون كذا وتتركوننا هنا؟ إذاً أنت مقدم على الهرب وتتركني هنا؟ وأكدت له بدبلوماسية كبيرة أقنعته بأنني لن أفعل ذلك وليس من شيم الضابط كما علمناكم أن ألوذ بالفرار وأترككم، أنا فقط سأتدبر الأمر وأذهب عند شقيق لاقتناء بعض الألبسة المدنية وكذلك كان..

أحمد منصور (مقاطعا): اقتنع.

أحمد المرزوقي: اقتنع.

أحمد منصور: معنى ذلك أن الطلبة كانوا أيضا متوترين وضائعين.

أحمد المرزوقي: متوترين كثيرا. وقلت عندما سآتي سنتعارف بهذا الصفير، إذا ما صفرت فأجيبوني فاعلموا بأنني أنا المعني.

[فاصل إعلاني]

أحمد المرزوقي: ذهبت عند أخي، ذهبت وكان رأسي حليقا..

أحمد منصور (مقاطعا): ذهبت بملابسك العسكرية؟

أحمد المرزوقي: بملابسي العسكرية، تجردت من السترة التي كانت وتركت القميص، نصف كم..

أحمد منصور (مقاطعا): أسدلته بحيث أنك تبان كمدني.

أحمد المرزوقي: وذهبت عند أخي، يعني وجدته في حالة من التوتر، حالة شديدة من التوتر..

أحمد منصور (مقاطعا): طبعا لأنه يعرف أنك في أهرومو وأكيد أنك من بين..

أحمد المرزوقي: نعم، نعم، حكيت له القصة من أولها إلى آخرها قال لي ماذا حدث؟ فحكيت له بالتفصيل، فأعطاني الملابس المدنية وزودني بشيء من النقود، لبست جلبابا وغطيت رأسي بالقب وأخذت الحقيبة وفيها الملابس المدنية.

أحمد منصور: لم تكن تعلم أين تذهب؟

أحمد المرزوقي: لا كنت أريد أن آخذ السيارة لأرجع عند الطلبة لأعطيهم الملابس المدنية.

أحمد منصور: لا، بعد ذلك؟

أحمد المرزوقي: بعد ذلك سأقول لك ماذا دار في خلدي ماذا في ذهني. ركبت تكسي والغريب أن في وطبعا ركبت في الخلف وفي أثناء الطريق توقف السائق ليحمل معه زبونين، لما وصلت إلى إحدى الثكنات وجدتها محاطة بالمدرعات..

أحمد منصور (مقاطعا): بدأ الجيش يتحرك.

أحمد المرزوقي: نعم، يعني رأيت هرجا ومرجا من الجيش وحالة من الاستنفار الشديد، فقال أحد الراكبين ماذا حدث؟ قال للسائق، قال له أو تدري ماذا حدث؟ لقد حدث انقلاب عسكري. يعني أقولها صراحة، صاحب التكسي كان مع الانقلاب وفرح بالانقلاب وقال الحمد لله، ورفع بصره إلى السماء ورأى القمر في تمامه فقال حتى القمر يشاركنا في هذه الفرحة. سكت الزبونين، ولذت أنا طبعا أنا كنت منزويا في مكاني صامتا..

أحمد منصور: أنت مالكش دعوة، ما عندكش حاجة.

أحمد المرزوقي: المهم تابعنا السير.

أحمد منصور: يعني هل كانت الناس من الجرأة بحيث أنها، ولا كان يتوقع خلاص أن الانقلاب نجح وبالتالي؟

أحمد المرزوقي: كان يتوقع أن الانقلاب نجح. المهم تابعنا السير نزل الزبون الأول ثم الثاني ثم التفت إلي قال لي إلى أين؟ قلت له تابع السير فقط، أنا كنت يعني..

أحمد منصور (مقاطعا): لم يوقفكم أي تفتيش ولا أي حاجة؟

أحمد المرزوقي: أي تفتيش ولا أحد.

أحمد منصور: كانت لا زالت جزء من الفوضى قائمة.

أحمد المرزوقي: ما الدنيا كانت في بلبلة والفوضى قائمة. لما قلت له تابع السير التفت إلي وكأنه استشعر بأن أمرا ما قد وقع وشك في، فلما وصلت إلى المكان المحدد وأردت أن أعطيه الثمن قال لي بالحرف، أنا الذي ينبغي أن أؤدي لكم الثمن. أنا طبعا لم أثق به ووليت وجهي عكس المكان الذي كنت أريد..

