شاهد على العصر

ثورة الضباط الأحرار كما يراها حسين الشافعي ح5

ما هي مظاهر الاستبداد في بداية عهد الثورة؟ أحداث كفر الدوار وإعدام خميس، والبقري وتلطيخ عهد الثورة، ما مدى عدالة المحاكمات العسكرية؟ ما أسباب الصدام بين الإخوان والثورة وما نتيجته؟ مطالبة الثائرين بالعودة إلى الثكنات وتطلع البعض إلى الوصول للسلطة، ما موقف الثورة من الديمقراطية؟
مقدم الحلقة: أحمد منصـور
ضيف الحلقة: حسين الشافعي: نائب رئيس الجمهورية المصري الأسبق
تاريخ الحلقة: 23/10/1999

undefined
undefined

أحمد منصور:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،وأهلاً بكم في حلقة جديدة من برنامج(شاهد على العصر)،حيث نواصل الاستماع إلى شهادة السيد(حسين الشافعي)نائب رئيس الجمهورية المصري الأسبق،مرحبًا سعادة النائب.

حسين الشافعي:

مرحبًا.

أحمد منصور:

في الحلقة الماضية ودّعت الملك(فاروق)،أنت والرئيس(نجيب)و(جمال سالم)في (الإسكندرية)وأبحر إلى(أوروبا)،وعدتم-أنتم-لتبدأ حركة(الضباط الأحرار)مواجهة الواقع المصري والحياة السياسية في(مصر)،كان من المفترض- حينما قمتم بحركتكم هذه-أن تكون حركة لتغيير النظام،والعودة إلى الثكنات،أم أن هناك تخطيطًا مبدئيًّا كنتم قد قمتم بتخطيطه للاستيلاء على السلطة،وأن تكونوا أنتم الحكام الفعليين للبلاد؟

حسين الشافعي:

في واقع الأمر كنّا نتمنى أن نسلم السلطة،ونكون حرّاسا على الاتجاه الثوري القائم،وربما يكون هذا هو ما جعل أول تشكيل للوزارة،وزارة(علي ماهر)،لم نكن مشاركين فيها،وربما كان الإخوان ممثلين فيها بثلاثة من الوزراء إقرارًا منا وتقديرًا أن الإخوان لهم وزن في نظرنا،واعتبار،وتقدير أن يكونوا مشاركين.

أحمد منصور:

الإخوان لم يشاركوا في هذه الحكومة،الإخوان شاركوا في الحكومة التي شكلت بعد ذلك برئاسة الرئيس(نجيب)،وشارك فيها(أحمد حسن الباقوري)،وأعلن الإخوان عن فصله.

حسين الشافعي:

هذا كان تمهيدًا لهذا الاشتراك في الوزارة التي شكلها(محمد نجيب)،لكن ما اضطررنا إلى أن نشكل الوزارة التي رأسها(محمد نجيب)،في واقع الأمر كانت كل التصرفات تنسب إلينا،ونحن ليس لنا إشراف مباشر،ولكن كل شيء منسوب لنا في النهاية..

أحمد منصور(مقاطعًا):

يعني أنتم في النهاية ضباط جيش،وهناك حكومة مدنية؟

حسين الشافعي:

فأي تصرف يحدث-في النهاية-نحن المسئولون عنه،وهذا في الحقيقة-في النهاية- اضطرتنا الظروف إلى الذي كنا لا نتمناه،وجدنا أنفسنا مضطرين بالتدريج إلى أن نباشر السلطة،لأنه في النهاية المسئولية علينا نحن.

أحمد منصور:

لكن كل تدرج الأحداث،والرصد التاريخي لهذه المرحلة،يؤكد أنه لم يكن هناك أي نية لديكم للعودة إلى الثكنات مرة أخرى،حتى من زملائكم الذين تمردوا بعد ذلك في(1953م،1954م)للمطالبة بعودتكم إلى الثكنات،كان مخططكم الرئيسي أن تكونوا-أنتم-الحكام الفعليين للسلطة،وأبعدتم المدنيين،وتم تشكيل حكومة برئاسة الرئيس(نجيب)في ذلك الوقت.

حسين الشافعي:

هذا حقيقي،ولكن عملية العودة للثكنات..هذا كان كلامًا يعبر عن تجرد مطلق،ولكنه كان بعيدًا عن الواقع بالنسبة للمسئوليات الفعلية.

أحمد منصور(مقاطعًا):

نستطيع القول أن هذه كانت شعارات أطلقها ضباط الثورة لطمأنة الناس فقط؟

حسين الشافعي:

ليست شعارات؛لأنه-ربما-كان إحساسًا داخليًّا،لأننا ثرنا من أجل تخليص البلد مما هي فيه،لكن عندما تريد أن تدخل في الواقع بهدف عمل التغيير،تجد نفسك مضطرًا أن تعمل أمرًا بعيدًا عن الذي كنت تتمناه أو تتوقعه-كأمر نظري،النظرية شيء،والواقع شيء آخر.

أحمد منصور:

انتقلتم-الآن-إلى مرحلة المسئولية،وواجهتم أول اختبار حقيقي للثورة في أحداث(كفر الدوار)التي وقعت في(أغسطس)عام 1952م،وحكم فيها بالإعدام على اثنين من العمال،هما(خميس)و(البقري)،واتُّهِمت الثورة،أو حركة الضباط -منذ ذلك الوقت-بأنها دشنت عهدها بالدماء التي سالت بتعليق هؤلاء العمال البسطاء على أعواد المشانق عبر محكمة عسكرية حاكمت مدنيين.

حسين الشافعي:

قبل هذه الأحداث صدر قانون الإصلاح الزراعي وقانون العمل..

أحمد منصور(مقاطعًا):

الإصلاح الزراعي صدر في( سبتمبر)1952م،قبل الأحكام ربما.

