صورة عامة / ماوراء الخبر
ما وراء الخبر

منح المهاجرين الموهوبين حق الإقامة في فرنسا

تتناول الحلقة قانونا فرنسيا جديدا يمنح حق الإقامة للمهاجرين من الموهوبين وذوي الكفاءات في سياق خطة ترمى إلى استبدال الهجرة المفروضة بالهجرة المنتقاة.

– تعارض فكرة الانتقاء مع حقوق المهاجرين
– مسؤولية الدول المتقدمة تجاه هجرة العقول

undefined

علي الظفيري: أهلا بكم، نناقش في حلقة اليوم قانونا فرنسيا جديدا يمنح حق الإقامة للمهاجرين من الموهوبين وذوي الكفاءات في سياق خطة ترمى إلى استبدال الهجرة المفروضة بالهجرة المنتقاة، نطرح في حلقتنا تساؤلين اثنين، كيف يمكن كفالة حقوق المهاجرين عموما في ظل قانون لا يقبل إلا مهاجرين منتقين؟ ألا يفاقم هذا القانون من مشكلة ما يعرف بهجرة العقول التي تعانى منها الدول النامية؟ القانون الفرنسي ما هو إلا جزء من حمى تسرى في بلدان غربية كثيرة لتشديد قوانين الهجرة إليها كالولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا والدانمارك وفي غمرة الجدل حول هذا التوجه أصدرت منظمة الهجرة العالمية تحذيرا من تصوير المهاجرين على أنهم شر مستطير ووافدون يسرقون من أبناءهم الوظائف ويشكلون عبء على نظم الخدمات الاجتماعية فيها.

تعارض فكرة الانتقاء مع حقوق المهاجرين

[تقرير مسجل]

مكي هلال: بإقرار الجمعية الوطنية الفرنسية البند الخاص بمنح تأشيرة لأصحاب المواهب والكفاءات يكون وزير الداخلية الفرنسي نيكولا ساركوزي قد مرر مشروعه للهجرة الانتقائية القائم على التخلص مما يعتبره هجرة مفروضة على بلاده ليؤكد ما سبق واتخذه من مواقف صارمة تجاه المهاجرين حين اندلعت أحداث الشغب بضواحي باريس، المشروع أثار جدلا واسعا إبان طرحه على البرلمان الفرنسي كما تعرضت وزارة الداخلية إلى انتقادات واسعة من قبل المعارضين للمشروع بوصفه حثا للأدمغة على ترك بلدانها النامية على الرغم من حاجة تلك الدول للكفاءات في مشاريعها التنموية واعتمادا لمبدأ التفرقة بين الوافدين لاستدراج الطلبة المتفوقين دون سواهم على نحو يعيد إلى الأذهان بعضا من ممارسات العبودية البغيضة حين كان العديد يختارون بناء على ما يتمتعون به من قدرات جسدية، على الجانب الآخر يحتج مناصرو ساركوزي بأن فرنسا في زمن صراع القوى الدولية من حقها أن تضمن ازدهارها بتقنين الهجرة وجعلها أكثر نوعية بما يتناغم وحاجاتها الاقتصادية على أساس منح الأولوية للعمال والطلبة الواعدين وأن دولا أخرى مثل كندا واستراليا ونيوزيلندا تتخذ التدابير ذاتها مع المهاجرين وأن لم تضبطها بقانون معلن، جدل قد لا يقتصر على عناوين كالهجرة والكفاءة والاندماج بين النخب السياسية الفرنسية وفي صفوف المهاجرين بمختلف أجيالهم، بل يتعدها حسب ما يرى المراقبون إلى معركة انتخابات الرئاسة الوشيكة في فرنسا، فالكل يحسب أوراقه ومواقفه والكل يسعى لطمأنة الفرنسيين بضمان أمنهم والحد من سيول المهاجرين ريثما ينتهي السباق المحموم نحو قصر الإليزيه.

