كيف تحول المهاجرون لعبيد بمزارع الطماطم الإيطالية
هذا العام عبر نحو ثلاثمائة وخمسين ألف شخصا إلى أوروبا قادمين من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وسواء كان العبور بحرا أو برا، وسواء كان اللاجئون فارّين من حرب أم مهاجرين لأسباب اقتصادية بحثا عن حياة أفضل فقد كانت الرحلة لكثير منهم محفوفة بالمخاطر.
النزر القليل من القادمين إلى جنوب إيطاليا يحمل أوراقا ثبوتية صحيحة، وأكثرهم ذوو فاقة لا حول لهم ولا قوة، لذلك يجد هؤلاء أنفسهم رغما عنهم جزءا من جيش كبير من عمال اليومية في مزارع الطماطم.
حلقة (2016/101/3) من "عالم الجزيرة" سلطت الضوء على معاناة المهاجرين غير النظاميين القادمين من قارة إفريقيا في مزارع الطماطم الإيطالية.
عبدول كوني أحد هؤلاء المهاجرين الذين اضطرتهم الظروف الاقتصادية إلى السفر من ساحل العاج إلى مدينة تودي الإيطالية من أجل العمل في حقولها، في رحلة طويلة توجه منها إلى غانا، ثم توغو ومنها إلى بنين فـالنيجر ومنها إلى ليبيا، قبل أن يعبر البحر المتوسط في أحد القوارب المطاطية.
ويقول عبدول "ينبغي أن تعرفوا أنه إن قرر شخص ما عبور البحر، فإن مرد ذلك هو عدم وجود أي خيار آخر لديه، لكن عدم توفر فرص العمل في المجتمع الإيطالي، ورفض بعض الناس للهجرة، وبؤس بعضهم الآخر تجبر الفرد على فعل أشياء معينة لعدم وجود بدائل.
كثير من المهاجرين انتهى بهم المطاف في منطقة قرب مدينة فوغيا تسمى "كابيتاناتا"، وهي منطقة سهول منبسطة تبلغ مساحتها عشرات الألوف من الدونمات، وتمثل قلب منطقة إنتاج الطماطم في إيطاليا، وعلى بعد بضع مئات من الأمتار خلف الشواطئ الرملية المزدحمة بالمصطافين، يكدّ عبدول ورفاقه من المهاجرين في عمله في المزارع، إنه العمل الذي ما فتئ يثير الجدل على مدى السنين في ظل ادعاءات بوجود ظروف عمل بائسة ما انفك أرباب الصناعة يحرصون على تفنيدها.
جدل الطماطم
لكن جوسيبي غراسو رئيس منظمة آبو فوغيا التي تمثل أكثر من تسعمئة مزارع يملكون حقولاً في "كابيتاناتا"، يرى أن عملية ربط جني الطماطم بالعمالة غير القانونية من العبارات الجاهزة التي تطلق في كثير من الأوقات بحيث تبدو أكبر من المشكلة الحقيقية، لأن 95% إن لم يكن 98% من عملية الجني تكون باستخدام الآلات.
لكن هذا ليس ما وجدناه، ففي أوائل أغسطس/آب وفي ذروة فصل الجني، كانت حقول "كابيتاناتا" تعج بالعمال المهاجرين وهم يحاولون إزاحة التراب عن شجيرات الطماطم بأيديهم العارية، كما يعيش العمال الموسميون الذين يأتي أكثرهم من إفريقيا وشرقي أوروبا في مدن الأكواخ العشوائية المؤقتة والمباني الزراعية المهجورة المنتشرة في المنطقة.
ويصف عبدول الحياة في تلك العشوائية قائلا "لا توجد خدمات صحية ولا حتى حفرة يمكن أن تصرّف منها المياه القذرة، الحياة في هذه العشوائية بؤس، ويصعب القبول بها، ليس كزنوج وإنما كبشر يصعب القبول بها".
وعندما يحتاج أصحاب الحقول لاستئجار عمال، يعتمدون على خدمات يوفرها لهم أفراد يطلق عليهم اسم "الكابورال" أي مشرف العمال، ورغم أن هذه الممارسة ممنوعة بحكم القانون الإيطالي، فإن مشرف العمال يعمل بصفة وسيط بين أصحاب المزارع والعمال، كما أنه يوفر عملية نقل العاملين في جني الطماطم، من الحقول وإليها، مقابل نسبة مئوية من أجورهم.
يشار إلى أن الحد الأدنى للأجور في إيطاليا في قطاع الزراعة سبعة ونصف يورو في الساعة، ولا يمكن أن يتجاوز يوم العمل ثماني ساعات، ومع ذلك يجبر المهاجرون من أمثال عبدول على العمل لعشر ساعات أو 12 ساعة في اليوم، وفي الغالب دون عقد عمل مناسب ويُدفع لهم على أساس كمية ما قطفوه من طماطم خلال النهار.