اللواء جمال حماد - شاهد على العصر
شاهد على العصر

جمال حماد.. شهادته عن عصر الثورة بمصر ج2

يستكمل كاتب البيان الأول لثورة يوليو 1952 في مصر الملقب بمؤرخ الثورة جمال حماد شهادته عن عصر الثورة ويتكلم عن حريق القاهرة يوم 25 من يناير عام 1952.

– مأدبة الغداء عند الملك وحريق القاهرة
– التطورات السياسية والبدء في تحديد موعد الثورة
– أسباب التعجيل بقيام الثورة
– الخطط الأولى للثورة وبداية التحرك

 

مأدبة الغداء عند الملك وحريق القاهرة


أحمد منصور
أحمد منصور
 جمال حماد

أحمد منصور: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وأهلا بكم في حلقة جديدة من برنامج شاهد على العصر حيث نواصل الاستماع إلى شهادة اللواء أركان حرب جمال حماد معد البيان الأول لثورة يوليو في مصر عام 1952 وأحد كبار الضباط الأحرار. سيادة اللواء مرحبا بك، توقفنا في الحلقة الماضية عند الـ 26 من يناير عام 1952 حينما احترقت القاهرة، كنت أنت برتبة رائد تتولى أركان سلاح حرب، سلاح المشاة الذي كان يقوده اللواء محمد نجيب آنذاك، أين كنت في السادس والعشرين من يناير عام 1952؟


جمال حماد: أنا طبعا كنت مدعوا إلى المأدبة اللي بيعملها الملك يومها لضباط الجيش والبوليس وهو الملك فاروق كان ولي العهد ولد أحمد فؤاد وطبعا هو من كثر فرحته عمل عدة مآدب قبل المأدبة بتاعتنا دي للأمراء بتوع العائلة المالكة ثم الوزراء والكبراء فبعدين المأدبة بتاعتنا بقى كانت يوم 26 يناير السبت 26يناير…


أحمد منصور: تذكر اليوم.


جمال حماد: السبت، فإحنا طبعا يومها رحنا شفنا بعض الحاجات التي كانت في مكاتبنا..


أحمد منصور: وأنتم في طريقكم إلى قصر عابدين.


جمال حماد: أنه إحنا خلصنا بعض الشؤون يعني لأن المأدبة كانت متأخرة شوي مثلا، أنه إحنا حنروح الساعة 12 أو حاجة زي دي فرحنا خلصنا حاجتنا وطلعنا من المعسكرات بتاعتنا إلى المأدبة.


أحمد منصور: طبعا كان مئات الضباط مدعوين من الجيش.


جمال حماد: مئات، ربما حوالي أربعمائة و مائتي واحد من البوليس فكنا حوالي ستمائة وكنا في صالة كبيرة جدا وبعدين إحنا طبعا مشينا بقى بالعربات كلها وبعدين وإحنا ماشيين بقى في شارع الجمهورية حاليا وكان وقتها كان اسمه شارع إبراهيم باشا، لما جئنا ميدان الأوبرا وجدنا تجمعات من الناس واقفين كده بطريقة غريبة شوي، يعني إيه دول؟ تجمعات كده، ولكن ما كانش في دماغنا أنه في، حيحصل حرائق ولا حاجة ولكن حسينا أنه في حاجات يعني اضطرابات حتحصل.


أحمد منصور: هل كان لهذا أي علاقة بما حدث في الإسماعيلية في الخامس والعشرين من يناير حينما تم الاعتداء على ضباط البوليس وحدثت ما يسمى بمذبحة الإسماعيلية للشرطة آنذاك؟


جمال حماد: طبعا أن السبب في كل اللي جرى ده المذبحة اللي حصلت للبوليس في الإسماعيلية وإزاي الجيش البريطاني أحاط بالمحافظة وضربهم بالمدفعية والبتاع فكانت يعني معركة غير متكافئة والبوليس قاوم مقاومة شديدة جدا راح منه خمسون قتيلا، خمسون قتيلا، يعني قاتل بشدة، فإحنا بقى ما كانش عندنا فكرة إيه اللي بيحصل ده، شايفين تجمعات لكن مش عارفين إيه السبب إنما توقعنا أنه في شر حيحصل أو مصيبة حتحصل.


أحمد منصور: لكن ذهبتم إلى الغداء دون أن تدري أن هناك أي حريق اندلع أو أي شيء؟


جمال حماد: ولا حاجة لسه.


أحمد منصور: وانتهى الغداء دون أن تدروا بما حدث، بأي شيء؟


جمال حماد: دون أن ندري حقيقة الموقف بالضبط إحنا مش عارفين وبعدين بقى لاحظنا ونحن أثناء الغداء أن الملك كان موجودا على الطربيزة الرئيسية وجانبه حيدر باشا فكل شوي نبص نلاقي حيدر باشا..


أحمد منصور (مقاطعا): حيدر باشا القائد العام للقوات المسلحة.


جمال حماد: القائد العام للقوات المسلحة واحد بيهمس  في أذنه وبعدين هو يهمس في أذن الملك وبعدين بعد شوي حيدر باشا نفسه قام طلع بره وبعدين رجع وقعد يهمس في أذن الملك فإحنا نقول إيه يا ترى الحكاية؟ وبعدين بعد ما خلصنا بقى الغداء وطبعا كنا حاسين أنه في شيء غير طبيعي وجدنا إشاعات كده ناس قالوا لنا إنه في الظاهر حرائق أو بتاع لأنه برضه كانت الأصوات عالية وبنسمعها..


أحمد منصور (مقاطعا): لكن الملك كان يتعامل معكم بشكل عادي خالص وكأن شيئا لم يحدث؟


جمال حماد: ما فيش حاجة خالص.


أحمد منصور: حتى أن ضباط البوليس وضباط الشرطة أخذوا يهتفون للملك ويتبارون بالهتافات بعد ذلك وكأن شيئا لم يحدث.


جمال حماد: كأن شيئا لم يحدث آه.


أحمد منصور: الجيش كان يهتف الجيش سيف الملك، والبوليس يهتفون البوليس درع الملك.


جمال حماد: أيوه، بس مش كل الناس بتهتف يعني..


أحمد منصور (مقاطعا): يعني أنت سيادتك ما هتفتش معهم؟


جمال حماد: لا ما هتفتش، لا، أؤكد لك أنه أنا ما هتفتش لأن مش معقول أهتف أقول ونحن في التنظيم بنعمل علشان نغير النظام..


أحمد منصور (مقاطعا): طيب ما أنتم كنتم بتهتفوا للملك كل يوم ثلاث مرات.


جمال حماد: ما هو بقى ده مكره أخاك لا بطل، وإحنا..


أحمد منصور (مقاطعا): طيب أنتم الآن قاعدين والملك قدامكم، الملك أولى أنكم تهتفوا وهو قاعد.


جمال حماد: لا، بس يعني في بعض الناس هتفت وبعض الناس ما هتفتش.


أحمد منصور: مين تفتكر من الضباط الأحرار من التنظيم كان معك في هذا اليوم؟


جمال حماد:  أنا لا أتذكر سوى جمال عبد الناصر اللي كان قدامي وبعض بقى زملائي..


