من قتل كمال جنبلاط؟
بعد مرور نحو أربعة عقود، قرر فریق "الصندوق الأسود" تتبع خیوط جریمة اغتیال جنبلاط، التي طمس الكثیر من معالمها إما بفعل الزمن أو بفعل فاعل.
في الفيلم الذي بثته الجزيرة الأحد (2017/3/12) طرحت الأسئلة حول دوافع الجریمة والجهات التي كانت لها مصلحة باغتيال جنبلاط، والسؤال الأهم: من الذي نفذ؟
جاء الاغتيال في خضم حرب أهلية، لتتعقد خيوط الجريمة وتتشابك مصالح الأطراف المتهمة، والدافع السياسي للجريمة يستوجب استعراض خصوم كمال جنبلاط السياسيين والتحقق من الجهات التي كانت لها مصلحة بقتله.
أعداء جنبلاط
أول خصومة لكمال جنبلاط وأقدمها كانت مع القيادات السياسية للطائفة المارونية في لبنان، والتي كان يتهمها قادة الطوائف الأخرى بالهيمنة على مفاصل الدولة ومقدراتها.
والخصم الثاني كان إسرائيل، فدعم جنبلاط للمقاومة الفلسطينية والعمل الفدائي ضدها جعله خصمها الأول في لبنان وهدفا دائما لها، كما أوضح القيادي السابق في الحركة الوطنية توفيق سلطان.
لكن من بين الجهات الثلاث التي وضعت على قائمة المتهمين، حامت جميع الشواهد التي وصل إليها فريق التحقيق حول احتمالية مسؤولية النظام السوري عن قتل جنبلاط، ولم يتمكن التحقيق من الوصول إلى أي إشارة لضلوع الأطراف الأخرى أو احتمالية وجود أي دور إضافي لها.
الخلاف مع الأسد
بدأ الخلاف بين الرئيس السوري السابق حافظ الأسد والزعيم كمال جنبلاط عندما تقدمت الحركة الوطنية والفصائل الفلسطينية إلى معاقل الأحزاب المارونية، ما جعل قادة الموارنة يستنجدون بالأسد.
رفض جنبلاط التدخل السوري في لبنان، ليبدأ الصدام بينه وبين الأسد، ولكن في النهاية دخل الجيش السوري إلى لبنان باسم قوات الردع، وبموافقة عربية ودولية. وبسطت سوريا سيطرتها على لبنان، بعد معارك عدة مع قوات الحركة الوطنية اللبنانية والفصائل الفلسطينية.
احتدم الخلاف بين جنبلاط والأسد، وبدأت خطابات نارية تصدر عن كل طرف ضد الآخر، فجنبلاط كان يرى "مؤامرة حقيقية، وهي مؤامرة سورية إسرائيلية أميركية ضد لبنان وضد الثورة العربية الفلسطينية".
أما حافظ الأسد ففي خطاب عنيف قال إن "جنبلاط يرفع شعارات العدالة والتقدمية زورا، لأنه في حقيقة الأمر هدفه الانتقام من المسيحيين".
يقول كريم بقردوني رئيس حزب الكتائب سابقا إن الأسد ليس غبيا أن يختلف علنا مع جنبلاط ثم يلجأ إلى قتله.
مؤشرات سورية
لكن ثمة مؤشرات تجعل من الصعب استبعاد النظام السوري من قائمة المتهمين، أولها دفع جنبلاط للتخلي عن حمايته، ثم تقارير وكالة المخابرات المركزية الأميركية التي رفعت عنها السرية.
من هذه التقارير واحد صدر قبل سبعة أشهر من اغتيال جنبلاط، قالت وكالة المخابرات الأميركية فيه إن هناك أدلة على أن السوريين مصممون على سحق كمال جنبلاط.
وقع أخيرا اغتيال جنبلاط ومرافقيه فوزي شديد وحافظ الغصيني. ويورد الفيلم تفاصيل ووثائق تظهر للمرة الأولى، تكشف ملابسات الاغتيال. ومن ذلك ترجيح خطة خطف جنبلاط ومرافقيْه، ثم مع إبداء مقاومة تغيرت الخطة وتمت تصفيتهم في الحال.
لغز البونتياك
تظهر سيارة البونتياك الأميركية التي قد تعتبر أشهر سيارة مستخدمة في عمليات الاغتيال اللبنانية.
فهذه السيارة ذات اللون البني من نوع بونتياك فايربيرد كانت نادرة في لبنان، استخدمت في الاغتيال وتحفظ عليها القضاء ثم اختفت.
وبعد اتصالات مع شركة جنرال موتورز وتبعا لمحضر التحقيق الذي وثق رقم محرك السيارة ورقم هيكلها فإن البونتياك شحنت من مرفأ نيوارك الأميركي إلى لبنان عبر مرفأ بيروت.
نجح فريق العمل في حل اللغز كاملا، بعد حصول فريق الفيلم على وثيقة صادرة عن الجمارك اللبنانية تفيد بضبط متهميْن في مرفأ بيروت حاولا تهريب مخدرات في السيارة البونتياك.
تشير الوثيقة في أسفلها إلى إفادة بتوقيع آمر قوات الردع العربية داخل مرفأ بيروت الملازم أول أحمد سكابا يقر فيها باستلام المتهمين والمخدرات والسيارة البونتياك من ضابط الجمارك.
يقود تحقيق فريق العمل إلى أسماء أمنية مهمة ومنها الضابط إبراهيم حويجي الذي أصبح قائدا لجهاز المخابرات الجوية، أقوى الأجهزة الأمنية السورية وأكثرها نفوذا نظرا لاستقلاليته التامة عن مؤسسات الدولة وتبعيته المباشرة للرئيس الراحل حافظ الأسد.
رفعت وآخرون
لكن ماذا عن احتمال تورط رفعت شقيق حافظ الأسد؟
كريم بقردوني يستبعد ذلك، لأن رفعت -وفقا له- لم تكن لديه إمكانيات في منطقة الشوف، وإنما في شمال لبنان.
وفي تسجيل سري حصل عليه فريق العمل لم يكتف رفعت الأسد بنفي مسؤوليته عن اغتيال جنبلاط بل أشار إلى إبراهيم حويجي.
أما وليد جنبلاط زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي فيشير إلى أن تبادل الاتهامات بين أركان النظام، سواء رفعت الأسد أو غيره يعني شيئا واحدا "الذي اغتال.. في النهاية هو النظام".