أحمد منصور (مقاطعا): يعني كأنه يمكن أنه ده رجل أمن وبيحاول أنه هو..

أحمد المرزوقي(مقاطعا): لا ليس رجل أمن، هو كان في الأول كان فرحا بما يقع ولكن لما تيقن بأنني أحد من الهاربين طبعا خاف على نفسه، هذا من جهة ومن جهة ثانية قلت إنه لو صادف وأوقف من طرف الشرطة أو غيرها فسيدل على المكان، المهم أنا طبقت قاعدة من القواعد العسكرية أوهمته بأنني سأذهب إلى اتجاه وذهبت إلى العكس والتقيت بالطلبة وأعطيتهم الملابس المدنية.

أحمد منصور: غيروا الملابس؟

أحمد المرزوقي: غيروا الملابس..

أحمد منصور (مقاطعا):  لكن السلاح كان معكم؟

أحمد المرزوقي: كان معنا السلاح، ماذا وقع؟ قال لي أحد التلامذة بأن أخاه يوجد على مقربة منا، بأن منزلهم يوجد على مقربة منا، قال لي إذا أردت فسأذهب عند أخي فسيأتي بالسيارة وسيؤوينا إن أردت، قلت اذهب، ظللنا ننتظره على الشاطئ في الليل، وفعلا عاد التلميذ ومعه أخوه في السيارة..

أحمد منصور (مقاطعا): أنت فاكر أسماء التلاميذ دول؟

أحمد المرزوقي: لا، مع الأسف لم أعد أذكر. ففي الوقت الذي كنا نهم بوضع الأسلحة في صندوق السيارة فإذا بمدرعة تمر، لو أطل.. وقد توقفت المدرعة فقالوا للسائق ماذا تفعل هنا؟ قال وقع عطب في محرك السيارة. لو أطلوا لوجدونا منبطحين على.. كانت مواقف مثيرة.

أحمد منصور: نمتم عنده؟

أحمد المرزوقي: نمنا عنده.

أحمد منصور: كم يوم؟

أحمد المرزوقي: يومان.

أحمد منصور: وبعدها؟

أحمد المرزوقي: وبعدها اتصلت بأخي، كنت أود أن يعيرني سيارته..

أحمد منصور: حتى؟

أحمد المرزوقي: حتى أفر إلى الجزائر، هذا كان مخططي. ولكن بعد ذلك ذهبت عند أخي وأوصاني قال لي بأنه ذهب عند السفير محمد عواد، كانت له به علاقة وقال له ما شأنك أنت؟ هذه مسألة الكبار، أنتم عبارة عن ضباط صغار. المهم بنبغي أن تسلم نفسك، أقنعني بتسليم نفسي.

أحمد منصور: كنت تتابع ما يحدث في البلد في ذلك الوقت، تسمع راديو، تشوف ما..

أحمد المرزوقي: (مقاطعا): طبعا رأيت أصدقائي يسلمون أنفسهم في الإذاعة..

أحمد منصور (مقاطعا): في التلفزيون.

أحمد المرزوقي: في التلفزيون. قال لي هذا شأن الناس الكبار..

أحمد منصور (مقاطعا): وأدركت أن المخطط فشل كله.

أحمد المرزوقي: طبعا، طبعا.

إعدام قادة الانقلاب وبدء التحقيق والتعذيب

أحمد منصور: في اليوم التالي للانقلاب 11 تموز عام 1971 عقد الملك مؤتمرا صحفيا، شاهدته؟ شاهدت هذا المؤتمر الصحفي؟

أحمد المرزوقي: لا.

أحمد منصور: قال فيه إنني اليوم ملك أكثر مما كنت البارحة ثم هاجم الانقلابيين بشدة وقال غدا في مثل هذه الساعة على أبعد حال سيعدم قادة التمرد رميا بالرصاص، سيمنحون فقط الوقت اللازم ليقصوا ما بجعبتهم من أقوال.

أحمد المرزوقي: لا لم أسمع هذا.

أحمد منصور: هل استطعت أن تفكفك أو تفك شيئا من الرموز الكثيرة التي كانت غامضة في هذه المحاولة، من المحاكمات، من السجن؟

أحمد المرزوقي: من الأشياء أعتقد أن هنالك، كان هنالك متورطون مع أعبابو ولكنهم لما رأوا بأن الملك بقي على قيد الحياة بدلوا المعسكر بسرعة كبيرة.

