
أبعاد الأزمة السياسية في قرغيزستان
– عوامل الأزمة وعلاقتها بالصراع الروسي الأميركي
– الانعكاسات على مستقبل العلاقات الروسية الأميركية
![]() |
![]() |
![]() |
محمد كريشان: سيطرت المعارضة في قرغيزيا على السلطة بعد فرار الرئيس كرمان بيك باكييف إثر مواجهات دامية مع قوات الأمن، وفيما اتهم أعضاء في الحكومة المخلوعة موسكو بالضلوع في هذه الأحداث اعتبر محللون الأزمة في هذه الجمهورية السابقة جزءا من الصراع الروسي الأميركي في آسيا الوسطى. نتوقف مع هذا الخبر لنناقشه من زاويتين، ما العوامل التي تغذي الأزمة الساسية في قرغزيا ومدى ارتباطها بالصراع الأميركي الروسي؟ وكيف ستؤثر هذه الأحداث على علاقات موسكو وواشنطن وركود أميركا العسكري في المنطقة؟… السلام عليكم. أسدلت قرغيزيا على ما يبدو الستار على الفصل الأول من أزمتها السياسية، المعارضة اليوم في السلطة وزعيم ثورة السوسن خارج المشهد، ولكن الأمر في نظر خبراء جيوإستراتيجية أكبر من هذه الثنائية، فروسيا التي قلم الغرب أظافرها في آسيا الوسطى بعد الحرب الباردة بدأت تستعيد حضورها مجددا، والثورات الملونة التي اجتاحت عددا من الجمهوريات السابقة بدعم من الغرب بدأت تتحلل بتأييد من موسكو.
[تقرير مسجل]
أمير صديق: أعاد التاريخ نفسه بأمانة شديدة في قرغيزيا بفاصل خمس سنوات فقط، فساد الرئيس وحاشيته ثم تشديد القبضة الأمنية فالثورة الشعبية التي لا يجد الرئيس أمامها بدا من الهروب، يرفض الرئيس المخلوع الاستقالة متمسكا بما يقول إنه شرعيته في البداية ثم يسلم آخر المطاف بالأمر الواقع ويوقع استقالته مكرها، حدث هذا في تطابق كامل في أبريل عام 2005 ويحدث الآن في أبريل عام 2010 باستثناء جزئية استقالة الرئيس التي تطلبت نحو أسبوعين من الانتظار في التجربة الأولى، وبالنظر لتطورات الأحداث على الساحة القرغيزية فإن بيك باكييف لن ينتظر طويلا قبل أن يوقع على إخلاء مقعده لصالح شريكته في ثورة السوسن روزا أوتون باييفا حين قادا معا جموع الغاضبين لإسقاط الرئيس السابق عسكر أكاييف بطل استقلال عام 1991 ونجمه الأول. بيد أن نجومية أكاييف ونقاءه الوطني لم يكونا آخر ضحايا إغواء السلطة في قرغيزيا فقد سقط من بعده في براثن الفساد بطل ثورة السوسن الذي بلغت به النزاهة إلى حد الاستقالة من منصب رئيس الوزراء عام 2002 احتجاجا على مقتل خمسة متظاهرين برصاص قوات الشرطة حينها، فهل سيعيد التاريخ لعبته في الإغواء لنشاهد بعد خمسة أعوام أخرى منزل رئيس ثالث يحترق في بشكيك أم أن الخلف سيتعظ هذه المرة بما نزل بالسلف؟
[نهاية التقرير المسجل]
عوامل الأزمة وعلاقتها بالصراع الروسي الأميركي
محمد كريشان: ومعنا في هذه الحلقة من موسكو الدكتور عباس خلف مستشار معهد الدراسات الإستراتيجية الروسية، ومن مدينة أوستن في ولاية تكساس الأميركية معنا ماركو بابيك المحلل في معهد ستراتفور، أهلا بضيفينا. نبدأ من موسكو والدكتور عباس خلف، مع أهمية العوامل الداخلية في قرغيزيا أي دور يمكن أن يكون لروسيا؟
عباس خلف: العوامل الداخلية هي اقتصادية واجتماعية وسياسية وأكثر الأمر هي اقتصادية لزيادة الفساد وازدياد عدد العاطلين عن العمل بالإضافة إلى سيطرة العائلة على مجريات الأمور وأهم اقتصاديات البلد بما في ذلك الكهرباء والذي فجر الأحداث الأخيرة هو رفع الحكومة الحالية لأجور الكهرباء مما أثار غضب وسخط المواطنين..
