ما وراء الأحداث

سيناريوهات سقوط بغداد

ما الأسرار الكامنة وراء السقوط الدرامي لبغداد؟ وإلى متى سيستمر الوجود العسكري الأميركي؟ ما شكل الحكومة العراقية المقبلة؟ وهل للمعارضة فيها أي دور؟ ما تداعيات هذه الحرب على دول المنطقة؟ ومن المستفيد الأكبر منها؟

مقدم الحلقة:

محمد كريشان

ضيوف الحلقة:

اللواء المتقاعد محمد علي بلال: خبير عسكري – القاهرة
ليزلي ماخلو خلان: جامعة أكستر البريطانية
د. ظافر العاني: محلل سياسي – بغداد

تاريخ الحلقة:

13/04/2003

– سيناريوهات سقوط بغداد
– تأثير العنصر المعنوي في حسم معركة بغداد

– الأسباب المتوقعة لاختفاء القيادات العراقية

– الاحتمالات الزمنية لانجلاء الصورة الحقيقية لأحداث بغداد


undefinedمحمد كريشان: السلام عليكم ورحمة الله، أهلاً بكم في هذا البرنامج الجديد الذي يتابع مختلف تداعيات الحرب على العراق.

منذ سقوط العاصمة العراقية بغداد إلى اليوم، والأسئلة الحائرة تتزاحم في عقول السياسيين والمحللين والرأي العام العربي، الذي وقف مذهولاً، ومنهاراً، أمام دخول سهل، بل واستعراضي لعاصمة الرشيد في وقت لم يكن فيه أحد مهيئاً لمثل هذا المشهد.

أين هي معركة بغداد التي سيندحر الأعداء على أسوارها؟

أين هي حرب الشوارع؟

أين الحرس الجمهوري؟

أين فدائيي صدام؟

بل أين صدام نفسه؟

ما الذي حصل لكل أركان الحكم من سياسيين وعسكريين؟

هل انشقت الأرض وابتلعتهم؟

هل قُتلوا جميعهم، أم معظمهم؟

هل فروا؟

هل جرت صفقة ما، ومع مَن؟

أم أن كل ما جرى كان متوقعاً، لكن الرؤية حُجبت لدى كثيرين؟

أسئلة كثيرة ومعلومات قليلة، ومع ذلك سنحاول تصور ما جرى، وربما صياغة سيناريوهات مفترضة، أو مرجحة، حتى تنجلي الحقيقة، إذا ما قدر لها فعلاً أن تنجلي يوماً ما.

معنا في هذه الحلقة من بغداد (المحلل السياسي) ظافر العاني، ومن القاهرة اللواء المتقاعد محمد علي بلال (قائد القوات المصرية في حرب الخليج الثانية)، ومعنا هنا في الأستوديو ليزلي ماخلوخلان (الكاتب والباحث في جامعة أكستر).

سيناريوهات سقوط بغداد

لو نبدأ من القاهرة على الأقل لنحاول.. لنحاول على الصعيد العسكري محاولة تلمس ما جرى، سيد محمد علي بلال -برأيك- ما الذي جرى على الصعيد العسكري الحرفي البحت الذي يبرر ما جرى في بغداد؟

محمد علي بلال: أولاً فلنحاول نقول: أن بغداد لم تسقط سقوطاً كاملاً في هذا اليوم الدراماتيكي، لابد أن نعترف بأن بغداد بدأت معركتها منذ اليوم الأول للقتال، تعرضت للقصف المستمر منذ اليوم الأول للقتال حتى 21 يوم، ثم الحركة السياسية الإعلامية التي تمت يوم احتلال القوات الأميركية لمطار بغداد الدولي.

وإحاطتها بالهالة الإعلامية، مما جذب القوات العراقية لاتخاذ قرار غير سليم لمحاولة استرداد هذا المطار، والذي قلنا في وقته: أن هذه العملية عملية سياسية، وأن المطار لا أهمية له من الناحية العسكرية.

ثم الضرب المتواصل الذي كان يوم الثلاثاء اللي موجودة.. لما كانت الدبابات موجودة على الجسر بتاع.. جسر الجمهورية، وكان جسر السنك في الناحية الأخرى لم.. كان إشغاله بسيط، ثم المقاومات اللي موجودة كانت على جسر الجمهورية، وبالذات من أمام وزارة التخطيط، ثم الهدوء الذي تم، والذي استُغل، والذي أعتقد أنه كان اتفاق ما مع بعض قيادات الحرس الجمهوري، بعض القيادات وليس كل القيادات للدخول من.. من مكان.. من كوبري السنك في اتجاه ساحة الفردوس، وساحة التحرير فقط لا غير، ليس إلا، هي دي فقط وتحركت القوات..

محمد كريشان[مقاطعاً]: ولكن.. ولكن عفواً.. عفواً سيادة اللواء يعني هذا الاتفاق المفترض يعني تم بعض قيادات بعد اتضاح الصورة بأن هناك فراغ على مستوى القيادة حتى.. أو حتى مع وجود قيادة الرئيس صدام حسين؟

محمد علي بلال: لأ، حتى مع وجود القيادات، حتى مع وجود قيادات، تم هذا لأن كان معروف لأن إحنا كنا مقدرين إنه يقعد 3، 4 أيام تاني القتال في بغداد نظراً للمقاومة الشديدة، ولكن الاتفاق الذي تم لإخلاء هذه المنطقة فقط مع القيادات المسؤولة، وإحنا نعرف بإن من زمان من ستة أشهر سابقة وأثناء القتال تم دفع بعض عناصر من القيادات الخاصة، ومن بعض العناصر الموجودة من المعارضة داخل هذه المناطق كل بغداد، للقيام ببعض أعمال هامة، ومن ضمنها هذا شراء بعض القوات، فُتح المجال في هذا الاتجاه ودخلت في صورة استعراضية إلى ساحة الفردوس فقط، وأُخذت بدعاية إعلامية ضخمة جداً، كما أُخذت معركة المطار بدعاية إعلامية، أعلن فيها أن كل بغداد كم [قد] سقطت، ولم تكن سقطت غير هذا المكان فقط، ونربط العملية دي بالعملية السابقة في اليوم السابق بضرب مركز (الجزيرة)، مركز (أبو ظبي)، الإعلاميين في.. في فلسطين، اللي هو في فندق فلسطين، بحيث تم التعتيم على كل شيء يتم، وفجأة في اليوم التالي كل الصحفيين وجت العملية دي في المكان الذي فيه الصحفيين حتى يساعد الصحفيين على إبراز هذه العملية كأنها معركة كبيرة جداً، وإن بغداد كلها سقطت، وفعلاً ساعد الصحفيين على هذا، ومن هنا بدأ التداعي في كل مناطق بغداد.