أحمد منصور: بعض الروايات تقول إن الجنرال أوفقير كان من بين هؤلاء وإنه قال لأعبابو والمدبوح إذا نجحتم سأكون معكم وإذا فشلتم فسوف أذبحكم. هل وصلت معلومات من هذا القبيل؟

أحمد المرزوقي: طبعا تعرفنا على هذا فيما بعد، فيما سيأتي من الروايات ولكن هذا لا يستطيع أن يجزم به إلا أناس يعني مقربون من أوفقير.

أحمد منصور: صباح الثلاثاء 13 يوليو 1971 الساعة الحادية عشرة صباحا اقتيد أربعة جنرالات هم حمو وبوغرين ومصطفى وحبيبي وخمسة عقداء ومقدم إلى معسكر مولاي إسماعيل قرب الرباط، شدوا إلى عشرة أعمدة وفي حضور الجنرال أوفقير وعدة وزراء نفذ حكم الإعدام في ما أطلق عليهم قادة الانقلاب بعد أقل من 48 ساعة على المحاولة الانقلابية. سرعة تنفيذ حكم الإعدام وعلامات الاستفهام الكثيرة التي طرحت حول هذا الموضوع لا سيما وأن بعض الذين أعدموا أخذوا من بيوتهم، لم يكن لهم علم أو علاقة من قريب أو بعيد بهذا الانقلاب، هل تعتقد بأن سرعة تنفيذ الأحكام بهذه الطريقة كانت من أجل أن يموت الجميع بأسرارهم؟ قتل  المدبوح وقتل أعبابو والآن هؤلاء العشرة أيضا يقتلون.

أحمد المرزوقي: أنا أعتقد ذلك، لأن المحاكمة العادلة من شروط المحاكمة العادلة أن تترك المجال للمتهم بأن يدافع عن نفسه ولكن هذا لم يكن هنالك أي مجال، نحن لما سلمنا أنفسنا، أنا شخصيا قضيت ثلاثة أيام من أيام الجحيم في القيادة العليا من التعذيب إلى غير ذلك..

أحمد منصور (مقاطعا): بعد ما قبض.. بعدما سلمت..

تعرضت في معسكر مولاي إسماعيل لشتى وسائل الإهانة فقضينا أياما في قبو أرضي ولم يكن هنالك حتى المرحاض وعوضا عنه أعطونا نصف برميلا من القصدير لمئات الأشخاص

أحمد المرزوقي (مقاطعا): بعدما سلمت نفسي. ولما رجعت رجعت إلى معسكر مولاي إسماعيل ورأينا يعني الكيفية الموغلة في الإهانة، كيف عاملونا، يعني أقل من الحيوانات، رأينا كيف أن جنرال أو جنرالات من حجم الجنرال حمو كيف أتي به مشحونا ومدسوسا في كما نقول بالفرنسية في كيس عسكري وكأنه قمامة، هذه الجنرالات -لأعطيك نظرة- جيء بهم وقد خيط عليهم من فوق، شيء فظيع، أما نحن فحدث ولا حرج، الأيام التي قضيناها في قبو أرضي وكانت نوافذه تعطي على السطح كانوا يتفرجون علينا حتى لم يكن هنالك حتى المرحاض وعوضا عن المرحاض أعطونا نصف برميلا من القصدير لمئات الأشخاص.

أحمد منصور: كيف سلمت نفسك؟

أحمد المرزوقي: سلمت نفسي، ذهبت عند أخي فأقنعني قال لي من الأحسن، أنا تكلمت مع السفير محمد عواد فقال بأن هذا يتجاوز أخاك وأن هذه قضية تهم الكبار وهم كانوا مجرد أداة، فليقل ما في جعبته وسوف ينصف. فركبت في سيارة أخي وبنيتي أن أذهب لإقناع التلامذة بتسليم أنفسهم، وأعتقد قبل أن أذهب عند التلامذة كان أخي أو أحد من أسرته أو زوجته أو لست أدري أعلم وأخبر الدركيين بأنني.. يعني أعلمه لكي لا يقع يعني..

أحمد منصور: قتال.

