
قضية التعريب وإشكالية الهوية في موريتانيا
– أسباب تفجر الصراع حول موضوع التعريب
– سبل التوصل إلى معادلة توازن بين المكونات
![]() |
![]() |
![]() |
محمد كريشان: طالبت أحزاب قومية موريتانية بإقالة وزير التعليم العالي أحمد ولد بهية ومساءلته أمام البرلمان على خلفية تصريحات قيل إنه تعهد فيها بالحفاظ على اللغة الفرنسية لغة للتدريس، وكانت مصادمات بين الشرطة وطلاب في جامعة نواكشط قد اندلعت الأربعاء بسبب الجدل حول قضية التعريب في البلاد. نتوقف مع هذا الخبر لنناقشه من زاويتين، ما هي الأسباب الحقيقية لتفجر الصراع الآن تحديدا حول موضوع التعريب في موريتانيا؟ وكيف تستطيع موريتانيا التوصل لمعادلة توازن بين حقوق مكوناتها الاجتماعية المختلفة؟… السلام عليكم. مثلها مثل العديد من الدول العربية الأخرى تعرف موريتانيا ظاهرة تعدد الإثنيات التي تنفجر بين الحين والآخر مثيرة الجدل حول قدرة هذه الدول على تحقيق التوازن الدقيق بين حقوق الأغلبية ومطالب الأقليات بحماية ثقافتها وتراثها بل وحتى اختياراتها اللغوية في بعض الأحيان.
[تقرير مسجل]
محمد بابا ولد اشفغ: في هذا المؤتمر الصحفي قبل نحو شهر طلب أحد الصحفيين الموريتانيين الزنوج من رئيس الوزراء مولاي ولد محمد الأغضف أن يترجم إلى اللغة الفرنسية التوطئة التي قدم بها للمؤتمر الصحفي، فرد عليه ولد محمد الأغضف قائلا "تدبر أمرك فأنت في دولة عربية" كما قال رئيس الوزراء في مناسبة أخرى إن العربية يجب أن تكون لغة التخاطب والعمل الإداري في البلاد. في الحقيقة لم يكن رئيس الوزراء يعلن عن توجه سياسي طارئ ولا عن سياسة جديدة للتعريب كما أوضح في مناسبة لاحقة ومع ذلك تلقفت الأوساط القومية الزنجية تصريحاته بالرفض والامتعاض، ثارت ثائرة الطلبة الزنوج في جامعة نواكشوط وبرر المحتجون حساسيتهم من التعريب بالتخوف من أن يتم تهميش آلاف الزنوج الذين تلقوا تكوينهم باللغة الفرنسية وليس بمقدورهم العمل باللغة العربية. الزيارة التفقدية التي قام بها بعد ذلك وزير التعليم العالي أحمد ولد بهية لجامعة نواكشط بدل أن تنزع فتيل الأزمة زادت أوارها اشتعالا، لم يكن التعريب موضوع الزيارة غير أن الوزير رد على استفسار لطالبة زنجية متخوفة من التعريب قائلا إنه لم يطرأ جديد على وضعية التعليم في البلاد. قرأت الدوائر القومية العربية تصريحات الوزير على أنها اعتذار للزنوج ورفض للتعريب وتمكين للفرنسية فطالبت أحزاب قومية بإقالته وبمساءلته أمام البرلمان وتظاهر طلاب عرب داخل الحرم الجامعي فقمعتهم الشرطة بشدة عندما هموا بالخروج إلى الشارع. تباينت ردود فعل الطبقة الساسية من غير القوميين العرب والزنوج حول بروز مشكل الهوية من جديد، انتقدت أحزاب منسقية المعارضة الديمقراطية موقف الحكومة واعتبرته صبا للزيت على النار يمكن أن يثير الفتنة العرقية من جديد، وأعلن الإسلاميون عن حملة للوحدة الوطنية لمدة أسبوع تحت شعار {..هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ..