ثورة اليمن ودور مصر كما يراه البيضاني ح 1
مقدم الحلقة | أحمد منصـور |
ضيف الحلقة | عبد الرحمن البيضاني – نائب الرئيس اليمني الأسبق |
تاريخ الحلقة | 09/07/2001 |
– نشأة الدكتور البيضاني في مصر ودراسته بها
– انقلاب عبد الله الوزير سنة 48 وأسباب فشله
– عودته إلى اليمن وطموحه في الإصلاح
– عودته إلى القاهرة وعمله بالسفارة اليمنية
أحمد منصور: يعتبر الدكتور عبد الرحمن البيضاني واحداً من أبرز الشخصيات السياسية اليمنية إثارة للجدل، لا سيما في الدور الذي لعبه خلال حقبتي الخمسينيات والستينيات. ولد الدكتور عبد الرحمن المراد البيضاني في مدينة القاهرة عام 1926م لأب يمني جاء للدراسة في الأزهر، وأم مصرية.
حصل على ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة، وفي نفس الوقت على شهادة الدراسات في الفلسفة والمنطق وعلم النفس من الجامعة الأميركية في القاهرة عام 1950. وكان أول يمني يحصل على شهادة جامعية آنذاك.
استدعاه الإمام أحمد إلى اليمن عام 1950م بعد تخرجه من الجامعة، وكانت هذه هي المرة الأولى التي تطأ فيها قدماه أرض اليمن منذ ولادته في القاهرة عام 1926م.
سعى للتقرب من الأمير البدر نجل الإمام أحمد، كما كلف من الإمام للقيام بأدوار مختلفة وذلك في الفترة بين عامي 50 و 55، منها أنه عين مستشاراً للمفوضية اليمنية في القاهرة، ومشرفاً على البعثات التعليمية اليمنية في مصر، ومندوباً لليمن لدى الجامعة العربية، وممثلاً لوفد اليمن في مؤتمر وزراء الاقتصاد والمال العرب.
وفي هذه الفترة حصل على دبلوم الدراسات العليا في الاقتصاد السياسي من جامعة القاهرة عام 52، كما حصل على دبلوم الدراسات العليا في الشريعة الإسلامية عام 53.
عُيِّن في العام 55 قائماً بأعمال المفوضية اليمنية في ألمانيا وحتى العام 59، حيث حصل على الدبلوم في العلوم الاقتصادية والسياسية من جامعة (بون) في ألمانيا.
ثم حصل بعد ذلك على الدكتوراة في الاقتصاد والتنظيم والإدارة من نفس الجامعة أيضاً عام 61. غير أن الإمام كان قد استدعاه للعودة من ألمانيا إلى اليمن عام 59 حيث عين وزيراً مفوضاً في سفارة اليمن في الخرطوم، ثم مستشاراً اقتصادياً للإمام عام 60، ثم ساءت علاقته بالإمام فهرب إلى مصر وشارك من القاهرة في الترتيب لثورة اليمن التي قامت في السادس والعشرين من سبتمبر عام 62، حيث عُيِّن نائباً لرئيس مجلس قيادة الثورة، ثم نائباً لرئيس الجمهورية ورئيساً للوزراء ووزيراً للخارجية.
ويشير المراقبون إلى أن قربة الشديد من القيادة المصرية آنذاك قد ساعده في ذلك، فسرعان ما بدأت المشاكل تدب بينه وبين القيادة اليمنية والتي انتهت بطلب أرسله عبد الله السلال –رئيس الجمهورية- في يناير عام 63 إلى عبد الناصر أي بعد حوالي ثلاثة أشهر ونصف فقط قضاها البيضاني في السلطة يطلب فيه من عبد الناصر إبقاء البيضاني في مصر، وذلك في أعقاب مهمة كان السلال قد كلف البيضاني بها في القاهرة التي كان قد وصلها بالفعل، ورغم إبقاء عبد الناصر للبيضاني في القاهرة وعدم عودته لليمن آنذاك إلا أن البيضاني ظل قريباً من القيادة المصرية ومتابعاً لملف العلاقات المصرية اليمنية من قريب، حتى أن عبد الناصر عينه سفيراً لليمن في بيروت في العام 66. وهنا تكمن أهمية شهادة الدكتور عبد الرحمن البيضاني، فرغم أنه قضى فترة قصيرة في السلطة بعد قيام الثورة إلا أنه كان شاهداً أساسياً على مراحل قيام الثورة اليمنية لا سيما الدور المصري فيها، وكذلك مراحل التدخل العسكري المصري في اليمن التي يعتبر حتى الآن أحد الأحداث الكبرى التي وقعت في عهد عبد الناصر، حيث يعتبر التدخل العسكري المصري في اليمن في رأي كثير من المراقبين أحد الأسباب الرئيسية لهزيمة العام 67، وكما يعتبر الكثيرون داخل اليمن وخارجه أن شخصية الدكتور عبد الرحمن البيضاني شخصية مثيرة للجدل، فقد كانت شهادته كذلك شهادة مثيرة للجدل.
* * *
أحمد منصور: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً بكم في حلقة جديدة مع شاهد جديد على العصر. شاهدنا على العصر في هذه الحلقة والحلقات القادمة معالي الدكتور عبد الرحمن المراد البيضاني (نائب رئيس مجلس قيادة ثورة اليمني الأسبق، ونائب رئيس الجمهورية، ورئيس الوزراء، ووزراء الخارجية).
سعادة النائب مرحباً بك.
د. عبد الرحمن البيضاني: أهلاً وسهلاً.
نشأة الدكتور البيضاني في مصر ودراسته بها
أحمد منصور: أود أن أبدأ معك من القاهرة حيث ولدت في العام 1926 لتحدثنا في البداية عن طفولتك ونشأتك والمؤثرات الأولى في حياتك.
د. عبد الرحمن البيضاني: بدأت نشأتي في كنف أبي الذي كان قد وصل من اليمن سنة 1897م وهو طفل في التاسعة من عمره من قبيلة مراد ليدرس في الأزهر، ثم تزوج في مصر وأنجبني..
أحمد منصور: تزوج مصرية؟
د. عبد الرحمن البيضاني: مصرية، وكان مع مجموعة من اليمنيين، وكانوا دائماً يجتمعون في بيت السيد "حسن البار" عميد الأسرة اليمنية في القاهرة.
أحمد منصور: اليمنيين مشهورين بالهجرة وبالترحال وتقريباً يملأون العالم، هل جاء إلى مصر بنية الهجرة أم بنية الدراسة؟
د. عبد الرحمن البيضاني: بنية الدراسة.
أحمد منصور: على أن يعود مرة أخرى إلى اليمن؟
د. عبد الرحمن البيضاني: على أن يعود مرة أخرى إلى اليمن.
أحمد منصور: لكنه بقي فيها.
د. عبد الرحمن البيضاني: بقي فيها انتظاراً لانتهاء تعليمي في مصر ثم يعود معي إلى اليمن.
أحمد منصور: أم لارتباطه بزوجة مصرية؟
د. عبد الرحمن البيضاني: لأ، هو طبعاً كان سيأخذ زوجته المصرية معه إلى اليمن، وهي كانت مستعدة على هذا، وتوفى قبل أن أنهي دراستي.
أحمد منصور: كم كان عمرك حينما توفى؟
د. عبد الرحمن البيضاني: حوالي 14 سنة.. عاماً.
أحمد منصور: يعني 1940.
د. عبد الرحمن البيضاني: 1940 بالضبط.
أحمد منصور: في أي سنة دراسية كنت؟
د. عبد الرحمن البيضاني: كنت في السنة الثالثة في مدرسة التجارة المتوسطة.
أحمد منصور: هل كان لك أشقاء أو إخوةً؟
د. عبد الرحمن البيضاني: ثلاثة بنات أكبر مني سناً، وشقيق سبقني في الميلاد وسبقني في الوفاة وهو طفل.
أحمد منصور: نعم، في هذه الفترة الأولى من حياتك 1926 إلى 1940م حيث توفي والدك كانت هناك جالية يمنية موجودة في مصر لا سيما من التجار ومن غيرهم. صلة أبيك بهؤلاء وأيضاً صلتك أنت بهم.
