مالك تريكي – مقدم البرنامج + يوسف صديق
مسارات

يوسف صديق.. المثابرة العلمية والمكابرة الوجدانية ج3

أنجز أول ترجمة من اليونانية إلى العربية لنص جمهورية أفلاطون، وترجمة لا سابق لها لقصيدة الفيلسوف برمنيدس الذي كان قد أهمله عصر الترجمة والتدوين العربي رغم قوله بالتوحيد.

القراءة الفكرية للقرآن الكريم وبخاصة سورة الكهف

عدم الكتابة باللغة العربية

 


undefinedمالك التريكي: بحُكم من ثقافته الفلسفية الأصيلة وكونه من العرب النادرين الذين يتقنون اللغة اليونانية الفصحى أي القديمة فإن الدكتور يوسف صديق قد أنجز أول ترجمة من اليونانية إلى العربية رأساً لنص جمهورية أفلاطون وترجمة لا سابق لها لقصيدة للفيلسوف برمنيدس الذي ينتمي إلى زمن ما قبل سقراط والذي كان قد أهمله عصر الترجمة والتدوين العربي رغم قوله بالتوحيد، كما مكّن التمرّس باليونانية الفصحى الدكتور صديق من التفرّد في مجال فك آليات المركزية الثقافية الأوروبية وذلك بالرجوع إلى أعرق نصوصها التأسيسية أي إلى ملحمتي ه
وميروس وإلى عالم الميثولوجيا اليونانية، حتى يُبيّن كما يَقول خطر الأسطورة في بناء الذهنيات وفي تحديد خطاب الغَلبة الثقافية بين الأمم، على أن الأبدع هو أن هذا التحليق في آفاق التلاقي بين المدى الحضاري اليوناني والمدى الحضاري الإسلامي قد يسّر للدكتور صديق قراءات فكرية تجديدية في القرآن الكريم، تتجلى أنصع التجلي في قراءته لسورة الكهف باعتبارها برهاناً على صيرورة الرُشد الإنساني وتِبْياناً للأبعاد الجليلة لمفهوم خَتم النبوة.

القراءة الفكرية للقرآن الكريم وبخاصة سورة الكهف

يوسف صديق- فيلسوف وباحث أنثروبولوجي: أنا أعتقد أن سورة الكهف محور.. معناها عندها موقع محوري كبير جدا، لأنها تجيبنا على سؤال بديهي في الواقع لكن لم يُطرح، هو سؤال خَتم النبوة التي جاءت صراحة في سورة الأحزاب {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ ولَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} إلى آخره، لذلك سورة الكهف تبدأ بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الكِتَابَ} وأنطلق إلى أشياء أنا أتأكد أنه حتى الرازي اللي هو من أعمق ومن ألغز المفسّرين فخر الدين الرازى لم ينتبه إليها ولم يُشير إليها، رغم قوته فلسفيا وقربه إلى الفلسفة.

مالك التريكي: في مفاتيح الغيب.