محمد كريشان: نعم، هذا تصور لأحد المراقبين للمشهد العسكري، سيد ماخلوخلان يعني لا نريد أن نقحمك في.. في مسائل عسكرية بحتة، ولكن على الأقل كمراقب.. كمحلل كيف تابعت موضوع سقوط بغداد؟ هل فوجئت به أنت مثلاً؟ هل اعتبرت بأن هناك شيء غير طبيعي جرى؟

ليزلي ماخلوخلان: فعلاً الكل يعني تفاجأ بالسقوط السريع لبغداد، لكن عندما كنا نتابع الأحداث يوماً بعد يوم، وجدنا إن سقوط بغداد سيكون شيئاً طبيعياً بسبب يعني تراكم العوامل التي ستحتم انهزام النظام.. نظام صدام حسين، يعني من الناحية العسكرية المحض، يعني التفوق الجوي لقوات الحلفاء هذا العامل لوحده كافٍ لضمان النجاح.

محمد كريشان: يعني.. يعني.. يعني اعتبرت أن.. أن الجيش العراقي أُنهك في كل المعارك التي جرت في الجنوب، وبغداد أنهكت أيضاً بالغارات الجوية وبهذا التفوق، إذن اعتبرت أن بغداد نضجت للقطف يعني، اعتبرتها أنها تقريباً انهكت بالكامل.

ليزلي ماخلوخلان: فعلاً يعني كمراقب عادي ولست يعني عسكرياً يعني بالمهنة..

محمد كريشان[مقاطعاً]: يعني لماذا -عفواً- أسألك: هل فوجئت؟ لأنه أريد أن أعرف هل هذا عنصر المفاجأة، لأنه كان واضحاً حتى في وجوه الجنود الأميركيين الذين دخلوا، كأنهم لا يصدقون ما جرى، أسألك لأن ربما قد يُتهم العرب بأنهم عاطفيون وبأنهم ربما كانت لديهم أوهام، أنت على الأقل كبريطاني، كيف تابعت الموضوع؟

ليزلي ماخلوخلان: أنا كنت أتابع الموضوع على أساس يعني تحليل منطقي لعوامل المسألة، العوامل العسكرية مع السياسية كانت ستؤدي إلى نتيجة حتمية، أي انهزام النظام بسبب أولاً: التفوق الجوي، ثانياً: الفرق الكبير الضخم في مستوى التدريب عن.. ما بين القوات العراقية وقوات التحالف، ثم تخريب يعني تدمير مراكز القيادة والتحكم العراقية، فهذه العوامل لحالها كافية لضمان سقوط مركز النظام أي بغداد.

محمد كريشان: نعم، لننظر إلى الرؤية من.. من داخل بغداد نفسها مع السيد ظافر العاني (المحلل السياسي العراقي)، سيد ظافر عندما سقطت بغداد، وأصيب الناس بالذهول وبالصدمة كانت هناك وإلى الآن ثلاث احتمالات تروج يُفترض أن لا رابع لها، إما أن الرئيس العراقي صدام حسين غدر بشعبه وأكمل هذه الصفقة، أو أنه غُدر به، بمعنى أن البعض من المحيطين به ربما صفاه، ورتب هذه الصفقة مع الأميركيين، أو الاحتمال الثالث أنه قُتل، وبالتالي ما جرى كان أمراً طبيعياً نتيجة لقطع الرأس الذي كان يُفترض أن يكون في بداية الحملة العسكرية وإذا به يكون في نهاياتها تقريبا، كيف هي الصورة في بغداد؟ هل بدأت ترجح رواية على حساب أخرى؟

د. ظافر العاني: نعم، يعني وإن تضاربت الروايات مثلما يعني لديكم التحليلات تختلف هنا في بغداد أيضاً، يعني هنالك أشبه بالذهول عما حدث في اليوم الأخير لهذا الانهيار الذي وصفه البعض بأنه سريع وفجائي، لكنني قبل ذلك سأقول شيئاً: إن بغداد لم.. لم تنهر بين.. تنهار بين ليلة وضحاها، بغداد تعرضت إلى أقسى قصف صاروخي، وطيران جوي معادي، كان 80% من.. من القصف الذي امتد على مدى العشرين يوماً خلال فترة العدوان، قد تركز 80% منه على بغداد، وبالذات على النخبة الممتازة في المؤسسة العسكرية العراقية، وأعني بذلك الحرس الجمهوري، هذا الموضوع جعل قوات الحرس الجمهوري تخسر كثيراً من رجالها، حتى قبل أن تبدأ المنازلة المباشرة ما بينها وما بين القوات الغازية.

أنا سأقول لك بكل أمانة باعتباري أحد شهود العيان، صدام حسين في خطابه الأخير للشعب العراقي قال وبمرارة -إذا سمعتم هذا الخطاب- قال وبمرارة: لقد وعدني الجيش -على ما أتذكر- ووعدني الحزب، ووعدني الشعب، ووعدني وجهاء القوم وأنا أذكر ما وعدتموني فهل تتذكرون؟ وقد صدَّقت وعدكم، وكان بذلك ينحو باللائمة على معظم هؤلاء الذين يعتقد بأنهم قد خذلوه في اللحظة الحرجة، في وقت كانوا قد أكدوا له فيه بأنهم سيقاومون حتى آخر لحظة، الرئيس العراقي أستطيع أن أؤكد لك إلى أنه قبل يومين..

محمد كريشان[مقاطعاً]: يعني.. يعني عفواً.. يعني في تلك اللحظة يعني عفواً في تلك اللحظة بدأ يستشعر بأن الأمور بدأت تتغير، المعطيات على الأرض كان يشعر بذلك؟

د. ظافر العاني: نعم، يعني أظن يعني من قراءتي.. سماعي للخطاب أنه كان يشعر بأن الأمور قد تغيرت تماماً، لأنه قال: وقد قاتلت القيادة وقاتل الفدائيون -على ما أذكر- وهو كان يشير لذلك يعني بشكل واضح إلى.. إلى نفسه، وإلى الفدائيين الذين قاتلوا معه بشراسة، أنا أستطيع أن أؤكد لك شخصياً أن السيد الرئيس حتى قبل ثلاثة أيام كان موجوداً في.. في بغداد وكان يقاتل، المنطقة التي أقطنها عندما حدثت فيها.. منطقة الأعظمية واحدة من أشرس المعارك حدثت في منطقتي وكانت ساحة قتال حقيقية، كان الرئيس العراقي موجوداً فيها وكان يقاتل كأي.. كأي جندي في المعركة، الرئيس العراقي لم يُقتل، هو لديه شعور بأنه قد.. كانت هنالك عملية غدر حقيقية من قبل المقربين له، وربما القيادة.. القادة العسكريون، هنالك تروج في بغداد اتهامات كثيرة لكبار القيادات العسكرية بأنها قد تركت مهماتها، ربما.. قد يكون ذلك خيانة…

محمد كريشان[مقاطعاً]: يعني.. يعني عفواً.. عفواً سيد.. عفواً سيد عاني، عند.. عندما تقول..

