شاهد على العصر

منظمة التحرير الفلسطينية كما يراها شفيق الحوت ح12

خروج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان، اغتيال بشير الجميل رئيس الدولة اللبنانية، مجزرة صبرا وشاتيلا، تقييم الأداء الفلسطيني في حرب لبنان، تقييم السلطة الفلسطينية بعد اتفاق أوسلو.

مقدم الحلقة:

أحمد منصـور

ضيف الحلقة:

شفيق الحوت: أحد مؤسسي منظمة التحرير الفلسطينية

تاريخ الحلقة:

11/05/2003

– خروج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان
– اغتيال بشير الجميل رئيس الدولة اللبنانية

– مجزرة صبرا وشاتيلا

– تقييم الأداء الفلسطيني في حرب لبنان

– تقييم السلطة الفلسطينية بعد اتفاق أوسلو


undefinedأحمد منصور: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،وأهلاً بكم في هذه الحلقة الأخيرة التي نتناول فيها شهادة الأستاذ شفيق الحوت على عصر الوجود الفلسطيني في لبنان.

أستاذ شفيق: مرحباً بك.

شفيق الحوت: مرحبًا.

أحمد منصور: في 18 يونيو ليلاً 1982 فوجئت بياسر عرفات يطرق باب بيتك، ماذا حدث؟


خروج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان

شفيق الحوت: نعم، وعلمت منه أنه كان قد أعطى موعدًا لمسؤول المخابرات العسكرية العامة في الجيش اللبناني جوني عبده، لأن يلتقي معه عندي في المنزل، ثم لحق به الأخ أبو الوليد سعد صايل.. العميد سعد صايل، كان قائد القوات الفلسطينية والمشتركة في ذلك الحين، وكان المفروض الأخ هاني الحسن أن يصاحب جوني عبده من وزارة الدفاع إلى منزلي، وكان الوضع طبعًا يعني مضطربًا وساخنًا، وكان البحث قد بدأ يجري حول ضرورة سحب القوات الفلسطينية من لبنان.

أحمد منصور: ماذا كان هدف اللقاء؟

شفيق الحوت: هدف اللقاء كان اقتراحًا من جوني عبده، قال بأنه اتفق مع بشير الجميل على أن لا يتعرض لانسحاب قوات منظمة التحرير الفلسطينية برًّا من بيروت.

أحمد منصور: إلى؟

شفيق الحوت: إلى خارج لبنان.

أحمد منصور: خارج لبنان.

شفيق الحوت: خارج لبنان، خارج لبنان.

أحمد منصور: فين؟

شفيق الحوت: سوريا، يعني منطق الأمور الجغرافي كان يقول سوريا، على أن يتولى الجيش اللبناني مسؤولية الأمن في بيروت الغربية، وقال أنه بهذا يضمن عدم اقتحام إسرائيل لبيروت.

أحمد منصور: طبعًا إسرائيل كانت تحاول اقتحام بيروت، لكن المقاومة للإنصاف..

شفيق الحوت: كانت شديدة..كانت شديدة على جميع المحاور.

أحمد منصور: كان فيه بطولات كبيرة مع الخيانات والانسحابات التي وقعت؟

شفيق الحوت: نعم، بيروت كانت يعني فصل آخر مُشرِف.. مُشرِّف بجميع فصوله الحقيقة، يعني أنا بأعرف على أحد المحاور، منطقة المتحف..

أحمد منصور: طبعًا الملفات الخاصة بالتحقيق مع المنسحبين اللي خذوا مناصب في السلطة الفلسطينية بعد ذلك، أخذها أبو عمار، ولم يطلع عليها أحدًا إلى الآن.

شفيق الحوت: يعني…

أحمد منصور: كمثل أشياء كثيرة.

شفيق الحوت: يعني لا أدري إذا كان هناك ملفات، يعني لما طلع أبو عمار وقال..

شفيق الحوت: إذا أخذت ملفات لا.. لا أدري.

أحمد منصور: هكذا يعني ذكر هذه الأشياء.

شفيق الحوت: يزيد صايغ؟

أحمد منصور: يزيد صايغ.

شفيق الحوت: يعني شوف لك مصدر ثاني غير يزيد.

أحمد منصور: لا، هو يزيد ما بيجبش من عنده، كل سطر كاتبه كاتب له مصدر.

شفيق الحوت: أبقى عارف، لكن يعني.

أحمد منصور: وبعدين عفوًا يعني سعد صايل هو اللي..هو الذي طالب بالتحقيقات، وفعلاً يقال إن التحقيقات تمت مع أكثر من مائة ضابط، وأنا ذكرت لك الأسماء.

شفيق الحوت: ولعل هذا السبب في اغتياله..

أحمد منصور: وإن.. ربما..

شفيق الحوت: يعني إشارتك الآن لفتت نظري إلى هذه الحقيقة، لهذا…

أحمد منصور: لأن..لو ..لو رجعت..لو رجعت لهذه التحقيقات، يبدو إن كان فيها بلاوي سودة، عشان كده خذها ياسر عرفات، ورفض أن يطلع أي أحد عليها إلى الآن.

شفيق الحوت:أنا لم أعرف عن هذه شيئًا، حتى لا أدعي شيئًا لا ..لا علم لي به.

أحمد منصور: أما يجب التحقيق في هذه الخيانات والانسحابات التي تمت في الحرب اللبنانية؟

شفيق الحوت: يعني لننته أولاً من موضوع زيارة جوني عبده إلى البيت، رفض أبو عمار هذا الاقتراح، وكان الرافض بشدة سعد صايل، والسبب كان يعني ملفت فعلاً للنظر ولجدية الرجل وفكره العسكري، قال لجوني عبده، قال له: من يضمن لك أولاً إنه بعد أن تتم هذه العملية أن الجيش الإسرائيلي ما يضرب مثلاً على الجيش اللبناني عندما يدخل المنطقة الغربية، وعندئذ من سيتحمل المسؤولية؟

يعني سيقع نوع من الخلاف بين الجيش اللبناني وبين إسرائيل، وبالتالي يبقي الخلاف بين المنطقة الغربية والمنطقة الشرقية، المهم اترفض هذا الاقتراح، وأذكر كلمة لأبو عمار، قال له: اللي بده يدخل بيروت، هيدفع مهر غالي لهذه المدينة، يعني لن يكون الأمر سهلاً، وكان بالفعل الأخ أبو عمار والحركة الوطنية اللبنانية وشباب بيروت البواسل يجب أن نذكر هذا، يعني فيه ناس ما فكرت أنا بحياتي إنها بتحارب، قاومت في.. في بيروت مقاومة الجبابرة على محور المتحف على متحف.. على محور خالدة، على محور المواني، المينا اللبنانية، حيث هاجم الإسرائيليون بيروت الغربية عدة مرات من جميع هذه المحاور.

أحمد منصور: صحيح.

