تصريحات منسوبة لماكرون تجدد التوتر بين الجزائر وفرنسا.. نحو قطيعة بين البلدين أم سحابة عابرة؟
وبرأي صايج، فإن الرئيس الفرنسي الذي نسبت إليه تصريحات ينتقد فيها الجزائر هو نفسه الذي كان قد بدأ حملته الانتخابية عام 2017 من الجزائر، ومن هناك صرّح بأن استعمار فرنسا للجزائر كان "جريمة ضد الإنسانية".
وكانت صحيفة "لوموند" (Le Monde) الفرنسية نقلت تصريحات قالت إن ماكرون أدلى بها أثناء استقباله يوم الخميس الماضي أحفاد عدد من الشخصيات التي كان لها دور في حرب استقلال الجزائر. وطعن ماكرون في وجود أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي للبلاد عام 1830، وتساءل مستنكرا: "هل كانت هناك أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي؟".
ووفق صايج في حديثه لحلقة (2021/10/3)، فإن ماكرون ارتكب أخطاء معرفية في التصريح المنسوب إليه، وحاول فيه القفز على الواقع وعلى التاريخ، فضلا عن أنه يواجه إحباطا بسبب التصاعد اللافت لليمين المتطرف، حيث يواجه منافسة من مرشحة حزب التجمع الوطني (اليمين المتطرف) مارين لوبان، أو الكاتب إيريك زمور، وكلاهما يستعمل لعبة الهوية والمهاجرين.
ورأى أيضا أن انتقاد ماكرون للجزائر في التصريحات المنسوبة إليه مرتبطة بتمسك الجزائر بموقفها من مجازر الاستعمار الفرنسي في الجزائر، فضلا عن السياق الدولي الذي توجد فيه فرنسا، حيث تتراجع مكانتها الدولية بسبب ماضيها الاستعماري، وهو ما ظهر -يقول الضيف الجزائر- من خلال انسحاب الأميركيين من أفغانستان من دون استشارة باريس وأيضا في قيام أستراليا بفسخ صفقة غواصات كانت قد أبرمتها مع فرنسا عام 2016 ووقعت بدلها صفقة جديدة مع الولايات المتحدة الأميركية لشراء غواصات تعمل بالطاقة النووية.
ومن جهة أخرى، استبعد صايج أن تنجح فرنسا في اللعب على ورقة الداخل الجزائري وتمزيق الوحدة الوطنية، وذلك في ردّه على دعوة الرئيس الفرنسي في التصريح المنسوب إليه "لإعادة كتابة التاريخ الجزائري باللغتين العربية والأمازيغية لمحو تزييف الحقائق الذي قام به الأتراك".
وبشأن توقعاته للخيارات الجزائرية حيال فرنسا، لم يستبعد صايج اللجوء إلى الجانب الاقتصادي، ولكنه أكد أن الخيارات تبقى مطروحة ومرهونة بما سيصدر عن باريس بشأن توضيح موقفها.
تصريح غير موفق
وبدوره، وصف أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأميركية في باريس زياد ماجد التصريح المنسوب لماكرون بغير الموفق، وأنه ارتكب فيه أخطاء معرفية ودبلوماسية، ولم يراع فيه أيضا حساسية العلاقات الجزائرية-الفرنسية من موقفه بوصفه رئيسا لفرنسا.
وربط ماجد التصريح بسياق فرنسي داخلي، حيث يتهم اليمين المتطرف الرئيس الفرنسي بالتساهل مع العرب والمسلمين من أصول مغاربية، ولذلك أراد أن يظهر أنه يملك خطابا واضحا.
غير أن ماجد في سياق حديث لحلقة "ما وراء الخبر" أشار إلى أن ما تفوّه به الرئيس الفرنسي بحق الجزائر لا يختلف عن ما يردده بعض الجزائريين أنفسهم من أن النظام الجزائري منغلق وغير منفتح على مسألة الإصلاحات التي يطالب بها الحراك الجزائري.
وردا على سؤال بشأن الصمت الفرنسي حتى الآن حيال ما نسب للرئيس ماكرون، توقع أستاذ العلوم السياسية أن تصدر باريس موقفها غدا الاثنين وتوضح فيه الأمور، وقال إنها لا تريد تصعيدا جديدا مع الجزائر، لأنه لا يخدم مصلحة ماكرون في ظل الاستعداد للانتخابات القادمة، وستسعى إلى احتواء التوتر، في حين أن الجزائر -يضيف المتحدث- ستصعّد في موقفها وقد تستخدم خيارات اقتصادية ضد فرنسا مرتبطة خصوصا بأنابيب الغاز.
وحسب ماجد، فإن قرار الجزائر بحظر تحليق الطائرات الفرنسية العسكرية في أجوائها لا يؤثر كثيرا على فرنسا لأنها ستلجأ إلى البحث عن قواعد أخرى في دول أفريقية، لكن أهميته تكمن في بعده السياسي، حسب المتحدث.
ويذكر أن التوتر بين الجزائر وفرنسا بدأ قبل أيام مع قرار باريس تخفيض عدد التأشيرات الممنوحة لمواطني المغرب والجزائر وتونس، مبررة خطوتها بـ"رفض" الدول المغاربية الثلاث إصدار تصاريح قنصلية لإعادة مهاجرين ترغب فرنسا في ترحيلهم من أراضيها.