الإدارة الأميركية وإستراتيجية التغيير في العراق
– سيناريوهات الخروج الأميركي من مأزق العراق
– الاستقرار والتضحية بالديمقراطية في العراق
محمد كريشان: السلام عليكم، نتوقف في هذه الحلقة عند النقاش الجاري حاليا في واشنطن حول تغييرات دراماتيكية قد تشهدها سياسة الرئيس بوش في العراق ونطرح في حلقتنا تساؤلين اثنين، هل تجد حكومة بوش نفسها مضطرة للمرور عبر دمشق وطهران حتى تخرج من مأزقها في العراق؟ وما الذي تبقى لبوش في تبرير الغزو إذا ما تراجع عن دعم الديمقراطية في العراق لصالح الاستقرار؟
سيناريوهات الخروج الأميركي من مأزق العراق
محمد كريشان: تعددت مصادر التسريبات حول تقرير ستتقدم به لجنة مؤلفة من عشر شخصيات مرموقة في السياسة الأميركية شكلها مجلس الشيوخ الأميركي في مارس/آذار الماضي وكلفها بإعداد سياسة توفر مخرجا من المأزق الأميركي في العراق، اللجنة المؤلفة من أعضاء في الحزبين الجمهوري والديمقراطي رأسها وزير الخارجية الأميركي الأسبق جيمس بيكر والعضو الديمقراطي السابق في مجلس النواب لي هاملتون ورغم أن اللجنة قالت إنها لن تقدم تقريرها قبل انتخابات النصف البرلمانية المقرر إجرائها الشهر المقبل إلا أن مصادر مقربة منها أشارت إلى أن ثلاثة سيناريوهات سيتم تداولها بقوة، السيناريو الأول عنوانه الانسحاب والاحتواء وينص على إخراج القوات الأميركية تدريجيا من العراق وإعادة نشرها في قواعد قريبة بالمنطقة، أما السيناريو الثاني ويُعرف باسم الاستقرار أولا فينص على إعطاء الأولوية للاستقرار على حساب نشر الديمقراطية ويشجع واشنطن على فتح قنوات دبلوماسية مع سوريا وإيران وينص توجه ثالث على تقسيم البلاد إلى ثلاث مناطق كردية وسُنية وشيعية تتمتع باستقلال ذاتي واسع. ورغم أن بوش لا يزال متحفظا على فتح حوار مع سوريا وإيران ورغم أنه أعلن قبل أيام معارضته فكرة التقسيم إلا أن الأنباء الواردة من العراق لا تعطيه فيما يبدو فسحة لاختيار البدائل بصورة مريحة فقد وصف بيكر الوضع في العراق بأنه مرعب بعد زيارة إلى بغداد عاد منها خلال اليومين الماضيين، كما أن الناطق باسم القوات الأميركية في العراق الجنرال وليام كولجين اعترف بفشل الاستراتيجية الحالية في مواجهة التمرد وأعلن أن القوات الأميركية بصدد استراتيجية جديدة تدرسها مع المسؤولين العراقيين، معنا في هذه الحلقة من دمشق الدكتور وليد الزبيدي الباحث والكاتب العراقي ومن القاهرة الدكتور عمرو حمزاوي كبير الباحثين في مركز.. في مؤسسة كارنغي للسلام الدولي بواشنطن، أهلا بضيفينا نبدأ بالدكتور حمزاوي دكتور هل نحن فعلا الآن أمام وقفة جادة لإعادة صياغة السياسة الأميركية في العراق بعد إصرار سابق من بوش بأن الأمور هي على أفضل ما يرام؟
عمرو حمزاوي – كبير الباحثين بمؤسسة كارنغي للسلام الدولي: نحن بالتأكيد أستاذ محمد أمام لحظة لبلورة احتمالات وتوجهات لسياسة جديدة، لا أعتقد إننا أمام لحظة ستتراجع ففي إطارها أو في سياقها إدارة بوش عن ما تقوم به الآن في العراق، أنت أشرت إلى سيناريوهات ثلاثة، أنا لا أرى أن هذه الإدارة بصرف النظر عن التطورات في العراق على الأرض وبصرف النظر عن التطورات في الداخل الأميركي في انتخابات الكونغرس القادمة وتداعياتها على الحزبين خاصة حزب الرئيس الحزب الجمهوري، أنا لا أعتقد أن هذه الإدارة ستقوم بتحويل دفة سياستها في العراق بصورة جذرية، إذاً سيبقى لنا الخيارين أو السيناريوهين وهما في واقع الأمر السيناريو الثاني والسيناريو الثالث، الثالث هو تقسيم العراق وهذا هو ما تراه.. ما نراه جميعا بأعيننا والسيناريو الثاني وهو مسألة إعطاء الأولوية للاستقرار على حساب نشر الديمقراطية وهذا تقوم به هذه الإدارة منذ فترة زمنية ليست بالقصيرة.