د. ظافر العاني[مستأنفاً]: أو ربما هنالك تخاذل، نعم.

محمد كريشان: نعم، عندما تقول لم يُقتل، يعني برأيك إلى حد الآن مازال على قيد الحياة، وإنما قُتل عسكرياً يعني وسياسياً بعملية غدر معينة؟

د. ظافر العاني: أنا لا أستطيع أن.. أن أؤكد أنه حتى الآن لم يقتل، يعني ليست لديَّ معلومات تفصيلية.

محمد كريشان: نعم، يعني تقصد.. تقصد لم يقتل عندما.. قد.. نعم.

د. ظافر العاني: لكني أقول لك يعني بعبارة (….) وموضوعية أنه حتى قبل ثلاثة أيام كان موجوداً، في معركة الأعظمية كان الرئيس العراقي موجوداً، وكان.. وكان يقاتل إلى جانبه عدد من الفدائيين، كان يقاتل الغزاة مع ثلة من الفدائيين العرب والعراقيين، وقد شاهده جموع من.. من جماهير الأعظمية وتحدثوا وإياه، وقال لأحدهم الذي يعني أسرَّ لي بذلك عندما قال له: لقد خانني الكثيرون، وكان يتحدث بمرارة عن خيانة عدد كبير من القيادات العسكرية والسياسية التي تبخرت بين لحظة وأخرى، يعني لم نعد نسمع عن القيادات الحزبية والقيادات السياسية والعسكرية، أنا أرجح الرواية أن.. أن الغدر قد.. قد لحق من القيادات بالنظام السياسي وبالرئيس العراقي.

محمد كريشان: على كل أيضاً هناك من.. من المتابعين من اعتبر أيضاً أن الإطلالة التي كانت للرئيس العراقي عندما خرج يتحدث إلى الناس ربما كانت نوع من مبادرة انتحار، على أساس أنه متأكد بأنه سيتم رصده بشكل دقيق، ومن ثم سيلاحق ويُعرف أين هو بالضبط، مع أن الكل يشهد بأن الرئيس صدام حسين أستاذ في فن التخفي كما يقولون.

على كل هناك رواية قالها (للجزيرة) المحلل السياسي العراقي المقيم في لندن عامر النفاخ، وهو يقول -وعلى كل على مسؤوليته هذه الرواية- يقول: استناداً لرواية وصلته من اللواء الركن نوري سعيد عبد الفتاح (قائد فرقة بغداد للحرس الجمهوري) تحدث عن رواية معينة لما جرى، نتابعها معاً، ثم ننتقل إلى القاهرة للتعليق عليها عسكرياً على الأقل.

[تسجيل]

عامر النفاخ (ناشط سياسي عراقي): القيادة العراقية في تخمين وفي اجتهاد كان خاطئاً، ودائماً صدام حسين اجتهاداته خاطئة في المسائل العسكرية، عندما احتل مطار بغداد في.. في اليومين السابقين وجد صدام حسين بأنه قد حوَّل قضية معركة المطار إلى المعركة المصيرية بالنسبة إليه، واعتبرها هي المعركة الفاصلة، لذلك قرر الزج بثلاثة فرق من.. من الحرس الجمهوري التي تتمركز في داخل بغداد، وهي فرقة عدنان، وفرقة العبد، إضافة إلى فرقة بغداد التي انسحبت من الكويت، هذا الهجوم الذي نفذ في تلك الليلة كانت ساعة الصفر فيه هو ظهور صدام حسين على شاشة التلفزة مع المواطنين، وهنا انطلقت بعد ساعات تلك الطوابير المجحفلة وهي من القوة والتنظيم ما تؤذن بحسم المعركة لصالح القوات العراقية، باعتبار أن القوات الأميركية المتواجدة لا تقوى حتى على نصف القوة المُزجة، هنا بدأ الأميركان من أجل حسم المعركة لصالحهم باستعمال سلاح جديد، ويعتقد بأنه من القنابل النووية المحددة أو المخصصة، لأن ما ترك من ضحايا تقدر بعشرات الآلاف، وإن حالة.. نحن عرفنا هذا النوع من السلاح الكيمياوي، لأن سبق أن استعمله صدام حسين في حلابشة السلاح الكيمياوي، هذا مختلف تماماً، حيث أن الجندي العراقي تحول إلى هيكل عظمي بقدرة قادر في اللحظة التي قُصف فيها، أو قصفت تلك القطاعات، هنا يعني بأن.. أن المعركة كانت هنا بهذه الدرجة من القوة والشراسة، وبالتالي كانت مجزرة راحت بيها عشرات الآلاف، وهنا تغير ميزان المعركة، تزامن مع ذلك قصف إلى مقر القيادة العراقية في المنصور، هذه أيضاً معلومات رجعت عن طريق أحد الجنود الذين كانوا في الحماية أو في الاستطلاع.. للحرس الخاص، يقول بأنه بعد دخول الرئيس العراقي وولديه إلى مقر القيادة في المنصور بسيارات (فان) صغيرة تستعمل للتمويه، وبعد 40 دقيقة تم القصف المركز على.. على تلك المنطقة، وبالتالي يكون الرئيس العراقي مع ولديه، إضافة إلى نصف القيادة العسكرية وبعض أفراد من القيادة السياسية قد قضوا في هذا الحادث، وهنا كان يفسر ما حدث فيما بعد من انسحاب جميع القيادات والكوادر من السلطة.

محمد كريشان: إذن الصحفي المحلل عامر النفاخ من لندن قدَّم هذه الرواية، اللواء بلال في القاهرة، كيف ترى مثل هذه الرواية؟

محمد علي بلال: لو سيادتك سمحت لي مش قادر أصدق بأن هذه الرواية من رجل عسكري، مش ممكن المطار معروف مكانه، كيف تقوم ثلاث فرق بالهجوم في اتجاه هذا المطار؟ سعة المطار لا تسع لفرقة بالقيام بالهجوم المضاد، فكيف يكون ثلاث فرق؟! ثم رأينا مناظر بعد كده في اليوم التالي للمطار، لم يكن هناك فيه دبابات، إذا كان بيقول لي ثلاث فرق من الحرس الجمهوري بدباباتها، بمركباتها، أين كانت هذه المركبات وأين هذه الدبابات في اليوم التالي؟ وبعدين القنابل الذرية اللي من طراز خاص طبعاً دا مش ممكن، لأن إذا كان فيه دبابات فكيف يكون الجندي هو هيكل عظمي؟ هذه كلها أشياء لا تصدق، وغير معقولة، ودي كلها روايات من الإشاعات لتبرير هذا الموضوع.