د. عبد الرحمن البيضاني: هم جاؤوا جميعاً في مجموعة واحدة، في وقت واحد للدراسة في الأزهر، وكان تحويل النقود من اليمن إلى مصر مستحيل في تلك الأيام، لا توجد بنوك، ولا توجد صناديق توفير، ولا.. شيء من ذلك، ولذلك كان أهل الأبناء اليمنيين يرسلون إليهم كل عام بن يمني لبيعه في مصر لتكملة نفقات الأزهر، أما الأزهر فكان مكتفلاً بإقامة جميع الطلبة سواءً يمنيين أو غير يمنيين، كان متكفلاً بإقامتهم وإعاشتهم..
أحمد منصور: في الأروقة التي لا زالت موجودة إلى الآن.
د. عبد الرحمن البيضاني: في الأروقة التي لا تزال موجودة حتى هذه اللحظة. بعضهم استثمر هذا.. تجارة البن وتفرغ للتجارة، وبعضهم تفرغ للعلم، وكان أبي من الذين تفرغوا للعلم، وكان أول من تخرج من الأزهر من اليمنيين في تلك الأيام.
أحمد منصور: يعني كان عمرك 14 عاماً، توفي والدك وأنت غريب يعني لست في بلدك.. فمن الذي تكفل بك بعد ذلك؟
د. عبد الرحمن البيضاني: تكفلت بي أمي وأخوالي في مصر، وكان قد زرع والدي الطموح في نفسي، طموح العلم، لأنه كان يأخذني دائماً معه في الجلسات الرمضانية في بيت السيد حسن البار (كبير المجموعة اليمنية في القاهرة، الجالية اليمنية في القاهرة) وكان دائم التحدث عن اليمن وتاريخ اليمن، وكان يحدثهم في البخاري وصحيح البخاري وابن مسلم وما إلى ذلك في أيام رمضان. تبدأ الأحاديث من وقت الإفطار حتى السحور، وكان حريصاً على أن يسألني عما سمعت وحذارِ أن أكون قد نسيت كلمة قالها في تلك الساعات الطوال، طوال الجلسة التي كانت تبدأ من المغرب حتى الفجر.
أحمد منصور: هل كان هناك أقران لك يمنيون أيضاً يعيشون مع أهلهم هنا؟
د. عبد الرحمن البيضاني: نعم.
أحمد منصور: تذكر منهم أحداً؟
د. عبد الرحمن البيضاني: أذكر منهم حسين.. حسين البار وآخرين.
أحمد منصور: في العام 1946م حصلت على دبلوم التجارة وعلى شهادة الثانوية العامة أو التوجيهية في ذلك الوقت في آن واحد.
د. عبد الرحمن البيضاني: نعم.
أحمد منصور: يعني كنت تدرس دراسة مزدوجة؟
د. عبد الرحمن البيضاني: هو الوالد كان حريص على أن أستعجل في الدراسة ويعود معي إلى اليمن، ولذلك اختصر الطريق.
أحمد منصور: تعود معه أنت، نعم.
د. عبد الرحمن البيضاني: معه، ولذلك اختصر الطريق.
أحمد منصور: يعني كان يخطط للعودة.
د. عبد الرحم البيضاني: للعودة، ولذلك أختصر الطريق، وأدخلني مدرسة التجارة المتوسطة. وعندما توفى وأنا في الثالثة في مدرسة التجارة المتوسطة تبينت أن الدراسة في التجارة المتوسطة لا يمن أن تصلح لمن يتأهل.. يشترك في إصلاح شعب، وقيل لي في ذلك الوقت أن الحل الوحيد هو الالتحاق بكلية الحقوق، كلية الحقوق تحتاج إلى التوجيهية في تلك الأيام، والتوجيهية تحتاج إلى الثقافة.
أحمد منصور: ما هذا المفهوم الذي ذكرته؟
د. عبد الرحمن البيضاني: نعم؟
أحمد منصور: ما هو تفسيرك لهذا المفهوم الذي ذكرته أن شهادة دبلوم التجارة لا تصلح لمن يريد إصلاح شعب؟
د. عبد الرحمن البيضاني: لأن دبلوم التجارة منحصر في.. في المحاسبة وإدارة الأعمال.
أحمد منصور: يعني هل كان واضح لديك في تلك الفترة ما الذي كنت تريده؟
د. عبد الرحمن البيضاني: كنت أتمنى طبعاً إصلاح اليمن لأني سمعت من الوالد ومن..
أحمد منصور [مقاطعاً]: لكنك لو تولد فيها، ولم تر شيئاً منها إلى هذه اللحظة.
د. عبد الرحمن البيضاني: ولكن سمعت عنها.
أحمد منصور: سمعت عنها كما يسمع أي أحد عنها.
د. عبد الرحمن البيضاني: نحن الآن مسلمون وسمعنا عن الإسلام وأصبحنا مسلمين، ليس بالضرورة أن نكون في عهد الرسول حتى نكون مسلمين.
أحمد منصور: في تلك الفترة كنت تؤهل نفسك دراسياً وعلمياً حتى نعود إلى اليمن؟
د. عبد الرحمن البيضاني: حتى أعود إلى اليمن، نعم.
أحمد منصور: ما الذي سمعته عن اليمن في تلك المرحلة؟
د. عبد الرحمن البيضاني: سمعت عن اليمن في تلك الأيام أن اليمن كانت ذات حضارة عريقة ذكرها القرآن، سمعت عن اليمن أن جيوش معاوية عندما فتح الشام كانت معظمها من اليمن.
أحمد منصور: هذا في التاريخ، لكن أنا أسألك عن العام 46 تعديداً.
د. عبد الرحمن البيضاني: نعم، لما سمعت عن أمجاد اليمن كان يقال في تلك الأيام في الجلسات الرمضانية عن أحوال اليمن في تلك الأيام وهي.
أحمد منصور: كيف كان.. ما الذي سمعته؟
د. عبد الرحمن البيضاني: سمعت أن اليمن تعيش في حالة من الفقر، في حالة من التخلف، في حالة من الجهل، في حالة من الانعزال، تعيش في كهف مظلم يكاد لا يراه.. يراه أحد.
أحمد منصور: وما الذي يدفعك وأنت تعيش في القاهرة إلى أن تفكر في العودة وقد عاش أبوك هنا، أخوالك مصريون، أنت ولدت ونشأت وترعرعت هنا؟
د. عبد الرحمن البيضاني: فعلاً هذا سؤال مهم، ولكن أجدادي في اليمن وأصلي من اليمن.
أحمد منصور: لا يعرفونك.
د. عبد الرحمن البيضاني: ولكنني منسوب.. منسوب إليهم، ومهما عشت في أي بلد غريبة سيقال أنني من الغرباء، علماً بأن شهادة الوالد في الأزهر العالمية في الأزهر الدكتوراة التي حصل عليها في الأزهر مكتوب عليها "شهادة العالمية للغرباء"،حتى الوالد كان يعتبر نفسه غريب، وكل من كان في مصر من غير المصريين كان يعتبر نفسه غريب.
أحمد مصور: لا، مصر كانت تحتضن الجميع.
د. عبد الرحمن البيضاني: نعم، مصر كانت تحتضن الجميع ولكن.
أحمد منصور: ولازالت ألقاب الناس إلى الآن في مصر تحمل أصولهم التي جاءوا منها.
د. عبد الرحمن البيضاني: نعم حصل فعلاً، ولكن أن بأتكلم عن حقبة انتهت في سنة 40، في سنة 40 كانت شهادة الوالد التي حصل عليها سنة 17 مكتوب عليها –هي موجودة عندي في الصالون- موجود عليها "شهادة العالمية الغرباء"، وكان الوالد يشعرني دائماً بأننا نحن غرباء، ويجب أن نعود إلى اليمن و..
أحمد منصور: هل كان لك أي صلات باليمن حتى ذلك الوقت؟
د. عبد الرحم البيضاني: صلاتي بالإخوة اليمنيين الموجودين في القاهرة.
أحمد منصور: لكن صلتك أيه بعائلتك وقبيلتك؟
د. عبد الرحمن البيضاني: كانت.. كان يتردد على القاهرة عدد كبير من اليمنيين وكنت أجلس معهم وأنا صغير.. بلا جدال.