محمد كريشان: ولكن ما الذي دعا الإدارة الأميركية لمراجعة حساباتها بعد أشهر من الخيال ومن الإصرار على أن الأمور تسير بشكل مُرضي هكذا كان دائما يكرر بوش؟
عمرو حمزاوي: نعم، أولاً ليست الإدارة الأميركية يا أستاذ محمد هو واقع الأمر السلطة التشريعية في الولايات المتحدة الأميركية مجلس الشيوخ تحديداً وبالتأكيد ضغط الرأي العام الأميركي وأنت تعلم كيف تطور الرأي العام الأميركي وتطورت نظرته للعراق في الأشهر الماضية بحكم الواقعي المأساوي لما يحدث في العراق، هي ليست الإدارة أنت اليوم في ذات اليوم الذي تم يعني تسريب أو تطورت التكهنات فيما يتعلق بتقرير لجنة بيكر هاملتون تقول وزارة الدفاع الأميركية إنها سترفع من عدد الجنود الأميركيين في العراق، أنت أمام إدارة مازالت إدارة أيديولوجية متمسكة بمواقفها ولكنها بحكم حسابات الواقع وتحولات الأرض تنازلت في الفترة الماضية عن الكثير من الأيديولوجية وبدأت بالفعل تفضل فكرة الاستقرار على نشر الديمقراطية وبدأت بالفعل تقبل بظواهر ومشاهد كثيرة تنبأ عن تقسيم مقبل للعراق لا نتمناه كمهتمين وكمواطنين عرب ولكن أنا أخشى إن الأمور تسير في اتجاه آخر.
محمد كريشان: نعم هو ما يجري الآن في العراق وصفه البعض بأنه ورشة تفكير في السيناريوهات المقبلة، هنا نسأل الدكتور وليد الزبيدي في دمشق هل تعتقد بأن البيت الأبيض والإدارة الأميركية بشكل عام مستعدة لتغيير الآن موقفها من سوريا ومن طهران في سياق إعادة تقييم الوضع في العراق رغم كل الإتهامات السابقة لهذين البلدين تحديداً؟
" الذي أجبر الأميركيين علىإحداث هذا التغيير الكبير والخطير في جميع مفاصل إستراتيجيتهم في العراق هو المقاومة التي تمكنت من إلحاق هزائم عسكرية بالإدارة الأميركية " وليد الزبيدي |
وليد الزبيدي – باحث وكاتب عراقي: بالأكيد نحن أمام مرحلة مهمة جداً ومفصل حيوي مهم جداً وعلينا أن نتحدث بالأسباب والدوافع التي أجبرت الإدارة الأميركية إلى الحديث عن إستراتيجية التغيير أو ما سمي باستراتيجية التغيير في العراق أو تغيير استراتيجيتهم والتي كانت.. كانوا يتحدثون عن سياسة الخروج من العراق أو استراتيجية الخروج من العراق والبعض أسماها سياسة الهروب، إذا لم نتحدث عن القوة التي أجبرت الإدارة الأميركية بكل ما تملك من قوة عسكرية واقتصادية وسياسية وإعلامية على تغيير استراتيجيتها لن نتوصل إلى الصورة المستقبلية التي يمكن أن نتلمس أبعادها خاصة ما يتعلق بأمن العراق وأمن المنطقة، إذا أردنا أن نتحدث كثيراً عن العقلية الأميركية والتنظيرات التي جاء بها الخبراء والسياسيون الأميركيون ولجنة بيكر وغير ذلك وكأن هي إرادة أميركية أو خيار أميركي للتغيير في العراق فلن نصل إلى نتيجة على الأقل فيما يتعلق بالشأن العراقي والنخب العراقية وكيف يجب أن ترى مستقبل العراق، الواضح والدقيق الذي أجبر الأميركيين على تغيير هذا التغيير الكبير والخطير في جميع مفاصل استراتيجيتهم في العراق هو المقاومة العراقية التي تمكنت من إلحاق هزائم منكرة بالميدان عسكرياً بالإدارة الأميركية وبالتالي تمكنت أيضاً من إجبار الإدارة الأميركية على الاعتراف ضمنياً بهزيمتها خاصة في آخر مفصل أمني تحدثوا وحشدوا لها الكثير وهو ما أسموه بخطة أمن بغداد التي أرادوها لتخليص.. للخلاص من المأزق الأمني في العراق بالقضاء على رجال المقاومة في العاصمة العراقية ولكن لم يتمكنوا من ذلك.