محمد كريشان (مقاطعا): ولكن دكتور خلف يعني يقال إنها رفعت هذه الأسعار لأن موسكو لم تعد تتعامل مع قرغيزيا بالأسعار التفضيلية السابقة؟
عباس خلف: نعم هذا صحيح ولكن قبل هذا الأمر كانت البطالة والفقر وتدني المستوى المعيشي هما الأمران المهمان في زيادة غضب الجماهير والذي تكلل في حالة الغضب التي سادت المدن والشارع القرغيزي فلهذا الأمر روسيا أيضا لها دور في هذا الموضوع عندما تخلى الرئيس المخلوع عن التزاماته تجاه موسكو، فمن المعروف أن موسكو منحنت الرئيس المخلوع قرضا بمبلغ مليارين و 15 مليون دولار أميركي وقد أعلن الرئيس المخلوع عن نيته بطرد الأميركان من قاعدة ميناس ولكنه تخلى عن وعده أمام موسكو بل ذهب واستفز الأميركان ليرفعوا سعر الإيجار ليصل إلى ستين مليون دولار سنويا بالإضافة إلى اتهام موسكو للرئيس المخلوع بأنه يبيع شركته التي تشرف على بيع المنتجات النفطية الروسية بالأسعار الدولية للقاعدة الأميركية الموجودة في منطقة ميناس بالقرب من بشكيك فهنا يعني..
محمد كريشان (مقاطعا): نعم، يعني بناء على هذه المعلومات التي تفضلت بذكرها الآن وهنا أسأل ضيفنا السيد ماركو بابيك هل ينظر في واشنطن على أن باكييف دفع ثمن هذه السياسات تجاه موسكو؟
ماركو بابيك: حتى الآن فإن واشنطن تحاول أن تعرف ما تصورها للوضع وليس واضحا ما إذا كان لديها فهم واضح للوضع على الميدان، لقد رأينا البيانات التي قال المسؤولون الأميركيون إنهم ليسوا مستعدين للاعتراف بالحكومة الحالية في بشكيك وذلك راجع إلى أنه حسب وجهة النظر الأميركية ليس هناك قناعة بما يحدث هناك بالأخص عندما تكون هناك حكومة تتحدث عن إعادة المحادثات بشأن قاعدة ميناس وهذا أمر هو مصدر قلق الأميركيين حاليا على المستوى التكتيكي، لكن إذا نظرت إلى المستويات الإستراتيجية العامة فيبدو أن هذه العملية هي ثورة ما قبل روسية مثل التي حدثت في أوكرانيا التي كانت قريبة من الروس، والأميركيون يشعرون بالقلق بشأن تأثيرات ذلك على المنطقة بشكل عام وليس فقط آسيا الوسطى ولكن القوقاز وجورجيا وكذلك أوروبا الوسطى، إذاً هناك جزء إستراتيجي عام لا تفهم أميركا طريقة التعامل معه حتى الساعة.
