مراد غالب.. عصر العلاقات المصرية السوفيتية ج8
-دوافع حرب 67 وأهداف عبد الناصر
-مذبحة الأبرياء
-تطورات الحرب وموقف السوفيت خلالها
-أسباب الهزيمة وانعكاسها على العلاقة مع السوفيت
-نتائج الهزيمة وانعكاساتها على العرب
أحمد منصور: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلا بكم في حلقة جديدة من برنامج شاهد على العصر حيث نواصل الاستماع إلى شهادة الدكتور مراد غالب وزير الخارجية المصري الأسبق. دكتور مرحبا بك.
مراد غالب: أهلا وسهلا.
دوافع حرب 67 وأهداف عبد الناصر
أحمد منصور: بدأت غيوم ونذر الحرب تقوم في مصر رغم أنك أرسلت إلى عبد الناصر وأكدت له أن هناك من خلال معلومات حصلت عليها من السفير الأميركي الحرب ستقع في الخامس من يونيو، أبلغه أيضا اليوغسلاف أيضا بأن هناك معلومات بأن الحرب ستقع في الخامس من يونيو إلا أنه كان يعيش في كلام أو في ظل كلام شمس بدران، أخبر حسن إبراهيم أن الحرب لن تقوم قبل ثلاثة أسابيع، اعتمد على الإنذار الأميركي السوفيتي.
مراد غالب: لا، اعتمد على كل ما حصل في 1956، للأسف.
أحمد منصور: اعتمد على نفس ما حدث في 1956. هل كان الإنذار السوفيتي الأميركي خدعة للمصريين؟
مراد غالب: لا، هو يعني الظروف مختلفة خالص، يعني إحنا كنا في 1956 كان لنا حق في تأميم قناة السويس، دي قناة بتاعتنا وإحنا اللي حافرينها وفي أرضنا يعني في حيثيات كثيرة تخلي أنه يعني إحنا..
أحمد منصور: السوفيات والأميركان يتدخلوا ولحسابات.. لكن..
مراد غالب: وبعدين كان في طبعا أن..
أحمد منصور: لكن كان في إنذار لمن سيضرب أولا، يعني كان في إنذار سوفياتي أميركي بالتحذير ممن سيضرب الضربة الأولى.
مراد غالب: كان في تحذير حتى في 1967.
أحمد منصور: نعم أنا باتكلم عن 1967.
مراد غالب: آه طبعا.
أحمد منصور: عبد اللطيف البغدادي عضو مجلس قيادة الثورة في مذكراته تساءل سؤالا مهما جدا، يقول، كيف صدق جمال عبد الناصر ما نقله إليه شمس بدران من أن السوفيات سيقفون إلى جوار أو سيدخلون المعركة إلى جوار المصريين؟ وهذه هي التي كان يرددها عبد الناصر ويرددها عبد الحكيم عامر أمام الجميع، ما كانش في سفير يرجعوا له؟
مراد غالب: بالضبط كده، أنا قلت، الله إيه ده؟ إزاي بيصدقوا؟ ده جاء شمس بدران في مجلس الوزراء وقال إن إحنا السوفيات معنا ومش عارف إيه ولما برضه ناقشوه وقالوا الأسطول الأميركي طيب إذا جاء وبتاع، قال لا، الأسطول الأميركي حنبططه. إيه ده؟
أحمد منصور: ده قال، مش حنبططه بقى، ده أنا حانقل لك الجملة اللي نقلها صلاح نصر في مذكراته، قال إن السوفيات أبلغوه بأنهم حيحولوا، أبلغوا شمس بدران، حيحولوا الأسطول السادس الأميركي إلى علب سردين.
مراد غالب: بتاتا، شوف بتاتا لا، ما هو أنا لما جيت بعد كده جاء جمال عبد الناصر استدعاني للاستشارة بعد أحداث..
أحمد منصور: بعد هزيمة 1967.
مراد غالب: هزيمة 1967، وبعدين يعني بعدها بثلاث أسابيع، فدخلت لقيته شخص مختلف خالص، لقيت واحد مهزوم تماما ومهدم تماما، فدخل هو علي كده فشفته بالشكل ده فقلت له يا ريس إيه ده؟ ليه بتقول كده، صحيح اتهزمنا لكن إحنا مش أول شعب يتهزم أو أول جيش يتهزم، يعني حأقول لك إيه؟ أقول لك بطرس الأكبر كان بيضربوه السويديين لما عدموه وفي الآخر خالص قال إذا ما كانش السويديين موجودين فاحنا نوجدهم علشان يضربونا كل يوم علقة علشان نصحو. فقلت له دي ما فيهاش حاجة أبدا يعني، وبعدين قلت له حاجة يعني هو بقى انزعج منها. قلت له ومين اللي كان حيخلصك من الانكشارية اللي كانت موجودة؟
أحمد منصور: دي نقطة مهمة الآن حارجع لها، أن عبد الناصر كما تقول وأنت ذكرت هذا في كتابك، حسين الشافعي في شهادته على العصر ألمح إليه بشكل مباشر أنه لم يكن لديه وسيلة للتخلص من عبد الحكيم عامر سوى الدخول في معركة وأن تهزم مصر فيها هزيمة ساحقة حتى تكون هزيمة لهؤلاء ويسترد هو زمام القوات المسلحة والدولة.
مراد غالب: شوف أنا يعني لا، يعني ما عنديش هذه القناعة لأنه دي يعني تآمر يعني مؤامرة ومؤامرة غير محسوبة بتاتا أن أنا أخلي..
أحمد منصور: مش عارف يحكم.
مراد غالب: إزاي؟
أحمد منصور: مش عارف يسيطر على الجيش.
مراد غالب: يقوم يسيب سيناء كلها تحت الاحتلال؟!
أحمد منصور: هو كانت حساباته مختلفة، أنه في خلال يومين ثلاثة دول العالم حتدخل والوضع يتغير.
مراد غالب: ما هو أنا حأقول لك بقى على اللي حصل، فبقول له يعني، ومين يا ريس اللي كان حيخلصك من الانكشارية اللي كانت موجودة؟ فبص لي قوي وقال أنت كنت عارف؟ قلت له طبعا عارف، لأن كل الجيش كان بيجي لي أنا يعني كنت أنا محتك بالجيش احتكاك مباشر باستمرار، وفود عسكرية وفود عسكرية، طلبات طلبات، بروح أقابل وزير الدفاع أطلب منه الطلبات، طبعا أنا محتك بهم كويس قوي وأعرف هذا كويس جدا، وبعدين أنا الحقيقة قلت كلمة يمكن ضايقته هو في هذا، قلت له وأعرف كمان حاجة ثانية يا سيادة الرئيس، أن أنت تعرف أكثر من كده. فهو يعني..
أحمد منصور: كلامك واضح جدا.
مراد غالب: فهو يعني ابتلع هذه.