أحمد منصور: لكن القبيلة نفسها لم يكن لها صلة بك إلى ذلك الوقت.
د. عبد الرحمن البيضاني: كانت القبيلة متصلة بالوالد، لأن أنا طفل.
أحمد منصور: بعد ما حصلت على الدبلوم والثانوية العامة أو التوجيهية في عام 1946.
د. عبد الرحمن البيضاني: لأ، ولما حصلت على.. لما كنت في التجارة المتوسطة سنة.. في أو في السنة الثالثة قيل لي أن في استطاعتي أن أدرس نظام الأربع سنوات في الثقافة، نظام الأربع سنوات، وكان و.. في تلك الأيام الوقت في مارس سنة 44، والامتحان كان في مايو أو يونية 44، يعني باقي 4 شهور أو 5 شهور على امتحان الثقافة نظام الأربع سنوات في وقت واحد، دخلت وجازفت، والحمد لله حصلت على.. على الثقافة نظام الأربع سنين في 4 شهور، وفي السنة التالية حصلت على دبلوم التجارة المتوسطة بالإضافة إلى التوجيهية، وأخدت مجموع في تلك الأيام كان مجموع عالي وهو 70.5% أدخلني كلية الحقوق مجاناً.
أحمد منصور: هل أنت.. أنت الذي اخترت كلية الحقوق؟
د. عبد الرحمن البيضاني: نعم، لأن كان في تلك الأيام المعروف أن كلية الحقوق هي التي تخرج السياسيين.
أحمد منصور: في تلك الأيام.
د. عبد الرحمن البيضاني: في تلك الأيام.
أحمد منصور: نعم، وجدت حينما التحقت بالكلية أنها تشبع طموحاتك؟
د. عبد الرحمن البيضاني: وجدت أنها تشبع طموحاتي، ولكني وجدت أنها ينقصها دراسة الفلسفة والمنطق وعلم النفس،ولذلك التحقت بالجامعة الأميركية مساءً.
أحمد منصور: بعد ذلك.. في نفس.
د. عبد الرحمن البيضاني: في نفس الوقت.
أحمد منصور: الوقت الذي درست فيه؟
د. عبد الرحمن البيضاني: في نفس الوقت اللي كنت أدرس.. كنت أدرس صباحاً في كلية الحقوق، ما أنا تعودت وأنا في دبلوم التجارة المتوسطة أن أدرس منهجين في وقت واحد. ثانوية عامة وتجارة، فو أنا طالب في كلية الحقوق وجدت إن الوقت يعني يتسع لأن أدرس في المساء فلسفة ومنطق وعلم نفس في الجامعة الأميركية.
أحمد منصور: كيف كانت صلتك باليمن وأنت الآن أصبحت في الجامعة، الجامعة كانت تموج بالتيارات والحركات السياسة؟ لأبقى بداية في إطار علاقتك باليمن في ذلك الوقت.
د. عبد الرحمن البيضاني: كان وصل في تلك الأيام 40 طالب يمني كانوا يدرسون في الثانوية في بيروت، وصلوا إلى القاهرة.
أحمد منصور: تذكر منهم من؟
د. عبد الرحمن البيضاني: محمد.. كلهم أصدقائي، محمد.. ومعظمهم اشترك معانا في الثورة.
أحمد منصور: مثل من؟
د. عبد الرحمن البيضاني: محمد قائد سيف، عبد اللطيف ضيف الله، عبد الله جزيلان، محمد الأهنومي، علي سيف الخولاني، وعدد كبير منهم.
أحمد منصور: في 22.
د. عبد الرحمن البيضاني: ولا يزال.. معظمهم لا يزال على قيد الحياة.
أحمد منصور: هل هؤلاء جاؤوا من أرض اليمن ولدوا في اليمن، ترعرعوا في اليمن جاءوا بقضايا وهموم بلدهم؟
د. عبد الرحمن البيضاني: نعم.
أحمد منصور: في الوقت الذي لم تولد أنت فيه في اليمن ولم تذهب إليها حتى هذه اللحظة، مجرد أنهم يمنيون مثل أصولك أنت اليمنية، لكن كيف كانت علاقتك بهم؟
د. عبد الرحمن البيضاني: هم لما وصلوا من بيروت إلى القاهرة أصدقاء الوالد في القاهرة طلبوا من ولي عهد اليمن في تلك الأيام الأمير أحمد، سيف الإسلام أحمد الذي تولى الإمامة بعد وفاة أبيه، طلبوا منه إلحاقي في..ضمن البعثة، كنت في تلك الأيام في السنة الأولى.
أحمد منصور: حتى يتكفل بك مادياً.
د. عبد الرحمن البيضاني: حتى يتكفل بي مادياً.
أحمد منصور: لكن أخوالك كانوا يتكلفوا بك إلى هذه اللحظة؟
د. عبد الرحمن البيضاني: إلى حدٍ ما لأني كنت أعمل، كان عندي.. بدأت أفتح مكتب للمحاسبة.
أحمد منصور: وأنت في ذلك السن.
د. عبد الرحمن البيضاني: وأتعيش على حساب.. على حسابي الشخصي، فتحت مكتب للمحاسبة لأني كنت دبلوم تجارة متوسطة، فتحت مكتب.. افتتحت مكتب للمحاسبة وكنت أتعايش على حسابي الشخصي، ولكن..
أحمد منصور: وتدرس في نفس الوقت.
د. عبد الرحمن البيضاني: وأدرس في نفس الوقت.
أحمد منصور: في كلية الحقوق صباحاً وفي الجامعة الأميركية مساءً.
د. عبد الرحمن البيضاني: نعم، نعم، وبعدها تكفل بي الإمام، ولما تكفل بي الإمام أغلقت المكتب.. مكتب المحاسبة.
أحمد منصور: كان الموارد كافياً؟
د. عبد الرحمن البيضاني: كان المورد كافياً.
[فاصل إعلاني]
انقلاب عبد الله الوزير سنة 48 وفشله
أحمد منصور: في 22 سبتمبر 1948م وقع انقلاب عبد الله الوزير في اليمن الذي لم يقدر له أن يكتمل، كيف كان وقع هذا عليكم هنا في القاهرة؟
د. عبد الرحمن البيضاني: آثار في جميع الطلبة الأمل.. أحيا الأمل.
أحمد منصور: أي أمل؟
د. عبد الرحمن البيضاني: أمل في إصلاح اليمن، يعني مجرد التغيير في اليمن حتى لو فشل، أي تغيير حتى لو فشل يعتبر في اتجاه للتغيير، في اتجاه نحو الأفضل.
أحمد منصور: لكن في تصورك إيه الأسباب اللي أدت إلى فشله؟
د. عبد الرحمن البيضاني: لم تكن له مقومات النجاح أصلاً، أصلاً لم تكن له مقومات النجاح.
أحمد منصور: لكن هو كان شكل من أشكال الرفض؟
د. عبد الرحمن البيضاني: أشكال الرفض، ولكن على.. على نفس وتيرة الرفض الذي استمر ألف.. مائة عام.. مائة عام، كل إمام يأتي مشرح يرشح نفسه للإمامة يدعي أنه مصلح، وبعد أن يتولى.. يجمع حوله عدد من المصلحين أو المتطلعين للإصلاح ثم بعد ذلك بعد ما يصل إلى.. الإمامة ينقلب على عقبيه.
أحمد منصور: إيه مفهوم الإصلاح في ذلك الوقت؟
د. عبد الرحمن البيضاني: مجرد الكف عن الظلم حتى وضع اليمن في وضع يعني..
أحمد منصور: كانت الإمامة مرتبطة بالظلم والجور؟
د. عبد الرحمن البيضاني: مرتبطة بالظلم والجور والتفرقة العنصرية والتفرقة الطائفية.
أحمد منصور: التي أنت متهم بها بعد ذلك حينما آتي إلى هنا.
د. عبد الرحمن البيضاني: ولذلك إذا حبيت تتكلم فيها الآن أتكلم.
أحمد منصور: لن أتكلم إلا في وقتها.
د. عبد الرحمن البيضاني: نؤجلها، ماشي، نؤجلها كما شئت.
أحمد منصور: فشل الانقلاب وأعدم.
د. عبد الرحمن البيضاني: أنا جاهز.
أحمد منصور فشل الانقلاب وأعدم القائمون عليه.