}[الحج:78]. والحقيقة أن جميع الموريتانيين يعتنقون المذهب السني المالكي الإسلامي وقد ظلت اللغة العربية لغة جامعة بينهم قبل الاستعمار بل إن اللغات الزنجية المحلية كانت تكتب بالأحرف العربية، ومع الاستعمار وبعد الاستقلال باتت الفرنسية لغة الإدارة وأهم لغات التعليم وتم تبني سياسات للتعريب كانت دائما تصطدم برفض بعض دوائر الزنوج التي ظلت ترى فيها محاولة لطمس الهوية، وعلى خلفية التعريب حدثت فتن عرقية كان أكثرها دمويا وتأثيرا على النسيج الاجتماعي الوطني الفتنة التي حدثت في عهد الرئيس الأسبق معاوية ولد طايع، اندلعت تلك الفتنة في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات وانتهت بقتل وتسريح مئات الجنود والضباط الزنوج وترحيل آلاف من الزنوج ليعيشوا لاجئين في السنغال ومالي، وفي بداية عهد ولد طايع شهد تعريب الإدارة والتعليم دفعا واسعا قبل أن يتم عام 1999 تبني إصلاح للتعليم يقضي ظاهرا بالعودة إلى الازدواجية ولكنه حقيقة يمكن للغة الفرنسية وهو الإصلاح الذي ما يزال ساريا إلى اليوم. لا تحتاج موريتانيا إلى فتنة عرقية جديدة تراق فيها الدماء وتنتهك الحرمات كما حدث في السابق وإنما هي بحاجة إلى وحدة وطنية حقيقية لمواجهة سيل المشاكل الجارف الذي يحاصرها اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا. محمد بابا ولد اشفغ، الجزيرة، نواكشط.
[نهاية التقرير المسجل]
أسباب تفجر الصراع حول موضوع التعريب
محمد كريشان: ومعنا في هذه الحلقة من نواكشوط عبد السلام ولد حرمة رئيس حزب الصواب الموريتاني وإبراهيم صو أستاذ الفكر الإسلامي بجامعة نواكشط، أهلا بضيفينا. لو بدأنا بالسيد عبد السلام ولد حرمة، قضية اللغة العربية والفرنسية في موريتانيا ليست جديدة لماذا تثار الآن أو تقع إعادة إثارتها بكل هذه الحدة؟
عبد السلام ولد حرمة: بسم الله الرحمن الرحيم. المسألة ليست بهذه الدرجة من الحدة، المسألة أن هناك ظلما وحيفا واختطافا لهوية بلد من طرف مجموعة لا تمثل نسيجا اجتماعيا داخليا في موريتانيا بقدر ما تمثل ثقافة غريبة على المجتمع أساسها اللغة الفرنسية وثقافتها الكولونيالية وحمولاتها الأخرى الكثيرة، هذه المجموعة التي تتكون من مجموعة من الانتفاعيين الذين فرضوها في الإدارة منذ الاستقلال إلى اليوم وبموجبها تعرضت الأغلبية الساحقة عربا وزنوجا إلى الهامش وإلى البطالة وإلى الحرمان من حقوقهم الحقيقية كمواطنين وابتعدت الدولة، وبموجبها ظل الموريتانيون جميعا يناضلون من أجل عودة هويتهم والدفاع عن وطنهم لأنه لا يمكن الدفاع عن وطن إلا إذا كان له هوية والهوية لا بد لها من لغة أو لغات ولغاتنا حددت بشكل واضح في المادة رقم ستة من الدستور الذي صادق عليها الموريتانيون بنسبة 97% هي اللغة العربية والفولارية والسولانكية والأورفية، حملة الشهادات الموجودون -والمعلومات ليست من عندي وإنما من عند معهد الفرانكوفونية- 86% منهم يستطيعون فقط العمل باللغة العربية بينما 14% يمكنها العمل باللغة الفرنسية، أيضا الوكالة الموريتانية للتشغيل عندها الآن 28 ألف ملف -والمعلومات ليست من عندي- 26 منها لا يستطيعون العمل إلا باللغة العربية ألفان فقط هي التي يمكنها العمل باللغة الفرنسية وأغلبها يمكنه العمل باللغة العربية، هذه المجموعة الكبيرة ظلت مهمشة من الاستقلال إلى الآن وكلما دار الحديث أو حاولت الحديث عن حقوقها الاجتماعية والطبيعية تعرضت لهذه العبارات الدقيقة التفرقة تفرضها لغة التعايش السلمي إلى درجة وصلت من الوقاحة أن هناك أناس أصبحوا يجعلون اللغة الفرنسية مكونا من مكونات الهوية الوطنية ويجب الدفاع عنه، لا أحد في موريتانيا يريد فرض لغة على أحد لا يحبها لكن لدينا لغات وطنية ينبغي أن نفرض هذه اللغات الوطنية في مجال العمل ومجال الإدارة وهذه اللغات الوطنية وحدها السبيل إلى ذلك ينبغي أن يتم في طريقة عادلة وسلسة يجد فيها كل الموريتانيين أنفسهم لا يقصى منها أحد ولكنها ينبغي أن تتم الآن لأنها ضرر والضرر يزال. معالي وزير التعليم ما قال من تصريحات..