أحمد منصور: ما يختلفش كثيرا عن اللي أنا قلته، أو اللي حسين الشافعي قاله أو اللي عبد اللطيف البغدادي قاله أو اللي صلاح نصر قاله أو اللي كتير قالوه.
مراد غالب: أنا ما ليش دعوة، أنا بقول لك على اللي حصل معي.
أحمد منصور: يعني حينما قال إننا ننتظر المعركة على أحر من الجمر. كان علشان المعركة تخلصه من هؤلاء الانكشارية كما ذكرت أنت وزي ما هو قال لك أنت كنت عارف.
مراد غالب: آه بص لي قوي كده وقال لي أنت كنت عارف؟ فقلت له طبعا كنت عارف.
أحمد منصور: عبد الناصر حشد..
مراد غالب (مقاطعا): لكن سألته بقى سؤال ألعن من كده.
أحمد منصور: قل لي بقى إيه هو اللي ألعن ده؟ هو في ألعن من كده؟!
مراد غالب: لا في ألعن.
أحمد منصور: قل لي.
مراد غالب: أمال، قلت له يا ريس أنت كنت معتمد على مين في المعركة؟ أنت كنت معتمد على السوفيات؟ طيب ما أنا باعت لك مع حمدي عاشور ودلوقت عرفت القصة..
أحمد منصور: محافظ القاهرة.
مراد غالب: محافظ القاهرة، قلت له ما أنا باعث لك مع حمدي عاشور وبعثت لك كل الجلسات مع كاسيغين، إزاي بقى؟ العجيبة بقى، قال لا إحنا ما كناش معتمدين على السوفيات..
أحمد منصور: خلاف كل ما قاله للآخرين.
مراد غالب: الله، إزاي؟ طيب لما أنت مش معتمد على السوفيات أمال معتمد على مين؟ أنت بتحارب دولة يعني بتسندها الولايات المتحدة الأميركية سند 100% والغرب كله كان معها، يعني الغرب كان في 1956 كان معنا إلى حد ما لكن المرة دي لا، لأن إحنا اقتربنا زي ما قلت، في اليمن من منابع البترول.
أحمد منصور: نعم. طيب مائة ألف من قوات الاحتياط المصرية بالجلاليب، كانوا راكبين على المدرعات والأسلحة، ذكرت أنت في كتابك أنهم كانوا في الجلاليب، حشدوا لمعركة بدون تدريب وبدون إعداد وقبل أيام قليلة منها، وكتب وجيه أبو زكي كتابا من أروع الكتب اللي كتبت عن هزيمة 1967 سماه "مذبحة الأبرياء في خمسة يونيو".
مراد غالب: ما هي مذبحة أبرياء، طبعا، مش بس مذبحة أبرياء، ده العك كما يعني يقول لك في قمته، وده ليه؟ لأن ما فيش إدارة عسكرية وقيادة عسكرية منضبطة ومنظمة، يعني مثلا اللي كان ماسك القيادة في سيناء كان الفريق مرتجي..
أحمد منصور: عبد المحسن مرتجي.
مراد غالب: كانت التعليمات تيجي من فوق عبد المحسن المرتجي مسكين وبتجي مباشرة للألوية اللي فوق واللي تحت وبتاع.
أحمد منصور: عبد اللطيف البغدادي ذهب هو وكمال الدين حسين وحسن إبراهيم وأقاموا في غرفة العمليات مع عبد الحكيم عامر، وعبد اللطيف البغدادي في يومياته كاتب مهازل عن أسلوب إدارة عبد الحكيم عامر للمعركة.
مراد غالب: طبعا، مهازل إيه!
أحمد منصور: قالوا لم يتصل على الإطلاق بقائد الجبهة، للفريق مرتجي على الإطلاق إنما كان يتصل بضباط صغار بالتلفون ويطلب منهم طلبات يعني لا تطلب كأنه فعلا..
مراد غالب: مش بس كده، أشك، أصل اللي حصل لازم نعرف إيه اللي حصل.
أحمد منصور: قل لنا.
" التخطيط الإسرائيلي في حرب 67 تركز في عملية أساسية هي السرعة المتناهية في الزحف " |
مراد غالب: التخطيط الإسرائيلي كان في بقى عملية أساسية اللي هي السرعة المتناهية في الزحف. ليه بقى السرعة المتناهية في الزحف؟ لأنه عبال ما القائد أو اللواء أو العميد أي حد في الحتة دي في مكان ما، هذا المكان بيتغير بسرعة الهجوم الإسرائيلي، فعبال ما بيعمل Report كانت كل حاجة تغيرت، فأنت عمال تروح يعني هجوم عليك سريع جدا.
أحمد منصور: كيف تابعت أنت المعركة في خمسة يونيو من موسكو؟
مراد غالب: يعني أنا ماتابعتهاش من السوفيات الحقيقة.
أحمد منصور: من الذي أبلغك بالخبر الأول عن الحرب؟
مراد غالب: أنا سمعته في الراديو.
أحمد منصور: انطباعك كان إيه؟
مراد غالب: كان انطباعي أنه نحن انتهينا، ده انطباعي، بصراحة. وحتى قلت لبعض..
أحمد منصور: كده انتهينا، من أول دقيقة يعني.
مراد غالب: لبعض أعضاء السفارة، بكرة حتشوفوا الجماعة اللي كانوا بيجوا منفوخين قوي كده وعايزين السفير يروح يقابلهم في المطار وبتاع، حتشوفوهم دلوقت في المعركة. لأن أنا عارفهم، جماعة خاويين من جوه، ما فيش لا روح ولا علم عسكري ولا يعني مش قادر أوصف لك، مش قادر أوصفهم يعني.
أحمد منصور: كنت تدرك أن هؤلاء لا يمكن أن يصنعوا نصرا لأمة.
مراد غالب: لا يمكن أن يصنعوا نصرا، بتاتا. يعني كان وضعا مؤسفا إلى.. فوزي كان رئيس أركان حرب القوات المسلحة، لم يدخل في أي.. وما قاله له على أي حاجة.
أحمد منصور: ليه؟
مراد غالب: لأنه كان معين من جانب جمال عبد الناصر.
أحمد منصور: شفت، عبد الناصر لا يملك أي سلطة على الجيش.
مراد غالب: طبعا، يعني أنا حكيت لك حكاية علي شفيق؟
أحمد منصور: لا، ما حكيتليش عليها.
مراد غالب: لا دي مهمة جدا.
أحمد منصور: احك لي على علي شفيق، مع أني كنت مرتب أسمعها منك بعدين مع حاجات أخرى، قل لنا علي شفيق.
مراد غالب: علي شفيق بعد..
أحمد منصور: علي شفيق كان مدير مكتب شمس بدران؟
مراد غالب: عبد الحكيم عامر.
أحمد منصور: عبد الحكيم، عفوا، وعلي شفيق كان متجوز من المطربة مها صبري..
مراد غالب: بالضبط.