محمد كريشان: يعني هذا الجزء الإستراتيجي العام تراه بمنظار أن موسكو تستعيد حبات العقد الذي فرط بعد انهيار الاتحاد السوفياتي؟
ماركو بابيك: نعم تماما هذا هو فحوى الجانب الإستراتيجي العام وليس فقط في آسيا الوسطى فنحن هنا ندرس وننظر إلى ثلاث إستراتيجيات نشأت في 2008 مع جورجيا أكدت روسيا أنها يمكنها أن تدخل الدبابات في داخل هذه الجمهورية، أميركا أخذت العبرة، في يناير من هذه السنة استخدمت روسيا انتخابات حرة وديمقراطية لقلب الثورة في أوكرانيا والآن يبدو أن روسيا أخيرا استخدمت الإستراتيجية الثالثة والتي يبدو الآن أنها ثورة تستخدمها أميركا بشكل جيد في تغيير الأنظمة في منطقة نفوذ روسيا وهذا أمر لا يهم روسيا فقط وإنما دول السوفيات السابقة في وسط آسيا وخارج ذلك، وبالأخص هناك دول في الجيران كقرغيزستان مثلا وأوزباكستان وحكم كريموف هو يحاول الاستقلال من روسيا وهذا بالتأكيد سيمنحه أمرا ليفكر فيه والأمر ينطبق على رئيس جورجيا ميكال شكسفيلي.
محمد كريشان: رئيسة الحكومة المؤقتة روزا أوتون باييفا هذه الحكومة المؤقتة أعلنت موسكو حليفا إستراتيجيا وهنا أعود إلى موسكو وأسأل الدكتور خلف، إلى أي مدى الحكومة أرادت أن تحسم الأمور وتبين المسألة بشكل لا يقبل اللبس فيما يتعلق بعلاقتها بروسيا؟
عباس خلف: بصراحة إن موسكو والكريملين يعتبر جمهورية قرغيزستان وجمهوريات آسيا الوسطى هي الحديقة الخلفية له ولا يسمح بالتلاعب بهذه الأمور خاصة وأن الولايات المتحدة الأميركية قامت بخطوة استفزازية غير قاعدة مناز فأعلنت في آذار من العام الحالي بأنها تعتزم بناء مركز لمكافحة الإرهاب لتدريب قوات نظام كاييف بمبلغ خمسة ملايين ونصف مليون دولار، فالحكومة الحالية أرادت أن تعطي إشارات إلى موسكو لأن هذه الجمهوريات هي مرتبطة اقتصاديا وخاصة في مجال الطاقة بموسكو والذي.. يبدو أن الولايات المتحدة الأميركية قد استفادت من تجربتها في أوزباكستان..
محمد كريشان (مقاطعا): ولكن عفوا دكتور، كلمة حليف إستراتيجي كلمة كبيرة، أن تسارع الحكومة المؤقتة إلى إعلانه من الآن ألا يدل ذلك على أن موسكو لم تكن طرفا محايدا أو يراقب فقط وإنما كان له دور فاعل في عملية التغيير في بشكيك؟
عباس خلف: طبعا موسكو لا يمكن أن تكون طرفا مشاهدا فقط أو طرفا مراقبا خاصة وإن هذه المنطقة هي بالقرب من حدودها وحديقتها الخلفية فموسكو وكما قلت في بداية حديثي والحكومة الروسية قد ألغت الأسعار التفضيلية التي كانت تمنح بها مشتقات النفط التي تبيعها لقرغيزستان، فموسكو مهتمة بالأمن والاستقرار وخاصة أن لموسكو قاعدة عسكرية كبيرة جوية في قرغيزستان بالإضافة إلى قاعدة مناز المؤجرة للقوات الأميركية، فموسكو لا يمكن أن تكون شاهدا سلبيا بل لديها وقد عبر عن هذا رئيس الوزراء فلاديمير بوتين عندما قال بأن الرئيس المخلوع قد كرر أخطاء الرئيس السابق..