د. عبد الرحمن البيضاني: نعم.
أحمد منصور: تأثير ذلك إيه على طلاب الإصلاح أو دعاته؟
د. عبد الرحمن البيضاني: أولاً، عن نفسي أنا كنت متأكد أنه.. سيفشل مثل ما فشل عدد كبير من محاولات الانقلاب خلال ألف ومائة عام طوال الحكم الإمامي في اليمن، فكان محكوم عليه بالفشل مؤكد.
أحمد منصور: 1950.
د. عبد الرحمن البيضاني: وشرح أسبابه قد تحتاج وقت، إذا أردت، إذا كان لديك وقت مستعد أشرح أسبابه.
أحمد منصور: هو لأنك لم تكن شاهداً عليه ولم تكن جزءاً فيه.
د. عبد الرحمن البيضاني: لا أنا أعرف ومتطلع على كل كبيرة وصغيرة.
أحمد منصور: تطلعت بالسماع وليس بالمشاركة.
د. عبد الرحمن البيضاني: بالسماع وبالاتصالات.. الرسائل مع زملائي اليمنيين وبمراقبة التاريخ.
أحمد منصور: طيب، أوجز لي أسباب فشله باختصار.
د. عبد الرحمن البيضاني: أنت لما تبحث عن أسباب ثورة.. فشل ثورة فرنسا.. الثورة الفرنسية وأسباب قيامها لا.. لا.. ليس بالضرورة أن تكون عشت في أيام الثورة.
أحمد منصور: لكن هنا في هذا البرنامج نحن نقتصر مع الشهود على ما عاشوه وعلى ما يرتبط بهم.
د. عبد الرحمن البيضاني: أنا يعني بأجزم بأنني كنت مطلع على كبيرة وصغيرة في فشل انقلاب 48، لأني كنت أسمع هذا من اليمنيين العائدين من اليمن، بالإضافة إلى إن قبل ما أن يقوم الانقلاب كان.. كانت هنالك دراسات بين الطبلة اليمنيين ومناقشات بين الطلبة اليمنيين.. كيف يمكن أن يتم الإصلاح؟
أحمد منصور: لمعلومة المشاهدين أرجو أن تحدث بإيجاز تام عن الأسباب التي أدت إلى فشل انقلاب 1948 الذي قادة عبد الله الوزير ضد الإمام؟
د. عبد الرحمن البيضاني: أولاً، قاد الانقلاب على أساس إمام، يحل محل إمام على أساس النظام.. نفس النظام، يعني هم أخطأوا في فهم نظرية سقراط لما قال: إن الظلم يولد.. يولد الثورة، لم يتبينوا أن الظلم وحده لا يكفي، معرفة أسباب الظلم هي التي تؤدي فعلاً إلى الثورة وليس مجرد الظلم، الشعب اليمني كان مظلوم ألف سنة، لكنه كان لا يعرف سبب ظلمه، وهو النظام الإمامي وليست شخص الإمام، ولذلك عندما قام بانقلاب عبد الله الوزير لم.. أنا لا أسميه ثورة لأن قام على أسس نفس النظام الذي كان قائماً، هذه واحدة.
ثانياً: لم يكن هنالك وعي حتى.. يبشروا فعلاً بالإصلاح في اليمن لما قالوا: سنعلن الدستور. الإمام أحمد أو ولي عهد اللي كان يحاول أن يسترد ملك أبيه أشاع إن "الدستور" رجل قتل الإمام يحيى.. قتل والده، فهجمت القبائل على صنعاء تبحث عن "الدستور" وتريد قتله!!! فالوعي لم يكن متوفر لمجرد كلمة "دستور"، لم يختاروا الألفاظ ولم يختاروا المعاني التي ممكن أن تؤدي إلى التفاف الشعب حول هذا الانقلاب. لو قالوا "إلغاء الامتيازات الهاشمية"، لو قالوا "إلغاء الامتيازات الطائفية"، لو قالوا "إعلان المساواة العامة بين جميع أبناء اليمن"، لو قالوا أن لا يمكن.. لن يكون في اليمن مواطن درجة أولى ومواطن درجة ثانية".
أحمد منصور: اليمن ليست فيها درجات.
د. عبد الرحمن البيضاني: نعم، لأ فيها، كان فيها قبل ثورة 26 سبتمبر هي قامت من أجل هذا السبب بالذات، يعني هذا هو سبب قيام ثورة 26 سبتمبر.
أحمد منصور: سنأتي لها بالتفصيل.
د. عبد الرحمن البيضاني: هنأتي لها بالتفصيل، لو قالوا هذا كان ممكن جداً إن الشعب يلتف حولها، لكن لم يكن.
أحمد منصور: لكن الشعب كيف.. كيف يلتف الشعب وأنت نقول لم يكن هناك الوعي الكافي ولم تكن هناك المقومات التي يمكن أن تؤدي إلى نجاح الانقلاب؟ كما أنه كان لربما –يعني- بيوصف انقلاب حسني الزعيم في سوريا 1949، بأنه أول انقلاب قام في الدول العربية، كأن اليمن هنا سبقت في محاولات الانقلاب.
د. عبد الرحمن البيضاني: نعم، اليمن سبقت مش بانقلاب عبد الله الوزيران فيه عشرات سبقت انقلاب عبد الله الوزير، وكلها فشلت. ولما أقول الوعي كان غير كافي لا أقول أن الوعي العام، أنا أقول الوعي للتغيير الذي حدث في.. حدث في.. في سبتمبر 48 والذي يشعر بيه كل يمني في تلك الأيام هو التفرقة العنصرية والتفرقة الطائفية، هذا الوعي الذي.
أحمد منصور [مقاطعاً]: ماذا تقصد –هنا تحديداً- بالتفرقة العنصرية؟
د. عبد الرحمن البيضاني: إذا حبيت تتكلم فيها الآن أو نؤجلها كما شئت.
أحمد منصور: أنا أريد بس المفهوم الذي تقصده؟
د. عبد الرحمن البيضاني: المذهب الزيدي وهو مذهب سمح جداً وأقرب المذاهب الشيعية إلى الإسلام.. إلى إلى..
أحمد منصور: أهل السنة.
د. عبد الرحمن البيضاني: المذاهب.. المذاهب السنة، يقول: أن الأفضل أن يكون الإمام من سلالة فاطمة.. من السلالة الهاشمية، ولكن إذا وجد الأصلح من أبناء الشعب فالأصلح يجب الأفضل، هذه نظريته. ولكن للأسف الشديد الإمام الهادي بن الحسين كان في.. مقيم في جدة في.. في المدينة، وحصلت في اليمن اضطرابات نتيجة.
أحمد منصور [مقاطعاً]: مش عايز أدخل في تاريخ، لكن هنا إحنا الآن فيه شوافع في اليمن وفيه زيدية في اليمن.
د. عبد الرحمن البيضاني: نعم.
أحمد منصور: الزيدية كانوا يتبعوا نظام الإمامة.
د. عبد الرحمن البيضاني: والشوافع مرغمين على اتباع نظام الإمامة.
أحمد منصور: إذاً التطبيق السيئ كان من الأئمة وليس من المذاهب.
د. عبد الرحمن البيضاني: بالضبط، هذا ما أريد أن أقوله، المذهب.. المذهب سمح جداً.
أحمد منصور: التطبيق السيئ، التطبيق السيئ إذاً من الأئمة يعني إذاً ظلم وجور من أي إمام أو حاكم.
د. عبد الرحمن البيضاني: نعم، وليس من المذهب.
أحمد منصور: كما هو ظلم موجود من كل الحكام الذين يمكن أن.
د. عبد الرحمن البيضاني: لأ، وحرفوا الإسلام، يعني الإسلام يقول: (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين) الآية 40 من سورة الأحزاب.
أحمد منصور: الآن انتهى النظام، بس.. يعني أنا هنا بس حبيت أفهم منك مفهوم عدم المساواة الذي تقصده: في أن الزيدية هم الذين كانوا يحكمون وبالتالي أنت تعتبرهم قد حرموا أهل السنة أو الشوافع من بعض امتيازاتهم في المواطنة.
د. عبد الرحمن البيضاني: وليس كل الزيدية، وليس كل الزيدية.