شفيق الحوت: وكانت تصد صدًا عنيفًا، مرة يعني اعتزَّت إسرائيل بأنه على طريق المتحف تقدمت دباباتها 8 أمتار، 8 أمتار، يعني غير الدبابة أصلاً طولها 4 متر، فكان يعني يستحق.. تستحق بيروت التحية والتقدير على موقفها رغم صعوبة الأمر ومرارة الظرف الذي كان يعيش فيه البيروتي، يعني كان هنالك بيروتي يقاتل حتى الاستشهاد، ومنهم من مات عطشًا في الوقت اللي كانت فيه بيروتٌ أخرى تحتفل بالوجود الإسرائيلي للأسف في البلد.

أحمد منصور: (شارون) بمناسبة الوجود الإسرائيلي أنا لقيت في مذكرات شارون يعني جملة اسمح لي بسرعة أقول -في صفحة 661 من مذكراته، يقول.. بعد زيارة التقى فيها بشير الجميل يقول: كنت قد قمت بزيارات كثيرة إلى لبنان حتى أني تعرفت إلى الصحافة المحلية والأدباء وغيرهم من رجال الفكر، وأقمت علاقات مع عدد كبير منهم تمتعوا بالموهبة والشخصية المميزة، وفي غمرة الفرح الجنوني الذي تلا رحيل منظمة التحرير الفلسطينية وجدتني محاطًا بمئات الأصدقاء المغتبطين، ولقيت في بيروت ترحيبًا حارًا حملني على القول من باب المزاح، أني لو احتجت يومًا إلى طلب اللجوء السياسي لوقع اختياري على لبنان أولاً.

أنا أعود لهذا الذي كان يقع في شهر يونيو، حدثت حوارات، كيف كان وضع المارونيين في الحرب؟

شفيق الحوت: يعني بدأ بشير الجميل يتحسس خطورة الموضوع، يعني كان يهيئ نفسه للعهد الجديد، وكان في هذه الفترة قد بدأ إلياس سركيس شخصيًا وجوني عبده بالذات تهيئة بشير الجميل لرئاسة الجمهورية في هذا البلد، يعني اعتبروا أن الاجتياح الصهيوني خلاص، أودى بالمقاومة، وبالتالي أنهى الحركة الوطنية، ولا مرشح بين القوى المسيحية يستطيع أن يجاري الشيخ بشير الجميل، فبدأ الشيخ بشير يعني يتحسس أنه لم يعد قائدًا لميليشيا..

أحمد منصور: لفصيل أو ميليشيا.

شفيق الحوت: أو طائفة واحدة، وبدأ يتحسس موقعه كرئيس جمهورية محتمل، وهذا ما حدث بالفعل عندما انتخب رئيسًا للجمهورية، أذكر له تصريح في 15 يونيو، قال: هذه آخر أيام حرب السنوات الثمانية، قال بشير..

أحمد منصور: يعني كان يمكن أن تتفاهموا مع بشير الجميل؟

شفيق الحوت: أنا بأعتقد كان مستحيلاً، يعني بالرغم من إنه أنا شاءت أقداري أن أبقى بعد انتخابه ورحيل منظمة التحرير الفلسطينية..

أحمد منصور: أنا هآجي لده بالتفصيل، مش عاوز أستبق الأحداث، لأني واخذ المشاهد معايا، 13 يونيو…

شفيق الحوت: نعم، بأعتقد كان صعبًا، بشير جميل، كان صعبًا، يعني مش فلسطينيًا.. لبنانيًا كان يستحيل أن يكون رئيسًا للجمهورية رغم ما ظهر بعد انتخابه من بعض التأييدات من القيادة الإسلامية…

أحمد منصور: سآتي لها تفصيلاً، 13 يونيو 82 طلبت إسرائيل من منظمة التحرير إلقاء سلاحها ومغادرة العاصمة، هل صحيح إن هاني الحسن بعد اجتماعه في 15 يونيو مع المبعوث الفرنسي، الفرنسي(جولمان) وافق على نزع سلاح منظمة التحرير؟

شفيق الحوت: كان المطلوب رحيل قوات منظمة التحرير بسلاحها.. بسلاحها، وحتى يعني حددوا الرقم بعشر آلاف مقاتل، وصدقني إنه وجدت القيادة الفلسطينية نفسها في حرج بحثًا عشرة آلاف مقاتل.

أحمد منصور: ما كانش عندهم عشرة آلاف …

شفيق الحوت: لا، ما كانش العشر آلاف مقاتل، بدليل إنه لبسوا كثير من المدينين لباس عسكري، كانوا موظفين في الإعلام وفي التنظيمات الشعبية وبالميليشيا، حتى يكتمل العدد بحدود العشرة آلاف كما قررته إسرائيل.

أحمد منصور: يعني كما قلت كانت الضجة أكبر من الحجم؟

شفيق الحوت: أكبر من الحقيقة، طبعًا أكبر من الحقيقة، وبدأ الضغط.. بدأ الضغط على..

أحمد منصور: وبدأت المفاوضات هنا للخروج من لبنان.

شفيق الحوت: بدأت المفاوضات.

أحمد منصور: وبدأت إسرائيل تشعر إن هدفها الحقيقي بدأ يتحقق؟

شفيق الحوت: والمصحوبة بالقصف الذي لا تتصوره كنا دخلنا بيوليو.. في آب، في شهر آب كان..

أحمد منصور: لسه ما جيتش على آب، أنا في 25 يونيو، 25 يونيو لسه، كانت إحصاءات الشرطة اللبنانية إنه هناك 10112 قتيل، 19 ألف جريح، 84% منهم من المدنيين من المدنين، أما الإسرائيليين فكانوا..

شفيق الحوت: مين اللي إداك ها الإحصاء ما كانش فيه شرطة لبنانية في تلك الفترة؟ ما كانش فيه وجود للمؤسسة.

أحمد منصور: من 269 قتيل، وألف..

شفيق الحوت: شو.. شو بدك؟

أحمد منصور: في 2 يوليو82 أو ليلة 3 يوليو 82 قدَّم ياسر عرفات رسالة خطية إلى شفيق الوزان (رئيس الوزراء اللبناني آنذاك) وأنا حينما رجعت إلى ما كتبته أنت..

شفيق الحوت: كنت معه..

أحمد منصور: كنت أنت مع ياسر عرفات، في تسليم هذه الرسالة، حتى لا أخوض في كثير من تفصيلاتها، كيف كانت صياغتها؟ وكيف سلمت إلى شفيق الوزان؟

شفيق الحوت: هي كانت الرسالة التي طلب بها (فيليب حبيب) الحكومة اللبنانية بأن يوقع ياسر عرفات على رسالة تقول بأنه وافق، وهو يضمن سحب قوات منظمة التحرير الفلسطينية العاملة في لبنان.

أحمد منصور: لم يكن لديكم خيار آخر؟

شفيق الحوت: البقاء والمقاومة، وكان هذا ربما يفوق ما تستطيعه..

أحمد منصور [مقاطعاً]: فين جبهة الصمود والتصدي اللى تعهدت بأنها تحمي من يتعرض للاعتداء؟

شفيق الحوت: اقترح علينا أحد أعضائها أن ننتحر، أن نتقاتل حتى الانتحار، ولم يكن يعني هذا الاقتراح له شعبية، ولم يعني نستجب له.