أحمد المرزوقي: قتال أو.. أنا لم أكن مسلحا، وطبعا كانت رؤية أخي حكيمة جدا فصاحبته في سيارته ولما وصلنا إلى شارع، إلى حي المحيط أمام الكنيسة قرب ساحة صغيرة خرج -وكأننا سقطنا في كمين- خرج الدركيون ورجال الشرطة من كل حدب وصوب، بقي الناس يتفرجون ماذا حدث، خرجنا من السيارة وأمرونا برفع أيدينا إلى السماء وطبعا أنا رفعت، تقدم عندي ضابط برتبة نقيب دركي وتقدم عندي شرطي أو رئيس لست أدري..

أحمد منصور (مقاطعا): قبضوا عليك.

أحمد المرزوقي: فقال، الشيء المضحك هو أنه وقع خصام ما بين رجال الدرك والشرطة الكل يريد أن يأخذني، الكل يريد أن..

أحمد منصور (مقاطعا): يظفر بأنه..

أحمد المرزوقي: وفي النهاية رجحت كفة الدركيين، فتوجهت إلى النقيب الدركي وقلت له كابتن قلت له أرجوك في ذلك المنزل يوجد ثلاثة تلامذة، ثلاثة عناصر من أهرومو مسلحين، أرجوك اعطني الفرصة أن أدخل عندهم وأقنعهم بالانسحاب تفاديا لإطلاق الرصاص أو لإسقاط بعض الأرواح البريئة. قال لي هل تقسم لي بشرفك؟ قلت أقسم لك بشرفي، قال لي هل تقسم بشرف الضابط؟ قلت أقسم بشرف الضابط، اعطني هذه المهلة. فدخلت إلى الدار وجميع البنادق موجهة إلي، دفعت الدار وأول ما فعلته أنني انقضضت على تلميذ لم يكن يريد أن يفارق رشاشته، كان عنيفا وعدوانيا جدا وكان خائفا، المهم انقضضت على بندقيته لما أخذتها توجهت إلى المكان الذي أودعنا فيه الأسلحة فآنذاك خرجت وطلبت من النقيب أن يتقدم، تقدم الدركيون وسلمت الأسلحة وسلمنا أنفسنا جميعا إلى الدركيين وذهبنا إلى القيادة العامة للدرك.

أحمد منصور: ماذا حدث في القيادة العامة للدرك؟

أحمد المرزوقي: في القيادة العامة للدرك.. طبعا احتفظ بأخي، فأصعدوني عند كومندان برتبة رائد في الدرك..

أحمد منصور (مقاطعا): تذكره؟

أحمد المرزوقي: كيف لا أذكره وقد كان صديقا لأخي، من غرابة الصدف أنني كنت تعشيت معه شهرا قبل هذه الحادثة في منزل أخي فإذا بي أراه..

أحمد منصور (مقاطعا): ما اسمه؟

أحمد المرزوقي: اسمه الكومندان العيسوي. طبعا عاملني معاملة حسنة جدا، قال يا أحمد ماذا وقع؟ قلت له يا كومندان هذا خارج عن نطاق إرادتنا نحن عبارة عن أداة استعملنا، الأمر يتجاوزنا، قال لا حول ولا قوة إلا بالله، فلما أخذ يستنطقني جاء نقيبان وكانا يرتعدان يريدان تعذيبي..

أحمد منصور (مقاطعا): تعذيبك؟

أحمد المرزوقي: نعم.

أحمد منصور: يرتعدان؟!

أحمد المرزوقي: يرتعدان طبعا من الرغبة في التعذيب، ولما فتشوني -وهذا هو المضحك- وجدوا لائحة أو قائمة بأسماء الكومندان الذي كنت أحكمه، وورقة فيها كلمات لعبد الحليم حافظ، أغنيات لعبد الحليم حافظ. وبقيا معي ما يزيد من الساعة يسألاني عن تشفير، طبعا فك رموز الكتابة، قل لي..

أحمد منصور (مقاطعا): قلنا بقى التشفير بتاع عبد الحليم حافظ.

أحمد المرزوقي: قل لي، قلي يا أخي كلمة "يا خلي القلب ياحبيبي" كان يقول لي ماذا تقصد؟ لا تقصد، طبعا لم يرد تصديقي، الكومندان كان ينظر ولكنه تدخل وصرفهم، صرفهما وتعامل معي حقيقة غاية في.. أحسن إلي، كنت أدخن آنذاك فأعطاني السجائر..