الصحاف قال في اليوم السابق لما اتعملت العملية بتاعة المطار قال إن هو هيقوم بعملية غير تقليدية، واحنا شفنا في اليوم التالي بعض الجرحى من المتطوعين العرب اللي قاموا، وقال إن هم كانوا بيخشوا بصدرهم على الدبابات، ودي الرواية الأصح، الرواية الأصح إن هو قام بقوات من المشاة اللي موجودة حوالين بغداد وبالذات في هذا الاتجاه.. اتجاه المطار للقيام بهجوم مضاد بشري بالمشاة، حتى لأن زي ما إحنا عارفين بأن الدبابات والمركبات وأجهزة الرؤية الليلية هتشوف المركبات والدبابات، فتستطيع إن هي تتغلب عليها لمدى الرؤية اللي عندها للمسافة.. لمدى المسافة اللي عندها اللي أكبر من الدبابات الـ T72 وT62، فبالتالي قام بهجوم بشري خسرت فيه القوات العراقية بلاشك أعداد كبيرة، ولكنها ليست عشرات الآلاف كما يقال، وإلا كنا شفنا هذه الجثث، لكن أنا أرجع من العملية دي، وبأقول الآتي: لو كان فعلاً زي ما قال الأخ ظافر بأن كان الرئيس صدام بيقاتل في الأعظمية فهي دي اللي أنا عايز أوصل لها، إن فعلاً القتال لم يكن في كل بغداد تم سقوطها، تم الحتة دي فقط اللي هي في ساحة التحرير وساحة الفردوس، واللي خذت الدعاية الإعلامية الجامدة اللي أثرت على الباقي، لكن باقي بغداد كانت بتقاتل 3 أيام تقريباً، وكنا بنسمع عن المقاومات اللي موجودة في شمال العراق واللي موجودة في الأعظمية، بل اللي كانت موجودة في مدينة صدام، إذن هي العملية ماهياش بهذه الصورة اللي بتتقال، وبعدين كنت عايز أرد على الأخ .. السيد ليزلي بإن عملية التدريب في القوات اللي هي الأميركية البريطانية زيادتها عن التدريب في الجيش العراقي، أنا عايز أقول لأ التدريب ماكانش هو العامل الحاسم شويه في هذه المعركة، ولكن التقنية والأسلحة والإمكانيات اللي موجودة والقوات الجوية الشديدة اللي قلت عليها من أول يوم وبغداد عمَّالة تتضرب، والحرس الجمهوري عمَّال يتضرب من أول يوم، يعني كل مدينة خدت كفايتها من الضرب، عدا بغداد خدت كفاية العراق كلها من الضرب الجوي والصاروخي، وعايزين نقول في الآخر ما هو الجيش الذي يستطيع أن يقاتل بدون غطاء جوي؟ فدي العملية عملية كان فيها شيء من الخيانة من بعض الضباط، وليس كل الضباط، وليس كل القيادات السياسية.

محمد كريشان: بس لكن.. ولكن لواء بلال، على فرضية أن هناك خيانة معينة، يفترض أن تصبح هناك حالة من الفوضى، من الانهيار، بمعنى مجموعة هنا سلمت أسلحتها، مجموعة هنا مازالت تقاوم، مجموعة اختفت، ولكن المشكلة أن بغداد أصبحت قاحلة بالمرة تقريباً، لا وجود لأي شيء، لا وجود لأي مقاومة، فقط دبابتان كانت على الجسر، جسر سنك هي التي كانت موجودة قبل أن تدخل بقية الدبابات، يعني كانت هناك حالة فراغ كاملة، في هذه الحالة هل تفترض أن إذا كانت هناك خيانة معينة من الحرس الجمهوري أو من أي مستوى عسكري آخر، قادر أن يعطي الأوامر للجميع للانسحاب من كل الأماكن والمواقع؟

محمد علي بلال: ليس من كل بغداد، وليس من كل مواقعها، في هذا القطاع فقط، هو دا اللي دخلت فيه الدبابات وكانت داخلة، كنا شفناها كانت داخلة بتتمشى، الأفراد بتنزل من مركبات القتال المدرعة دون اتخاذ أي إجراءات للتأمين، إذن.. وهذا القطاع فقط، لأن بعد كده سمعنا بأن القتال متواصل في الأماكن الأخرى إذن الأماكن الأخرى لم تسلم، ولم تنزع أسلحتها، ولم تترك مكانها، بالعكس كان هناك فيه المقاومة، هذا القطاع فقط، لأن معروف إن في الدفاع عن المدن بيبقى فيه كل جزء فيه قطاع معين له قائد ومسؤول، فدا القطاع فقط، وعشان كده بنقول لماذا لم تدخل الدبابات اللي كانت موجودة على كوبري الجمهورية في اتجاه اللي كانت المنطقة بتاعة وزارة التخطيط والمنطقة اللي كانت قدامها، دخلت من كوبري السنك فقط في اتجاه ساحة الفردوس وساحة التحرير اللي فيها الصحفيين، دا هم استغلوا الموضوع بتاع الصحفيين دا بشكل دعائي غير معقول، وإحنا لم نستطع أن نرى إلا من اتجاه واحد، اللي هو الاتجاه اللي كانت بتريدنا القيادة الأميركية أن نراه، والباقي لم نكن نراه إطلاقاً ولم نكن نعلم عنه أي شيء لغاية اليوم التالي لما عرفنا إن مقاومات مستمرة في شمال بغداد وفي منطقة الأعظمية وفي مناطق أخرى، واستمر القتال حوالي 3 أيام، ولكن قتال مشوب باليأس، لأن هناك دخول في بغداد، الدعاية العظيمة التي أجريت، وكل الدعاية أن بغداد سقطت والقيادة سقطت.. والقيادات سقطت، فتأثيرها كان على المقاتلين الآخرين تأثير شديد جداً جداً.

محمد كريشان: إذن القطاع هذا بالذات الذي أُخلي، وكان أساساً للفرجة الإعلامية.

[فاصل إعلاني]

تأثير العنصر المعنوي في حسم معركة بغداد

محمد كريشان: سيد ماخلوخلان، أشار ضيفنا في بغداد إلى ما اعتبر .. هناك نوع من الغدر، نوع من الخيانة.