أحمد منصور: ما هو طالما أنتوا اللى هتنتحروا مش هو..

شفيق الحوت: آه..، يعني يا أخ أحمد…

أحمد منصور: على الأقل يرتاح منكم ومن اللي كان بيدفعه.

شفيق الحوت: بعض.. بعض أهل بيروت اشتهوا.. اشتهوا الماء ها..، وتدخل أحد رؤساء العرب قادة العرب، كانت كل وساطته أن يسمح بدخول البعض قوارير الماء إلى بيروت الغربية، هذا أقصي ما قدمته يعني الدول العربية في تلك الفترة الصعبة.

أحمد منصور: تقييمكم أيه للموقف العربي؟

شفيق الحوت: أنا كنت حزين يا أحمد، كنت حزين وغضبان، ليس على الملوك فقط، ولا على الحكام فقط، وإنما كذلك على ما كان يسمي بالقوى القومية والتقدمية والثورية الشعبية في الوطن العربي بجميع فصائلها وبجميع أيديولوجياتها.

أحمد منصور: أصبحت مستأنسة..

شفيق الحوت: يعني كان أذكر أظن كان فيه دوري مباراة قدم إفريقي في.. في بعض العواصم العربية كانوا يشيروا إلى نتائج هذه المباريات في الجزائر كانت، قبل أن يشيروا عما كان يجري في .. في بيروت، كانت فيه مرارة، كان فيه مرارة لدى البعض، أنا مش منهم، لأني كنت متوقع ذلك من الاتحاد السوفيتي، الاتحاد السوفيتي كذلك كان موقفه غير متوقع يعني كان استسلم تقريبًا في البداية إلى.. إلى هذا الاجتياح، كان السفير المشهور( سول داتوف) أيامها في لبنان يعني قيل أنه نصح بعضنا بأن نقبل بأي اقتراح بالرحيل من لبنان بأي سفن..

أحمد منصور [مقاطعاً]: مين اللي تحسبوا به مواقف جيدة في هذا الحصار وهذه الحرب؟

شفيق الحوت: مين.. مين، يعني دول؟

أحمد منصور: حتى ولو أفراد.. لو جماعات أو أي شيء، مش لاقيين حد؟

شفيق الحوت: المواطن اللبناني الشريف الذي صمد في بيروت وفي جميع الأراضي التي تعرضت للغزو في صيدا.. في غيرها من المناطق التي تعرض، هؤلاء كانوا هم فعلاً يعني مصدر الأمل الوحيد في إنه هذه الأمة فيها ناس..، طبعًا قامت بعض المظاهرات الشكلية، ولكنها كانت دون المستوى المطلوب.

أحمد منصور: هل كان هناك موافقة فلسطينية كاملة على ما قدمه عرفات؟

شفيق الحوت: الشهادة لله. نعم، رغم..

أحمد منصور: أمال الإذاعات طلعت والميكروفونات والدنيا بعد كده؟

شفيق الحوت: كان هنالك من يتمني ذلك يعني حتى ..حتى إخواتنا في .. في فتح، يعني كانوا..

أحمد منصور: الدنيا قامت على أبو عمار بعدين وعلى الرسالة وعلى الانسحاب والخيانة.

شفيق الحوت: أنا حضرت آخر اجتماع في إحدى الملاجئ في بيروت بحضور الجميع، حضور.

أحمد منصور: كل ممثلي..

شفيق الحوت: كل ممثلي..

أحمد منصور: منظمة التحرير؟

شفيق الحوت: نعم.. نعم، وقالوها لأبو عمار بصراحة، حتى هناك من كان يشك إن أبو عمار بده يخلص منهم ويبقى هو، فقالوا له طيب يعني.. يعني كانوا مستكثرين على أنفسهم أن يبدءوا هم بالرحيل أو بالانسحاب، قال أبو عمار بصراحة مطلوب مني أخرجكم أولاً، ثم أنا أخرِّج نفسي بنفسي، فعرفوها، ولا تخافوا إنه أنا يعني باقي وراكم، فذهبنا إلى الرئيس الوزان رحمه الله..

أحمد منصور: أيه تقديرك لدور شفيق الوزان في هذا الوقت؟

شفيق الحوت: شفيق الوزان كان يعني مسكين، يعني رجل فاضل رحمه الله يعني تركوه القادة السنة التقليديين أن يتحمل عبء هذه المسؤولية القذرة، وهي أن يكون شاهدًا على رحيل قوات منظمة التحرير في عهد كان يرأس هو الحكومة، ولكن لو كان أي إنسان آخر غيره ما بأعتقد إنه كان بيقدر يعمل أكثر مما فعله شفيق الوزان، يعني حرام أن نضع اللوم على الرجل أكثر مما يحتمل قال لي الوزان -رحمه الله- إن هذه الرسالة التي سلمناه إياها في تلك الليلة، والتي تسلمها وهو يبكي، هو بكى ليس ياسر عرفات، هو بكى. جاب القرآن الكريم وعطاه لياسر عرفات وقال له ما عندي ما أقدمه لك غير المصحف الشريف أرجو أن يعينك على العودة إلى القدس يا أبو عمار، قال لي قبل أن يرحل عن هذه الدنيا أن الرسالة ما زالت في أرشيفه، ولم يسلمها إلى فيليب حبيب، وإنما اكتفى بنقل الرسالة شفويًا إلى المبعوث الأميركي، لا أعرف مدى صدق هذه القصة، ولكن هذا ما أذكر أنني سمعته عنه..

أحمد منصور: طبعًا الحرب بعد كده ظلت تراوح إسرائيل، كان فيه وقف إطلاق النار، إسرائيل كانت بتقصف بشكل قاسي للغاية في نهاية يوليو يبدو أن الكيل فاض بياسر عرفات، فأعلن أن بعض الدول العربية أعطت الضوء الأخضر لإسرائيل، حتى تغزو لبنان أيه تفسيرك للموقف العسكري السوري في هذه الحرب؟

شفيق الحوت: سوريا كما يهيَّأ لي أنها لم تكن متوقعه أن تضرب هي في هذه الحرب، أعتقد أنها لم تكن تتوقع أنها ستصل إلى بيروت، وإلا لكانت احتاطت، لأنه كان للسوريين في بيروت كذلك قوات لا بأس بالعدد بعديدها، بأعتقد شارون وسَّع (بكار) حربه، واعتدى على السوريين منتهزًا فرصة..خصوصا إنه كانت بدأت سوريا تهدد بإقامة حائط صواريخ سام 7 في البقاع.

أحمد منصور: دمروه الإسرائيليين.

شفيق الحوت: دمروه..دمروه ، واغتنموا الفرصة، وضربوا القوات..

أحمد منصور: رغم أن السوريين لم يعلنوا عن خسائرهم، إلا أن بعض التقديرات بتقول إنهم خسروا 1200 قتيل، و3000 جريح، و3000 دبابة و140 ناقلة جند، و84 طائرة ومقاتلة، و21 عربة سام 6، 8 و400.. و150 دبابة من بعض مصادر..

