الواقع العربي

ديون مصر وتأثيرها على الوضع الاقتصادي

ناقشت الحلقة تأثير ارتفاع حجم الديون العامة في مصر على الوضع الاقتصادي، حيث تواصل الحكومة المصرية اعتماد نهج الاستدانة الداخلية والخارجية في سعيها لتطبيق مشاريع اقتصادية ضخمة مشكوك في جدواها.

تشير أرقام الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر إلى ارتفاع إجمالي الدين العام المصري ليبلغ أكثر من 283 مليار دولار بنهاية شهر مارس/آذار الماضي، ليتجاوز بذلك الدين العام لمصر مستوى ناتجها الإجمالي المحلي، حيث بلغ نسبة 104% من قيمة الناتج المحلي، أي أن مصر تستدين أكثر مما تُنتج.

حلقة الثلاثاء (9/9/2014) من برنامج "الواقع العربي" ناقشت تأثير هذا الارتفاع غير المسبوق في نسبة الدين العام المصري داخليا وخارجيا على الوضع الاقتصادي، حيث تواصل الحكومة هناك اعتماد نهج الاستدانة الداخلية والخارجية أثناء سعيها لتطبيق مشاريع اقتصادية ضخمة يشكك بعض الخبراء الاقتصاديين في مدى تطابقها مع الاحتياجات الآنية لمصر.

وبحسب الإحصاءات الرسمية فإن إجمالي الديون العامة التي تثقل كاهل الموازنة المصرية يبلغ 283 مليار دولار، وهو رقم سيتحتم على المصريين وخاصة الكادحين منهم ألا ينسوه في المستقبل القريب.

هذا الرقم لو قسم على سكان مصر الذين يبلغون حوالي 85 مليون نسمة ومع تحويل العملة إلى الجنيه فستقارب حصة الفرد من إجمالي الديون العامة 23 ألف جنيه، هذا يعني أن رب الأسرة المكونة من خمسة أفراد في عام 2014 سيكون محملا بما يقارب 116 ألف جنيه هي حصته في أعباء ديون مصر.

وتتكبد الأسرة المصرية هذا الرقم خصما من حظ أفرادها في العلاج والغذاء والتعليم وسائر الخدمات الأساسية.

وبحسب الخبراء، فإن الديون ليست شرا محضا في اقتصادات الدول متى ساهمت في زيادة النمو ووجهت للنفع العام، ومن دون ذلك تغدو الديون بفوائدها عبئا إضافيا على قدرة الدولة في تلبية احتياجات مواطنيها.

هذا ما أكدته أرقام وزارة المالية المصرية، حيث أشارت إلى أن فوائد الديون وحدها خلال أول عشرة أشهر من السنة المالية الماضية نمت بأكثر من 20% متجاوزة 31 مليار دولار، وهو ما يساوي ضعف قيمة أجور نحو خمسة 5.5 ملايين عامل مصري.

ثورة جياع
ويقول وكيل لجنة الخطة والموازنة بمجلس الشعب المنحل أشرف بدر الدين إن الموازنة المصرية تعاني من خلل هيكلي، خاصة وأن إيرادات الدولة تذهب لإنفاق استهلاكي، في الوقت الذي تذهب فيه معظم القروض إلى إنفاق جار وليس استثماريا يستفيد منه الاقتصاد.

واعتبر بدر الدين أن الفساد وعدم استثمار الموارد الموجودة سبب اللجوء للاقتراض بهذا الشكل، فضلا عن تكرار تجارب فاشلة وفاسدة تمت دون دراسات جدوى جدية، مثل مشروع توشكي وكذلك مشروع قناة السويس الجديد، حيث يسيطر التخبط والعشوائية على اتخاذ قرارات لمشروعات بهذا الحجم.

ويؤكد الخبير الاقتصادي أنه لن يتحقق استقرار اقتصادي في مصر إلا بعد الاستقرار الأمني والسياسي، وهو أمر صعب في ظل نظام قمعي، أدت إدارته إلى خروج كبير للاستثمارات الأجنبية وتعميق لأزمة البطالة.

ولتحقيق هذا الاستقرار -والحديث لبدر الدين- فإن مصر تحتاج إلى إرادة إصلاح لمكافحة الفساد وتحقيق الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة.

ولا يستبعد بدر الدين أن تشهد مصر في المستقبل القريب "ثورة جياع" خاصة وأن نسبة كبيرة من المصريين تقترب من حد الفقر، مع اختفاء الطبقة المتوسطة وتوقف للكثير من المصانع وانسحاب العديد من المستثمرين بسبب الأوضاع غير المستقرة للطاقة وغيرها، مع التدني الكبير في الاستثمارات العامة الموجهة لتحسين حياة المواطنين.

وختم بأن الشعب لم يعد لديه مزيد من الصبر لتحمل مزيد من الأعباء، وهو ما بدأ يظهر من الدعوات لاحتجاجات على الغلاء وانقطاع التيار الكهربائي، مؤكدا أن شدة القبضة الأمنية حاليا ستعجل بالانفجار.

ديون ومشروعات
ولمصر تاريخ لا يسر مع الديون التي نفذ من ثغرتها الاستعمار ليجثم على صدر البلاد سبعة عقود، لكن مصر -وبحسب ما يذكره التاريخ في هذا الصدد- قبل أن تجلي المحتل البريطاني وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية 1945 نجحت في سداد كل ديونها الخارجية، لكنها عادت إلى الاستدانة مطلع عهد جمال عبد الناصر الذي ترك مصر عام 1970 مدينة بمليار وسبعمائة مليون دولار.

ووفق الأرقام الرسمية، سرعان ما قفز هذا الرقم ليصل عام 1980 قبيل مصرع الرئيس السادات إلى 21 مليار دولار. أما مبارك الذي خلعته ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 فقد غادر السلطة والبلاد مدينة بما يقارب 164 مليار دولار.

وعلى هذا النحو يتدهور الاقتصاد المصري باطراد، في وقت تحشد الدولة الجديدة آمال الناس نحو مشاريع كقناة السويس الجديدة مع كل ما تثيره من جدل لدى المتخصصين بشأن طريقة التمويل ونسب الفوائد.