محمد كريشان (مقاطعا): ولكن رئيس الوزراء بوتين نفسه أعتبر ما يجري شأنا داخليا ونائب وزير الخارجية -وهنا أعود إلى ضيفنا في الولايات المتحدة- نائب وزير الخارجية الروسي اعتبر الحديث عن علاقة روسيا بما جرى في قرغيزيا معلومات مفبكرة لا أساس لها من الصحة وربط مفتعل، برأيك لماذا تريد موسكو أن تنأى بنفسها عن مثل هذا الاتهام؟
ماركو بابيك: حتى الآن فإن موسكو تبتعد عن الأمر وتستمتع بالمشهد، ما حدث في قرغيزيا حدث في خلفيتها والولايات المتحدة لديها قاعدة جوية قوية مهمة في خلفية روسيا، المشكلة الحقيقية مع باكييف من وجهة نظر روسيا هو أنه كان مستعدا لاستخدام هذه القاعدة للحصول على المزيد من التنازلات الاقتصادية من روسيا وكذلك يلعب روسيا وأميركا ضد بعضهم البعض وهذا أمر ما كان لروسيا أن تقبله وهو شبيه بالوضع النظري عند.. ولو أن لروسيا قاعدة عسكرية في مكسيكو أو كندا ربما كانت أميركا كان لها قول في ذلك الأمر، الآن روسيا تحاول أن تظهر بأنها تجاوزت هذه القضية وبأنها ليس لها علاقة بما يحدث هناك، وحاليا ليس مهما ما إذا كانت هذه الثورة مدارة من موسكو أو لا، واقع الأمر هو أن هناك حكومة وتود أن تعيد المحادثات بشأن ميناس وهذه القاعدة التي تقدم فيها أميركا التدريب لقوات باكييف، هذا لن يحدث مجددا إذاً سيكون هناك تغيير في الوضع وهذا أمر ينال رضا روسيا ولكن هذا يمكنه أن يخبر الولايات المتحدة بأن الوضع قد بدأ يتغير في وسط آسيا.
محمد كريشان: ولكن سيد بابيك قرغيزيا هي البلد الوحيد الذي توجد فيه قاعدة أميركية وقاعدة روسية في مفارقة غير معهودة وهناك حتى حديث عن أكثر من قاعدة هناك حديث عن ربما ثلاث قواعد روسية، هل وصلت واشنطن إلى الإقرار بأن مثل هذا التعايش في بلد واحد فشل؟
ماركو بابيك: من وجهة النظر الأميركية فإن قاعدة ميناس مهمة، هناك قرابة 3500 من القوات هناك في 2008 تم نقلهم من ميناس وهؤلاء ينقلون القوات إلى أفغانستان، إذاً هذا مهم ولكن المجهود الأميركي في أفغانستان لن يتم خسارته أو ربحه نتيجة لقاعدة ميناس وإنما سيكون الأمر مقلقا إذا لم يوجد، هناك بدائل أخرى بما فيها نقل الكثير من القوات إلى أفغانستان، إذاً هذا أمر لا ترتكز عليه أميركا فأميركا لا يمكنها أن تغير ما يحدث في قرغيزستان هذا يعني أن على أميركا أن تتحدث إلى روسيا إذا كانت تريد أن تغير الوضع على الأرض بشكيك لم تعد لاعبا وذلك أن باكييف كان إلى درجة ما مستقلا، لقد تغير الوضع وواشنطن قد تلقت الرسالة بأنها إذا كانت تريد الإبقاء على قاعدتها في آسيا الوسطى فعليها أن تتحدث إلى الكريملين بشكل مباشر.
محمد كريشان: طالما أن هذه الرسالة وصلت نريد أن نعرف بعد الفاصل أي مستقبل يمكن أن يكون للعلاقات الروسية الأميركية في ضوء ما جرى في بشكيك، لنا عودة بعد هذا الفاصل نرجو أن تبقوا معنا.
[فاصل إعلاني]
الانعكاسات على مستقبل العلاقات الروسية الأميركية
محمد كريشان: أهلا بكم من جديد في هذه الحلقة التي نتناول فيها ما يجري في قرغيزيا وعلاقته بصراع روسي أميركي في تلك المنطقة ولكن قبل أن نستكمل النقاش حول هذه الأزمة نتوقف مع هذا التقرير لإلقاء بعض الضوء على المعطيات الجيوإستراتيجية لهذه الدولة الواقعة في آسيا الوسطى.