شفيق الحوت: صدق، وهذا يعني إن..يعني تصدقه الأحداث التي تلت .. التي فوجئت فيها جري، لها بذاتها وسوريا أوقفت الحرب قبل ما تنهي الحرب مع الفلسطنين، وهذا أحد أسباب سوء التفاهم أو سوء .. الخلاف بين ياسر عرفات وبين المرحوم الرئيس حافظ الأسد يعني أظن في 9 أو 10 صار وقف إطلاق النار على الجبهة السورية.

أحمد منصور: نعم ، 11يوليو.

شفيق الحوت: في 11، بينما إحنا استمرينا لآب و أواخر آب ونحن نضرب في بيروت، فيما يؤكد إنه سوريا ضربت فأوجعت، أنها فيما بعد لم تنس هذا الدرس الإسرائيلي، وكان الانتقام فيما بعد وكان قد استلم الحكم بعد (بريجينيف) مين استلم..نسيت الآن..

أحمد منصور: ما هم جم 3 بعد بريجنيف كل واحد 3 أشهر..

شفيق الحوت: (أندروبروف) أندروبروف.

أحمد منصور: أندروبروف.

شفيق الحوت: آه..أندروبروف هذا كان رجل كان KGB وكان رجلاً قاسياً، لكن لم يعمر طويلاً، هادول.

أحمد منصور: هم كانوا فيه ثلاثة كده جم من غرفة الإنعاش هم الثلاثة.

شفيق الحوت: آه، ثم مات..

أحمد منصور: قبل (يلتسين).

شفيق الحوت: وأقول أنا حتى للأسف.

أحمد منصور: قبل (جورباتشوف) عفوًا.

شفيق الحوت: نعم، هذا مكَّن الجيش السوري بمده بجسر جوي من الأسلحة ومن الروح المعنوية ومن السند السياسي، وبدأت ردة الفعل على الاجتياح الإسرائيلي، وطبعًا كان الضحية الكبرى فيها القوات اللبنانية التي أخذت تأخذ مكان القوات الإسرائيلية التي كانت في منطقة الشوف وفي منطقة…

أحمد منصور: نعم، هل صحيح إنه سوريا مرارًا منعت وصول شاحنات سلاح للفلسطينيين المقاتلين في هذا الوقت؟

شفيق الحوت: مش بعيد، فيه فترات كان قتال يعني بيننا وبين السوريين أمر طبيعي.

أحمد منصور: في 25 يوليو حضرت أنت اجتماعًا مع وفد أميركي مع أبو عمار؟

شفيق الحوت: وفد كان من النواب اللي أظن واحد منهم اسمهم (ماكلاويسكي) كان نائب لأحد الولايات، كان متعاطفًا معنا، مع زملاء كان له وكان يعني يسعى لأن يفعل شيئًا مع الإدارة الأميركية، لتخفيف العذاب الذي كانت تتعرض له منظمة التحرير الفلسطينية.

أحمد منصور: أقر له عرفات بقبول كل مقررات الأمم المتحدة، واعتبر هذا انتصارًا وخرج به للصحفيين..

شفيق الحوت: آه..مضبوط.. مضبوط.

أحمد منصور: مساء 30 يوليو..

شفيق الحوت: مع أنه هذا كان شيئًا يعني مكررًا، يعني ..

أحمد منصور: إسرائيل حاولت تسيطر على جانب من المطار في 30 يوليو، الفترة من الأول إلى الثاني عشر من أغسطس كانت..

شفيق الحوت: مش معقولة..

أحمد منصور: دموية..

شفيق الحوت: كان جنون ..كان جنون.

أحمد منصور: آه الإسرائيليين كانوا يقوموا بهجمات بشكل..

شفيق الحوت: ضرب منهجي ..ضرب منهجي لبيروت الغربية، يعني كاد أن.. أن يعني يدمرها.

أحمد منصور: متى..

شفيق الحوت: كانت تقصف من البحر ومن الجو ومن البر.

أحمد منصور: يقال إن يوم 4 أغسطس كان يومًا تاريخًيا في الحرب على بيروت الغربية، ويوم 5 أغسطس تكاد تكون بيروت الغربية احترقت تمامًا أما يوم 12 أغسطس فكان يوم الموت في بيروت.

شفيق الحوت: يوم الجحيم.. يوم الجحيم.. يوم القنابل الفسفورية، هذا اليوم لا أنساه..

أحمد منصور: أنا لا أنكر إن يعني قُبيل أن أعد هذه الحلقات كانت صورة الحرب اللبنانية عندي كانت غير الصورة اللي لقيتها بين الكتب، وفيه ناس من الذين كتبوا يستحقوا أن يُقدروا مثلاً (روبرت فيسك )كتب "ويلات وطن"، عبر عن الحرب اللبنانية بشكل..

شفيق الحوت: يستحق التحية والتقدير، نعم.

أحمد منصور: يستحق التقدير، كتب كثيرة الحقيقة يعني حتى لا يفوتني كان مفتوح على مكتبي أكثر من 40 كتاب فيها أشياء كثيرة جدًا.

شفيق الحوت: صحيح ..صحيح

أحمد منصور: لكن التعبير عن المشاعر الإنسانية وعن البطولات أيضًا شيء يستحق إن هو يذكر هنا، في 12 أغسطس وافق مجلس الوزراء الإسرائيلي على انسحاب الفلسطينيين من لبنان، وصلت كتيبة فرنسية وأخرى أميركية لضمان أمن ميناء بيروت في 21 أغسطس، رحل أول 400 فدائي إلى قبرص، شعوركم أيه، الآن نكبة أخرى مثل نكبة ما حدث في الأردن، والآن يعني.. هل شعرت إن الآن انتهت الثورة الفلسطينية؟

شفيق الحوت: أنا سآتي إلى آخر يوم اللي سافر فيه أبو عمار بالذات.

أحمد منصور: دا يوم 30.

شفيق الحوت: آه يعني لأن هو اليوم الدراماتيكى.

أحمد منصور: طبعاً الشعب اللبناني، الناس كلها خرجت..

شفيق الحوت: خرجت بعرس، عرس ترش المقاتلين بالرز، وبالعطر نحن أمة غريبة، يعني شعب غريب يعني الأمة العربية إجمالاً، يعني الهزائم لا تفت من عزائمنا ، وربما يعني.

أحمد منصور: لكن الوداع كثير كان..

شفيق الحوت: كان..كان غير معقول أولاً يعني وداع العناصر مع من أحب مع من ترك في لبنان مرته، وحبيبته، وعشيقته، وأخته، والدته، هذا كان يعني ترى العيون والأيادى الممتدة من البوستات والتراكات الحاملة للعناصر وبين الأهالي من حواليهم، اللبنانيين كانوا يعني يوم الرحيل كأنه كان يوم النصر للقوات الفلسطينية يعني لم يكن يوم ذل، يعني صحيح في النهاية هي كانت هزيمة وانسحاب ولكنه كان في تمام الشرف العسكري المطلوب لجيش يعني محترم أو لثورة محترمة، رغم إنه الإسرائيليين حاولوا أن ينغصوا هذا اليوم باستمرار يعني محاولات قنص، محاولات تهديد، محاولات وعيد، وكان وداع أبو عمار لجمهورية الفكهاني، في هذه اللحظات مثير للعاطفة حقيقة بالنسبة للجيران واللبنانيين بالذات الذين عايشوه فترة طويلة من الزمن، فحرص على أن يصافحهم جميعًا، وأن يركب سيارته ويذهب إلى المرفأ، أنا رفضت أرافقه إلى المرفأ.