محمد كريشان: على ذكر هذه المقاومة دكتور.. يعني على ذكر هذه المقاومة تحديدا هل ترى من توازي بين الحديث الآن عن إمكانية إجراء حوار بين الإدارة الأميركية وفصائل المقاومة هذه وبين إمكانية إدراج دمشق طهران في إمكانية محتملة لإعادة الوضع في العراق هل ترى علاقة بين الأمرين؟
وليد الزبيدي: لا شك أن الإدارة الأميركية لم تكن مطالبها حديثة فيما يتعلق بالحوار مع المقاومة العراقية، الكل يعلم بأنها خلال أكثر من سنتين كانت تسميه إرهاب بشكل كامل ثم تحولت إلى حديث مع المسلحين وتحديداً في شهر نوفمبر من عام 2005 وبعد ذلك تلح بلقاء المقاومة العراقية ولكن فصائل المقاومة وكما هو واضح من خلال خطاباتهم التي نقرأها ونطالعها ومن خلال العمل الميداني ترفض الحوار مع الاحتلال إلا بالشروط التي تضمن جميع حقوق العراق وحقوق العراق كبيرة تمتد إلى بداية الحصار الذي فُرض على هذا الشعب ودمر وقتل ودُمرت البنية التحتية وقتل في الحرب الكثير من العراقيين، الإحصائيات وصلت إلى 655 ألف فقط القتلى أضعاف ذلك من الجرحى والمعاقين والمشردين إضافة إلى تدمير البنية التحتية وخسارة العراق الاقتصادية، هذه الشروط يجب أن توضع أمام الإدارة الأميركية إذا أرادت فعلاً أن تخرج سالمة من العراق أما خلاف ذلك فإن أي حوار على أساس أن تخرج قوات الاحتلال بلباسها وكيانها وهيبتها أعتقد أن ذلك يضر بمصلحة العراق ولا يمكن أن نقبل من العراقيين الذين ضحوا كثيراً من أطراف البصرة إلى أطراف العراق.