أحمد منصور: نقطة حساسة وبتضرب على وتر حساس في اليمن، وإذا تكلمنا فيها أو حينما نفتحها في حينها نفتحها بالشكل.
د. عبد الرحمن البيضاني: بالتفصيل.
أحمد منصور: الذي يفهمها الناس فيه بشكل دقيق.
د. عبد الرحمن البيضاني: تماماً.
أحمد منصور: تخرجت من الجامعة في عام 1950م، في نفس الوقت الذي حصلت فيه على ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة حصلت على.. ليسانس الفلسفة وعلم النفس وعلم الاجتماع من الجامعة الأميركية. كنت أول يمني يتخرج من الجامعة؟
د. عبد الرحمن البيضاني: نعم.
أحمد منصور: استدعيت من الإمام أحمد إلى اليمن ووصلت إليها في 25 أكتوبر 1950م؟
د. عبد الرحمن البيضاني: نعم، حصل.
أحمد منصور: وكانت المرة الأولى في حياتك التي ترى فيها أرض اليمن وعمرك 24 عاماً؟
د. عبد الرحمن البيضاني: تماماً.
أحمد منصور: قضية الانتماء هنا كيف تتحقق؟
د. عبد الرحمن البيضاني: أول ما وصلت إلى.. "تعز" حيث يوجد الإمام قبَّلت أرض اليمن.. أرض المطار.
أحمد منصور: الإمام هنا انتقل إلى تعز بعد محاولة الانقلاب عليه في صنعا سنة 48.
د. عبد الرحمن البيضاني: هو أصلاً كان في تعز أصلاً أيام الانقلاب كان في تعز، لو كان في صنعا كان ممكن أن يقتل، لكن أصلاً كان في تعز وقت قيام الانقلاب في 48 في صنعاء، وبقي في تعز واستقر في تعز، ورفض أن أو.. هي زار مرة واحدة صنعاء طوال حياته بعد الانقلاب، فأنا وصلت إلى تعز فعلاً قبلت أرض المطار، والتقيت بالإمام أحمد، ثم التقيت بابنه سمو الأمير البدر رحمهم الله جميعاً.
أحمد منصور: قبل أن أسألك عن تفاصيل اللقاءات، حينما درست في الجامعة من 46 على 1950 كانت الحركة السياسية في مصر تموج بكثير من الأفكار والاتجاهات ألم تنتمي إلى أي اتجاه سياسي؟
د. عبد الرحمن البيضاني: في الحقيقة كنا طلبة كلنا في الجامعة، وكان حزب الوفد هو حزب.. الحزب المسيطر على معظم الطلبة اليمنيين، وأذكر أني خرجت في مظاهرة جامعة نهتف بوحدة مصر والسودان، وكنت أنا في تلك الأيام محمول على الأعناق فوق كوبري عباس وأخطب وأقول: النيل لا يتجزأ، ثم أصب بعيار ناري واعتقلت في.. إحدى حجرات مستشفى القصر العيني.
أحمد منصور: سنة كام؟
د. عبد الرحمن البيضاني: أعتقد سنة 47. ثم تولى الدفاع عن الطلبة المعتقلين، أنا كنت معتقل في.. المستشفى للإصابة، الباقي كانوا معتقلين في السجون، كان محامي عن الطلبة جميعاً محمود سمير الغنام الوزير الوفدي المعروف، ثم أفرج عن الجميع وأطلق سراح الجميع و..
أحمد منصور: يعني تريد أن تقول أن ميولك كانت وفدية أم أنه مصادفة اشتركت في مظاهرة وأصبت؟
د. عبد الرحمن البيضاني: أنا كنت –يعني- أقدس الكلمة التي قالها مصطفى النحاس، عندما قال.. ألغي معاهدة 36 وقال: تقطع يدي ولا تقطع السودان.
أحمد منصور: سنة 51 الكلام ده.
د. عبد الرحمن البيضاني: هذا.. هذا.. هذا قاله.
أحمد منصور: طيب إحنا الآن في سنة 47.
د. عبد الرحمن البيضاني: فأنا.. نعم، يعني والنحاس يعني النحاس قال هذا الكلام وكانت في طوال مدة حكمه كان معروف إن السرايا ضد الوفد والوفد ضد السرايا، حزب السعديين وحزب الكتلة وما إلى ذلك كانوا يعني في تلك الأيام يعني يستخدمون.
أحمد منصور: ده الجو السياسي العام، لكن أنا أسألك عن انتمائك أنت السياسي.
د. عبد الرحمن البيضاني: أنا لم أنتمي، لم أنتمي.. كانتماء حزبي لأي حزب، ولكن كنت أتعاطف مع الميول الوطنية التي كان يمثلها حزب الوفد في تلك الأيام.
أحمد منصور: حينما جاء الطلبة اليمنيون إلى مصر أيضاً انخرط بعضهم في بعض الاتجاهات السياسية الموجودة.
د. عبد الرحمن البيضاني: بعضهم اختلط.. ارتبط بحزب البعث لأن هو أقدم من الحزب.. هو أقدم من قيام ثورة 26.. ثورة 23 يولية، بعضهم التقى ارتبط بحزب البعث، وعندما عينت أنا في القاهرة سكرتير أول للسفارة اليمنية، ثم مستشاراً للسفارة اليمنية بالقاهرة، ومندوباً.. ونائباً للمندوب اليمني لدى الجامعة الدول العربية، أضاف الإمام إليَّ مسؤولية الإشراف عن جميع الطلبة اليمنيين..
أحمد منصور [مقاطعاً]: مرحلة لاحقة، أنا بأسألك برضو عن –حتى لا أقفز على المراحل- أنا في الفترة من 46 إلى 50 حيث كنت تدرس أنت في الجامعة.
د. عبد الرحمن البيضاني: ما أنا بأتكلم عن انتماءات بعض الطلبة الذين.. بعضهم أندمج مع حزب البعث.
أحمد منصور: يعني واضح من تلك المرحلة إلى إنك لم تدخل في انتماءات عميقة مع أي اتجاه.
د. عبد الرحمن البيضاني: إطلاقاً، لا إطلاقاً.
أحمد منصور: فقط كنت تشارك في بعض المظاهرات الوطنية العامة؟
د. عبد الرحمن البيضاني: نعم، كأي طالب موجود في القاهرة، وكان فيه طلبة عرب أيضاً يشتركون في هذه المظاهرات.
عودته إلى اليمن وطموحه في الإصلاح
أحمد منصور: كيف تمت؟ كيف تمت عملية استدعائك إلى اليمن من قبل الإمام أحمد؟ من الذي أبلغك بالاستدعاء؟
د. عبد الرحمن البيضاني: بعد ما حصلت على ليسانس الحقوق وأخذت ليسانس الحقوق بدرجة شرف الحمد لله، كان الوزير المفوض اليمني السيد علي المؤيد رحمه الله، وهذا أعتبره أستاذي زعيمي و.. بمثابة أبي، الوزير المفوض، وكنت عندما كنت.. عندما كنت في كلية الحقوق كنت أمضي بعض.. بعضاً من الوقت في السفارة اليمنية أترجم له ما يشاء من ترجمة، وأقدم له بعضا لتقارير التي يريد من إعدادها، فنشأت بيننا صداقة وأنا طالب.
أحمد منصور: إيه نوعية التقارير اللي كان بيطلب منك إعدادها؟
د. عبد الرحمن البيضاني: نعم؟
أحمد منصور: ما هي نوعية التقارير؟
د. عبد الرحمن البيضاني: لأنه كان هو مندوب اليمن في الجامعة العربي، وكانت فيه لجان.. اللجان القانونية والشؤون الاجتماعية، اللجان الاقتصادية، فكل هذا كان يحتاج إلى.. إعداد فكنت أساعده في هذا الإعداد، فبمجرد ما حصلت على ليسانس الحقوق بدرجة شرف.. أقام حفل كبير جداً في السفارة اليمنية احتفالاً بتخريج أول طالب يمني في تاريخ اليمن من الجامعة، وحضره أعضاء الجالية اليمنية في القاهرة والطلبة اليمنيين في القاهرة، ثم استدعاني..