أريد أن أسأل عن دور ما يمكن أن يعتبر استقطاب لبعض القيادات العسكرية من خلال الأموال، أنت مطلع جيد على المنطقة العربية، وبريطاني فوق ذلك، وبريطانيا من بين القوات الغازية -كما نسميها- كيف تفسر أهمية مثل هذا العنصر، عنصر المال في.. في تجنيد البعض؟

ليزلي ماخلوخلان: فعلاً أنا استمتعت كثيراً بالنقاش الجاري حتى الآن بالنسبة للعوامل التي تحدد يعني إطار الموضوع، موضوع انهيار المقاومة في بغداد، الذي لفت.. لفت نظري كثيراً هو استعمال كلمة خيانة، كلمة خيانة تدل على أن ضابط أو ضباط معينين اتخذوا قرار بتسليم المعركة، والتخلي عن الميدان أنا أريد أن.. يعني هذه الكلمة جعلتني أتساءل: هل هناك عامل يربط بين كل هذه المظاهر التي أشار إليها سيادة اللواء؟

هناك موضوع المعنويات، عندما نتكلم عن معركة في.. في عاصمة مثل بغداد، لابد من المقارنة مع أكبر معركة حصلت في أي عاصمة في التاريخ، أي معركة برلين سنة 45، في.. في تلك الظروف، الجيش الألماني كان يواجه عدوين يعني أقوى منها بكثير، من الجانب الروسي، ومن جانب أميركا وبريطانيا والحلفاء الآخرين، والنتيجة كانت معروفة، ولكن الجيش الألماني ظل صامداً إلى آخر لحظة، لماذا؟ أولاً: بسبب الخوف من الروس، ثانياً: بسبب الولاء للنظام، الولاء كان موجوداً، وهذا.. هذا أعجوبة..

محمد كريشان [مقاطعاً]: يعني.. هذا لم يكن متوفراً في العراق؟

ليزلي ماخلوخلان: أبداً.

محمد كريشان: لم يكن هناك ولاء للنظام؟

ليزلي ماخلوخلان: لأ. إنه واضح يعني بالنسبة إلي كمراقب إنه الولاء كان انهار مثل ما انهار في الاتحاد السوفيتي في آخر أيام الاتحاد السوفيتي، الولاء..

محمد كريشان [مقاطعاً]: يعني كان ولاءً منافقاً يعني، لم يكن صادقاً؟

ليزلي ماخلوخلان: القبول بالعقيدة كان تلاشى، وكان انتهى، فلذلك لم.. لم يكن ولاءٌ.. ولاء موجوداً أكيد عند الجنود، أما بالنسبة للضباط والضباط الكبار، هذا في.. في.. في كتمان المجهول، وسينجلي الموضوع فيما بعد.

محمد كريشان: نعم، ربما نسأل السيد ظافر العاني حول هذه النقطة تحديداً التي أشار إليها السيد ماخلوخلان فيما يتعلق بالولاء، ومع إضافة نقطة أخرى، أشار اللواء بلال إلى الدَّخْلة.. الفرجة التي كانت للقوات الأميركية، وتأثيرها على المعنويات، ولكن بالنسبة لسكان بغداد وحتى للجنود وللقادة، لم يكونوا بالطبع يتابعون التليفزيون، بمعنى أن الموضوع على صعيد المعنويات، ربما لم يكن بالمعنى الدقيق مثل ما أي شخص يتابع التليفزيون، كيف تنظر إلى هذا الموضوعين، موضوع الولاء، وموضوع التأثير المعنوي نظراً للمتابعة التليفزيونية الكبيرة التي حدثت؟

د.ظافر العاني: أستاذي العزيز، يعني الكهرباء كانت موجودة في بغداد، وكان الناس يتفرجون على.. على التليفزيون، ويعني عندما دخلوا القصر الجمهوري حقيقة عند ذاك حدث انهيار كبير في المعنويات باعتبار أن القصر الجمهوري له رمزية عالية بالنسبة إلى النظام السياسي..

محمد كريشان [مقاطعاً]: ولكن عفواً دكتور ظافر.. يعني عفواً، الأطباق الفضائية غير مسموح بها في بغداد، وحتى القنوات الموجودة بالـCable، قنوات غير إخبارية أو فيها نظام رقابة معينة يعني كيف استطاع العراقيون أن يتابعوا ما جرى يعني؟

د.ظافر العاني: نعم، يعني قناة (العالم) موجودة في بغداد مثلها مثل قناة (سحر) ثانياً: يعني برغم المنع هنالك يعني عدد غير قليل من العوائل العراقية تحتفظ سراً بالأطباق وتشاهد ما حدث وتستمع إلى الراديو، وكان.. وكانت شغوفة جداً بسماع الأخبار، وتناقلها من شخص إلى آخر، حول دخول القوات الأميركية من.. من مكان إلى آخر، انهيار المعنويات حدث أيضاً من خلال القصف المكثف والكبير والوحشي ومناظر المدنيين الذين سُحقوا تحت هذا.. هذا القصف، والمؤسسات التي خُرِّبت وانهارت، العراق قد بنى استراتيجيته العسكرية كما قد أعلن على.. على أساس حرب الشوارع في بغداد، لذلك المسؤولون العراقيون قد ذكروا بأن ثلثي القوات العسكرية كانت تحيط ببغداد، زهرة القوات المسلحة العراقية، كانت موجودة في محيط بغداد، وعلى حوافها لمنع دخول الغزاة إلى بغداد، معركة المطار قد سببت انهياراً كبيراً في المعنويات خصوصاً وقد ترافق وإياها يعني إعلامياً العراق لم يكن موفقاً في إدارة الإعلام العراقي، خصوصاً بعد دخول القوات الغازية إلى المطار، وبدأ التخبط الإعلامي، والتصريحات المتناقضة، مما يعني أثار حفيظة العراقيين، وأشعرهم بقلق كبير حول أن.. حول حقيقة الاحتلال الأميركي أو.. أو العدوان الأميركي على بلدهم، أنهم قد أصبحوا قاب قوسين أو أدنى من هذا الاحتلال..

محمد كريشان [مقاطعاً]: يعني عفواً على.. على ذكر المطار.. على ذكر المطار تحديداً سيد ظافر، هناك من يشبهه بما وقع بالـ(الدفرسوار) في حرب أكتوبر عام 73 وتأثيرها في قلب معطيات المعركة، هل تراها بهذا الشكل وإن كانت على مستوى بغداد فقط؟

د.ظافر العاني: نعم.. نعم، نعم لا.. لا شك يعني حتى وإن كانت على مستوى بغداد، أنا.. أنا قلت لحضرتك إنه الاستراتيجية العسكرية مثلما وطَّن المسؤولون العراقيون نفوس الناس وعقولهم على قبول حرب الشوارع، دخول القوات الغازية إلى.. إلى المطار وتضارب التصريحات العراقية في أنهم قد خرجوا بعدئذٍ، يعني تأكد وجودهم في.. في المطار، بأنهم بدءوا يقتربون من بغداد، قد أودى بانهيار المعنويات عند.. عند الشعب العراقي، عند الجيش العراقي، حدثت عمليات هروب وتسلل من الخدمة العسكرية، نتيجة القصف المكثف الذي نالت منه بغداد أكثر مما لم تنله أية مدينة أخرى ربما حتى في العالم.. في العالم كله، يعني على ما أذكر إنه في العشرة أيام الأُوَل قالوا: أن ثلث الخزين الاستراتيجي من الصواريخ الأميركية قد نفذ من خلال.. من خلال القصف على.. على بغداد، لكن للإنصاف لنقل أن.. أن العراق قد قاوم لمدة ثلاثة أسابيع أعتى وأقوى قوتين كبريين في العالم بمخزون استراتيجي وفائقية تقنية لا تُقارن بما موجود لدى العراق من.. من إمكانيات بسيطة، سواء أكان بسبب الحروب التي أكلت معظم التجهيزات العسكرية، أو بسبب الحصار الذي منع عليه استيراد أي.. أي شيء يعزز به قواته العسكرية، أو بسبب التفتيش الذي نزع حتى مخالب العراق التقليدية من صواريخ الصمود وسواها..