علي الظفيري: ومعي في هذه الحلقة من باريس الكاتب والمحلل السياسي أنطوان نوفل ومن بيروت عفوا توفيق المثلوثي مدير إذاعة البحر المتوسط والمتابع لقضايا الهجرة إلى فرنسا، مرحبا بكم جميعا، ابدأ من باريس مع السيد نوفل.. هل تتعارض فعلا فكرة الانتقاء هذه.. انتقاء الموهوبين وذوي المهارات مع الحقوق الأساسية للمهاجرين بشكل عام؟

"
هنالك تخوف من تحول قانون منح حق الإقامة للمهاجرين من الموهوبين وذوي الكفاءات، إلى قانون تعسفي بحيث يبقي على الأشخاص المرغوب بهم ويطرد الأشخاص الذين لا تريدهم الدولة الفرنسية
"
  أنطوان نوفل

أنطوان نوفل- كاتب ومحلل سياسي: يمكن القول أن هنالك عدم فهم لما تريده الحكومة الفرنسية، هنالك مغالاة من قبل بعض الأطراف، بطبيعة الحال هنالك تخوف من أن يتحول هذا القانون إلى قانون تعسفي بحيث يبقى على الأشخاص المرغوب بهم ويطرد الأشخاص الذين لا تريدهم الدولة الفرنسية، الحقيقة هذا الموضوع فيما يتعلق بالموجودين حاليا في فرنسا لا يتناول سوى أربعة آلاف شخص وقد طلب وزير الداخلية إنشاء لجنة خاصة للنظر بأوضاع هؤلاء ومن المحتمل جدا أن يسار إلى قبول العدد الأكبر.. إلى قبول نسبة كبيرة من هؤلاء للبقاء في فرنسا، أما الموضوع فيتحمل الكثير من الجدل بين يمين ويسار وكما تفضلت وقلت فهنالك معركة انتخابية وهنالك مغالاة من قبل جميع الأطراف ومحاولة لاجتذاب.. يبدو لاجتذاب اليمين المتطرف في فرنسا إلى هذا المعسكر أو ذاك، في الوقت الحاضر لم يفرغ بعد من معالجته ومن دراسته في مجلس النواب وقد أُرجأ هذه الليلة إلى يوم الثلاثاء القادم حيث ستطرح أفكار جديدة وتعديلات جديدة عليه، ربما تكون تعديلات ترضي مختلف الأطراف خاصة الأطراف الدينية في فرنسا التي وقفت ضد هذا المشروع.. ضد بعض محتويات هذا المشروع وليس كمشروع بحد ذاته.

علي الظفيري: إذا سيد نوفل يعني نسأل السيد المثلوثي في بيروت، هل فعلا نحن أمام سوء فهم أو تجاذب سياسي بين أطراف متعددة تستخدم قضية الهجرة مثلا ورقة انتخابية أم هي خطوة في طريق إعادة فرنسا لرؤيتها في موضوع الهجرة وفي موضوع فتح الباب أمام المهاجرين من كل أنحاء العالم؟

توفيق المثلوثي- متابع لقضايا المهاجرين في فرنسا: في هذا الموضوع كل ما تناولتموه مع أني لا أتفق مع كلمة وجود مغالاة في فهم أو في تقبل هذا القانون، هناك استغلال لهذا الموضوع من طرف السياسيين الفرنسيين كل لمطامحه السياسية والانتخابية وخاصة من تقدم بهذا القانون وهو ساركوزي.. الذي هو بنفسه من أصل مهاجر، تقدم بهذا القانون للحد من الهجرة اليدوية العاملة ومن الحد مما يسمونه من مآسي العالم التي تنصب على فرنسا وهذا غير مقبول لا إنسانيا ولا قانونيا ولا منطقيا، لا توجد مغالاة.. يوجد استغلال لهذه النقطة وأظن أنه هذا القانون نحن نتكلم على نقطتين فقط منه لكن فيه نقاط أخرى كذلك لم يتطرق إليها المحللون وهي أن تجديد بطاقات الإقامة لمن هم مقيمون بفرنسا سوف تخضع لهذه القاعدة ذاتها وأنا أرى وأن هذا القانون يتنافى والقوانين الفرنسية الموجودة ويمكن أن نعارضه إذا لا سمح الله تم التصديق عليه.. ممكن أن نعارضه بقانونين فرنسيين موجودين وثابتين الذي هما قانون واجب الدفاع على من هو مهدد بالهلاك ويسمى بالفرنسية (كلمة بلغة أجنبية) لأن هؤلاء الفقراء الذين يغادرون ويجازفون بحياتهم هجرةً إلى فرنسا ليس محبة في الهجرة وإنما هروبا من الفقر المدقع الذي يعانونه من المجاعات..

