ما وراء الخبر

صراع السرديات والمفاهيم بين موسكو والغرب.. هل حرب روسيا على أوكرانيا "صليبية"؟

أطلقت روسيا والدول المناهضة لها عدة أوصاف على الحرب الدائرة في أوكرانيا، كان آخرها اتهام المستشار الألماني شولتز الرئيس الروسي بوتين بشن حرب صليبية على الغرب وقواعد النظام الدولي. فلم هذه التوصيفات؟

ووفق غونتر مولاك، الدبلوماسي السابق ومدير المعهد الألماني للدراسات الشرقية، فإن توصيف شولتز للحرب الروسية بأنها "صليبية" يدخل في سياق حالة الإحباط التي أصابته جراء فقدانه الأمل في التوصل إلى حل دبلوماسي مع استمرار الرئيس الروسي في قصف المدنيين في أوكرانيا، وقال إن المستشار الألماني عندما استخدم كلمة "صليبية" تحدث باللغة الإنجليزية، التي هي ليست لغته الأم.

وكان المستشار الألماني أولاف اتهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشن حرب صليبية على الغرب وقواعد النظام الدولي، قائلا إن حرب روسيا على أوكرانيا موجهة على أسلوب الحياة في الغرب. وكان بوتين قد تحدث -عقب ضم روسيا مقاطعات أوكرانية- عن اختلاف عميق بين بلاده والعالم الغربي بشأن توصيف الحرب والقيم الاجتماعية وصراع الأقطاب.

واتهم ضيف حلقة (2022/10/14) من برنامج "ما وراء الخبر" بوتين والجنرالات المحيطين به بأنهم يريدون القضاء على كل المدنيين الأوكرانيين عبر التهديد باستخدام الأسلحة الكيميائية، مؤكدا أن حرب روسيا على أوكرانيا هي حرب غير قانونية وضد حكم القانون والحرية والديمقراطية التي تشكل العمود الفقري للنظام في الدول الغربية.

كما اتهم مولاك الرئيس بوتين بأنه يحلم باسترجاع مجد الإمبراطورية الروسية التي كانت في القرن الـ19، "لكن العالم تغير والحياة تغيرت"، ويواصل الدبلوماسي الألماني السابق بالقول إن روسيا -التي تتوسع في دول القوقاز وجورجيا وآسيا الوسطى- تحاول فرض قيمها على شعوب هذه المناطق، ولا تسمح لهم بممارسة قيمهم الخاصة.

إعلان

روسيا ونموذج العيش الغربي

وفي المقابل، وصف عضو مجلس الدوما الروسي، يفغيني فيدوروف، ألمانيا بأنها دولة استعمارية وتدفع المليارات لنشر قيمها على حساب مصالح الدول الأخرى. كما أنها تقوم على أساس فكر الفرد، على عكس روسيا التي تقوم على أساس فكر الأمة، وتعيش على أراضيها ولا تسعى إلى فرض قيمها على الشعوب الأخرى، وفقا للضيف الروسي.

ورأى أن الحروب الصليبية كانت وسيلة للغنى والتربح، وأن كل الحروب التي شنت عبر التاريخ كانت على أساس القيم، مبرزا أن العالم العصري بني بعد الحرب العالمية الثانية والقوانين الدولية شكلت في تلك الفترة.

وسبق للرئيس الروسي أن انتقد في مناسبات عدة النموذج الغربي بما يشتمل عليه من قيم وعلاقات وأسلوب في التعامل مع قضايا العالم؛ يذكر أن تلك التصريحات ليست بجديدة، ففي عام 2019، قال بوتين لصحيفة "فايننشال تايمز" (Financial Times) اللندنية إن القيم الليبرالية أصبحت "بالية".

ومن جهته، أكد أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأميركية في باريس، زياد ماجد، أن هناك مبالغة في إعطاء التوصيفات لحرب روسيا على أوكرانيا، وأن موسكو في حربها تريد أن توجه رسالة للعالم حول مسألة الثنائية القطبية التي رجعت، وتحشد ذرائع حول الغرب الاستعماري، رغم أن الإمبراطورية الروسية نفسها كان لها توسع استعماري وأيديولوجي، إضافة إلى أنها تعاني من مأزق داخلي بسبب شعبها الذي يريد العيش بأسلوب استهلاكي غربي.

ونفى ماجد وجود أيديولوجية في روسيا تشبه النازية، وقال إن الغرب قدم تنازلات بين عامي 1938 و1939 للقائد الألماني أدولف هيتلر، مما شجعه على العدوان على الدول الغربية، والآن الغرب حاول التوصل إلى تسويات مع بوتين تجنبا للأسوأ، ولكن هذا الأسوأ حصل.