محمد كريشان [مقاطعاً]: نعم هو.. هو المسألة..

د.ظافر العاني [مستأنفاً]: يضاف لذلك..

محمد كريشان [مقاطعاً]: المسألة سيد ظافر.. ربما المسألة التي جعلت البعض يُصاب بالإحباط وبالذهول أنه هناك معارك سابقة مثلاً حصار بيروت عام 82، في صيف 82 استمر تقريباً 90 يوم، حتى مخيم جنين استمر صامداً لفترة طويلة مع أن مساحته لا تتجاوز الكيلو متر مربع والدبابات الإسرائيلية كانت تحيط به من كل مكان، جروزني، سراييفو هناك أمثلة، هل تعتقد -وأنا هنا سؤالي- هل تعتقد بأن وقع هناك نوع من التضليل على أساس أن المعركة الحقيقية هي معركة بغداد وليست المعارك السابقة، وبالتالي أُصيب الناس بالصدمة عندما وصلت الأمور إلى بغداد عملياً، أم ترى أصلاً أن معركة بغداد بدأت منذ بداية الحرب، وبالتالي لم يكن هناك مجال أصلاً لشيء اسمه معركة بغداد؟

د.ظافر العاني: صحيح، هذا صحيح أن.. أن.. أن معظم القوات العسكرية العراقية التي كانت تحيط ببغداد قد.. قد أُضعفت فاعليتها إلى حد كبير نتيجة القصف، ونتيجة وجود الجواسيس الذين بثتهم أميركا وبريطانيا، وللأسف أقطار عربية عديدة كانوا موجودين ينقلون معلومات عن تحركات الجيش العراقي، وبالتالي كان هنالك قصف مكثف لا نظير له على مواقع الجيش، بحيث يعني أُبيد واستشهد عدد غفير من.. من الجيش العراقي، حتى قبل أن يدخل المعركة، لكن -يعني- أستاذي العزيز، أنا لدي تحفظ، أن نبسِّط الموضوع بهذا الشكل، يعني هذا أمر لا أرتضيه، العراق قاوم ثلاثة.. تتحدث عن.. عن معارك عربية مصر مثلاً عندما كانت تحارب دويلة إسرائيل تستنجد بالعرب أجمعهم لكي يحاربوا وإياها، ولم تستغرق حروب العرب أكثر من ستة أيام، العراق قاتل ثلاثة أسابيع قتالاً شريفاً باسلاً نبيلاً، كبَّد الأميركان والبريطانيين خسائر كبيرة وفادحة في محلة الأعظمية.. في منطقتي فقط 13 دبابة أميركية قد دُمرت، وواحدة من ناقلات الأشخاص لا تزال موجودة في أحد الأزقة محشورة هناك مُدمرة، العراق كبَّد الأميركان خسائر كبيرة جداً، وهم.. وهم ليسوا صادقين في حتى.. في ذكر الخسائر التي.. التي تكبدوها، الجنود العراقيون تحدثوا عن آلاف من.. من القتلى الأميركان والبريطانيين في سوح المعارك، معركة أم قصر لوحدها وهي.. وهي قصبة صغيرة ظلت تدافع وتقاوم أيام طويلة دون أن.. قبل أن تُحتل، وكبَّدت المعتدين خسائر كبيرة، العراق قاوم وناضل وباسل و.. واستطاع أن يكبد العدو خسائر، 3 أسابيع من قتال مرير وشرس تجاه أقسى قوتين وأكبر قوتين في العالم، ليس ضدهم فقط، ولكن بمساندة ومؤازرة نظم عربية واضحة، أوَ تعرف سيدي العزيز أن.. أن هنالك مع القوات الأميركية والبريطانية عرب قد جاءوا.. قد جاءوا إلى.. إلى العراق، قد شاركوا فعلياً في العمليات العدوانية ضد العراق؟ هذا بمعنى إن أكثر من 22 دولة عملياً وفعلياً قد قامت بالعدوان على العراق والعراق لوحده استطاع أن يصمد لمدة ثلاثة أسابيع..

محمد كريشان [مقاطعاً]: على كل هو سيد.. سيد يعني.. نعم..

د.ظافر العاني [مستأنفاً]: جِدْ لي دولة عربية واحدة استطاعت أن تقاوم لمدة ستة أيام؟

محمد كريشان: يعني هو.. يعني بالطبع نحن لا نريد أن.. أن.. أن نسخِّف أي مقاومة للعراقيين، ليس هذا هو الغرض، وربما وجود العربة العسكرية والجنود وراءك سيد ظافر العاني، وأنت الآن تحدثنا من حديقة فندق فلسطين أين يقيم الصحفيون، ربما يعني تختزل كل المشهد، أريد أن أسأل اللواء بلال، قبل قليل السيد العاني أشار إلى ما اعتبره غدراً وكان الكثير داخل الإدارة الأميركية وداخل الحكومة البريطانية ربما من خلال تقارير استخباراتية يراهنون على هذا الموضوع، سؤالي: هل تعتقد بأن ما قطفوه من استسلام أو من فراغ -أو نسميه ما شئت- كان نتيجة اختراقات سابقة أم نتيجة اختراقات فورية جرت عندما شعر الجميع بأن القيادة ضُربت أو.. أو رحلت أو أي سيناريو ربما يكون حدث؟