محمد كريشان (مقاطعا): يعني عفوا هل معنى ذلك، وهنا أنتقل إلى السيد إبراهيم صور، هل معنى ذلك أن ما نشهد الآن في موريتانيا هو نتيجة تراكم لسنوات وجاءت الآن مناسبة معينة حتى تنفجر كل هذه التناقضات إن صح التعبير؟
إبراهيم صو: بسم الله الرحمن الرحيم. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا في رأيي أن المشكلة القائمة اليوم لا يمكن أن يقول الإنسان إنها وليدة اليوم بالذات طبعا وإن قيل على أن هناك طوائف تستخدم هذه المشكلة معناه مشكلة اللغة العربية مشكلة تعريب البلد لتسخين الأجواء داخل البلد والتفريق بين أواصر المحبة التي كانت قائمة بالتاريخ وهذه ممكن أن أفهمه، أنا بالنسبة لي ما يقوله لي الأستاذ عبد السلام ولد حرمة أنا أفهمه، كنت أظن أنني إذا جئت من هنا سألاقي واحد شبيه بعبد السلام ولد حرمة لأننا لا نراهم إطلاقا في كل ساحات الدولة في كل ما ينفع المجتمع الموريتاني في كل ما يوحد الشعب الموريتاني لا يظهرون إلا في مثل هذه الأيام، إلا في مثل هذه الورطة، هم الذين أدخلونا في هذا، اللي يسميهم أن جماعات الفرانكوفونية فعلوا كذا إلى آخره، الذي نفر الناس عن اللغة العربية ومنعهم من تعلم اللغة العربية وتعليم اللغة العربية والاستفادة من اللغة العربية ومحبة اللغة العربية بكونها هي لغة القرآن ولغة الدين الإسلامي هم أنفسهم، عبد السلام أنا أريد أن أقول لك إذا كنت تريد أن تلوم لا تلم الفرانكوفونية ولا تسمها، إذا كنت تريد أن تلوم يا أخي لم نفسك وأمثالك، ثم المشكة اللغة العربية ليست قائمة اليوم، خليك في ده، في كل أقطار العرب سواء في موريتانيا في المغرب في جميع الأماكن مشكلة اللغة العربية هي مشكلة قائمة وبعيدة الجذور يعني القديمة جدا ليس اليوم، لكن الذين أشعلوا النار هم الذين يحيطون ويحومون حول الوزير الأول معناه حول الزعماء حول قادة هذا البلد الذين جعلوهم يتكلمون بكلام دون وعي يعني إن صح تعبيري أنهم ما فعلوه اليوم وهو إيقاظ الفتنة التي كانت نائمة، أنا لا أريد أن نقول أن نظلم طائفة معينة في هذا البلد ولكن..