أحمد منصور (مقاطعا): وصاحبك عبد الحكيم عامر؟

جمال حماد: لا ما كانش موجودا.


أحمد منصور: ما حضرش الغداء.


جمال حماد: لا ما حضرش، كان في رفح، ما كانش موجود.


أحمد منصور: هناك علامات استفهام كثيرة طالما ذكرت جمال عبد الناصر حول دور أو علاقة لجمال عبد الناصر في حريق القاهرة.


جمال عبد الناصر لا يمكن أن يكون له دور في حريق القاهرة لأن حريق القاهرة عمل ضد حضارة مصر وضد ثروة مصر وضد المجتمع المصري

جمال حماد: أنا يمكن لي أن أؤكد لك أن جمال عبد الناصر لا يمكن أن يكون له دور في حريق القاهرة لأن حريق القاهرة ده عمل ضد حضارة مصر وضد ثروة مصر وضد المجتمع المصري وفي ناس كثير جدا تشردت اللي هم الناس دكاكينهم والحاجات دي كلها اتحرقت، فالعمال اللي عندهم كلهم أصبحوا بلا مأوى ولا فلوس ولا حاجة أبدا.


أحمد منصور: ما مصلحة البعض أن يشير إلى علاقة لجمال عبد الناصر في حريق القاهرة؟


جمال حماد: يحاولون أن يسيؤوا إلى سمعته زي ما أساؤوا لسمعته بعد كده. حأقولها لك إنه هو كان لابس ملكي.. لابس مدني ليلة 23 يوليو.


أحمد منصور: هناك رواية منشورة في كتاب صلاح شادي "حصاد العمر"، مذكرات حسن العشماوي، مذكرات.. "الصامتون يتكلمون" لسامي جوهر، عدة روايات فيها على لسان العشماوي وشادي يقولون فيها "في السادس والعشرين من يناير عام 1952جاءنا جمال عبد الناصر مذعورا وطلب منا البحث عن مكان لإخفاء أسلحة فيه كان يخفيها في مدرسة الأسلحة الخفيفة عند مجدي حسنين وفي الحال تم الاتفاق على إخفاء الأسلحة في عزبة حسن العشماوي". استخدمت هذه الأسلحة سنة 1954 ضد الأخوان المسلمين وضد حسن العشماوي في قضية الأخوان المشهورة التي أعدم فيها ستة من الأخوان. عندك علم بهذه القصة؟


جمال حماد: أيوه.


أحمد منصور: ما معلوماتك؟


جمال حماد: اللي أعرفه أن جمال عبد الناصر كان بيشيل الحاجات دي علشان الفدائيين علشان يمد بها الفدائيين يعني الأسلحة والذخائر اللي موجودة دي اللي إداها لمجدي حسنين في مدرسة المشاة وشالها هناك في مخزن كانت علشان بيمد.. لأن كان الجيش مالناش دور في مقاومة الإنجليز بعد إلغاء المعاهدة، لأنه مش عاوزين أن الجيش يتورط مع الجيش الإنجليزي في معارك بعدين تنتهي في إبادة الجيش المصري، فكان إحنا بقى كان  يعز علينا أن البوليس يقاوم ونحن قاعدين نتفرج فكنا بقى نحاول أن نمد الناس دول بالأسلحة والذخائر..


أحمد منصور (مقاطعا): عبد الناصر خاف..


جمال حماد: عبد الناصر كان عنده مخزن مليان حاجات وأسلحة وذخائر وبتاع في مدرسة المشاة عند مجدي حسنين فلما حصل حريق القاهرة هو طبعا خاف أنه حيحصل بقى تفتيش وبتاع فربما يعثروا على هذه الأسلحة، فهو كان صديق حسن العشماوي فقال له أنا عاوز أشيل دول فحسن العشماوي أخدهم في عزبة..


أحمد منصور (مقاطعا): حسن العشماوي أحد قيادات الأخوان المسلمين؟


جمال حماد: أيوه، ما هو كان بيننا وبين الأخوان المسلمين عمار في هذا الوقت، ما فيش حاجة. فهو أخذ الحاجات دي وحطها في مخزن عند حسن العشماوي في العزبة بتاعة ولده، العشماوي باشا لأنه هو كان وزير المعارف، بس مش في الوقت ده يعني، بعدين لما حصل بقى القبض على الأخوان والحاجات دي..


أحمد منصور: سنة 1954.


جمال حماد: سنة 1954 بعد أزمة..


أحمد منصور (مقاطعا): حسن العشماوي يقول إنه عدة مرات كان يسأل جمال عبد الناصر بعد الثورة أما ستأتي لتأخذ هذه الأسلحة؟ فكان يقول له لا خليها شوي، فالذي كان يعلم بمكان هذه الأسلحة هو جمال عبد الناصر وحسن العشماوي.


جمال حماد: أيوه، إنما في هذا الوقت بقى البوليس، المباحث كانوا بيدوروا على أي أسلحة وذخائر عند الأخوان المسلمين، فيعني لا يمكن جمال عبد الناصر يقول له خذ يا حسن عشماوي الحاجات دي حطها عندك وبعدين يبلغ عنه.


أحمد منصور: يعني البوليس عارف أنه هو حيروح العزبة بتاع حسن العشماوي ويفحر تحت الجراش حيبص يلاقي في أسلحة وذخائر محطوطة في صندوق، مين الجني بقى اللي راح قال لهم الكلام ده إذا مش جمال عبد الناصر اللي بلغ؟


جمال حماد: ليه ما يكونش يعني تواترت الأنباء مثلا.


أحمد منصور: لا أحد يعلم إلا حسن العشماوي وصلاح شادي وجمال عبد الناصر حسب روايتهم هم، وسيادتك الآن بتقول إنه عندك علم بالموضوع.


جمال حماد: أيوه، عندي علم بالموضوع، فأنا اللي بأعتقده أن ده النشاط من البوليس والمباحث وقدروا أنهم يعثروا على هذا يعني هم أو مثلا جماعة فلاحين موجودين هناك في العزبة شافوا حاجات زي دي وهي بتتحط وبلغوا البوليس وقتها.


أحمد منصور: إنما مش جمال عبد الناصر.


جمال حماد: مش جمال عبد الناصر، لا يمكن جمال عبد الناصر يحط أسلحة وذخيرة وبعدين يبلغ، طيب ما حيقول جمال عبد الناصر اللي جابها لي.


أحمد منصور: حسن العشماوي قال إيه؟


جمال حماد: قال له في إذا.. في النيابة قال له إذا كنت عاوز تعرف إيه حقيقة هذا الموضوع اسأل جمال عبد الناصر.