محمد علي بلال: لا، الاختراقات كانت من بداية المعركة وقبل بداية الحرب، وسيادتك تتذكر مثلاً أنا أذكرك بحاجة تقدر تحدد إن فعلاً الاختراقات كانت موجودة ضرب حي المنصور، ماذا قيل؟ قيل إن كانت لديهم معلومة بأن الرئيس صدام معاه بعض من الأفراد دخلوا المبنى في حي المنصورة، فأدوا أمر للطيارة مباشرة، الطيار قال خلال 12 دقيقة كان بيضرب هذا القصر، من الذي أعطى هذه المعلومة؟ بل أول يوم في الضرب.. ضرب بغداد اللي هو اتضرب فيه الـ40 صاروخ، ماذا برر الأميركان والبريطانيون بهذا الضرب؟ قالوا: إن لقوا معلومات.. جت لهم معلومات بأن صدام موجود في هذا الوقت في هذا المكان، فضربوه بـ 40 صاروخ عشان يقللوا أمد الحرب، إذن ده يدل تماماً على أن الوحدات الخاصة والجواسيس والعناصر العميلة اللي كانوا مدفوعة كانت موجودة من قبل بداية العمليات، وسيادتك -يا أخ محمد- ذكرت حتة كويسة جداً، وهي دي الأساس في الكل إن يتقال الآتي، والقيادة حتى الأميركية كانت بتقول أيه وهي في الدوحة، بتقول: بأن معركة بغداد لم تبدأ بعد، إمتى؟ ساعة لما خذوا المطار، مع أن معركة بغداد بادئة من زمان، من أول يوم في العمليات أُوحي لنا جميعاً، وأُوحي للشعوب العربية كلها بأن المعركة هي معركة بغداد، وبغداد لم تبدأ معركة بعد، وكان الكل منتبه، أم القصر بقى لها 8 أيام، البصرة حتى الآن ما سقطتش، الناصرية لازالت تقاوم، وينسى الجميع الضرب المستمر بالقوات الجوية وبالصواريخ على بغداد ليلاً نهاراً، كانت موجودة إضعاف.. يعني بنسميها في العسكرية تليين الدفاعات، بيخليها خلاص هشَّة، الدفاعات اللي عمالة.. الضرب المستمر بيخليها هشة، علاوة على التأثير من الناحية النفسية الكبيرة، ثم فيه ناحية كبيرة جداً يمكن مش واخدين بالنا منها، إحنا كنا بنقول الآتي: لماذا سيطيل القوات العراقية القتال لأطول مدة ممكنة؟ هي المفروض لا تستطيع أن تقاوم أميركا وبريطانيا سوياً مش ممكن، مقارنة مستحيل قصد الدولتين دول مع العراق، لكن هي كانت بتريد أن تطيل أمد الحرب لأطول مدة ممكنة اعتماداً على أساس الدول التي كانت رافضة للحرب قبل بدايتها عندما يطول أمد الحرب قد تثير المشكلة من جديد، وتصدر قراراً في مجلس الأمن بإيقاف العمليات، والدخول ثاني في مجلس الأمن، ولكن بعد 15 يوماً تغيَّر الموقف، وخرجت الدول المعارضة إلى دول مؤيدة.

محمد كريشان: نعم، سيد ماخلوخلان، أشرت قبل قليل إلى أن لا يوجد إيمان ربما بالقيادة، لا يوجد وفاء.

ليزلي ماخلوخلان: وفاء.


الأسباب المتوقعة لاختفاء القيادات العراقية

محمد كريشان: هذا ربما يفهم على صعيد القيادات العسكرية الميدانية التي أخلت مواقعها من وجهة نظرك، لكن ماذا.. ما هو تفسيرك مثلاً لهذا الفراغ الكامل على صعيد الطبقة السياسية، يعني عدا عامر السعدي الذي رتَّب استسلامه بشكل تليفزيوني ربما يوثَّق به ما تم، حتى لا تغبر القضية، ولا أحد يعرف مصيره، والبعض اعتبر ذلك خطوة ذكية، عدا عامر السعدي لا أحد ظهر، لا طارق عزيز، لا طه ياسين رمضان، لا محمد سعيد الصحَّاف، لا عزت الدوري، لا أحد، يعني هل يُعقل أن يكون كل هؤلاء كانوا في اجتماع مع الرئيس صدام حسين وقُتلوا جميعاً، يعني ما.. ما الذي ترجَّح؟

ليزلي ماخلوخلان: هناك تفسير بسيط لهذا، ولا أقول إن هذا التفسير صحيح، ولكن قد يكون أن هؤلاء عرفوا يعني بعد ضرب بغداد لمدة 20 يوم، عرفوا إنه ما فيه فائدة في المقاومة، هذا تفسير قد يكون يعني معقولاً بسبب شدة الضرب، ويجب أن نتذكر أن الأميركان سمَّوا هذه السياسة العسكرية الصدمة والتخويف، ففعلاً توفقوا في عملية التخويف، مع الأسف الشديد يعني..

محمد كريشان: يعني إذا وصلوا إلى هذه القناعة -برأيك- يكونوا قد قرروا الانسحاب أو الاختفاء أو الفرار بكل هذه البساطة؟

ليزلي ماخلوخلان: نعم، هذا.. هذا تفسير جائز، لأنه هذا.. هذا حصل بالنسبة للألمان في.. في آخر أيام (هتلر) في سنة 45، كل كبار القوم، يعني كل الزعماء الكبار في.. في الحزب فروا.

محمد كريشان: يعني إذن في هذه الحالة لا وجود، لا ولاء عند القيادات الوسطى ولا القيادات العسكرية، ولا حتى القيادات العليا في هذه الحالة، يعني ليس فقط هزيمة عسكرية، وإنما أزمة سياسية كبيرة يعني برأيك؟

ليزلي ماخلوخلان: هذا تفسير جائز، لا نعرف حتى الآن، لأنه المعلومات غير متوفرة حتى الآن.

محمد كريشان: نعم، ربما نسأل السيد ظافر العاني، والحقيقة أن.. منذ البداية قلنا أن هذه الحلقة سنحاول أن نبحث فيها فرضيات، والأسئلة كثيرة والإجابات قليلة، وأنا لا أشك بأن أغلب المشاهدين قد يخرجون بعد الحلقة وهم أكثر تشويشاً مما كانوا قبلها، ولكن مع ذلك لنحاول مجرد محاولة، بالنسبة لهذه القيادات السياسية ما المتداول في.. في بغداد؟ ما الذي جرى لها؟ ما هي الاحتمالات المرجحة؟ ما هي السيناريوهات التي طرحت عند الناس أو عند المتابعين المقربين؟

د. ظافر العاني: يعني معظم الناس يتحدثون أن هنالك يعني عملية هروب قد حدثت للقيادات السياسية العليا، خصوصاً وأن يعني.. يعني بعد أن عرفت.. تيقنت من انهيار النظام السياسي أو أنه على وشك الانهيار، وإن.. وإنها مطلوبة للأميركان والبريطانيين باعتبارهم مجرمي حرب، ربما آثروا الهروب هم.. هم وعوائلهم، والبعض منهم كان قد سفَّر حتى عوائله قبل أن.. أن يؤاثر الهرب، ما.. ما يقوله الشارع العراقي هو هذا.