أحمد منصور (مقاطعا): أخوك أين ذهب؟

أحمد المرزوقي: صرف، بعدما أعطاني (كلمة فرنسية) يعني، ودعني وانصرف، التلامذة استنطقوا من طرف الكومندان وأنا ذهبت إلى ثكنة للدرك اسمها كانت تسمى (كومبانيار) توجد في، فإذا بي أرى صديقين لي من الرؤساء، رأيت النقيب بالكبير والنقيب غلول في حالة لم أفهم أي شيء،  سريالية، رأيتهما بلباس مدني بدوي وقبطان كم سرواله يعني ممزق، لم أفهم أي شيء ولما دخلت وجدت النقيب المرحوم، النقيب حميد بن دورو وقبل أن يأتي إلى أهرومو كان ضابطا في الدرك فعومل بكيفية حسنة وعوملت كذلك بكيفية حسنة نظرا لكون أخي كان في الدرك، كان مدرسا في مدرسة الدرك أخي عبد اللطيف، كان معروفا، فطبعا أتي لي بشيء من الأكل وقال لي أحد الدركين كل يا أخي فلا أعتقد أنك ستأكل هذا فيما سيأتي من الوقت. بتنا ليلتنا في تلك الثكنة وفي الصباح جاءت مدرعات وشاحنات ونقلونا إلى القيادة العليا، حيث مكثنا ثلاثة أيام.

أحمد منصور: كيف كانت الأيام الثلاثة؟

أحمد المرزوقي: كانت قطعة من الجحيم.

أحمد منصور: صف لنا بعض المعالم.

أحمد المرزوقي: كانت هنالك الكثير من المكاتب وكنا نمر الواحد تلو الآخر على تلك المكاتب، وكان كل واحد يعذبنا بطريقته الخاصة، هذا يعذب بالصدمات الكهربائية وذاك يعذب بالضرب وذاك يعذب باللكم، المهم، وذاك يعذب كان طبعا يمثل يعني إعدام كانوا يوهمونا..

أحمد منصور (مقاطعا): كان التعذيب مع الاستنطاق ولا التعذيب فقط للتعذيب؟

أحمد المرزوقي: مع الاستنطاق. استنطاق ولكن هنالك كانت تجاوزات، لقد أدركوا بما لا يقبل مجالا للشك بأنه لم يكن في علمنا أي شيء، وكان بعضهم يريد أن يكون أكثر ملكية من الملك..

أحمد منصور (مقاطعا): بعض الضباط كانوا ساديين فيما يقومون به؟

أحمد المرزوقي: نعم ، نعم ساديين.

أحمد منصور: وكانت الفرصة للانتقامات الشخصية قائمة أيضا؟

أحمد المرزوقي: الانتقامات الشخصية لا أعتقد، يعني هنالك بعض الضباط من التزم، أنه لم يعذبنا يعني اكتفى بالاستنطاق فقط.

أحمد منصور: يعني هي في أيدي الضابط، يعني الضباط الذين يزيدون في الممارسات الأمر في أيديهم أيضا، يعني ممكن أن يستنطقك فقط ويمكن أن يعذبك وممكن أن..

أحمد المرزوقي: طبعا، نعم، نعم.

أحمد منصور: يعني بتترك لإنسانية الضابط أو الجندي في ذلك الوقت كيف ينفذ الأمر.

أحمد المرزوقي: هنا تظهر الأخلاق وتظهر الثقافة ويظهر الوعي وتظهر الإنسانية كذلك، هنالك هذه الأشياء لا تظهر إلا في هذه المواقف.

أحمد منصور: ولكن يبدو أنها قليلة عند هؤلاء.

أحمد المرزوقي: طبعا، البعض تصرف بكيفية لائقة جدا، توصل لأمر نفذه.

أحمد منصور: اضرب لنا مثالا.