محمد كريشان: ولكن مع ذلك دكتور.. وهنا أسأل الدكتور عمرو حمزاوي ليس من السهل على الإدارة الأميركية بعد أن أطلقت العنان لكثير من الاتهامات لإيران بأنها ذات نفوذ كبير في العراق ولسوريا أيضاً على أساس أنها تسمح بمرور مَن يوصفون بالإرهابيين ليس سهلاً على الإدارة الأميركية أن تفتح خطوط مع هذين البلدين لترتيب وضع آخر في العراق كمتابع للشأن الأميركي هل هذا قرار دراماتيكي وارد؟
عمرو حمزاوي: ربما اختلفت معك جزئياً أستاذ محمد، التواصل والاتصال بين الإدارة الأميركية وطهران ودمشق لم ينقطع بالصورة التي ربما يروَّج لها في الإعلام، إن الإعلام الغربي أو الإعلام العربي والولايات المتحدة الأميركية نسقت مع طهران فيما يتعلق بالشأن العراقي في لحظات كثيرة نفس الأمر فيما يتعلق بسوريا خاصة في اللحظات التي أعقبت سقوط نظام صدام حسين كان هناك تنسيق على مستوى من المستويات، إذاً لن يكون بمثابة التحول الدراماتيكي أو التحول الجذري في توجهات إدارة بوش لأنها اتبعت هذه الإستراتيجية في لحظات سابقة، الأمر الثاني علينا أيضاً أن لا نخلط بين حديث الإدارة وحديث الإدارة لا يذكر مسألة الخروج من العراق لا يتحدث عن الانسحاب وبين حديث الرأي العام الأميركي وحديث الكونغرس الأميركي علينا عدم الخلط بين الأمرين، هذه الإدارة وهذا الرئيس سفّه الحديث عن خروج الولايات المتحدة الأميركية من العراق في الأسابيع القليلة الماضية، اتهم الخصوم السياسيين بأنهم لا يعلمون ولا يستطيعون أن يحددوا بدقة أو بموضوعية مصالح أميركا في العالم ككل وأن الانسحاب العراقي سيكون كارثي على المصالح الأميركية وعلى أمن المواطن الأميركي، لا تتوقع تحولاً جذرياً في الخطاب المعلن أو في السياسية المعلنة من هذه المواقف إلى مواقف جديدة، علينا أن لا نبالغ في قيمة اللحظة هي لحظة مراجعة ستؤثر على الإدارة بحكم تداعيات الأمور في العراق وتداعيات التوازنات السياسية في الولايات المتحدة الأميركية ولكن أنا أستطيع أن أؤكد لك أن هذه الإدارة لن تنتج حتى تذهب من البيت الأبيض تحولا جذريا فيما يتعلق بالسياسة العراقية ستستمع ستحسن الاستماع على عكس ممارستها السابقة ولكنها لن تغير الدفة كما يتوقع البعض منها.
محمد كريشان: إذاً في هذه الحالة دكتور هل تؤيد بعض التحليلات التي تقول بأن في نهاية المطاف واشنطن ليست منزعجة من النفوذ الإيراني الواسع في العراق ولا حتى من قلق تركي محتمل من دولة كردية في شمال العراق لأن ما يهمها في النهاية هو النفط أولا وإسرائيل ثانيا هل تشاطر مثل هذا التحليل؟
عمرو حمزاوي: يعني جزئيا واختلف جزئيا واختلافي هو فيما يتعلق بالانزعاج أو عدم الانزعاج من النفوذ الإيراني، دعك من الملف التركي ومن قلق الأطراف فهذه قضية أخرى أنا أعتقد الولايات المتحدة الأميركية بالفعل منزعجة من تصاعد النفوذ الإقليمي للعراق وبوابات هذا النفوذ العراق بالتأكيد أحد أهم البوابات في هذه اللحظة والولايات المتحدة الأميركية تحاول ولكن على مستوى إعادة صياغة تحالفات المنطقة وظهر هذا الأمر في الحرب الإسرائيلية على لبنان أن تكبح جماح النفوذ الإيراني ولكن فيما يتعلق بالتنسيق ومستوى إدارة الشؤون السياسية والشؤون الأمنية في العراق هناك تنسيق مستمر ولم ينقطع والإيرانيون يعملون كذلك جيدا ولعبوا بهذه الورقة كثيرا واستغلوها في ملفات أخرى، إذاً أنا أستطيع أن أقول لك إن هذه الإدارة الأميركية راغبة في أن يكون هناك مساحة من التعاون تضمن أن يتم ضبط الانفلات الأمني وربما كان هذا أمل لن يتحقق كما أشار الزميل بحكم ما تقوم به المقاومة العراقية وانفلات الأوضاع وتداعيات الساحة العراقية ولكنها لن تمانع أيدلوجيا أو استراتيجيا في التعاون الأمني مع طهران أو مع دمشق كما حدث في لحظات سابقة.
محمد كريشان: نعم ولكن كيف ستدافع إدارة بوش عن غزوها العراق إذا تراجعت عن آخر حججها في هذا الشأن وهي إقامة ديمقراطية في العراق تكون نموذجا للمنطقة برمتها؟ نتابع هذه المسألة بعد وقفة قصيرة فأبقوا معنا.