يوسف صديق: في مفاتيح الغيب.. ثمّة ثلاث قصص؛ قصة بتاع فتية عندهم إيمان بدائي وطازج وبعدين ثمّة مرحلة اللي هي أنا أعتقدها مرحلة الرسول بصفة عامة، مرحلة أن موسى اللي هو الرسول الأكثر ذكراً في القرآن.. مُتَلفظاً به في القرآن.. يُقابل وأولهم معناها الرسل ذوى الكتاب.. هالشخص هذا أرى للرسول أنه تجاوزه في العلم وأنه الآن لابد بغياب الرُسل المنزّلين.. معاك موجودين من وقت محمد.. لابد أن يكون البشر قد وصل إلى نضج معين لأن يعتمد على ذاته، يعتمد على نفسه وهذا يرجع بنا لسورة الإسراء إحنا كنا نبعث في رسل وفي معجزات وكل.. ولكن أرسلنا الناقة مبصرة فكذبوا بها، بوقت محمد ما نُرسل معك ولا معجزة لأنه {مَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إلاَّ تَخْوِيفاً} الآن الإنسان صار راشد، إذاً الله عز وجل بالرسالات الأخرى وصّلنا إلى هالرشد هذا اللي صرنا متشبّهين بالرجل الصالح والرجل الصالح لم يأت بغيبيات، هذا اللي ما فهمناش لم يأت.. أمام موسى لم يأت بغيبيات، أتى باستنتاجات وتجاوز نص سورة الكهف إلى مَلِك اسمه ذو القرنين، هذا عندكم مثال للإنسان الصالح، الإنسان اللي هو قوي والإنسان.. لم ينتبه المفسّرون أيضا إلى أنه الله عز وجل قال لذو القرنين {قُلْنَا يَا ذَا القَرْنَيْنِ إمَّا أَن تُعَذِّبَ وإمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً} يعني الآن خرج الإيحاء الإلهي من التاريخ بانتهاء نبوة محمد واعتمد الإنسان على ذاته طبعا بموروثه الديني، اليهودي بموروثه الديني أو المسلم بالموروثات الدينية كلها من إبراهيم ولا حتى من هود إلى.. من آدم.. اعتباراً من آدم لحد الآن عندنا الموروث نستند عليه، لكن الآن في الأشياء الجديدة، في الاختراعات الجديدة، في الاكتشافات، في المساحات اللي صرنا نكتشفها، في الذهاب إلى القمر، إلى آخره ماذا سنفعل إن لم يأتنا وحي في ذلك؟ نتشبّث بإنسان صالح عرّفه القرآن كما يُعرّف بالضبط رئيس الجمهورية في جمهورية أفلاطون، هالشخص هذا اللي هو ليس بنبي وليس برسول وإنما مثال للاستقامة والأخلاق والعزة والقوة في التحكم في الناس والمعرفة بالناس، هذا لا يمكن أن يكون إلا ذو القرنين اللي هو سُمّي في ناس لا يعرفون القرآن.. سُمّي بقرني الكبش، هو مُسمّى بقرني الكبش في التراث اليوناني القديم، (كلمة غير مفهومة) و(كلمة غير مفهومة) المعروفين الذين دونوا لتاريخ ذو القرنين وهذا مش عيب لأن القرآن المفروض أن يَعرف النسل كله.. خلق النسل كله، إذا كانت حكمة عند أرسطو فهو الذي خلقها وابن رشد لمّا يرجع إلى الفقرة يقول إن الذي اصطفى أرسطو، طبعا الله اصطفى أرسطو.