أستاذي العزيز، أنا أود أن أقول جملة واحدة فقط أنا أتحدث هنا إكراماً (للجزيرة) على الرغم من أن المنظر الذي خلفي يؤذي مشاعري كثيراً، يعني منظر وجود القوات الأميركية يعني هذا المنظر الذي خلفي آذى مشاعري كثيراً، وجعلني مستفز الأعصاب.

عودةً إلى السؤال إن القيادات العراقية قد كان ولاؤها، يعني وهذا هو العيب الكبير أن المعركة اعتُبرت وكأنها معركة النظام السياسي، لم تُعتبر، يعني لم يروَّج لها باعتبارها معركة العراق ضد غزاة ومحتلين، وبالتالي القيادة العراقية شعرت بأن رأسها هو المطلوب من.. من انهيار النظام، وعندما أحست بقرب القوات الأميركية ودخولها إلى بغداد، فإن معظمهم قد آثر الهرب، ولذلك الاجتماع الأخير للسيد الرئيس صدام حسين كان إلى جواره فقط -كما أُذيع في الإعلام العراقي- علي حسن المجيد وطه ياسين رمضان، القيادات العراقية الأخرى كلها لم.. لم تكن موجودة.

محمد كريشان: نعم، على كلٍ سيد ظافر لابد من أن.. أن نحييك لهذه المشاركة، لأن ربما بعض الذين كانوا يشاركون من قبل ويدافعون عن.. عن البلد وعن القيادة، ربما كانوا يفضلون الآن الصمت، ولكن مع ذلك أنت معنا، وإكراماً لـ (الجزيرة)، ونحن أيضاً نحييك على هذه اللفتة. سؤال فيما يتعلق بـ.. يعني لنفترض أن بعض قيادات الحرس الجمهوري شعرت بأن الرئيس صدام حسين قُتل، وبأن القيادة السياسية فرَّت أي.. أيًّا كان الموقف، برأيك لماذا لم يتم ترتيب ولو.. ولو سيناريو معين لإخراج ما جرى، يعني هل كانت هذه القيادات غير قادرة مثلاً على عقد مؤتمر صحفي تقول فيه أن الرئيس صدام حسين قُتل أو جرى ما جرى، ونحن حقناً للدماء وكذا وكذا، ويرتبون تصور معين للوضع الجديد، هل هذا أيضاً كان أمراً مستحيلاً؟

د. ظافر العاني: يعني في ظل نظم شمولية مثل النظام العراقي لا.. لا.. لا يمكن التفكير أن.. أن يجرؤ أحداً يعني عدا القيادات العليا وربما الرئيس العراقي الذي يستطيع أن.. أن يتحدث بمثل هذه الجرأة، خصوصاً وإن يعني الحرس الجمهوري أيضاً كان متهم من قبل الأميركان والبريطانيين بأن هؤلاء هم عملاء للنظام العراقي وسيعاملون كمجرمي حرب، لذلك يعني انهيار رمزية النظام قد.. قد أتت على النظام بأكمله، وأصبح هنالك انهيار .. للمعنويات بحيث أن الجميع حتى بما فيهم الحرس الجمهوري يعني عندما اقتربت القوات الأميركية منذ دخلت بغداد، وبالذات عندما دخلت المطار والقصر الجمهوري، بعدئذٍ يعني بدأ العراقيون يشاهدون الدبابات الأميركية موجودة في بغداد، والضغط الإعلامي والنفسي الذي حدث على العراقيين قد منع أي تصرف سليم سواء أكان لحفظ القوات المسلحة أو.. أو لصون البلد، تصرَّف الفيلق الخامس في الموصل بعد انهيار بغداد، وتفاوض.. وتفاوض وانسحب من.. من الموصل إيثاراً للحفاظ على الجيش العراقي، مثلما حدث في أماكن أخرى كما عرفت.


الاحتمالات الزمنية لانجلاء الصورة الحقيقية لأحداث بغداد

محمد كريشان: سيد.. سيد يعني عفواً.. عفواً سيد ظاهر، سؤال أخير وسأوجهه لبقية الضيوف أيضاً باختصار قبل دقيقتين من نهاية البرنامج، متى تتوقع أن تنجلي الصورة وتتضح الحقائق؟

د. ظافر العاني: يعني..

محمد كريشان: باختصار شديد رجاءً.

د. ظافر العاني: ليس الآن.. ليس الآن، يعني لا.. يعني أعتقد أن هنالك أمامنا يعني سنة على الأقل لكي تتضح أبعاد الصورة كاملة.

محمد كريشان: نعم، لواء بلال، برأيك متى يمكن أن تتضح الحقائق سواء السياسية منها أو.. أو العسكرية برأيك؟

محمد علي بلال: الحقائق السياسية والعسكرية لن تنجلي إلا إذا أراد الأميركان أن يجلوها.

محمد كريشان: يعني برأيك هم يعلمون تماماً ما الذي جرى، ويفضلون الآن عدم الخوض في الموضوع؟

محمد علي بلال: تماماً، يعلمون تماماً ما جرى، وكل شيء جرى في بغداد أو في العراق ككل يعلموه تماماً، ولديهم من كافة الوسائل ما يستطيعوا أن يحددوا به كل شيء تم من أول يوم حتى آخر يوم، ولن نستطيع أن نعرف ذلك إلا إذا أرادوا هم أن يعلنوه.

محمد كريشان: نعم، سيد ماخلوخلان، باختصار متى يمكن أن يقرروا هذه اللحظة؟

ليزلي ماخلوخلان: لا أستطيع أن أختلف مع زملائي بالنسبة لطول يعني فترة عدم التأكد من الحقائق، لأنه.. ولكن هناك عملية عند الجيوش المتطورة يعني تقييم المعركة وتقييم ما جرى، فهذه العملية ستطول وخصوصاً بسبب دور القوات الخاصة، يعني عمليات سرية جرت، ومن الصعب أن نتصور إنه هذه الحقائق ستنجلي للعالم.

محمد كريشان: نعم، شكراً لك سيد ليزلي ماخلوخلان (الكاتب والباحث في جامعة أكستر البريطانية)، نشكر أيضاً ضيفنا في بغداد السيد ظافر العاني، شكراً جزيلاً لك ولكلماتك الطيبة، شكراً أيضاً للواء المتقاعد محمد علي بلال (قائد القوات المصرية في حرب الخليج الثانية).

حلقة الغد من برنامج (ما وراء الأحداث) ستكون مع زميلي أحمد منصور، سيكون الموضوع هو: "تدمير الهوية التاريخية والثقافية للعراق"، سواء فيما يتعلق بما جرى للمتاحف أو ما جرى لمراكز الحالة المدنية وغيرها من عمليات السلب والنهب، وإلى أي مدى كان لها هدف سياسي، وليس فقط هدف له علاقة باللصوصية والنصب.

في نهاية هذه الحلقة أشكر كامل الفريق الفني، دمتم في رعاية الله، وإلى اللقاء.