أحمد منصور: كيف ودَّعك؟

شفيق الحوت: هو كان قبل يومين ثلاثة رافقني إلى عدد من القيادات الوطنية اللبنانية، وأوصاهم بي خيرًا باعتبار أنني قررت البقاء في لبنان؟

أحمد منصور: حتى تحمل الهم الفلسطيني.

شفيق الحوت: حتى لا أجرب هجرة أخرى، قلت بعد يافا لن أهاجر مرة أخري.

أحمد منصور: يعني المستقبل كان مجهول بالنسبة لك.

شفيق الحوت: كان مجهولاً سنأتي إلى ما هو أصعب أنني هددت، بل أجبرت على هجرة أخرى فيما بعد، فودعته على باب قصره في جمهورية الفكهاني، كنت مصاب بذهول، وماشي كالضايع وأتساءل إنه بعد كل هذا التاريخ، بعد كل هذا النضال، هل هذه هي النتيجة، هل هذا هو المصير؟

أحمد منصور: كنت تشعر أن الثورة الفلسطينية انتهت..

شفيق الحوت: من بحر إلى بحر آخر، وسرت في طريقي إلى المنزل الذي لم أقم به سوى أيام لأنه اضطرتني الأحداث مرة أخرى إلى أن أغادره بحثًا عن ملجأ آخر.

أحمد منصور: لماذا اختار عرفات أثينا وليس أي دولة عربية في رحيله؟

شفيق الحوت: هو ما اخترش أثينا، هو اختار تونس ولكن كان خط السير يفترض الوقفة في أثينا، يعني لم يكن خيارًا سياسيًا كما حاول البعض أن يفسره.

أحمد منصور: رحل المقاتلون إلى سوريا والعراق.

شفيق الحوت: لأنه الطريق.. والطريق البري كان عبر سوريا ولم تكن العلاقة بين سوريا ومنظمة التحرير في تلك الفترة تسمح له أن.. أن يختار البر سبيلاً له.

أحمد منصور: سوريا والعراق والأردن والجزائر وتونس طبعًا أخذت المقاتلين الفلسطينيين.

شفيق الحوت: السودان واليمن..

أحمد منصور: يعني الآن انتهت الثورة الفلسطينية.

شفيق الحوت: في تقديري وهذا لا.. لم تقر به الفصائل الوطنية الفلسطينية المختلفة، في رأيي إنه انتهت هذه المرحلة.

أحمد منصور: مرحلة الكفاح المسلح.

شفيق الحوت: مرحلة منظمة التحرير الفلسطينية، استراتيجيتها إن كان هنالك استراتيجية التي اتبعتها حتى رحيلها من لبنان، ولكن للأسف أن أركان المنظمة من الفصائل ومن شخصيات المنظمة الكبرى استمرت فترة طويلة، لا أقول تحلم بالعودة في لبنان بقدر ما أنها لم تستطع أن تخرج من الحلم في لبنان.

أحمد منصور: بقيت أنت في لبنان ما الذي بقي لبنان ما الذي بقي معك؟

شفيق الحوت: معي لم يبق شيء.

أحمد منصور: 350 ألف فلسطيني.

شفيق الحوت: لا العدد..لا تقرب العدد، لا تقرب العدد، لأن العدد سر مقدس لا يعرفه أحد إلا الله سبحانه وتعالى، لكن أعرف أنني تركت مع مجموعة من الشعب الفلسطيني بحاجة إلى كل شيء، مصابة مدمرة ، مخيمات معطلة، جرحى، معاقين…

أحمد منصور: كنت تستشعر حجم المسؤولية على عاتقك.

شفيق الحوت: يعني … يعني..

أحمد منصور: الأهم من كل ده هو الرواسب والأحقاد وبقايا الحروب؟

شفيق الحوت: هو يعني.. يعني أقول حتى.. حتى هذه هي يمكن كان الواحد يقدر بفهمهما، وبدأت حتى الاتصال في..في الدوائر الرسمية، بعد انتخاب.

أحمد منصور: يشير الجميل.

شفيق الحوت: بشير الجميل.


اغتيال بشير الجميل رئيس الدولة اللبنانية

أحمد منصور: انتخب بشير الجميل في 23 أغسطس رئيسًا للبنان بدلا من إلياس سركيس، توترت العلاقات بينه وبين الإسرائيليين، بعد ذلك بعدما بدأ يشعر إنه رئيس دولة في 14 سبتمبر 82 تم تدمير مقر حزب الكتائب حيث قتل الرئيس المنتخب بشير الجميل مع 85 آخرين بين قتيل وجريح من أعضاء حزبه واجتمع مجلس النواب على عجل، واختار أمين الجميل شقيقه الأكبر منه في 21 سبتمبر رئيساً للبنان، تقيمك أيه لبشير الجميل؟

شفيق الحوت: بشير الجميل إفراز طبيعي لظروف غير طبيعية، يعني هو شاب في مستقبل الحياة.. مقتبل الحياة، كان من الطبيعي أن يقف المواقف التي اتخذها والتي تتسم بشيء كثير من التطرف، يعني بشير فاق والده، المعروف تاريخياً بالتطرف الشيخ بيير جميل، طبعًا كان المقارنة بينه وبين الشيخ أمين إنه فرق كبير إنه كان أمين محسوب إنه ضد الاتجاه العربي بينما بشير ضد اتجاه إسرائيلي أو الخيار الإسرائيلي كان شاب متحمس…

أحمد منصور: لكن تعتقد إنه هذا الخيار بدأ يتغير بعد ما انتخب رئيس؟

شفيق الحوت: أنا بأعتقد إنه بدأ يتغير بعد.

أحمد منصور: وإنه ربما رفع الغطاء الإسرائيلي عنه هو الذي أدى إلى اغتياله.

شفيق الحوت: ليس هذا بعيدًا على الإطلاق، لأنه برضو الإسرائيليين ما أنهم عباقرة آخر زمان وكانوا يعني يظنوا أنهم باستطاعتهم أن يقولوا للشيء كن فيكون، هو كان بصدد التوقيع معاهدة لاشك، ولكن أراد منهم مهلة إنه يهيأ الرأي العام اللبناني، ويعني إذا الرأي العام المسيحي كان مهيَّأ للصلح، الرأي العام المسلم لم يكن مهيأً بعد للصلح، وكان فيه قوة وطنية، وكان لسه منظمة التحرير رغم رحيلها الرسمي ما زالت موجودة في الساحة، وبدليل في 83 جاء أبو عمار في محاولة أخرى ودخل لبنان عن طريق طرابلس.