[فاصل إعلاني]
بين الاستقرار والتضحية بالديمقراطية في العراق
محمد كريشان: أهلا بكم من جديد تزايدت الضغوط على إدارة الرئيس جورج بوش مع تزايد الخسائر في صفوف الجيش الأميركي في العراق الذي شهد مقتل أكثر من سبعين جنديا أميركيا في هذا الشهر فقط كما أثبت الإحصاءات أن أعمال العنف تزايدت بنسبة كبيرة خلال شهر رمضان مع احتمالات لاتجاه البلاد نحو الانزلاق في حرب أهلية.
[تقرير مسجل]
عمار عجول: هكذا بدا المشهد محفوفاً بنشوة لحظات دخول القوات الأميركية بغداد قبل ثلاث سنوات، الحسابات الأميركية بنيَّت حينها على أن العراق الجديد بالمفهوم الأميركي سيكون أنموذجا لأنظمة الشرق الأوسط لا بل أطلقت الإدارة الأميركية حينها تهديدات علنية ضد من اعتبرتهم جزء من محور الشر وطالبتهم باللحاق بالركب قبل أن يحيق بهم ما حاق بنظام صدام حسين، لكن صورة التحرير التي حاولت أميركا رسمها حينذاك بدأت تتغير شيئا فشيئا فبعد أن اعتبرت إدارة بوش أنها تواجه الإرهاب العالمي في العراق واكتسبت بذلك دعما غير محدود من دوائر صنع القرار الأميركي، بعد مضي وقت على ذلك بدأ الشعب الأميركي يتساءل عن متى سيخرج أبناءه من مستنقع العنف العراقي فالخسائر بدل أن تتناقص ويستتب الأمن صارت تتزايد باستمرار أما العراق فما بين قائلا إنه بالفعل أو على وشك دخول مرحلة الحرب الأهلية التي يغذيها العنف الطائفي المتفاقم، كثافة التحركات الأميركية للبحث عن مخرج جاءت متزامنة مع وصول عدد القتلى وسط الجنود الأميركيين هذا الشهر وحده إلى 74 في ضربات هي الأوجع منذ عامين وبعد ظهور علني يهدف لاستعراض القوة من قبل تنظيم القاعدة في عدة مناطق بمحافظة الأنبار، كما أن الإحصاءات تشير إلى أن الهجمات في بغداد زادت بنسبة 22% في رمضان عن الأسابيع الثلاثة السابقة له الأميركيون اعترفوا بأن الخطط الأمنية التي طبقوها بالتعاون مع حكومة المالكي ذات الأشهر الخمسة لم تؤتي ثمارها المرجوة وأصبح ليس من المستبعد اللجوء إلى الحوار مع الجيران المشاكسين في نظر الإدارة الأميركية إيران وسوريا، لكن الحديث عن الاستراتيجية البديلة لمواجهة الواقع يأتي في وقت محرج فالانتخابات النصفية النيابية موعدها الشهر القادم مما يجعل الحديث عن الحرب في العراق يؤثر بصورة مباشرة على نتائجها غير أن ذلك لم يمنع تسريبات تؤكد أن التوجه نحو مخرجا ربما يتعارض مع أهدافا شنت الحرب على أساسها.
محمد كريشان: دكتور وليد الزبيدي في دمشق البعض اعتبر بأن خيار الاستقرار أولا قد يصل بالإدارة الأميركية إلى حد البحث عن صدام حسين جديد الآن في العراق لإخراجها من ورطتها، هل يمكن أن تصل الأمور إلى هذا الحد؟
وليد الزبيدي: البحث الأميركي الآن ينصب على حفظ ما تبقى من ماء الوجه أمام العالم بعد أن أرادوا احتلالا كونيا ينطلق من العراق، هذه نقطة في غاية الأهمية الأميركيون الآن يبحثون عن الخروج بالخسائر الممكنة دون أن يفقدوا الهيبة الدولية ودون أن يفقدوا نقطة في غاية الأهمية التأثير على المنطقة بشكل عام لكي يضمنوا بقاء حماية إسرائيل التي جاؤوا من أجل حمايتها لاحتلال العراق وفرض الهيمنة على المنطقة والعالم بأسره ولكن بالتأكيد يجب أن ننظر إلى المسألة وهذه القضية والتحول الآن من جانب آخر، علينا أن لا نبقى نحلل كيف يخرج الأميركيون وماذا يخسرون وماذا يربحون ولا نفكر بالشأن العراقي، أنا أعتقد بأن بداية العام الحالي عام 2006 كانت نقطة التحول الكبرى في السياسة الأميركية عندما خططوا للأسف الشديد ونفذوا واحد من أخطر التفجيرات في العراق وهو تفجير المرقدين في مدينة سامراء والذي تشير جميع المعلومات من داخل المدينة ومعلومات شهود عيان أن القوات الأميركية وقوات حكومية معينة تعمل لصالح قوات الاحتلال هي التي نفذت ذلك التفجير والذي تهيأت بعده للأسف عناوين معروفة في تنفيذ القتل الطائفي وفي حرق المساجد وفي قتل العلماء تمهيدا لإشعال الفتنة الطائفية والتي أريد لها أن تنهي على الأقل مدينة بغداد خلال شهرين كان مقررا في شهر أبريل..