التطورات السياسية والبدء في تحديد موعد الثورة


أحمد منصور: حسن العشماوي هرب واختفى في الصعيد وبعد ذلك سافر إلى الكويت وعمل مستشارا لأمير الكويت بعد ذلك وروى القصة كاملة في الكتاب وتفصيلات العلاقة بين الأخوان وبين الثوار التي ربما أسألك عنها بعد ذلك لكن لأن هذا الحدث مرتبط بحريق القاهرة بالدرجة الأولى، التطورات السياسية في مصر بعد حريق القاهرة يبدو أن لهب حريق القاهرة ألهب الحياة السياسية وألهب الجيش المصري أيضا؟


جمال حماد: أيوه.


أحمد منصور: أنتم في نادي الضباط كيف تعاملتم مع الأمر؟


جمال حماد: إحنا في نادي الضباط كان مفروض أنه حيتعمل جمعية عمومية غير عادية في 18 فبراير لأنه بعد ما جاء لنا الجواب بتاع الفريق عثمان مهدي بأن سلاح الحدود أصبح سلاحا قائما بذاته وعلى ذلك يجب أن يكون له مندوب في مجلس الإدارة زي بقية الأسلحة فإحنا تخلصنا من هذا المأزق وقلنا إنه إحنا لا نملك أن إحنا نعمل هذا لأن ده تعديل في قانون النادي، اللي يوافق عليه الجمعية العمومية اللي يقول أيوه و لا لا هي الجمعية العمومية..


أحمد منصور (مقاطعا):  يعني توضيحا للموضوع ده أن الملك كان يريد أن يفرض رجله حسين سري عامل قائد سلاح الحدود عليكم أنتم؟


جمال حماد: بأي شكل من الأشكال.


أحمد منصور: وأنتم كضباط كنتم ترفضون هذا.


جمال حماد: أيوه.


أحمد منصور: يعني بتتحدوا الملك؟


جمال حماد: أيوه، وواضح جدا أنه إحنا كنا بنتحدى الملك.


أحمد منصور: يعني كنتم ضباطا أحرارا صحيح؟


جمال حماد: طبعا أمال إيه؟


أحمد منصور: طيب ليه قلبتم النظام ده اللي كنتم تقدروا فيه تتحدوا الملك وجبتم نظاما ثانيا ما حدش يقدر يفتح بقه فيه؟


جمال حماد: نحن كنا بنعمل كده في سبيل الحرية والديمقراطية.


أحمد منصور: هي فين دي؟!


جمال حماد: فإذا كان ما فيش، دي مش غلطتنا، نحن عملنا مبادئ ثورة، ستة مبادئ والمبدأ السادس بيقول إقامة حياة ديمقراطية سليمة، وقال منع الاحتكار ومنع الإقطاع وكل الحاجات دي فبعضها تحقق وبعضها لم يتحقق.


أحمد منصور: حينما يجرؤ ضباط الجيش أن يتحدوا الملك فهذا يعني وجود حجم عال جدا من الحرية والإرادة والرجولة لدى الناس.


جمال حماد: أيوه.


أحمد منصور: لاسيما وأنكم كنتم تتحدوه في أمر تعتبرونه أمرا وطنيا؟


جمال حماد: أيوه، فهو إحنا بقى علشان أجاوب لك على السؤال إحنا بقى لما عرض علينا الجواب بتاع عثمان المهدي قلنا نحن لا نملك هذا حنعرضه على الجمعية العمومية وإحنا واثقون أن الجمعية العمومية مش حتوافق، يعني إحنا كان عندنا ثقة في هذا، إحنا تخلصنا من المأزق بدل إحنا عددنا..


أحمد منصور (مقاطعا): بدل تمام يا أفندم وكله تمام وحاضر استطعتم أن تلتفوا على الأمر.


جمال حماد: حاولنا أن نلتف على الأمر بقى أنه إحنا ندعو الجمعية العمومية، فحددنا موعدا في 18 فبراير سنة 1952 فهذا الموعد لم يحدث فيه اجتماع ليه؟ لأنه في 26 حصل حريق القاهرة فما قدرناش ندعو الجمعية العمومية وأجلنا هذا إلى أجل غير مسمى لأن الجيش نزل إلى الشوارع، اللواء السادس مشاة نزل يوم 26 يناير قبل الغروب وضرب الفوضى الموجودة والحرائق بيد من حديد وأنقذ القاهرة من الدمار، لأن الإنجليز كانوا بيجهزوا، كانوا مديين أمرا إنذاريا لقواتهم في ظرف 48 ساعة تكونوا جاهزين منشان في أي وقت حننزل على القاهرة والدلتا، فدي حاجة حصلت فعلا، فالجيش لما نزل أنقذ الفوضى وأنقذ الناس..


أحمد منصور: ومنع عودة الإنجليز مرة أخرى.


جمال حماد: منع، لأنه كان الإنجليز مستعدين يجوا لأنهم بيتحينوا الفرص طبعا علشان يرجعوا ثاني، فده يوري لك أنه إحنا كانت المشاعر ملتهبة بعد ما حصل هذا الكلام وأدركنا أن الملك لا أمل فيه لأنه ابتدأ يعمل وزارات اسمها، إحنا سميناها وزارات الاحتضار أو وزارات الموظفين.


أحمد منصور: أقيلت الحكومة الوفدية بعد حريق القاهرة، أسندت الوزارة إلى علي ماهر باشا في 27 يناير، بقيت 33 يوما فقط خلفتها حكومة نجيب الهلالي الأولى في أول مارس إلى 2 يوليو ثم حكومة حسين سري باشا من 2 يوليو إلى 22 يوليو، عشرون يوما فقط والهلالي باشا كان بيكون الحكومة الثانية له حينما أنتم قمتم بحركتكم.


جمال حماد: بس هم حلفوا اليمين على فكرة، الهلالي حلف اليمين هو والوزراء وبقت وزارة فعلا.


أحمد منصور: وأقصر وزارة في تاريخ مصر.


جمال حماد: أقصر وزارة في تاريخ مصر، لكن يعني ده يوري لك ازي أن الوزارات دي نحن اعتبرناها وليه الملك مثلا لو تسألني الملك ليه بيعمل وزارات موظفين، طيب ليه ما يعملش وزارات أقلية لأحزاب أقلية زي زمان؟ ما هو كان بيلجأ..


أحمد منصور (مقاطعا): لأحزاب الأقلية وهو اللي يدير الحكومة ويحلها وقت ما هو عايز.


جمال حماد (متابعا): المرة دي ليه جاب كله ناس مستقلين؟


أحمد منصور: لأنه كان خائفا من الجيش.


جمال حماد: لا لأنه هو حلف أنه مش حيجيب الناس دول أبدا وزارات الأقلية لأنهم كتبوا عريضة وهاجموه فيها وحتى يعني أنت عارف، الناس اللي كانت بتستفيد أنهم من الأقليات وبيعمل لهم وزارات هم أنفسهم ضجوا من الملك فعملوا له عريضة مضى عليها ووقعها كل زعماء المعارضة من مختلف الأحزاب، فالملك كان حاطط في جيبه هذه العريضة وحاطط فيها الأسماء وقال ولا واحد من دول حيدخل أبدا الوزارة، ولذلك اضطر غصب عنه أن الوزارات اللي تتعمل كلها كلها مستقلين.