علي الظفيري [مقاطعاً]: سيد توفيق ما الذي يضطر فرنسا لقبول هؤلاء؟ هي ليست بحاجة لهم.

توفيق المثلوثي: فرنسا يضطرها التاريخ.. يربطها بالناس التي تأتي من الجنوب وتأتي إلى فرنسا لأنها غالبا.. لأنهم غالبا مهاجرون من الدول التي استعمرتها فرنسا سابقا وعلى فرنسا مسؤولية تقبل هؤلاء الأشخاص ومساعدتهم، فإن لم ترد استقبالهم في فرنسا فلتساعدهم في بلدهم لأن فرنسا بعد أن استنزفت ثرواتهم المعدنية وثرواتهم في بلدانهم أيام الاستعمار تريد أن تستنزف عقولهم اليوم بالتنقية بين من هو له شهادات ومن هو يأتي للعمل اليومي.

علي الظفيري: برأيك سيد توفيق هل هذا العبء الأخلاقي وهذا الموروث الحضاري لفرنسا سيقف يعني عقبة في وجه تنفيذ مثل هذه القوانين أم أن كل ما يحدث في فرنسا اليوم يشير إلى إنها تسير نحو تطبيق مثل هذه القوانين في الهجرة.

توفيق المثلوثي: هناك تياران في فرنسا حاليا.. فيه التيار الذي يغازل التيار اليميني المتطرف وهناك تيار أسميه بالإنساني الذي مازال ينظر إلى فرنسا كأرض استقبال وأرض ضيافة وهذا التيار قوي ودعمه الآن رجال الدين المسيحيين وغيرهم لمشروع هذا القانون وأؤكد أنه فقط مشروع تحت المناقشة ولم يتم تصديقه بعد، فهناك تيار اليوم يخاف من نوع من الهجرة ولنقلها صراحة وهي هجرة المسلمين نظرا إلى أن عدد المسلمين بأوروبا وليس بفرنسا فقط صار تقريبا 10% من عدد السكان الأوروبيين أنفسهم وهناك تخوف ولا توجد صراحة للإعلان عن هذا الموضوع ولفرض هذه الهجرة المسلمة وهناك خطة غير معلنة للإقلال من عدد المسلمين.. ليست فقط برفض المهاجرين وإنما بتهجير الموجودين عند تجديد بطاقاتهم، فالخطة أبعد وأعمق مما نتصوره وهذا يرضي بطبيعة الحال اليمين المتطرف وأنتم شفتم البارحة بلندن ببريطانيا انتخاب نواب من حزب متطرف يميني، يعني هذه موجة في أوروبا وليس في فرنسا فقط.

علي الظفيري: سيد توفيق طيب اسمح لي أسأل السيد نوفل في باريس، هل فعلا هذه الأفكار التي تحدث بها السيد توفيق تأخذنا من السياق الاقتصادي لهذا الموضوع وجدواه الاقتصادية إلى سياقات ثقافية وحضارية وخشية ربما من موازنات اجتماعية بشرية أخرى في فرنسا وفي أوروبا بشكل عام؟

أنطوان نوفل: هذه الأفكار بطبيعة الحال متداولة في فرنسا في جميع طبقات المجتمع الفرنسي ولكن كما قلت في البداية أنا أصر كثيرا على لفظة مغالاة، هنالك بعض المغالاة، الموضوع لم يدرس نهائيا..

علي الظفيري [مقاطعاً]: ممن هذه المغالاة؟ عفوا.

أنطوان نوفل [متابعاً]: هنالك إعادة نظر بأشياء كثيرة وهو يتعلق كما قلنا بمرحلة انتخابية من جهة ومن جهة ثانية بالحد من البطالة في فرنسا، هنالك بطالة مستشرية في فرنسا.. مستشرية في أوروبا إجمالا وكل الذين يمرون في فرنسا لا يتوقفون كلهم في فرنسا بطبيعة الحال، النسبة مازالت هي هي منذ عشر سنوات والكثيرون منهم يتوجهون إلى ألمانيا أو إلى دول أخرى، إذا المسألة ليست مسألة فرنسية بحتة ولكن المسألة أوروبية، هنالك أزمة اقتصادية في أوروبا، طبعا أنا قلت لفظة مغالاة لأن اليمين..