أحمد منصور: وكثير قوي من الرجالة دول زمان كانوا متجوزين نصف الرقاصات والمطربات والمغنيات اللي في مصر..
مراد غالب: لا، طبعا دي بقى..
أحمد منصور: أو مش متجوزينهم يعني..
مراد غالب: يعني كده، يعني علاقات خاصة.
أحمد منصور: فطبعا دول عمرهم ما يصنعوا نصر.
مراد غالب: شوف يا سيدي، يعني برضه إحنا، ما هو كنيدي كان مع مارلين مونرو، يعني المهم مش ده، يعني دي لو كانت قاصرة على العلاقات الشخصية مش هي بقى اللي كانت..
أحمد منصور: لكنها جزء من بناء الإنسان.
مراد غالب: لكن إيه مش بس كده، دي مها صبري كانت هي اللي مسيطرة على سفر جميع الفنانين، اللي عايز يسافر بره لازم يروح لمها صبري. أمال إيه؟
أحمد منصور: هكذا كانت تدار مصر؟
مراد غالب: يعني استنى بس علي شوي..
أحمد منصور: أنا مستني.
مراد غالب: بقول لك، فجاء بعد 1967 اتقطعت مرتبات علي شفيق ومها صبري منعوها من الإذاعة، فاتصل بي علي شفيق وقال لي أرجوك والله تقول لجمال عبد الناصر أنني مش لاقي آكل وإذا سمح أنا بلاش يا سيدي لكن مها، طيب خلي مها بس تعمل حاجة علشان ناكل.
أحمد منصور: تغني يعني؟ تعمل حاجة إيه يعني؟
مراد غالب: يعني ما هي حتغني أمال يعني حتعمل إيه؟ يعني تعمل في الإذاعة حاجة يعني، تغني في الإذاعة. فأنا في الحقيقة كنت رايح لجمال عبد الناصر مش علشان علي شفيق طبعا لكن كان في مواضيع أخرى كنت رايح له عشانها، بعدها في الآخر باقول له ده علي شفيق يعني اداني رسالة لسيادتك وبتاع، جمال عبد الناصر طبعا بطريقته، الشك العجيب، قام قال لي إيه يا سيدي؟ علي شفيق ولا مها صبري اللي بعتاك؟
(ضحك)
أحمد منصور: طالما هي اللي بتدي..
مراد غالب: يعني عارف البلد. قلت له والله يا أفندم علي شفيق، أنا مها ماقابلتهاش. فلما قلت له كده قام قال لي أنت تعرف علي شفيق عمل في إيه؟
أحمد منصور: ما كانش بينسى لحد حاجة أبدا.
مراد غالب: قلت له علي شفيق يعمل فيك حاجة؟ إيه علي شفيق ده؟ قال لي لا يا سيدي عمل، سنة 1962، ما هو علشان كده 1962 كانت السنة اللي فيها أبعد جمال عبد الناصر..
أحمد منصور: نعم، اللي كتب فيها عبد الحكيم رسالته الشهيرة في ديسمبر 1962 والدنيا اتقلبت. سنأتي لها بالتفصيل في العلاقة بين الرجلين.
مراد غالب: حنأتي لها لكن العجيبة بقى أنه كان قال لي أنت عارف علي شفيق عمل في إيه؟ قلت له إزاي هو يقدر علي شفيق يعمل حاجة؟ قال عمل، كان في إشاعة أنه لما الجيش بقى قام علشان القسم لعبد الحكيم وبتاع، الجيش كان مع، قالوا إن سلاح الطيران معي أنا..
أحمد منصور: مع جمال عبد الناصر..
مراد غالب: آه، والجيش كله مع عبد الحكيم، فيجي الواد علي شفيق اللي أنت جاي تكلمني عنه ده يجيب المدفعية بتاعة القوات المسلحة ويحيط بيتي بها ويقول إنه إذا طائرة واحدة قامت من أي مطار في مصر إحنا حنضرب..
أحمد منصور: بيت جمال عبد الناصر.
مراد غالب: بيت جمال عبدالناصر.
أحمد منصور: يبقى لازم يجوعه.
مراد غالب: قال لي بقى ده يا سيدي اللي أنت جاي.. قلت لا..
أحمد منصور: أنا سحبت شفاعتي.
(ضحك)
مراد غالب: لا ما ليش دعوة بهذا الموضوع يعني أنا ما كنتش أعرف الحكاية دي.
أحمد منصور: بس رجعت غنت أيام السادات.
مراد غالب: آه، لا، ما هو كلهم غنوا أيام السادات يعني.
تطورات الحرب وموقف السوفيت خلالها
أحمد منصور: خلينا نرجع للهم بتاع خمسة يونيو. الحرب قامت في خمسة يونيو، خلال ساعات محدودة ضرب سلاح الطيران المصري بأكمله وقضي عليه. وكان عندك طلبات الاتحاد السوفيتي، السوفيات كيف كانوا يتابعون الموضوع؟ لأنه أنت واضح من اليوم الأول التقيت مع مسؤولين سوفيات.
مراد غالب: الحقيقة، شوف، جاني برقية غريبة الشكل، يوم ستة يونيو، برقية بتقول الآتي..
أحمد منصور: ممن البرقية؟
مراد غالب: من القيادة العسكرية
أحمد منصور: المصرية، من عبد الحكيم؟
مراد غالب: لا ما كانش..
أحمد منصور: آه بس جاية لك كده، القيادة العسكرية.
مراد غالب: أني أنا أقابل كاسيغين رئيس الوزراء السوفيتي وأطلب منه أربعين طائرة (تي.يو 16)
أحمد منصور: قاذفات قنابل؟
مراد غالب: دي طيارات بعيدة المدى، قاذفة قنابل، وحاملة قنابل ذرية وهيصة يعني، وبتضرب عن بعد خمسين كيلو وبتاع..
أحمد منصور: وأربعين كيلو نعم، يعني تقابل الـ (تي52) الأميركية؟
مراد غالب: لا يعني، لا، 52 أكبر منها.
أحمد منصور: أكبر منها، لكن يعني فيها نفس الخصائص.
مراد غالب: لكنها طيارة كويسة، وأن هذه الطائرة على طول تخش المعركة، تجي مسلحة جاهزة وكل حاجة تخش المعركة.
أحمد منصور: دي أوهام دي ولا؟
مراد غالب: الله، قلت إيه، ده معقول ده؟ طلب إيه ده؟ يا واد أعمل إيه في الطلب ده؟ فطبعا نفذته، رحت لكاسيغين..
أحمد منصور: أنت كنت على قناعة بكثير من الحاجات اللي بتقوم بها؟
مراد غالب: إيه؟
أحمد منصور: كنت على قناعة بكثير مما كان يطلب منك أو تقوم به؟
مراد غالب: لا، يعني مش تقريبا كل، ما أقدرش أقول لك لا أو آه لكن ده حسب الحالة.