أحمد منصور: لكن الهلالي باشا يقال إنه كان رجلا مستقيما وكان يسعى إلى أن يعمل وزارة وطنية حقيقية.


جمال حماد: هو كان رجلا فعلا مستقيما وكان ماسك شعار "التطهير قبل التحرير" وكان عنده أمل أنه حيقدر يأخذ العناصر الطيبة والمستقيمة في الوفد ويعمل حزبا جديدا بس فشل في هذا الموضوع..


أحمد منصور (مقاطعا): ما إديتوه فرصة ليه أنتم ورحتمك عملتم حركتم في اليوم التالي؟


جمال حماد: أنت كنت عاوز نعمل إيه أمال؟ كل شوي تقول لي عملتم، أمال كنا عاوزنا نعمل إيه؟ نقعد ساكتين كده نتفرج، الله! رشوة وفساد وقهر وإذلال..


أحمد منصور: هو إيه اللي جرى بعدها يا سيادة اللواء؟ ما الذي تغير بعدها؟


جمال حماد: لا.


أحمد منصور: سنأتي بالتفصيل. ولكن كيف أنتم في تنظيم الضباط الأحرار بدأتم تعدون للتحرك للثورة أو للانقلاب العسكري في ظل هذا الوضع؟


جمال حماد: أيوه.


أحمد منصور: كيف بدأتم الإعداد؟


جمال حماد: يعني إشارة الابتداء بدأت إيمتى؟ يوم 26 يناير ده يعني اللي أيقظنا أنه لازم نعجل بالثورة في 26 يناير وبعدين كانت الثورة بقى بدأ أنه ميعادها 13 نوفمبر 1952، ليه 13 نوفمبر 1952؟ لأنه كان البرلمان منحلا، كان نجيب الهلالي كان حل البرلمان وأنت عارف أن البرلمان لما يتحل لا يحل إلا مجلس النواب فقط، مجلس الشيوخ لا يحل، فمجلس النواب كان منحلا وكان طبقا للدستور لازم لما يجي 13 نوفمبر لازم يكون فيه مجلس نواب ينعقد فإن لم ينعقد لأنه ما اتعملتش انتخابات وفي مجلس المجلس القديم ينعقد.


أحمد منصور: حتى المحلول، المجلس المحلول؟


جمال حماد: حتى المنحل، فكان يعني الهدف من أنه إحنا حنعمل 13 نوفمبر نعمل الانقلاب أنه إحنا بنعمل في، علشان بنؤيد الشعب في الدستور أنه إحنا بنطبق قواعد الدستور وهو أن لازم البرلمان يجي لأنه طبعا الملك مش حيدعو للبرلمان، إحنا بقى بنعمل هذه الثورة عليه علشان هو ضد الدستور.


أحمد منصور: يعني أنتم كضباط أحرار حددتم عدة مواعيد للثورة كان الموعد الأول فيها 13 نوفمبر 1952؟


جمال حماد: كان أول عرض 1955.


أحمد منصور: 1955؟


جمال حماد: أيوه.


أحمد منصور: أول تحديد أن الثورة تقوم في 1955.


جمال حماد: وبعدين 13 نوفمبر 1952.


أحمد منصور: وده أخذتوه بعد حريق القاهرة؟


جمال حماد: بعد حريق القاهرة، بعدين 5 أغسطس.


أحمد منصور: ليه، ليه 5 أغسطس؟


جمال حماد: بعد حل مجلس إدارة نادي الضباط في 16 يوليو 1952.


أحمد منصور: مجلس إدارة نادي الضباط الذي كان يرأسه محمد نجيب والذي أنت كنت عضوا في مجلس إدارته والذي كان الضباط الأحرار يشكلون الجزء الرئيسي فيه، ضاق به الملك فقرر حله.


جمال حماد: لأنه حصل اجتماع للجمعية العمومية في 16 يونيو 1952 قبل الحل بشهر واحد، هذا الاجتماع أنا اعتبرته أنه أخطر اجتماع عسكري في تاريخ مصر منذ مظاهرة عرابي في عابدين في سبتمبر 1881.


أحمد منصور: ليه، إيه الخطورة اللي شكلها هذا الاجتماع؟


جمال حماد: الخطورة بقى أن الضباط أعلنت تمردها في هذا الاجتماع لأنه عرض عليها وعلى الجمعية العمومية أنه كان في اقتراح بقى إحنا جايين ليه؟ علشان خاطر حكاية المندوب بتاع سلاح الحدود.


أحمد منصور: كل ده علشان حسين سري عامر؟


جمال حماد: أيوه، ما أنا بأقول لك النادي ضيع ملكه علشان سلاح الحدود، علشان الرجل حسين سري عامر من..


أحمد منصور (مقاطعا): هو كان حيعمل له إيه حسين سري عامر حينما يدخل إلى نادي الضباط؟


جمال حماد: هو يعني مش عاوز أنه فيه يمكن نوع من العند.


أحمد منصور: آه، هو شعر أن الضباط بيتحدوه إلى هذا الحد.


جمال حماد: الضباط بيتحدوه، طيب هم بيعملوا كده، طيب أنا حأوريهم، فراح كاتب جواب.. ده بقى سلاح مستقل، فجئنا في يوم 16 يونيو عرضنا الموضوع بقى بعد اجتماع الجمعية العمومية فعرض الموضوع أنه عاوزين، أنه جاء لنا جواب من رئيس الأركان بيقول إن ده سلاح قائم بذاته لازم يدخل، فإيه إحنا في اقتراح بقى أنه يدخل وفي اقتراح أنه إحنا نعرضه على الجمعية العمومية العادية في ديسمبر المقبل، فعملنا الاقتراح بتاع ديسمبر المقبل رفض، عملنا الاقتراح بتاع أنه لا، نرفض، فبالإجماع.


أحمد منصور: جاء رفض بالإجماع.


جمال حماد: بالإجماع رفض، وبعدين بقى حصل أن بيتكلموا بقى كان نادي الضباط كان حصل له شرخ فهدوه وبنوا واحدا ثانيا، فكان عاوز تأثيث، أثاث يعني، فكان الملك كان قال إنه هو حيعمل الأثاث ده، فأمين الصندوق وقف وقال إنه إحنا دلوقت النادي خلص وعاوزين نعمل أثاث وكانت السرايا كانت المفروض أنها تبعث لنا إعانة فما بعثت لنا شيئا، فنعمل إيه دلوقت؟ فالضباط تكالبوا على الميكرفون بقى ويخطوا التلفون من بعض..


أحمد منصور: الميكرفون.


جمال حماد: آه ، الميكرفون ويقولوا، واحد يقول بقى إحنا لا يمكن أنه إحنا نأخذ هذه الإعانات من السرايا لأنها مأخوذة من دماء الشعب البائس.


أحمد منصور: إلى هذا الحد؟


جمال حماد: إلى هذا الحد.


أحمد منصور: تفتكر مين أبرز  الضباط اللي تكلموا في..


جمال حماد: عبد المنعم أمين تكلم بجرأة شديدة.


أحمد منصور: أدخله عبد الناصر في مجلس قيادة الثورة بعد ذلك.