حسين الشافعي:

نعم،وكذلك قانون العمل،وكان أهم بند فيه المادة 39 التي تمنع الفصل التعسفي،وطبعًا الفصل التعسفي تعبير عن أنه بلا سند،يعني واحد يذهب للعمل صباحًا فيجد صاحب العمل تشاجر مع أهل بيته،ولم يعجبه عامل؛فيفصله بلا أي ضابط ولا رابط،نحن أردنا في قانون العمل والمادة 39 أن أي جزاء يُوقع على العامل لابد أن يكون ضمن لائحة الجزاءات،بحيث يمكن تنفيذه.

طبعًا التعامل مع المشاكل العمالية موضوع دقيق غاية الدقة،ولذلك إذا صدر قانون فيه أمر يتعلق لصالح العمال،العمال يظنون أن كل شيء مباح،وبالتالي تعطيهم قوة تتجاوز الحدود التي يلتزمون بها،كذلك في الجانب الآخر،إذا حدث تصرف إلى جانب أصحاب العمل،فيأخذون من هذه العملية مستندًا كي يتخلصوا من كل واحد يقف في طريقهم،سواء يمثل النقابة،أو..أو..الخ.

ولذلك شئون العمال من الشئون الدقيقة غاية الدقة،ثم إننا كنا نتوقع أن الثورة المضادة قد تتمثل في تصرفات عمالية تقوم بإضرابات،وتشلّ حركة الإنتاج،وتضع الثورة في حرج،أو التوقف أي أن يتوقف صاحب العمل عن العمل،ولذلك مثلما مُنِع الإضراب،أيضًا منع بالنسبة لأصحاب الأعمال أن يتوقفوا عن العمل-جزئيًّا،أو كليًّا-فُشكِّلت في وزارة العمل لجنة يرأسها(وزير العمل)،وهي(لجنة الإنتاج وفرص العمل).

أي صاحب عمل عنده مشكلة،سواء في خامات لا تصل،أو في تصرفات تعوق العمل،أو تضع عقبات في الطريق،فيطلب التوقف،طلب التوقف الجزئي أو الكلي،لابد أن يعرض على الوزير،وفي خلال(15)يومًا لابد أن يبت في هذه الشكوى،وكان الوزير يحضر المسئولين،ويحل المشاكل أولاً بأول.

أحمد منصور:

لا نريد أن ندخل في تفصيلات الأسلوب الإداري في الدولة التي كانت تتم،ولكن أنا أمامي حدث محدد..

حسين الشافعي(مقاطعًا):

سوف أصل إليه.

أحمد منصور:

ألا توجد طريقة أقصر للوصول؟

حسين الشافعي:

مثلاً أول مبدأ هو:القضاء على الاستعمار وعلى أعوانه من الخونة الأجانب،من المصريين،البند الثاني القضاء على الاحتكار،وعلى سيطرة رأس المال على الحكم،فعندما يقبل سيطرة رأس المال على الحكم كل القوانين لا تصدر إلا في صالح رأس المال،وعلى حساب العمال،فنحن بقانون الإصلاح الزراعي،وقانون العمل المؤقت الذي صدر في(سبتمبر)1952م،كان يعطي إشارة للبندين الأساسيين التي قامت الثورة من أجلهما من الناحية الاجتماعية..

أحمد منصور(مقاطعًا):

لكن هذا-في قضية الممارسة-أضر-أيضًا-بحقوق أناس،وأنا الآن أعود للسؤال الرئيسي عن أحداث(كفر الدوار)،وإعدام(خميس،و البقري)واتهام الشيوعيين بأنهم كانوا وراء هذا الإعدام،وتدشين عهد الثورة بإعدام عاملين مصريين؟

حسين الشافعي:

هذا الحدث في(كفر الدوار)كان نقطة بداية،وإذا لم يحسم كان من الممكن أن يتكرر في أكثر من موقع،ويضع الثورة في أزمة شديدة جدًّا،بحيث أنك لا تستطيع منعها..

أحمد منصور(مقاطعًا):

يحسم بالدماء يحسم بأن أناسًا تعبر عن موقف-أيًّا كانت أخطاؤهم-فيتم إعدامهم؟

حسين الشافعي:

هذا هو الشكل الذي تقوله،لكن الأحزاب التي وراء هذه العمليات تريد(جنازة ويشبعون فيها لطمًا)

أحمد منصور(مقاطعًا):

لماذا لم تحاسبوا الأحزاب نفسها،وليس العمال البسطاء،وتلطيخ عهد الثورة في بدايته بمقتل اثنين من العمال؟

حسين الشافعي:

لأن هذا-جسم الجريمة-مُرَكَّز في الناس الذين تحركوا..

أحمد منصور(مقاطعًا):

لماذا تمت محاكمتهم محاكمة عسكرية،ولم يحاكموا محاكمة مدنية؟

حسين الشافعي:

هذا ينسحب على كل التصرفات التي رُؤِي فيها،لأن الثورة ليست روتينيًّا عاديًّا،أية ثورة لم تلجأ إلى هذه الأساليب القانونية التي قد تضيع فيها الحقيقة، والأمر لا يحتمل أن تنتظر(ومن يده في الماء ليس كمن يده في النار).

أحمد منصور:

ألا تعتبر هذه الأحكام من أخطاء الثورة؟

حسين الشافعي:

إذن حاكم الثورات التي قتلت أعدادًا لا أول لها ولا آخر،ربما-بدون قضية-بمجرد الشبهة،إنما نحن نريد تأمين الثورة،نحن ليس بيننا وبينهم ثأر،ونريد أن ننتقم لمجرد الانتقام،لكن هذا لتأمين البلاد،مثل الحريق،أنت عندما تجد حريقًا،هل تطفئه أم تقول لا،لابد من الديمقراطية،وتترك الحريق يشتعل ويأخذ مجراه.