علي الظفيري: طيب سيد نوفل لو سمحت لي، أولا يعني هناك حديث أن ليست البطالة هي المشكلة التي يعني مهدت لقوانين الهجرة، الشيء الثاني المهاجرون هم من ساهموا في إثراء الاقتصاديات الأوروبية والغربية بشكل عام، بعد أن قدموا كل هؤلاء المهاجرون كل ما قدموه الآن يأتي الحديث عن انتقائية ويأتي حديث عن مساوئ لوجود مثل هؤلاء المهاجرين في الدول الأوروبية ومنها فرنسا؟

أنطوان نوفل: الانتقائية لا تعني أن هنالك مفوض فرنسي سيذهب إلى كل دولة يأتي منها المهاجرون لينتقي ما يريد، الانتقائية تعني أن هنالك من يدخلون خلسة إلى فرنسا بطرق غير مشروعة وأن هؤلاء لا يمكن كما يقول الفرنسيون لا يمكننا أن نأوي جميع فقراء العالم، إذاً هنالك رقابة ستكون بالتأكيد أكثر تشددا مما كان يحصل في الماضي ولكنها ستأخذ بعين الاعتبار كل القضايا الإنسانية، إن كانت القضايا صحية، إن كانت القضايا المتعلقة بالزيجات، إن كانت القضايا المتعلقة بتجميع العائلات إلى ما هنالك من قضايا مختلفة تهم المهاجرون.

علي الظفيري: سيد نوفل اسمح لي أن أتحول للسيد بيروت في توفيق وأساله.. البعض ينظر إلى أن وجود مثل هذه الأعداد الكبيرة من المهاجرين في فرنسا وفي أوروبا بشكل عام هو عبء خدماتي، عبء على الوظائف، عبء على الاقتصاد والبعض الآخر يرى عكس ذلك، أين نحن.. يعني أين هو الموقف الحقيقي من وجود مثل هذه الأعداد المهاجرة الكبيرة في فرنسا وغيرها من الدول؟

توفيق المثلوثي: أول شيء هذا القانون أريد أن أجيب الأستاذ الموجود بباريس هو أن أنه..

علي الظفيري: أستاذ نوفل.

توفيق المثلوثي: نعم الأستاذ نوفل، هو أن هذا القانون لا يخص بالذات الهجرة الغير شرعية، من يدخل لفرنسا خلسة بل بالعكس يخص كل من ينوي الهجرة إلى فرنسا بصفة قانونية ويتقدم إلى السفارة الفرنسية في بلده طالبا ترخيص لدخول فرنسا فيقع انتقائه على حسب كفاءته وهذا هي المشكلة الحقيقية وليس بالنسبة للمهاجرين الذين دخلوا خلسة، ثاني شيء موضوع الزواج هذا أمر غير إنساني وغير مقبول بتاتا هو أنه يتدخل الحكومة الفرنسية في أن يقرر هذا الزواج أبيض أي غير حقيقي وهذا زواج حقيقي ويدخلون في عواطف الناس، أما من ناحية هو أن الهجرة عبء على فرنسا فأنا من الذين يعتقدون وأنها ولست الوحيد هناك فرنسيا مشهور كان وزيرا في عهد ديجول وبعده واليوم هو الموفق الإداري بفرنسا ويدعى برنار ستازي والذي كتب كتابا عن الهجرة وقال إنها حظا لفرنسا ولأوروبا لأنها ساعدت على بناء اقتصادنا وعلى تقدمنا، فمن يدعي وأن البطالة سببها المهاجرون فهذا غير صحيح وبالعكس هذا من ادعاءات اليمين المتطرف مثل لو بان ودوفيليه وغيرهم وأمثالهم من هؤلاء المتطرفون العنصريون.

علي الظفيري: يعني أبرز مثال المنتخب الفرنسي وهو من حقق آخر إنجازات الرياضية لفرنسا كأس العالم كان ثلاث أرباعه من المهاجرين، هذا أبسط مثال.. قيس على ذلك أمثلة كثيرة، هناك جانب يتعلق بهجرة العقول من دول العالم الثالث وكأن هذه الدول غير موجودة ولا تحتاج أصلا لعقولها، المسألة نتابعها مع ضيوفنا معكم بعد وقفة قصيرة فابقوا معنا.