محمد كريشان (مقاطعا): ولكن اسمح لي فقط سيد صو، عندما نطرح قضية التعريب كما طرحها أيضا السيد ولد حرمة عندما نتحدث عن هذه القضية نتحدث عن تعريب التعليم تحديدا، تعريب الإدارة، ماذا نقصد تحديدا؟
إبراهيم صو: حسبما فهمه الطلبة في الجامعة هو أن التعريب هو تعريب التعليم وتعريب الإدارة، تعريب التعليم وتعريب الإدارة..
محمد كريشان: الاثنان معنا.
إبراهيم صو: الإصلاح القائم أمامنا اللي أشار إليه الأستاذ عبد السلام ولد حرمة، أو المعلق على البرنامج، ما سميناه قط نحن في البداية كنا نسميها إفسادا، إفسادا للدفاع ربما عن اللغة العربية تارة لأننا نرى إذا قيل للإنسان إن اللغة العربية لا تستطيع أن تتحمل المواد العلمية، إذا أردنا أن ندرس المواد العلمية فلندرسها باللغة الفرنسية والمواد الأدبية ندرسها باللغة العربية، خلقوا جيلا وهذا الجيل أمي تماما لا يتقنون لا اللغة العربية ولا اللغة الفرنسية، من قبل كان عندنا جيل مختلط بين الزنوج والعرب ثقافتهم أو لغتهم لغة الاستعمال ولغة التواصل ولغة البحث ولغة التعليم والتعلم كانت اللغة الفرنسية ثم بعد ذلك بدأنا نستخدم اللغة العربية واستخدمناها كما يجب، ونحن بالنسبة للزنوج في موريتانيا ما عندنا عربا سواء في السعودية وفي مصر وفي سوريا يدافع عن اللغة العربية أكثر منا والاستعمار وجدنا نحن هنا عندنا اللغة العربية والمؤلفات موجودة والتاريخ يشهد على ذلك ومحاضرونا وتعليمنا وشيوخنا وعلماؤنا ومقاومونا كل هؤلاء يعرفون ما أهمية اللغة العربية، بالنسبة للشاب الموريتاني بصفة عامة وإفريقيا الفلان منهم وغيرهم..
محمد كريشان (مقاطعا): يعني لو سمحت لي فقط يعني البعض عندما يطرح قضية التعريب أو قضية الفرانكفونية، وأنا أعود إلى السيد ولد حرمة، يطرحها على أساس أن العرب هم من المدافعين عن العروبة وعن التعريب والزنوج وكأنهم جسم غريب داخل المجتمع الموريتاني فرانكوفونيون ويدافعون عن ثقافة فرنسية غريبة عن المجتمع، أنت لم تتحدث بهذه اللغة في البداية ولكن عندما نرى ما أصدرتموه كحزب الصواب وأنتم معروفون كحزب قومي ذو جذور بعثية هكذا على الأقل يقع تقديمكم، هناك موقف يقول بأن ما طرح الآن هو بمثابة إهانة أو ما طرحه الوزير وزير التعليم العالي بمثابة إهانة للشعب الموريتاني وخيانة لقيمه واستهتار بالدستور وقوانين البلد فضلا عن كونه رضوخا لمطالب استعمارية مذلة لم يرضخ لها أي طرف في التاريخ البشري، هذا النوع من المواقف والتي أشار إليها قبل قليل ضيفنا السيد صو، ألا تعتقد بأنه يغذي تناقضات داخل المجتمع أكثر مما يطرح قضايا حقيقية يجب معالجتها؟
عبد السلام ولد حرمة: شكرا محمد. يبدو أنك لم تكمل البيان..
محمد كريشان (مقاطعا): هو ليس مطلوب مني أن أقرأه بالكامل يعني.