أحمد منصور:

قمتم بإلغاء الدستور،وإصدار قانون(الإصلاح الزراعي)الذي في ظاهره هو توزيع للثروة،وتحقيق للعدالة الاجتماعية،لكنه أضر بفئات كثيرة من الناس،إلغاء الدستور والإصلاح الزراعي-أيضًا-في بداية عهد الثورة،ما هي رؤيتك لهذه الأشياء الآن بعد أكثر أو ما يقرب من خمسين سنة؟

حسين الشافعي:

أريد القول بأن الدستور صدر في أيام الإنجليز،وصدر بعد الاستقلال،وصدر أساسًا بهدف تصفية ثورة 1919م،لأن ثورة 1919م كانت ثورة شعبية لها فاعلية،ولها تأثير،ولها وزن،والإنجليز وهم محتلون،هل يتركون مثل هذه الثورة تستمر أم يُصَفُّونها؟طريقة الإنجليز-وهم معرفون بالخداع والنفاق-سمحوا بالدستور 1923م ليصفوا الأحزاب،وبعد هذا بدأ الخلاف على السلطة ،لذلك عندما قامت(23يوليو)كانت الأحزاب بلا محتوى وبلا مضمون،والهدف الذي قاموا من أجله وهو تحقيق الجلاء كان مجرد شعارات تردد،ولم يتحقق الجلاء،قالوا(الجلاء التام أو الموت الزؤام)لا حدث جلاء تام،ولا موت زؤام،إنما حدث بعد أن أصبحت الأمة كلها يدًا واحدة،وفي أول اجتماع سنة(1954م)وجدوا أن الشعب والجيش والدولة والعالم كله يدًا واحدة،فلم يكن أمامهم إلا التسليم باتفاقية الجلاء.

أحمد منصور:

في 17 يناير 1953م تم حل الأحزاب،وإنهاء الحياة السياسية الديمقراطية في مصر على أيدي الضباط الأحرار..

حسين الشافعي(مقاطعًا):

هي ديمقراطية شكلاً،إنما في ظل الاحتلال لا يوجد شيء اسمه ديمقراطية.

أحمد منصور:

اجعلوها ديمقراطية حقيقية؟

حسين الشافعي:

نحن فضلنا أن نأخذ الصعداء،ثلاث سنوات فترة انتقالية،لم يعطنا أحد الفرصة..

أحمد منصور(مقاطعًا):

أخذتم كل شيء بعد ذلك؟..

حسين الشافعي(مقاطعًا):

ماذا تعني بكل شيء؟

أحمد منصور:

لم تعد هناك ديمقراطية في البلد،ولم يعد هناك أحزاب،وكان هناك نظام الحزب الواحد الذي استمر حتى إنهاء وضع الاتحاد الاشتراكي في السبعينات بعد ذلك،أي قضية منحكم ثلاث سنوات كفرصة أو غيرها من الأمور،أنتم لم تكونوا تنتظرون أن تُمنحوا شيئًا من أحد..

حسين الشافعي(مقاطعًا):

حسنٌ،فلماذا نحن وضعنا بند الديمقراطية آخر بند؟لأنه لا بد أن نطهر الأرض أولاً،ونهيئها،وإلا إذا حكمت بديمقراطية في اليوم التالي سوف يأتي لك في نفس الصورة وكأنك لم تفعل شيئًا(وكأنك يا أبو زيد ما غزيت)وكأن لم تقم الثورة.

أحمد منصور:

تضعون الضوابط التي تناسب..

حسين الشافعي(مقاطعًا):

ضوابط ماذا؟هذه الضوابط تأتي مع الممارسة إنما تقول لي هذا اليوم،فكل الأحزاب اشتركت في أنها كانت تنادي بالديمقراطية،أيْ حق يراد به باطل(وكل واحد يغني على ليلاه)،من خلال هذا يريدون أن يصلوا إلى السلطة قبل تطهير الأرض وتهيؤ الأمر،لو كنت حكمت بديمقراطية مباشرة كانت رجعت كل الأحزاب بالصورة التي كانت عليها.

أحمد منصور:

أيًّا كان الشكل الذي يمكن أن يكون موجودًا،لكم حق وضع الضوابط الكفيلة بهذا الأمر،وإنهاء وضع الأحزاب التي كانت-ربما-تتهم بالعمالة للبريطانيين،والبلد كانت-حتى ذلك الوقت-يوجد فيها احتلال بريطاني،لكن اعتبرت هذه الخطوة لوأد الديمقراطية،واستثني الإخوان المسلمون من عملية حل الأحزاب،على اعتبار أنهم ليسوا حزبًا-ربما-لأنهم كان لهم قوة..

حسين الشافعي(مقاطعًا):

لم يكن لهم دور في الحياة السياسية حتى الآن.

أحمد منصور:

بالمرة،في الحياة السياسية المصرية ألم يكن لهم قوة..

حسين الشافعي(مقاطعًا):

كان لهم وزن،لكن لم يكن لهم دور.

أحمد منصور:

ألم تسع الثورة-كما قلت-لاحتواء الإخوان-حتى-في أول وزارة،والمساهمة لهم،ومنحهم جزءًا من البيان..

حسين الشافعي(مقاطعًا):

هذا صحيح..

أحمد منصور(مقاطعًا):

هذا يدل على أنهم كان لهم دور،كان موجودًا في الحياة السياسية في(مصر)؟

حسين الشافعي:

لهم دور،لكنهم اعتبروا أن الثورة أخذت منهم شيئًا،الثورة لم تأخذ منهم شيئًا،ولذلك بدءوا يحاربون الثورة من أول يوم..

أحمد منصور(مقاطعًا):

ما هذه الحرب التي أعلنوها؟

حسين الشافعي:

في أول أيام الثورة تشنيع،يقولون مازال الأذان السلطاني يردد،ماذا يعني أذان سلطاني؟أنا لا أعلم!هل يوجد أذان سلطاني،وأذان مملوكي؟لمجرد أنهم يقولون أي كلام،استمروا على هذا حتى أول انقلاب في المدفعية هم كانوا وراءه..

أحمد منصور(مقاطعًا):

انقلاب المدفعية هذا سعى به ضباط المدفعية إلى تذكير زملائهم الذين اعتادوا عدم الرجوع إلى الثكنات،وتشكيل مجلس لقيادة الثورة،والانتقال من حماية النظام المدني الموجود إلى أن يصبحوا هم الفاعلين،هم زملاءكم ذكروكم بالواجب الذي كان يجب أن تقوموا به،وأن تعودوا إلى ثكناتكم مرة أخرى.