أحمد منصور: لكن قمت بهذا.
مراد غالب: آه لكن قمت بالموضوع ده طبعا لأنه خطير جدا..
أحمد منصور: كاسيغين كان أول..
مراد غالب: وبعدين ما أقدرش أن..
أحمد منصور: تتقاعس.
مراد غالب: أتقاعس فيه. فأنا رحت الساعة عشرة الصبح يوم ستة يونيو..
أحمد منصور: 1967.
مراد غالب: آه. إلى مكتب كاسيغين فقعدت مع السكرتير شوي لأنه كان مشغول، قعدت معه يعني بتاع ثلاث أربع دقائق بس، قام قال لي السكرتير، طيب وفين كلام شمس بقى، اللي جاء هنا؟ بيقول لك إحنا قسم من القوات المسلحة حيطلع شمالا علشان يحتل مش عارف إيه في إسرائيل، وفي أيضا جناح آخر الجناح الجنوبي سينزل إلى الجنوب ليحتل إيلات وأن..
أحمد منصور: كأنه يبتكلم عن ورق حيحركه على..
مراد غالب: ده أنا يعني ما رضيتش أقول عنه معك في مقابلة شمس لكاسيغين..
أحمد منصور: طيب قل لي.
مراد غالب: ما أنا بقول لك أهه دلوقت يعني، جت أهه المناسبة..
أحمد منصور: أنت بتقوله للشعب، للأمة، للناس، للتاريخ.
مراد غالب: معلش، ما أنا بقوله وخلاص، أنت تعتبره للشعب، وأنا باعتبره للشعب كمان..
أحمد منصور: أصل الشعب ده غلبان جدا ومعمى عليه كتير.
مراد غالب: شوف يا سيدي، فأنا بيقول لي إيه؟ في شمس وكلام شمس بدران؟ يعني حأكلمه لسه كاسيغين قال لي تعال، فرحت لكاسيغين طلبت منه ده، والله يا أخي الرجل كان مهذبا جدا ويعني ما بانش عليه أنه هو ضيق أو ما قالش زي ما إحنا بنقول، إيه الكلام ده؟ لا بكل هدوء يعني، بس ده طلب خطير جدا، لما الأسطول السادس يشوف الطيارات، أربعين طيارة (تي.يو 16) والأسلحة بتاعتها وداخلة المعركة حيقولوا إن إحنا دخلنا المعركة، يعني لازم هو يدخل المعركة، يعني معناها حيبقى في مواجهة سوفياتية أميركية..
أحمد منصور: مش شمس بدران قال لهم إن السوفيات حيخلوا الأسطول السادس علب سردين؟
مراد غالب: علب سردين لما حنبططه! يعني قال لي، أنا اللي سمعته كده، لكن علب سردين..
أحمد منصور: أنت سمعت منه حنبططه، وصلاح نصر سمع علب سردين.
مراد غالب: ما خلاص علب سردين أو حنبططه ما هي واحد على كل حال.
أحمد منصور: ما هو طالما بقى كان ماشي يدندن في الموضوع مع كل مجموعة حيقول كلام.
مراد غالب: آه طبعا.
أحمد منصور: أنا على فكرة للحقيقة وللتاريخ سعيت لمقابلة شمس بدران، هو يقيم في إحدى المدن في بريطانيا، قبل عدة سنوات اتصلت به حتى أسجل شهادته تهرب مني طبعا ورد علي مرة واحدة وبعد ذلك رفض أن..
مراد غالب: لا هو كاتب، هو بينفي في كتاباته لم يذكر وقائع بهذا الشكل أبدا، لا مقابلته لكاسيغين ولا حاجة، يعني عايز يطلع من الموضوع كده. على أي الحالات دخلت لكاسيغين زي ما قلت وقال لي ده وضع خطير، طبعا يعني إن إحنا حنخش الحرب أو دخلنا الحرب في جانبكم معناها الأميركان ممكن يدخلوا وده مش في مصلحتكم ومش عارف كذا وإحنا ما نقدرش يعني حاجة زي دي. فالغرض بعثت الكلام ده والمعركة طبعا مستمرة، فيقوم يجي لي برقية ثانية برضه من نفس المصدر..
أحمد منصور: القيادة العامة للقوات المسلحة.
مراد غالب: آه، أنه إحنا بنحمل الاتحاد السوفيتي مسؤولية هذه المعارك ومسؤولية الحرب بيننا وبين إسرائيل، نحن نحمل الاتحاد السوفيتي المسؤولية لأنه قال إن إحنا حنبقى..
أحمد منصور: حندخل معكم المعركة.
مراد غالب: أنا جاني.. وبعدين البرقية مش كاملة، ففي حد وقف البرقية في مصر لأن البرقية مش كاملة، وطبعا في الآخر خالص ما قاليش أعمل حاجة..
أحمد منصور: لكن دي جاءت لك أنت.
مراد غالب: طبعا ما عملتش حاجة، لأن ده كلام فارغ، أحمل مسؤولية إيه؟ إذا كنت أنا حضرت، أنا موجود وحضرت المناقشة وحضرت رئيس الوزراء بيتكلم!
أحمد منصور: من الذي هزم في 67؟ أنا في سؤال هنا برضه علشان السوفيات لأنه هم كثير بيتهموا السوفيات أنهم تواطؤوا مع الأميركان على هزيمة مصر؟
مراد غالب: ما هو علشان كده بقول لك، إزاي تواطؤوا إذا كان كاسيغين بيقول له ما تحاربش؟
أحمد منصور: كان في مراهنة أن السوفيات سوف يتدخلون من اليوم الأول ويطالبوا بوقف إطلاق النار؟
مراد غالب: هذا غير صحيح.
أحمد منصور: السوفيات تدخلوا بالفعل وطالبوا بوقف إطلاق النار ورفض المصريون في اليوم الأول؟
مراد غالب: شوف هم السوفيات تدخلوا في الأول خالص علشان وقف إطلاق النيران وطبعا ما سألوش عنهم وما رضيوش يعملوا فيتو على كل حال، ولكن كمان نقطة أنهم تدخلوا في الآخر..
أحمد منصور: في الآخر في عشرة يونيو وجهوا إنذارا لإسرائيل، لكن إسرائيل لم تتوقف وواصلت زحفها على سوريا واحتلت جبل الشيخ والجولان.
مراد غالب: آه لكن ما دخلتش بقى، السوريون كانوا خايفين تدخل دمشق.
أحمد منصور: من الذي هزم في 67، مصر أم القيادة المصرية؟
مراد غالب: شوف مسألة أن مصر أو القيادة المصرية..
أحمد منصور: في فرق بين الاثنين.
مراد غالب: آه طبعا، القيادة المصرية هزمت..
أحمد منصور: القيادة السياسية أم العسكرية؟
مراد غالب: القيادة العسكرية والسياسية.