عدم الكتابة باللغة العربية

مالك التريكي: ما يذكره ابن رشد بالضبط هو سبحان الذي اصطفى أرسطو من بين جميع البشر في مجال الكمال الإنساني، كما أن الشهرستاني في المِلل والنِحل يذكر فيثاغورث ويقول إن علمه مأخوذ من مشكاة النبوة، فأنت ترى أن هذه المعاني للحكمة والمعرفة والعلم قريبة جدا من معاني الحكمة التي يذكرها القرآن عندما يذكر الرجل الصالح الذي يُقابله موسى وعندما تذكر ذا القرنين.. خاصة أن ذا القرنين إذا كان هو الإسكندر المقدوني يكون تلميذ أرسطو وهنا تكتمل الحلقة يعني، أنت ذكرت أن هذه ربما تكون من أولى المقابلات التلفزيونية باللغة العربية التي تتوجّه فيها إلى جمهور عربي لكي نلقي بعض الإضاءات حول إنتاجك الفكري الطويل والمتنوّع، من أسباب ذلك.. طبعا هنالك سبب هو حساسية المواضيع التي تبحث فيها وهي الرجوع إلى النص القرآني بمفاهيم ومناهج حديثة، لكن هنالك جانب آخر هو أنك تكتب بالفرنسية.. بفرنسية راقية جدا ولا تكتب بالعربية ولو أني أعتبر مهما كانت الأسباب التي ستذكرها لي الآن ولابد أن لك أسباباً ستفسّر بها امتناعك عن الكتابة بالعربية أظن كأنك ظلمت نفسك وظلمت الجمهور لأنك تكتب بلغة عربية بكل بساطة أعز نظيرها فيما يُكتب باللغة العربية الآن وسأشهد الجمهور على ذلك بأي مقطع أختاره من مقدمة مثلا لقصيدة برمنيدس التي ترجمتها رأسا من اللغة اليونانية لأنك تتقن اليونانية القديمة.. اليونانية الفصحى، مثلا تقول بقينا نُجالِد هذا السؤال.. السؤال أن ما الذي نَسيه الفكر العربي والذي لابد أن يعود إليه لكي يسترجع قدرته على الفكر والنشاط.. بقينا نُجالِد هذا السؤال لا نستعجل له الجواب حتى نطرحه الطرح الأوفى واخترنا أن نتجه دون وسيط إلى حرم القول القرآني، فسكناه طوال سِني بحث عسير وربطنا في حماه المضيء لا نقبل أن تخرجنا منه فتون التفسير ومتونه، التفسير الذي طالعناه لنأمن غوايته ولا مختلف الأحاديث والأخبار المتقدمة وما ظل يُلقّن منها إلى يوم البشر هذا وساعدنا في هذا الإباء الفكري ميراثنا مع الفلسفة علماً ومسلكاً في التدبّر، فزادنا قربنا من القول القرآني إيمانا بأن كل فلسفة أساسا قد حلّت في موروث الإنسان الحي ولا يمكن أن يأتي قولٌ حكيم في منزلة القرآن العالية ليُنسيّها ويَنسِخها بل ليختم عليها بخَاتم التصديق وليؤكّد طبعها في التأسيس المستمر، هذا هو طراز اللغة العربية التي تكتب بها وقد اخترت مقطعاً مثلما اتفق، آن لكاتب يكتب بلغة عربية من هذا الطراز أن يجد سبب للكتابة بلغة أخرى؟

يوسف صديق: سببين عندي؛ السبب الأول اللي هو معاشرتي لمَا كُتب في عصري هذا، ما كُتب في المُعاصِر، فأنا أؤكّد لك ومع احترامي لأكثر الكُتاب العرب الذين عاشرتهم وأعترف بهم وأعرف الكثير منهم..

مالك التريكي [مقاطعاً]: وبعضهم ومن ألمعهم يحترمونك ويجلّونك إجلالا كبيرا.

يوسف صديق [متابعاً]: العفو وأنا أحترمهم أيضا مثل ما يحترمونني، أعتقد أنه أكثرنا الآن نأتي بكتب لو نزعت منها الثلثين لمَا..

مالك التريكي: خسرت شيء..

يوسف صديق: أضررْت بها هذه الكتب، هو الثرثرة التي ربّما هي تأتي من خوف الكاتب من أن لا يفهم، أنا بالنسبة لي لمّا أكتب لا يمكن أن يكون كلمة زائدة وحتى إذا كانت بلاغية فعندها..

مالك التريكي: مقامها..

"
لا يمكن إعادة ترتيب سور القرآن. والمصحف بالنسبة لي ركيزة طقوسية ودينية نهائية
"

يوسف صديق: مقامها ولا يمكن أن تنزعها دون أن يُهدَم البناء.. بناء الفقرة أو بناء الجملة، الشيء الثاني الذي هو أهم هو أنه المخاطَب والمخاطِب في حيّزنا ليسوا متعادلين، في الحيّز الأوروبي عندما تكتب كِتاباً تجد أن مَن اتَصل به على نفس الصعيد العلمي منك ولذلك التواصل بين الاثنين المخاطِب والمخاطَب يكون تواصل ما فيش حتى مشكل ولا حتى إشكال، بينما نحن نجد أنفسنا في عصر جريدة لا اسميها عَلِمَت بأني أصدرت كتاب وجد صداءً في أوروبا فعنونت على الصفحة الأولى وبعد ذلك صفحة كاملة في الداخل عنونت يوسف صديق فيلسوف تونسي ينادي بترتيب.. بإعادة ترتيب سور القرآن وأنا حاشا أن أقول مثل هذا، أنا بالنسبة لي أعتقد أن المصحف هو ركيزة طقوسية ودينية نهائية وأقولها الآن بصفة لا تقبل لا الشك ولا التراجع أنه أعتقد أن المصحف هو شيء ثابت لا يمكن أبداً أن نحوّل فيه ولا شعرة، بل نتّصف به بالعكس يجب أن نحافظ ماهيته الآن إلى يوم يبعثون، فكيف يمكن أن لا يقرأني إنسان.. وهذه جريدة عربية معروفة.. لا يقرأني الإنسان وأن ينادي البسيط بقتلي.