أحمد منصور: عددهم كان كام تقريباً في تلك الفترة؟
د. عبد الرحمن البيضاني: نعم؟
أحمد منصور: كم كان عددهم؟
د. عبد الرحمن البيضاني: يعني لا يتجاوز خمسين واحد، ثم طلبني الإمام بناءً على.. معرفة.. معرفته بأني حصل على ليسانس الحقوق وانتهى المفروض في نظره انتهى تعليمي، دوري التعليمي، فوصلت إلى اليمن بناءً على طلبه.
أحمد منصور: يعني الذي أبلغ الإمام هو الوزير المفوض؟
د. عبد الرحمن البيضاني: الوزير المفوض أبلغه بحصولي على الشهادة و..
أحمد منصور: كان الإمام يعرف أنك لم ترً أرض اليمن من قبل؟
د. عبد الرحمن البيضاني: يعلم هذا طبعاً.
أحمد منصور: أنت حينما طُلبتَ للعودة إلى اليمن، ماذا كان في ذهنك ورأسك؟
د. عبد الرحمن البيضاني: كان في ذهني أن الحلم بدأ يتحقق.
أحمد منصور: أي حلم وأنت ستكون أحد يعني واحد من حاشية الإمام؟
د. عبد الرحمن البيضاني: نعم، حتى لو كنت خادم من خدم الإمام فيكون عندي حلم في تطوير اليمن، هل كان.. هل كان عبد الناصر..
أحمد منصور [مقاطعاً]: كيف تتطور من خلال نظام أصلاً أنت تعتبره نظام استبدادي؟
د. عبد الرحم البيضاني: هل كان عبد الناصر وزيراً حتى قام بثورة 23 يوليو؟
أحمد منصور: ليس لي علاقة بعبد الناصر، أنا في إطار اليمن الآن.
د. عبد الرحمن البيضاني: يعني..، من يريد أن يحلم له الحق أن يحلم.
أحمد منصور: كانت أحلامك إيه؟
د. عبد الرحمن البيضاني: أحلامي أن تتطور اليمن.
أحمد منصور: إيه مفهوم التطور في ذلك الوقت؟
د. عبد الرحمن البيضاني: أن.. أن تكون مثل سائر الدول العربية المتحضرة على الأقل.
أحمد منصور: حينما لقيت الإمام كانت المرة الأولى التي تراه؟
د. عبد الرحمن البيضاني: نعم.
أحمد منصور: انطباعك إيه كان عنه؟
د. عبد الرحمن البيضاني: انطباعي عنه إنه في الأول.. فوجئ بشخص يمني.. جاءه من القاهرة، وأنا أخطأت في تلك الأيام إن كانت معي حقيبة صغيرة حقيبة ورق صغيرة، وكنت واضع فيها تقرير عن إصلاح اليمن.
أحمد منصور: دون أن ترى اليمن؟
د. عبد الرحمن البيضاني: دون أن أرى.
أحمد منصور: بالسماع.
د. عبد الرحمن البيضاني: قواعد الإصلاح معروفة، قواعد الإصلاح..
أحمد منصور: لكن قواعد الإصلاح لابد أن تنبع.
د. عبد الرحمن البيضاني: أن تطبق.
أحمد منصور: أن تنبع أن تنبع من واقع المجتمع.
د. عبد الرحمن البيضاني: أنا في الطريق إليك، في الطريق إليك.
أحمد منصور: نعم.
د. عبد الرحمن البيضاني: قواعد الإصلاح معروفة منها النظريات الاقتصادية المعروفة، وعندما الإنسان يدرسها.. يدرسها ثم يأتي الأرض الواقع ليحاول التوفيق بينها وكيف يمكن تطبيق هذه النظريات على أرض الواقع؟ وكيف يمكن أن يعدل في هذه النظريات احتراماً للواقع وواقع الطبيعة؟ لأن الطبيعة يجب أن ينبع منها.. وينبثق منها وسائل إصلاح، ولكن وسائل الإصلاح لا تنبت شيطانياً، تنبت من منح ومن فكر ارتبط بالنظريات الاقتصادية يعلم، يعني لا يمكن إنك أنت تأتي بـ.. بشخص جاهل وتقول له: عالج مريض، لابد أن يكون متخرج من كلية طب حتى يكون متعلم طب وبعدها يأتي إلى المريض ليعالجه، فأنا كنت دارس نظريات معينة ومتهيئ وعندي معلومات، يعني لا أقول كافية ولكن معلومات تكفي –على الأقل- لأن أضع فكرة مبدئية لإصلاح اليمن. وضعت هذه الفكرة في حقيبة ورقي ودخلت على الإمام، وتصافحنا وقبلت ركبته كما هي عادة كل اليمنيين.
أحمد منصور: ركبته!!
د. عبد الرحمن البيضاني: ركبته، كما هي عادة، وإلا كنت أفصل، هذه عادة اليمنيين في تلك الأيام، لابد من تقبيل ركبة الإمام وركبة أي واحد من الهاشميين، هذا كان.. هذا كان من ضمن.. يعني الأشياء.
أحمد منصور: البروتكول يعني.
د. عبد الرحمن البيضاني: بروتكول، المفروض الذي يقال أنه المفروض دينياً، والحقيقة أنه مفروض ظلماً وعدواناً المهم.
أحمد منصور: انتهى خلاص.
د. عبد الرحمن البيضاني: المهم، بعدها.. فوجئت بالإمام بينصرف من الغرفة.
أحمد منصور: بعد ما سلم عليك.
د. عبد الرحمن البيضاني: بعد ما سلم، جلسنا عشر دقائق بالضبط.
أحمد منصور: إيه اللي دار في العشر دقائق؟
د. عبد الرحمن البيضاني: ما.. كيف أحوال مصر؟ كيف درست؟ كيف كان الوالد؟ كيف كذا؟ إلى آخره، أشياء من العاديات كلها كلام عادي جداً، لكن لم أتكلم في أي إصلاح في تلك الوقت في هذا..
أحمد منصور: يعني على طول نازل بالبراشوت على الإصلاح؟!
د. عبد الرحمن البيضاني: نعم؟
أحمد منصور: يعني حضرتك جاي له بعد 24 سنة لم تر فيها البلد أول كلام على الإصلاح؟!!!
د. عبد الرحمن البيضاني: وما هو المانع؟ طالما إن أنا أول خريج جامعي في تاريخ اليمن وجئت إلى اليمن، وهو يعلم إن أن طالب في كلية الحقوق ومتخرج من كلية الحقوق، ماذا سأقول للإمام؟ سأقول له عيني إمام مسجد؟!!
أحمد منصور: تعرف على وضع البلد أولاً، وبعد ذلك قدم ما شئت.
د. عبد الرحمن البيضاني: لأ، لابد أن أفتكر أفكر في إن أنا أبدأ، يعني يجب أن.. نكون نقطة بداية إن أفتح موضع الإصلاح معه، فإذا وجدت إنه مستعد ومتجاوب الإصلاح عندئذ أبدأ في البحث عن الوسائل الأخرى التي يمكن أن تؤدي إلى هذا الإصلاح.
أحمد منصور: تركك وذهب إلى الغرفة الأخرى.
د. عبد الرحمن البيضاني: تركني وذهب وخرج، ثم علمت أنني أخطأت حين حملت معي حقيبة.. حقيبة فيها ورق، فظن أنها فيها قنبلة، وهذا كان خطأ، كان يجب أن أضع الحقيبة على الباب.
أحمد منصور: هو طبعاً الهاجس الأمني بالنسبة له كان خطير.
د. عبد الرحم البيضاني: نعم.
أحمد منصور: كل واحد ممكن داخل عليه حتى يقتله.
د. عبد الرحمن البيضاني: أبلغوني الأصدقاء اليمنيين في صنعا.. في تعز أنك أخطأت حين أخذت هذه الحقيبة معك، عندما تدخل للإمام ادخل منفرداً لا تحمل شيئاً، فكان هذا أول خطأ.
أحمد منصور: طب ما هو قعد عشر دقائق، كانت كافية لتفجير القنبلة.
د. عبد الرحمن البيضاني: يعني هو انصرف أنا بأحكي واقع.
أحمد منصور: ماذا حدث بعد؟
د. عبد الرحمن البيضاني: بعدها دعاني الإمام بعد 3 أيام، راح وصلت إلى اليمن وكنت فعلاً بدون أي أوراق، بدون أي.