أحمد منصور: من يتحمل مسؤولية الهزيمة؟
مراد غالب: جمال عبد الناصر قال أنا أتحمل. وهو له حق، هو لا بد أن يتحملها.
[فاصل إعلاني]
أسباب الهزيمة وانعكاسها على العلاقة مع السوفيت
أحمد منصور: ما هي الأسباب التي أدت إلى الهزيمة؟
مراد غالب: لا دي أسباب كثيرة قوي.
أحمد منصور: قل لي أهمها.
" هناك أسباب أدت إلى هزيمة 67 أهمها أن ثلث الجيش المصري كان في اليمن، وأن الروح المعنوية للقوات المسلحة كانت في الحضيض، وأن فلاحين أشركوا في المعركة قضوا جميعهم " |
مراد غالب: أهمها أن الجيش بتاعنا ثلث القوة الضاربة كانت في اليمن، أن شوية جماعة فلاحين جايين بجلاليب مدخلينهم المعركة ومساكين اتقتلوا كلهم. أن القيادة العسكرية ما كانتش تنطوي تحت أي بند من القيادة العسكرية ومفهوم القيادة العسكرية، أنه ما كانش في ضبط ولا ربط ولا أي حاجة، أن القوات المسلحة كانت روحها المعنوية في الأرض، أنه كون الجيش والقوات المسلحة تدخل في الحياة المدنية ويبقوا سفراء ويبقوا بتاع يبقى خلاص يبقى كل واحد في القوات المسلحة بيتطلع أنه يطلع من الجيش ويبقى..
أحمد منصور: وده موجود الآن. أكثر من 70% من الوظائف المدنية، المحافظين وكذا، كلهم من الجيش والقوات المسلحة.
مراد غالب: على كل حال إحنا ما فتحناش لسه الحاضر يعني، على كل حال..
أحمد منصور: الحاضر الذي نعيشه هو امتداد لهذا.
مراد غالب: ده صحيح.
أحمد منصور: لماذا نحاول أن نقرأ التاريخ؟ لأن حاضرنا هو امتداد له.
مراد غالب: نعم، فطبعا ده كله مخلي الواحد أنه يقول لا، يعني لا يمكن الوضع بهذا الشكل لجيش ينتصر، لا يمكن. الدولة اللي فيها انقسام بين مؤسسة القوات المسلحة ومؤسسة الرئاسة ده انقسام ضخم جدا في قلب البلد نفسها، وبالتالي، وبعدين طبعا في يعني مش بس يعني زي تعاون بين أميركا وإسرائيل، لا، ده أميركا داخلة المعركة. في حاجة عايز أقولها مهمة جدا، إن الولايات المتحدة، الرئيس الأميركي دخل هذه المعركة وعمل إستراتيجي كاموفلاش، إزاي عمل إستراتيجي كاموفلاش؟ أورى جمال عبد الناصر أنه مستعد أن يبعث هيوبرت همفري نائب الرئيس وأنه علشان يفوت في المسألة وجمال عبد الناصر قال له أنا حابعث زكريا محيي الدين، وأورى أنه من الممكن أن يكون هناك حل سياسي.
أحمد منصور: وزكريا كان المفروض يكون سبعة يونيو في أميركا.
مراد غالب: بالضبط كده.
أحمد منصور: ورجع من المغرب في نص الحرب.
مراد غالب: فإذاً لا ده رئيس الولايات المتحدة شخصيا عمل إستراتيجي كاموفلاش الهجوم الإسرائيلي.
أحمد منصور: مراهنة جمال عبد الناصر على الموقف الدولي هل كانت صائبة؟
مراد غالب: لا، إذا كان هو معتمد على الموقف الدولي فيبقى مش صحيح.
أحمد منصور: كيف قيم السوفيات المعركة؟
مراد غالب: لا ما هم قالوا دي يعني معركة نتيجتها..
أحمد منصور: محسومة.
مراد غالب: معروفة يعني، معروفة قبل المعركة يعني.
أحمد منصور: هل كان عبد الناصر يستطيع إقالة عبد الحكيم عامر أو التخلص منه قبل هذه الهزيمة؟
مراد غالب: لا، ما كانش. أظن كلام قاطع ده.
أحمد منصور: هل كانت هزيمة 67 هزيمة للسوفيات وللسلاح السوفيتي؟
مراد غالب: بدون شك أنها أثرت تأثيرا كبيرا جدا في الاتحاد السوفيتي. هو الاتحاد السوفيتي قامت ضد القيادة السوفيتية قام الشعب، يعني الشعب يمكن أقدر أقول لك كله ضد هذه القيادة، وقالوا إن إزاي أنتم تبقوا حلفاء وتدوا سلاح لناس زي دول ما يفهموش في أي حاجة؟ أنتم السبب في أنكم يعني حليتوا، ضربتوا السلاح السوفيتي وحقرتم السلاح السوفيتي لأنكم إديتوه في يد جماعة زي دول. يعني بهدلونا بهدلة شديدة جدا. يعني مثلا لما كان يجي واحد عربي يركب تاكسي، بتاع التاكسي يقول له أنت إيه عربي؟ انزل أنت مالكش حق أنك تركب تكسي، أنت تجري.
أحمد منصور: يعني كان رجل الشارع السوفيتي يعتبر هزيمة مصر هزيمة للسوفيات أيضا؟
" هزيمة 67 أثرت في الاتحاد السوفيتي حيث قام الشعب على القيادة السوفيتية واتهمها بأنها حقرت سلاحها " |
مراد غالب: ما فيش كلام، أن ده تحقير للسلاح السوفيتي وأن إحنا ما يصحش يبقى في علاقات بيننا وبين الاتحاد السوفيتي بهذا الشكل وما يصحش يدينا أسلحة. ومجهود رهيب عمله الحزب الشيوعي السوفيتي علشان يعيد مرة ثانية الوضع يعني، عمل مجهود لدرجة أن وزارة الخارجية السوفيتية دخلت في هذه الحملة، ده مش بس كده، ده أجبروا اليهود بتوع الاتحاد السوفيتي أن يتجمعوا بشكل مؤتمر ويدينوا إسرائيل، ولكن العجيب بقى، أنهم صوروهم صورة كبيرة كده قد كده في البرافدا..
أحمد منصور: الصحيفة السوفيتية الرئيسية.
مراد غالب: الصحيفة الأصلية. وذهل الشعب السوفيتي كله لأنهم وجدوا يعني شخصيات كبيرة جدا موجودة في الصورة ما كانوش يتصوروا أنهم يهود.
أحمد منصور: زي مين لو تفتكر؟
مراد غالب: يعني ناس علماء يعني.
أحمد منصور: آه من العلماء.
مراد غالب: وحتى مايا بيلستسكا، يعني هي كانت باليرينا نمرة واحد أيامها، يهودية، جوزها كان يهودي.