أحمد منصور: آه، دي قصة ثانية.

شفيق الحوت: وهادي قصة تانية، ولكن يعني إنه الوجود الآخر كان مازال قائما، فمن الطبيعي كان أن يكون حذرًا الشيخ بشير في رفض الإقدام على توقيع المعاهدة سريعة مع إسرائيل، كان يسقط فورًا.

أحمد منصور: اتهم الحزب القومي السوري بقتله، صحيح ؟

شفيق الحوت: والله أخوه أَوْلَى بالسؤال هذا، أخوه الشيخ أمين يعني استلم الحكم ورئاسة الجمهورية 6 سنين، ولم يقل .. ما يقل ..ما يشير بغير ذلك، فأنا لا أدري هل هناك دائماً تدور السؤال من قتل الشيخ بشير، في المجالس، ولكن ما حداً قدر أن يحسم من قتله غير الرواية التي تقول عن أحد أعضاء الحزب السوري القومي الاجتماعي، والذي ألقي القبض عليه، وحقق معه من قبل القوات اللبنانية، وحقق معه من قبل الدولة اللبنانية، وكان في سجن (رومية) إلى أن فر من السجن فيما بعد وما زال فاراً؟

أحمد منصور: في 15 سبتمبر 1982م دخل جيش الدفاع الإسرائيلي كما يسمى بيروت بحجة حماية المدنيين الفلسطينيين من انتقام المسلحين الموارنة يعني.. يعني شيء عجيب جدًا هذا الإعلان، وخلال 48 ساعة كان هناك مقاومة عنيفة ليه، لكن لم يتمكن الإسرائيليون من دخول بيروت الغربية إلا بعد خروج الفلسطينيين منها؟

شفيق الحوت: هذا صحيح.. هذا صحيح.

أحمد منصور: لم يتمكن شارون من السيطرة على بيروت الغربية إلا بعد ما أُلقي السلاح وخرج المقاتلون.

شفيق الحوت: هذا صحيح.

أحمد منصور: في 16 سبتمبر وقع مقر منظمة التحرير الفلسطينية في أيدي الإسرائيليين وأصبح مقرًا صهيونياً.

شفيق الحوت: صحيح..

أحمد منصور: كنت أنت هائماً على وجهك في الشوارع تبحث عن مأوى.

شفيق الحوت: صحيح، عن مأوى، في 15 كنت في منزلي ثم .. حتى الساعة التاسعة مساءًا لم يكن قد تأكد نبأ اغتيال الشيخ بشير الجميل ثم يعني اتُصِل بي من قِبَل شخص من الجيش اللبناني وقال لي أنصحك بمغادرة البيت لأن الشيخ بشير قد توفي، يعني كانت الإشاعة إنه كان…

أحمد منصور: وطبعًا ما كانش حد متخيل.. صدمة.. عمل صدمة هائلة..

شفيق الحوت: أدركت إنه سيكون لها رد فعل هائل ومخيف، وقررت أن أغادر البيت، لكن كانت يعني انتصف الليل ولا أعرف إلى أين أذهب وزوجتي قررت البقاء، وهي الأخرى من مواليد القدس وقررت هي أن لا تهاجر بيتها مرة أخرى، وأن لا تغادر مكتبتها التي تعتز بها، ففي الصباح وأنا أسكن قريبًا من منطقة الفكهاني، فوجئت من شباك منزلي بأن الدبابات الإسرائيلية أصبحت على بعد أمتار من المنزل، يعني كان قد تم القرار بدخول المنطقة الغربية، فذهبت وقصدت وزيرًا كان في حكومة الوزان المرحوم الدكتور عبد الرحمن اللبان كان صديقًا لي، ولجأت ساعات عنده، ثم في بيت مقابل له لي أصدقاء لجأت عندهم فترة طويلة من الزمن.

أحمد منصور: ظلت تتنقل من مكان إلى آخر، شعورك أيه وأنت كنت مطارد؟

شفيق الحوت: والله يا أخ أحمد كان شعور يعني مختلط، فيه يأس المقاتل، وفيه فروسية المغامر، وفيه خوف المواطن، وفيه حسرة معرفة الصديق وقت الضيق، يعني بيروت أنا لي فيها يعني الكثير من الأصدقاء والكثير من الأحباء والكثير من الأقرباء، ولكنني كنت أضن بأن أزورهم و أطلب اللجوء إليهم، لكني كنت أعرف أن وجودي عندهم عبء خصوصًا عندما علمت وتأكدت بأن إسرائيل تبحث عني، وهذا ما حدث بالفعل في الثامن عشر أو التاسع عشر من شهر أيلول عندما دخل الإسرائيليون منزلي بحثاً عني.

أحمد منصور: روت لي زوجتك ما دار بينها وبينهم.

شفيق الحوت: يعني كان حوارًا لا بأس به، أما المفارقة..

أحمد منصور: وأنت كتبته في "لحظات لها تاريخ"، لكني سمعت القصة منها مباشرة.

شفيق الحوت: آه نعم، سُئِلَت هل تشهدين بأننا كنا حضاريين معك، ولم نمسَّك ولم .. مع أنهم قلبوا البيت فوقاني تحياتي، قالت لهم أشهد لكن لا أعرف ماذا تفعلون بالخارج؟


مجزرة صبرا وشاتيلا

أحمد منصور: في الخارج كانت صبرا وشاتيلا في 15 ، 16 سبتمبر 1982.

شفيق الحوت: كانت صبرا وشاتيلا، و 17 ، 18.

أحمد منصور: اجتمع (رافائيل إيتان) وأمير الدروري قائد الجبهة الشمالية في جيش الدفاع الإسرائليي مع مسؤول الاستخبارات في القوات اللبنانية إيلي حبيقة وضباط موارنة آخرون، (قصاد) المذبحة إحصاءات متعددة ، لكن لجنة دولية مستقلة أعلنت إن العدد النهائي للقتلى 2750 قتيل، وشارون في مذكراته بيبين إنه بريء وغلبان، وإنه فوجئ من صحفي اتصل عليه، وقال له إن فيه حاجة حصلت، أو إن فيه مذبحة حصلت، لكن هو لا يعلم عنها شيء، مع إن لجنة تحقيق إسرائيلية أدانته بعد كده في هذا الموضوع.

شفيق الحوت: أنا سعيد أنه زوجتي استطاعت في الأيام التي تلت المجزرة أن تزور المنطقة وأن تسجل…

أحمد منصور: هي الآن بتوثق كتاب عنها.

شفيق الحوت: نعم، وسيصدر إن شاء الله في خلال أشهر قليلة، عندها شهادات حوالي 150 شاهد عيان، بالكاسيتات، بالصوت الحي يعني، وتروي القصة.

أحمد منصور: أعتقد أنه سيكون كتاب هام.

شفيق الحوت: أعتقد لأنه كُتب الكثير، ولكن لم يكن دقيقاً معظم ما كتب عن مأساة العصر.