عبد السلام ولد حرمة: لا، الفقرة الأخرى منه أساسا أن الذي جرحه هذا الخطاب هم أحفاد عمر الفوتي أولئك الذين بنوا المساجد وواجهوا الاستعمار على هذه الأرض وقاوموه باللغة العربية والثقافة الإسلامية ولم يقاوموه لمقاومة اللغة العربية وإنما قاوموا اللغة الفرنسية التي هي الحمولة الثقافية والدينية للاستعمار الفرنسي، قاوموه وكانوا أشياخ وأصحاب محاضر درسوا هنا العرب ودرسوا البربر وأقاموا حضارة عربية إسلامية على هذه الأرض وقاوموا الاستعمار الفرنسي مثلما قاومه العرب هنا وكانت مقاوماتهم أجمل وأفضل على هذه الساحة، وخطاب الوزير هو اللي كان أكثر جرحا لهم هم منا نحن، نحن هنا وأريد أقول للأخ أنه لماذا لا يراني لأنه ينظر إلي بعيون أخرى، لو نظر إلي هنا أنا أؤمن بأحقيته وأؤمن بأن اللغة الفولارية هي لغته ويجب علي أن أدافع عنها وله كامل الحق أن يدافع عن اللغة الفولارية ويجعلها ضمن النظام التعليمي الموريتاني مثلما أنا أدافع عن اللغة العربية لأنها لغة وطنية، المشكلة تأتي حين يحاول أخي وزميلي وليس هو الذين يدافعون عن الثقافة الفرنسية هناك عامل وحدة وكلغة تواصل بيننا جميعا. معالي وزير التعليم حينما أصدر هذا الخطاب لم يقل هذا الخطاب، هو خطاب تناقلته كافة وسائل الإعلام وقال فيه كلاما حقيقيا بأن اللغة الفرنسية ستبقى هي لغة تواصل وستبقى واقع اللغة العربية قبل واحد مارس في خطاب معالي الوزير الأول هو واقعها قبل خطاب معالي الوزير الأول وأنه لم يصدر لا تعليما ولا مرسوما ولا قرارا، قال هذا في مدرجات الجامعة من مدرج إلى مدرج ولم يكذب عن هذا. إذا كان البعض يظن أننا أصبحنا بهذه الدرجة من الضعف فهو واهم، سندافع عن حقوقنا المشروعة التي يكفلها لنا الدستور والأخ ومعالي الوزير معه يرفضون وثيقة أساسية التي نقيم عليها حياتنا السياسية وتعايشنا السلمي هي دستور عام 1991 الذي تقول مادته بلفظها اللغة الرسمية هي اللغة العربية اللغات الوطنية هي اللغة العربية، الفولارية، السولانكية ولا طريق إطلاقا للغة الفرنسية، نقبلها كلغة تواصل لغة انفتاح ولكن ليس كجزء من مكونات الهوية الوطنية..
محمد كريشان (مقاطعا): يعني لو سمحت لي فقط هذه الإشكالية المطروحة في موريتانيا منذ سنوات الآن وقد تفجرت تطرح مزيدا من الإشكالات حول إمكانية أن تستمر البلاد ككيان قادر على أن يضم كل هذه التوجهات الثقافية واللغوية في وحدة وطنية متجانسة، هذا ما نريد أن نتوقف عنده بعد فاصل قصير نرجو أن تبقوا معنا.
[فاصل إعلاني]
سبل التوصل إلى معادلة توازن بين المكونات
محمد كريشان: أهلا بكم من جديد في هذه الحلقة التي نتناول فيها الانعكاسات المحتملة لقضية التعريب وإشكالية الهوية على النسيج الاجتماعي في موريتانيا. سيد إبراهيم صو يفترض بعض شهرين تبدأ ما يسمى في موريتانيا بالأسابيع التشاورية حول موضوع التعليم والتعريب والهوية وغيرها، هل تعتقد بأن هذه مناسبة لجعل هذا الحوار أهدأ؟
إبراهيم صو: لم أسمع الجزء الأخير في سؤالك يا سيد محمد.
