الواقع العربي

مسارات الأزمة الصومالية وآفاق الخروج منها

سلطت الحلقة الضوء على مسارات الأوضاع في الصومال في ضوء التطورات التي تشهدها حاليا، والتحديات التي تحيط بما تحقق من إنجازات، مما يطرح علامات استفهام على مستقبل البلاد.

تمر الصومال بمرحلة فاصلة من صراعها الطويل، فالمواجهات بين الحكومة الصومالية والقوات الأفريقية من جهة وحركة الشباب المجاهدين من جهة أخرى دخلت مرحلة جديدة، حيث باتت الحكومة تملك زمام المبادرة.

 

فقد استطاعت بالتحالف مع القوات الأفريقية وبدعم أميركي وأوروبي، استرداد عدة مدن رئيسية وإستراتيجية في جنوب ووسط البلاد، وهو ما مثل بارقة أمل لاستعادة الحكومة الصومالية بعضا من قواها ودورها في إعادة الأمن والاستقرار.

حلقة الاثنين (6/10/2014) من برنامج "الواقع العربي" سلطت الضوء على مسارات الأوضاع في الصومال في ضوء التطورات التي تشهدها البلاد حالياً، والتحديات السياسية والعسكرية التي تحيط بما تحقق من إنجازات، مما يطرح علامات استفهام كبيرة على مستقبل البلاد في الأعوام المقبلة.

لعل الناظر لنتائج "حملة المحيط الهندي" التي تشنها القوات الأفريقية والصومالية ضد معاقل حركة الشباب في جنوب ووسط البلاد، وما حققته من نجاحات عسكرية، قد يسلّم بأن حركة الشباب باتت في أضعف حالاتها.

غير أن المشهد يصبح أكثر تعقيدا عندما ندرك أن قوة الشباب وبنيانها الحركي وتماسكها الداخلي لا تزال كما كانت، رغم ما تواجهه من ضربات عسكرية واستخباراتية أودت بحياة أميرها أحمد عبدي جودني بغارات أميركية، وهو ما يمكنها من شن حرب عصابات معاكسة تستنزف القوات الصومالية والأفريقية.

وفي ظل هذه الأوضاع الميدانية، لا يبدو المشهد السياسي أكثر اطمئنانا، فتطبيق مبدأ فدرالية الدولة المنصوص عليه في الدستور الصومالي المؤقت فتح الطريق أمام استقطابات قبلية، وهو ما يمهد الطريق لتحديات ونزاعات أمنية جديدة.

كما أن توتر العلاقة بين الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس حكومته، وما يشاع من نية الأول الإطاحة بالثاني على غرار ما حدث لسلفه عبد فارح شردون، سيفتح الباب مجددا أمام أزمة سياسية في البلاد. ويخشى البعض أن ينعكس ذلك سلبا على الإنجازات العسكرية على الأرض.

مصير الشباب
حول هذه التطورات الميدانية والسياسية، يقول الرئيس السابق لتحالف إعادة تحرير الصومال زكريا محمود حاج إن ما حدث لا يعتبر ضربة قاضية لحركة الشباب، ولكنها قد تكون ضربة قاسية، فقد انسحبت ولم تخسر رجالا أو سلاحا، وهي دائما ما تفعل ذلك، تختبئ وتظهر في أماكن وأوقات هي من تختارها.

وأضاف أن الصومال بلد كبير المساحة، والشباب يذوبون في هذه المساحة الكبيرة، وسيعيدون انتشارهم في بعض المدن، وقد تكون مقديشو أول أهدافهم، مشككا في إمكانية أن تهزمهم قوة أحادية الجانب.

وفيما أقر محمود حاج بوجود استعدادات للقوات المسلحة والمخابرات وقوات الشرطة الصومالية، إلا أنه أكد أن القيادة العليا للبلاد دائما تتنازع وتختلف، وهو ما يضعف البلد كثيرا، فضلا عن تنازع العشائر في مراكز القوى، وكذلك إعلان بعض الأقاليم استقلالها عن الصومال وأخرى شبه مستقلة عن سيطرة الدولة.

ويرى أنه يجب أن تكون هناك حلول سياسية مع استخدام القوة الناعمة أكثر، والاستفادة من تجربة الحكومة السعودية في استخدام خليط من إستراتيجيات القوة (علماء الدين ووسائل الإعلام والقوة الناعمة والقوة الصلبة).

جذور تاريخية
لكن المشكلات التي يعاني منها الصومال لها جذور في تاريخ البلاد، التي ابتليت بمستعمرين عديدين في وقت واحد، وهو ما جعل منها أرضاً لتصفية حساباتهم في كثير من الأحيان، وحرم الصوماليين من التعايش بصورة مستقرة مع بعضهم بعضا في مرحلة ما قبل الاستقلال، مما ساهم في الإبقاء على تبايناتهم من دون تشذيب، إن لم يكن قد زادها تعقيدا.

وعلى هذه الخلفية شهدت تجربة الدولة الوطنية في الصومال تجاذبات عديدة على مدى تسع سنوات أعقبت الاستقلال، وانتهت بتولي محمد سياد بري الحكم، حيث بقي فيه اثنين وعشرين عاما، بدأت بنهايتها المرحلة الأكثر صعوبة في تاريخ البلاد.

في هذا السياق يقول الصحفي والباحث السياسي محمود شيخ دلمر إن ما يحدث الآن في الصومال أن القادة الصوماليين الحاليين لم يتمكنوا من بلورة الأفكار التي بإمكانها أن تنتشل الصومال لاسيما المناطق الجنوبية.

ويرى أن مشكلة حركة الشباب المجاهدين ورغم أنها المشكلة الأبرز، فإنها ليست المشكلة الوحيدة في الصومال، فهناك الضعف المركزي للدولة بعد أن انهارت أركان الدولة التي كانت أساسا ضعيفة جدا، أضف إلى ذلك أن فترة حكم الجنرال سياد بري كانت تتسم بحكم الفرد الواحد، وهو ما يترك فراغا يصعب ملؤه في معظم الأوقات مثل ما يحدث الآن في ليبيا.