أحمد منصور: في 26 سبتمبر 82 بدأ خروج القوات الإسرائيلية من بيروت، 29 انسحبوا للضواحي الجنوبية، أيه رؤيتك للمحصلة النهائية للاجتياح الإسرائيلي للبنان في العام 82.

شفيق الحوت: لا أدري إذا كان في المدى البعيد ممكن، يعني الآن فيه كثير من الإسرائيليين حتى يعتقدون أن غزو لبنان كان خطيئة إسرائيل، وخطأً كبيرًا، أولاً لأنه هم اللي يعني الإنسان عندهم عزيز هم بيعتبروا إنه الحرب اللبنانية كلفتهم أكتر من…

أحمد منصور: طبعًا قُتل من عندهم 418 جندي وجرح 2383 حسب تصريحاتهم هم، ووزير الاقتصاد الإسرائيلي جاد يعقوبي قال: إن خسائر إسرائيل المباشرة تقدر بملياري دولار مباشرة و 1.5 مليار دولار..

شفيق الحوت: هم المصاري مش مشكلة أميركا بتعوض.

أحمد منصور: صح.

شفيق الحوت: بس الإنسان الإسرائيلي عزيز عليهم، ولذلك بيقال إن (بيجين) أصيب بالاكتئاب Clinical depression بسبب عدد الضحايا الذين وقعوا في لبنان.


تقييم الأداء الفلسطيني في حرب لبنان

أحمد منصور: أيه تقويمك للأداء الفلسطيني في الحرب؟

شفيق الحوت: متوسط أقرب إلى السيئ، لكن هنالك شرارات يعني أو لحظات كان فيها بطولات ليست غريبة عن الشعب الفلسطني على أي حال وعلى الشعب..

أحمد منصور: كان ينتظر من المنظمة كجيش منظم في جمهورية الفكهاني أسسته إنه يكون.. تكون موقفها كقوى منظمة أفضل من ذلك.

شفيق الحوت: يعني أنا بأعتقد إنه.. إنه ..إنه كونها قوى منظمة هو سر ضعفها، ما كان يجب أن ..أن تنحى منظمة التحرير عسكريًا باتجاه إنشاء قوات نظامية وقوات بحاجة إلى ثكنات وإلى مقرات لأسلحة وعتاد ثقيل، كانت بحاجة إلى أسلحة خفيفة ومتوسطة وإلى أسلحة مقاومة للدرع والدبابات، يعني أكثر من هيك كان يعود سلبًا على.. على الثورة الفلسطينية، بدلاً من أن يعودوا..

أحمد منصور: لماذا لم تعتمدوا مبدأ المحاسبة وتقيموا أداءكم بشكل أفضل من أجل الأجيال القادمة، وهذه المليارات التي جاءت، والأداء السيئ الناس كوفئوا الناس اللي انسحبوا وهزموا كوفئوا بعد ذلك يعني.

شفيق الحوت: صح، ومن الأسف يعني جرت محاولة في أول مجلس وطني عقد في الجزائر في أعقاب الحرب 83 وكانت فيه يعني بدايات تذمر حقيقة.

أحمد منصور: فبراير 83.

شفيق الحوت: نعم، وأستطيع بكل فخر أن أقول: أنني كنت أحد طلائع الذين قاموا بانتقاد شبه كامل إلى ما جرى في لبنان وإلى ضرورة إيجاد نهج جديد واستراتيجية جديدة للعمل الفدائي والعمل الثوري الفلسطيني وبتعرف هنا بدأ كذلك بذور الانشقاق في.. في فتح، ربما نتيجة لمكافحة أو رغبة الناس في مكافحة الفساد.

أحمد منصور: دا الفساد دلوقتي تأصل وبقي..

شفيق الحوت: قام..قام ما يسمى بالانتفاضة، انتفاضة فتح، وظن البعض أن هذه الانتفاضة قد تكون هي السبيل، ولكنها أثبتت أنها مش قد الحمل اللي ادعته، وتحولت إلى تنظيم آخر من جملة هذه التنظيمات التي في النهاية أصبحت تشكل عبئًا أكثر مما هي يعني لمصلحة الشعب الفلسطيني.

أحمد منصور: في 22 أغسطس 93، أي قبل أسبوعين من الاعتراف المتبادل بين حكومة إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية اتخذت قرارك بتعليق عضويتك في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، اتصل بك ياسر عرفات في 23 أغسطس، هل أطلعك على ما يدور سرًا آنذاك؟

شفيق الحوت: لا بالعكس، بالعكس أخفى مش أنا يعني.. وحدي كان هنالك العديد يعني أبو اللطف اللي هو.

أحمد منصور: وزير خارجية فلسطين..

شفيق الحوت: وزير خارجية فلسطين، وجاء لي أبو اللطف يعني يسألنى لماذا استقلت ..علقت عضويتي؟ قلت لهم هنالك أحاديث عن لقاءات سرية، قال: شو بدك في هذا الحكي ما فهمني، وكان جاء إلى لبنان في أوائل أيلول، سبتمبر حيث كان هنالك اجتماع لدولة الطوق.

أحمد منصور: وزراء خارجية دول الطوق.

شفيق الحوت: ومعه صائب عريقات الصديق الحميم.. صائب، وزاروني، وكنت أنا يعني..

أحمد منصور: وكلاهما لم يكونا يعرفا شيء؟

شفيق الحوت: لم .. لم يكونا على علم بما يجري .

أحمد منصور: هو ..هو في النهاية صائب عريقات كبير المفاوضين.

شفيق الحوت: وهذا كبير المفاوضيين، فلم يكن.. لأ، كان أبو عمار متحفظًا على العديد من أعضاء ما يُسمى بالقيادة الفلسطينية.

أحمد منصور: تقييمك لده أيه؟ أنتو ناس شركاء الآن القضية مش قضية قضية شخص قضية شعب، قضية أمة.

شفيق الحوت: هذا النهج غلط، نهج غلط أسلوب غلط ومش نحن بس يا أخ أحمد من المؤسف.. من المؤسف أنا يعني أستطيع أن أقول ذلك عن خبرة أن الكثير من الدول العربية ما يعرفه الرئيس لا يعرفه رئيس الوزراء وحتى وزراء خارجيته، يعني يحتفظ الرجل الأول دائمًا في قمة الهرم بالكثير من الأسرار لنفسه، لا أقول هذا تبريرًا.

أحمد منصور: مبدأ المحاسبة..

شفيق الحوت: لو كنت أرضي به لارتضيت به، ولكني لم أرضَ به.