حسين الشافعي:

هم لم يُذكروا بالواجب،هم كان لهم تطلعات،إنهم ظنوا أن العملية سهلة مثلما قامت الثورة،فيقوموا بدور لهم؛فيسرقون الثورة مرة أخرى،هذا ليس ما حدث؟

أحمد منصور:

ماذا حدث إذن؟

حسين الشافعي:

ما حدث هو أنهم كانت لهم تطلعات في أن يحكموا..

أحمد منصور(مقاطعًا):

هم كانوا يريدون أن يقوموا بعمل انقلاب على مجلس قيادة الثورة؟

حسين الشافعي:

طبعًا.

أحمد منصور:

لم يكن لهم الثقل والقوة التي تمكنهم؟

حسين الشافعي:

من أجل هذا فشلوا.

أحمد منصور:

لا،(جمال عبد الناصر)ذهب،وحاول أن يجتمع بهم،ويهدئ الأمر،وأرسل-أيضًا-بعض الزملاء إلى..

حسين الشافعي(مقاطعًا):

وعلى العموم،الكلام في هذا الموضوع أصبح كلامًا بلا نتيجة،لأنه تحصيل حاصل..

أحمد منصور(مقاطعًا):

هذا جزء من تاريخ البلد،وأنت شاهد عليه،وهناك روايات كثيرة..

حسين الشافعي(مقاطعًا):

أنا شاهد على شيء،وهو أنك عندما تقوم بثورة،وتحملت كل أعبائها والقلق،لا يمكن أن تفرط فيها لمجرد أن بعض الناس قالوا:الديمقراطية قبل أوانها،وهم غير قادرين على تقدير المسئولية،أنا سوف أقول لك شيئًا،هل الإسلام كان فيه ديمقراطية،أم كان شورى بين المؤمنين فقط،ليس كل من(هبّ ودبّ)أبدًا،مع المؤمنين فقط شورى،إنما مع المضادين والمناهضين والكفار وغيرهم،وأعمل ديمقراطية هذا ليس ممكنًا..

أحمد منصور(مقاطعًا):

ما هو معيار المؤمنين عندك؟

حسين الشافعي:

المؤمنون هم(الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون).

أحمد منصور:

هذه رؤيتك الخاصة؟

حسين الشافعي:

طبعًا.

أحمد منصور:

ما هي رؤية رجال الثورة؟

حسين الشافعي:

لا،أنا أتكلم عن رؤيتي أنا،الديمقراطية ليس لها أي ذكر في الإسلام..

أحمد منصور(مقاطعًا):

الديمقراطية هذه نظام غربي؟

حسين الشافعي:

هل سمعت كلمة(ديمقراطية)في القرآن؟

أحمد منصور:

لا،هناك شورى.

حسين الشافعي:

في الحديث؟

أحمد منصور:

هناك شورى.

حسين الشافعي:

شورى،أنا مع الشورى لأقصى حد؛لأنه عندما يقولها مطلقة،حيث الشورى تقدر أن تباشرها في بيتك،في موضوع وتستشير فيه زوجتك،موضوع ثان تستشير فيه أحد الأولاد،موضوع ثالث لازم تستشير الكل،وهذا من أجل أن تصل للقرار السليم،ولكن عندما تحدث ضغوط عليك فتعطي فرصة أن تتحكم الأقلية في الأكثرية بقليل من الشعارات،لا.

أحمد منصور:

كنتم تمثلون القوة،وليس بالضرورة أنكم كنتم تمثلون الأكثرية المعبرة عن الشعب في ذلك الوقت؟

حسين الشافعي:

ولماذا اجتمع الشعب كله وراء الثورة؟

أحمد منصور:

الذي يملك القوة يستطيع أن يفرض ما يريد على الناس.

حسين الشافعي:

إذن القوة هي السند.

أحمد منصور:

بدأ الصراع بينكم داخل مجلس قيادة الثورة،كلكم،أو معظمكم كنتم برتبة(البكباشي)وحرصتم على ألاّ تكون هناك رتب كبيرة إلا رتبة اللواء(نجيب)للتخلص منه بعد القيام بدوره،وهذا ما حدث،ودُفِع الرئيس(نجيب)إلى إعلان استقالته في فبراير 1954م؟

حسين الشافعي:

لم يكن في النية-أبدًا-التخلص من(نجيب)،إنما هو الذي قدم استقالته في 23 فبراير 1954م،بعدما أصبح له اسم مدوٍ اكتسبه من أنه يمثل رمزًا للثورة،ليس بمجهوده الشخصي،أو بشخصيته المستقلة،لا،هو بحكم وجوده على رأس الثورة تركزت فيه كل هذه المحبة كرمز.

أحمد منصور:

ألم يكن مؤهلاً للوضع الذي كان فيه؟

حسين الشافعي(مقاطعًا):

ماذا تعني ب(مؤهلاً)؟

أحمد منصور:

مؤهل لأن يكون قائدًا،يملك صفات القيادة التي تؤهله للوضع الذي كان فيه؟

حسين الشافعي:

كونه شخصية لها اعتبارها،ولها وزنها،ولها محبة الناس على أنه يمثل الثورة شيء،وأن يكون على الروح الثورية التي قام بها الثوار وعرضوا أنفسهم للخطر شيء آخر.