جمال حماد: أيوه.


أحمد منصور: نعم، مين غير عبد المنعم أمين؟


جمال حماد: والله في في ناس يعني غير معروفين.


أحمد منصور: لكن كان أبرز واحد عبد المنعم أمين؟


جمال حماد: عبد المنعم أمين وقف وعلشان خاطر إيه؟ عبد المنعم أمين قال إيه؟ قال على الحرس الحديدي، لأنه كان في..


أحمد منصور: آه، يعني بدأتم تصلون إلى أنكم تخبطوا في الملك بشكل مباشر؟


جمال حماد: آه، في الحرس الحديدي لأنه كان في ضابط قتل قبلها، ملازم أول وضرب بالرصاص وقالوا إن الحرس الحديدي اللي قتله، فعبد المنعم أمين قال إحنا إيه إحنا لا نستطيع أن نمشي الآن في سلام لأن الحرس الحديدي المجرم بيقتل الناس وبيقتل الضباط فلازم نضع حدا لهذا الكلام..


أحمد منصور: تحدي مباشر للملك.


جمال حماد: مباشر، قال الحرس الحديدي، كلنا عارفين الحرس الحديدي.


أحمد منصور: لذلك قرر الملك حل مجلس إدارة النادي.


جمال حماد: أصله كان بقى أنا زي ما قلت إن الجيش أسقط ولاءه للملك والملك فقد سيطرته على الجيش، هنا بقى الملك خاف جدا أن الجيش، إيه اللي بيعمله ده؟ الله مش هو ده الجيش بتاعي.

[فاصل إعلاني]

أسباب التعجيل بقيام الثورة


أحمد منصور: لكن في معلومات مختلفة منشورة في مصادر كثيرة تقول بأن قيادة تنظيم الضباط الأحرار تسربت إلى القصر وكان هناك مخطط للقبض على هؤلاء الضباط أو إحالتهم إلى التقاعد من الجيش؟


جمال حماد: هذا كلام يعني قيل صحيح إنما هو اتقالت إشاعة ذات شقين، قالوا إنه وصلت أسماء 12 اسما إلى الجهات المختصة وإلى الملك.


أحمد منصور: الـ 12 اسما كانوا جمال عبد الناصر وعبد اللطيف البغدادي وباقي المجموعة.


جمال حماد: بس ده، يعني أنا لم أستطع رغم البحث الشديد أنه أنا أهتدي إلى حقيقة هذا الموضوع.


أحمد منصور: لكن أليس هذا من الأسباب التي أدت إلى التعجيل بقيام الثورة؟


جمال حماد: ما هو في يوم اللي حصل إيه؟ أن الرجل زوج بنت حسين سري باشا محمد هاشم باشا كان وزير الداخلية فدعا محمد نجيب أنه يجي له في البيت يوم 18 يوليو 1952، محمد نجيب راح قابل محمد هاشم باشا في البيت فقال له إنه في 12 واحد إتعرفوا عند الملك وعند المباحث وعند الحاجات دي كلها، هو راح علشان يسأل محمد نجيب إيه اللي بيحصل في الجيش ده؟


أحمد منصور: نعم عايز يفهم منه ماذا يدور.


جمال حماد: آه، إيه اللي بيحصل؟ وأنت تفتكر لو أنت جئت وزير حربية أن الأمور حتستقر.


أحمد منصور: يعني بيختبر.


جمال حماد: ما هو بعد يومين استقال حسين سري فقال له لا أنا مش عاوز أجي وزير حربية ولعلمك أن الهلالي أول واحد فكر يجيب محمد نجيب وزير حربية.


أحمد منصور: يعني شعبية محمد نجيب بعد انتخابات نادي الضباط وقيادته لمجلس إدارة النادي أصبحت شعبية كاسحة داخل الجيش وربما خارجه أيضا.


شعبية محمد نجيب بعد انتخابات نادي الضباط وقيادته لمجلس إدارة النادي أصبحت شعبية كاسحة داخل الجيش وخارجه لذلك الشعب انضم إلى الجيش وإلى الثورة بمجرد ما سمعوا بيان الثورة

جمال حماد: وخارجه، ولذلك الشعب انضم إلى الجيش وإلى الثورة بمجرد ما سمعوا بيان الثورة.


أحمد منصور: أن محمد نجيب هو الذي على رأس هؤلاء.


جمال حماد: هو القائد.


أحمد منصور: متى قررتم كضباط أحرار اختيار يوم 23 يوليو ليكون يوم الانقلاب العسكري كما أطلق عليه الرئيس نجيب نفسه؟


جمال حماد: هو في الأول زي ما كانش، كان هو 5 أغسطس في الأول.


أحمد منصور: ليه غيرتم 5 أغسطس.


جمال حماد: 5 أغسطس على أساس أنه يقدر بقى، الناس كلها إجازات لأنه صيف، الناس في إجازات عاوزين نجيبهم واختار الناس في مناطق الخارجية والحاجات دي كلها حتأخذ وقت، فاللي حصل بقى للتعجيل أن أحمد أبو الفتح كلم ثروت عكاشة يوم 20 يوليو من الإسكندرية وقال له يا ثروت في في أخبار مهمة جدا عاوز أقولها لك، كان هو مقعد معه حسين الشافعي بيتغدى عنده في بيته..


أحمد منصور: رواها لي حسين الشافعي وقال كنا بنتغدى بطيخ، جبنة وبطيخ.


جمال حماد: جبنة وبطيخ، فبعدين قال له خذ بالك أن حسين سري قدم استقالته والهلالي هو اللي جاي وينتظر أن حسين سري عامر حيجي وزير حربية فخذوا بالكم ولازم يعني تأخذوا بالكم..


أحمد منصور (مقاطعا):  معنى كده أن أحمد أبو الفتح كان عارف أن ثروت عكاشة من الضباط الأحرار؟


جمال حماد: طبعا، طبعا.


أحمد منصور: وأحمد أبو الفتح وقف جانبكم.


جمال حماد: وقف وقفة شديدة جدا.


أحمد منصور: وبعد كده عبد الناصر دمره.


جمال حماد: يعني ما أنت عارف بقى..


أحمد منصور (مقاطعا): سنأتي إلى ما بعد ذلك. يعني كان موقفه موقفا وطنيا جيدا معكم.


جمال حماد: جدا كان معنا، نشر أسامينا يعني المرشحين، مرشحي الضباط الأحرار نشرهم في المصري، وبعدين لما نجحنا كتب النتائج بالمصري ودول اللي انتخبوا وبعدين في 23 يوليو طبعا لما تمسك المصري يوم 23 يوليو لأن بقية الجرائد ما فيش ولا حاجة على يوم 23 لأنه ما لحقوش يكتبوا، إنما يوم 24 تشوف بقى المصري عامل propaganda في.. والباقي كله خايف يعني الأهرام بقى..


أحمد منصور: المصري دي هذه هي الصحيفة التي كان يملكها آل أبو الفتح.


جمال حماد: آل أبو الفتح.


أحمد منصور: وكان يرأس تحريرها أحمد أبو الفتح.