[تقرير مسجل]
أمير صديق: على مساحة تبلغ حوالي مائتي ألف كيلومتر مربع تقع جمهورية قرغيزيا في الجزء الشرقي من آسيا الوسطى، تشاركها الصين في حدودها الشرقية وكازخستان في حدودها الشمالية بينما تحدها أوزباكستان من الغرب وطاجكستان من الناحية الجنوبية. ظلمتها الجغرافيا إذاً لكونها دولة مغلقة محرومة من الإطلالة على أي منفذ مائي، لكنها أنصفتها من ناحية أخرى أيما إنصاف حين وضعتها في بؤرة اهتمام عملاقين يتصارعان على النفوذ في منطقة آسيا الوسطى، فقبل أن ينجلي غبار هجمات 11 سبتمبر طلبت واشنطن وسمحت بشكيك بإقامة قاعدة عسكرية أميركية على الأراضي القرغيزية تدفع مقابلها الولايات المتحدة 17 مليون دولار للدولة المضيفة سنويا، انزعجت موسكو بالطبع لهذا الجوار الثقيل رغم امتلاكها ثلاث قواعد عسكرية كان بعضها موجودا في قرغيزيا منذ العهد السوفياتي. وفيما يبدو استثمارا ذكيا لتناقض المصالح بين موسكو وواشنطن هددت بشكيك بإغلاق القاعدة الأميركية وأصدرت أمرا بذلك بالفعل أوائل عام 2009 وقد قيل وقتها إن قرضا روسيا بتسهيلات كبيرة كان وراء هذا الإجراء بيد أن قرغيزيا لم ترض فيما يبدو إلا بمواصلة استغلال المصالح الروسية الأميركية حتى النهاية فقد عادت بعد أربعة أشهر من قرار إغلاق القاعدة الأميركية وسمحت لواشنطن باستغلال القاعدة ولكن بعد تعديل اتفاق استخدامها ومضاعفة قيمة إيجارها لأكثر من ثلاثة أضعاف.
[نهاية التقرير المسجل]
محمد كريشان: دكتور خلف في موسكو، رغم أن رئيسة الحكومة المؤقتة في بشكيك أرادت في البداية أن تطمئن الأميركيين فيما يتعلق بقاعدتهم، مسؤول روسي فضل عدم ذكر اسمه قال لا مجال لهذه القاعدة ونريد أن نكون نحن الوحيدين هناك، ما الذي يعنيه ذلك؟
عباس خلف: كما ذكرت في حديثي موسكو والكريملين يعتبر هذه الجمهورية وجمهوريات آسيا الوسطى حديقته الخلفية، فتصريح هذا المسؤول الروسي يتطابق مع النهج المعلن وغير المعلن بالنسبة لموسكو بأنها لا تقبل جارا ثقيلا وجارا يهددها في خاصرتها، فلهذا السبب موسكو.. لهذا فالحكام الجدد أو الحكومة المؤقتة أول إشارة بعثوها هي إلى موسكو لكي تطمئن موسكو عندما أعلنوا بأن موسكو الحليف الإستراتيجي وهذا ما فعلته أوكرانيا وهذا ما فعلته جمهورية أوسيتيا وأفخازيا وكذلك ما فعلته أوزباكستان، هناك عودة للنضال كما يقال إلى الحضن الروسي فالولايات المتحدة الأميركية وعت والآن الولايات المتحدة الأميركية قد أدركت بأن هذه الفترة هي ليست فترة العبث الأميركي بل هي فترة الاعتراف بمصالح الآخرين والاعتراف بمصالح موسكو وقد رأينا أن واشنطن كانت عاجزة باتخاذ أي إجراء ضد موسكو سواء دبلوماسي أو سياسي أو عسكري أثناء أحداث أوسيتيا الجنوبية وأفخازيا..