[فاصل إعلاني]

مالك التريكي: ذَكرت مسألة عدم وجود قنوات اتصال وتفاهم واضحة، ألا يكون هذا بسبب.. سببين على الأقل.. بسبب انعدام المفاهيم وآليات التفكير المشتركة لأن الفكر البشري تطوّر كثيراً ومساهمتنا فيه كعرب وكمسلمين مساهمة ليست كبيرة فلم نُنتج المفاهيم وأكثر مفاهيمنا الآن ملتبسة ومشوشة؟ هذا سبب، السبب الثاني..

يوسف صديق [مقاطعاً]: فعلاً هذا سبب كبير لأن المفهوم يجب أن يُصقل ويجب أن يُتعامل معه داخل نصوص تشاع عند الناس وأن يتحدث بها الناس في النوادي وفي المناظرات، فكنا قبل.. في وقت السيرافي، وقت أبو سليمان المنطيقي، وقت الكندي إلى آخره كنا في كل مكان مناظرات حتى لأن القفطي يقول إنه على ساحة بغداد ثمّة ناس بشر مارة وقفوا واستمعوا إلى إسحاق بن حنين..

مالك التريكي [متابعاً]: يُنشدهم..

يوسف صديق: يُنشد فيهم هوميروس، فكانت المناظرات وكان العلم كأنه الآن الحفلات والرقص إلى آخره، فالمفهوم العربي لم يجد أرضاً.. أولاً ساعة يَنبت فيها، فكل ما نَبت يَصبح سَحوقاً وحتى إذا نَبت لا يجد مَن يُنمّيه ثم أيضاً مَن يَحصده، فتتلف الزراعة ولا يبقى للمفهوم أي قدرة على أن يَنسج خطاباً متكاملاً، طبعاً بدأنا الآن.. بدأ عندنا الحمد لله مفكّرين يتّجهون إلى هذا الاتّجاه، أمّا أن تكتب الآن بالإنجليزية أو بالفرنسية وأن تُتَرجم إلى.. فأستطيع أن أقوم أنا بترجمة كتابي للعربية ويُصبح كتاباً كأنه كُتب ليس بالهروب من هذه اللغة المضيئة العظيمة التي أعشقها..

مالك التريكي: ورضعتها منذ الطفولة..

يوسف صديق: ورضعتها منذ الطفولة ولكن إيماناً منّي بأنه ظروف الخطاب وتَقبّله ليست سانحة الآن.

مالك التريكي: ألا يرتبط هذا بحساسية المواضيع التي خصصت جهدك البحثي لها منذ عام 67 بالتحديد، حساسيتها لأنها مرتبطة بالمقدَّس الديني من ناحية ومن ناحية أخرى أن الجو العام الذي.. ثقافياً الذي وصلنا إليه الآن شاحب جداً مقارنه بالقرن الرابع الهجري، لأنك ذكرت أبا حيان التوحيدي فمثلاً ما يُذكر في المناظرة بين أبي سعيد السيرافي وبين أبي بشر متا بن يونس المنطيقي وهل أن المنطق الذي أتى به أرسطو يصلح للغة العربية أم لا؟ وهل أن النحو العربي يقوم مقام المنطق مثلاً؟ والمناظرة بين ابن جرير هذا الشخص الذي لا نعرفه أو يُقال جريري نسبه إلى ابن جرير الطبري ولا نعرفه.. يعني رجل من العامة ربّما عندما هيج أبا معشر المقدسي الذي كان يقول بالفلسفة..