محمد كريشان: الأسابيع التشاورية التي ستنطلق بعد شهرين هل تعتقد بأنها ستكون مناسبة لطرح موضوع التعريب والهوية بشكل أكثر رصانة؟
إبراهيم صو: إذا كانت تلك الأيام التي ننتظرها جميعا، الناس أصبحوا بوعيهم السليم يعلمون أن موريتانيا الآن بحاجة أكثر من كل فترة من الزمن أن نناقش هذه القضية، معناه قضية اللغة العربية أو قضية اللغات أو قضية التعليم في البلد، قضية التعليم في البلد مشكلة كبيرة جدا ولا أظن إذا تركنا على الساحة مثل بعض الأشخاص الذين نعرفهم الذين يهددون الناس ويقولون على أننا سنفرض اللغة العربية بالحديد والنار وسنفرض كذا بالحديد والنار لا أظن على أن تلك الأيام ستفيد، كثيرا من الأيام قد..
محمد كريشان (مقاطعا): من يقول هذا الآن في موريتانا؟
إبراهيم صو: يقولها القوميون العرب ويقولها بعض الآخرين المثقفين الجدد اللي لا أريد أن أسميهم في داخل هذه البرامج لأننا نناقشهم في كل المنابر ونعرف ما هي توجهاتهم وهم يعدون العدة لإفشال تلك الأيام، إذا كانت هي لا تعطي، لا تعطي اللغة العربية لا كما تستحق بل كما يريدونه هم..
محمد كريشان (مقاطعا): يعني عفوا سيد صو تعتقد بأن الأمور قد تسير إلى نوع من المواجهة المفتوحة بنوع من القوة في هذه القضية التي هي تعتبر ثقافية بالدرجة الأساسية؟
إبراهيم صو: نعم، موريتانيا الآن بحاجة إلى عقلائها بحاجة إلى عقول الرشد بحاجة إلى الناس المثقفين الذين يفهمون ماذا تعني أحداث الـ 1966 وأحداث التسعينيات ونحن جميعا نعرفها وإن لم يقم هؤلاء لتهدئة الأجواء ربما ننتظر إلى الأسوأ مما نتصوره، إذا تركنا بعض الرجالات قلت لك وإذا تركنا بعض رجال السياسة أو اللي يدعون بالسياسة وإذا تركناهم على الساحة كما هم الآن في وسائل الإعلام في الجرائد في كذا إلى آخره في جامعة نواكشوط ربما المشكلة ستتفاقم أكثر مما يستطيع كل واحد أن يتصور، لأن كل طرف اليوم في داخل هذه البلد مستعد لمواجهة ما ننتظره جميعا، وعلى شيوخنا وعلى عقلائنا وعلى أصحاب الرشد والسلامة والهدوء أن يقوموا وأن يجتمعوا وأن يفكروا في تلك الأيام لعلها تكون نافعة للمرة الأخيرة بالنسبة لموريتانيا. وأنا أقول لك بالنسبة للتعليم يعني اللجان التشاورية حول إصلاح التعليم، التعليم بحاجة إلى لغات متعددة يا أخي، اللغة العربية وحدها لا تستطيع أن تتحمل، أنسينا عندما يقول حافظ إبراهيم يوم أن قال على أن "رموني بأقم في الشباب وليتني أقمت" يعني هذا ليس اليوم وقد توفي الرجل في 1932، مشكلة اللغة العربية مشكلة قائمة، مشكلة اللغة العربية -اسمحوا لي- هي مشكلة العرب أنفسهم لأن اللغة كائن حي بحاجة إلى الغذاء بحاجة إلى المادة العلمية..