محمد كريشان (مقاطعا): هو ربما الولايات المتحدة في استشعار منها لهذا الموضوع مصدر في البنتاغون متحدث قال بأن العمليات التي تقوم بها القاعدة الأميركية أصلا عمليات محدودة جدا، هنا نريد أن نسأل ضيفنا السيد بابيك كيف ينظر في واشنطن من ناحية توقيع الاتفاق في براغ، اتفاق تاريخي بين أوباما وميدفيديف وفي نفس الوقت هذا الصراع الذي يجري في منطقة أخرى، هل ترى فيه ازدواجية معينة واشنطن فيما يتعلق بموسكو؟
ماركو بابيك: كما تعلمون فإن روسيا تقوم بدور متعاون تماما وذلك بالسماح للمعدات الأميركية في مجهودها في أفغانستان أن تمر من خلال الأراضي الروسية، دعوني أشرح ذلك الواقع، روسيا تود أميركا أن تكون في أفغانستان وروسيا تريد أميركا أن تكون حاضرة في الشرق الأوسط لأنه إذا كانت أميركا منخرطة بشكل عسكري في الشرق الأوسط فلا يمكنها أن تركز على وسط أوروبا وكذلك على القوقاز ولا يمكنها أن تركز على آسيا الوسطى، إذاً علينا أن ندرس ما قالته عاصمة بشكيك بشأن إغلاق قاعدة باسكيك علينا أن نأخذها بحذر بصفتها أول إشارة في محادثات ممكنة بين موسكو وواشنطن، هذه المحادثات قد تقود إلى أن تبقى أميركا في قرغيزستان في مقابل أنها تنهي مخططات للدفاع عن صاروخها البالستي في أوروبا الوسطى لأنه ليس في مصلحة روسيا أن تجعل الأمر مستحيلا بالنسبة للولايات المتحدة أن يكون لها حضور في الشرق الأوسط.
محمد كريشان: ولكن هل بدأت واشنطن تدرك بأنها تخسر الموقع تلو الآخر في تلك المنطقة وآخرها قرغيزيا؟
ماركو بابيك: هل أعدت طرح السؤال من فضلك؟
محمد كريشان: يعني مع السياسة الروسية التي أشرنا إليها طوال هذه الحلقة في استرجاع الجمهوريات التي تمردت على السلطة الروسية والنفوذ الروسي، هل تشعر واشنطن بأن نفوذها في هذه المنطقة والذي استعادته في الفترة الأخيرة الآن هي بصدد خسرانه مع السياسة الروسية الجديدة؟
ماركو بابيك: نعم أميركا تفهم بأنها خسرت مثلا أوكرانيا ذلك واضح تماما بالنسبة للولايات المتحدة وهذا جزئيا أمر محتوم ذلك أن أميركا تركز الآن على الشرق الأوسط، الجيش الأميركي والإستراتيجية الأميركية وكذلك أميركا فإنها بكل بساطة مهتمة بالشرق الأوسط وحلفاء أميركا في أوروبا الوسطى قلقون بشأن هذا الأمر ويودون إحداث موازنة من خلال عودتها إلى وسط أوروبا، لكن علينا أن نفهم بأن روسيا لديها امتياز بمحيطها وجيرانها لأن هذا يمثل مكانها الخلفي، روسيا استفادت من هذا الامتياز بينما أميركا كانت مهتمة بالشرق الأوسط ولكن عندما تخرج أميركا من الشرق الأوسط فسيكون هناك تحديد للنفوذ في هذه المنطقة لذلك على روسيا أن تحصل على أكبر مكاسب الآن قبل أن تقوم أميركا بإعادة توجيه سياستها.
محمد كريشان: شكرا جزيلا لك ماركو بابيك المحلل في معهد ستراتفور للشؤون الأمنية كنت معنا من أوستن بولاية تكساس الأميركية، شكرا أيضا لضيفنا من موسكو الدكتور عباس خلف مستشار معهد الدراسات الإستراتيجية الروسية. وبهذا نصل إلى نهاية هذه الحلقة من البرنامج، كالعادة نذكركم بإمكانية إرسال مقترحات على هذا العنوان الإلكتروني، indepth@aljazeera.net غدا بإذن الله قراءة جديدة في ما وراء خبر جديد أستودعكم الله.