محمد كريشان [مقاطعاً]: يعني عفوا دكتور فقط للتوضيح يعني هل معنى كلامك هذا بأن واشنطن لا ترغب في الاستقرار لا أولا ولا أخراً يعني في النهاية في العراق؟
وليد الزبيدي: على العكس من ذلك أرادوا أن يكون استقرار بغداد بداية لظهور حكومة وظهور إدارة أميركية في العراق ولذلك بدؤوا بالعمل على إشعال فتنة طائفية في العراق لكي تكون بغداد خالية من أي عمل عسكري، هذه حقيقة واضحة ومن خلال دراسة ومعلومات ورصد ميداني لما حصل اعتبارا من 22 فبراير 2006 والأشهر اللاحقة لذلك تشاهدون يومياً مئات الجثث.. عشرات الجثث ترمى وسط العاصمة وهناك أكثر من سبعين ألف من أجهزة الأمن والشرطة والقوات الأميركية في حدود 55 ألف لم يعثر يوما واحد على الذين يرمون هذه الجثث، مَن يرمى هذه الجثث في الطرقات وعلى الشوارع؟ وفي بغداد لم تخرج الحكومة العراقية وقوات الاحتلال وتقول ألقينا القبض على شخص واحد يرمى هذه الجثث، إذاً مَن يقف وراء.. الذي فجر أساسا العنف الطائفي أو ما يسمى العنف الطائفي وهو عنف سياسي مرسوم ولا علاقة لعراقيين به ومَن الذي يقتل على أساس الطائفة وعلى أساس الهوية ومَن الذي يرمى الجثث خاصة في بغداد ومناطق أخرى؟ مَن الذي أشعل الفتنة في مناطق متحابة في العراق كالذي يحصل مثلا الآن في مدينة الأنبار وجوارها.
محمد كريشان: يعني في هذه الحالة دكتور في هذه الحالة المسألة تطرح إشكالية كبيرة وهنا أسأل الدكتور عمرو حمزاوي في القاهرة عمّا إذا كان للبحث عن الاستقرار في العراق مصداقية معينة إذا بحثت عنه الإدارة الأميركية لأن مثلما قال السيد الزبيدي وهناك آراء متداولة حتى في بعض التحليلات تقول بأن في النهاية واشنطن ليست منزعجة بالكامل من انزلاق العراق في فوضى عارمة مثلما سماها جيمس بيكر؟
" الولايات المتحدة الأميركية أنتجت من خلال سياستها مجموعة الأخطاء الرهيبة وجعلت العراق على شفا حرب أهلية " عمرو حمزاوي |
عمرو حمزاوي: مرة أخرى أستاذ محمد علينا التمييز بين حصيلة أو نتائج السياسات الأميركية والولايات المتحدة الأميركية أخطأت في معظم ما قامت به وما فعلته في العراق خلال السنوات الثلاثة الماضية وبين الأهداف الأميركية سواء الأهداف المعلنة التي نعلم عنها الشيء المعقول للحكم عليها موضوعيا أو الأهداف غير المعلنة التي ربما استطعنا التنبؤ بمساراتها أو بمضامينها، أنا لا أعتقد أن الولايات المتحدة الأميركية لها مصلحة في إشعال فتيل الفتنة الطائفية في العراق، أنا لا أعتقد أن الولايات المتحدة الأميركية ترغب في رؤية عراق مستقر ولكن أين الأزمة؟ إن الولايات المتحدة الأميركية أنتجت من خلال سياستها وبمجموعة الأخطاء الرهيبة التي قامت بها وارتكبتها في العراق حالة جعلت العراق على شفا حرب أهلية، بالفعل أخفت أو غيبت مؤسسات الدولة العراقية، وضعت تهديدات كبيرة وجوهرية على مفهوم المواطنة العراقية وهو عماد بقاء هذه الدولة وهذا المجتمع متماسكا، إذاً هي محصلة ونتائج السياسات الأميركية وليس أهداف أميركية وأنا هنا ربما كنت شديد التحفظ على أي صياغات من هذا النوع لأنني لا أعلم النوايا وبالتالي ما أستطيع أن أحكم عليه كباحث أو كمشاهد لما يحدث هو مخرجات هذه السياسات والنتائج، الأمر الثاني أستاذ محمد فيما يتعلق بالسؤال الذي طرحته حول العلاقة بين الاستقرار والديمقراطية أنا أعتقد بالفعل أن الولايات المتحدة الأميركية هذه الإدارة استخدمت العراق بعد أن فشلت في تبرير ما قامت به سواء فيما يتعلق بمسألة الإرهاب أو بمسألة الإمكانات النووية العراقية، استخدمت ملف الديمقراطية وتراجعت عنه سريعا، تراجعت عنه سريعا بحكم ما يحدث في العراق وأصبح التحدي في العراق ليس نشر الديمقراطية ولكن إعادة الدولة، الدولة مختفية من العراق لا نستطيع أن نتحدث عن ديمقراطية وعن حكم قانون مع اختفاء مؤسسات الدولة ومن جهة أخرى أيضا تراجعت عن مسألة دعم الديمقراطية على مستوى العالم العربي ككل، أنا أعتقد هذه إدارة تعود بالولايات المتحدة الأميركية إلى أنماط ما يسمى نمط ما قبل الحادي عشر من سبتمبر في علاقاتها بالنظم العربية المختلفة، هي علاقة الصديق والعدو الثنائية الرئيسية ثنائية الصديق الحليف والعدو المشاكس، العدو المشاكس يجب تهميشه كما يقال، الصديق يترك سياساته الداخلية لا تعنيني في شيء الهام هو سلوكه الخارجي والهام هو بناء الأحلاف لمواجهة الأخطار الإقليمية التي تتعرض لها الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة.
محمد كريشان: دكتور في نهاية البرنامج باختصار شديد هل يمكن أن تصل الأمور مثلما سألت دكتور الزبيدي إلى البحث عن صدام حسين جديد وأن بمواصفات أقل قسوة كما تعتبرها واشنطن؟
عمرو حمزاوي: لا أعتقد الولايات المتحدة الأميركية ستبحث عن بدائل في داخل المنظومة منظومة الحكم في العراق لضبط ملف الانفلات الأمني وستطلب مساعدة من إيران وربما طلبت مساعدة من سوريا، الولايات المتحدة الأميركية وهذه ربما كانت أهمية لجنة بيكر هاملتون بطابعها المتخطي للثنائية الحزبية ربما كانت هذه اللجنة في تقريرها يعني ستروج لقبول أميركي قادم لسيناريو تقسيم العراق، أنا أعتقد هذان هما الاحتمالان الرئيسيان.
محمد كريشان: شكراً لك دكتور عمرو حمزاوي كبير الباحثين في مؤسسة كارنغي للسلام بواشنطن وشكرا أيضا لضيفنا من دمشق الدكتور وليد الزبيدي الباحث والكاتب العراقي وبهذا نكون قد وصلنا إلى نهاية هذه الحلقة من برنامج ما وراء الخبر بإشراف نزار ضو النعيم، كالعادة نذكركم بإمكانية إرسال مقترحات لعناوين حلقاتنا المقبلة على عنواننا الإلكتروني indepth@aljazeera.net غدا بإذن الله قراءة جديدة فيما وراء خبر جديد في أمان الله.