أحمد منصور: الحاجات دي يعني حاجات يعني مهمة جدا حتى أن المصريين يعرفوها ويدركوا أبعادها ويدركوا أيضا أن القيادة السياسية والعسكرية في ذلك الوقت لم تكن مؤهلة للاستفادة من الاتحاد السوفيتي بشكل كامل أو من دول أخرى بحيث أنها كانت تستطيع أن يعني تقف على أرجلها بشكل أفضل.
مراد غالب: للأسف يا أخي في كتاب كان كاتبه أوفلاديمير فينوغرادوف اللي كان سفير هنا، طبعا هو بيتكلم على حرب 73، للأسف هو طبعا مش عايزين نخش في 73 دلوقت لكن للأسف هو كان رأيه زي رأي الجماعة الليبيين أن دي تمثيلية يعني ماهياش حقيقية، لكن أنا أعتقد الحقيقة أنه لا، لأن ده إنكار لدور للقوات المسلحة المصرية اللي قامت بدور عظيم.
نتائج الهزيمة وانعكاساتها على العرب
أحمد منصور: سنة 73 يعني لكن لو جيت لهزيمة يونيو، ما هي أهداف إسرائيل من وراء هذه الحرب التي بدأت هي الطلقة الأولى منها؟
مراد غالب: لا، إسرائيل كانت عارفة كويس قوي هي بتعمل إيه.
أحمد منصور: أهدافها الرئيسية إيه؟
مراد غالب: أهدافها الرئيسية تحتل سيناء، تسقط جمال عبد الناصر، تسقط النظام كله، تسقط الأنظمة، السورية و.. لأنها يعني هي كانت مركزة على سوريا لأن السوريين كانوا بقى يعني النظام اللي كان بيحكم سوريا كان نظاما يعني زايد قوي على الحد بالنسبة لإثارة إسرائيل وأنهم حيضربوا إسرائيل وإسرائيل دي إيه؟ وهم ناس الشجاعة المتناهية وكانوا يسار خالص يعني.
أحمد منصور: هل نجحت إسرائيل في تحقيق أهدافها من وراء هذه الحرب؟
مراد غالب: آه طبعا نجحت، إزاي، دي هي نجحت قوي.
أحمد منصور: ما هو الواقع الجديد الذي خلفته حرب يونيو في المنطقة؟
" إسرائيل نجحت في تحقيق أهدافها الرئيسية من وراء حرب 67 والمتمثلة في احتلال سيناء وإسقاط جمال عبد الناصر، إلى جانب إسقاط النظام السوري " |
مراد غالب: هي خلفت أولا أنها ضربت كل العرب، ثانيا أنها نفسيا حطمت نفسية العرب، ثالثا أنها بينت أن العرب يعني بقى تقدر تضربهم إسرائيل زي ما هي عايزة، أنها يعني قضت على يعني أو تصورت أنها قضت على كل الحروب ومش معقول حيحاربوا ثاني إلا بعد كذا، يعني حوالي عشرين سنة، وأن علشان يعملوا جيش ثاني ويعملوا مش عارف إيه ده حيأخذ وقت طويل جدا فهي حتبقى آمنة وهي ستسيطر على كل الأراضي اللي يحتمل أن يكون منها أي تهديد لأمن إسرائيل. يعني ده وحاجات كثير ثانية يعني، أنا مش..
أحمد منصور: عبد اللطيف البغدادي في يومياته، في ستة يونيو 67 في الجزء الثاني صفحة 290 يقول " أخذنا نعود بذاكرتنا إلى التصرفات في الجيش وأسلوب الحكم وهذه هي نهاية كل نظام مثل هذا النظام ومقامرة جمال عبد الناصر بمستقبل أمة بأكملها في سبيل مجده الشخصي، وكنا نعرف من قبل أنه يقامر وكنا نندهش من هذا التصرف وهو كان قد قدر أنه سيحقق نصرا يرفعه إلى السماء دون أن يخسر شيئا، فجاءت النهاية، نهاية نظامه وخزي وعار على الأمة كلها. ربما يكون خيرا، من يدري؟ ربما أراد الله إنقاذ هذه الأمة من استعباد جمال عبد الناصر لها ومن تأليههم له فربما أراد الله لهذه الأمة أن تصحو من غفوتها وتحطم الآلهة وتصحو لنفسها وأن لا تدع شخصا آخر يسيطر عليها كما سيطر جمال عبد الناصر" عبد اللطيف البغدادي رفيق جمال عبد الناصر ورفيق دربه يقول هذا الكلام وكتبه في الوقت الذي كان يلازم فيه عبد الحكيم عامر وجمال عبد الناصر في غرفة العمليات في ستة يونيو 67.
مراد غالب: ده في يومياته؟
أحمد منصور: نعم.
مراد غالب: طيب، شوف يعني..
أحمد منصور: كلام خطير.
مراد غالب: هل كلامه ده تحقق ولا ما تحققش؟ هل فعلا ده اللي حصل، أن مصر تخلصت وعملت ومش عارف إيه والمستقبل؟ يعني..
أحمد منصور: أطرح عليك السؤال، ده كان بيتمنى أنها تخلص..
مراد غالب: يعني ده كلام..
أحمد منصور: معنى كده أن مصر غرقانة من يومها.
مراد غالب: طبعا أنا بحب جدا البغدادي وأحترمه احتراما كبيرا ما فيش كلام ثاني، لكن ده إنشاء ده اللي كاتبه، أنه مصر تخلصنا.. طيب..
أحمد منصور: كان بيأمل أن مصر تتخلص وأن دي فرصة أنها تتخلص من كل ما حدث وأن هذا نتاج لديكتاتورية عبد الناصر وتفرده وأن من كانوا حوله كانوا يتعاملون معه وكأنهم يؤلهونه. كان يقول كل هذا الكلام وهو كان واحدا من هؤلاء.
مراد غالب: شوف حأقول كلام يمكن ما يعجبش حد كثير.
أحمد منصور: تفضل.
مراد غالب: قدماء المصريين كانوا بيعملوا كده، كانوا بيؤلهوا القيادات بتاعتهم، مش بس كانوا بيعملوا كده، وكانوا بيجوا يمسحوا المسلات وبتاع الملوك اللي قبلهم علشان يكتبوا هم انتصاراتهم وخلافه. الشعب كان بيعبدهم لأنه هو دول هم الناس الآلهة وخلافه. واخد بالك؟ شوف، كان عزيز باشا المصري يقول لي على حاجة عجيبة جدا، مش عجيبة لا، يعني يقول لي إيه؟ اللي عرف هذا الشعب بدوي، واحد بدوي، اللي هو إيه؟ عمرو بن العاص في وصفه لمصر وهو بيبعث رسالة لعمر بن الخطاب، لما يقول له طولها كذا وعرضها كذا ومش عارف إيه، وبعدين، ده عزيز باشا بقى جاي بقى، وينهي هذا التقرير بأنه "وهي لمن غلب"..
أحمد منصور: يا سلام.