[فاصل إعلاني]

مسؤولية الدول المتقدمة تجاه هجرة العقول

علي الظفيري: أهلا بكم من جديد، حلقة اليوم تتناول قانونا فرنسيا جديد يمنح الإقامة للمهاجرين من الموهوبين وذوي الكفاءات، سيد أنطوان نوفل الآن نتناول الجانب الآخر، يعني هذه الدول تتسابق على العقول وعلى المهارات من دول العالم الثالث وكأن هذا العالم الثالث غير موجود وهي أصلا تتحدث عن وجوب المساهمة في إنمائه واليوم تأتي وتسحب كل العقول والخبرات والمهارات المتميزة فيه، أليست.. يعني ألا توجد مسؤولية أخلاقية في هذا الجانب على فرنسا وعلى غيرها من الدول المتقدمة، أستراليا، كندا، الولايات المتحدة الأميركية وغيرها من الدول؟

أنطوان نوفل: لا شك أن مثل هذه المسؤولية موجودة وأعتقد أن فرنسا هي دولة مسؤولة في هذا المجال ولا أتصور أن الفرنسيين سيذهبون إلى التطرف في معالجة مسألة الهجرة إلى فرنسا، لكن هنالك واقع والواقع يدل على أن فرنسا لم يعد بإمكانها أن تأوي الأعداد التي كانت تؤويها في الماضي، إذاً لابد من إعادة النظر، لست هنا لأدافع عن وجهة نظر ساركوزي فإنني ابعد من يكون عن وجهة نظره ولكن هنالك من يقول إن فرنسا تسلب عقول النخبة الأفريقية أو سواها لتأتي بها إلى فرنسا.. هذا قول الحقيقة هو الذي يستخدمه دوفيليه اليميني المتطرف الذي يقول إننا نسلب البلدان النامية نخبتها ونأتي بهذه النخبة إلى فرنسا ونحرم هذه البلدان من هذه النخبة، لذا علينا أن نرفض كل من يأتي إلى فرنسا لكي تبقى هذه النخبة في أرضها ولتساهم في إنعاش ثروات بلادها وفي إنعاش اقتصاد بلادها، هذا هو أيضا نوع من المغالاة، إذاً الفكرة أخذها اليميني المتطرف وأخذ يتاجر بها حتى الآن.

علي الظفيري: طيب سيد نوفل يعني تقول إن فيها جانب من المغالاة، هذا تقرير نشرته الأمم المتحدة الثلاثاء الماضي في نيودلهي يقول إن الهند فقط الهند تخسر مليارين دولار كل عام بسبب هجرة مائة ألف خبير في المعلوماتية إلى الولايات المتحدة الأميركية وحدها، نحن لا نتحدث عن فرنسا نتحدث عن العالم الغربي بشكل عام، هذه الهند تخسر مليارين دولار، أسأل السيد المثلوثي عن نفس الموضوع المسؤولية الأخلاقية في حماية دول العالم الثالث.. يعني حماية هذه الثروات البشرية والعقول البشرية؟

توفيق المثلوثي: أريد أن أعطيك مثال عن الكفاءات الموجودة مثلا بفرنسا.. خلينا نحكي عن فرنسا فقط، فإذا أخذنا الـ(CNRS) الذي هو المركز الوطني للبحوث العلمية أو الـ(ENRA) اللي هو المركز الوطني للبحوث الزراعية.. فنجد عددا كبيرا مهول يفوق الثلث من الباحثين هم من أصول مغربية وأظن إلى جانب النقطة الأخلاقية في هذا الموضوع كما ذكرتم هناك نقطة أخرى.. هي نقطة المسؤولية، من المسؤول عن هروب هذه العقول أولا؟ وبالتالي أنت ذكرت وأن الهند مثلا تخسر اثنين مليار فالفاقة والحاجة دفعت الناس إلى الخروج وإلى البحث عن ظروف عيش أفضل، فلنأخذ مثل المغربيين مثلا أو السنغاليين أو كل الأفارقة الذين يذهبون إلى فرنسا، هي مسؤولية من هذا الخروج من البلد؟ فسنجد وأن دولهم هي مسؤولة أولا وبالذات عما يحدث وعن هذه الهجرة وعن مغامرات بحياتهم، فهناك طاقات خلاقة وكفاءات كبيرة لا تجد منفذ في بلدها فهي مجبرة على المغادرة وعلى البحث عن لقمة العيش بشرف وبكرامة، إذاً المسؤول الأول كذلك لحتى لا نرمي الكرة في ملعب فرنسا فقط.. الكرة أيضا هي في ملعب الحكام العرب والحكام الأفارقة الذين لا يقدمون ما فيه الكفاية لكفاءتهم وبعد ذلك يتحسرون عن ذهاب هذه الكفاءات ومغادرتها لبلدانهم.