تقييم السلطة الفلسطينية بعد اتفاق أوسلو

أحمد منصور: في سبتمبر تم إعلان رسائل الاعتراف بين عرفات ورابين وأعلن عن اتفاق مبادئ غزة وأريحا، 13 سبتمبر تم توقيع الاتفاقية في احتفال مثير في البيت الأبيض، بدأت ترتيبات الحكم الذاتي في مايو 94، دخل عرفات غزة في يوليو 94، تقييمك أيه للسلطة الفلسطينية بعدما يقرب من 10 سنوات الآن؟

شفيق الحوت: وصف أبو عمار اتفاقية أوسلو بأنها ورد أحمر الخدين، وعندما ساهمت في المجلس المركزي الذي أقر للأسف باتفاقية أوسلو وصفتها بأنها يعني قلت له: يا أخ أبو عمار ابحث عن هذا الورد الأحمر الخدين فقرأت الاتفاقية فلم أر إلا سعدانًا أحمر الردفين وفنَّدت هذه الاتفاقية التي جاءت الأيام الحقيقة لتثبت.. لتثبت أن الخلل بدأ في توقيعنا على اتفاقية أوسلو، بدأ التفريط الذي نشهد بعض آثاره حتى هذه اللحظة، يعني أبو عمار في رسالة التعارف للأسف أنا لا أريد أن أنكأ جراحًا وأنا معه في.. ضد إسرائيل ومعه في حصاره، ولكن هو أبو عمار وافق على أنه أن.. أن .. عدم اللجوء إلى العنف، رسائل الاعتراف وأنه سيتولى المقاومة…

أحمد منصور: الآن.. الانتفاضة بتدان من قيادات السلطة الفلسطينية.

شفيق الحوت: آه طبعًا، ومن هنا كان.. وبعدين.

أحمد منصور: وأصبحت المقاومة الآن ضد الشعب.

شفيق الحوت: وبعدين اعترف بإسرائيل مقابل شو؟ كان أبو عمار دفع الحساب مسبقًا أكثر من اللازم، حساباته لم تكن هذه المرة -لكي لا أقول أي كلام آخر- دقيقة، يعني حتى اعترافه.. اعتراف إسرائيل في المنظمة اللي ظنه ياسر عرفات في ذلك الوقت كسب..لم يكن كسبًا، إسرائيل حتى هذه اللحظة تستطيع أن تسحب اعترافها من منظمة التحرير، بل سحبته بينما العكس لا يستطيعه ياسر عرفات حسب اتفاقية (مونتفيديو) سنة 1933، ثم تبع ذلك من الاتفاقيات يعني تنازل وراء تنازل، تراجع، وراء تراجع حتى وصلنا إلى وقفة الاستحقاق النهائي عندما.. وهذا كان رهان الكثيرين من شباب فتح الأوفياء والطيبين، يعني ومنهم فك الله أسره، الأخ مروان البرغوثي اللي مرة حاورته في إحدى الفضائيات وكان يعني ابن فتح ومؤيدًا للرئيس عرفات وسياسته، لكن كان مراهنًا وقال لي في حينه: يا أخ شفيق عندما نصل إلى القضايا الأساسية إلى مسألة الحدود، إلى مسألة السيادة إلى مسألة الوطن، إلى مسألة القدس، إلى مسألة العائدين، وكان كل هذه القضايا مؤجلة..

أحمد منصور: هم وصلوا لحاجة أصلا؟

شفيق الحوت: لا، يعني عندما يصل الزمن في طرحهم على الأجندة سيكون لنا وقفة، طبعًا هو وقف وقواعد كثيرة من فتح وقفت، والآن نصف الانتفاضة فتح يعني ما حداً يقدر ينكر ذلك، القيادة لا زالت للأسف تراوح وتراهن على نفس النهج الذي اتبعته في أوسلو وهو نهج التنازل والرضا، يعني..

أحمد منصور: وأنت الآن ..وأنت الآن تستقبل بعد أيام عامك الثاني والسبعين أطال الله عمرك.

شفيق الحوت: الله يخليك.

أحمد منصور: مسيرة 55 عام من النضال، كيف تنظر لهذه المسيرة الطويلة؟

شفيق الحوت: والله يا أخ أحمد يعني ينتابني شعور مختلط، يعني أنا أشعر بالغضب، وأشعر بالحزن، وأشعر بالإحباط وأشعر بالأمل، وكلها أشياء يعني تبدو متناقضة، ولكنها ليست في واقعها إلا انعكاس للواقع الذي نحياه.. يعني أنا بينما أجد شبابًا في عمر الربيع يقدمون على عمليات استشهادية في الوقت الذي أسمع بعض القادة التاريخيين يقولون إن عسكرة الانتفاضة كان خطيئةً كبرى ودمرت كل آمال الشعب الفلسطيني، أجد نفسي بين نقيضين واحد محبط وواحد يبعث الأمل.

الذي لا شك فيه أخ أحمد، أننا.. جيلنا حاول، له أجر، وربما يعني كان يستحق أجران ولكن من كثرة ما أخطأ له أجر واحد وهو أنه حاول، أنا أنتمي إلى جيل استقبل نكبة 48، وخرج من لا شيء وحاول أن يسترد هذا الوطن.

أحمد منصور: وصيتك أيه للجيل القادم؟

شفيق الحوت: الجيل القادم.

أحمد منصور: واللي عايش الآن بيقاتل.

شفيق الحوت: أولاً: أن يتمسك بالثوابت، ولكن يدرك أن هذه الثوابت لا تتحقق بصاروخ واحدًا وبدفعة واحدة وأن لا يكون الإنسان أناني ويظن أن النصر سيتم ربما في حياته، معركتنا مع العدو معركة أجيال ستحتاج إلى وقت طويل ويجب أن -بطبيعة الأمر- أن تتمرحل، وأن نعرف كيف أن نتعايش مع هذا التمرحل النضالي حتى نصل إلى تحقيق أهدافنا، أنصح بأن يتمسكوا بضرورية .. بضرورة الديمقراطية داخل التنظيم أنا أستطيع القول أنه حتى هذه اللحظة لا يوجد تنظيم فلسطيني ديمقراطي، بدليل إنه مازال الأبوات أبوات، الأمناء العامين أمناء عامين، يأخذون على الغير بقاؤهم في السلطة وهم في السلطة المقابلة مازالوا على ما كانوا عليه، ضرورة التغيير، تداول القيادة والسلطة هو ما أنصح به، يجب.. نحن القضية قائمة ومستمرة، يجب أن تتداول الأجيال قيادة هذه القضية.

وفي قناعتي أنه طالما هنالك قهر وظلم لن يستطيع المجتمع الدولي أن يجد الحل المقبول لهم في الصراع المستمر، وأقول الحل المقبول ولم أقل الحل العادل، لأن الحل العادل هو الحل الاستراتيجي الذي يقول بأن فلسطين.. كل فلسطين عربية ومن حق الشعب الفلسطيني أن يعود إليها وأن تعود إليه.

أحمد منصور: أستاذ شفيق، أشكرًك شكرًا جزيلاً، أرهقتك طوال ثلاثة أسابيع.

شفيق الحوت: شكرًا لك، الفضل يعني في أسئلتك وفي إثارتك للذاكرة.

أحمد منصور: أشكرك على هذه الشهادة، وأتمنى أن تكون نافعة سواء للذين عاشوا أحداثها أو الأجيال التي ستأتي فيما بعد.

كما أشكركم مشاهدينا الكرام على حُسن متابعتكم، حتى ألقاكم في حلقة قادمة مع شاهد جديد على العصر، هذا أحمد منصور يحييكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المصدر : الجزيرة