مراد غالب: للأسف الشديد.
أحمد منصور: لمن غلب ومن يتغلب؟
مراد غالب: على كيفك أنت بقى.
أحمد منصور: لأن هنا هذا الشعب الذي تسببت قيادته السياسية والعسكرية في هزيمته هزيمة ساحقة حينما خرج عبد الناصر وألقى خطابه في تسعة يونيو الذي أعلن فيه تنحيته، سرعان ما كان، كما يقول صلاح نصر، سرعان ما كانت جماهير الاتحاد الاشتراكي هائمة في الشوارع، في وصف، في مشهد وصفه بأنه مسرحية. عبد اللطيف البغدادي قال إنها كانت مدبرة وأن اليوم التالي عشرة يونيو الشوارع كانت تمتلئ بالناس وواحد مهزوم والشعب طالع يقول له لا، خليك، ويطالبه بالبقاء، وطلع عبد الناصر طبعا وقال إنه سيبقى لأن صوت الشعب لا يُرد.
مراد غالب: شوف، خلينا نتكلم جد، مسألة أن الاتحاد الاشتراكي عمل ده، لا، ده على وجه اليقين ما عملش حاجة الاتحاد الاشتراكي، الشعب قام من نفسه. أحمد زكي الله يرحمه بقى قال لا الشعب قام من نفسه، وكان في جزارين وكان في مش عارف إيه وكان في إيه وكلهم طلعوا. فإذاً كلام بتاع الاتحاد الاشتراكي ده كلام لا أقبله.
أحمد منصور: أنت كنت في موسكو..
مراد غالب: معلش..
أحمد منصور: رئيس المخابرات المصرية قال دي مسرحية، عضو مجلس قيادة الثورة قال مسرحية..
مراد غالب: هو يقول زي ما هو عايز..
أحمد منصور: ناس كثير قالوا مسرحية، والناس اللي اتحشدوا لخروتشوف هم اللي اتحشدوا هنا.
مراد غالب: شوف، هم يقولوا زي ما هم عايزين، لكن أنا رأيي كده ورأيي من قادة الاتحاد الاشتراكي، وأقسموا أنهم مالهومش أي، يعني الشعب قام وهم ما قوموش هذا الشعب.
أحمد منصور: "يا للعار، مواكب النصر خرجت إلى الشوارع انتصارا للزعيم الذي حطم كبرياءنا..
مراد غالب: ده مين بيقول الكلام ده؟
أحمد منصور: ويقوم أعضاء المجلس التشريعي بالهتاف والتصفيق والرقص..
مراد غالب: آه صحيح..
أحمد منصور: لهذا النصر الذي حققه جيشنا ورئيس الدولة على العدو! يا للمهزلة الكبرى!"
مراد غالب: ده مين اللي قال هذا الكلام؟
أحمد منصور: عبد اللطيف البغدادي.
مراد غالب: شوف يا باشا، يعني أقول لك إيه؟ أقول لك إن ده حصل في سوريا؟ أقول لك إنه أيوه إحنا اتهزمنا واحتلوا الجولان ومش عارفين وبتاع، لكن لم يحطموا حزب البعث. الله، ما هو أنت لازم تشوف العقلية العجيبة اللي هي موجودة في المنطقة بحالها.
أحمد منصور: بتقول رقصوا! شعب مهزوم وبلد مهزومة وأعضاء مجلس الشعب اتحزموا ورقصوا لأن الرئيس منّ عليهم وقال إنه سيبقى!
مراد غالب: يا أستاذ أحمد، ما هو طيب، الجماعة الأخوان السوريين ولا جولان ولا بتاع، لا، بس أهم حاجة أن الرئيس يعني موجود وأنقذ! الله! إيه ده؟! يعني أنا مش عايز أعلق على هذا الموضوع بس عايز أقول لك حاجة..
أحمد منصور: هل اللي اتعمل ده علشان الناس تترك موضوع الهزيمة ويبقى همها الآن أنها تتمسك ببقاء الرئيس؟ هل ده ما تمش بترتيب؟
مراد غالب: والله أنا يعني..
أحمد منصور: أنت كنت في موسكو، اللي هنا بيقولوا لا.
مراد غالب: ما أنا جيت بعد كده وبحثت في هذا الموضوع وتكلمت مع قيادات الاتحاد الاشتراكي.
أحمد منصور: هل عبد الناصر كان جادا أن يستقيل وأن يجر على نفسه..
مراد غالب: شوف يعني هي أنا في نظري بقى أنه كان عارفا أنه حيحصل هذه الثورة الشعبية..
أحمد منصور: أيوه كده بقى علشان نظبط المسائل.
مراد غالب: آه لا طبعا كان عارف هو، وعايز أقول لك حاجة، يعني واحد لما مات الجنازة بتاعته أكبر جنازة في القرن العشرين، أكبر جنازة، الشعب كان بيركب.. أنت عارف وصفوه إزاي، ده الشعب كان بيركب القطارات وبتاع من جميع أنحاء مصر وجاء علشان..
أحمد منصور: ما هو الشعب ده.. عبد اللطيف البغدادي هنا بيقول إيه؟ بيقول إن هو بيتمنى أن هذا الشعب يصحو من غفوته وأن تتحطم هذه الآلهة وأن تصحو لنفسها وأن لا يدع هذا الشعب شخصا آخر يسيطر عليه كما سيطر جمال عبد الناصر. ولسه الشعب سكران زي ما هو، ده واحد بيتمنى أمنية..
مراد غالب: أهو أنت بقى..
أحمد منصور: لا مش أنا، ده الواقع اللي بيقول.
مراد غالب: طيب ما هو أنا بقول لك برضه على الواقع..
أحمد منصور: في سؤال مهم جدا خطير..
مراد غالب: أنه فعلا وأنا معك في هذا، ومع البغدادي أنا، يعني أمال إمتى حيصحى الشعب؟ متى يصحو الشعب؟ طبعا حتسمع كلام كثير قوي، الشعب، إحنا شعب كذا وإحنا شعب كذا وإحنا بتاع، والشعب المصري ماهواش شعب هزيل يعني..
أحمد منصور: لا، ده شعب عظيم.
مراد غالب: ولكن اللي خلاه..
أحمد منصور: خير أجناد الأرض..
مراد غالب: لا، يعني خير أجناد الأرض دي حنتكلم فيها، طبعا يعني..
أحمد منصور: هم خير أجناد الأرض. كل ما واحد يجي.. لمن غلب، مش أنت قلت لمن غلب؟
مراد غالب: هي لمن غلب.
أحمد منصور: هي، خير أجناد الأرض. اللي بيجي خلاص هو اللي بيركب الكرسي.
مراد غالب: أنا ما بقولش ده عمرو بن العاص هو اللي قال. أنا يعني للأسف الشديد وإذا تكلمنا بهذا الشكل إحنا ما عملناش حاجة لهذا الشعب..