علي الظفيري: طيب سيد نوفل يعني من هذه الزاوية تحديدا.. كان هناك مؤتمر في قطر قبل الأسبوع الماضي أو قبل الماضي جمع يعني ما يقارب من مائتين عالم وباحث عربي مغترب في كافة دول العالم وكانت تجربة جيدة، دعنا نحاول أن نقرأ التجارب العربية لاستقطاب أو لإبقاء مثل هذه.. يعني دعنا نقرأها في إطارنا العربي، لا نتحدث عن كل دول العالم الثالث، هل من محاولات جادة عربية لإبقاء مثل هذه العقول والخبرات والمهارات في دولها والمساهمة في التنمية؟

أنطوان نوفل: أنا موافق تماماً على ما قاله زميلي من حيث توزيع المسؤوليات، هنالك طبعاً عرب يعملون في فرنسا في المختبرات في الـ(CNRS) أو في المستشفيات الفرنسية أو في أي قطاع من قطاع الأبحاث في فرنسا، هؤلاء جاءوا إلى فرنسا بأي دافع؟ بدافع أنهم لا يمتلكون في بلدانهم المختبرات الضرورية، المقومات الضرورية للقيام بعملهم، عندما يأتي طبيب إلى فرنسا ويعمل في فرنسا في المستشفيات الفرنسية فلأن هذه المستشفيات تضع تحت تصرفه أحدث الآلات التي يمكن أن يستخدمها في عمله وكذلك في الـ(CNRS) وكذلك في أي مكان آخر في فرنسا بما يتعلق بالعقول التي تأتي من الدول العربية أو من الدول الإفريقية، بطبيعة الحال الكل يتمنى أن يعود هؤلاء في يوم من الأيام ليمارسوا نشاطهم في بلدانهم ولكن شرط أن هذه البلدان أن تحصل على المقومات اللازمة لكي يتمكن هؤلاء من القيام بعملهم على أتم وجه، إذاً المسألة ليست مسألة اختيار فقط العقول.. العقول تأتي من تلقاء نفسها، هنالك بطبيعة الحال مغريات موجودة في أوروبا، مغريات موجودة في أميركا ولكن العقول تبحث أين يمكن أن تحل، إننا في عصر العولمة والعولمة لا حدود لها، بطبيعة الحال العولمة لا تقتصر فقط على اليد العاملة ولكنها أيضاً تتناول كل القطاعات.. قطاعات الخبراء وقطاعات اليد العاملة وأي نوع من أنواع الهجرة، المهم أن فرنسا لا أعتقد أنها ستميز فيما يتعلق بموضوع المهاجرين بين مهاجر جيد ومهاجر غير جيد من حيث أخلاقه، هنالك بالتأكيد موازين ومعايير جديدة ستطبقها الحكومة الفرنسية ولكنها لن تختلف كثيراً عن المعايير السابقة.

علي الظفيري: سيد أنطوان البعض ربما يستغرب من هذا الكلام وخاصة أن هناك موجة.. ليست المسألة متعلقة بفرنسا، إنما هناك يعني موجة واضحة جداً وخطوات إجرائية قانونية في بريطانيا، في ألمانيا، في الدنمرك الولايات المتحدة الأميركية، في كندا نحو موضوع الانتقاء، أسأل السيد المثلوثي إذا كان هناك يعني لا يوجد أمل في دولنا العربية في الإبقاء واستقطاب مثل هذه الكفاءات.. أنت لم تحمل الدول الغربية أيضاً مسؤولية وهي يعني عليه يقع عليه جانب كبير من المسؤولية في موضوع المساهمة في الحفاظ على الحد الأدنى من الحياة الجيدة في دول العالم الثالث وهذا ما تتشدق به دائماً أصلاً دول الغرب.