أحمد منصور: إلى تعز تقصد.
د. عبد الرحمن البيضاني: وتحدثت معه عن بعض أفكار إصلاحية، لأن الأحرار في الخارج..
أحمد منصور: هل كان هو الإمام له أي رغبة في الإصلاح؟
د. عبد الرحمن البيضاني: أنا، ما أنا في الطريق إلى هذا الكلام، يعني كانت في تلك الأيام الإمام متأثر إن إحنا لاحظ إن أنا وصلت إلى صنعاء بعد عامين اتنين من انقلاب 48، يعني لا يزال الجو مشحون بكلمة "إصلاح إصلاح إصلاح إصلاح"، الأحرار اليمنيين.. اللي أفلتوا من سيف الإمام في في صنعاء وصلوا إلى عدن، وصلوا بعضهم وصل إلى باكستان وبعضه وصلوا إلى القاهرة..
أحمد منصور: وبدؤوا كتبوا ويصدروا بعض المنشورات؟
د. عبد الرحمن البيضاني: مثلاً، فكلمة إصلاح ليست غريبة على الإمام، والإمام يعني.
أحمد منصور: لم تكن لك صلة بأي من هؤلاء؟
د. عبد الرحمن البيضاني: كان لي صلة جيدة بالجميع.
أحمد منصور: من الذي كنت على صلة به؟
د. عبد الرحمن البيضاني: أحمد نعمان..
أحمد منصور: في القاهرة كان يصدر هو والزبيري.
د. عبد الرحمن البيضاني: الزبيري كان لا يزال في باكستان في تلك الأيام، فالمهم في الموضوع إن الإمام كان متشوق –في.. في نظري أنا- أن يسمع كلم إصلاح من شخص قريب إليه وكان بينفق عليه في التعليم ومستعد إنه يكون أحد أعوانه، فلما يأتي هذا الكلام من أحد أعوانه أفضل مما يأتي يسمعه من أعدائه.
أحمد منصور: لم تكن تخشى بطشه؟
د. عبد الرحمن البيضاني: كنت أخشى بشطه ولكن كنت حريص كل الحرص على أن أكون مترفقاً في كل كلمة أقولها.
أحمد منصور: تفتكر بإيجاز إيه اللي أنت قدمته كمشروع إصلاحي في ذلك الوقت؟
د. عبد الرحم البيضاني: قلت: إن الإصلاح في اليمن يحتاج إلى.. إلى.. إعادة النظر في عملية التجارة أولاً، لأن التجارة كان فيها احتكار، احتكار للحكومة، الحكومة كانت محتكرة كل التجارة، والاحتكار كان في يد.. في جيب الإمام، والإمام معاه اتنين تلاتة من التجار اللي بيصرفوا.. بيتولوا كل شيء بالنيابة عن الإمام، ففي نفس الوقت إن لا يمكن هتأتي للإمام وتقول له: نصلح الوضع السياسي، لأن يبدأ.. أي إصلاح اقتصادي لابد أن يبدأ بإصلاح سياسي..
أحمد منصور [مقاطعاً]: وهل كان هناك استيعاب لمثل هذه الأفكار في ذلك الوقت؟
د. عبد الرحمن البيضاني: مجرد الكلام مع الإمام، فيه كلام مع الإمام وفيه كلام مع البدر، الكلام اللي كان مع الإمام كان محصور في عملية التجارة، لأنه هو تاجر، يعني كان بيتاجر بشؤون اليمن، بيتاجر بكل –يعني مثلاً جبل الملح في "الصريف" منجم الملح في الصريف وهو من أكبر مناجم العالم في الملح الحجري، كان الإمام يحتكره، الإمام يحتكر معظم تجارة اليمن من خلال بعض التجار.
أحمد منصور: الأمير البدر كان له أي سلطان في ذلك الوقت؟
د. عبد الرحمن البيضاني: يعني بعد ما انتهى موضوع الإمام، أنا هأحكي بس هأكمل موضوع الإمام إني كانت كلامي أنا مع الإمام كلام مختصر فيما يتعلق بما يعني أرى أنه ممكن أن يدخل في ذهنه ويقتنع به ويفرح به.
أحمد منصور: ماذا كان رد فعله؟
د. عبد الرحم البيضاني: رد فعله إنه مستعد، مستعد لهذا الإصلاح، الإصلاح التجاري والإصلاح الزراعي والإصلاح إلى آخره، ولما التقيت بالبدر كان موضوع آخر.
أحمد منصور: ما هو الموضوع الآخر؟
د. عبد الرحمن البيضاني: البدر أولاً يصغرني سناً.. أولاً يصغرني سناً.
ثانياً: كان متطلع إلى ولاية العهد بينما كان المرشح لولاية العهد عمه الأمير سيف الزاملي حسن، وكانت القبائل معظمها مع الحسن، وكان الأمير عبد الله أخو الأخ الأصغر.. أصغر من حسن كان يتردد دائماً على الولايات المتحدة الأميركية، وقيل في تلك الأيام أن الولايات المتحدة الأميركية تفضل أن يكون الأمير عبد الله هو الإمام، ولم يذكر أحد البدر، البدر كان صغير.. أصغر مني سناً يعني إذا كان عندي أنا وقتها 25 سنة أو 24 سنة كان هو 22 أو 21.
أحمد منصور: ماشي.
د. عبد الرحمن البيضاني: فالتقيت بالبدر وقلت له: يا سمو الأمير، اليمن في حاجة إلى الإصلاح، كنت بسيط.. تباسطت.. تباسطت معاه في الحديث، قلت: اليمن في حاجة إلى إصلاح و.. المفروض أن تكون أنت ولي العهد، صحيح المذهب الزيدي لا.. يعني يصرح بولاية العهد، ولك حصل عرف في اليمن إن يعني حصلت أمثلة كثيرة إن أبناء الأئمة كانوا أئمة مثل الإمام أحمد كان ولي عهد لأبوه، فقلت له: ما رأيك فيما لو نسعى إلا أن تكون أنت ولي عهد اليمن؟
أحمد منصور: أنت بأي صفة بتتكلم؟
د. عبد الرحمن البيضاني: بأتكلم كمواطن يمني له علاقة مع كل الطلبة اليمنيين في الخارج، وفي نفس الوقت إنه يعتبر إني أول متخرج يمني من الخارج من.. في الجامعة، ويريد أن يبحث عن أنصار البدر وكان من الممكن أن أكون أحد أنصاره.
أحمد منصور: يعني ورقة بدأت تلعب بها من البداية؟
د. عبد الرحمن البيضاني: نعم، فقلت للبدر: يا مولانا، اليمن في حاجة إلى الإصلاح، اليمن كانت ذات ماضٍ عريق، أين هو الماضي؟ أين قلعة (يحصد) في.. في.. في أشبيلية؟
أحمد منصور: ماذا كان رد فعله؟
د. عبد الرحمن البيضاني: نعم؟
أحمد منصور: ماذا كان رد فعله؟
د. عبد الرحمن البيضاني: قال لي: كيف.. كيف يمكن أن أتولى العرش؟
أحمد منصور: يعني أنت الآن عرفت نقطة ضعف الرجل ودخلت له منها.
د. عبد الرحمن البيضاني: نعم، منها.
أحمد منصور: وبدأت ترسخ لوجودك في اليمن من خلال تقوية صلتك بالبدر.
د. عبد الرحمن البيضاني: نعم.
أحمد منصور: صحيح هذا؟
د. عبد الرحمن البيضاني: ممكن.
أحمد منصور: وبدأت من اللحظة الأولى تفرض لنفسك دوراً في الحياة السياسية في اليمن. أثناء عودتك من القاهرة عقدت مؤتمراً صحفياً في (أسمره)، بأي صفة عقدت مؤتمر صحفي؟
عودته إلى القاهرة وعمله بالسفارة اليمنية
د. عبد الرحمن البيضاني: كنت وقتها معين سكرتيراً أولاً للسفارة اليمنية بالقاهرة.
أحمد منصور: أثناء زياراتك تم تعيينك.