يوسف صديق [مقاطعاً]: بالحكمة..

مالك التريكي [متابعاً]: بالحكمة، هذا الجو من الأريحية الفكرية، مثلاً ابن خلدون عندما يَذكر كتاب الأغاني للأصفهاني يقول هو منتهى ما وصل إليه العرب في الطريف من الأخبار والأغاني، لا يمكن أن يُقال هذا الكلام الآن لأن هنالك جدباً فكرياً، أليس هذا هو السبب الرئيسي؟

يوسف صديق: لا السبب الرئيسي لكن تفسيره لست موافقاً، أنا لا أخاف أبداً من أكتب بالعربية وأقول ما أقول ولا أخاف حتى أن أقوله شفهياً، لكن أخشى ما أخشى وأخاف جداً من هذا أن أجرَح الذي لا يتثنى له أن يفهمني، أن أجرَح أمي, أختي, أبي الذي لم يتصل بأفلاطون وأرسطو، لماذا أجرحه؟ على فكرة الكِتاب الذي بين يديك.. لم نقرأ القرآن بعد.. كُتب وكان جاهزاً للنشر عام 1990، لكن عام 1990 ثارت قضيه سلمان رشدي، اعتقدت أنا في قراره نفسي بدون أن أكون مفتي لأي شئ، اعتقدت أنه جرَح الناس، لذلك لا يمكن لي أن أسوّق في النشر أو في غير النشر.. أن أسوّق فكرة ولو صحيحة يمكن أن تجرَح أحدهم ولا يكون لي القدرة أن أقول له لا أقصد جرحك وإنما أردت كذا، إذا لم أنجح في هذا فأنا أعدُل عن النشر وعَدلت عن النشر تقريباً 15 سنة رغم احتراقي وشوقي لأن أنشر هذا الكتاب وفعلاً نشرته بعد أن نُسيت مصيبة سلمان رشدي.

مالك التريكي: وهذا هو الكتاب الذي ترونه الآن على الشاشة، هذا الكتاب جاهز من عام 1990 ولكن الظروف منعتك من نشره آن ذاك لأنك حريص على عدم جرَح شعور الجمهور العربي، علماً بأنك لا تقصد أن تَجرَح ولكن لأنك تشتغل مره أخرى بحثياً على أمور استقر.. نحواً ما استقر الرأي حول مُسلّمات حولها ومن ثقافات كلها لا تريد أن تَنبش فيما هو مسكوت عنه عاده وهذا يسري على كل الثقافات ولكن في ثقافتنا أكثر بحُكم عدم وجود حرية الفكر وحرية التعبير.

يوسف صديق: القرآن في كل لحظة لابد أن نتلقّاه كما أنه لو نزل اللحظة وهذا أشرف ما نقدّمه لهذا النص الأشرف.

مالك التريكي: والأستاذ محمد طاب يقول كأنه تنزيل مستمر.

يوسف صديق: بالضبط.

فيلم وثائقي عن الرسول محمد عليه الصلاة والسلام

مالك التريكي: أنت لفرط اهتمامك بالنص القرآني وبشخصية الرسول صلى الله عليه وسلم خاصة قمت بأعمال أخرى غير كتابية في التعريف بذلك، مثلا أنتجت فيلماً وثائقياً طويلاً طوله خمس ساعات نشرته.. بثته قناة الفرنسية الألمانية عن الرسول صلى الله عليه وسلم، كيف كانت فكرة الفيلم؟

يوسف صديق: مدير القناة اللي هو اشتغل في سوريا دبلوماسي اللي اسمه جون روزان إنسان يحب الشرق ويحب العرب بصفة صادقة أظن، فقال أريد أن أعطيكم ورقة بيضاء.. يعني رخصة تماما في أن تقنعوا الفرنسيين بأن هذا الرجل لم يكن من البدو الهمج الجهّال إلى آخره، هذا الذي بنى هذه الحضارة والتي هي مستمرة ونافذة لحد الآن في كل أنحاء العالم، لذلك فهّموني كيف يكون هذا الرجل لأني لا أريد أن أعتقد أن هذا من الخوارق يريد تفسيراً على الأقل..