أحمد منصور:

ما مفهوم(الروح الثورية)هنا،وأنتم تحكمون شعبًا مدنيًّا،وليس جيشًا أو عسكرًا تحت أيديكم،أنتم الآن تحكمون شعبًا مدنيًّا،ما هو مفهوم(الروح الثورية)هنا في حكم شعب مدني،وأنتم ضباط؟

حسين الشافعي:

(الروح الثورية)أن نحافظ على الثورة في استمرارها؛لأن هذا يؤكد أنك تستعيد الإرادة؛لأن الشعب قبل هذا كان بلا إرادة،والنظام بلا إرادة يحتكم إلى الإنجليز،يعني الإنجليز هم الذين يحكموه،فأنت عندما تقوم بثورة أمام كل هذه التحديات تريد أن تستحوذ على إرادة حرة ومن أجل إعادة البناء،الوقت الذي ضاع منا كبير جدًّا لدرجة أن تضيعه في جدال أفلاطونيٍّ،وسفسطة ليس لها نتيجة،كل هذا من يستغله؟

الذين يريدون أن يثبوا على السلطة يرددون كلامًا،هل المبدأ السادس وهو(إقامة حياة ديمقراطية سليمة)لماذا وضعناه ضمن المبادئ؟إذا كنا لا..

أحمد منصور(مقاطعًا):

أخر شيء؟

حسين الشافعي:

أكلاشيهًا!

أحمد منصور:

أخر شيء،بعد أن يتم تحقيق..

حسين الشافعي(مقاطعًا):

لا،ليس أخر شيء،هذا موضوع آخر على أساس أن تتهيأ الظروف،أن نقيم ديمقراطية كي لا تعود الصورة بكل مساوئها.

أحمد منصور:

وظلت-عشرين سنة-غير مهيأة؟

حسين الشافعي:

لا هم بادرونا بالحرب في(1956م)كي تفسد العملية قبل كل شيء،وهذا أظهر مدى العداء الموجود،يعني إذا كنت قد أقمت ديمقراطية،فقد أتى الذين كانوا يحمون الديمقراطية الزائفة،خرجوا من الباب كي يرجعوا من الشباك مرة أخرى.

أحمد منصور:

كعضو في مجلس قيادة الثورة-في ذلك الوقت-وكشاهد عيان على الخلافات التي كانت بين مجلس قيادة الثورة والرئيس(نجيب)،تستطيع أن تقول لنا:ما هي هذه الأسباب التي دفعت الرئيس(نجيب)إلى تقديم استقالته الأولى في(فبراير) عام(1954م)؟

حسين الشافعي:

يعني-مثلاً-عندما يتفق المجلس على أمر لا يأتي(محمد نجيب)ويعلن أمرًا آخر،لأنه كان لابد أن يكون هناك التزام بالرأي الجماعي الذي تم الاتفاق عليه..

أحمد منصور(مقاطعًا):

وأنتم-أيضًا-بدأتم تهمشونه كرئيس مجلس قيادة الثورة؟

حسين الشافعي:

كيف؟

أحمد منصور:

بدأتم تهمشونه،بدأت العلاقات المباشرة ما بين(عبد الناصر)وما بين بعض،حتى القوى الخارجية التي..

حسين الشافعي(مقاطعًا):

هو-للعلم هو-كان الحلقة التي من الممكن أن القوى المضادة تجد فيها فرصتها،لأنه كان-دائمًا-يقول:هم الذين يعملون)،وما دام قال هم ونحن،أصبح هناك انفصال في العملية خطير جدًّا،وطبعًا هو كان يريد أن يريح الكل،يأتي له الذين طبق عليهم الإصلاح الزراعي يقول هم،يأتي له أي تصرف يقول هم،وبعد ذلك تتفق على أن الحياة النيابية يكون هناك فترة انتقالية ثلاث سنوات،يخرج هو في اجتماع عام ويعلن قائلاً(الديمقراطية مباشرة).

عندما أتى(خالد محيي الدين)في الأزمة التي كانت في(مارس)وقال:أنا مؤمن بالديمقراطية وأنا غير موافق على هذا الكلام،أتى(عبد الناصر)في المجلس وقال:(خالد محيي الدين)يقول:أن الديمقراطية فورًا،فأنا أقترح أن يتولى هو رئاسة الوزارة ويحقق الديمقراطية،ونحن نعود إلى ثكناتنا،وأُخذت الأصوات،لم يأخذ أي صوت في المجلس كله طبعًا،وبعدها..

أحمد منصور(مقاطعًا):

طبعًا،كيف تتركون السلطة..وكل هذا النفوذ؟

حسين الشافعي:

لا،كي يظهر لك،الجماعة الذين في مجلس الثورة ليسوا صغارًا،كل واحد له وزن كبير جدًّا،وكون أنهم يتفقون على هذا ليس معناه أنهم متشبثون بالسلطة،لا،أبدًا،إنهم حريصون على الثورة،لأن من يدعي الديمقراطية هم،يرونها هي المدخل للوثوب على السلطة..

أحمد منصور(مقاطعًا):

لماذا هي المدخل للوثوب على السلطة؟

حسين الشافعي:

لأنها..

أحمد منصور(مقاطعًا):

الديمقراطية أول شيء،يعني هي الإيمان بمبدأ السلطة؟

حسين الشافعي:

الغرب يبيع لك الديمقراطية كي يجد لك وسيلة للتدخل في شئونك،ويبيع لك الانفتاح،كي يسيطر عليك اقتصاديًّا،ويقول لك حقوق الإنسان من أجل إذا لم تصلح هذه يجد مجالاً للتدخل.

أحمد منصور:

سعادة النائب،أنتم-أيضًا-لم تضعوا النظم البديلة التي تجعل الشعب يثق بهذه النظم..

حسين الشافعي(مقاطعًا):

الثورة هذه في وسط غيلان،وفي وسط قوى مضادة من كل جانب،من الداخل ومن الخارج،والذين يتكلمون وأيديهم في الماء يتصورون أن العملية بسيطة،العملية في غاية الصعوبة،ونحن اليوم نرى هذا الغل بالنسبة للإسلام والمسلمين،ومن أجل أنهم يخدعونهم ببعض الشعارات،ينجرفون فيها باسم الديمقراطية،وباسم الانفتاح،وباسم..الخ.