أحمد المرزوقي: هنالك بعض الضباط الذين أجهل أسماءهم طبعا استنطقوني بدون ضرب وبدون صدمات كهربائية، يكتفي بطرح السؤال وأنت تجيبه بدون أن يعنفك وبدون أن يهينك، والآخرون طبعا بغض النظر عن طرح الأسئلة فهو أول ما يبادرك، يعني أنا لما دخلت أول مكتب كنت ساذجا وكانوا يحضرون شيئا ما، يحضرون أشياء أعتقد أنها تدخل في إطار تسجيلات، فإذا بهم يحضرون، يعذبون بها بالكهرباء حتى أنهم كانوا يضعونها في الأعضاء التناسيبلة وفي أشياء من الأجساد يعني في الجسم الأماكن الحساسة من الجسم. هنالك أعطيك مثلا آخر تكلمت عنه في الكتاب، هنالك ضابط برتبة نقيب كان مؤدبا ويبدو لي أنه مخلقا وظننت أنه متعاطف معي فلما رأيته آنست منه نوعا من الإنسانية قلت له كابتن أريد أن أشرب، وطبعا طيلة تلك الأيام الثلاثة لو لم يكن، لو لم يسعفنا جندي بسيط متعاطف بشيء من الماء لهلكنا من كثرة العطش.

أحمد منصور: كان يعطيكم يعني من المفترض أنكم لم تكونوا تشربوا؟

أحمد المرزوقي: لا أكل، كما يقولون لا ماء ولا نعمة، لا أكل ولا شراب، سأحكي لك هذه الأشياء. هذا النقيب وأنا كنت طبعا موثق الأيادي إلى متكأ الكرسي فجيء بكأس ماء وأعطاني الكأس، مد لي الكأس باليد اليسرى فلما أردت أن أشرب ضرب الكأس باليد اليمني..

أحمد منصور (مقاطعا): في أسنانك.

أحمد المرزوقي: وطبعا تكسر الزجاج، تكسر الزجاج وجرحت أنا، وانطلق يضحك من أعماق قلبه هازئا. يعني أشياء، أشياء لا تفهمها، لا تستطيع أن تفهمها وتقول بأن هذا الإنسان ربما تكون له عقد ما، أن حياته تعرضت لكثير من الأزمات أو لست أدري وهنا تظهر سادية بعض الناس، أعتقد بحكم تجربتي أن كثير من الناس لهم استعداد للسادية ولا ينتظرون إلا الفرصة السانحة.

أحمد منصور: حتى يمارسوها على الآخرين.

أحمد المرزوقي: حتى يمارسوها على الآخرين. المهم كنا وضعنا في دهليز وضعت لنا القنب الأحرش وكانوا يحكمون وثاقنا حتى أنه حز جلدنا ودخل إلى اللحم وانتفخت أيادينا واخضرت وظهر فيها لون من الزرقة يصاحبه الخضرة يعني انتفخت الأيدي ووضعوا لنا العصابات على الرأس وأحكموا وثاقها بحيث أن الدم كان يتجمد في رؤوسنا، ولا أعتقد أن شيئا أفظع وآلم من تلك العصابة التي يشدونها على القفا بمؤخرة الرأس طبعا بسبق إصرار. وهنا أذكر من بين الضباط الذين أذكر ضابطان أعدما، أتي بهما من منزلهما، أذكر الكومندان إبراهيم المانوزي، المرحوم إبراهيم المانوزي، والمرحوم.. بالبصير، فأتي بهما ببذلتهم العسكرية البذلة الرسمية وفعلوا بهما ما فعلوا بنا، ولا زلت أذكر أن الكومندان المانوزي، المرحوم المانوزي كان لا يسأل إلا عن شيء واحد هو القرعة، يعني القنينة، هل مررتم من هذا التعذيب؟ لا يبحث إلا عن هذا. وذات مرة أذكر جيء -وإحنا نرى طبعا من تحت العصابة نحرك حواجبنا لنستطيع رؤية بعض الأشياء- جيء بالكابتن، النقيب بن دورو وكان رجلا ذا بنية صحيحة جدا، كان..

أحمد منصور (مقاطعا): تسمح لي في الحلقة القادمة أواصل معك تلك المشاهد المرعبة؟

أحمد المرزوقي: نعم.

أحمد منصور: يكفي علي وعلى المشاهدين هذا اليوم..

أحمد المرزوقي: نعم.

أحمد منصور: تلك الصور، نستكمل في الحلقة القادمة. أشكرك شكرا جزيلا، كما أشكركم مشاهدينا الكرام على حسن متابعتكم.في الحلقة القادمة إن شاء الله نواصل الاستماع إلى شهادة أحمد المرزوقي أحد الضباط الذين شاركوا في محاولة انقلاب الصخيرات التي وقعت ضد الملك الحسن الثاني عام 1971 وأحد الناجين من جحيم سجن تزمامارت. في الختام أنقل لكم تحيات فريق البرنامج وهذا أحمد منصور يحييكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.