أحمد منصور: الشعب ده يستحق الكثير.
مراد غالب: أو ما عملناش حاجة أو كما يجب أن نعمل حاجة.
أحمد منصور: هل هذا الشعب كان يستحق هؤلاء الذين حكموه؟
مراد غالب: لا، يعني ما كانش، كان يستحق رعاية أكثر بكثير جدا وقيادة تخلي الشعب كله ينهض.
أحمد منصور: أنا أحدثك بهذا ألما، ليس مني وحدي وإنما من كل الذين كتبوا..
مراد غالب: لا، أنا عارف والله..
أحمد منصور: والله أنا في بعض الأحيان يعني من شدة الألم مما أجده في الكتب أبكي.
مراد غالب: أظن أنا مرة بكيت قدامك.
أحمد منصور: صح.
مراد غالب: بس مش هنا. وليه؟ علشان إيه؟ لأني صعبان علي جدا أننا بعد ده كله وبعد العمر ده أجد نفسي بهذا الشكل، أجد بلدي بالشكل ده. أجد أننا ما ليش، دلوقت المصري إيه قيمته يعني؟ هل ده معقول الكلام ده؟ هل معقول أن أنا الدكاترة بتوعي يمتحنوا في الخليج علشان يتعينوا هناك؟
أحمد منصور: ومش معترفين بالدكتوراه بتاعتهم.
مراد غالب: مش معترفين بالدكتوراه بتاعتهم، هل ده معقول الكلام ده؟ هل مصر تبقى بهذا الشكل؟
أحمد منصور: من الذي أوصلنا؟
مراد غالب: لما إحنا كنا دكاترة وكنا بنتخرج من كلية الطب في القاهرة المصرية كان بيفتح لنا جميع أبواب الكليات والمعاهد العليا في إنجلترا وفي أميركا وفي كل مكان. كان بيحصل ده. بقى أنا أشوف بلدي اللي واخد دكتوراه بيمتحنوه ثاني؟
أحمد منصور: من الذي أوصل مصر إلى ما وصلت إليه؟ من الذي أهان هذا الشعب وأوصله إلى هذا الوضع؟
مراد غالب: ده حنخش في موضوع كبير جدا، وده بده بقى يعني..
أحمد منصور: لكن هزيمة 67 لعبت دورا.
مراد غالب: لا، ما فيش كلام، دي أنا معترف بها. شوف أنا معترف بحاجة، أن 67 دي كارثة وليس لي يعني ولا يمكن أن أبررها بأي شكل من الأشكال.
أحمد منصور: عبد اللطيف البغدادي في صفحة 304 سأل سؤالا مهما جدا، قال، إذا كل ده حصل وإحنا مهزومين، رقص في مجلس الشعب، وخروج في الشوارع، أمال لو كنا انتصرنا كانوا الناس عملوا إيه؟
مراد غالب: لا طبعا، ما هو ده العجيبة، هذا هو العجب.
أحمد منصور: بعد الهزيمة كانت هناك فرصة سانحة لجمال عبد الناصر حتى يتخلص من عبد الحكيم عامر.
مراد غالب: وتخلص.
أحمد منصور: وتخلص. تفجرت الخلافات بين عبد الناصر وعبد الحكيم عامر بعد 67، هل كان عبد الناصر بحاجة إلى تلك الهزيمة حتى يتمكن من القضاء على عامر؟
مراد غالب: طبعا السؤال ده إحنا يعني وجهناه قبل كده يعني هل كان يعني جمال عبد الناصر يريد معركة وكانت مخططة لأجل التخلص من عبد الحكيم ولا لا؟ أنا شايف الحقيقة كثير قوي على واحد.. أنا طبعا مانيش، أنا ما أقدرش أعملها يعني مثلا أنا لا يمكن أعملها، أنا يعني مستعد أن أمشي بس ما أعملهاش..
أحمد منصور: بس أنت قلت بنفسك إن عبد الناصر ما كانش عنده استعداد يمشي، وقال لك السلطة دي أهم حاجة عندي.
مراد غالب: لا، لا، شوف ما أنا قلت لك هذا الكلام وأنا متأكد منه، يعني حكاية أنه.. لا، جمال عبد الناصر كان يريد السلطة لتحقيق كل ما كان يتخيله بالنسبة إلى الشعب وبالنسبة إلى مصر. شوف هذا كان درسا، زي ما بيقول البغدادي، أنا معه طبعا، أنه كان لازم نأخذ دروس حقيقية من هذه الهزيمة ومن السلوكيات بتاعة اللي كانت موجودة أيامها، للأسف، ما تفهمش إيه اللي بيحصل؟ الواحد لما بيقعد على الكرسي بيحصل له إيه؟ أنا مش عارف طبعا، أنا قعدت على كراسي صغيرة شوية..
أحمد منصور: وزير، وسفير بدرجة رئيس وزراء.
مراد غالب: لا، لا، آه، كنت سفير آه، لما كنت سفير كان مركزي جامد قوي.
أحمد منصور: كنت من أهم السفراء في عهد جمال عبد الناصر كله.
مراد غالب: مش بس أهم السفراء يعني من أهم الشخصيات..
أحمد منصور: كنت من أهم الشخصيات التي لعبت الدور الأساسي في صناعة العلاقات المصرية السوفيتية.
مراد غالب: ما فيش شك في هذا، مش بس صناعة العلاقات، في حاجات كثير ثانية كمان، يعني من ناحية يعني التحاليل المختلفة عن الوضع الدولي، التحاليل المختلفة، الأيديولوجية الداخلية كيف نسير بها، يعني كان هو مهتم جدا بالحكاية دي.
أحمد منصور: وأيضا لعبت دورا في كونك كنت مدير مكتب جمال عبد الناصر للشؤون السياسية..
مراد غالب: ما فيش شك، يعني ما لعبتش دور كبير لكن يعني لعبت دور زي أي واحد ما بيلعبه.
أحمد منصور: في الحلقة القادمة، كنت مطلعا على خفايا العلاقات ما بين الرجلين، عبد الحكيم عامر وجمال عبد الناصر وكنت على دراية واسعة بعلاقة الحب والكراهية بينهما. في الحلقة القادمة نتناول تلك العلاقة التي وصلت في النهاية إلى انتحار المشير أو نحره. شكرا جزيلا لك.
مراد غالب: شكرا.
أحمد منصور: كما أشكركم مشاهدينا الكرام.
أحمد منصور: للأسف الشديد لن تكون هناك حلقة قادمة فقد توفي الدكتور مراد غالب بشكل مفاجئ صباح الثامن عشر من ديسمبر من العام 2007 وذلك قبيل أيام من الموعد المحدد لتسجيل الحلقات الأخيرة من شهادته على العصر، سائلين الله أن يكون قد أحسن خاتمته.
حتى ألقاكم في حلقة قادمة مع شاهد جديد على العصر، هذا أحمد منصور يحييكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.