ثم هم يقتلونهم في(كوسوفا)وفي غيره،وفي غيره،وإذا لم نفق لأنفسنا،ونعرف أن لن ينصرنا إلا الله،بأن نتمسك به،ونرتبط به،لن نصل أبدًا،وهذا يذكرنا بالديمقراطية،كل هذا كلام،إنما ربنا قال:شورى،وهنا يعني أن تتشاور مع من تأتمن من الناس الجديرين بأن تستشيرهم،كي يبصروك بالقرار الذي تريد أن تتخذه.

أحمد منصور:

أنت تعبير الشورى ملزمة أم معلمة للحاكم؟

حسين الشافعي:

طبعًا ملزمة،لكن بين المؤمنين،لم يقل اذهب للكفار،واستشرهم،لا،وأقم ديمقراطية معهم،ويكونون هم أصحاب الصوت الغالب،وبالتالي المسلمون والإسلام يضيع بمثل هذه الخرافة،أبدًا.

أحمد منصور:

بعد إعلان الرئيس(نجيب)لاستقالته تحرك سلاح الفرسان،وقامت المظاهرات في كل مكان من أجل عودة الرئيس(نجيب)مرة أخرى،الذي عاد بالفعل في 27 (فبراير)إلى السلطة مرة أخرى،ماذا كان موقفكم من الاستقالة؟ومن العودة؟ومن المظاهرات التي قامت؟

حسين الشافعي:

أولاً(محمد نجيب)على مدى مسافة طويلة جدًّا-قبل تقديم استقالته-ونحن نعاني أنه في جانب،ونحن في جانب،وهو يريد أن يريح الناس كلها على أنه غير مسئول،وهم المسئولون وهو غير مسئول،طبعًا المعاناة التي كنا نعانيها،كان في تصورنا أن الشعب على علم بها،لكن هذه كانت جلسات مغلقة،ولا يدري بها أحد.

أحمد منصور:

لكن أنتم لم تكونوا تدبرون-فعلاً-لإزاحته؟

حسين الشافعي:

إطلاقًا.

أحمد منصور:

ألم تكونوا تأتون بتصرفات تدفعه لأن يستقيل؟

حسين الشافعي:

أنا سوف أقول لك على أمر :هو كان يرتاح إلى المستشارين له أساسًا كان(السنهوري)و(سلمان حافظ).

أحمد منصور:

وهما في نفس الوقت كانوا على علاقة(بجمال عبد الناصر)ويدبرون له كل ما يريد؟

حسين الشافعي:

نعم،حتى بدءوا يقيمون له دستورًا يحقق هدفه على أساس أنه رئيس الثورة،ويستطيع أن يتخلص من أعداء المجلس،فكانوا يقولون-مثلاً-الرئيس في مجلسه أو بمجلسه،هل قمنا بثورة كي يتحكم فينا-في النهاية-حرف الجر(الباء)أو حرف الجر(في)؟في مجلسه يعني هو له الرأي النهائي،لكن يسمع الرأي،وبمجلسه يكون الرأي ديمقراطيًّا.

طبعًا بعد(محمد نجيب)تركزت فيه محبة الشعب الجارفة التي تمثل الثورة،وتركزت فيه كرمز أصبح سلاحًا،ممكن أن يهدد الثورة،ولذلك من المؤكد أن مستشاريه أشاروا عليه أنه-بدلاً من(في)و(ب) لو استقال سوف يضعهم في أزمة لا أول لها ولا أخر،وفعلاً هذه الاستقالة،نحن من معاشرتنا المستمرة،رأينا أنها أتت منه لأن الوضع-أصبح بالتوافق معه-كانت العملية في منتهى الصعوبة.

أحمد منصور:

ألم يكن هناك إيحاء(للسنهوري)أو(لسلمان حافظ)بأن يوحوا له بهذه الاستقالة من قبلكم أو قبل(عبد الناصر)على هذا الخصوص؟

حسين الشافعي:

لا بالعكس هم قاموا بذلك لحساب(نجيب)كي يضعوا المجلس في حرج..

أحمد منصور(مقاطعًا):

وأنتم بالفعل وضعتم في حرج؟

حسين الشافعي:

حرج لا تتصوره،مثل أن تبني شيئًا،وتنميه،ثم تهدمه بقبول الاستقالة،كان رد الفعل فوق ما يمكن أن تتصوره،ولقد قضينا أيامًا في منتهى السوء إلى أن أمكن تأمين القوات المسلحة واستعادة الموقف،ولكن..

أحمد منصور(مقاطعًا):

هذا كان يعكس أن(نجيبًا)له شعبية داخل القوات المسلحة،وله شعبيته بين الشعب.

حسين الشافعي:

داخل القوات المسلحة،والجيش والقوات المسلحة طلبوا أن يجتمعوا بمجلس الثورة،واجتمعوا،واجتمعنا في(نادي الضباط)،والكل تكلم،و(محمد نجيب)تكلم،وفي الآخر طلبوا أن يتكلم(جمال عبد الناصر)،(جمال عبد الناصر)قال ثلاث كلمات،قال إنني لن أستجدي،ولن أساوم،ولن أنافق،وكأنه يلقي على كل ما قاله(محمد نجيب)من كلمات تعرية كاملة للذي قيل على لسان(محمد نجيب)وأخذ تأييدًا بلا حدود.

أحمد منصور:

أنتم-في هذا الوقت-رصدتم الضباط المؤيدين(لمحمد نجيب)وتصرفتم معهم بعد ذلك بإبعادهم عن الجيش؟

حسين الشافعي:

لم يحدث،لم يحدث.

أحمد منصور:

كيف تم علاج أزمة سلاح الفرسان.

حسين الشافعي:

طبعًا،الضباط من هم، منهم من ينتمي إلى عائلة وفدية،ومن ينتمي إلى عناصر شيوعية،ومنهم من ينتمي إلى عائلة مالكة،وهكذا.