محمد كريشان (مقاطعا): على كل القضية الآن نحن نطرحها يعني عفوا نحن نطرح هذه القضية ليس كإشكال لغوي وثقافي، نطرحها الآن كقضية تهدد ربما النسيج الاجتماعي كله للبلد وهنا أريد أن أسأل السيد ولد حرمة عما إذا كان فعلا العقلاء كما سماهم السيد صو ما زال لهم مكانة في هذا الجدل الذي يبدو أنه يسير نحو مزيد من التصعيد؟
عبد السلام ولد حرمة: أولا العقلاء حينما نقول عقلاء ينبغي أن نصف هؤلاء العقلاء وأول صفة للعقلاء أنهم لا يقولون إلا الحقيقة، لم يقل أحد في موريتانيا إنه يريد فرض مسألة ما بالحديد والنار، أننا إذا ذهبنا إلى اللجان التشاورية لا بد لنا من مرجعيات، نذهب إلى اللجان التشاورية عندنا مرجعيات عندنا دستور عندنا ثوابت عندنا حقائق تاريخية عندنا حقائق جغرافية، إذا كانت هذه الحقائق موجودة وهذه الثوابت موجودة صحيح سنذهب إلى اللجان التشاورية ونجد حلا للمشكلة، أما إذا تعلق بعضنا تجاوز الثوابت الوطنية وحقائق البلد التاريخية ومحدداتها الجغرافية وتجاوز دستور البلد الذي هو أهم وثيقة فمعنى ذلك أننا لا نريد حلا لأننا..
محمد كريشان (مقاطعا): ولكن عفوا يعني كيف يمكن أن نتجنب أن تكون هذه الثوابت أداة لإقصاء آخرين هم مواطنون في المجتمع؟
عبد السلام ولد حرمة: لا، لا أحد، لا، هؤلاء يتكلمون لغات وطنية، هذه اللغات الوطنية محددة في دستور 1991 ينبغي أن يتم الحديث حولها كيف يتم إدماج هذه اللغات في النظام التربوي كيف يتم تطويرها كيف يتم الاستفادة منها، هناك لغة أجنبية لا تعني إطلاقا للإخوة الزنوج وللإخوة العرب، تريد حفنة من الفرانكوفونيين وسنسميها حفنة من الفرانكوفونية لأنها أهانتني في بلدي وجرحتني في بلدي ونصف قرن وهي تمنعني من خيرات بلدي وتطوح بي في الشارع ومتاهات العراء والتهميش، وهناك محضرة واحدة من محاضر البلد يفوق خريجوها عدد كل المتفرنسين في هذا البلد، هم حاليا يبيعون الطوابع البريدية يمسحون السيارات أو أصحاب شهادات كبار ولا أحد يلتفت إليهم لا من الساسة ولا من أصحاب حقوق الإنسان ولا ممن يصفون أنفسهم بمن يحبون التعايش السلمي فهؤلاء عربا وزنوج على حساب حفنة قليلة من الفرانكوفونيين يريدون فرض لغة معينة علينا. اللغات يا أخي كل بلد له لغته في النظام التعليمي، نحن نحترم أنفسنا نحترم لغاتنا الوطنية، من يريد أن يحترمنا يتعامل معنا انطلاقا من لغاتنا الوطنية من يريد أن يفرض علينا لغة وهذه اللغة تأتي في درك اللغات العالمية اللغة الفرنسية هي ليست لغة انفتاح هي لغة عاجزة الفرنسيون اليوم يريدون التخلص منها، من يريد ربطنا بالثقافة الكولونيالية التي جاءت مع.. في بداية القرن الماضي سنرفضه لن نقبل منه هذا، سنحاربه بكل ما أويتنا من قوة بقضايانا بخطابنا بنضالنا بكل ما أوتينا من قوة سياسيا وثقافيا وفكريا وسنخدم.. معنا الدستور، معنا حقائق هذا البلد التاريخية الدينية الجغرافية سنقاومهم ولن تفرض علينا حفنة قليلة من الفرانكوفونيين ثقافة.. تحت أي غطاء كان.
محمد كريشان: شكرا جزيلا لك عبد السلام ولد حرمة رئيس حزب الصواب الموريتاني كنت معنا من نواكشط وشكرا أيضا لضيفنا من العاصمة الموريتانية أيضا إبراهيم صو أستاذ الفكر الإسلامي بجامعة نواكشط، وبهذا نكون قد وصلنا إلى نهاية هذه الحلقة من البرنامج، كالعادة نذكركم بإمكانية إرسال مقترحات لحلقات مقبلة على هذا العنوان الظاهر الآن على الشاشة، indepth@aljazeera.net
غدا بإذن الله قراءة جديدة في ما وراء خبر جديد، أستودعكم الله.