جمال حماد: كانت صحيفة وطنية وكان جريئا وكتب كل حاجة عن الثورة يعني في يومها بقى كتب كل حاجة بدون خوف ولا.


أحمد منصور: نرجع لمكالمة أحمد أبو الفتح لثروت عكاشة.


جمال حماد: أحمد أبو الفتح لما قال بقى هذا الكلام فثروت وحسين الشافعي راحوا على طول إلى بيت جمال عبد الناصر وقالوا له حصل كذا وكذا وكذا وطبعا يعني أحمد أبو الفتح كان بيقول لهم تلميحات تدل يعني أنه أنتم الحقوا تعملوا حاجة، فسألهم وقال لهم طيب أنت تقترحوا نعمل إيه؟ قالوا له بكره على طول، يعني 21، ليلة 21، 22.


أحمد منصور: مباشرة؟


جمال حماد: مباشرة، قالوا له نحن سلاح الفرسان جاهزين.


أحمد منصور: المدرعات يعني.


جمال حماد: المدرعات وقتها كانت اسمها سلاح الفرسان، في عندنا 48 دبابة وفي عندنا 48 عربة مدرعة، فدول كافيين جدا أنه نحن نعمل حاجة، قال لهم طيب وهم فعلا قالوا للضباط بتوعهم اقعدوا بقى من يوم 21 قعدوا في المعسكر ما يخرجوش.


أحمد منصور:  أنت متى بُلغت؟


جمال حماد: بلغت 22 يوليو الصبح.


أحمد منصور:  مين اللي بلغك؟


جمال حماد: بلغني عبد الحكيم عامر.


أحمد منصور:  قال لك إيه عبد الحكيم؟


جمال حماد: قال لي النهارده حنشتغل.


أحمد منصور: على طول كده، وأنت كنت مستعدا؟


جمال حماد: طبعا، أنا كنت، ما إحنا عارفين أنه لأنه أنا واحد من نادي الضباط اللي انحل.


أحمد منصور: أنا يعني حاسس في الجو العام كده أنكم كنتم بتتصلوا بالتلفونات مع بعض، التلفونات ما كانتش مراقبة، وكان عبد الناصر بيعين الأوراق في بيته ما كانش حد بيتدخل ولا زوار فجر بيروحوا يفتشوا ولا يبهدلوكم وكانت الحياة جميلة جدا وكان في ديمقراطية وكان في حرية وماكانش في أحد بيتبهدل وبيتمرمرط زي اللي حصل بعد كده.


جمال حماد: والله بقى يعني..


أحمد منصور (مقاطعا): لا ده اللي أنا شايفه هو إحساسي ده صحيح من اللي أنا شايفه في الكتب والمصادر والروايات؟


جمال حماد: أيوه إحنا كنا..


أحمد منصور (مقاطعا): كنتم تشعرون بالأمن والأمان.


جمال حماد: أيوه إحنا ما كناش، عمرنا ما جانا..


أحمد منصور (مقاطعا): رغم أنكم بتعدوا للانقلاب على النظام؟


جمال حماد: أيوه، ما هو ما كانش في يعني سيطرة بهذا الوقت.


أحمد منصور: ما كانش في سيطرة ولا كان في احترام لآدمية الناس؟


جمال حماد: لا، أنا بأعتبر أنه ما كانش في سيطرة وأنه ما كانش عندهم فكرة أنه في حاجات زي دي بتتعمل.


أحمد منصور: سيادة اللواء ما كانش في بوليس حربي، ما كانش في بوليس سياسي، ما كانش في ملاحقات؟


جمال حماد: كان في.


أحمد منصور: ومع ذلك رغم أنكم كنت أعضاء مجلس قيادة نادي ضباط بيتحدى الملك ما كانش أحد بيتجسس على تلفوناتكم ولا كان أحدا يلاحقكم ولا بيجي يفتش لكم البيوت ولا بيقبض عليكم؟


جمال حماد: أيوه ما كانش في.


أحمد منصور: طيب ما سبتوش الحياة دي ليه تفضل؟


جمال حماد: لأنه كان في حاجات بقى مش بس علشان إحنا.. بالنسبة لأهل البلد نفسها، يعني كانت حالة الفساد منتشرة جدا، الرشوة، الناس باشوات هم اللي معهم الثروة والقوة وبقية الشعب فقير وغلبان فكان..


أحمد منصور (مقاطعا): هو في إيه دلوقت بعد أكثر من 56 سنة على قيام الثورة؟ الصورة اللي سيادتك بتوصفها دلوقت دي بتختلف عن الصورة اللي الناس عايشاها في مصر الآن؟


جمال حماد: يعني..


أحمد منصور: بس في باشوات جدد وفي حاجات ثانية ربما أسوأ كثيرا مما قامت الثورة من أجله.


جمال حماد: يعني إحنا والله لما عملنا الثورة كنا مقتنعين أنه إحنا بنخدم مصر وأنه إحنا مبادؤنا أعلناها وأنه إحنا حنعيش في عيشة حرة وديمقراطية وما فيش إقطاع وما فيش احتكار وأنه إحنا عاوزين مصر تستقبل والإنجليز يعملوا جلاء وبتاع فكنا بنعمل اللي قدرنا عليه في هذا الوقت، فإحنا بقى لم نحكم في.. حاليا إحنا لا نحكم مش إحنا الحكام دلوقت علشان نتحاسب إحنا على أي حاجة موجودة دلوقت.

الخطط الأولى للثورة وبداية التحرك


أحمد منصور: ما يعيشه الناس الآن هو امتداد لتلك الأيام لكن أنا أرجع بك إلى يوم 22 يوليو حينما أبلغك عبد الحكيم عامر بالاستعداد للتحرك، كان واضحا أنكم ستقومون بانقلاب عسكري أم حركة أم كانت الصورة ضبابية إلى حد ما؟


جمال حماد: لا كان واضحا جدا أنه إحنا حنعمل انقلابا عسكريا بس كان في مراحل.


أحمد منصور: ما هي مراحل هذا الانقلاب؟


جمال حماد: يعني أولا مثلا المرحلة الأولى أنه إحنا نسيطر على قيادة الجيش، يعني إحنا نسيطر على الجيش في الأول وبعدين نسيطر على الحياة السياسية، اللي الحكومة، الحاجات دي، وبعدين كان لغاية كده بس يعني نحن ما كناش حاطين في مخنا أنه نشيل الملك.


أحمد منصور: على الإطلاق؟


جمال حماد: لا.


أحمد منصور: لم يكن واردا أنكم حتغيروا النظام الملكي بنظام جمهوري؟


جمال حماد: لا، يعني ما جاش في دماغنا، أو إحنا ما حدش قال لنا يعني كنا على معرفة أنه في أول مرحلة أنه إحنا حنسيطر على الجيش بس.


أحمد منصور: ليه الثورة تأخرت يوما؟ المفروض كان تبقى يوم 22 وقامت في..


جمال حماد: 21، 22..


أحمد منصور: ليلة 22، يعني يوم 21 بالليل وعملتوها 22 بالليل.