مالك التريكي [مقاطعاً]: مفهوماً تاريخياً..

يوسف صديق [متابعاً]: مفهوماً أقل ما يمكن من تفسير يُقنع ناس لا ينتمون لهذه الديانة، فبقينا ثلاث سنوات نحاول أن نستجيب لهذا ورحنا إلى تقريبا ثمانية أو تسعة بلدان عربية صَوّرنا فيها، منها تونس، اليمن، مصر، سوريا، لبنان، الأردن، صوّرنا فيها مواقع يمكن أن تُشبه للمواقع التي حفّت بالرسالة لأن.. صوّرنا في الأردن معركة اليرموك، صوّرنا في اليمن أول نفحات التوحيد مع هود في حضرموت وفي كذا إلى آخره، في أشياء اللي نعتقد أنها.. كأنها المناظر التي يَحكي عليها القرآن في الأحقاف إلى آخره، بنينا هذا الفيلم الطويل اللي هو في خمس ساعات وبُثّ على ثلاث ليالي متتابعات في هذه القناة الألمانية الفرنسية، بنيناه على ثلاث مراحل؛ المرحلة الأولى أنه الشعب البسيط في تونس، في مصر، في الأردن، في اليمن كيف يتّصل بهذه الشخصية من خلال هوىً، من خلال علاقة شجنية وشجونية وعلاقة حب..

مالك التريكي: المحبة الكبرى التي لدى عامة المسلمين.

يوسف صديق: المحبة، الدليل أنه في تونس لما نحيي مولد الرسول صلى الله عليه وسلم بعد ما تنتهي الحفلة يقوم الناس.. المحتفلون يقومون ويذهب طفل صغير ويفتح الباب ويظل الناس.. بعدما فتح الباب يظلون واقفون على أهبة احتضان القادم..

مالك التريكي: كأنه ولِد من جديد.

يوسف صديق: كأنه ولِد من جديد وقادم إلى هذا البيت الذي يحتفي به.

مالك التريكي: هذا يذكرني أستاذ يوسف صديق في إحدى القرى التونسية من كثرة محبة الناس ما يُسمّى بالعامة في اللغة القديمة.. محبة الناس للرسول صلى الله عليه وسلم أن هناك زاوية أو ما يُسمّى بالزوايا.. الجوامع والصوامع الصغيرة التي يُتعبّد فيها مكتوب عليها بخط عربي جميل محمد زينة الدنيا وبهجتها.

يوسف صديق: هي لا هي حديث ولا هي شيء من التراث العلمي.

مالك التريكي: هذا ما ينطق به وجدان الشعب المسلم.

يوسف صديق: ما ينطق بوجدان الشعب، إذاً لمّا نجيب إنسان نقول له كيف كان زواجه بعائشة، عجوز تونسية من جنوب تونس بسيطة فتجتهد ثم المرحلة الثانية يأتي فقهاء وشيوخ ومشايخ من الأزهر ومن الزيتونة، من جامع دمشق الكبير ويُعطونا الرأي التراثي، الرأي الديني، الرأي العلمي المؤسساتي والمستوى الثالث من هذا الفيلم الذي شوّق كثير من الناس وأعيد ثلاث مرات في نفس القناة، المستوى الثالث هو مستوى ما يسمى بعلماء التاريخ سواءً من المستشرقين أو ممَن اهتم بدراسة الرسول لا من الناحية الدينية إنما من الناحية التاريخية وصار التكامل والتخاطُب بين هذه المستويات شيء اللي جعل الناس مشدودين لهذا الفيلم وأنا فعلا أعتز به وأعتبره كأنني قمت بشيء من الدعاء.

مالك التريكي: أستاذ يوسف صديق شكرا جزيلا لك.