أحمد منصور:

يعني كأن الضباط كلهم من أعداء الثورة؟

حسين الشافعي:

فكل أعداء الثورة تركزوا،لماذا؟لأنهم رأوا إن الاستمرار بعد هذا،فالثورة سوف تركز أقدامها أكثر وأكثر،واعتبروا أن هذه فرصة كي يؤكدوا الوفاق بينهم وبعد ذلك يكون الحساب فيما بينهم يأتي لاحقًا،من يستخدمون؟ويخترقون أين؟يخترقون السلاح الذي كانت له اليد الطولى،وهو المقدمة،وهو رأس الحربة وهو الأساس في تأمين الثورة،هو سلاح الفرسان،كيف يدخلون عليه؟

من خلال هذه العناصر،هذه العناصر يلزمها أن تعقد اجتماعًا،والاجتماع يأخذ صفة رسمية،فأتوا يستأذنون قائد السلاح،وهو(حسين الشافعي)أن يجتمعوا،فأنا رفضت؛لأن هذا يتنافى مع النظام العسكري،وقلت الذي يريد أن يقابلني فردًا يأتي إلى مكتبي أو بيتي،بيتي مفتوح في أي وقت.

على الرغم من هذا التنبيه عقدوا الاجتماع،ووجدت عندما وصلت للبيت،وكنت أسكن(االقشلاق)،في ذلك الوقت يتصل بي(عبد الحكيم)ويقول لي(الضباط مجتمعون في السلاح)..

أحمد منصور(مقاطعًا):

عبد الحكيم عامر؟

حسين الشافعي:

و(جمال عبد الناصر)موجود هناك،ذهبت،وكنت أرتدي ملابس مدنية،نزلت في خمس دقائق؛لأن بيتي جوار(القشلاق)وذهبت،فوجدت(جمال عبد الناصر)واقفًا وحوله الضباط،ليسوا الضباط الأحرار،لا،ضباط السلاح،يعني إذا كان الضباط الأحرار،كانوا(32)أو(34)..

أحمد منصور(مقاطعًا):

يعني هؤلاء(34)من سلاح الفرسان الذين شاركوا؟..

حسين الشافعي:

نعم،كان عدد ضباط السلاح في وقتها(450)،ونظام الجيش لا يسمح بهذه اللقاءات وهذه التجمعات،لكن(جمال عبد الناصر)أخذ يسمع لهم،وعندما حضرت قلت له:الاجتماع هذا غير مصرح به،وهم استأذنوا لعقده،وأنا لم أوافق،وهذا اجتماع غير جائز،قال:لا،ليست هذه القضية ؛لأنه يريد أن يسمع،لكن نيته أنه وجدها فرصة لتصفية ضباط السلاح،لأنهم مثل الشوكة التي لا يقتضي الأمر استمرارها،ثم(جمال عبد الناصر)كان له عناصر-قبل أن أكلف بمسئولية قيادة السلاح-كانوا موجودين؛فلما اطمئن لوجودي،قال لهم:أنتم تجمدون نشاطكم نهائيًّا،ولم يشارك أحد منهم في الثورة،لكن أصبحوا جواسيس على من قاموا بالثورة..

أحمد منصور(مقاطعًا):

لصالح(عبد الناصر)؟

حسين الشافعي:

لصالح(عبد الناصر).

أحمد منصور:

من وراء علمك أنت؟أنت لا تعلم عن هذا الأمر؟

حسين الشافعي:

ثم عندما وجدوني متمسكًا بوحدة القيادة،بدءوا العمل بعيدًا عن علمي،وهذا أثر في نفسي؛لأن هؤلاء الناس كانوا أعز الناس على نفسي،وعلى قلبي..

أحمد منصور(مقاطعًا):

معنى ذلك أن(عبد الناصر)كان يخون أقرب الناس له،بما فيهم أنت؟

حسين الشافعي:

كي يتمكن من القيادة،وألاّ تكون مقاومات،حتى هذا حماية لهم؛لأنه عندما يظن أحد أنه-وحده فقط-يستطيع أن يعمل ثورة مضادة،أنت يجب أنم تحميه من نفسه،وتحميه بأنك تمنع أن يقوم بأي عمل،وهذا ما قمت به في أزمة(1954م)حيث أني أحضرت الناس الذين أطمئن لهم في القيادة،كيلا يكون هناك إمكانية لأي عمل مضاد فرصة للنجاح.

أحمد منصور:

أنا أقصد هنا أن(عبد الناصر)كان يخطط لعملية تصفية لضباط الجيش،بحيث لا يبقى إلا الموالون له،وفي نفس الوقت،رغم أن(حسين الشافعي)هو أحد أعضاء مجلس قيادة الثورة،وهو الرجل الذي كان يأتمنه(عبد الناصر)على أن يخلفه في القيام بالثورة في حالة القبض عليه،وهو-أيضًا-الرجل الذي تحرك بشكل أساسي بقوات المدرعات لتأمين قيام الثورة،(عبد الناصر)كان من خلفه قد أقام اختراقًا لقوات سلاح الفرسان عن طريق بعض الضباط الموالين له.

حسين الشافعي:

وأنا أقره في هذا،وأنا إلى جانبه؛لأنني بجانب وحدة القيادة..

أحمد منصور(مقاطعًا):

لكن أنت قلت أن هذا أثر في نفسك؟

حسين الشافعي:

أثر في نفسي حرصًا على أناس أعتز بهم؛لأنهم استدرجوا،واستدرجوا بواسطة ماذا؟بواسطة القوى المضادة.

أحمد منصور:

ماذا كان شعورك تجاه(عبد الناصر)وهو يخونك في بداية عهد الثورة؟

حسين الشافعي:

لا،أنا مشاعري بالنسبة ل(عبد الناصر)كقائد..

أحمد منصور(مقاطعًا):

لا،في هذه المرحلة،في مرحلة(1954م)؟

حسين الشافعي:

كقائد في هذا الموقف صحيح(100%)،لأن هذا فيه محافظة على وحدة القيادة،لأنهم تصوروا أنهم في سلاح الفرسان يستطيعون القيام بحركة انقلابية،ولأنهم كانوا العنصر الأساسي في إنجاح الثورة،أنهم يستطيعون القيام..إنما هذا غير حقيقي،الثورة لم تنجح إلاّ لأن كل الناس على مستوى القوات المسلحة شاركت فيها.