جمال حماد: عملناها 22 بالليل، هو بقى يعني جمال عبد الناصر قال إنه علشان يعني ننهي استعداداتنا لأنه إحنا استعدادات سريعة وعاوزين نخلص في وقت مبكر أنه إحنا الناس في إجازات وبتاع فنؤجلها يوم علشان الاستعدادات.


أحمد منصور: لكن في مصادر أخرى تقول إنها أجلت يوما للحصول على موافقة المرشد العام للأخوان المسلمين حسن الهضيبي؟


جمال حماد: أنا سمعت هذا الكلام، أنه في أربعة جمال عبد الناصر راح وقال لهم إنه إحنا عاوزين مساعدة الأخوان المسلمين في حالة لو الإنجليز هجموا علينا الأخوان المسلمين يكونوا معنا في صد الإنجليز اللي حيهجموا علينا وعاوزين نتعاون في هذا الموضوع فقالوا له نحن ما نقدرش نعدك إلا بالرجوع إلى المرشد العام حسن الهضيبي، كان موجودا في الاسكندرية فراحوا له ورجعوا في اليوم اللي هو كان حدده علشان يسمع منهم الكلام ده، قالوا له ما جاؤوا لسه فأخر يوما، علشان كده جاءت السيرة بقى أن السبب هو تأجيل من 21 إلى 22 السبب فيه كان أو نقدر نقول إنه من ضمن الأسباب لأنه كان يهمنا جدا أن الأخوان المسلمين..


أحمد منصور (مقاطعا): ليه؟ ليه الأخوان المسلمين بالذات وهناك تنظيمات سياسية موجودة في مصر؟


جمال حماد: الجهة الوحيدة اللي معها سلاح، لأنهم كانوا مشتركين في الكفاح ضد الإنجليز ومنظمين وعندهم أسلحة وجماعة منظمة وتقدر أنها تقف جنبنا في صد الإنجليز في حالة يعني إذا فكروا أنهم يجوا علشان خاطر يجهضوا الثورة.


أحمد منصور: هل صحيح أن الأخوان كانوا الجماعة الوحيدة التي أطلعها عبد الناصر أو طلب منها المساعدة أو المشاركة في قيام الثورة أو الانقلاب؟


جمال حماد: أيوه، معلوماتي أن جمال عبد الناصر لم يخطر أي أحد إلا جماعة الأخوان المسلمين وأنه كون الشيوعيون عرفوا فعرفوا من أحمد حمروش مش من جمال عبد العناصر.


أحمد منصور: ليس بتكليف من عبد الناصر.


جمال حماد: ليس بتكليف ده هو مكلفه أن يسافر الإسكندرية لأنه هو كان دفاع جوي في الاسكندرية فكلفه جمال عبد الناصر أنه هو يسافر الإسكندرية ويبلغ بتوع الإسكندرية عن موعد الثورة قام قال له طيب المطلوب منهم إيه؟ قال له ولا حاجة، بس يعرفوا علشان لما إحنا ننجح يشتركوا معنا.


أحمد منصور: ليلة 23 يوليو 1952 كنت أنت برتبة رائد ومن المفترض أنك ستقوم بالمشاركة في انقلاب عسكري في مصر، كنت متزوجا وزوجتك على وشك الولادة، ماذا فعلت؟ شعورك الإنساني ما بين زوجتك وأولادك وما بين أنك رايح تعمل انقلابا، ربما تعلق على عود المشنقة؟


جمال حماد: يعني صدقني أنه أنا لم أخف مطلقا، يعني المفروض أنه أي واحد حيشترك في مغامرة زي دي لازم يخاف لأن الخوف من ضمن طبيعة البشر، ما فيش واحد بشر يقول إنه ما بيخافش، أنا بصراحة كده لم أخش مطلقا أنه أنا حأشترك في هذا الموضوع وبالعكس كنت ماشي بثقة وإيمان شديد جدا، فأنا عملت في هذا اليوم يعني حاجات يعني مؤثرة في سير الثورة..


أحمد منصور (مقاطعا): إيه أهم الحاجات اللي عملتها ليلة 23 يوليو؟


جمال حماد: أنا حأبتدي لك من الصبح.


أحمد منصور: أبدأ لي من الصبح.


جمال حماد: أنا رحت على رئاسة المشاة في العباسية، فأنا كان عندي أمل أن العقيد أحمد شوقي قائد الكتيبة 13..


أحمد منصور: مشاة.


جمال حماد: مشاة، أنه إحنا نقدر نضم هذا الرجل إلى الثورة حتى لو كانت كتيبته فيها ناس حيحركوا ناس منها إنما طبعا كون القائد بتاعها هو اللي يقوم بتحريك سراياها دي حاجة كبيرة جدا..

 أحمد منصور: والعقيد أحمد شوقي لم يكن من الضباط الأحرار؟


جمال حماد: لم يكن من الضباط الأحرار، وده جاي كمان بكتيبته من العريش رايح السودان، حيغير الكتيبة الثانية اللي موجودة في الخرطوم وبور السودان..


أحمد منصور: طبعا كانت مصر والسودان وملك مصر والسودان.


جمال حماد: لا، بس كانت حاجات شكلية، مش حقيقة.


أحمد منصور: بغض النظر، بغض النظر، نعم.


جمال حماد: وبعدين أنا كان عندي أمل في الرجل ده لأنه، أنا ما كنتش أعرفه قبل كده، إنما حصل صداقة لأنه أنا المسؤول أن أجهز كتيبته للسفر، ده كان بيجي لي كل يوم..


أحمد منصور: بصفتك أركان حرب سلاح المشاة.


جمال حماد: أيوه وهو مشاة، كتيبة مشاة مسافرة السودان فأنا المفروض علي أنه أنا أجيب لها المعسكر بتاعها وأديها كل التجهيزات، واخد بالك، فحصل صداقة بيني وبينه، فأنا كنت مؤمل فيه خيرا لأن كنت بأتكلم معه شوي كده ولا كده أبص ألاقي بيخبط جامد في الكلام، يعني ما بيخافش، فأنا بقى يومها رحت مكلمه قلت له تعال أنا عاوزك ضروري، فجاء لي، أخذته بقى على غرفة محمد نجيب علشان..


أحمد منصور: قائد السلاح كله.


جمال حماد: كان موجودا في كشف المرضى في البيت فالغرفة فاضية، أنا مش عاوز أقعد بمكتبي وإلا الناس حيسمعوني حتيجي..


أحمد منصور: ما فيش أجهزة تصنت مزروعة في غرفة محمد نجيب.


جمال حماد: أنت كل ما أتكلم تقول لي.. أنا بقى..


أحمد منصور: لا، سيادتك بس أنا  بأفهم الجو كان شكله إيه؟ الناس كانت عايشة إزاي؟


جمال حماد: الله، ما كانش في أجهزة تنصت يا سيدي، فنحن قعدنا بقى قدام المكتب بتاع محمد نجيب فيه أريكة كده وهو مندهش أنا جبته ليه..


أحمد منصور: وسيادتك رائد وهو عقيد.