"
الدستور الفرنسي يضمن حق العيش بكرامة وحق الأكل والدراسة ويعتبرها حقوق مضمونة ومشروعة ليس فقط للمواطن الفرنسي ولكن لكل بني آدم
"
توفيق المثلوثي

توفيق المثلوثي: في قانون وفي الدستور الفرنسي من أول القوانين هي أن حق العيش بكرامة، حق الأكل وحق الدراسة هي حقوق مضمونه ومشروعة بموجب الدستور الفرنسي وتضمن ليس فقط للمواطن الفرنسي ولكن لكل بني آدم، مسؤولية فرنسا بالذات وليس باقي الدول الأوروبية التي عليها كذلك مسؤولية.. بس فرنسا التي هي من يتبجح بتقديم قانون حقوق الإنسان وكل ما قيل وكل ما سيقال في حقوق الإنسان، فرنسا تطالب وأن هي الرائدة الأولى وهي التي تحمل علم حقوق الإنسان، فإن أرادت أن توافق بين نظرياتها وبين ما تقوله وبين ما تفعله فمن واجبها مساعدة ومد المساعدة ليس فقط للمهاجرين، لأنه بالفعل لا يمكن لفرنسا أن تستوعب ثلاثمائة وعشرين مواطن بإفريقيا وأنه بينصبوا عندها في فرنسا، لكن من واجب فرنسا مساعدة الدول الإفريقية النامية على تنمية اقتصادها وخلق فرص العمل للمواطنين لأن لا يمكن أن تمنع الإنسان للبحث عن قوته أينما كان المكان وأريد أن أذكر الفرنسيين وأنهم هم أنفسهم ذهبوا إلى أميركا بحثاً على القوت في سنين الفقر والمجاعة ولم يطالبهم الأميركان بكفاءات لما قابلوهم، ثم هناك الإيطاليين والأسبان وغيرهم، يعني هذا قانون غير مقبول ولكن أريد أن ألح على نقطة بدون مغالاة.. هناك خلفية سياسية وراء هذا القانون مرادها ومفادها رفض المهاجرين من الجنوب ورفض المغاربة بالذات وبالتحديد.

علي الظفيري: طيب السيد نوفل في أقل من دقيقة هل نحن أمام وجه أوروبي وغربي آخر فيما يتعلق بموضوع استقبال الوافدين والمهاجرين في كافة أنحاء العالم؟ أقل من دقيقة لو سمحت.

أنطوان نوفل: ليست المرة الأولى التي تصدر فيها قوانين فيما يتعلق بالهجرة، صدر قوانيني في الماضي وفي الحقيقة لم تطبق، هل هذا القانون سيطبق أم إنه سيمر مرور الكرام وينتهي عندما تنتهي المعركة الانتخابية؟ السؤال مطروح، يجب أن ننتظر.. برأيي أن ننتظر نهاية المعركة الانتخابية لنرى ماذا ستئول كل هذه الإجراءات المتعلقة بالهجرة لا سيما أن الفرنسيين سيلفون نفسهم أمام هجرة تتعلق بدول تهمها كثيراً.. دول لها علاقات تاريخية مع فرنسا..

علي الظفيري [مقاطعاً]: سيد أنطوان..

أنطوان نوفل [متابعاً]: وأن هنالك على ما أعتقد أن الواسطة ستتدخل كما هي العادة..

علي الظفيري: انتهى وقتي سيد أنطوان نوفل لو سمحت..

أنطوان نوفل: وأن معظم الذين سيطلب رحيلهم سيكون في فرنسا.

علي الظفيري: الكاتب والمحلل السياسي أنطوان نوفل من باريس ومن بيروت توفيق المثلوثي مدير إذاعة البحر المتوسط والمتابع لقضايا الهجرة إلى فرنسا شكراً لكما، انتهت حلقة اليوم من برنامج ما وراء الخبر بإشراف نزار ضو النعيم وبإمكانكم المساهمة معنا في اختيار مواضيع حلقاتنا القادمة عبر البريد الإلكتروني indepth@aljazeera.net غداً إنشاء الله قراءة جديدة فيما وراء خبر جديد، شكراً لكم وإلى اللقاء.

المصدر : الجزيرة