أحمد منصور:

عاد الرئيس(نجيب)مرة أخرى،وبُيِّتَت النية لإزاحته وإزالته،بعدما اُعْتُبِر عقبة،وظهرت شعبيته الجارفة بعد عملية الاستقالة،أليس كذلك؟

حسين الشافعي:

أنا سوف أقول لك شيئًا،مثلاً أنه في حرب(1956م)كان-طبعًا-المعتدون يلوحون بأنهم إذا استطاعوا أن يحتلوا البلد مرة أخرى،كان طبعًا(محمد نجيب)-في اعتبارهم-أن يكون هو السند الأساسي كبديل.

أحمد منصور:

من قال هذا الكلام؟وهذا فيه تخوين(لمحمد نجيب)ودوره التاريخي؟

حسين الشافعي:

ماذا؟

أحمد منصور:

هذا فيه تخوين(لمحمد نجيب)ودوره التاريخي؟

حسين الشافعي:

لا ليس تخوينًا(لمحمد نجيب)،فيه اعتداء من الناس الذين يريدون أن تستخدم أي ورقة،أنا لم أقل أن(نجيب)وافقهم على هذا..

أحمد منصور(مقاطعًا):

كان هذا في مخططهم؟

حسين الشافعي(مقاطعًا):

نعم،هذا كان في مخططهم.

أحمد منصور:

الرئيس(نجيب)لم تعطوه حقه،استقال في المرة الثانية في 17 أبريل 1954م،وقبلها وقعت أزمة(مارس)التي اتهم فيها(جمال عبد الناصر)أنه قام بوضع متفجرات في البلد لإثبات عدم الاستقرار،ولدفع الناس إلى محاولة الاحتماء بأعضاء مجلس قيادة الثورة لحمايتهم من هذا الذي حدث في مارس(1954م)،ما هو تعليقك؟

حسين الشافعي:

قامت مظاهرة مدفوعة من الشيوعيين،وطبعًا لم يكن أمام(جمال عبد الناصر)إلا أن يقابل هذا العمل بعمل مضاد؛لأن الثورة ليست لعبة،فإذا كان اليوم قد جمعوا أناسًا،كان في استطاعته أن يجمع الناس،ويجهض محاولة الشيوعيين هذه..

أحمد منصور(مقاطعًا):

والقنابل التي فُجِّرت واتهم(جمال عبد الناصر)؟

حسين الشافعي:

أنا لم أسمع عن قنابل فجرت؟

أحمد منصور:

هذا يدفعنا-أيضًا-للسؤال عن حريق(القاهرة)،وأنت كنت في(1951م)هذا قبل الثورة،وأيضًا الاتهامات التي وجهت إلى(عبد الناصر)أنه-أيضًا-هو الذي دبر هذا الحريق؟

حسين الشافعي:

أنه ماذا؟

أحمد منصور:

أنه-أيضًا-هو الذي دبر حريق(القاهرة)؟

حسين الشافعي:

والله،هذا الأمر يحتاج إلى تحقيق؛إنما أنا أرى أن إصبع الاتهام يوجه أساسًا للسرايا،لأن حريق(القاهرة)لم يكن منه هدف إلا إحراج وزارة الوفد التي كانت في الحكم بأنها لا تستطيع أن تسيطر على البلد،وبالتالي يكون مقدمةً لإقالة وزارة الوفد.

أحمد منصور:

استقال الرئيس(نجيب)مرة أخرى في(17 إبريل 1954م)وانتهى(محمد نجيب)،وأنتم متهمون بأنكم لم تنصفوا الرجل،بالرغم من الدور الذي قام به،ومُحِي اسم(محمد نجيب)من الكتب الدراسية-كرئيس لمصر،في الفترة(1952م)إلى 17 أبريل(1954م)-ما موقفك من عدم إنصاف الرجل؟

حسين الشافعي:

اسم(محمد نجيب)لا يمكن محوه من التاريخ،بغض النظر ماذا تقول الكتب،وهذه ردود فعل تكون عابرة لوقتها،إنما قد يأتي الوقت لإعادة الاعتبار(لمحمد نجيب) كليةً وتصحيح..

أحمد منصور(مقاطعًا):

هل تطالب بذلك؟

حسين الشافعي:

أنا أطالب بذلك.

أحمد منصور:

تطالب بإعادة الاعتبار(لمحمد نجيب)؟

حسين الشافعي:

100%.

أحمد منصور:

بعد استقالة(محمد نجيب)الثانية في(17 أبريل 1954م)يكون بذلك(جمال عبد الناصر)تخلص من أهم الخصوم الرئيسيين الذين كانوا يهددونه،الأحزاب،وقد تم إلغاء الأحزاب،(محمد نجيب)الذي كان الرمز للثورة خلال 1952م إلى 1954م،بقي هناك الإخوان المسلمون،الذين صدر قرار بحلهم في يناير 1954م،ثم تمت محاكمتهم بعد حادث(المنشية)في محكمة الشعب،التي كنت أحد أعضائها الثلاثة،في الحلقة القادمة نتناول الصراع بين الإخوان،والثورة في محكمة الشعب..

حسين الشافعي(مقاطعًا):

لا،أنا لي تعليق قبل الحلقة القادمة إن(محمد نجيب)..

أحمد منصور(مقاطعًا):

إذا أحببت أن يكون لك تعليق-في الحلقة القادمة-على(محمد نجيب)نبدأ به قبل أن نتعرض للإخوان والثورة،لأننا سنتعرض لموقف(محمد نجيب)من الإخوان في الحلقة القادمة،ويكون لك إضافة يمكن أن نبدأ بها.

شكرًا-سعادة النائب-أشكركم-مشاهدينا الكرام-على حسن متابعتكم،في الحلقة القادمة-إن شاء الله-نواصل الاستماع إلى شهادة السيد(حسين الشافعي) نائب رئيس الجمهورية المصري الأسبق،في الختام أنقل لكم تحية فريق البرنامج،وهذا(أحمد منصور)يحييكم،والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المصدر : الجزيرة