جمال حماد: وهو عقيد، قلت له يا أحمد بيه دلوقت أنت شايف أنه نادي.. أنا قلت إيه؟ أمسك يعني طريقة التجنيد بقى أجيب له قضية..


أحمد منصور: قضية نادي الضباط.


جمال حماد: نادي الضباط، قلت له نادي الضباط اتحل، هل أنت ترضى بهذا؟ ازاي يحلونا كده وبتاع دي حاجة يعني ما كناش ننتظرها، فلقيته بقى عمال يشتم، شتم بقى حيدر باشا وشتم الناس كلها..


أحمد منصور: بس ما شتمش الملك؟


جمال حماد: يعني برضه شتم، فأنا قلت له طيب، أنت يعني وبعدين محمد نجيب قاعد في البيت مسكين يعني بيراقبوه وعاملين له شغلانة، وقيل إنه هو حيروح أباد قائد المنطقة الجنوبية وعاوزين ينكلوا به ويبعدوه، تحمس كده وراح واقف والله كده، وطلع المصحف من جيبه وحط يده عليه وقال لي والله وحق هذا المصحف لو اللواء محمد نجيب قال لي تحرك بالكتيبة بتاعتك لأتحرك على طول، فأنا طبعا قلت دي حاجة، صيد ثمين.


أحمد منصور: نعم، واحد جاهز بكتيبته.


جمال حماد: واحد جاهز بكتيبة، واخد بالك.


أحمد منصور: وأنتم عمالين تدوروا على دبابات وعلى..


جمال حماد: أي حاجة، فقلت له يعني الكلام اللي أنت بتقوله..


أحمد منصور: ده يوم 22 يوليو الصبح.


جمال حماد: الصبح، قلت له طيب، أنت بالمناسبة أنت تلفونك كم، أخذت تلفونه وعنوان بيته وقلت له علشان أنا عاوز أجي لك وأتكلم معك بقى في شوية موضوعات وبتاع، قال لي طيب أهلا وسهلا، قلت له حأكلمك في التلفون لو كنت حأجي لك يعني، قال لي طيب، طلعت بقى على بيت عبد الحكيم عامر في غرب، شارع غرب القشلاق اسمه كده فرحت..


أحمد منصور: غرب القشلاق في العباسية؟


جمال حماد: في العباسية، لقيت عنده ثروت عكاشة.


أحمد منصور: صديق عمرك.


جمال حماد: صديق عمري ودفعتي وصديقي وكل حاجة، فإحنا الثلاثة بقى دفعة واحدة، فأنا قلت لعبد الحكيم، قلت يا عبد الحكيم موضوع شوقي، أحمد شوقي ده مهم جدا، لأن الرجل ده في فرق أنه هو يبقى الناس طالعين كده بقى ملازمين وبتاع وحاجات وفي فرق أن القائد بتاعهم معهم فالناس كلها..


أحمد منصور: وعقيد وأعلى رتبة عندكم غير محمد نجيب مقدم.


جمال حماد: قلت لهم يعني ده كويس قوي أنه يجي، إيه رأيك يا عبد الحكيم؟ قال لي والله ده يبقى كويس قوي، قلت له طيب أنا بقى رأيي أنه إحنا نروح له النهارده البيت علشان خاطر يشتغل معنا، قال لي طيب، على كل حال أنا استناني الساعة أربعة في كازينو خارينوس في ميدان سفير في مصر الجديدة، قلت له طيب فرحت استنيته في الكازينو الساعة أربعة خرجت من بيتي ورحت، وقلت لزوجتي عندنا شغل في.. رايح مع شوية ضباط عندنا شغل، طبعا هي مش واخدة بالها من حاجة، فرحت أنا وهو..


أحمد منصور: كان عندك أولاد؟


جمال حماد: كان عندي برهان وطارق.


أحمد منصور: برهان اللي أصبح اللواء برهان حماد بعد ذلك وكيل المخابرات المصرية.


جمال حماد: اللواء برهان حماد، واللواء طارق حماد اللي في رئاسة الجمهورية، كانوا أطفال بقى صغيرين، فأنا أخذت..


أحمد منصور: قل لي شعورك الإنساني إيه، في طفلين؟


جمال حماد: ما أنا بقى حأجيب لك شعوري الإنساني وأنا نازل، أنا نازل وسايبهم، في الأول أنا رحت زي ما قلت لك، رحلت لعبد الحكيم، أخذني وطلعنا بيت أحمد أنور بتاع البوليس الحربي اللي بعد كده ولقيت حتى شمس بدران موجود وبعدين جمال عبد الناصر قام معنا، أنا كنت يعني أخذني لهناك على الشقة ونزلنا على طول وركبنا عربية جمال عبد الناصر الأوستن دي، ومشينا على بيت أحمد شوقي وقلت لهم العنوان أهو فوديتهم لغاية بيت أحمد شوقي وطلعنا على أحمد شوقي، أحمد شوقي طبعا بيفتح الباب على أساس أنه حيشوفني أنا لأنه مالوش علاقة بجمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر يعني علاقة سطحية جدا ما يعرفش حاجة، الرجل بقى أول ما فتح الباب ولقى دول بدا عليه الدهشة الشديدة، الله إيه دول؟ فأنا، دخلنا بقى أوضة الصالون وقعدنا، فالرجل، أنا بقى طبعا كنت إيه حامل هم أن أحمد شوقي قال لي الكلام ده أنا وهو لوحدنا في رئاسة المشاة طيب هل يا ترى حيقول هذا الكلام قدام الناس دول ولا لا؟ لاحسن بعدين يقول إيه ده، مين قال أنا قلت كده، واخد بالك، ما فيش شهود عليه، فخفت أنا بقى أطلع قدامهم أنه أنا صغير وأنا جبتهم يعني في إيه، ضيعت وقتهم يعني في كلام زي ده، فبقيت قاعد حامل هم، وبعدين لقيت صورة لواء بوليس متعلقة، الله، فأنا بقى بحسن يعني من غير ما أوعى قلت له يا أحمد بيه هو مين ده؟ قال لي ده خالي أحمد بيه طلعت، يا نهار أسود أحمد بيه طلعت..


أحمد منصور: رئيس حاكم دار بوليس القاهرة.


جمال حماد: ده هو ده حاكم دار القاهرة وهو ده اللي عنده فرقة الأمن المدرعة وهو ده اللي حيبقى عدونا نمرة واحد، فأنا أول ما قال لي كده بلّمت طبعا سكت وخفت جدا قلت ده أنا جبتهم بقى في مصيبة يعني أو كمين..


أحمد منصور (مقاطعا): تسمح لي نتابع الكمين من الحلقة القادمة. أشكرك شكرا جزيلا كما أشكركم مشاهدينا الكرام على حسن متابعتكم. في الحلقة القادمة إن شاء الله نواصل الاستماع إلى قصة ثورة يوليو من اللواء أركان حرب جمال حماد كاتب البيان الأول للثورة وأحد كبار قيادات الضباط الأحرار، في الختام أنقل لكم تحيات فريق البرنامج وهذا أحمد منصور يحييكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.