د. عبد الرحمن البيضاني: أثناء الزيارة تم تعيين، وأثناء زياراتي اتفقت مع الإمام على الإصلاح، وفي أسمره عقدت مؤتمر، وفي طريقي إلى القاهرة عقدت مؤتمر صحفي وحضره عدد كبير.. بعض اليمنيين اللي كانوا موجودين في تلك الأيام في.. في أسمره، منهم القاضي عبد الله الحجري الذي أصبح فيما بعد رئيس المجلس الجمهوري..
أحمد منصور: طبعاً في هذا الوقت المبكر هذا يكشف عشقك للكاميرات والظهور وحب التأثير، ويعني أن يكون لك حضور معين تفرضه من خلال اختياراتك أنت.
د. عبد الرحمن البيضاني: ولماذا تفرض حب الكاميرا ولا تفرض حب الإصلاح.. حب انتشار الدعوة؟!
أحمد منصور: أنا أسأل.
د. عبد الرحمن البيضاني: نعم؟
أحمد منصور: أنا أسأل.
د. عبد الرحمن البيضاني: أنا وقتها كان عندي حب، ليس حب الكاميرا وإنما حب نشر أفكاري الإصلاحية.
أحمد منصور: هل هناك مشكلة في حب الكاميرا؟! أنا بأحب الكاميرا!!
د. عبد الرحمن البيضاني: لا يعني، لكن ليس.. لم يكن هو الهدف، أنا أقصد أقول: إنه لم يكن الهدف.
أحمد منصور: المقصد هنا إن عقد مؤتمر صحفي لشاب لازال متخرجاً من الجامعة ولازال في أول وظيفة له ينم عن طموح سياسي معين.
د. عبد الرحمن البيضاني: فعلاً.
أحمد منصور: دخلت للبدر من مدخل نقطة الضعف التي لديه.
د. عبد الرحمن البيضاني: نعم.
أحمد منصور: عُينت قبل أن تغادر المكان لتكون في القاهرة مع أول بادرة لك حينما تعطلت الطائرة في أسمره عقدت مؤتمراً صحفياً.
د. عبد الرحمن البيضاني: أنا أترك الحكم لك وللمشاهدين، هذا ما حصل فعلاً، سواءً اعتبرته حب الكاميرا أو أنا اعتبرته حب في نشر أفكاري إن أصبحنا الآن في ظروف تسمح بإصلاح اليمن، التفسير يعني يتعلق برأي كل شخص.
أحمد منصور: أنت الآن في قضية يعني عودتك إلى القاهرة أو تعامل الإمام معك تعيينك في هذا المنصب في القاهرة، حينما ذهبت إلى اليمن، هل ذهبت بنية البقاء أم بنية أن تنال منصباً يعيدك إلى القاهرة مرة أخرى؟
د. عبد الرحمن البيضاني: أصارحك القول أني ذهبت إلى اليمن إلى المجهول لا أعلم ماذا سيحدث، كان عندي حلم، مجرد حلم، كيف يتحقق هذا الحلم الله أعلم، إذا سألتني كيف يمكن تحقيق هذا الحلم؟ أقول لك: لا أدري، أنا ذهبت إلى اليمن للمجهول، ماذا سيحدث في اليمن؟ هل سأبقى في اليمن؟ هل سأعين في الخارج.. في اليمن؟ لا أدري.
أحمد منصور: كان لديك استعداد للبقاء؟
د. عبد الرحمن البيضاني: ممكن.
أحمد منصور: حصلت على دبلوم الشريعة الإسلامية في عام 1953م، دبلوم الدراسات في العلوم الاقتصادية من جامعة القاهرة قبله في العام 52، قامت ثورة يوليو في العام 1952م. كنت أنت في ذلك الوقت تمثل أو سكرتير في السفارة اليمنية وبدأت تقوم.
د. عبد الرحمن البيضاني: مستشار، وقتها ترقيت إلى مستشار.
أحمد منصور: بدأت تقوم بوظيفة، سعيك للحصول على كم هائل من الشهادات حتى أيضاً تتميز على اليمنيين باعتبارهم ينظرون إليك أنك لست يمنياً؟
د. عبد الرحمن البيضاني: ممكن أن.. أن يفسر هذه بهذه الكيفية، ممكن، ولكن حقيقة القول ليست هكذا، حقيقة القول أنني أؤهل نفسي لأكون مصلح، والمصلح يجب أن يكون ملم بأكبر عدد ممكن من العلوم السياسية والاجتماعية والقانونية والاقتصادية والإسلامية حتى يمكن أن يقوم بأي عمل إصلاحي في اليمن.
أحمد منصور: يعني أنت من هذه اللحظة وربما من قبلها تفكر في أن تقوم بدور متميز في اليمن.
د. عبد الرحمن البيضاني: نعم، لا.. لا أسميه "متميز" وإنما دور مصلح في اليمن، ممكن أن يتميز به غيري وأفضل منَّي، لكن أنا كنت أتمنى وأعمل من أجل.. لو البشرية يا أخ محمد.
أحمد منصور: أحمد.
د. عبد الرحمن البيضاني: يا أخ أحمد -أنا آسف- لو البشرية ارتضت بالأمر الواقع كان.. كنا لازلنا في العصر الحجري، ولسنا في عصر الفضاء وعصر الذرة، الحلم.. يجب أن يكون حلم.. أنا لمَّا كنت في.. في مدرستي الابتدائية، في السنة الرابعة في المدرسة الابتدائية كان فيه مقرر علينا كتاب إنجليزي اسمه “Trip to the moon" "رحلة إلى القمر"، سنة 37 رحلة إلى القمر؟! أنا كنت بأستغرب، ولكن حلم تحقق، لم أتصور في تلك الأيام، يعني هل أنت تتصور يا أخ أحمد..؟
أحمد منصور: أحلامك كانت أيه؟
د. عبد الرحمن البيضاني: هل تتصور يا أحمد إن لمّا.. لو اكتفت البشرية بإن 2×2 بـ 4 و 4×5 بـ 20.
أحمد منصور: أنا فقط يا سيدي أسأل.
د. عبد الرحمن البيضاني: لحظة.. لحظة.
أحمد منصور: أريد أن أسألك.
د. عبد الرحمن البيضاني: لحظة واحدة.. ها لحظة واحدة، هل لو اكتفت البشرية بجدول الضرب كان ممكن جداً يظهر (أينشتين) ويقول: الطاقة هي الكتلة مضروبة في مربع سرعة الصوت فتظهر "النظرية النسبية" وتظهر الذرة؟!
أحمد منصور: أنا الآن في إطار.
د. عبد الرحمن البيضاني: الحلم يجب أن يستمر.
أحمد منصور: سعادة النائب.. سعادة النائب أنا في إطار الدكتور عبد الرحمن البيضاني، لست في إطار البشرية كلها، ماذا كانت أحلامك بالنسبة لليمن؟
د. عبد الرحمن البيضاني: ما أنا حلم من جزء من البشرية!
أحمد منصور: لليمن تحديداً من خلال سعيك للحصول على كم هائل من الشهادات، وفي نفس الوقت استفدت من الزيارة الأولى وحققت الخطوة الأولى.
د. عبد الرحمن البيضاني: الأولى.
أحمد منصور: التي تريدها.
د. عبد الرحمن البيضاني: نعم.
أحمد منصور: في العام 1952م قامت ثورة يوليو، ثم تطورت علاقة مصر باليمن وأصبح لمصر دوراً خاصاً في علاقتها باليمن، لعبت أنت دوراً أساسياً فيه. في الحلقة القادمة أبدأ معك من هذه النقطة: بداية الدور المصري في اليمن ودورك فيه.
د. عبد الرحمن البيضاني: شكراً جزيلاً.
أحمد منصور: أشكرك شكراً جزيلاً.
د. عبد الرحمن البيضاني: أرجو ألا تكون قد مللت حديثي.. الحديث معي في..
أحمد منصور: حديث غير ممل، منذ عام وأنا أتحدث معك!!
د. عبد الرحمن البيضاني: الله يخليك.
أحمد منصور: مشاهدينا الكرام في الحلقة القادمة نواصل الاستماع إلى شهادة الدكتور عبد الرحمن البيضاني (نائب رئيس مجلس الثورة ونائب رئيس الجمهورية اليمني الأسبق ووزير الخارجية) في الختام أنقل لكم تحيات فريق البرنامج، وهذا أحمد منصور يحييكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.